
رمضان في عُمان.. خيوط متصلة
حمود بن علي الطوقي
وأنا أستعيدُ تلك الذكريات الرمضانية، وجدت أنني لست وحدي من عاش هذه التفاصيل، أشاد عدد من الأصدقاء الذين قرأوا ما كتبتُ، مؤكدين أن رمضان في مختلف قرى وولايات السلطنة يحمل الطابع ذاته؛ حيث تتشابه العادات والتقاليد، وكأنها خيوط مُتَّصلة تنسج نسيجًا واحدًا من الروحانية والتآلف الاجتماعي.
ومهما اختلفت المواقع والمسميات، فإن الأجواء تبقى متقاربة: الاستعداد المبكر للشهر، موائد الإفطار التي تجتمع حولها العائلات، والتواصل الاجتماعي الذي يزدهر في هذا الشهر الفضيل. يبدو أن رمضان في عُمان ليس مجرد طقس ديني، بل هو حالة وجدانية يعيشها الجميع بروح واحدة، رغم تنوع البيئات والمناطق.
كان رمضان في ذلك الزمن مختلفًا، له طعم خاص، وكانت عقارب الساعة تمر ببطء، وكأن الوقت مبارك تزيد فيه البركة في كل شيء. يبدأ اليوم منذ الصباح الباكر بصلاة الفجر جماعة، ثم الجلوس في حلقات تحفيظ القرآن، وأذكر أننا كنا نجلس مع آبائنا بعد صلاة الفجر في دائرة نقرأ القرآن، ونستمر في التلاوة حتى طلوع الشمس، ثم نستعد للذهاب إلى المدرسة. لم تكن الحافلات متوفرة كما هو الحال اليوم؛ بل كنا نذهب في سيارات "البيك آب"، التي كانت وسيلة النقل الشائعة في ذلك الوقت، فنعيش مع الطريق رحلتنا اليومية بروح من الألفة والبساطة.
وكان المذياع هو رفيق الأمسيات الرمضانية، فقد كان الوسيلة الأهم لمتابعة برامج الشهر الكريم، حيث لم يكن التلفزيون قد دخل بعد إلى أغلب البيوت. كنا نحرص على متابعة فوازير رمضان والمسابقات الإذاعية، إلى جانب المسلسلات المحلية التقليدية، ومن بينها المسلسل العُماني الشهير 'الفك المفترس' (شنكوب وفاغورة)، الذي كان من بطولة الفنان صالح شويرد وفخرية خميس، كما كنا نتابع المسلسل السوري 'غوار الطوشة'، الذي كان يحظى بشعبية كبيرة في ذلك الوقت. ولم يكن المذياع مجرد وسيلة للترفيه، بل كان أيضًا نافذتنا إلى العالم، حيث كنا نستمع إلى إذاعة "بي بي سي" الشهيرة، وخاصة برنامجي "ما يطلبه المستمعون" و"قول على قول"، اللذين كانا يحظيان بمتابعة واسعة.
ومع توالي هذه الذكريات، وجدت أن ما أرويه ليس مجرد استعادة لمواقف مضت؛ بل هو توثيق لمرحلة تتطلب التوثيق، خاصة في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها الزمن. رمضان الذي عشته في قريتي، بكل تفاصيله من الاستعدادات المُبكِّرة إلى وداعه في لياليه الأخيرة، لم يكن مجرد طقوس نؤديها، بل كان نمط حياة متكاملًا، يتجدد كل عام بروح الجماعة والتراحم. هذا السرد هو محاولة لحفظ ملامح تلك الأيام، قبل أن تتلاشى في زحام الحداثة، وقبل أن تصبح مجرد حكايات تُروى للأجيال القادمة عن زمن كان فيه رمضان أكثر بساطة ودفئًا.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشبيبة
٠٦-٠٥-٢٠٢٥
- الشبيبة
اختتام فعاليات حملة لولو قيادة الاحلام 2025 وتسليم السيارات والجوائز للفائزين
اختتم لولو هايبر ماركت عُمان حملته الترويجية السنوية الكبرى لهذا العام، "قيادة الأحلام 2025"، بحفل توزيع الجوائز الكبرى في فرع بوشر. وشهد السحب النهائي الذي أُجري في 24 أبريل 2025 ختام الحملة الترويجية التي استمرت لشهرين، والتي تزامنت مع احتفالات شهر رمضان المبارك وعيد الفطرالسعيد. وفاز بسيارات نيسان باثفايندر كل من: سعود بن سليمان الوهيبي، سالم الشبلي، فقيرة مستهيل، رضوان إنامدار، راجكومار كوكولا، منى، يونس مبارك، ديفياش باراندي. كما حصل أربعون فائزًا آخر على هدايا قيّمة من آيكون. ووزعت إدارة لولو عُمان وفريق نيسان الجوائز على الفائزين بحضور حشد كبير من المتسوقين والمهنئين والإعلاميين، بالإضافة إلى مسؤولي وموظفي لولو هايبر ماركت عُمان. ومنحت حملة "قيادة الأحلام"، التي أُقيمت في جميع فروع لولو في السلطنة، المتسوقين فرصة للفوز بثماني سيارات نيسان باثفايندر- اس ذات الدفع الرباعي كجوائز كبرى، بالإضافة إلى 40 هدية أخرى من آيكون، بما في ذلك أجهزة تلفزيون ذكية، ومواقد طهي، وثلاجات، وغسالات، ومقلاة هوائية. وقد تأهل العملاء الذين اشتروا بقيمة 10 ريالات عمانية كحد أدنى من أي فرع من فروع لولو هايبر ماركت في عُمان خلال فترة العرض الترويجي للمشاركة في السحوبات الإلكترونية التي أُجريت طوال الفترة. وقد أُجريت ثمانية سحوبات إلكترونية أسبوعيًا في تواريخ مختلفة خلال فترة العرض، وتم اختيار ثمانية فائزين بالجائزة الكبرى. وعبّر الفاضل شبير كي. أي مدير عام مجموعة لولو العالمية في عُمان، عن سعادته بنجاح العرض، قائلاً: "يسعدنا أن نشهد الإقبال الكبير من عملائنا على حملة "قيادة الأحلام" لهذا العام. ونود أن نهنئ جميع الفائزين ونشكر كل من شارك في هذه الحملة. إنه لأمر مدهش أن نشهد حماسة ليس فقط الفائزين، بل أيضًا هذا الحشد الكبير الذي تجمع هنا لمشاركة هذه اللحظات السعيدة مع الفائزين". وأضاف: "يُعدّ هذا العرض بمثابة تقديرٍ وعرفانٍ لعملاء لولو المخلصين. تهدف جميع عروضنا الترويجية إلى مكافأة عملائنا الكرام على دعمهم وولائهم في كل مرة يزوروننا فيها، ولإضافة المزيد من الإثارة إلى تجربة تسوقهم الشاملة".


جريدة الرؤية
٢٩-٠٣-٢٠٢٥
- جريدة الرؤية
رمضان.. بين فرحة الطاعة وهيبة الفراق
د. سالم بن عبدالله العامري رمضان.. ذلك الضيف العزيز الذي حلَّ علينا بروحه الإيمانية، مضت أيامه سريعًا، وكأنها لم تكن سوى لحظات، وها هو الآن يرحل، تاركًا في القلوب أثرًا لا يُمحى، وذكريات لا تُنسى؛ فكيف هو شعور من أتم هذا الشهر المبارك بالطاعات، وأعرض عن المحرمات، وعاش أيامه ولياليه متزودًا من كنوز القرب من الله؟ ها نحن نودعه بقلوب يملؤها مزيجٌ عجيبٌ من الفرح والحزن، بين نشوة الطاعة وهيبة الفراق. ومع آخر ليلة من رمضان، يقف المؤمن مُتأملًا رحلته خلال هذا الشهر العظيم، قلبه يفيض بمشاعر متناقضة، لكنه يدرك أن الغلبة للفرح، الفرح بأنه صام وقام، وازدان نهاره بالذكر وتلاوة القرآن، وسجدت جبهته في الليالي المضيئة بدموع الرجاء والخشوع.إنها فرحةٌ لا تشبه أي فرحة، فرحةٌ تشبه وقوف المسافر المتعب بعد رحلة شاقة، يضع أحماله ويستريح وهو يعلم أنه قد بلغ وجهته بسلام. هو الفرح بوعد الله لعباده الصائمين، الذين بشرهم بقوله تعالى: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به" (حديث قدسي)؛ فأيُّ مكافأة أسمى وأجل من أن يتولى الله بنفسه جزاء من أطاعه وصبر؟ إنها فرحة الإنجاز، فرحة من سار في رحلة إيمانية، كبح فيها جماح نفسه، وروض شهواته، وصنع من أيامه ولياليه أجنحةً تحلق به في سماء القرب من الله. كيف لا تشرق الروح سعادةً وقد نادى المنادي: "يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر" فأقبلت النفس على ربها، وفتحت أبواب الجنة، وسُلسلت الشياطين، وخفَّت وطأة الدنيا عن القلب. لكن مع هذه الفرحة الغامرة، يتسلل إلى القلب شعور مهيب، شعور الفراق الذي يأبى أن يكون هينًا، فكيف يفارق المؤمن هذا الشهر الذي كان فيه قريبًا من الله أكثر من أي وقت مضى؟ كيف تنطفئ تلك المشاعر الروحانية التي تعلقت بها الروح؟ كيف تهدأ تلك الجوارح التي اعتادت الخشوع والبكاء عند تلاوة القرآن؟ كيف تودع العين دموع التهجد، ويودع القلب سكينته، ويعود العبد إلى عاداته بعد أن عاش أيامًا كأنه في جنة من نور؟ إنه وداع ثقيل على النفس، يشبه وداع الأحبة، لكنه أشد، لأن المودَّع هنا ليس مجرد أيام، بل هو موسم نفيس من الرحمات والبركات، موسم تتمنى النفس لو أنها تستطيع إيقاف عقارب الزمن عنده، فتظل تتنفس نوره إلى الأبد. إنه شعور المهاجر الذي وجد واحة ظليلة في وسط صحراء محرقة، ثم أٌمر بالرحيل عنها، فتأخذه الرهبة والحسرة: كيف سيواصل رحلته دونها؟ لكنه يعلم أن الله أكرمه بهذه الاستراحة ليكمل طريقه بقوة، فلا يكون رمضان لحظة عابرة؛ بل محطة تُمده بالزاد طوال العام. هنيئًا لمن غادره رمضان وقلبه عامر بالإيمان، وروحه متمسكة بطريق الطاعة، وجوارحه ممتلئة بعهدٍ مع الله، عهد لا ينقضي بانقضاء الشهر؛ بل يستمر حتى اللقاء به سبحانه. فمن وُفِّق للطاعة في شهر رمضان، فعليه ألا يتوقف؛ بل يجعل من كل يومٍ بعده رمضانًا جديدًا، فالطريق إلى الله لا يُغلق بانتهاء موسم؛ بل هو ممتد ما دامت الأنفاس تتردد في الصدور.هنيئًا لمن صام وقام وأحسن العمل.. وهنيئًا لمن جعل من رمضان نقطة انطلاق لا محطة توقف. وداعًا رمضان.. لكن أثرك في قلوبنا باقٍ إلى الأبد.


جريدة الرؤية
١٦-٠٣-٢٠٢٥
- جريدة الرؤية
من عُمان إلى المغرب: رمضان ذكرى لا تُنسى
حمود بن علي الطوقي لرمضان في المغرب نكهة خاصة تجمع بين الروحانية العميقة والعادات العريقة التي تضفي على الشهر الكريم أجواءً فريدة لا تُنسى. عندما حللتُ في المغرب للدراسة بين عامي 1989 - 1993، وجدت نفسي أمام تجربة رمضانية مختلفة تمامًا عما عشته في عُمان. كان رمضان في المغرب يمزج بين العبادة والاحتفال بالحياة، حيث تنبض المدن بالحركة وتُضاء المساجد والأحياء بأجواء مُفعمة بالنشاط والتواصل الاجتماعي. مع اقتراب موعد الإفطار، تزدحم الشوارع برواد الأسواق، وكنَّا، كطلبة، نلتقي غالبًا في الأسواق القديمة مثل سوق السويقة وسوق العكاري في الرباط؛ حيث نشتري التمور والفواكه والحلويات المغربية الشهيرة التي أصبحت جزءًا من مائدتنا اليومية. لم يكن الأمر مجرد تسوُّق؛ بل كان طقسًا يوميًا نمارسه بشغف، نستمتع فيه برائحة الخبز الطازج وأصوات الباعة التي تملأ الأزقة بالحياة. وكان كثير منَّا يفضل ممارسة رياضة المشي قبل الإفطار، سواء في أزقة أكدال أو في الغابة القريبة، في محاولة لاستقبال لحظات الإفطار بشهية مفتوحة وصفاء ذهني. ومن الأجواء الجميلة التي عشناها في المغرب، متابعة الدروس الحسنية التي كانت تُبث يوميًا من القصر الملكي قبيل صلاة المغرب بحضور جلالة الملك الحسن الثاني، رحمه الله. كانت هذه الدروس التي يلقيها كبار العلماء والمفكرين من داخل المغرب وخارجه، تُضفي بُعدًا معرفيًا وروحانيًا على أجواء الشهر الفضيل، حيث تناولت مواضيع في الفقه والتفسير والسيرة النبوية، مما جعلها محطة مهمة لكل من يبحث عن غذاء للعقل والروح خلال رمضان. وعندما يحين وقت الإفطار، كان للمائدة المغربية سحرها الخاص، حيث اعتدنا، كطلبة، تبادل الزيارات وتنظيم مواعيد الإفطار الجماعي، فلا يكاد يمر يوم دون أن نجتمع في بيت أحد الأصدقاء. كانت السفرة المغربية عامرة بأشهى الأطباق التقليدية، وعلى رأسها 'الحريرة'، ذلك الحساء الدافئ الذي أصبح جزءًا من يومياتنا الرمضانية، يرافقه التمر والحليب و'الشباكية' المغطاة بالعسل، و'البريوات' المحشوة باللوز. وبعد الإفطار، كانت الشوارع تستعيد نشاطها، وكأن يومًا جديدًا قد بدأ، حيث يتوافد المصلين إلى المساجد لصلاة التراويح. وحيث إن معظم الطلبة يسكنون حي أكدال، كان جامع بدر وجهتنا الأساسية لصلاة التراويح. كنا نرتدي في بعض الأوقات الجلابية المغربية وايضًا نرتدي الدشداشة العُمانية وصلاة التراويح شيئًا ما طويلة تمتد لأكثر من ساعة، وكانت المساجد تتبادل الائمة والقراء ومما يميز صلاة التروايح الدعاء الجماعي بين المصلين. أما في السحور، فكان المغرب يتميز بتقليد 'النفّار'، ذلك الرجل الذي يجوب الأزقة وهو ينفخ في بوقه التقليدي، ليوقظ الناس للسحور، في مشهد يعكس التراث المغربي العريق. إلى جانب الأجواء الروحانية، كانت الأحياء المغربية تحتضن أمسيات وفعاليات رمضانية، من دروس علمية وجلسات الذكر إلى حفلات الإنشاد الديني، مما جعل رمضان في المغرب تجربة شاملة تجمع بين العبادة والثقافة والتواصل الاجتماعي. لقد كان رمضان هناك أكثر من مجرد صيام؛ بل كان حالة وجدانية وروحانية متكاملة؛ حيث تتداخل العادات والتقاليد مع الأجواء الإيمانية، لتصنع تجربة لا تُنسى، تظل محفورة في الذاكرة مهما مرّت السنوات.