
الصناديق الاجتماعية في تونس بين فكي خطط الإصلاح واستنزاف المدخرات
تعاني الصناديق الاجتماعية عجزاً مالياً خطراً يهدد استقرار منظومة الحماية الاجتماعية في تونس، وقد نشأ عنها تدهور الخدمات في سياق أوضاع مالية معقدة بسبب الديون المتراكمة، في وقت كشف التعداد العام للسكان في تونس عن نسبة تغطية اجتماعية متواضعة لا تتعدى 42.1 في المئة، مقارنة بتغطية صحية في حدود 76 في المئة، وفق المعهد الوطني للإحصاء (حكومي).
وبلغ عجز الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية نحو 700 مليون دينار (241.3 مليون دولار) عام 2024، ومن المتوقع أن يتجاوز 1.1 مليار دينار (379 مليون دولار) خلال في العام الحالي 2025، إذ يعاني الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي عجزاً متنامياً وسط مخاوف ببلوغ عجزه 1.4 مليار دينار (482 مليون دولار)، بينما يحقق صندوق التأمين على المرض فائضاً، لكنه في الوقت نفسه يعاني نقص السيولة.
وتعد نسبة تغطية الضمان الاجتماعي في تونس التي لا تزيد على 42 في المئة من إجمال السكان منخفضة للغاية ولا تلبي الحاجات الحقيقية، ولا سيما في ظل ارتفاع معدل الشيخوخة الذي يتجاوز 16.9 في المئة من إجمال السكان الذين تزيد أعمارهم على 60 سنة.
وتكمن المشكلة الرئيسة في توسع القطاع غير الرسمي إذ لا يستفيد العاملون فيه من أية تغطية اجتماعية أو صحية، مما يضعهم في وضع هش.
وتؤكد الجهات الرسمية والخبراء ضرورة إصلاح جذري ودائم لنظام الحماية الاجتماعية من خلال تحسين النمو الاقتصادي لزيادة الموارد، وتوسيع قاعدة المساهمين لتشمل القطاع غير الرسمي، وتسريع وتيرة التوظيف للفئات العمرية الأقل حظاً، ومراجعة أنظمة التعويضات والمعاشات التقاعدية، وضمان اتساق السياسات الاجتماعية والمالية.
حلول موقتة
وكشف مستشار رئيس الحكومة سابقاً والمكلف بالملفات الاجتماعية بدر الدين السماوي عن أن "العامين الأخيرين شهدا تفاقماً في عجز صندوق التقاعد بعد أن بلغ 600 مليون دينار (206.9 مليون دولار) عام 2023 قبل أن يرتفع إلى 708 مليون دينار (244.1 مليون دولار) العام الماضي، ومن المتوقع أن يصل إلى 1.129 مليار دينار (386 مليون دولار) هذا العام"، مضيفاً أنه "بعد الإجراءات التي اتخذت عام 2019 والمتمثلة في زيادة المساهمات وفي سن التقاعد، والتي وفرت متنفساً موقتاً ليعود الإشكال الذي يفرض حلولاً جذرية لاسترجاع التوازنات وعلى رأسها التوظيف".
وحول عجز صندوق الضمان الاجتماعي أشار السماوي إلى أنه زاد من 950 مليون دينار (327.5 مليون دولار) عام 2023 إلى 1.2 مليار دينار (413 مليون دولار) عام 2024، ويتوقع أن يصل إلى 1.423 مليار دينار (482.7 مليون دولار) بنهاية العام الحالي، مرجعاً ذلك لزيادات الجرايات في مايو (أيار) 2024 بنحو 7سبعة في المئة لمتقاعدي الصندوق، لافتاً إلى أنه على رغم أن الحلول الوقتية مثل العفو الاجتماعي وفرت بعض الأموال لكنها تظل ظرفية، قائلاً إن "الحلول الدائمة هي تحقيق النمو واستيعاب القطاع غير المنظم، أي تأتي في إطار اقتصادي واسع".
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال السماوي إن "الوضعية مختلفة لدى صندوق التأمين على المرض الذي حقق فائضاً في حدود مليار دينار (344 مليون دولار) عام 2023 و861 مليون دينار (296.8 مليون دولار) خلال العام التالي 2024 و1.1 مليار دينار (379 مليون دولار) متوقعة العام الحالي"، مستدركاً "لكنه يواجه نقصاً في السيولة".
ويبلغ عدد المساهمين في صندوق الضمان الاجتماعي وصندوق التقاعد 3.5 مليون فرد، وبإلحاق أسرهم يصل عددهم إلى 8 ملايين مساهم، مما يدعو إلى النظر والتدقيق في النسبة المقدمة من قبل المعهد الوطني للإحصاء للمتمتعين بالتغطية الاجتماعية والتي لا تزيد على 42 في المئة.
انتهاك منظومة الضمان
من جانبه اعتبر المحلل المتخصص في التنمية حسين الرحيلي في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن أزمة الصناديق هيكلية منذ فترة طويلة وامتدت إلى تسعينيات القرن الماضي وخضعت لحلول ظرفية مما أدى إلى نقص الخدمات، وتجسد في التأخير في صرف جرايات (حقوق) المتقاعدين في كثير من المناسبات، مضيفاً أن "العجز نتج من ارتفاع التعهدات في مقابل الإيرادات الذي يتأتى من المنظومة التوزيعية، وقد انتقل الوضع من نشاط 13 موظفاً أو عاملاً لتوفير أجرة متقاعد إلى نشاط موظفين ونيف، وفي فترات جني فوائض كبيرة استنزفت مدخرات الصناديق واعتمادها في مستلزمات اجتماعية وصحية، مما تحول إلى استنزاف كبير وانتهاك لمنظومة الضمان الاجتماعي في تونس لسد ثغرات لا علاقة لها بالضمان الاجتماعي".
وحذر الرحيلي من عمليات التصرف التي تجري على الصناديق منذ نشأتها من قبل الدولة، إذ تمد يدها إلى هذه المدخرات وتعتبر أموالها خاضعة لتصرفها في حين أنها أموال المؤجر والأجير، وقال إن "الاختلال ما بين حجم الموارد والخدمات دبّ منذ عام 1994 عند غلق باب التوظيف ودخول تونس مرحلة أطلق عليها مرحلة الإصلاح الهيكلي، مما أدى إلى تضاءل المساهمين بعد اعتماد التقاعد الباكر وتطهير المؤسسات العمومية وانهاك الصناديق بإجراءات كبيرة".
وأضاف الرحيلي أنه "انطلاقاً من عام 1984 وحتى عام 1994 في إطار مرحلة الإصلاح الهيكلي سيئ الذكر، ولتجسيد خطة التقاعد الباكر استنزفت كل المدخرات السابقة للصناديق التي امتدت إلى 40 عاماً قبل أن تتمادي الدولة في اعتماد مدخراتها لتمويل المشاريع الاجتماعية والصحية وقروض التعليم العالي، وهي قروض متفحمة"، متابعاً أنه "أُقرت اقتطاعات من مساهمات الصناديق لفائدة موازنة الدولة خلال مناسبتين، الأولى عام 1974 ومقدارها 0.5 في المئة من مساهمة الأعراف لصندوق الضمان الاجتماعي، ثم المساهمات الاستثنائية منذ عام 2016 بقيمة 1واحد في المئة على أساس أنها استثنائية، ولا تزال سارية المفعول إلى اليوم".
وأشار الرحيلي إلى أنه تحت تأثير التغيير الديموغرافي وتراجع التوظيف، وبالتالي تراجع عدد المساهمين، انخفضت المدخرات، إذ يحدد المؤشر الديموغرافي توفير أجرة متقاعد واحد بعمل 4.2 موظف وفق المؤشرات العالمية لتحقيق التوازن المالي للصناديق، في حين لا يزيد هذا المؤشر على 2.8 في تونس، لافتاً إلى أن العجز يبدو أكبر في صندوق الضمان الاجتماعي بحكم ارتفاع عدد المساهمين إلى قرابة 600 ألف في مقابل 250 ألف متقاعد لدى صندوق التقاعد.
ولفت إلى أنه في إطار البحث عن إجراءات إنقاذ، وقع اعتماد حلول ظرفية تمثلت في الزيادة في مساهمة العمال والأعراف، بينما ترتكز الحول الجذرية على الاستقلالية في إدارة الصناديق بين المؤجر والأجير بعيداً من تصرف السلطة في الموارد المالية وتسيير الصناديق على أساس إدارات عامة، مما يستوجب استقلالية التسيير ثم استئناف التوظيف ومقاومة التشغيل الهش، خصوصاً بعد أن قضى برنامج التقاعد الباكر على مقومات المؤسسات العامة، وأدى مع غلق باب التوظيف إلى انخفاض المساهمات وارتفاع مصاريف الصناديق على حساب الإيرادات، إضافة إلى التشغيل الهش والعقود قصيرة الأجل وانعدام التغطية الاجتماعية التي تورط فيها القطاع العام ولم تقتصر على القطاع الخاص، وكذلك التجاوزات وبخاصة التصريحات الكاذبة لحجم الأجور.
وأكد الرحيلي "لا تتجاوز الأجور المصرح بها نحو 40 في المئة من متقاعدي الضمان الاجتماعي ثلثي الأجر الأدنى، بحسب معطيات الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية)، مما يشير إلى استشراء التصريحات الكاذبة وعدم مقاومتها على رغم خطورتها، كما لا تتوفر الإمكانات الضرورية لمراقبة المؤجرين، وهي ظروف عامة وممارسات واختيارات للدولة أدت إلى إفلاس الصناديق، مما يستوجب الكشف عن واقعها وتقييمها والقيام بحوار يضم جميع الأطراف لعلاجها بحكم علاقة الصناديق الاجتماعية بالطبقة العاملة، مما يحتم التباحث بين جميع الشركاء وعدم تسيير هذا الملف من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية حكراً".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

سعورس
منذ 5 ساعات
- سعورس
1.6 مليون إصابة يوميًا بسبب الغذاء غير الآمن عالميًا
أرقام صامتة تروي حكايات الوجع الحديث عن سلامة الغذاء ليس رفاهية، بل ضرورة تفرضها أرقام صادمة تكشف حجم المشكلة عالميًا. فوفقًا للتقديرات، يُصاب ما يقرب من مليون وستمائة ألف شخص بالمرض يوميًا بسبب الأغذية غير الآمنة. هذه الأرقام تتجاوز مجرد الإحصائيات لتلامس حياة كل فرد، مسببة آلامًا ومعاناة لا داعي لها. أما على الصعيد الاقتصادي، فالعبء المالي للأمراض المنقولة بالغذاء لا يقل خطورة، حيث يُقدر ب 110 مليارات دولار أمريكي سنويًا في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط. هذه التكاليف الباهظة لا تقتصر على النفقات العلاجية فحسب، بل تمتد لتشمل خسارة الإنتاجية وتأثيرها السلبي على التنمية المستدامة، مما يستدعي استراتيجيات شاملة ومبتكرة لمواجهة هذا التحدي. تزداد وطأة هذه المعاناة في الدول الفقيرة، وخاصة في قارة إفريقيا، حيث تتفاقم تحديات سلامة الغذاء بسبب محدودية الموارد، وضعف البنية التحتية، ونقص الوعي. ففي العديد من المجتمعات الإفريقية، يعتمد الناس على مصادر غذائية غير خاضعة للرقابة الكافية، وتفتقر الأسواق المحلية إلى معايير النظافة والصحة اللازمة. كما أن الظروف المناخية القاسية، والصراعات، وقلة الاستثمار في التقنيات الزراعية الحديثة، تزيد من هشاشة سلاسل الإمداد الغذائي، مما يعرض ملايين الأرواح لخطر الإصابة بالأمراض المنقولة بالغذاء، ويقوض جهود التنمية الشاملة. إن توفير غذاء آمن في هذه المناطق لا يمثل فقط مسألة صحية، بل هو ركيزة أساسية لتحقيق الاستقرار والأمن الإنساني. العلم في صميم الحل: من المختبرات إلى مائدتك في ظل هذه التحديات، تبرز منظمة الأمم المتحدة شعار "سلامة الغذاء: العلم في العمل" لليوم العالمي لسلامة الأغذية 2025، مؤكدة على الدور المحوري للعلم كحجر الزاوية في بناء منظومة غذائية آمنة. فالعلم ليس مجرد مجموعة من النظريات، بل هو الأداة الأساسية التي تمكننا من فهم الأسباب الجذرية لعدم سلامة الغذاء، بدءًا من التلوث البكتيري وصولاً إلى بقايا المبيدات. هذا الفهم العلمي الدقيق هو الذي يرشدنا إلى أفضل الممارسات للوقاية من الأمراض المنقولة بالغذاء، سواء على مستوى المزارع، أو سلاسل الإمداد، أو حتى داخل منازلنا. باستخدام المعرفة العلمية، يمكننا تطوير تقنيات جديدة للكشف عن الملوثات، ووضع معايير صارمة لجودة الغذاء، وتثقيف المستهلكين حول طرق التعامل الآمن مع الأطعمة. إن الاستثمار في البحث العلمي وتطبيق نتائجه هو المفتاح الحقيقي لخفض معدلات الأمراض، وتقليل التكاليف الصحية والاقتصادية، والأهم من ذلك، إنقاذ الأرواح. السعودية: ريادة نحو أمن غذائي مستدام ووعي متنامي على الصعيد المحلي، تولي المملكة العربية السعودية أهمية قصوى لمفهوم الأمن الغذائي وسلامته، وتعمل ضمن رؤيتها 2030 على بناء منظومة غذائية مستدامة وآمنة. تتجلى هذه الجهود في تطوير التشريعات واللوائح التي تضمن سلامة الأغذية المستوردة والمحلية، وتكثيف حملات التفتيش والرقابة على المنشآت الغذائية. كما تستثمر المملكة في التقنيات الحديثة لتحسين جودة الإنتاج الزراعي والحيواني، وتطبيق أفضل الممارسات الدولية في التخزين والتوزيع. بالإضافة إلى ذلك، تركز المملكة على رفع مستوى الوعي لدى المستهلكين بأهمية سلامة الغذاء وسبل التعامل السليم معه، وذلك لضمان بيئة غذائية صحية وآمنة للجميع. هذه الجهود المتكاملة تعكس التزام المملكة الراسخ ليس فقط بتأمين الغذاء، بل بضمان سلامته وجودته، لتكون نموذجًا رائدًا في تحقيق الأمن الغذائي المستدام. إن اليوم العالمي لسلامة الأغذية ليس فقط احتفالًا، بل هو تذكير بأن العلم هو الدرع الواقي الذي يحمي مائدتنا وصحتنا، ويدفعنا نحو مستقبل غذائي أكثر أمانًا واستدامة للجميع، محليًا وعالميًا.


Independent عربية
منذ يوم واحد
- Independent عربية
إنجاز علمي كبير في المعركة ضد "فيروس نقص المناعة البشرية"
توصل عدد من العلماء إلى إنجاز علمي كبير في معركة البحث عن علاج لـ"فيروس نقص المناعة البشرية" (أتش آي في" HIV) [المسبب لمتلازمة نقص المناعة المكتسب أو الإيدز]، بعدما كشف بحثهم عن تقدم كبير "اعتقدوا سابقاً أن تحقيقه محال". ومعلوم أن فيروس "نقص المناعة البشرية" قادر على "الاختباء" داخل خلايا الدم البيضاء، مما يجعل الجهاز المناعي في الجسم والأدوية العلاجية عاجزة عن رصده والقضاء عليه. ولكن مع ذلك، نجح باحثون في "معهد بيتر دوهرتي للعدوى والمناعة" في ملبورن الأسترالية في التوصل إلى طريقة تدفع الفيروس إلى الخروج من بعض الخلايا البشرية التي كان يختبئ في داخلها. هكذا، تسمح هذه الطريقة المبتكرة للجهاز المناعي في الجسم أو الأدوية المستخدمة بالتعرف على الفيروس والقضاء عليه، مما يعني أن الباحثين أصبحوا أقرب إلى تحقيق هدفهم في العثور على علاج نهائي للمرض. تحدثت في هذا المجال الدكتورة باولا سيفال، الباحثة في "معهد دوهرتي" وواحدة من الباحثين الرئيسين في إعداد الدراسة المنشورة في مجلة " نيتشر كومينيكيشن" Nature Communications، وقالت في تصريح أدلت به إلى موقع "غارديان" بأن تمرير "الحمض النووي الريبوزي المرسال" (mRNA) إلى داخل الخلايا كان "سابقاً خطوة محالة" في نظر الباحثين، لأن هذه الخلايا لا تمتص ما يسمى "الجسيمات النانوية الدهنية" (LNPs) المستخدمة في نقل هذا الحمض الوراثي إلى داخلها. ولكن في سبيل تجاوز هذه العقبة، طور فريق البحاثة نوعاً جديداً من "الجسيمات النانوية الدهنية"، مما سمح بإيصال تقنية "الحمض النووي الريبوزي المرسال" [اختصاراً "أم آر أن أي" MRNA في إشارة إلى نوع الحمض النووي الوراثي الذي تستند إليه] إلى خلايا الدم. من ثم، يعمل هذا الحمض على إعطاء تعليمات للخلايا بكشف النقاب عن الفيروس المختبئ في داخلها. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ونقلت صحيفة "غارديان" عن الدكتورة سيفال قولها إن فريق البحاثة اعتقد في البداية أن النتائج [التي قدمتها واحدة من الزملاء في البداية] كانت "مذهلة إلى حد أنها بدت مستحيلة [غير ممكنة]"، مضيفة أنهم يأملون في أن يكون تصميم "الجسيمات النانوية" الجديد "مساراً جديداً لعلاج "فيروس نقص المناعة البشرية". وتابعت الدكتورة سيفال: "طلبنا من زميلتنا الرجوع إلى المختبر لتكرار التجربة، وعادت في الأسبوع التالي بنتائج مبشرة شأنها شأن النتائج السابقة". "لذا كان علينا أن نصدق النتائج، وبالطبع منذ ذلك الحين، كررنا التجارب مرات عدة"، أضافت الدكتورة سيفال. "لقد فوجئنا كثيراً بالفارق الكبير الذي تحقق، كأن الليل انقلب نهاراً، من إخفاق التقنية في البداية إلى نجاحها المفاجئ. واعترتنا الدهشة والذهول"، قالت الدكتورة سيفال. وفق الدكتورة، "في مجال الطب الحيوي، لا يصل كثير من الأمور [مثل الاختبارات والتقنيات والبحوث...] في النهاية إلى مرحلة التطبيق العملي في العيادات [فلا تتحول إلى علاجات أو إجراءات يستفيد منها المرضى]، إنها الحقيقة المؤلمة، ولا أريد أن أجمل واقع الحال". "ولكن في مجال علاج فيروس 'نقص المناعة البشرية' تحديداً، لم يحدث أن شاهدنا قط أي إنجاز يقترب من جودة النتائج التي أمامنا الآن، في ما يتعلق بقدرتنا الكبيرة على الكشف عن هذا الفيروس"، أضافت الدكتورة سيفال. "بناء عليه، ومن هذه الزاوية، نحن متفائلون جداً بأننا سننجح أيضاً في تحقيق هذا النوع من الاستجابة في الحيوانات، وأننا ربما نتمكن في النهاية من تطبيق التقنية على البشر"، بحسب الدكتورة سيفال. استخدم الباحثون في الدراسة خلايا مأخوذة من متبرعين مصابين بفيروس "نقص المناعة البشرية". وسيكون من الضروري الآن النهوض بمزيد من البحوث، لمعرفة ما إذا كانت الخطوات المتخذة للكشف عن الفيروس داخل الخلايا ستتيح للجهاز المناعي في الجسم التصدي له. ومن المرجح أن تستغرق اختبارات السلامة [للتأكد من عدم وجود أثنار جانبية خطرة] سنوات إضافية، قبل السماح باستخدام هذا الاكتشاف الجديد في تجارب سريرية على البشر.


Independent عربية
منذ يوم واحد
- Independent عربية
إيلون ماسك تنحى لكن تهديدا أكبر لا يزال في البيت الأبيض
أثار روبرت أف كينيدي جونيور وزير الصحة والخدمات الإنسانية في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، جدلاً واسعاً داخل الأوساط الطبية الأميركية، حتى قبل أن تطأ قدماه مبنى وزارته الواقع في 200 شارع الاستقلال في واشنطن العاصمة. فقد قوبل ترشيحه برفض شديد من نحو 17 ألف طبيب، وقعوا على رسالة صادرة عن "لجنة حماية الرعاية الصحية" Committee to Protect Health Care (وهي منظمة وطنية تُعنى بالدفاع عن حق الأميركيين في رعاية صحية جيدة وميسورة)، دعوا فيها أعضاء "مجلس الشيوخ" إلى رفض تعيينه، وحذروا من أنه "يفتقر إلى الكفاءة اللازمة للقيادة"، واصفين إياه بأنه "مصدر خطر كبير". لكن تلك العريضة لم تُجدِ نفعاً. فاليوم، يتولى روبرت أف كينيدي الابن، المعروف بـ RFK، قيادة وكالة تقارب موازنتها تريليوني دولار، ويعمل فيها أكثر من 80 ألف موظف. وكان الرئيس ترمب كشف الأسبوع الماضي، عن "تقرير ماها" The Maha Report ("فلنجعل أميركا صحية مرة أخرى") الذي يمثل خريطة طريق وضعتها إدارته "لاستعادة صحة أطفالنا"، على حد تعبيره. هذا التقرير يعكس آراء كينيدي الأكثر إثارة للجدل، ولا سيما منها ما يتعلق باللقاحات والمبيدات الحشرية والأدوية المقررة بوصفة طبية، إلى جانب وصفه لأطفال أميركا بأنهم مفرطون في تناول الأدوية ومفتقرون إلى التغذية. قال كينيدي أمام مجموعة من المؤيدين: "لم يسبق في التاريخ الأميركي أن اتخذت حكومة فيدرالية موقفاً كهذا يتعلق بالصحة العامة". ووفقاً لصحيفة "واشنطن بوست"، اعتبر خبراء طبيون أن بعض التوصيات الواردة في التقرير "تجاوزت حدود العلم". وخلال مقابلة أجريت مع كينيدي تزامناً مع صدور التقرير، حض الآباء على التشكيك في "أية نصيحة طبية"، داعياً إياهم إلى أن "يقوموا بأبحاثهم الخاصة" - وهو موقف يرى منتقدوه أنه يقوض بصورة خطرة الإجماع العلمي. ويعتبر هؤلاء أن دعوته تشجع الأميركيين على استبدال الأدلة العلمية التي قام بمراجعتها أقران متخصصون، بمعلومات غير مؤكدة من الإنترنت. وكما قال أحد المنتقدين، فإن البحث عن لقاح لا يشبه التسوق لشراء محمصة خبز. ومع كينيدي، تصبح السياسة الصحية أقرب إلى مغامرة "إختر ما يناسبك"، ويحذر النقاد من أن لهذا النهج تداعيات خطرة على ثقة الناس وصحة الأطفال. يُشار إلى أن مهمة وزارة الصحة والخدمات الإنسانية التي يتولاها كينيدي، تتمثل في "تعزيز صحة جميع الأميركيين ورفاهيتهم، من خلال توفير خدمات صحية وإنسانية فاعلة لهم، وتعزيز التقدم السليم والمستدام في العلوم التي تدعم الطب والصحة العامة والخدمات الاجتماعية". مع ذلك، يعد كينيدي من أبرز منظري مؤامرة اللقاحات في البلاد، حتى إنه عارض إعطاء لقاح "كوفيد - 19" الذي جرى تطويره للحد من تفشي فيروس أودى بحياة أكثر من 7 ملايين شخص في مختلف أنحاء العالم. وقامت إدارة "إنستغرام" عام 2021، بحذف حسابه من على تطبيقها، لنشره معلومات بصورة متكررة حول اللقاح، جرى دحضها. واللافت أنه منذ صدور التقرير الذي استند إلى مئات الدراسات - اكتشف النقاد أن بعض تلك الدراسات هي في الواقع غير موجودة على الإطلاق، وهذه حقيقة أقرت بها السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض كارولين ليفيت، في وقت لاحق. وفيما أكدت للصحافيين هذا الأسبوع أن التقرير سيُجرى تحديثه، إلا أنها ظلت متمسكة بالدفاع عن رؤية كينيدي، قائلة إن "هذا لا يضعف جوهر التقرير الذي يُعد كما تعلمون، من بين أكثر الوثائق الصحية التي أصدرتها الحكومة الفيدرالية تأثيراً على الإطلاق". يخشى الخبراء من أن يقود ازدياد التشكيك في اللقاحات إلى عواقب وخيمة (أ ف ب/ غيتي) ويرى بعضهم أن صعود ما تسمى حركة "لنجعل أميركا صحية مرة أخرى" داخل إدارة ترمب، يمثل تحولاً مقلقاً نحو تبني شخصيات وأيديولوجيات تقوض الأسس الراسخة للصحة العامة. وفي وقت سابق من هذا الشهر، أعلن ترمب عن مرشحه لمنصب كبير الأطباء في البلاد (المتحدث الرسمي في مجال الصحة العامة)، وهي كيسي مينز، الطبيبة التي انسحبت من برنامج التخصص في الجراحة بعدما خاب أملها في نظام الرعاية الصحية، لتتجه لاحقاً إلى ممارسة الطب الوظيفي، وهو نوع من أنواع الطب البديل. ومنذ ذلك الحين، اكتسبت شهرة واسعة كإحدى أبرز الوجوه المدافعة عما يعرف بـ"مفهوم العافية". أما كينيدي، فيتضمن سجله مجموعة من الادعاءات المثيرة للجدل، من قبيل أن اللقاحات تسبب التوحد، وأن الأدوية النفسية تقف وراء حوادث إطلاق النار الجماعي، وأن "فيروس نقص المناعة البشرية" HIV ليس هو ما يسبب مرض الإيدز، بل تعاطي المخدرات الترفيهية. وألمح إلى أن "كوفيد - 19" صمم خصيصاً لاستهداف السكان البيض والسود على وجه الخصوص، وأن التعرض للمبيدات الحشرية هو عامل مسهم في اضطرابات الهوية الجنسية. وكان روبرت كينيدي جونيور زعم في مطلع مايو (أيار) الماضي خلال لقاء تلفزيوني مفتوح مع الجمهور، من دون تقديم أي دليل، أن "وكالة مشاريع الأبحاث المتقدمة الدفاعية" Defense Advanced Research Projects Agency (DARPA) - وهي ذراع البحث والتطوير لوزارة الدفاع الأميركية - تقوم بنثر مواد كيماوية على الأميركيين من خلال وقود الطائرات، في محاولة لإحياء نظرية "الكيمتريل" التي فنّدت علمياً منذ أعوام. وأثار الجدل بمواقفه المشككة في الحليب النيء وإضافة الفلورايد إلى شبكات المياه العامة (وقع حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس أخيراً على مشروع قانون يحظر إضافة الفلورايد إلى شبكات المياه العامة، مما يجعل فلوريدا ثاني ولاية أميركية تحظر ممارسة كثيراً ما اعتُبرت إجراءً أساساً للصحة العامة). ومنذ أن تولى كينيدي مهمات منصبه، قام بتسريح نحو 10 آلاف موظف من الوزارة، قبل أن يقر لاحقاً بأن بعض البرامج أُلغيت عن طريق الخطأ، وأنه سيجري العمل على استعادتها. وقبل أسبوعين، مثل أمام الكونغرس لطلب تخفيض موازنة وزارته، موضحاً أنه يخطط لإجراء تخفيضات واسعة النطاق تتماشى مع أهداف أجندة ترمب. وشأنها شأن كينيدي، تبدي كيسي مينز شكوكاً في شأن سلامة اللقاحات، وتدعو إلى إجراء مزيد من الأبحاث حول آثارها التراكمية، على رغم عدم وجود أدلة تشير إلى أن جدول التطعيم المعتمد من قبل "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" Centers for Disease Control and Prevention (CDC) يشكل خطراً على الصحة العامة. معارضو التطعيم خلال تجمع عند جسر "غولدن غيت بريدج" عام 2021 (غيتي) تيموثي كولفيلد أستاذ القانون الصحي وسياسات العلوم في "جامعة ألبيرتا" الكندية، وأحد الخبراء في دحض العلوم الزائفة في ثقافة "العافية"، يعتقد بأن حركة "لنجعل أميركا صحية مرة أخرى" التي لديها تأثير الآن في صميم سياسة الحكومة الأميركية، قد تلحق الضرر بالأجيال المقبلة. ويحذر قائلاً: "إن تقويضهم للثقة بالمؤسسات العلمية يسبب ضرراً هائلاً". وعلى أثر الاضطرابات التي أحدثتها إدارة الرئيس ترمب، أفادت تقارير بأن 75 في المئة من العلماء الذين شاركوا في استطلاع أجرته مجلة "نيتشر"، كانوا يفكرون في مغادرة الولايات المتحدة، وكانت كل من أوروبا وكندا من بين أبرز الوجهات بالنسبة إلى هؤلاء الباحثين. ويقول كولفيلد: "إن أحد أكبر مخاوفي هو حجم الضرر الذي يلحقونه بمؤسسات أساسية مثل 'المعاهد الوطنية للصحة' National Institutes of Health و'مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها'، وهذا من شأنه أن يجعل من الصعب الوصول إلى الحقيقة. ومن الأمثلة الواضحة على ذلك إحياء (كينيدي) للادعاء الكاذب الذي يربط اللقاحات باضطراب التوحد، فهو يحاول أن يصور نفسه وفريقه على أنهم أصحاب مواقف أخلاقية سامية". واستناداً إلى "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها"، فقد شهدت الولايات المتحدة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2025 عدداً من حالات الإصابة بالحصبة أكبر من تلك التي سجلت عام 2024 بأكمله. وعلى رغم أن روبرت كينيدي غيّر موقفه أخيراً واعترف بأن اللقاحات هي الطريقة الأكثر فاعلية للحد من انتشار الحصبة، فإنه في الوقت نفسه قلل من خطورة هذه العدوى، في تناقض يحذر الخبراء من أنه يواصل تقويض ثقة الناس بجدوى التطعيم. وهذه الموجة من التشكيك تعود جذورها للطبيب البريطاني السابق أندرو ويكفيلد الذي شُطب من السجل الطبي في المملكة المتحدة، بعدما أثار بحث نشر له عام 1998 ذعراً صحياً واسع النطاق، إذ زعم وجود صلة بين لقاح "الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية" MMR وبين التوحد - ذعراً صحياً كبيراً آنذاك. وأجريت معه مقابلة قبل سنوات، ووجدته لا يزال متمسكاً برأيه، على رغم أن فكرته حول العلاقة بين التوحد واللقاحات باتت موضع تفنيد واسع. وهذا الارتياب من المؤسسة الطبية وجد منبراً جديداً في حركة "لنجعل أميركا صحية مرة أخرى". ويشير تيموثي كولفيلد إلى أن وجود شخصيات تحمل مؤهلات طبية داخل حركة "لنجعل أميركا صحية مرة أخرى" يضفي عليها مظهراً من الشرعية. ويستشهد في هذا السياق بالدكتور محمد أوز، أحد أشهر الوجوه التلفزيونية في البرامج الأميركية النهارية الذي رشحه الرئيس ترمب أخيراً لتولي إدارة برنامجي "ميديكير" و"ميديكيد"، وهما البرنامجان الفيدراليان المعنيان بتوفير التأمين الصحي للمتقاعدين والأشخاص ذوي الدخل المحدود. ويقول كولفيلد: "لقد جعل الدكتور أوز من تقبّل الأفكار الهامشية والمفندة علمياً أمراً مقبولاً، بل أقرب إلى الفضيلة". على سبيل المثال، روج أوز لدواء الملاريا "هيدروكسي كلوروكوين" Hydroxychloroquine كعلاج لفيروس "كوفيد - 19". وإذا كان كينيدي ومينز والدكتور أوز يمثلون الجناح السياسي لحركة "لنجعل أميركا صحية مرة أخرى"، فإن "الأمهات الملتزمات" Crunchy Mums (اللواتي يتبنين أنماط حياة بديلة ويرفضن الأدوية والطب التقليدي) هن قوتها الشعبية. وهذه المجموعة فضفاضة التعريف، أصبحت اليوم أكثر صخباً وبات في الإمكان العثور على أفرادها على "إنستغرام"، كما هي الحال في تعاونيات الأغذية، حيث ينشرن محتوى عن الحليب النيء وحفاضات القماش والأخطار المفترضة من استخدام الزيوت النباتية المصنعة. وما بدأ كنزعة ثقافية بديلة مستندة إلى القيم البيئية والعدالة الغذائية تطور إلى حركة أكثر تسييساً تجمع بين اتجاهات الصحة والرفاهية، وحرية الأهل في تقرير ما يرونه مناسباً لأطفالهم، والانعدام العميق للثقة بالطب التقليدي السائد. أما قائد هذه الحركة فهو روبرت أف كينيدي جونيور. معارضو التطعيم يشاركون في تجمع ضد إجراءات "كوفيد" في سانتا مونيكا، كاليفورنيا، عام 2021 (أ ف ب / غيتي) ووجد خطابه المناهض للمؤسسات ضد شركات الأدوية الكبرى، والمواد المضافة إلى الأغذية، وما يعتبره مجمعاً طبياً صناعياً فاسداً، أرضاً خصبة بين الأمهات اللواتي يشعرن بأن السلطات الصحية التقليدية تتجاهلهن أو تسخر منهن. فبالنسبة إليهن، يتعلق الأمر بإعادة الإمساك بزمام الأمور في ما يتعلق بصحة عائلاتهن، في نظام لم يعُد يمكن الوثوق به. وكينيدي، بلهجته المباشرة وخطابه العاطفي، يتحدث بلغتهن ويؤكد لهن أن مخاوفهن ليست مجرد أوهام. لكن منتقديه يحذرون من أن نشر المعلومات الطبية المضللة له عواقب وخيمة. ويقول جوناثان جاري المتخصص في التواصل العلمي في "مكتب العلوم والمجتمع" Office for Science and Society التابع لـ"جامعة ماكغيل"، إن كينيدي ليس حالة فردية، بل هو جزء من حركة صحية أوسع نطاقاً، ظلت لأعوام تخبر الناس بوجوب توجيه اللوم إلى جهات تحملها المسؤولية عن مشكلاتهم الصحية. ويوضح: "تحولت الحياة العصرية بحد ذاتها إلى فزاعة. فكل ما يرمز إلى الحداثة - مثل المبيدات الحشرية والأصباغ الغذائية، وحتى اللقاحات - بات يُنظر إليه بريبة، فأي شيء لم يكن متوافراً لدى جدتك يعتبر اليوم موضع شك". ويشير جاري إلى أن جزءاً من جاذبية حركة "لنجعل أميركا صحية مرة أخرى" يكمن في وجود نواة من الحقيقة داخل رسائلها، مما يجعلها فاعلة للغاية. فهناك بالفعل قلق مشروع من الأطعمة الفائقة المعالجة. لذلك، عندما يتحدث كينيدي وغيره من قادة الحركة عن هذه القضايا، يبدو كلامهم في كثير من الأحيان منطقياً. ويتابع: "يقول الناس، 'أخيراً هناك من يسلط الضوء على أمر كنا نشعر بخطورته'، لكن المشكلة تكمن في أن الحلول التي يقدمونها غالباً ما تكون مضللة تماماً. وهذا ما يحدث عندما يدعي شخص ما أنه يفهم معاناتك ويعرف مصدرها، ويعرض عليك تفسيراً بسيطاً ولوم جهة معينة، ثم يدعوك إلى تتبعه نحو حلول يزعم أنها صحيحة، في حين أنها في الواقع تفتقر إلى أي أساس علمي". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ويقول جاري إن ما يلزم للتمتع بصحة جيدة معروف لدينا، ولا يتطلب أفكاراً ثورية. ويقر بأن هناك شيئاً من الحقيقة في الاعتقاد بأن بعض الشركات قد لا تضع مصلحة الناس في المقام الأول. لكنه يوضح: "المشكلة أن (كينيدي) يذهب إلى أبعد من ذلك، فيشوه سمعة قطاع الصناعات الدوائية بأكمله، وكل من يعمل في تنظيم الصحة العامة أو في مجال تطوير اللقاحات. هذه الرسائل تجد صدى لدى الذين يرَون أن هذه المؤسسات الضخمة تحقق أرباحاً بملايين الدولارات، فيظنون تلقائياً أن هناك أمراً مريباً فيها". الدكتور بيتر هوتيز عميد "الكلية الوطنية المعنية بأمراض المناطق الحارة " وأحد أبرز خبراء اللقاحات، أعرب عن قلقه الشديد خلال تصريح إلى مجلة "ماذر جونز" من احتمال انهيار منظومة اللقاحات، محذراً من أننا "قد نرصد فيروس شلل الأطفال في مياه الصرف الصحي، ونشهد تكرار تفشي الحصبة والسعال الديكي". ويشارك جاري الدكتور هوتيز قلقه، ويقول: "من المرجح جداً أن نشهد عودة أمراض تمكنت اللقاحات سابقاً من السيطرة عليها. نحن نشهد بالفعل ارتفاعاً في حالات الحصبة، ومن المتوقع أن تتبعها أمراض أخرى. والمؤسف أن هذه الأمراض لا تعترف بالحدود، مما يعني أن تداعياتها ستطاول دولاً أخرى حول العالم". ويختم بالقول: "يأتي ذلك في وقتٍ نشهد تفكيكاً شاملاً لنظام تمويل الأبحاث الطبية الحيوية في الولايات المتحدة... وأعتقد بأننا نتجه نحو حقبة تعود فيها العدوى للانتشار بصورة روتينية، مسببة معاناة بشرية ووفيات لا مبرر لها. وهذا بالفعل أمر يثير الرعب".