logo
الإرث الحقيقي، أو ماذا ينبغي أن نُورث أبنائنا؟

الإرث الحقيقي، أو ماذا ينبغي أن نُورث أبنائنا؟

وجدة سيتيمنذ 19 ساعات
منذ الأزل، فكر الإنسان في الخلود. وحين وعى بفكرة موته الحتمي، اخترع أشكالا رمزية للخلود: أولها التوالد، ثم امتلاك أشياء تنقل لذريته بعد موته، وهذا ما يسميه فرويد « النزعة اللاواعية نحو الخلود ». وقد يتجلى ذلك أيضا من خلال بناء المجد الشخصي، أو إنشاء المشاريع، أو التأليف، أو الاختراع، أو غرس شجرة، أو حفر بئر، أو بناء مسجد…
وحلم الخلود هذا لم يقتصر فقط على الأفراد العاديين، بل تجلى كذلك في فكر الأنبياء الذين لم يبلغوا رسالاتهم لأبناء جيلهم فقط، بل كانوا يفكرون في أجيال ستأتي بعد قرون. كما تجلى في فكر كبار الفلاسفة الذين سعوا إلى الخلود من خلال أفكارهم ونظرياتهم. كما نراه عند الملوك الذين تمنوا لو خلد عرشهم إلى الأبد… ويمكن القول إن في فطرة الإنسان ميلا نحو الامتداد الزمني، نحو الخلود من خلال الأثر…
غير أن التوريث المادي من أموال وعقارات ومنقولات للذرية يبقى هو الشكل الغالب من أشكال حب الخلود اللاواعي، إذ يبذل الإنسان جهدا كبيرا لتأمين الثروة، ليس فقط من أجل راحته قيد حياته، بل أيضًا ليورثها لذريته… وقد يتم تجميع هذه الثروة بطرق معقولة ونزيهة، أو قد تكتسب بطرق غير شرعية كالنصب أو الاحتيال أو السرقة، أو حتى عبر التقشف والشح الشديد، حيث شهدنا من عاش الفقر المدقع ليترك أموالا طائلة لورثته، حتى إن بعض الورثة قد يصل بهم الحال إلى تمني موت المورث لينعموا بخيرات هم محرومين منها قيد حياته…
لكن، ومن وجهة نظر خاصة، فرغم أهمية هذا الإرث المادي وشرعيته، فإنه لا يكفي. فهناك أنواع أعمق وأبقى من الموروثات تهمل غالبا، وتتمثل أساسا في: إرث القيم، وإرث الأنظمة/الخدمات، ثم إرث الحرية.
فما جدوى التركة إن لم يرب الابن على قيم تمكنه من التصرف فيها بحكمة؟ ومعلوم أن أًرسخ القيم هي تلك التي يتشبع بها الابن من خلال الممارسة اليومية في كنف أسرته. فالابن يكون صادقا إن تربى في كنف والدين صادقين، وكريما إن تربى في الكرم، وأمينا إن عاش الأمانة، وشجاعا إن رأى الشجاعة… فهل ننتظر من الابن أن ينصر مظلوما إن لم ير والديه يشاركان في فعل من هذا النوع؟ وهل سيقدم على المطالبة بحقوقه أو الدفاع عنها إذا نشأ في بيت يسوده الذل والخنوع؟
ما جدوى التركة إن لم يرث الابن منظومة تعليمية جيدة؟ ومعلوم أن التعليم الجيد هو مفتاح كل شيء: القيم، والتنمية، والحكمة، وبناء المستقبل… فما قيمة ثروة في يد جاهل؟ وكم من موروثات ضاعت لأنها سلمت لمن لا يقدرها؟ وهنا يبرز السؤال المحرج: ماذا فعلت أنت لتورث التعليم الجيد للأجيال القادمة؟ هل قدت يوما مبادرة للدافع عن المدرسة الجيدة، أو شاركت في واحدة؟ هل عبرت عن آراء للنهوض بالمدرسة، ودافعت عنها؟ وأنت المنتمي لإحدى قطاعي التعليم، هل تراقب تصرفاتك حفاظا على قيمة المدرسة؟ هل تطالب بضرورة صون صورتها وضرورة النهوض بها؟ أم تكتفي بنميمة المقاهي؟ أو أصبحت مسترزقا باسمها؟ تسترزق بكل الوسائل، وتظن أنك فاعل خيرا؟
ما جدوى التركة إن لم يرث الابن منظومة صحية جيدة؟ وهل مال قارون ينفعه إن مرض ولم يجد طبيبا نزيها ولا مشفى آمنا؟ تأمل كيف يسعى الناس للهجرة إلى دول توفر رعاية صحية متقدمة، تأمل عسى أن تفهم… ثم اطرح على نفسك الأسئلة نفسها: ماذا قدمت لتكون مثل هذه المنظومة ممكنة في بلدك؟ وماذا عنك إن كنت منتميا لقطاع الصحة؟
ما جدوى الثروة إن وجدت في بلد لا عدل فيه؟ وهل ثروتك وأنت آمنين إذا كانت منظومة القضاء معلولة؟ وما دورك أنت في توفير منظومة قضائية عادلة وفعالة؟ وارتباطا بالعدل، ماذا عن الحرية؟ أُم الإرث كله، حرية الفكر، وحرية التعبير، وحرية أن نحيا دون خوف… إن الحديث عن الحرية شائك، يستوجب استحضار ما يقع داخليا، ولا يكتمل دون الانتباه إلى التهديدات الخارجية التي تُحاك في الخفاء والعلن. إنّ مشاريع تفكيك الدول، أو السيطرة عليها ليست خيالًا روائيًا، بل واقعًا يتكشّف يوماً بعد يوم، وتتصدره حركات لا تسعى فقط إلى السيطرة على الأرض، بل على وعي الإنسان وحريته وقراره… وحين تسود هذه المشاريع، لن يكون الفقراء وحدهم من يفقدون حريتهم، بل الجميع، حتى أولئك الذين ظنوا أن ثرواتهم تحميهم. إن الحرية إرث مشترك يستوجب اليقظة، ولا يمكن الدفاع عنه إلا بالوعي، والتضامن، والنضال من أجل كرامة الإنسان، كل إنسان… إذن ماذا عن واجبك أنت؟
إن الإرث الحقيقي لا يوجد في الحسابات البنكية، ولا في الضيعات، ولا في العقارات… بل في نوعية المجتمع الذي نساعد في بنائه من أجل الأجيال القادمة. إن السكوت والاستسلام، قد يفي بالغرض لحظيا وقد يوفر لصاحبه ثروة… لكن، ألا نخاطر بالحاضر والمستقبل إن نحن فرطنا في المدرسة، والمستشفى، والعدل، وفي الحرية أساسا؟ إن كنا نطمح لترك شيءٍ خالد حقًا، ألا يجب علينا أن نناضل – لا فقط من أجل مصالحنا الفردية، بل من أجل مستقبل مشترك؟ ألا يجب أن نعمل على حماية وتجويد المدرسة العمومية، حتى تحظى الأجيال المقبلة بحقها في التعلّم والنمو؟ ألا يجب أن نطالب بنظام صحي عمومي يحفظ كرامة المواطن – فقيرا كان أم غنيا، حتى لا يتم ابتزازه واستغلاله؟ ألا يجب علينا أن نبني قضاء مستقلا؟ ألا يجب، وقبل كل شيء، أن ندافع عن الحرية ونسعى إلى توريثها للأجيال القادمة؟

،
وجدة، المغرب.

هاشتاغز

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

كورنيش الناظور.. مشروع ملكي يضيع في زوابع الإهمال والفساد
كورنيش الناظور.. مشروع ملكي يضيع في زوابع الإهمال والفساد

هبة بريس

timeمنذ ساعة واحدة

  • هبة بريس

كورنيش الناظور.. مشروع ملكي يضيع في زوابع الإهمال والفساد

هبة بريس- محمد زريوح في صورة تدمج الإهمال مع الفشل في التدبير، يعكس كورنيش مدينة الناظور صورة غير مشرقة لما يمكن أن يكون فضاء طبيعيًا ساحرًا على واجهة البحر. عشب أصفر، مراحيض مغلقة ومتلفة، وأشجار ذابلة، هذه هي المشاهد التي يستقبلها الزوار والسكان عند زيارة هذا المكان، الذي كان من المفترض أن يكون متنفسًا طبيعيًا وحيويًا للمدينة. ومع توافد أعداد كبيرة من الزوار والسياح خلال فصل الصيف، في وقت تُنظم فيه مهرجانات فنية وطنية ودولية، كان من المتوقع أن يكون كورنيش الناظور في أبهى حلة. لكن الواقع يبدو بعيدًا عن هذا التصور، إذ أن الزوار يواجهون تدهورًا بيئيًا وجماليًا لا يتناسب مع سمعة المدينة كوجهة سياحية. وتتحمل تهيئة وكالة مارشيكا المسؤولية الكاملة عن الوضع الحالي للكورنيش. فهذه الوكالة، التي كانت من المفترض أن تلعب دورًا محوريًا في تطوير المنطقة، فشلت في الحفاظ على المرافق العامة وصيانتها بما يتناسب مع أهمية هذا المكان. بدلاً من أن يكون كورنيش الناظور نقطة جذب سياحي، أصبح فضاء مهملًا يفتقر إلى أبسط مقومات النظافة والراحة. من بين أهم المشاكل التي يواجهها الكورنيش هي الخدمات الأساسية التي يجب أن تكون متوفرة في مثل هذه الأماكن العامة، مثل المراحيض وحاويات النفايات. للأسف، تم إغلاق العديد من المراحيض، بينما الحاويات في حالة مزرية، مما يشكل تهديدًا للنظافة العامة. وهذا يعكس غياب الاهتمام من طرف الجهات المعنية. كما أن مشكلة الإضاءة على الكورنيش تعد من بين القضايا التي أثرت على راحة السكان والزوار. معظم الأعمدة مكسورة أو غير عاملة، ما يعرض المكان إلى الظلام التام في ساعات المساء، مما يزيد من شعور الإحباط من قبل السكان الذين يرون أن هذا المكان لم يعد يليق بمدينة سياحية مثل الناظور. إضافة إلى ذلك، فإن معدات الرياضة في الهواء الطلق، التي كانت مفترضًا أن تكون جزءًا من هذا الفضاء الحيوي، أصبحت متهالكة وغير قابلة للاستخدام. في حين كان من المفترض أن تكون هذه المعدات إضافة تعزز من جاذبية الكورنيش، إلا أنها أصبحت اليوم عبئًا على من يرغب في ممارسة الرياضة أو الترفيه في المكان. أبناء مدينة الناظور، الذين لم يعودوا قادرين على تحمل الإهمال المتزايد لمشاريع المدينة السياحية، طالبوا بتدخل عاجل من عامل الإقليم. مطالبهم تنصب على ضرورة التدخل الصارم من قبل المسؤولين من أجل تصحيح الاختلالات، وصيانة المرافق العمومية، وإعادة الروح إلى هذا الكورنيش الذي يمثل واجهة المدينة. لا يخفى على أحد أن الناظور، كما العديد من المدن المغربية، تعاني من تحديات تتعلق بالبنية التحتية والنظافة العامة. ولكن عندما يتعلق الأمر بكورنيش المدينة، فإن الوضع يكون أكثر إيلامًا. ذلك أن هذا المكان يمكن أن يشكل ركيزة حيوية لمستقبل السياحة في المدينة، إذا تم الاهتمام به وتطويره بشكل جاد ومسؤول. في نهاية مأساوية لمشروع ملكي ضخت فيه ملايين الدراهم، يبدو أن كورنيش الناظور يسير في طريقه نحو الاندثار. هذا المشروع، الذي كان من المفترض أن يكون معلمًا سياحيًا يفتخر به سكان المدينة والزوار، أصبح مثالًا صارخًا على سوء التدبير والإهمال. فبينما كانت الأموال تُضخ في المشروع، كان الإهمال والتقصير هو السائد. ولعل الأسوأ من ذلك هو أن المديرة الجديدة، التي كانت من المفترض أن تعيد الأمل لهذا المشروع، سيتم توقيفها ومحاسبتها، جنبًا إلى جنب مع المدير العام السابق المقال والمتابع في قضايا فساد الأموال. هذا الفصل المؤلم من المشروع الملكي يظل يطرح تساؤلات عن مصير المشاريع الوطنية الأخرى ومدى كفاءة الجهات المسؤولة عنها. وفي مشهد مؤسف، لم تعد المساحات الخضراء التي كانت تزين الكورنيش صالحة، حيث احترقت وتم تدميرها بالكامل، ليُضاف إلى قائمة الإخفاقات فضيحة أخرى تلطخ تاريخ هذا المشروع الذي كان يُنتظر منه الكثير.

الإهمال يحول مشاريع مارتشيكا السياحية بالناظور إلى خراب
الإهمال يحول مشاريع مارتشيكا السياحية بالناظور إلى خراب

زنقة 20

timeمنذ 2 ساعات

  • زنقة 20

الإهمال يحول مشاريع مارتشيكا السياحية بالناظور إلى خراب

زنقة 20 . الناظور عشب أصفر، مراحيض مغلقة ومتلفة، أشجار ذابلة، هذه هي وضعية كورنيش مدينة الناظور و الذي يدخل ضمن مشاريع وكالة تهيئة بحيرة مارتشيكا. و بحسب فعاليات محلية، فإن الوضع لا يبشر بخير بالرغم من أن المدينة تعرف توافد أعداد كبيرة من الزوار والسياح بمناسبة فصل الصيف و تنظيمها لمهرجانات فنية وطنية و دولية. و تحمل هذه الفعاليات ، وكالة مارتشيكا المسؤولية الكاملة وراء تدهور الوضع البيئي و الجمالي للكورنيش، حيث تحوّل من متنفس طبيعي، يجذب العائلات إلى فضاء مهمل تنعدم فيه شروط النظافة والراحة. و بسبب الإهمال الكبير ، أصبحت الصيانة و أغلب الخدمات مثل المراحيض و حاويات النفايات و الانارة و معدات الرياضة في الهواء الطلق معطلة تماما و في حالة كارثية. أبناء الناظور و بعدما سئموا من إهمال وكالة مارتشيكا لأغلب مشاريع المدينة السياحية ، طالبوا عامل الإقليم بالتدخل الصارم قصد علاج الاختلالات و صيانة المرافق العمومية و إعادة الروح إلى كورنيش المدينة.

'كورنيش مرقالة كما يتمناه الطنجاويون'.. حين يتحول الذكاء الاصطناعي الى اداة ترافع حضري هادئ
'كورنيش مرقالة كما يتمناه الطنجاويون'.. حين يتحول الذكاء الاصطناعي الى اداة ترافع حضري هادئ

24 طنجة

timeمنذ 3 ساعات

  • 24 طنجة

'كورنيش مرقالة كما يتمناه الطنجاويون'.. حين يتحول الذكاء الاصطناعي الى اداة ترافع حضري هادئ

تنتشر على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي صور رقمية تُظهر مشاهد حضرية محسنة لعدد من الفضاءات العمومية بمدينة طنجة، من بينها كورنيش مرقالة، واجهات شاطئية، وساحات مشاة وسط الاحياء. وتقدم هذه الصور، التي جرى توليدها عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي، تصورا بصريا لما يطمح اليه بعض المستخدمين من تحسينات عمرانية ومعمارية في محيطهم اليومي. وتعتمد هذه الصور، في مجملها، على محاكاة رقمية لمواقع قائمة فعليا داخل المدينة، حيث تُعرض بحلة جديدة تتضمن ارصفة مرصوفة بعناية، اعمدة انارة متناظرة، مناطق خضراء منظمة، واثاث حضري ذي طابع عصري. وتُرفق غالبا بتعليقات قصيرة على غرار 'كما يتمناها الطنجاويون' او 'هكذا يمكن ان تكون مدينتنا'. وتتزامن هذه الموجة من المحتوى البصري مع تنفيذ سلسلة من مشاريع التهيئة الحضرية في طنجة، تشمل تحسين الارصفة، اعادة تأهيل الكورنيشات، وتعزيز الانارة العمومية بعدد من النقاط الساحلية والمراكز الحضرية. وتعرف المدينة دينامية عمرانية متواصلة، تشمل احياء قديمة واخرى حديثة التوسع، في اطار برامج تتوزع بين مختلف الفاعلين والمتدخلين العموميين. وتتيح الادوات الرقمية المستعملة، وعلى راسها منصات الذكاء الاصطناعي التوليدي، امكانية تصميم صور واقعية المظهر انطلاقا من اوصاف نصية، او عبر تعديل مشاهد قائمة لتقديم نسخة بديلة منها. ولا تتطلب هذه العمليات معرفة تقنية متقدمة، ما جعل استخدامها يتوسع لدى جمهور واسع من المستخدمين. وتُتداول هذه الصور في صفحات ومجموعات محلية على شبكات التواصل، الى جانب مقارنات احيانا بين المشهد الاصلي ونموذجه التوليدي. كما تشهد تفاعلا ملحوظا من طرف المستخدمين الذين يتقاسمونها مع تعليقات تتراوح بين الاعجاب والمطالبة بتجسيدها على ارض الواقع. وفي الوقت الذي لا تصدر اي مواقف رسمية بخصوص هذه الصور، تُسجل تزايدا في استخدامها كمادة تواصلية تعبر عن انتظارات عدد من السكان بشأن شكل الفضاء العام وجودته. ويشمل هذا النوع من المحتوى مناطق متعددة من المدينة، من ضمنها كورنيش طنجة، وساحة مرشان، ومدارات رئيسية داخل المجال الحضري. وتبقى هذه الصور، رغم طابعها الافتراضي، حاضرة في النقاشات الرقمية حول شكل المدينة ومستوى تنميتها، وسط اهتمام متزايد بمتابعة التغيرات التي تعرفها طنجة في بنيتها التحتية ومشهدها العمراني.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store