
العراقيل المصطنعة والتنميّة المأسورة: بين استغلال النفوذ ورهان الحكامة الرشيدة..
إيطاليا تلغراف
*عبدالله مشنون
كاتب صحفي مقيم بايطاليا
«أخطر ما يواجه تنمية البلاد، والنهوض بالاستثمارات، هي العراقيل المقصودة، التي يهدف أصحابها لتحقيق أرباح شخصية، وخدمة مصالحهم الخاصة. وهو ما يجب محاربته.»
هذا مقتطف من خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس، حفظه الله، بمناسبة الذكرى الثالثة والعشرين لعيد العرش المجيد، والذي وُجّه إلى الأمة في 30 يوليوز 2022.
من خلال تحليل تركيبي لمقولة جلالة الملك محمد السادس حول العراقيل التي تواجه التنمية والاستثمار؛ يمكن استنتاج ما يلي:
1. السياق العام:
تأتي هذه الإدانة في إطار الخطابات الملكية التي تسلط الضوء على معيقات التنمية والاستثمار في المغرب. فهي تندرج ضمن التوجيهات الملكية الرامية إلى تعزيز مناخ الأعمال، ومحاربة الفساد، والحد من العراقيل البيروقراطيّة التي تعيق المبادرات الاقتصادية الاستثمارية.
2. التركيب المفاهيمي:
– التنمية والاستثمار: يشير الملك إلى أن التنمية الاقتصادية لا يمكن فصلها عن تحفيز الاستثمارات، باعتبارها رافعة أساسية للنمو والتشغيل.
– العراقيل المقصودة: ليست كل العراقيل طبيعية أو ناتجة عن تعقيدات موضوعية، بل هناك عراقيل يتم وضعها عمدًا لتحقيق مصالح شخصية.
– الربح الشخصي والمصلحة الخاصة: هذه العبارة تلمّح إلى أن بعض الفاعلين داخل المنظومة الإدارية والاقتصادية يستغلون نفوذهم للحفاظ على امتيازاتهم، مما يضر بالمصلحة العامة.
– وجوب محاربتها: تتضمن المقولة دعوة صريحة إلى مواجهة هذه الممارسات التي تتنافى مع مبادئ الحكامة الجيدة.
3. البعد الاستراتيجي:
من منظور استراتيجي، يمكن تحليل هذه المقولة على مستويين:
1. على مستوى الحكامة والمؤسسات: العراقيل المصطنعة غالبًا ما تكون مرتبطة بإشكاليات الفساد الإداري والرشوة، أو بغياب آليات صارمة للمراقبة والمحاسبة. لذا، فإن التصدي لها يتطلب إصلاحات مؤسساتية تعزز الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة.
2. على مستوى الفاعلين الاقتصاديين: وجود مصالح شخصية تعرقل الاستثمار يدل على خلل في توازن المصالح بين الدولة، والمستثمرين، وبعض النخب الإدارية أو الاقتصادية، مما يفرض إعادة صياغة العلاقة بين القطاعين العام والخاص وفق معايير أكثر عدالة وإنصافًا.
3. إسقاطات على الواقع المغربي
إذا أسقطنا هذه المقولة على السياق المغربي، نجد أن هناك جهودًا ملكية مستمرة لمحاربة هذه الظواهر، من خلال:
– إصلاح مناخ الأعمال عبر تبسيط المساطر الإدارية وتشجيع الرقمنة.
– تقوية دور الهيئات الرقابية مثل مجلس المنافسة والمجلس الأعلى للحسابات.
– تحفيز الاستثمار الوطني والأجنبي عبر تقديم ضمانات قانونية ومؤسساتية.
* الخلاصة:
المقتطف يبرز إشكالية جوهرية تتعلق بتقاطع السياسة والاقتصاد، حيث يؤثر الفساد واستغلال النفوذ سلبًا على التنمية. لذلك، فإن تجاوز هذه العراقيل يتطلب إرادة سياسيّة قويّة، وتحديث البنية القانونيّة والإداريّة، وتعزيز ثقافة الحكامة الرشيدة والمبدأ الدستوري؛ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وهو ما يتماشى مع التوجهات الاستراتيجية للمغرب في العقود الأخيرة.
إيطاليا تلغراف

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


حدث كم
منذ 4 ساعات
- حدث كم
كأس إفريقيا 2025/مونديال 2030.. مسؤولون حكوميون يؤكدون على ضرورة استدامة المشاريع المطلقة
أكد مسؤولون حكوميون، أمس الأربعاء بسلا، على ضرورة استدامة المشاريع التي أطلقت بمناسبة استضافة المغرب لكأس أمم إفريقيا 2025، وكأس العالم لكرة القدم 2030 (بشكل مشترك مع إسبانيا والبرتغال). وأوضح المسؤولون، خلال لقاء نظمه الاتحاد العام لمقاولات المغرب بشراكة مع الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، بمركب محمد السادس لكرة القدم في المعمورة (قرب سلا)، أن الدينامية التي أطلقتها استضافة هذين الحدثين تندرج ضمن الزخم الاقتصادي والاجتماعي الذي يشهده المغرب تحت قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، مشيرين إلى أن المشاريع التي تم إطلاقها تستجيب لرؤية مستقبلية تتجاوز هذين الاستحقاقين. واستعرضوا، بالمناسبة، استراتيجيات قطاعاتهم المعنية، التي تم إطلاقها في إطار التحضيرات لهذين الحدثين الكرويين، داعين القطاع الخاص المغربي إلى أن يكون في الموعد ويغتنم الفرص الناشئة عن هذه الدينامية. وفي هذا السياق، قال الوزير المنتدب المكلف بالميزانية ورئيس الجامعة الملكية لكرة القدم، فوزي لقجع، إن 'تنظيم كأس العالم، بالنسبة لنا، هو حدث يأتي في إطار مسار تنموي بدأناه منذ أكثر من 25 عاما، وسنستمر فيه بنفس المنطق، الذي يقوم على التوازي والتكامل التام بين البعدين الاجتماعي والاقتصادي'. وأضاف السيد لقجع أن 'المغرب لم ينتظر تنظيم كأس العالم لبدء المشاريع المهيكلة من قبيل القطار فائق السرعة أو تأهيل المطارات'. وأكد أنه 'سواء بوجود كأس العالم أو من دونه، فإن المملكة المغربية تسير على نهج تنموي محدد ومسطر، وفق الرؤية المستنيرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، التي تستشرف المستقبل'. من جهته، حث وزير الصناعة والتجارة، رياض مزور، على مزيد من المرونة من أجل اندماج النسيج الصناعي المغربي في الدينامية التي أطلقتها استضافة كأس أمم إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030، داعيا إلى 'الحرص على أن تتسم دفاتر التحملات بمزيد من التفهم'. وقال مخاطبا مسؤولي المؤسسات العمومية المشرفة على المشاريع: 'أعلم أن بعضكم يقوم بذلك، لذلك هناك نوع من التفهم المتزايد وإدماج أكبر للنسيج الصناعي'، مطالبا، في الوقت نفسه، أرباب المقاولات بالتحلي بالجرأة في مجال الاستثمار، ومؤكدا دعم الحكومة لهم. واستطرد الوزير قائلا: 'استثمروا. قدموا منتجات تنافسية (…) وبادروا. فهذا هو الوقت المناسب. إنها مرحلة تحول، لذا نحن نعتمد عليكم جميعا'. وأضاف: 'سنكون إلى جانبكم (…) لمحاولة تكييف بعض دفاتر التحملات عند الضرورة (…) سنكون معكم، ولكن قاتلوا معنا. ارفعوا مستوى الجودة واستثمروا'. من جانبها، أبرزت وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، فاطمة الزهراء عمور، أنه تحت قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، شهد القطاع السياحي الوطني تطورا لافتا خلال السنوات الأربع الماضية، حيث بلغ عدد السياح 17,4 مليون سنة 2024، وهو رقم قياسي جعل من المغرب الوجهة الأولى على مستوى القارة الإفريقية. وأكدت الوزيرة أنه 'في هذا السياق السياحي المواتي للغاية، يمثل كأس العالم فرصة ذهبية للانتقال إلى بعد آخر'، مشيرة إلى أنه من المتوقع أن يجذب الحدث ما بين مليون ومليوني زائر إضافي، مع تحقيق عائدات اقتصادية مهمة، منها ما يقرب من 40 في المائة مرتبط بالقطاع السياحي. كما سلطت الضوء على حجم المشاهدة التلفزيونية المتوقع أن يتجاوز 5 مليارات مشاهد، مما سيمنح بلا شك إشعاعا عالميا غير مسبوق لوجهة المغرب'. وشددت على أن وزارة السياحة اليوم معبأة بالكامل لرفع الطاقة الاستيعابية للإيواء، وكذا التنشيط السياحي، مضيفة: 'نريد أن يقضي زوارنا أوقاتا ممتعة في بلادنا'. من ناحيته، قال وزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد المهدي بنسعيد، إن الوزارة ستعمل على تنفيذ سياسات محددة لمواصلة عملها على المدى الطويل. وتابع قائلا: 'بما أن الثقافة ورأس المال البشري هما أساس نهضتنا المغربية، ينبغي أن نجعل من الثقافة بعدا حاضرا باستمرار خلال هذه التظاهرات والتجمعات الكبرى التي تدمج الرياضة في المنظومة الحياتية للمواطن'. وأكد أن 'العديد من السياسات العمومية التي باشرتها الوزارة ستجد، خلال هذه المواعيد الرياضية العالمية الكبرى، فرصة لترسيخها'، مستشهدا بـ 'جواز الشباب' الذي يوحد جميع الخدمات المقدمة للشباب، أو تظاهرات مثل 'نوستالجيا' التي تبعث الحياة في المواقع الثقافية العريقة من خلال الترفيه التاريخي والثقافي. وشدد على أن 'كأس العالم ستكون فرصة لتكثيف هذا النوع من الأنشطة وتأطيرها بشكل مؤسساتي، بما يجعل المدن والمواقع المغربية تعتاد، كل حسب إمكاناته، على إحياء التراث والمعالم، ونقل الرواية المغربية للزوار الأجانب'. بدوره، أكد وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، محمد سعد برادة، أنه تمت تعبئة ميزانيات كبيرة في وقت قياسي، مبرزا أن كل شيء سيكون جاهزا لكأس الأمم الإفريقية 2025. وأوضح أن الوزارة، باعتبارها الجهة الوصية على الشركة الوطنية لإنجاز وتدبير المنشآت الرياضية (سونارجيس)، ستتولى إدارة الملاعب، وصيانتها، وتحديثها من الآن وحتى عام 2030، كما ستعمل على توفير كل المتطلبات الضرورية، والاستعانة بالشركاء والمقاولات المؤهلة لضمان تنظيم كأس الأمم الإفريقية وكأس العالم في أفضل الظروف'. وقد جمع هذا اللقاء أرباب المقاولات ومسؤولي المؤسسات العمومية والمسؤولين الحكوميين المعنيين بتنظيم كأس أمم إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030، بهدف تقديم لمحة عن الأوراش التي تم إطلاقها بهذه المناسبة، والحاجيات الاستثمارية، وكذا الخبرات والوسائل التقنية والبشرية اللازمة للأوراش الجارية أو المقبلة.


حدث كم
منذ 4 ساعات
- حدث كم
تسليط الضوء بسلا على الفرص الاقتصادية المتاحة من استضافة كأس أمم إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030
التأم أمس الأربعاء بمركب محمد السادس لكرة القدم في المعمورة (قرب سلا)، فاعلون اقتصاديون من القطاعين العام والخاص، وعدد من صناع القرار المؤسساتي والحكومي، لمناقشة الفرص التي تتيحها استضافة المغرب لكأس أمم إفريقيا 2025، وكأس العالم 2030 (بشكل مشترك مع إسبانيا والبرتغال). وتوخى هذا اللقاء، الذي نظمه الاتحاد العام لمقاولات المغرب بشراكة مع الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، بحضور رؤساء مقاولات ومسؤولي مؤسسات عمومية ومسؤولين حكوميين معنيين بتنظيم هذين الحدثين الكرويين الكبيرين، تقديم لمحة عن الأوراش التي تم إطلاقها بهذه المناسبة، والحاجيات الاستثمارية، وكذا الخبرات والوسائل التقنية والبشرية اللازمة للأوراش الجارية أو المقبلة. وشكل هذا الحدث فرصة لأرباب المقاولات للاستماع إلى خمسة مسؤولين حكوميين سلطوا الضوء على الدينامية الاقتصادية التي أطلقتها الاستعدادات لهذين الحدثين البارزين، وعلى الفرص السوقية الناشئة عن الحاجيات الكبرى في مجالات إنجاز البنيات التحتية الرياضية، والسياحية، والطرق والمطارات، إلى جانب الأنشطة الثقافية والسياحية المقررة بهذه المناسبة. ويتعلق الأمر بكل من وزير الصناعة والتجارة، رياض مزور، ووزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، فاطمة الزهراء عمور، ووزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد المهدي بنسعيد، ووزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، محمد سعد برادة، والوزير المنتدب المكلف بالميزانية ورئيس الجامعة الملكية لكرة القدم، فوزي لقجع. واستعرض هؤلاء المسؤولون الحكوميون الخطوط العريضة لبرامج عملهم تحضيرا لهذين الحدثين المهمين، مبرزين المشاريع التي تم إطلاقها لتلبية دفاتر التحملات والحاجيات التي تفرضها هذه الدينامية. كما دعوا المقاولات المغربية إلى اغتنام هذه الفرصة، من خلال الرفع من وتيرة الاستثمار، وتكوين الموارد البشرية اللازمة، والتكيف مع المتطلبات الجديدة. من جهته، نوه رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، شكيب لعلج، بتنظيم هذا اللقاء، الذي أتاح لمختلف الفاعلين الاقتصاديين الخواص الوقوف على الرهانات الاقتصادية والاجتماعية التي ينطوي عليها تنظيم فعاليات بهذا الحجم. وقال السيد لعلج، في تصريح للصحافة: 'لقد مكننا هذا اللقاء من الإطلاع على جميع الإنجازات التي تحققت في بلادنا. إنه حدث يظهر أن المغرب، في غضون خمس سنوات، سيكون مغربا متصلا، تتضاعف فيه القدرة الاستيعابية للمطارات، وتربط فيه القطارات فائقة السرعة بين فاس وطنجة ومراكش، ويوفر فرص شغل للشباب، ويشهد زخما اقتصاديا حقيقيا جديدا'. وأضاف: 'إنه حدث استثنائي لبلدنا وللمقاولات المغربية، التي يتعين عليها أن تكتسب مهنا جديدة، وأن تجلب الخبرات بالتعاون مع الشركاء الأجانب. فالمقاولات المغربية، أيا كان حجمها، ستستفيد من هذه الدينامية'. وتابع بأن 'العروض التي تم تقديمها أظهرت لنا بالفعل وجود شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص، من شأنها أن تتيح للمقاولات المغربية مواصلة النمو، وللاقتصاد الوطني زخما جديدا'. وبهذه المناسبة، اطلع المشاركون على أهم المشاريع التي تم إطلاقها في إطار التحضير لتنظيم كأس أمم إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030، من خلال عروض قدمها ممثلون عن كل من الوكالة الوطنية للتجهيزات العامة، والشركة الوطنية للطرق السيارة بالمغرب، والوكالة الوطنية لتقنين المواصلات، والمكتب الوطني للسكك الحديدية، والمكتب الوطني للمطارات، والشركة المغربية للهندسة السياحية، والشركة الوطنية لإنجاز وتدبير المنشآت الرياضية. وقد تم تعميق النقاش حول مختلف جوانب هذه المشاريع خلال جلسة الأسئلة والأجوبة، مما أتاح لأرباب المقاولات الحصول على توضيحات بشأن الجوانب التي تهم مجالات اشتغالهم.


الشروق
منذ 6 ساعات
- الشروق
فرنسا.. هل ستخرج من التاريخ؟
عندما كتب أب الترسانة النووية الفرنسية والجيوبولتيكي الجنرال بيار ماري ڤالوا كتابه 'فرنسا.. هل ستخرج من التاريخ؟'، كان يتساءل منطقيا عن مستقبل 'بلاد الغال' التي كانت إمبراطورية مترامية الأطراف، وكان هو أحد عرابي قوّتها الإستراتيجية من خلال قيادة التجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية، ليتفرغ بعدها للفكر والبحث الجيوسياسي من خلال التأليف مثل كتابه 'شمس الله تعمي الغرب'، و'أوروبا تغير سيدها'، و'وداعا للجيوش'، والذي تحدث فيه عن نهاية عصر الجيوش التقليدية وبداية عهد نماذج الجيوش التكنولوجية والعلمية. لكن جوهر تساؤل الكتاب، الذي كان يكتب من زاوية جيوسياسية عميقة، كان عن قدرة فرنسا على الاستمرار في التأثير في العالم في ظل التغيّرات الجيوسياسية الكبرى التي شهدتها الساحة الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، مع فقدان فرنسا النفوذ الاستراتيجي في إفريقيا بعد استقلال مستعمراتها، إلى ضعف القوة الاقتصادية والاجتماعية في الداخل، مرورا بتراجع قوتها العسكرية والإستراتيجية في الساحة الدولية. عصر الأفول الفرنسي تعيش فرنسا اليوم مرحلة دقيقة من تاريخها، تتّسم بتراجع استراتيجي بنيوي في ظل عالم يشهد تحوّلا جذريا في موازين القوى، فقد كانت الجمهورية الخامسة، بإرثها الإمبريالي، من بين القوى الأوروبية التي تربّعت على قمة النظام الدولي الاستعماري حتى منتصف القرن العشرين، غير أن عالم ما بعد الحرب الباردة وخصوصا في نسخته الراهنة، كشف عن انكماش متسارع للدور الفرنسي على الصعيدين الإقليمي والدولي، ففي كتابه المرجعي 'هل تخرج فرنسا من التاريخ؟'، يطرح الجنرال بيار ماري ڤالوا، أحد مهندسي القوة النووية الفرنسية، سؤالا وجوديا لا يخلو من نبوءة جيوسياسية قاتمة حول المستقبل الإمبراطوري الفرنسي مفاده: هل أصبحت فرنسا على أعتاب الخروج من التاريخ؟ وهو التساؤل الصادر عن رجل من صلب المؤسسة العسكرية والدبلوماسية، وليس مجرد صرخة حنين من معمّر تقليدي إلى مجد هيمنت فيه باريس بالقوة والإجرام، بل هو تشخيص دقيق لانهيار أسس النفوذ الفرنسي التقليدي من خلال أفول الهيمنة في إفريقيا، تداع للاستقلال الإستراتيجي، وضعف التمايز الأوروبي عن سياسات واشنطن. لقد تحوّلت باريس بعد الحرب العالمية الثانية إلى قوة ثانوية سياسيا وعسكريا، أمام صعود الثنائي القطبي الأمريكي- السوفياتي، ومع أن الجنرال شارل ديغول حاول هندسة خروج استراتيجي من التبعية عبر مشروع قومي- سيادي يقوم على ترسانة نووية مستقلة ودبلوماسية متحررة من الوصاية الأطلسية، إلا أنّ هذه المقاربة اصطدمت بتغيرات النظام العالمي منذ السبعينيات، وخصوصا بعد سقوط جدار برلين. وفي مطلع الألفية، ومع تسارع التحوّلات الجيوسياسية العالمية، وجدت فرنسا نفسها عاجزة عن صياغة مشروع استراتيجي يعيد تعريف حضورها في النظام الدولي، فقد تفكّك نفوذها في إفريقيا، وأضحت قوة متداعية تعاني من مشاكل بنيوية، وهو ما يشي بأن الأفول الفرنسي ليس مؤقتا ولا عرضيا، بل هيكليّ ومركّب، لا تعكسه فقط خريطة النفوذ المنكمش، بل أيضا الشلل الفكري المستفز والمتطرف داخل النخب الفرنسية وعجزها عن إنتاج خطاب استراتيجي بديل عن 'الرؤية الديغولية'، وهو ما تجلّى بوضوح في أزماتها مع دول الساحل والجزائر، إذ لم تعد قادرة على التكيّف مع موجة الجيل الإفريقي الجديد 'السلطوي والشعبي'، ولم تعد تتعامل مع العلاقات على أساس الندية، بل استمرت في إعادة إنتاج فكر الاستعلائية الموروث عن الاستعمار، وسط التحول في مراكز الثقل العالمي نحو 'الجنوب العالمي'Global South. ركائز العقيدة الإستراتيجية الفرنسية وضع ديغول رؤية إستراتيجية كبرى لضمان استمرار فرنسا كقوة عظمى مستقلة وفاعلة في النظام الدولي، رغم ما خلفته الحرب العالمية الثانية من تراجع في النفوذ الفرنسي، إذ تمحورت هذه الرؤية حول أربعة أسس كبرى شكّلت بمجملها ما يمكن وصفه بـ'عقيدة ديغول'، وقد سعت هذه العقيدة إلى ترسيخ الاستقلالية الإستراتيجية لفرنسا، وجعلها تتجاوز موقع التابع داخل التحالفات الغربية. كان أول هذه الأسس الحفاظ على العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي، فقد أدرك ديغول أن مقعد فرنسا في هذا المجلس لا يمثل فقط امتيازا دبلوماسيا، بل هو رافعة سياسية وهيكلية لاستمرار النفوذ الفرنسي في العالم ومنصة ضمن 'الخمسة الكبار' في إدارة شؤون العالم، وكان هذا المقعد، وفق رؤية ديغول، التعويض الرمزي والعملي عن فقدان الإمبراطورية الاستعمارية، كما شدّد ديغول على ضرورة ربط فرنسا بما تبقى من نفوذها في إفريقيا جنوب الصحراء عبر منظومة 'فرنسا-إفريقيا'، وهي شبكة سياسية وعسكرية واستخباراتية واقتصادية أنشأها بإشراف مباشر من مستشاره المكلف بالشؤون الإفريقية، جاك فوكار، ولم تكن هذه الشبكة مجرد امتداد للسياسة الاستعمارية، بل كانت بنية خفية تسهر على تثبيت رؤساء أفارقة موالين وتأمين موارد الطاقة والمعادن لفرنسا، خصوصا اليورانيوم من النيجر والنفط من الغابون، في مقابل الحماية العسكرية والسياسية، وقد استمرت هذه الشبكة تعمل بأساليب وصفها المؤرخون بالوحشية والانقلابية حتى عهد جاك شيراك، الذي خفّف من قبضتها مع نهاية الحرب الباردة. تمثّلت الركيزة الثالثة في بناء قوة ردع نووية مستقلة، تحت مسمى'القوة الضاربة' النووية، وهي ما شكّل قلب 'السيادة الإستراتيجية الفرنسية'، فقد رفض ديغول المظلة النووية الأمريكية كما أراد حلف الناتو، وأصرّ على امتلاك القرار النووي السيادي. بعد أن أصبحت فرنسا الدولة الرابعة امتلاكا للسلاح النووي، قادرة على الردع بلا وصاية أمريكية أو أنجلوسكسونية، بينما تبنّى ديغول سياسة الحياد النشط خلال الحرب الباردة، عبر الانسحاب من القيادة العسكرية الموحدة لحلف الأطلسي (1966)، ومنحت هذه المقاربة هامش مناورة واسعا في إقامة علاقات مع الصين الشيوعية، والاتحاد السوفياتي، والعالم العربي، ضمن ما وُصف بـ'ديبلوماسية التوازنات الكبرى'. بداية التراجع بدأ التراجع الإستراتيجي الفرنسي مع صعود الاقتصاد الألماني في أوروبا، رغم أن ألمانيا خرجت من الحرب العالمية الثانية مدمّرة ومن دون مستعمرات، إلا أن ألمانيا الغربية تحوّلت إلى قوة اقتصادية كبرى منذ عام 1960، وتفوقت على كل من فرنسا وبريطانيا، بناتج إجمالي بلغ 84 مليار دولار مقابل 73 مليارا لبريطانيا و62 مليارا لفرنسا، واستمر هذا التفوق حتى اليوم، إذ بلغت قيمة الناتج الإجمالي الألماني 4456 مليار دولار، 3340 مليار لبريطانيا، و3031 مليار لفرنسا. على الصعيد الاقتصادي الداخلي، تواجه فرنسا تحديات متزايدة تتمثل في ارتفاع الدين العامّ الذي تجاوز 113 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، بعد أن كان 35 بالمائة عام 1990 وارتفع إلى 57 بالمائة في عام 2000. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل إلى 128.4 بالمائة بحلول عام 2030، مع استمرار تباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع تكاليف الاقتراض، فقد سجل الناتج المحلي الفرنسي نموا بنسبة 0.9 بالمائة (2023) و1.1 بالمائة (2024)، فيما خفض البنك المركزي توقعاته لنمو 2025 إلى 0.7 بالمائة بدلا من 0.9 بالمائة المتوقعة سابقا، وتوقع نموا بنسبة 1.2 بالمائة لعام 2026، مع زيادة معدلات البطالة وانتشار الفقر في بعض المناطق. وتشير الإحصاءات إلى أن نحو 14 بالمائة من السكان الفرنسيين يعيشون تحت خط الفقر، في ظل تفاوت اقتصادي كبير بين الطبقات، إلى جانب ذلك، يشهد قطاع الصناعات الثقيلة تراجعا حادا، رغم أنه كان مصدرا رئيسيا للنمو والابتكار، مما أثّر سلبا على القدرة التنافسية والنمو الاقتصادي العامّ لفرنسا، وأدى إلى تراجع موقعها ضمن أكبر اقتصادات أوروبا. تراجع القوة العسكرية الفرنسية على الصعيد العسكري، تعيش فرنسا تراجعا واضحا في قدرتها على بسط نفوذها الاستراتيجي دوليا، رغم احتفاظها بترسانة نووية من بين الأكبر عالميا، إلا أن هذه الأسلحة، التي شكّلت ركيزة الردع الفرنسي خلال الحرب الباردة، فقدت اليوم كثيرا من فعاليتها ورمزيتها في عالم تهيمن عليه موازين الردع المتبادل والقدرات الصاروخية العابرة للقارات، التي تتفوق فيها قوى كبرى مثل بكين، وموسكو، وواشنطن. في إفريقيا، تآكلت المكانة العسكرية الفرنسية بشكل متسارع لعقود، إذ اعتمدت باريس على شبكة واسعة من القواعد العسكرية والتدخلات المباشرة في مالي والنيجر وتشاد.. لكن الموجة الجديدة لفكر السيادة الإفريقية، لاسيما بعد الانقلابات المتتالية في منطقة الساحل، دفعت هذه الدول لطرد القوات الفرنسية، كما حصل في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، فضلا عن تشاد والسنغال وكوت ديفوار، ولم تعد فرنسا قادرة على الحفاظ على وجودها العسكري في 'حدائقها الخلفية'، ولم يتبقّ لها سوى قاعدة واحدة في جيبوتي وتعاون عسكري مع الغابون. رافق هذا الانكماش في إفريقيا نكسات إستراتيجية على الصعيد الدولي، أبرزها 'صفعة الغواصات' (2021)، ما شكّل إهانة دبلوماسية وعسكرية نادرة لباريس، وكشف تراجع ثقة الحلفاء بقدرتها الصناعية والتكنولوجية في مجال الدفاع. أما في آسيا، فقد شهدت مكانة المعدات العسكرية الفرنسية تراجعا ملحوظا بعد 2022، مع انخفاض واضح في الطلب على الأسلحة الفرنسية، وواجهت صفقات بيع طائرات 'رافال'، التي روّج لها كدليل على تفوق الصناعة الدفاعية الفرنسية، عدة انتكاسات، منها أعطال فنية خاصة في أنظمة الرادار في الهند، التي أثارت مخاوف تقنية وعسكرية، إضافة إلى جدل سياسي داخلي حول شبهة فساد في صفقة الشراء عام 2021، ما أثر على سمعة الطائرات وشركة 'داسو للطيران'، كما انتشرت أنباء عن إسقاط باكستان لطائرات 'رافال' خلال النزاع الحدودي الأخير مع نيودلهي، مما يزيد من تراجع الثقة في المنظومة العسكرية الفرنسية. وهو ما يعكس فقدان فرنسا تدريجيا لمكانتها كمورد موثوق للسلاح، ويبرز تحدّيات كبيرة أمام صناعتها الدفاعية للحفاظ على حصتها في هذا القطاع الحيوي، كما أن فرنسا لم تعد قوة حاسمة في مناطق النزاع، بل تحولت إلى فاعل هامشي تتجاوزه القوى الإقليمية والدولية أو تستغني عنه. توترات مع الدول الإفريقية ازدادت التوترات بين فرنسا والدول الإفريقية التي كانت سابقا تحت سيطرة الاستعمار الفرنسي خلال السنوات الأخيرة، فقد كانت هذه الدول تمثل جبهة إستراتيجية لفرنسا عبر عقود، سواء من ناحية الموارد الطبيعية أو الأهمية الجيوسياسية، لكنها باتت اليوم أكثر استقلالية وتنوعا في علاقاتها الدولية، كما بدأ العديد من قادة إفريقيا في إعادة تقييم علاقاتهم مع فرنسا، معتبرين أن هذه العلاقة لا تزال تهيمن على مقدراتهم الاقتصادية والسياسية. في كتابه المرجعي 'هل تخرج فرنسا من التاريخ؟'، يطرح الجنرال بيار ماري ڤالوا، أحد مهندسي القوة النووية الفرنسية، سؤالا وجوديا لا يخلو من نبوءة جيوسياسية قاتمة حول المستقبل الإمبراطوري الفرنسي مفاده: هل أصبحت فرنسا على أعتاب الخروج من التاريخ؟ وهو التساؤل الصادر عن رجل من صلب المؤسسة العسكرية والدبلوماسية، وليس مجرد صرخة حنين من معمّر تقليدي إلى مجد هيمنت فيه باريس بالقوة والإجرام، بل هو تشخيص دقيق لانهيار أسس النفوذ الفرنسي التقليدي. في هذا السياق، يشير أنطوان جلاسر في كتابه 'متغطرس مثل فرنسي في إفريقيا' إلى أن ما يسميه 'الاستعلاء الفرنسي'، هو أحد أبرز أسباب تصدع العلاقة بين باريس والعواصم الإفريقية، فالطبقة الحاكمة في فرنسا لا تزال تتعامل مع القارة الإفريقية بمنطق الاستعمار الجديد، متجاهلة تطلعات السيادة والكرامة الوطنية لشعوبها، وهذا السلوك الاستعلائي يزيد من الغضب الشعبي والرسمي في إفريقيا، ويعزز الدعوات لإنهاء النفوذ الفرنسي واستبداله بشراكات تقوم على الاحترام والمساواة. كما ازدادت الدعوات إلى إنهاء العلاقة الاستعمارية بالكامل مع فرنسا في بعض الدول الإفريقية، مع إعطاء الأولوية للتعاون مع قوى جديدة مثل الصين، التي تقدّم نموذج شراكة مختلفا بعيدا عن الهيمنة التقليدية، مما جعل فرنسا اليوم في موقف دفاعي، بعدما كانت تعدّ القوة الاستعمارية التي تهيمن على قرارات الدول الإفريقية. أزمة الهوية وصراعات الداخل يناقش بيار ماري ڤالوا في كتابه أزمة الهوية الوطنية الفرنسية باعتبارها من القضايا الجوهرية التي تواجه فرنسا اليوم، إثر التحوّلات الاجتماعية والثقافية التي شهدها المجتمع الفرنسي، إذ رأى أن السياسات الحكومية في التعامل مع الهجرة أضعفت التماسك الاجتماعي، ويطرح ڤالوا سؤالا محوريا 'هل لا تزال فرنسا تعرف نفسها كأمة؟'، مشيرا إلى أن القيم الفرنسية التقليدية مثل الجمهورية والعلمانية تواجه صعوبة في التعبير عن واقع مجتمع معقد ومتغير، مما أدى إلى تباينات وانقسامات داخله، مع تراجع القيم الإستراتيجية التي كانت فرنسا تدافع عنها دوليا، مثل حقوق الإنسان والديمقراطية، إذ بدأت باريس تضع مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية فوق المبادئ الكونية، ما أثّر سلبا على سمعتها ومصداقيتها. رغم أن ألمانيا خرجت من الحرب العالمية الثانية مدمّرة ومن دون مستعمرات، إلا أن ألمانيا الغربية تحوّلت إلى قوة اقتصادية كبرى منذ عام 1960، وتفوقت على كل من فرنسا وبريطانيا، بناتج إجمالي بلغ 84 مليار دولار مقابل 73 مليارا لبريطانيا و62 مليارا لفرنسا، واستمر هذا التفوق حتى اليوم، إذ بلغت قيمة الناتج الإجمالي الألماني 4456 مليار دولار، 3340 مليار لبريطانيا، و3031 مليار لفرنسا. داخليا، رأى ڤالوا أن فرنسا تواجه صراعات اجتماعية وسياسية حادة تهدّد استقرارها، مع تصاعد التوتر بين الفئات الاجتماعية، لاسيما بين الشباب والمهاجرين. وتبرز هشاشة النظام السياسي الفرنسي مع صعود الحركات اليمينية المتطرفة، التي ارتفعت نسبتها في التصويت من 3 بالمائة إلى نحو 30 بالمائة، مصحوبة بخطاب كراهية متزايد يستهدف خصوصا الجاليات الإسلامية، وتغذيه سياسات إقصائية ومعايير مزدوجة تعمّق الانقسامات الاجتماعية، إضافة إلى تنامي موجات الإسلاموفوبيا التي تضعف اللحمة الفرنسية، فضلا عن فكر يميني استعماري يعقّد العلاقات الثنائية مع دول مثل الجزائر. ويؤكد ڤالوا على هشاشة النظام السياسي أمام هذه التحديات، مشيرا إلى أن الاحتجاجات الشعبية تعكس حالة اضطراب اجتماعي وسياسي تتطلب إعادة نظر جذرية في الهوية الوطنية والسياسات الداخلية والخارجية لفرنسا. مستقبل فرنسا تعاني فرنسا من انكماش جيوسياسي متسارع تجلّى في تراجع دورها على الساحتين الأوروبية والدولية. ففي 2024، بلغت مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي العالمي 2.1 بالمائة فقط مقارنة بـ4.2 بالمائة عام 1990، ما يعكس فقدانا تدريجيا لقدرتها الاقتصادية النسبية، ففي الصناعات الدفاعية، تراجعت حصتها في سوق السلاح العالمي من 10.5 بالمائة عام 2010 إلى 7.6 بالمائة عام 2022، لصالح منافسين مثل الصين وكوريا الجنوبية، وفق تقرير معهد ستوكهولم لأبحاث السلام. يشير أنطوان جلاسر في كتابه 'متغطرس مثل فرنسي في إفريقيا' إلى أن ما يسميه 'الاستعلاء الفرنسي'، هو أحد أبرز أسباب تصدّع العلاقة بين باريس والعواصم الإفريقية، فالطبقة الحاكمة في فرنسا لا تزال تتعامل مع القارة الإفريقية بمنطق الاستعمار الجديد، متجاهلة تطلعات السيادة والكرامة الوطنية لشعوبها، وهذا السلوك الاستعلائي يزيد من الغضب الشعبي والرسمي في إفريقيا، ويعزّز الدعوات لإنهاء النفوذ الفرنسي واستبداله بشراكات تقوم على الاحترام والمساواة. كما انخفض حجم التجارة الفرنسية مع إفريقيا جنوب الصحراء بنسبة 21 بالمائة بين 2015 و2022، في حين تضاعفت المبادلات التجارية الإفريقية مع الصين خمس مرات منذ 2000. وفي أوروبا، أظهرت بيانات مجموعة ماكنزي تراجع حصة فرنسا من الاستثمارات الصناعية لصالح ألمانيا وبولندا، كما تراجع ترتيبها في مؤشر الابتكار العالمي إلى المرتبة 12 بعد أن كانت ضمن العشرة الأوائل، ما يعكس هشاشة موقعها في سباق الثورة الصناعية الرابعة. أما الحرب في أوكرانيا، فقد أكدت ارتهان باريس للمظلة الأطلسية بقيادة واشنطن، فرغم محاولات ماكرون لتعزيز 'الاستقلالية الإستراتيجية الأوروبية'، إلا أن الواقع أظهر محدودية هامش المناورة الفرنسي، خاصة في ظل هيمنة القرار الأمريكي داخل الناتو وضعف الإجماع الأوروبي، وتراجع الدور الأمريكي في بعض الفترات، وأمام صعود قوى جديدة مثل الصين، والهند، وتركيا، وتنامي تكتلات اقتصادية كبرى (بريكس، ومنظمة شنغهاي)، أصبحت فرنسا في موقع المراقب بدلا من الفاعل، وسط نظام دولي سريع التوجّه نحو التعددية القطبية، فهذا التراجع لم يعد ظرفيا أو رمزيا، بل هيكليا، وتؤكده الأرقام والسياسات المتذبذبة.