logo
ما الذي يجعل الحوسبة الكمية سريعة بشكل لا يصدق؟

ما الذي يجعل الحوسبة الكمية سريعة بشكل لا يصدق؟

الدستور١٠-٠٢-٢٠٢٥

في عالم التكنولوجيا الذي يتطور بوتيرة غير مسبوقة، تبرز الحوسبة الكمية كأحد أهم الإنجازات العلمية التي ستغير الطريقة التي نتعامل بها مع البيانات والمعلومات. تعتمد الحوسبة التقليدية على البِت (Bit) في تمثيل البيانات إما 0 أو 1، وهي الطريقة التي تشكل الأساس لكل الأجهزة الإلكترونية التي نستخدمها اليوم. لكن الحوسبة الكمية تأتي بمفهوم جديد تمامًا من خلال وحدات الكيوبت (Qubit)، والتي يمكن أن تكون في حالات متعددة في آن واحد بفضل ظاهرة التراكب الكمي (Quantum Superposition)، وهذا هو السر وراء سرعتها الفائقة.
في الحوسبة الكمية، لا يقتصر الكيوبت على حالتين فقط، بل يستطيع التواجد في مجموعة لا نهائية من الحالات بين 0 و1. هذا يعني أن الحواسيب الكمية قادرة على معالجة ملايين العمليات الحسابية في وقت واحد. تخيل أنك في متاهة معقدة وتحتاج إلى استكشاف كل المسارات الممكنة للوصول إلى المخرج. في الحوسبة التقليدية، ستسلك طريقًا واحدًا في كل مرة حتى تجد المخرج الصحيح، مما يتطلب الكثير من الوقت. أما في الحوسبة الكمية، فتستطيع استكشاف جميع المسارات المحتملة في آن واحد، مما يمكنك من الوصول إلى الحل في لحظات.
ظاهرة التشابك الكمي (Quantum Entanglement) تضيف بُعدًا آخر لهذه السرعة الفائقة. عندما تتشابك الكيوبتات، فإن حالتها ترتبط ببعضها بطريقة تجعل معرفة حالة أحدها تؤدي إلى معرفة حالة الآخر فورًا، بغض النظر عن المسافة بينهما. هذا يعني أن الكيوبتات يمكنها التواصل والعمل معًا كفريق واحد في الوقت ذاته، مما يضاعف من كفاءة العمليات الحسابية.
التوازي الحسابي الذي توفره الحوسبة الكمية يمنحها ميزة لا مثيل لها مقارنة بالحواسيب التقليدية. بينما تعتمد الحواسيب التقليدية على معالجة البيانات بشكل متسلسل، تستطيع الحواسيب الكمية معالجة جميع الاحتمالات الممكنة في وقت واحد. هذا يجعلها مثالية للتطبيقات التي تتطلب قدرات حسابية هائلة، مثل تحليل البيانات الضخمة، تطوير الأدوية، تحسين الذكاء الاصطناعي، والتنبؤ بالتغيرات المناخية.
في مجال الطب، تفتح الحوسبة الكمية آفاقًا جديدة في محاكاة التفاعلات الجزيئية، مما يسهم في تسريع عملية تطوير الأدوية. بدلًا من سنوات من التجارب المخبرية، يمكن للحواسيب الكمية أن تحاكي التفاعلات الكيميائية في وقت قياسي، مما يساعد في اكتشاف علاجات جديدة بسرعة غير مسبوقة. وفي مجال الأمن السيبراني، يمكن للحوسبة الكمية كسر أنظمة التشفير الحالية بسهولة، مما يشكل تحديًا للبنية التحتية الرقمية. لكن في الوقت ذاته، تتيح تقنيات التشفير الكمي حماية البيانات بطريقة لا يمكن اختراقها تقريبًا.
رغم هذه الإمكانات الهائلة، تواجه الحوسبة الكمية تحديات ، أبرزها الاستقرار الكمي (Quantum Decoherence). الكيوبتات شديدة الحساسية للتداخلات البيئية مثل الحرارة والإشعاع، مما يؤدي إلى فقدان المعلومات بسرعة. للحفاظ على استقرار الكيوبتات، تحتاج الحواسيب الكمية إلى بيئات شديدة البرودة تقترب من الصفر المطلق (-273 درجة مئوية)، وهذا يتطلب بنية تحتية متقدمة وتكاليف باهظة..وكذالك الأخطاء الشائعة في حواسيب الكم بسبب الطبيعة الغير مستقرة للكيوبتات، ان تطوير خوارزميات تصحيح الأخطاء الكمية لا يزال تحديًا ، ويتطلب عددًا كبيرًا من الكيوبتات للعمل على تصحيح الأخطاء أثناء معالجة البيانات. بالإضافة إلى ذلك، لا تزال الكفاءات البشرية المتخصصة في هذا المجال محدودة، مما يستدعي استثمارات كبيرة في التعليم والتدريب لتطوير جيل جديد من العلماء والمهندسين القادرين على دفع هذا المجال إلى الأمام
الحوسبة الكمية ستقلب موازين القوى وهو اشبه بقفزة فضائية عظيمة نحو المستقبل. شركات كبرى مثل Google وIBM وMicrosoft تعمل على تطوير أنظمة كمية تجارية يمكن استخدامها في مختلف القطاعات. مع التقدم المستمر، سنشهد خلال الاشهر والسنوات المقبلة تطبيقات عملية للحوسبة الكمية في الحياة اليومية في جميع المجالات.
الحوسبة الكمية ليست مجرد تطور تقني إضافي، بل هي تحول جذري سيغير قواعد اللعبة في جميع المجالات. بفضل قدرتها على حل المسائل المستعصية بسرعة غير مسبوقة، ستساهم في تحسين جودة حياتنا وتطوير الصناعات بشكل لم يكن ممكنًا من قبل. من الطب إلى الذكاء الاصطناعي، ومن الأمن السيبراني إلى الطاقة، ستعيد الحوسبة الكمية رسم ملامح المستقبل، وستكون القوة الدافعة لثورة تكنولوجية جديدة.
اخيرا، ما يجعل الحوسبة الكمية سريعة بشكل لا يصدق ليس مجرد تحسين بسيط في السرعة، بل هو قفزة نوعية تعتمد على مبادئ فيزيائية غير تقليدية. إنها بداية لحقبة جديدة، حيث يصبح المستحيل اليوم حقيقة في الغد. ومع استمرار البحث والتطوير، سنرى عما قريب كيف ستغير هذه التقنية العالم بشكل لم نتخيله من قبل، فهل من مدكر؟

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

حسام الحوراني : الحوسبة الكمومية بوابة لتطوير مواد جديدة تُغيّر وجه العالم
حسام الحوراني : الحوسبة الكمومية بوابة لتطوير مواد جديدة تُغيّر وجه العالم

أخبارنا

time١٥-٠٥-٢٠٢٥

  • أخبارنا

حسام الحوراني : الحوسبة الكمومية بوابة لتطوير مواد جديدة تُغيّر وجه العالم

أخبارنا : في الأعماق الهادئة لمختبرات الفيزياء المتقدمة، تجري حاليًا ثورة علمية صامتة ستغير شكل المستقبل كما نعرفه. إنها ثورة الحوسبة الكمومية، تحديدًا باستخدام الكيوبتات القائمة على الدوائر الفائقة التوصيل، وهي تقنية تُحدث نقلة نوعية في مجالات متعددة، لكن واحدة من أكثر تطبيقاتها إثارة للعقول والخيال هي: تطوير مواد جديدة بمستويات غير مسبوقة من الدقة والابتكار. لفترة طويلة، كان اكتشاف المواد يتم عن طريق التجربة والخطأ. نخلط المركبات، نراقب النتائج، ونعيد التجربة مرات لا تُعد. لكن مع الحوسبة الكمومية، وتحديدًا مع التقدم في بناء أنظمة قائمة على الكيوبتات الفائقة التوصيل، أصبح بإمكاننا محاكاة التفاعلات الكيميائية والفيزيائية للجزيئات والمواد على مستوى الذرات، بدقة تعجز عنها أقوى الحواسيب التقليدية. فما علاقة هذه «الكيوبتات» بصناعات مثل الطيران، البناء، الطاقة أو حتى الهواتف الذكية؟ الإجابة تكمن في أن كل صناعة تعتمد على مادة معينة: سبائك خفيفة وأقوى للطائرات، موصلات أفضل للإلكترونيات، مواد عازلة للطاقة، مركبات كيميائية أكثر كفاءة للبطاريات، أو حتى مواد حيوية لاستخدامها داخل جسم الإنسان. كل هذه المواد – في نهاية المطاف – تُبنى من تفاعلات ذرية دقيقة. ومع الحوسبة الكمومية، يمكننا تصميم مواد بخصائص محددة قبل أن نصنعها فعليًا في المختبر، ما يُسرّع عملية الاكتشاف ويخفض كلفتها بشكل مذهل. وعندما نتحدث عن الكيوبتات القائمة على الدوائر الفائقة التوصيل، فإننا نتحدث عن النوع الأكثر واعدًا من حيث الأداء والاستقرار، والقادر على إجراء محاكاة جزيئية معقدة بسرعة خارقة ودقة غير مسبوقة. هذه الكيوبتات تعمل في درجات حرارة منخفضة جدًا (قريبة من الصفر المطلق) وتتميز بإمكانية التحكم بها بسهولة نسبية مقارنة بأنواع أخرى، مثل الكيوبتات الضوئية أو الأيونية. وقد بدأت شركات عملاقة مثل Google وIBM وMicrosoft بالاستثمار الهائل في هذه التكنولوجيا، لإنشاء ما يُعرف بـ»منصات المواد الكمومية» وهي أنظمة ذكية تُستخدم لاكتشاف وتصميم المواد الجديدة بناء على المحاكاة الكمومية بدلاً من التجربة المخبرية البطيئة والمكلفة. خذ على سبيل المثال تطوير موصلات فائقة تعمل في درجات حرارة أعلى من المعتاد. هذه المواد – التي تسمح بمرور الكهرباء دون فقد للطاقة – تُعد حلمًا للمهندسين ومصممي شبكات الكهرباء. ولكن فهم كيفية تشكل هذه الموصلات كان شبه مستحيل نظرًا لتعقيد التفاعلات الداخلية. اليوم، باستخدام معالجات كمومية فائقة التوصيل، يمكن محاكاة تلك التفاعلات بدقة، ما يُمهّد الطريق لاكتشاف موصلات جديدة تُحدث ثورة في النقل الكهربائي حول العالم. في مجال الطاقة المتجددة، مثلاً، يُمكن لمحاكاة كمومية أن تكتشف مواد أفضل لتخزين الهيدروجين أو تحسين كفاءة الألواح الشمسية. وفي الفضاء والطيران، يمكن للمواد الجديدة التي تُطوّر كموميًا أن تكون أخف وزنًا، وأقوى في التحمل، وأكثر مقاومة للإشعاع – مما يقلل من التكاليف ويحسن الأداء. الأمر لا يقف عند المواد الصلبة فقط. حتى الكيماويات الصناعية – من الأسمدة إلى الوقود – يمكن تحسينها واكتشاف بدائل أكثر أمانًا وصداقة للبيئة من خلال المحاكاة الكمومية التي تتعمق في خصائص كل ذرة وكل رابط كيميائي. لكن التأثير الحقيقي لهذه التكنولوجيا سيظهر عندما تنتقل من المختبرات إلى العالم الواقعي. وعندها، سنشهد تسارعًا غير مسبوق في تطوير مواد وأدوية وأجهزة، قد تُغيّر معايير الحياة كما نعرفها. ستكون هناك أقمشة تنظف نفسها، زجاجٌ يرمم خدوشه، بطاريات تشحن في ثوانٍ، وأجهزة طبية تذوب في الجسم بعد أن تُتم وظيفتها. ومع كل هذا التقدم، تُطرح تساؤلات مشروعة: من سيسيطر على هذه التكنولوجيا؟ ومن سيحكم استخدامها؟ وهل ستكون متاحة للدول النامية، أم حكرًا على القوى العظمى؟ في هذا السياق، يُمكن للدول العربية التي تسعى إلى تحقيق رؤية اقتصادية قائمة على المعرفة، أن تدخل هذا السباق من بابه الصحيح، عبر الاستثمار في البحث العلمي، وتعليم الجيل الجديد مفاهيم الحوسبة الكمومية، وعقد شراكات مع مراكز أبحاث عالمية. لا نحتاج إلى بناء حاسوب كمومي من الصفر، بل إلى أن نعرف كيف نستخدمه بذكاء في مجالات تخدم احتياجاتنا التنموية. بالمختصر، لا تُعتبر الكيوبتات الفائقة التوصيل مجرد تقنية جديدة، بل نقلة نوعية في العقل البشري نفسه، تُتيح لنا تجاوز حدود الطبيعة لفهمها وتشكيلها من جديد. ومع الحوسبة الكمومية، لم نعد فقط نرصد العالم، بل نعيد تصميمه – ذرة بذرة. فهل من مدكر؟

الحوسبة الكمومية بوابة لتطوير مواد جديدة تُغيّر وجه العالم
الحوسبة الكمومية بوابة لتطوير مواد جديدة تُغيّر وجه العالم

الدستور

time١٤-٠٥-٢٠٢٥

  • الدستور

الحوسبة الكمومية بوابة لتطوير مواد جديدة تُغيّر وجه العالم

في الأعماق الهادئة لمختبرات الفيزياء المتقدمة، تجري حاليًا ثورة علمية صامتة ستغير شكل المستقبل كما نعرفه. إنها ثورة الحوسبة الكمومية، تحديدًا باستخدام الكيوبتات القائمة على الدوائر الفائقة التوصيل، وهي تقنية تُحدث نقلة نوعية في مجالات متعددة، لكن واحدة من أكثر تطبيقاتها إثارة للعقول والخيال هي: تطوير مواد جديدة بمستويات غير مسبوقة من الدقة والابتكار. لفترة طويلة، كان اكتشاف المواد يتم عن طريق التجربة والخطأ. نخلط المركبات، نراقب النتائج، ونعيد التجربة مرات لا تُعد. لكن مع الحوسبة الكمومية، وتحديدًا مع التقدم في بناء أنظمة قائمة على الكيوبتات الفائقة التوصيل، أصبح بإمكاننا محاكاة التفاعلات الكيميائية والفيزيائية للجزيئات والمواد على مستوى الذرات، بدقة تعجز عنها أقوى الحواسيب التقليدية. فما علاقة هذه «الكيوبتات» بصناعات مثل الطيران، البناء، الطاقة أو حتى الهواتف الذكية؟ الإجابة تكمن في أن كل صناعة تعتمد على مادة معينة: سبائك خفيفة وأقوى للطائرات، موصلات أفضل للإلكترونيات، مواد عازلة للطاقة، مركبات كيميائية أكثر كفاءة للبطاريات، أو حتى مواد حيوية لاستخدامها داخل جسم الإنسان. كل هذه المواد – في نهاية المطاف – تُبنى من تفاعلات ذرية دقيقة. ومع الحوسبة الكمومية، يمكننا تصميم مواد بخصائص محددة قبل أن نصنعها فعليًا في المختبر، ما يُسرّع عملية الاكتشاف ويخفض كلفتها بشكل مذهل. وعندما نتحدث عن الكيوبتات القائمة على الدوائر الفائقة التوصيل، فإننا نتحدث عن النوع الأكثر واعدًا من حيث الأداء والاستقرار، والقادر على إجراء محاكاة جزيئية معقدة بسرعة خارقة ودقة غير مسبوقة. هذه الكيوبتات تعمل في درجات حرارة منخفضة جدًا (قريبة من الصفر المطلق) وتتميز بإمكانية التحكم بها بسهولة نسبية مقارنة بأنواع أخرى، مثل الكيوبتات الضوئية أو الأيونية. وقد بدأت شركات عملاقة مثل Google وIBM وMicrosoft بالاستثمار الهائل في هذه التكنولوجيا، لإنشاء ما يُعرف بـ»منصات المواد الكمومية» وهي أنظمة ذكية تُستخدم لاكتشاف وتصميم المواد الجديدة بناء على المحاكاة الكمومية بدلاً من التجربة المخبرية البطيئة والمكلفة. خذ على سبيل المثال تطوير موصلات فائقة تعمل في درجات حرارة أعلى من المعتاد. هذه المواد – التي تسمح بمرور الكهرباء دون فقد للطاقة – تُعد حلمًا للمهندسين ومصممي شبكات الكهرباء. ولكن فهم كيفية تشكل هذه الموصلات كان شبه مستحيل نظرًا لتعقيد التفاعلات الداخلية. اليوم، باستخدام معالجات كمومية فائقة التوصيل، يمكن محاكاة تلك التفاعلات بدقة، ما يُمهّد الطريق لاكتشاف موصلات جديدة تُحدث ثورة في النقل الكهربائي حول العالم. في مجال الطاقة المتجددة، مثلاً، يُمكن لمحاكاة كمومية أن تكتشف مواد أفضل لتخزين الهيدروجين أو تحسين كفاءة الألواح الشمسية. وفي الفضاء والطيران، يمكن للمواد الجديدة التي تُطوّر كموميًا أن تكون أخف وزنًا، وأقوى في التحمل، وأكثر مقاومة للإشعاع – مما يقلل من التكاليف ويحسن الأداء. الأمر لا يقف عند المواد الصلبة فقط. حتى الكيماويات الصناعية – من الأسمدة إلى الوقود – يمكن تحسينها واكتشاف بدائل أكثر أمانًا وصداقة للبيئة من خلال المحاكاة الكمومية التي تتعمق في خصائص كل ذرة وكل رابط كيميائي. لكن التأثير الحقيقي لهذه التكنولوجيا سيظهر عندما تنتقل من المختبرات إلى العالم الواقعي. وعندها، سنشهد تسارعًا غير مسبوق في تطوير مواد وأدوية وأجهزة، قد تُغيّر معايير الحياة كما نعرفها. ستكون هناك أقمشة تنظف نفسها، زجاجٌ يرمم خدوشه، بطاريات تشحن في ثوانٍ، وأجهزة طبية تذوب في الجسم بعد أن تُتم وظيفتها. ومع كل هذا التقدم، تُطرح تساؤلات مشروعة: من سيسيطر على هذه التكنولوجيا؟ ومن سيحكم استخدامها؟ وهل ستكون متاحة للدول النامية، أم حكرًا على القوى العظمى؟ في هذا السياق، يُمكن للدول العربية التي تسعى إلى تحقيق رؤية اقتصادية قائمة على المعرفة، أن تدخل هذا السباق من بابه الصحيح، عبر الاستثمار في البحث العلمي، وتعليم الجيل الجديد مفاهيم الحوسبة الكمومية، وعقد شراكات مع مراكز أبحاث عالمية. لا نحتاج إلى بناء حاسوب كمومي من الصفر، بل إلى أن نعرف كيف نستخدمه بذكاء في مجالات تخدم احتياجاتنا التنموية. بالمختصر، لا تُعتبر الكيوبتات الفائقة التوصيل مجرد تقنية جديدة، بل نقلة نوعية في العقل البشري نفسه، تُتيح لنا تجاوز حدود الطبيعة لفهمها وتشكيلها من جديد. ومع الحوسبة الكمومية، لم نعد فقط نرصد العالم، بل نعيد تصميمه – ذرة بذرة. فهل من مدكر؟

حين تقترب المعجزة من الحياة اليومية : التقدم في الحوسبة الكمومية
حين تقترب المعجزة من الحياة اليومية : التقدم في الحوسبة الكمومية

جهينة نيوز

time١٤-٠٥-٢٠٢٥

  • جهينة نيوز

حين تقترب المعجزة من الحياة اليومية : التقدم في الحوسبة الكمومية

تاريخ النشر : 2025-05-14 - 11:49 am حسام الحوراني في زاوية صغيرة من مختبرات المستقبل، حيث لا تُسمع أصوات ولا تُرى حركة، هناك جسيمات دون ذرية تتراقص داخل دوائر فائقة البرودة، في صمت يشبه السحر. ما يحدث هناك ليس مشهدًا من رواية خيال علمي، بل هو قلب ثورة علمية تحمل اسم الحوسبة الكمومية، ويقودها نوع فريد من التكنولوجيا يُعرف بـالكيوبتات القائمة على الدوائر الفائقة التوصيل. لكن قبل أن نغوص في التقنية، دعونا نطرح السؤال الأهم: لماذا يجب أن نهتم؟ وما علاقة هذا التقدم الغامض في الفيزياء بحياتنا اليومية كمواطنين، وطلاب، وأطباء، ورجال أعمال؟ الجواب باختصار: هذا التقدم قد يُغيّر كل شيء. ما هي الدوائر الفائقة التوصيل؟ هي دوائر كهربائية مصنوعة من مواد فائقة التوصيل، قادرة على تمرير الكهرباء دون أي مقاومة عندما تُبرد لدرجات قريبة من الصفر المطلق. عندما تُستخدم هذه الدوائر في بناء الكيوبتات – وهي الوحدة الأساسية في الحوسبة الكمومية – فإنها تصبح منصة قوية لخلق حالات كمومية مستقرة تُستخدم في إجراء حسابات لا يمكن لأي حاسوب تقليدي تنفيذها، حتى لو استهلكت عمر الكون كله. في السابق، كانت الحوسبة الكمومية مجرد نظرية معقدة لا تغادر جدران الجامعات. لكن اليوم، ومع التقدم السريع في تصنيع الكيوبتات الفائقة التوصيل، أصبحت الشركات مثل IBM، Google، Rigetti، تبني حواسيب كمومية حقيقية تعتمد على هذه التكنولوجيا، وتُحقق فيها إنجازات مذهلة. تخيل حاسوبًا يستطيع محاكاة سلوك الدواء داخل جسم الإنسان في دقائق، أو التنبؤ بدقة بسلوك السوق المالي قبل أسابيع، أو ابتكار مواد جديدة للطاقة الشمسية، أو حتى فك شفرات الأمراض الوراثية. كل هذا لم يكن ممكنًا – ولا يزال مستحيلاً – باستخدام الحوسبة الكلاسيكية. لكن مع الكيوبتات فائقة التوصيل، بدأت هذه السيناريوهات تدخل حيز التجربة والتطبيق. كيف سيؤثر ذلك على حياتنا؟ الطب والعلاجات الخارقة : خلال سنوات قليلة، قد نصل إلى مرحلة يُصبح فيها تشخيص الأمراض وعلاجها يعتمد على حواسيب كمومية تحلل الجينات وتُصمم علاجات مخصصة بدقة لا تُصدق. قد تظهر أدوية للسرطان تُكتشف في أيام، وعلاجات نادرة لأمراض مستعصية تُصنع خصيصًا لجيناتك أنت. أمن رقمي غير قابل للاختراق : مع التقدم في هذه الكيوبتات، سنتمكن من الوصول إلى تشفير كمومي يجعل البيانات الرقمية غير قابلة للاختراق. في عالم يهدده القراصنة الرقميون، سيكون لديك بريد إلكتروني لا يمكن لأحد فتحه، واتصالات حكومية لا يمكن التجسس عليها، وبطاقات مصرفية تحمي نفسها ذاتيًا. تجارب يومية أسرع وأكثر ذكاءً : هل واجهت تأخيرًا في تحميل صفحة؟ أو تعطل تطبيق ذكي؟ بفضل الحساب الكمومي، ستحصل على سرعة استجابة فورية. تطبيقاتك ستتنبأ بما تحتاجه قبل أن تطلبه، والروبوتات المنزلية ستتفاعل معك كما يتفاعل الإنسان. نقلة نوعية في الاقتصاد : البنوك، والطيران، وسلاسل الإمداد، وحتى تسعير المواد الخام... ستُدار كلها بخوارزميات كمومية فائقة القدرة على التنبؤ، مما يُقلل الخسائر ويزيد من الكفاءة. هذا قد ينعكس على حياتك في شكل خدمات أرخص، أسرع، وأكثر دقة. الكيوبتات الفائقة التوصيل هي الأمل الأكبر لأنها ببساطة الأكثر استقرارًا وقابلية للتوسع حتى الآن. فبينما تعاني أنواع أخرى من الكيوبتات من مشاكل عدم الثبات أو صعوبة التصنيع، استطاعت الدوائر فائقة التوصيل أن تقدم أداءً عاليًا ومستقرًا في تجارب متعددة، مما يجعلها المرشح الأول لبناء أول حاسوب كمومي تجاري واسع الاستخدام. بل إن شركة Google أعلنت بالفعل في تجاربها منذ 2019 تحقيق ما يُعرف بـ"التفوق الكمومي"، عندما نجح معالجها الكمومي "Sycamore" – المبني على هذه الدوائر – في تنفيذ عملية استغرقت 200 ثانية، بينما تحتاج أقوى الحواسيب التقليدية إلى الاف السنوات لحلها. أنظمة الكيوبتات الفائقة التوصيل تحتاج إلى بيئة شديدة البرودة (قريبة من الصفر المطلق)، وهذا يجعل تشغيلها معقدًا ومكلفًا. لكن الشركات تعمل حاليًا على تصغير أنظمة التبريد وتطوير رقائق كمومية يمكن تشغيلها في بيئات أكثر واقعية. اما بالنسبة للعالم العربي، فان الفرصة أمامنا. الاستثمار في البحث الكمومي، دعم الجامعات، إرسال بعثات علمية، وإنشاء شراكات مع شركات عالمية، يمكن أن يجعل دولًا عربية في طليعة هذا السباق. لا نحتاج إلى أن نبدأ من الصفر، بل أن نستثمر في العقول والاتصال بالعالم. اخيرا، التقدم في الحوسبة الكمومية باستخدام الكيوبتات القائمة على الدوائر الفائقة التوصيل ليس مجرد إنجاز فيزيائي، بل هو بداية فصل جديد في قصة الإنسان مع التقنية. فصلٌ نعيد فيه تعريف الممكن، ونعبر فيه من المعرفة إلى المعجزة. تابعو جهينة نيوز على

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store