
رواية' خريف آخر' لمحمود شقير وزمن الضياع!جميل السلحوت
رواية' خريف آخر' لمحمود شقير وزمن الضياع!
جميل السلحوت:
' خريف آخر' هي الرّواية الأولى الّتي كتبها عام ١٩٧٨ الأديب الكبير محمود شقير بعد إبعاده عن الوطن عام ١٩٧٥، ولم ينشرها في حينه، واحتفظ بها؛ ليعود إليها في العام ٢٠٢٥ منقّحا وحاذفا لثلثها تقريبا كما كتب في تقديمه لها' حذفت ما مقداره سبعة آلاف كلمة كانت تثقل متن الرّواية بسبب المباشرة والقول السّياسيّ المباشر، كما أنّني حذفت العنوان الثّاني واستبدلت به عنوانًا جديدًا هو 'خريف آخر'، وأجريت إضافات طفيفة لسدّ الفراغات التي أحدثها الحذف'.
ومحمود شقير أديب كبير متميّز صدر له أكثر من ثمانين كتابا في أصناف أدبيّة عديدة منها: القصّة القصيرة والأقصوصة، قصص الأطفال، الرّواية للكبار وللفتيان، النّقد الأدبي، المسرحيّة، أدب الرّحلات، اليوميّات، السّيرة الذّاتيّة والغيريّة، المراِثي والبكائيّات، المسلسلات التّلفزيونيّة، وغيرها.
وقد تعدّت شهرة شقير الأدبيّة السّاحتين المحلّيّة والعربيّة حيث ترجمت له العديد من أعماله لعدّة لغات، وإحدى رواياته للفتيات والفتيان اعتبرت واحدة من أفضل مئة رواية في العالم .
ولا بدّ هنا من التّنويه بأنّ الأديب شقير المولود في ١٥-٣-١٩٤١ قد بدأ مسيرته الأدبيّة بقوّة واقتدار بائنين، فقد حوّلت إذاعة صوت العرب من القاهرة عام ١٩٦٦ قصّته 'خبز الآخرين' إلى تمثيليّة وبثّتها مرّات عديدة، فانتشرت القصّة بشكل واسع.
وقد فاز الأديب شقير بعدّة جوائز عالميّة وأشهرها فوزه بجائزة محمود درويش الّتي اعتبرها أفضل من جائزة نوبل للآداب.
ويجدر القول هنا أنّ الأدب الفلسطينيّ بشكل خاصّ والعربيّ بشكل عامّ قد حظي بالمحمودين: محمود درويش في الشّعر ومحمود شقير بالسّرد القصصيّ والرّوائيّ.
وقد عرف القرّاء والنّقّاد الجادّون محمود شقير وخصوصا في العقدين الأخيرين أنّه يخوض التّجريب فيأتينا بجديد في الشّكل والمضمون، وقد تجلّى ذلك في مجموعته القصصيّة 'سقوف الرّغبة' وفي روايته الأخيرة منازل الذّكريات'
وعودة إلى روايته الأولى' خريف آخر' الّتي كتبها قبل خمسة عقود، محمود شقير الّذي يعترف بأنّ ميدانه الأساسيّ في الأدب هو القصّة القصيرة، وهو واحد من مؤسّسي فنّ القصّة القصيرة جدّا في العالم العربيّ، خاض في مجال الرّواية في مرحلة مبكرة من عمره الّذي نتمنّى أن يطول وهو بكامل قواه، فجادت قريحته ب 'خريف آخر' لكنّه لم ينشرها لحرصه الشّديد والمبالغ فيه على التّفوّق والنّجاح الباهر فيما يكتبه، وها هو يتعثّر صدفة بمخطوطة هذه الرّواية عندما تبرّع بجزء من مكتبته لمكتبة جامعة بيت لحم، فعاد إليها ونقّحها وحذف ثلثها، وبقي متردّدا وحائرا في نشرها أو يبقيها في دفاتر النّسيان.
وقد أتيحت لي الفرصة لقراءة هذه المخطوطة الّتي لم تنشر حتّي يومنا هذا.
يبدأ شقير روايته بوصف جبل الكرمل عندما تحرّر من سجن الدّامون الّذي يتربّع على قمّة هذا الجبل، – من المعروف أنّ شقير اعتقل للمرّة الأولى في شهر يوليو ١٩٦٩ لمدّة عشرة أشهر-. كما يصف ما أتيحت له رؤيته في ذلك اليوم من مدينة حيفا، ويعبّر عن عواطفه الجيّاشة تجاه تلك المدينة الّتي لم يزرها من قبل.
وتعود به الذّاكرة إلى حرب حزيران ١٩٦٧ حيث احتلت مدينته القدس جوهرة فلسطين والبلاد العربيّة تحت الاحتلال، كما يتحدّث عن جدّيه لأبيه ولأمّه، ويستذكر شيئا من حياة الجدّين، فجدّه لأبيه شارك في ثورة العام ١٩٣٦، وخاله محمود غادر أرض الوطن؛ ليلتحق بالعمل الفدائيّ، ويستذكر خاليه عليّ ومحمود دون أن يذكر أيّ اسم بشكل صريح.
كما يعود إلى بعض من ذكرياته، ومنها الجلوس في أحد مقاهي القدس'جروبي'، والتقائه فيه مع بعض الأصدقاء ومنهم ' أبو بشّار' نعيم الأشهب.
ويكتب شقير في هذه الرّواية عن حالة الضّياع الّتي عاشها من بقوا على أرض الوطن، وكيف انقسموا ما بين متمسّك بالأرض يحرثها ويزرعها ويعتاش من خيراتها، ومنهم من التحق بالعمل الأسود في الجانب الاحتلاليّ. ومنهم من مارس الجنس مع المومسات اليهوديّات معتبرا ذلك عملا نضاليّا! كما تعود به الذّاكرة إلى شارع بور سعيد الّذي غيّر المحتلّون اسمه إلى شارع الزّهراء، وكيف تحوّل ذلك الشّارع إلى بارات ومقاهي تعجّ بالسّكارى والمومسات.
عنصر التّشويق واللغة: يطغى عنصر التّشويق على السّرد الرّوائيّ، وواضح أنّ ذلك نابع من العاطفة الصّادقة الّتي تحلّى بها الكاتب وهو يكتب روايته هذه. ولغة الرّواية جاءت متعدّدة الأصوات حسب شخوص الرّواية، ومعروف أنّ أديب شقير يمتلك ثروة لغويّة بائنة، وهي من السّهل الممتنع الّذي يعجّ بالبلاغة من صور شعريّة وتشبيهات واستعارات وغيرها.
ويمكننا القول بأنّ هذه الرّواية الواقعيّة هي خليط من الذّكريات ومن السّيرة الذآتيّة ومن مسيرة شعب في مرحلة من تاريخ.
وماذا بعد؟
هذه العجالة لا تغني بأيّ شكل من الأشكال عن قراءتها.
١٦-٤-٢٠٢٥

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


ساحة التحرير
منذ يوم واحد
- ساحة التحرير
فلسسطين في النثر العربي الحديث!محمد جواد فارس
فلسسطين في النثر العربي الحديث! صور مختارة * محمد جواد فارس* أنهاالبداهة في ضرورة ان يكون المثقف ثائرا ، أو لايكون ، وفي ضرورة أن تكون الثقافة للفرح الكوني ، ضد كل ظلامية او لا تكون تلك مشكلة المثقف و الثقافة بامثياز وهي قضية الثورة في ان ٠ مهدي عامل ( حسن حمدان ) [ الثقافة و الثورة ] جبل عامل صدر هذا الكتاب للمؤلف النجاب رشيد عبد الرحمن رشيد ، عن دار الان ناشرون وموزعون 2025 ٠ الكتاب يتضمن 165 صفحة ، تضمن في صفحاته الاولى٠ أهداءات : ×الى زوجته و رفيقة دربه مها (أول من تقرأ وتنير الدرب باضاءات جميلة ) ٠ × الى أختاه سلوى و نجوى ( وتشجيع مبكر على القرأة ) ×و الى روح عمه سليمان ( ورسائل كنت أنتظرها من معتقل الجفر و خلقت في الشوق الى القراءة ) ٠ الكتاب من الحجم المتوسط و يضم في طياته 165 صفحة ، و في الفهرست يتضمن 22 مقالة لكتاب من فلسطين و سوريا وعرب ، ومنهم من سوريا الاديب حنا مينا و الباقون من فلسطين منهم محمود شقير ، و الياس نصر الله ، و سميح مسعود ، و ابراهيم غبيش ، و مجدي دعبيس ، و سعاد العامري ، و فاروق وادي ، و باسم الزعبي ، و قاسم توفيق ، و صافي صافي ، و نجاتي صدقي ، و محمود الاطرش المغربي، ونادية كامل ، و يوسف زيدان ، و عبد المجيد حمدان ، و ايمان يحيى ، و طارق قديس ، و حنا ابو حنا ، وسمير اديب ، باسم خندقجي ٠ فصيل من الادباء كتاب القصة و الملاحظ من خلال القرأة ان النجاب انتقى مقاطع من هذه الروايات و عرج على ماجاء بها ليربط وبشكل نصي حول فلسطين محور الكتاب في النثر العربي الحديث ٠ +المقالة التي ثصدرت الكتاب لحنا مينا [رواية عن انتفاضة الفلاحين ضد الاقطاع ] يكتب عنها المؤلف مايلي؛ ليس مضمزن هذه الصفحات ما يمكن ان يسمى نقدا ، بل قرأة أنطباعية و محاولة لتذوق هذا العمل ٠قاللي عنوان الكتاب ان ثمة مجموعة من الصور التي رأى الكاتب أن يتنقل بينها و صفا لموضوع او مجموعة من الموضوعات التؤ ربما كانت متصلة مترابطة أو منفصلة ، الا أن الصفحات الأولى من الكتاب وشت ان المحتوى ليس بقايا ، وانما هو عرض متكامل من الصور تنقل الراوي بينها بخفة و رشاقة ، حتى انتقاله من سرد المعلومات على لسان أمه الى رواية المشاهد بنفسه امتاز بالرشاقة و السلاسة و المنطق ٠ حفلت الرواية بالعديد من الصوزللفقر، و الجوع ، و المرض ، و التشرد و عكست معاناة الناس بشكل عام من هذه الضروف وان تناولت الأسرة بالتخصيص ٠ +وانا و الكتابة ( لمحمود شقير ) من ألف باء اللغةالى بحر الكلمات : كتب النجاب عن معرفته بالمناضل الفلسطيني محمود شقير المهتم في ادب الرواية و القصة ، يكتب عنه ؛ و للمكان في كتابات محمود شقير اهتمام لا يتزحزح ، و لا ينتقص منه شيئ ، كيف لا و للقدس مدينته وعنوان دهشته الأولى التي يشغر بالتقصير بحقها مهما كتب عنها ، والتي يعلن عن وفائه لها فيشعر ببعض العجز في التعامل مع القصة القصيرة بعد غادرها منفيا على مدى ثمانية عاما ٠ ولا يكون المكان مكانا ولا الزمان زمانا مكتملا ، بغير التفاعل مع العنصر البشري ، وقد أولى شقير هذا الجانب حقه في مشاهد متعددة ومن زويا مختلفة ، فقد تحدث عن شخصيات متعددة ومن زويا مختلفة ، فقد تحدث عن شخصيات متعددة لا ازعم أنني أستطيع الأشارة اليها جميعا ؛ اميل حبيبي ، توفيق زياد ، محمود درويش ، فاروق وادي ، مؤنس الرزاز ، مؤيد العتيلي في عالم الكتابة و الأدب ، انتقالا الى عالم الصحافة و السياسة حيث بشير البرغوثي ، و سليمان ، وكثر غيرهما ٠ + وفي كتاب ( على دروب الاندلس ) لسميع محمود و هو كتاب في أدب الرحلات يتحدث النجاب عنه : اسلوب سلس شيق ، مما يجعل القارئ يفكر في ان وصف أرب الرحلات ربما كان وصفا موجزا بالنسبة لما ضمه ذلك الكتاب من محتوى ، و لم تكن فلسطين تغيب عن كل هذا ، بل كانت نقطة التقاء ، و موضوع حوار ، وفي كل الحالات موقع توافق حول القضية الفلسطينية و عدالتها ، و كانت للكاتب مصدز فخر اذا يتحدث عن الفلسطنيين الأمميين الذين اسهموا في النضال ضد فرانكو و استشهد بعضهم هناك ، ومنهم نجاتي صدقي ، و علي عبد الخالق الذي كان موضوعا لرواية من تأليف حسين ياسين بعنوان ( علي _قصة رجل مستقيم ) ٠ و لكن اكثر ما استوقفني في حوار د٠ سميح مسعود مع عميد المستعربين الاسبان هو هذا المقطع يقول د٠ سميح مسعود [ استدركت قائلا ؛ بداية لماذا أخترت اللغة العربية التي تتقنها أكثر من أبناء الجيل العربي الجديد الذين لا يتمكنون بها و تطغي عليهم اللغات الأجنبية ؟] ٠ أبرقت عيناه فجأة وقال بنبرة عاطفية : ( لثرائها الحسي و المعنوي والبنيوي ، من حيث احتوائها عددا كبير من المفردات ، و لطريقة الاشتقاقات المتبعة فيها ، ولمتانة تركيبها و قدرتها على الوصف و التخيل ) ٠ لعل في هذه السطور ما يغني عن اي تعليق ٠ كما يعرف بالعديد من المفكرين و لأدباء و المثقفين الفلسطنيين المقيمين في الأندلس و في مدريد موضحا أبعاد الدور الذي يقومون به في شأن التبادل الفكري و الثقافي مع اسبانيا ، ومنهم عدنان الايوبي ، و الأديب و الشاعر محمود صبح ، و السيدة سلمى التاجي الفرو في مؤسسة متحف البيت الأندلسي في قرطبة و صاحبيه ٠ + (شهادات على القرن الفلسطيني الاول )لاءليا نصر الله عمل توثيقي رائد لمحطات تاريخية مفصلية ٠ أفول الدولة العثمانية مع نهاية الحرب العالمية الاولى ، و دولة الأنتداب البريطاني تملأ المشهد حضورا ظاهرة حضاري تمثل ببعض المظاهر و التغيرات في التعليم و المواصلات و القليل جدا في الصحة ، وفي باطنه تنفيذ مخططات وعد بلفور ، و حظورا يزداد ظهورا للمهاجرين اليهود ، ثم مواجهات و اضراب يجهض في عام 1936 , وحرب عالمية ثانية ، مواجهات و تهجير ، ثم النكبة الى النكسة الى احداث دموية هنا وهناك ، الى ادق التفاصيل و اصغرها ، تفاصيل عايشها و اخرى سمعنا عنها ، و ثالثة نخشا مجرد تذكرها ، ثمة محطات شهدت أرتفاعا لمعنويات الناس ، ولكنها محض محطات تاه تأثيرها في خضم ما عصف بالمنطقة من اجواء + مذكرات نجاتي صدقي [ محطات من سيرة مناضل اممي ] .ّوهي من اعداد وتقديم الشاعر حنا ابو حنا ٠ وقد غطت هذه الفصول دراسته في الاتحاد السوفيتي (1925 _ 1929 ) ثم عودته ، وعمله في صفوف الحزب الشيوعي الفلسطيني ، وأعتقاله ، ثم انقاله للعمل في فرنسا وأسبانيا بتكليف من الكومنترن ( الاممية الثالثة ) ، و عودته الى دمشق و بعدها الى بيروت كما تضمنت أطروحته لنيل الشهادة الجامعية ، أضافة الى مقال عن سيمفونية بتهوفن التاسعة بما فيها ترجمة لنشيد شيللر ، كما احتوى الكتاب فهرسا للحواشي و اخر للاعلام ٠ +طريق الكفاح في فلسطين و المشرق العربي [ مذكرات القائد الشيوعي المغربي ] : و كاتب المذكرات مازال في سن الفتوة ، وقد نقل اليه بكثير من الحماس أنباء انطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية ثم التحق في الشبيبة الشيوعية في يافا ليبدا من هناك درب النضال الطويل ، ويكون من طليعة الرفاق الذين حملوا راية الشيوعية في فلسطين وفي ظروف بالغة الصعوبة ، اتخذ الكتاب في مجمله نمطا تقريريا في السرد اشبه بالبرامج الحزبية و المعلومات ذات الطابع التنظيمي ، و كراريس الثقافة الحزبية ، دون ان يشكل ذلك انتقاصا من قيمة المعلومات الواردة فيه ، لا بل شكل في هذه التفاصيل مرجعا نادرا يبحث في تاريخ المنطقة بشكل عام ، و تاريخ الحركة الشيوعية في فلسطين وسوريا ولبنان على وجه الخصوص ، مع مراعاة ما قاله المحرر في الفصل الاخير عن قيمة المذكرات الشخصية في التاريخ للحركات الاجتماعية و السياسية ٠ اكتفي بهذه القراءة لهذا الكتاب الشيق و الرائع من حيث السرد الموضوعي و الوصفي الادبي ، و مشاركة كتاب لهم اهمية في عالم الكتابة و النثر و ما ينسجم مع عنوان الكتاب ، اترك للقارئ الكريم الاستمتاع بما جاء به ٠ و يستفيد منه من المنشغلين في الادب و القضية المركزية فلسطين ، و خاصة في هذه الايام المصيرية التي تمر بها مقاومة الشعب العربي الفلسطيني في غزة و الضفة من الابادة الجماعية ، و التهجير القصري ، و التجويع ناهيك عن قتل الاطفال و النساء و الشيوخ وتدمير المستشفيات و قتل الاطباء و الكوادر الطبية و الاسعافية ، والابادة الجماعية و تدمير البنى التحتية من قبل الصهاينة و المستوطنين المنفلتين الحاقدين و الذين قدموا الى فلسطين من اوربا و امريكا و افريقيا ٠ طبيب و كاتب 2025-05-22 The post فلسسطين في النثر العربي الحديث!محمد جواد فارس first appeared on ساحة التحرير.


ساحة التحرير
٢٨-٠٤-٢٠٢٥
- ساحة التحرير
رواية' خريف آخر' لمحمود شقير وزمن الضياع!جميل السلحوت
رواية' خريف آخر' لمحمود شقير وزمن الضياع! جميل السلحوت: ' خريف آخر' هي الرّواية الأولى الّتي كتبها عام ١٩٧٨ الأديب الكبير محمود شقير بعد إبعاده عن الوطن عام ١٩٧٥، ولم ينشرها في حينه، واحتفظ بها؛ ليعود إليها في العام ٢٠٢٥ منقّحا وحاذفا لثلثها تقريبا كما كتب في تقديمه لها' حذفت ما مقداره سبعة آلاف كلمة كانت تثقل متن الرّواية بسبب المباشرة والقول السّياسيّ المباشر، كما أنّني حذفت العنوان الثّاني واستبدلت به عنوانًا جديدًا هو 'خريف آخر'، وأجريت إضافات طفيفة لسدّ الفراغات التي أحدثها الحذف'. ومحمود شقير أديب كبير متميّز صدر له أكثر من ثمانين كتابا في أصناف أدبيّة عديدة منها: القصّة القصيرة والأقصوصة، قصص الأطفال، الرّواية للكبار وللفتيان، النّقد الأدبي، المسرحيّة، أدب الرّحلات، اليوميّات، السّيرة الذّاتيّة والغيريّة، المراِثي والبكائيّات، المسلسلات التّلفزيونيّة، وغيرها. وقد تعدّت شهرة شقير الأدبيّة السّاحتين المحلّيّة والعربيّة حيث ترجمت له العديد من أعماله لعدّة لغات، وإحدى رواياته للفتيات والفتيان اعتبرت واحدة من أفضل مئة رواية في العالم . ولا بدّ هنا من التّنويه بأنّ الأديب شقير المولود في ١٥-٣-١٩٤١ قد بدأ مسيرته الأدبيّة بقوّة واقتدار بائنين، فقد حوّلت إذاعة صوت العرب من القاهرة عام ١٩٦٦ قصّته 'خبز الآخرين' إلى تمثيليّة وبثّتها مرّات عديدة، فانتشرت القصّة بشكل واسع. وقد فاز الأديب شقير بعدّة جوائز عالميّة وأشهرها فوزه بجائزة محمود درويش الّتي اعتبرها أفضل من جائزة نوبل للآداب. ويجدر القول هنا أنّ الأدب الفلسطينيّ بشكل خاصّ والعربيّ بشكل عامّ قد حظي بالمحمودين: محمود درويش في الشّعر ومحمود شقير بالسّرد القصصيّ والرّوائيّ. وقد عرف القرّاء والنّقّاد الجادّون محمود شقير وخصوصا في العقدين الأخيرين أنّه يخوض التّجريب فيأتينا بجديد في الشّكل والمضمون، وقد تجلّى ذلك في مجموعته القصصيّة 'سقوف الرّغبة' وفي روايته الأخيرة منازل الذّكريات' وعودة إلى روايته الأولى' خريف آخر' الّتي كتبها قبل خمسة عقود، محمود شقير الّذي يعترف بأنّ ميدانه الأساسيّ في الأدب هو القصّة القصيرة، وهو واحد من مؤسّسي فنّ القصّة القصيرة جدّا في العالم العربيّ، خاض في مجال الرّواية في مرحلة مبكرة من عمره الّذي نتمنّى أن يطول وهو بكامل قواه، فجادت قريحته ب 'خريف آخر' لكنّه لم ينشرها لحرصه الشّديد والمبالغ فيه على التّفوّق والنّجاح الباهر فيما يكتبه، وها هو يتعثّر صدفة بمخطوطة هذه الرّواية عندما تبرّع بجزء من مكتبته لمكتبة جامعة بيت لحم، فعاد إليها ونقّحها وحذف ثلثها، وبقي متردّدا وحائرا في نشرها أو يبقيها في دفاتر النّسيان. وقد أتيحت لي الفرصة لقراءة هذه المخطوطة الّتي لم تنشر حتّي يومنا هذا. يبدأ شقير روايته بوصف جبل الكرمل عندما تحرّر من سجن الدّامون الّذي يتربّع على قمّة هذا الجبل، – من المعروف أنّ شقير اعتقل للمرّة الأولى في شهر يوليو ١٩٦٩ لمدّة عشرة أشهر-. كما يصف ما أتيحت له رؤيته في ذلك اليوم من مدينة حيفا، ويعبّر عن عواطفه الجيّاشة تجاه تلك المدينة الّتي لم يزرها من قبل. وتعود به الذّاكرة إلى حرب حزيران ١٩٦٧ حيث احتلت مدينته القدس جوهرة فلسطين والبلاد العربيّة تحت الاحتلال، كما يتحدّث عن جدّيه لأبيه ولأمّه، ويستذكر شيئا من حياة الجدّين، فجدّه لأبيه شارك في ثورة العام ١٩٣٦، وخاله محمود غادر أرض الوطن؛ ليلتحق بالعمل الفدائيّ، ويستذكر خاليه عليّ ومحمود دون أن يذكر أيّ اسم بشكل صريح. كما يعود إلى بعض من ذكرياته، ومنها الجلوس في أحد مقاهي القدس'جروبي'، والتقائه فيه مع بعض الأصدقاء ومنهم ' أبو بشّار' نعيم الأشهب. ويكتب شقير في هذه الرّواية عن حالة الضّياع الّتي عاشها من بقوا على أرض الوطن، وكيف انقسموا ما بين متمسّك بالأرض يحرثها ويزرعها ويعتاش من خيراتها، ومنهم من التحق بالعمل الأسود في الجانب الاحتلاليّ. ومنهم من مارس الجنس مع المومسات اليهوديّات معتبرا ذلك عملا نضاليّا! كما تعود به الذّاكرة إلى شارع بور سعيد الّذي غيّر المحتلّون اسمه إلى شارع الزّهراء، وكيف تحوّل ذلك الشّارع إلى بارات ومقاهي تعجّ بالسّكارى والمومسات. عنصر التّشويق واللغة: يطغى عنصر التّشويق على السّرد الرّوائيّ، وواضح أنّ ذلك نابع من العاطفة الصّادقة الّتي تحلّى بها الكاتب وهو يكتب روايته هذه. ولغة الرّواية جاءت متعدّدة الأصوات حسب شخوص الرّواية، ومعروف أنّ أديب شقير يمتلك ثروة لغويّة بائنة، وهي من السّهل الممتنع الّذي يعجّ بالبلاغة من صور شعريّة وتشبيهات واستعارات وغيرها. ويمكننا القول بأنّ هذه الرّواية الواقعيّة هي خليط من الذّكريات ومن السّيرة الذآتيّة ومن مسيرة شعب في مرحلة من تاريخ. وماذا بعد؟ هذه العجالة لا تغني بأيّ شكل من الأشكال عن قراءتها. ١٦-٤-٢٠٢٥


موقع كتابات
٢٠-٠٣-٢٠٢٥
- موقع كتابات
أساطير ومعتقدات أهل الصحراء النابضة بالهوية
يموج العالم المعاصر بالعنف والحركة الدائمة وعشق التطلُّع لكل ما هو حديث وخارج عن المألوف والإيمان المطلق بالعلوم وإنجازاتها، والتي من جرائها يشعر الإنسان أن باستطاعته السيطرة على زمام الكون. لكن لا تزال الأساطير تبهره، على الرغم من أنها تنطوي على اللامعقول؛ إلًّا أن لا يزال البشر، على مر العصور وعلي اختلاف حضاراتهم، يصدِّقون في قرارة أنفسهم ما يرد بالأساطير، ويتَّخذون منها نبراسًا يضئ لهم دروب المستقبل الوعر؛ والسبب أن الأساطير على اختلافها تعدّ حكايات مقدَّسة تشرح طبيعة العالم وتصقل تجربة الإنسان، بل وتساعده أن يفكِّر بشكل أفضل. والغريب أنها صالحة لكل زمان ومكان؛ فكما كانت نبراسًا للأولين، لم تنتهي صلاحيتها بالنسبة للمحدثين، وللأجيال القادمة. فمن خلال الأساطير، يستطيع الإنسان استخلاص إجابات عنالأسئلة الأزلية، وهكذا تتحوَّل إلى بوصلة توجِّه كل جيل حسب معطيات العصر. ولقد استطاع العديد من الكتَّاب الاستفادة من الأسطورة في مؤلَّفاتهم الأدبية، وهذا لأنها تمنحهم، بجانب ميزة لفت الانتباه، ميزة التعبير بحرِّية عن المواقف الاجتماعية والسياسية دون الوقوع في خطر التصادم مع السلطات المهيمنة؛ فالأسطورة توفِّر لأي عمل فنِّي طبقات متعددة يمكن من خلالها تأويل النصوص، وبالتالي الإفلات من الوقوع في حرج. وممن برعوا في استخدام الأسطورة في التعبير عن مواقف جريئة الكاتب الليبي 'ابراهيم الكوني' المولود في عام 1948. ولقد لعبت نشأته دورًا هامًا في مسيرته الأدبية؛ فهو سليل لقبيلة الطوارق في ليبيا التي تعتز بهويتها المميَّزة. وعلى هذا، حمل على عاتقه أن يكون سفيرًا لقبيلته، فاجتهد في دراسته، وسافر إلى موسكو للحصول على درجة الليسانس والماجستير في العلوم الأدبية والنقدية عام 1977، مما أهله لدخول معترك إصدار الدراسات الأدبية والنقدية واللغوية، وساعده في ذلك إجادته لثمان لغات، وهي: الطارقية والعربية والروسية والإنجليزية والبولندية والألمانية والأسبانية واللاتينية. والسبب وراء ولعه الشديد لتعلُّم اللغات إدراكه أن فهم اللغة الأم القديمة يقتضي معرفة لغات عدَّة للتعمُّق في دراستها ولمتابعة سرد التاريخ بكل اللغات الممكنة. وأصقل موهبته بتعمُّقه في دراسة تاريخ الديانات والأدب والفلسفات؛ مما أهله لأن ينتج واحد وثمانين كتابًا من العلامات الفارقة في العلوم واللآداب، والتي تُرجِم أغلبها إلى نحو 40 لغة حيَّة، مما حثّ مجلة لير الفرنسية Lire Magazine أن تختاره واحدًا من أهم خمسين كاتبًا عربيًا، وشجَّع المحتوى العلمي القيِّم لمؤلَّفاته الأوساط العلمية في أوروبا وأمريكا واليابان لأن تحتفي به، بل وترشِّحه لجائزة نوبل لعدة مرات. ويعدّ 'الكوني' الكاتب الشرق أوسطي والعربي الوحيد الذي خلَّد اسمه السويسريون في كتاب عن أبرز الشخصيات التي تقيم على أراضيهم، وهذه مكانة لم يصلها حتى الآن أي فرد من العالم الثالث. هذا بالإضافة إلى أن مؤلَّفاته تُدرَّس في العديد من الجامعات الغربية العريقة؛ مثل:السوربون وجورج تاون وجامعة طوكيو. ولقد انعكس ولعه المعرفي أيضًا على مؤلَّفاته الأدبية سواء أكانت قصَّة أو رواية. ومن الجدير بالذكر أن رائعته الملحمية رواية 'المجوس' تم اختيارها كواحدة من أفضل مائة رواية عربية، والتي أظهر فيها معرفته المستفيضة بعلوم اللاهوت وكيفية تطبيقها على المجتمع والبشر لكشف النقاب على المتغيِّرات الاجتماعية. وبعد السبب الأبرز في شهرة 'إبراهيم الكوني' والاحتفاء به، وخاصة في الغرب، أنه يعد الكاتب الذي أنقذ حياة الصحراء وقام بإحياء عاداتها وتقاليدها ومعتقداتها وخرافاتها، فكان بذلك ساردًا ومدوِّنًا لتاريخ الصحراء وشارحًا لطبيعتها. فلقد نقلت رواياته الملحمية عالم الصحراء الغريب والفريد، لما بحتويه من تعاليم الأسلاف وتأمُّلات الحكماء، وخطاب الشيوخ والعرَّافين، وكشف النقاب على موروث هائل من الأساطير، ورصد لما طرأ على حياة الصحراء من متغيِّرات بسبب الطامعين الباحثين عن الذهب والسُّلطة، الذين عكَّروا صفو حياة العاكفين الباحثين عن الله والذين لا يطمحون إلِّا لحياة بسيطة تغلِّفها الصحراء القاحلة والبيئة الصحراوية القاسية. ولقد مكَّنه أيضًا استخدام الصحراء، كأسطورة ومكان، من نقد الحياة السياسية في عهد الرئيس 'معمر القذافي'، الذي تميَّزت فترة حكمه بعدم وجود مساحة لحرية التعبير وإبداء الرأي. وتعد رواية 'نزيف الحجر' (1990)، والتي حازت على جائزة الدولة السويسرية عام 1995، واحدة من الروايات الهامة التي مزجت بين الأسطورة والحكايات الدينية والشعبية والبيئة الصحراوية وأراء الكاتب الفلسفية لنقد الحياة المابعد كولونيالية في ليبيا. وتدور الأحداث في إطار حكاية 'قابيل وهابيل' التي يقتل فيها الأخ الشه للسلطة والمال أخيه المخلص الزاهد. ومن خلال استخدام تقنية عين الكاميرا في السرد، يفتتح الكاتب صفحات الرواية على مشهد كاشف للبيئة الصحرواية التي تدور فيها أحداث الرواية، ويلتقط تلك الصورة من أعلى نقطة في وادي 'متخدوش' الذي تدور فيه أحداث الرواية، وهي صخرة يصفها الكاتب بأنها 'أهم صخرة في وادي متخدوش'؛ فهي 'الصخرة العظيمة التي تحد سلسلة الكهوف، وتقف في النهاية كحجر الزاوية لتواجه الشمس القاسية عبر آلاف السنين'. وبسبب الوصف الذي يضفى الحياة لبيئة تبدو للوهلة الأولى ميتة، تبرز قدسية الصخرة وأهميتها، ويؤكِّد أهميتها مكانتها في نفس 'أسوف'، الشَّاب العابد النَّاسك، الطويل القامة ونحيل الجسد، الذي يؤثر العزلة ويخشى التعامل مع البشر، ويخالطهم بحذر شديد. لكنه في نفس الوقت، يعشق مخلوقات الصحراء. وعلى النقيض شخصية أخيه 'قابيل'، والذي يجسِّد عنصر الشرّ في الرواية، والذي يأججه علاقته بحيوان 'الودان'، أو التيس الجبلي الذي انقرض منذ القرن السابع عشر ولكنه لا يزال يعيش في الصحراء الكبرى، والذي – كما يصفه 'أسوف' يعدّ 'روح الجبل' لما يحيط به من غموض وخاصة عند اعتصامه بالجبل إذا طورد. ويعتقد شيوخ الصوفية أن في لحمه يكمن سر من أسرار الوجود، ولذلك ينهل منه 'قابيل' ولا يشبع، لدرجة أن الودان يحلّ في جسده في حين يرى فيه 'أسوف' والده الذي كان ينهاه عن صيد الودان، وبهذا تبدأ قصة صراع البشر مع بعضهم البعض ومع الطبيعة القاسية. وتتعقَّد الأسطورة عند اعتقاد أن 'الودان' أصبح أخًا بالدم بعد موت الأب، وتتصاعد تلك العلاقة على نحو أسطوري يكشف المزيد من معتقدات أهل الصحراء وتأثير الاحتلال عليهم، سواء في شكله القديم أو الحديث متمثلًا في الشركات الأجنبية التي تنقِّب عن البترول وتفسد نهج الحياة الصحراوية بإغراءات المال والسلطان وكذلك تلويث تلك البيئة بالمركبات والمعدَّات، مما يجعل الطمع يتسرَّب إلى نفوس البشر ومعه تتزايد الشرور.