
شحنات الموت الإيراني.. كيف تُبقي طهران اليمن رهينة للسلاح والدمار؟
يناقش هذا التحليل أبعاد هذه الشحنة وتوقيتها، ويستعرض علاقتها بالاستراتيجية الإيرانية في اليمن، لنفهم كيف يشكل استمرار الدعم العسكري عائقا أمام عودة الاستقرار لليمن بما في ذلك البحر الأحمر.
لم يكن ضبط شحنة الأسلحة مجرد حادثة أمنية عابرة، بل شهادة دامغة على استمرار التهريب الإيراني إلى الحوثيين، في تحدٍ سافر للتعهدات والقرارات الدولية مثل القرار رقم 2216، كما تمثّل دليلاً إضافياً على ازدواجية السلوك الإيراني، الذي يجمع بين الإنكار العلني والدعم الخفي المتواصل، في إطار استراتيجية ممنهجة لإبقاء الصراع مشتعلاً وزعزعة أمن المنطقة.
هذه الكمية الضخمة من الأسلحة تعني أن الحوثيين باتوا يمتلكون قدرة متنامية على تنفيذ عمليات عسكرية أكثر دقة وفتكاً، تستهدف ليس فقط الجبهة الداخلية في اليمن، بل تتجاوز ذلك إلى دول الجوار والمنطقة. إن تنوع وتعقيد الأسلحة المصادَرة يعكس وجود شبكة تهريب إقليمية عالية التنظيم تعمل خارج إطار القانون الدولي، وتستخدم طرقاً بحرية وبرية معقدة لضمان وصول هذه الشحنات إلى أيدي الحوثيين، مما يعكس حجم الاستثمار السياسي والعسكري الذي توظفه طهران في مشروع الحوثيين، والذي لا يهدف سوى إلى تقويض استقرار المنطقة وتوسيع نفوذها الجيوسياسي.
تشير المعلومات التي نشرتها المقاومة الوطنية إلى أن الشحنة شملت: منظومات صاروخية بحرية وجوية، ومنظومات دفاع جوي، ورادارات حديثة، وطائرات مسيّرة استطلاعية وهجومية مع منظومات إطلاق، بالإضافة إلى أجهزة تنصّت واستخبارات ميدانية، وصواريخ مضادة للدروع، مدفعية B10، عدسات تتبّع حرارية، قناصات، ذخائر، ومتفجرات متنوعة.
وتؤكد طريقة تهريب هذه الأسلحة أنها على درجة عالية من الاحتراف والتمويه، إذ تم تفكيكها وإخفاؤها داخل مولدات كهربائية، ومكائن صناعية، ومضخات هواء، في حين وُضعت الذخائر داخل أجسام بطاريات مصنّعة بعناية لعدم إثارة الشكوك. ناهيك عن أن الأخطر هو أن مسار التهريب كان غرب الممر الملاحي الدولي في البحر الأحمر، وهي منطقة حيوية للملاحة العالمية، ما يُنذر بعواقب تتجاوز اليمن إلى الأمن البحري الدولي.
كل طن من هذه الشحنة يعني مزيداً من الضحايا، والدمار، وتوسّعاً في النزوح، واستمراراً للكارثة الإنسانية التي يعيشها اليمنيون والتي تُوصف بالأكبر في العالم، بحسب الأمم المتحدة.
استمرارية الدعم الإيراني
إن استمرار تدفّق السلاح الإيراني إلى مليشيا الحوثي بهذه الكثافة والانتظام يمثّل الدليل الأقوى على أن الجماعة لا تمتلك أي نية حقيقية نحو السلام، ولا تعترف بمبدأ التفاوض، ولا تؤمن بالتعايش الوطني كأرضية لحل الأزمة.
رغم كل المبادرات الدولية، والهدن، بما في ذلك تلك القائمة منذ 2022، ومحاولات بناء الثقة، ما زال الحوثيون يراهنون على القوة المسلحة كأداة لفرض أجندتهم السياسية والمذهبية، معتمدين على الإمداد المستمر من السلاح والتمويل الإيراني.
المنطق السياسي البسيط يقول إنه لو كانت الجماعة جادة فعلاً في الانخراط السياسي، لكانت أوقفت التصعيد العسكري، وشاركت بمرونة في العملية السياسية، وتخلّت عن اعتمادها شبه الكامل على العنف المنظم والمدعوم خارجياً. لذلك فإن اعتمادها على القوة العسكرية يعبّر عن رفضها العميق لفكرة الشراكة الوطنية، وتطلّعها لفرض مشروع أحادي بالقوة، وهو ما يناقض كل أسس الديمقراطية والتعايش، ويجعل من أي حل سياسي في المستقبل مجرد وهم يصطدم بجدار السلاح المهرّب.
من جانب آخر، يمثل الدعم الإيراني عقبة كبرى أمام أي جهود دبلوماسية جادة، ذلك أن الميليشيات المسلحة التي تحصل على إمداد مستمر لا تجد دافعاً للانخراط في مفاوضات حقيقية أو تقديم تنازلات، لأنها تؤمن بأنها قادرة على فرض واقعها بقوة السلاح.
أضف إلى ذلك أن هذا التهريب يشكّل خرقاً سافراً لقرارات مجلس الأمن، وعلى رأسها القرار 2216 الذي ينص صراحة على حظر توريد السلاح للحوثيين، وقرار الولايات المتحدة الذي صنّفهم كجماعة إرهابية.
طرق التهريب المعقّدة
أثبتت عمليات ضبط شحنات السلاح أن الحوثيين يعتمدون على شبكات تهريب منظّمة ومعقّدة تمتد من إيران إلى البحر الأحمر، مروراً بخليج عدن وبحر العرب، وتستفيد من ضعف الرقابة على بعض الموانئ والجزر.
لم تتوقف هذه الشبكات عن العمل خلال السنوات الماضية، بل تصاعد نشاطها مؤخراً بالتوازي مع تصعيد الحوثيين البحري واستهدافهم الممنهج للملاحة الدولية.
تبدأ عملية التهريب عادة من ميناء بندر عباس أو ميناء جاسك الإيرانيين، حيث تُنقل الشحنات على متن سفن تجارية أو صيد، ثم تُسلَّم في عرض البحر إلى وسطاء يمنيين تابعين للحوثي. تتولى عناصر حوثية أو مرتبطة بها مهمة التغطية، مثل الصيادين في الجزر الإريترية الذين يستخدمون قواربهم في نقل السلاح، أو عناصر الحوثي الذين ينتحلون صفة خفر السواحل ويوفّرون المسارات الآمنة لإدخال الشحنات إلى ميناء الحديدة.
هذه الشبكات المعقّدة تجعل من الصعب جداً على القوى الإقليمية والدولية رصد كل حركة، مما يمنح الحوثيين قدرة شبه مستمرة على إعادة بناء وتحديث ترسانتهم العسكرية.
التحديات على مستقبل اليمن
إن استمرار تدفّق الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين يشكّل تهديداً وجودياً لليمن، وخطراً متعاظماً على استقرار المنطقة والأمن البحري الدولي.
في الداخل اليمني، تعني هذه الأسلحة تصاعداً في القصف، وتهجيراً قسرياً للمدنيين، وتدميراً للبنية التحتية، وتعميقاً للأزمة الإنسانية التي تُصنّف ضمن الأسوأ عالمياً.
أما على الصعيد الإقليمي، فإن استخدام هذه الأسلحة في استهداف الملاحة في البحر الأحمر والمنشآت الحيوية في الخليج، يضع اقتصاد المنطقة والعالم أمام مخاطر جسيمة، لا سيما في ظل اعتماد التجارة العالمية على هذه الممرات البحرية.
التحدي أمام المجتمع الدولي لم يعد مقتصراً على وقف شحنات السلاح، بل أصبح ضرورة للضغط الجاد على إيران لوقف دعمها العسكري المباشر وغير المباشر للحوثيين، وفرض تدابير فعالة على الجماعة لإجبارها على الدخول في عملية سياسية جادة وشاملة.
من دون تجفيف هذا الدعم الإيراني، ستبقى كل مبادرات السلام محاولات مؤقتة سرعان ما تنهار تحت وقع البنادق المهرّبة.
في المجمل، يعكس الدعم الإيراني المستمر للحوثيين رهاناً استراتيجياً طويل الأمد على هذه الجماعة كمخلب إيراني متقدّم في جنوب البحر الأحمر، بعد تراجع أذرع طهران في سوريا ولبنان.
وهذا يشير إلى أن الانخراط الشكلي للحوثيين في المسارات السياسية لا يعدو كونه تكتيكاً مرحلياً، هدفه كسب الوقت وتعزيز الموقع العسكري، لا القبول الحقيقي بالسلام.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


اليمن الآن
منذ 2 ساعات
- اليمن الآن
امريكا تقول كلمتها بشأن البنك المركزي في عدن وتحركاته.. وتحذر
اخبار وتقارير امريكا تقول كلمتها بشأن البنك المركزي في عدن وتحركاته.. وتحذر الخميس - 07 أغسطس 2025 - 06:48 م بتوقيت عدن - عدن، نافذة اليمن: قالت السفارة الأمريكية لدى اليمن، اليوم الخميس، إن الحفاظ على استقلالية البنك المركزي اليمني بات ضرورة ملحّة لإنقاذ الاقتصاد الوطني، محذرة من أن استمرار التدخلات السياسية في عمل المؤسسات المالية يُهدد معيشة اليمنيين بشكل مباشر. وأشادت السفارة، في بيان رسمي، بالخطوات التي اتخذها محافظ البنك المركزي أحمد غالب، خلال الأسبوعين الماضيين، مؤكدة أن تلك الجهود ساهمت في تعزيز قيمة الريال اليمني بنسبة تقارب 50%، والحد من المضاربة على العملة، في مؤشر واضح على أثر السياسات النقدية المستقلة في تحقيق الاستقرار. وأضاف البيان، أن "محادثة مثمرة جرت اليوم مع المحافظ أحمد غالب بشأن أهمية استقلالية البنك"، في إشارة إلى دعم واشنطن للإدارة النقدية الحالية. ودعت السفارة الأمريكية إلى تطبيق إصلاحات اقتصادية عاجلة، مجددة التحذير من أن أي محاولة لتسييس البنك المركزي أو عرقلة استقلاليته من شأنها أن تُفاقم الأزمة الإنسانية وتُقوّض فرص التعافي الاقتصادي في البلاد. الاكثر زيارة اخبار وتقارير فضيحة أممية كبرى.. تعيين قيادي شيعي خطير باليمن لخدمة الحوثي ومحامي يدعو ال. اخبار وتقارير أول خطوة لتثبيت الصرف.. لجنة المعبقي: لا دخول لأي بضائع إلا عبر هذه الآلية . اخبار وتقارير الأمم المتحدة تحذر من "قنبلة نقدية" في صنعاء تُهدد اليمن بالكامل. اخبار وتقارير الحوثيون يهاجمون مشايخ خولان في قلب صنعاء.. ويفجرون غضب القبائل بإهانة تاري.


اليمن الآن
منذ 4 ساعات
- اليمن الآن
اختتام دورة تدريبية بعدن حول 'أساسيات الإحصاءات والسجلات الإدارية'
اختُتمت، اليوم الخميس، في العاصمة عدن، الدورة التدريبية المتخصصة في 'أساسيات الإحصاءات والسجلات الإدارية'، التي نظمها مركز التدريب الإحصائي بالجهاز المركزي للإحصاء بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان، وضمن جهود بناء وتعزيز قدرات الكوادر الوطنية العاملة في القطاع الإحصائي وفي إطار الانتقال إلى نظام السجلات الإدارية للبيانات. وتلقى 20 متدربًا ومتدربة من الوحدات الإحصائية التابعة للمكاتب التنفيذية بعدن والجهاز المركزي للإحصاء، على مدى ستة أيام، معارف ومفاهيم أساسية حول البيانات الإدارية، والمبادئ العامة للإحصاءات الرسمية، والإطار القانوني الناظم للعمل الإحصائي، إلى جانب آليات تنظيم وإدارة النظام الإحصائي الوطني، ورسم خرائط مصادر البيانات، وطرق توظيفها لدعم اتخاذ القرار وصياغة السياسات العامة. وأكدت رئيس الجهاز المركزي للإحصاء، الدكتورة صفاء معطي، أهمية هذه الدورة التي تأتي ضمن سلسلة من الدورات التدريبية الهادفة إلى رفع كفاءة الكوادر الوطنية العاملة في القطاع الإحصائي، وتعزيز الجاهزية المؤسسية للانتقال نحو نظام رقمي حديث ومتكامل للسجلات الإدارية الإحصائية تمهيدًا للعمل عليه بما يتوافق مع الأنظمة الإقليمية والدولية في مجال الإحصاء للمساهمة في تحسين جودة البيانات الرسمية. وشددت على ضرورة ترجمة مخرجات الدورة إلى خطوات عملية في الميدان من خلال ترسيخ ثقافة السجلات الإدارية في جميع المؤسسات الرسمية، والعمل على تطوير بنية البيانات الإحصائية بما يُسهم في دعم عملية التخطيط وصياغة السياسات العامة على أسس علمية دقيقة وواضحة. وأشادت بدعم وجهود صندوق الأمم المتحدة للسكان لإقامة مثل هذه الدورات والبرامج التدريبية التي تساهم في تأهيل وتطوير وبناء قدرات المؤسسات الوطنية بما يواكب التحولات الرقمية ومتطلبات التنمية المستدامة، كما أثنت على جهود الخبير الدولي الدكتور عمر علي عصمان، ومساهماته النوعية في تبسيط المفاهيم الإحصائية وتعزيز فهم المشاركين لآليات العمل الحديثة في إدارة وتطوير السجلات الإدارية وغيرها الكثير من البرامج التدريبية الأخرى. من جانبه، عبر السيد عدنان بعيو، مُمثلًا عن صندوق الأمم المتحدة للسكان، عن سعادته البالغة بالمشاركة في اختتام البرنامج التدريبي، مؤكدًا حرص الصندوق على دعم جهود بناء القدرات الوطنية في المجال الإحصائي باعتبارها خطوة جوهرية نحو تعزيز نظم البيانات الوطنية وتفعيل دور الإحصاءات الرسمية في دعم صنع القرار القائم على الأدلة. وأوضح أن ما تحقق من إنجازات يعكس عمق التعاون بين الصندوق والجهاز المركزي للإحصاء، ويبرز أهمية الدور الذي يؤديه الجهاز في إنتاج بيانات دقيقة وموثوقة تُشكل أساسًا للسياسات الفعالة والتنمية المستدامة. وفي الختام جرى تكريم المشاركين والمشاركات بشهادات تقديرية. تعليقات الفيس بوك


اليمن الآن
منذ 4 ساعات
- اليمن الآن
الزُبيدي يتابع جهود إعادة تشغيل مصافي عدن
اخبار وتقارير الزُبيدي يتابع جهود إعادة تشغيل مصافي عدن الخميس - 07 أغسطس 2025 - 04:41 م بتوقيت عدن - عدن، نافذة اليمن: عقد القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عضو مجلس القيادة الرئاسي، اليوم الأربعاء في العاصمة عدن، لقاء مع وزير النفط والمعادن الدكتور سعيد الشماسي. واطّلع القائد من الشماسي على أبرز الخطوات التي تم اتخاذها لتأمين التمويل اللازم لإعادة تشغيل مصافي عدن، ونتائج التنسيق مع البنوك المحلية لتوفير مبلغ 20 مليون دولار، وتأمين الكميات المطلوبة من النفط الخام لتكرير المشتقات البترولية بطاقة 6000 برميل في المرحلة الأولى من التشغيل. كما استمع القائد إلى شرح وافٍ حول مستوى التنسيق القائم مع الشركة الصينية المنفذة لمحطة كهرباء المصفاة، تمهيدًا لعودتها إلى العاصمة عدن واستكمال أعمال التركيب، بما يسهم في رفع القدرة التوليدية وتحسين خدمات الكهرباء. وفي هذا السياق، قدم الوزير الشماسي إحاطة حول الترتيبات الجارية لتأمين كميات من النفط الخام المحلي، بهدف تعزيز منظومة الكهرباء في العاصمة عدن وعدد من المحافظات، لتخفيف معاناة المواطنين في ظل الأوضاع الخدمية الصعبة. كما أطلع الوزير الشماسي الرئيس الزُبيدي على نتائج مباحثاته مع ممثل الجانب الروسي في اللجنة اليمنية-الروسية المشتركة لتنشيط الاستثمار والتبادل التجاري، التي زارت العاصمة عدن مؤخرًا، في إطار التحضيرات الجارية لعقد الاجتماع الثاني للجنة والمقرر انعقاده خلال شهر سبتمبر المقبل. الاكثر زيارة اخبار وتقارير فضيحة أممية كبرى.. تعيين قيادي شيعي خطير باليمن لخدمة الحوثي ومحامي يدعو ال. اخبار وتقارير أول خطوة لتثبيت الصرف.. لجنة المعبقي: لا دخول لأي بضائع إلا عبر هذه الآلية . اخبار وتقارير الأمم المتحدة تحذر من "قنبلة نقدية" في صنعاء تُهدد اليمن بالكامل. اخبار وتقارير الحوثيون يهاجمون مشايخ خولان في قلب صنعاء.. ويفجرون غضب القبائل بإهانة تاري.