logo
دور أندية العصر الجاهلي ومساجد العصر الإسلامي الأول

دور أندية العصر الجاهلي ومساجد العصر الإسلامي الأول

عرفت العرب أيام الجاهلية الأندية التي أسسوها حول الكعبة، فكانت تستخدم كمجالس لهم، تعقد فيها اجتماعاتهم وتناقش فيها أوضاعهم وخططهم الخاصة بحماية التجارة التي تنقلها القوافل صيفا وشتاء، باعتبار التجارة عصب الحياة الاقتصادية آنذاك. فقد جاء في القرآن الكريم في (سورة قريش) قوله تعالى: 'لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف'.
مثلت الأندية أهم أماكن تجمعهم، كما كانت أماكن لهو وتسلية لهم أيضا، ومن بين أشهرها وأكثرها فاعلية (نادي قريش) و(دار الندوة). وكان يتم أثناء اجتماعاتهم في الأندية مناقشة أوضاعهم وخططهم الخاصة بالتجارة للاطمئنان على سلامة القوافل وحمايتها، كما كانوا يعقدون فيها الندوات لمناشدة الأشعار ومبادلة الأخبار، وكذلك الحديث عن شؤون القبائل من بين ما يتناولونه في جلساتهم بشكل مركز.
كانوا يمارسون في أنديتهم المنكر، فقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى في سورة العنكبوت 'وتأتون في ناديكم المنكر'، والمنكر في العرف الإسلامي يعني كل ما قبحه الشرع وحرمه.
وعندما جاء الإسلام بتعاليمه السمحة، برز المسجد كأهم مؤسسة لها دورها الفاعل والمؤثر في حياة الإنسان من جميع الجوانب. فقد جسّد المسجد القيم الدينية العظيمة بأجلى صورها، مركزا على أهمية تأدية العبادة وطلب العلم من الجميع ذكورًا وإناثًا دون استثناء، لما للعلم من دور كبير في تحضر البشرية وتطورها. فقد بدأ الدين الإسلامي الحنيف بكلمة 'اقرأ' أول كلمة من (سورة العلق) وهي أول سورة نزلت على نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا برهان جلي يؤكد أهمية القراءة والكتابة في الدين الإسلامي حيث جاء ذكر (القراءة) و(القلم) في السورة نفسها، فقال جل جلاله 'اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم'.
استخدم المسجد كمعهد تعليمي ومركز إشعاع فكري، كما كان مقر قيادة الجيوش التي تنطلق منه لمحاربة الأعداء. وكانت تلقى فيه الخطب على اختلافها، كالخطب التي تحث المسلمين على الزهد والورع والتقوى، وكذلك الحث على الجهاد وطلب العلم لتنوير العقول، فبرز كمدرسة لطلاب العلم والمعرفة. وأخذ العلماء من رجال الدين يلقون دروسهم على طلبتهم الذين يلتفون حولهم في حلقات، وبهذا أخذ مصطلح (الحلقات) ينتشر بين طلاب العلم.
كان التعليم في المساجد دون مقابل أي بالمجان، ومن المدهش حقًا أنه بمجرد سماع طلاب العلم الجادين والمجتهدين بوجود عالم على درجة كبيرة من العلم والشهرة في أحد الأمصار الإسلامية، فإنهم يشدون الرحال إلى بلدة ذلك العالم، نظرًا لتشبعهم بأهمية التعليم وتقديرهم للعلماء الأجلاء. وفي ذلك قال الإمام علي (عليه السلام) شعرًا حول أهمية العلم وأهله:
ما الفضل إلا لأهل العلم إنهمُ على الهدى لمن استهدى أدلاءُ
وقيمة المرء ما قد كان يحسنُهُ والجاهلون لأهل العلم أعداءُ
فقم بعلم ولا تطلب به بدلًا فالناسُ موتى وأهل العلم أحياءُ
وهو القائل: منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب دنيا.
وقال الإمام الشافعي رضوان الله عليه:
رأيت العلم صاحبه كريمٌ ولو ولدته أباء لئامُ
وليس يزال يرفعه إلى أنْ يعظمَ أمره القومُ الكرامُ
استمر المسجد ردحًا من الزمن وبالتحديد حتى نهاية القرن الثالث الهجري يمثل المدرسة الوحيدة لأبناء الأمة الإسلامية. وكان طلبة العلم يترددون على المساجد من أجل كسب العلم والتحاور في أمور دينهم ودنياهم، وكذلك تردد الكثير من الأدباء والكتاب من مختلف التوجهات بشكل دائم على المساجد، وكان يهدي البعض منهم الكتب التي جمعها إلى المسجد الذي يتردد عليه لينتفع بها طلاب العلم والعلماء الذين يترددون على المسجد.
زخرت مكتبة الجامع بالكوفة بنوادر المخطوطات وكثرة كتب التاريخ والأدب. واستطاع إسحاق بن مرار الشيباني وهو من اللغويين الكوفيين أن يجمع أشعار نيف وثمانين قبيلة أخرجها في مجلد وجعلها في مسجد الكوفة. كما شهد مسجد الكوفة بروز مدرسة لتفسير القرآن الكريم، وكان من أساتذتها سعيد بن جبير المتوفى سنة 94 هـ. كما كان يقام في مسجد الكوفة إنشاد الشعر ونقده والمناظرات في العلوم العربية.
هكذا عرف دور المسجد في العصر الإسلامي الأول بأنه محط رجال العلماء والأدباء وطلاب العلم، واعتبرت المساجد بمثابة مدارس والجوامع بمثابة جامعات. فشتان بين دور المساجد التنويرية في العهد الإسلامي الأول، ودور الأندية في العصر الجاهلي المشبع بالمنكر. فقد استطاع العرب المسلمون، من خلال اهتمامهم بالعلم، بناء حضارات في الشرق والغرب وبالتحديد في بغداد ودمشق والقاهرة، بالإضافة إلى الحضارة في الأندلس، حيث تشيد كتب التاريخ العربية والأجنبية بتلك الحضارات. بينما كانوا في العصر الجاهلي قبائل متناحرة تكثر بينهم الحروب التي تستمر لعدة سنوات ولأسباب تافهة، كحرب (البسوس) التي دامت أربعين سنة بين قبيلتين متناحرتين (بكر وتغلب) أشهر قبائل العرب قبل الإسلام.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الحاج عبدالله الذهبة.. تاجر مجوهرات أشرف على ملجأ أيتام بالهند
الحاج عبدالله الذهبة.. تاجر مجوهرات أشرف على ملجأ أيتام بالهند

البلاد البحرينية

timeمنذ 20 ساعات

  • البلاد البحرينية

الحاج عبدالله الذهبة.. تاجر مجوهرات أشرف على ملجأ أيتام بالهند

ينتسب الراحل الحاج عبدالله الذهبة إلى عائلة لها مكانتها وامتدادها في البحرين وبعض دول الخليج، وممن اشتهر من أعلام هذه الأسرة هو المرحوم الشاعر الشيخ عبدالله بن الشيخ أحمد الذهبة البحراني المولود في قرية جدحفص أوائل القرن الثاني عشر الهجري، ولا يزال مسجد الذهبة في القرية يحمل اسم والده الشيخ أحمد. مسؤولية إعالة الأسرة في فريق الحطب بالمنامة ولد الحاج عبدالله الذهبة عام 1926، وهو بالمناسبة حفيد الشاعر الشيخ عبدالله الذهبة رحمه الله، ومن أصدقاء طفولته ورفاقه المرحومين العلامة الشيخ أحمد بن خلف العصفور، حسن بن عبد الرسول بن رجب وإخوانه، عبدالرسول المسقطي، السيد مجيد الماجد، الحاج على أبو ديب، الحاج حسن على السماهيجى وجاسم محمد الصفار، توفي والده وهو صغير فتولى مسؤولية إعالة أسرته إذ كان هو الابن الوحيد بين ثلاث أخوات. بين صفوى ورحيمة والرياض سافر إلى السعودية في منتصف الأربعينيات بحثًا عن لقمة العيش حيث عمل في إحدى شركات النفط متنقلًا بين منطقتي صفوى ورحيمة ثم العاصمة الرياض، ودام عمله في السعودية ما يقارب 10 أعوام. بعد فترة عمله في السعودية، تزوج ابنة خالته كريمة السيد أحمد السيد محمود، ثم غادر إلى الكويت في منتصف الخمسينيات وزاول مهنة الدلالة وتجارة المواد الغذائية، واستقر في الكويت نحو 15 عامًا ثم قرر العودة إلى البحرين ليستقر بشكل دائم مع العائلة عام 1970، وافتتح محلًّا لبيع الذهب والمجوهرات واستمر في هذه التجارة لما يقارب 15 عامًا. مجمع الأيتام في 'رامبور' كان المرحوم الحاج عبدالله الذهبة مشهورًا بالأمانة ودماثة الخلق وحسن المعشر، ليس على مستوى البحرين فحسب، ولكن على مستوى الخليج والمنطقة، لذا تولى مسؤولية القيام بالعديد من المشاريع الخيرية نيابة عن عدد من تجار الخليج، ومن هذه المشاريع بناء مجمع للأيتام في قرية رامبور بالهند أوائل الستينيات بالهند، ويحوي ذلك المجمع مدرسة وسكن بتمويل من مؤسسة مناهل الخير في دولة الكويت. مجوهرات الهند وأحجارها الكريمة كان رحمة الله عليه كثير السفر للهند لتجارة المجوهرات والأحجار الكريمة، وكان يصطحب ابنه عادل في بعض السفرات ليتعرف على التجار الهنود، وكانت تمتد فترة إقامته لأكثر من 6 أشهر في بعض الأحيان بالزيارة الواحدة، وكان يزور دول الخليج للقاء التجار ورجال الأعمال. توفى رحمة الله عليه يوم الخامس والعشرين من شهر سبتمبر عام 1998، ودفن بمقبرة المنامة. في مجوهرات الذهبة بشارع الشيخ عبدالله من لقاءاته مع التجار البحرينيين والسعوديين مع تجار دبي محمد أحمد العباس وعلي ابراهيم الفردان

استعدوا لزيادة عدد سكان سترة إلى 65 ألف نسمة
استعدوا لزيادة عدد سكان سترة إلى 65 ألف نسمة

البلاد البحرينية

timeمنذ 6 أيام

  • البلاد البحرينية

استعدوا لزيادة عدد سكان سترة إلى 65 ألف نسمة

ترحب 'البلاد' برسائل ومساهمات القراء، وتنشر منها ما لا يتعارض مع قوانين النشر، مع الاحتفاظ بحق تنقيح الرسائل واختصارها. يرجى توجيه الرسائل إلى البريد الإلكتروني ([email protected]) متضمنة الاسم ورقم الهاتف. تأسست جمعية سترة الخيرية تحت مسمى 'صندوق سترة الخيري' في الأول من سبتمبر بالعام 1993م، وذلك طبقًا لأحكام القانون الخاص بالجمعيات والأندية الرياضية والهيئات الاجتماعية والثقافية. ومنذ ذلك التاريخ، والجمعية تقدم خدماتها لعموم مناطق سترة دون تمييز، وتسعى جاهدة لتلبية احتياجات الأسر المتعففة، وتقديم المساعدات للأفراد والطلبة المحتاجين، ودفع تكاليف العلاج لبعض الحالات المرضية، وتغطية نفقات الزواج. لدى الجمعية العديد من المشروعات الرائدة التي تلامس الحياة المعيشية لأبناء جزيرة سترة، مثل ترميم البيوت، وتوفير الأجهزة المنزلية والكهربائية، وإقامة حفلات تكريم للمتفوقين، وكفالة الأيتام، وتوزيع السلال الرمضانية، وحقيبة الطالب، والمبادرات الموجهة لأصحاب الهمم. ولا تختلف جمعية سترة الخيرية عن باقي الجمعيات والمؤسسات في مملكة البحرين، فهي تعيش المصاعب، وتتقاسم الهموم والمتاعب، وتواجه المنعطفات الخطيرة والتحديات المختلفة. لكنها تجتاز تلك العقبات بفضل الله تعالى، وبجهود وإخلاص أعضاء المجالس الإدارية المتعاقبة، وصبر العاملين في اللجان التابعة للجمعية، رحم الله الماضين وأطال في عمر الباقين. كما لا يمكن إغفال دعم ومساندة أهالي سترة، الذين كانوا عونًا وسندًا لجمعيتهم منذ تأسيسها وحتى اليوم. واليوم، وبعد مرور قرابة 32 عامًا على تأسيسها، ما تزال جمعية سترة الخيرية قادرة على العطاء على رغم صعوبة العمل ووعورة الطريق. وأحسب أن التحديات تزداد قوة من حين لآخر، ومعها يجب أن تتضاعف الجهود، ويزداد النشاط، وتُبتكر أساليب جديدة، وتُوضع برامج وخطط ناجحة. من الضروري أن تخرج الجمعية من حالة الرتابة والروتين، وتنفتح أكثر على الحاضنة الاجتماعية، وتوثق علاقتها بالأفراد وبقية جمعيات ولجان المجتمع المدني في سترة. كما أنه من واجب كل ستراوي مخلص الوقوف إلى جانب الجمعية، ومساندة العاملين فيها، فالأمر لم يعد كالسابق، لا على المستوى الإداري ولا الشعبي. الجمعية اليوم بحاجة ماسة إلى سجل منظم للأعضاء المنتسبين حسب النظام الأساسي؛ لأن ازدياد وتنوع العضوية سيسهم في تشكيل جمعية عمومية فاعلة، تدعم الإدارة القادمة، وتساهم في تطوير مستقبل الجمعية، وتعزز قوة الانتخابات، وتفرز إداريين ولجانًا عاملة تعيد للجمعية هيبتها وقوتها المعهودة. وليسمح لي مجلس إدارة جمعية سترة الخيرية أن أشير إلى بعض النقاط المهمة: أولًا: تحت شعار 'سترة تنتخب'، دشنت لجنة الإشراف على الانتخابات حملتها لانتخاب مجلس إدارة جديد. لكن، في ظل المعطيات الحالية، لن يتطور الأداء الإداري والمالي ما لم تكن هناك جمعية عمومية مختلفة وفاعلة، لها حضور قوي في الانتخابات وما بعدها. ثانيًا: لا ينبغي على الأخوة الأفاضل في اللجنة المشرفة على الانتخابات الاكتفاء بالجانب التنظيري، وإصدار البيانات والدعوات فقط، بل يجب تفعيل البرامج العلمية والعملية التي تشجع على المبادرة، وتنفيذ زيارات ميدانية لإقناع الكوادر المؤهلة بالترشح. ثالثًا: مع اكتمال مدينة شرق سترة، سيزداد عدد السكان بنسبة كبيرة قد تصل إلى نصف العدد الحالي، ليبلغ نحو 65 ألف نسمة أو أكثر. ومع هذا التوسع العمراني، ستزداد الضغوط على البنية التحتية، بما فيها جمعية سترة الخيرية؛ ما يستدعي الاستعداد المبكر بدءًا من الانتخابات القادمة، بإحياء الجمعية العمومية وتقوية مجلس الإدارة واللجان العاملة. رابعًا: لدي ثقة بوزارة التنمية الاجتماعية، ولا أشك في متابعتها لاحتياجات جمعية سترة الخيرية، خصوصًا مع التوسع العمراني والسكاني. ومن هذا المنطلق، أوجه الدعوة إلى وزير التنمية الاجتماعية أسامة العلوي، لزيارة الجمعية والاطلاع عن قرب على احتياجاتها، وما يواجهه مجلس إدارتها من معوقات وصعوبات، والعمل على تذليلها لضمان استمرار الجمعية في أداء واجباتها وتحقيق أهدافها.

الكلمة مسؤولية... كيف نختار ما نقول؟
الكلمة مسؤولية... كيف نختار ما نقول؟

البلاد البحرينية

timeمنذ 6 أيام

  • البلاد البحرينية

الكلمة مسؤولية... كيف نختار ما نقول؟

الكلمة ليست مجرد أصوات تُنطق أو حروف تُكتب، بل هي أداة قوية تخترق الحواجز لتصل إلى أعماق النفس البشرية؛ فتكمُن خطورتها في قدرتها على إنقاذ روحٍ من ظلام اليأس بكلمة طيبة، أو تحطيم قلبٍ بكلمة جارحة، كرصاصة تنطلق بلا عودة، تاركة آثارًا قد تمتدُّ إلى المجتمع بأسره؛ فبكلمة تُبنى الأمم، وبكلمة هدِمت القيم، وبكلمة تُشعل الحروب أو تُطفئ النزاعات، ولذلك أولى الإسلام للكلمة مكانة عظيمة، وجعلها مسؤوليةً يُحاسَب عليها المرء يوم القيامة، كما قال تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)، وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في اختيار الكلمات حينما قال: (‌إِنَّ ‌الْعَبْدَ ‌لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا، يرفع اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ)، وهذا يبيّن بوضوح أن كلمةً واحدةً قد تكون الفارق بين النجاة والهلاك، ودليلًا على أن اللسانَ أعمقُ أثرًا من السنان. وفي عصرنا الراهن، حيث تعددت وسائل النشر، وتنوعت منصات التواصل الاجتماعي، باتت الكلمة تنتشر في ثوانٍ كالوباء، فتتحول الإشاعة إلى أزمة يصعب احتواؤها، قد تنهار سمعةٌ في لحظات، أو تندلع فتنة في مجتمع، أو يهتزّ سوقٌ بأكمله. لقد أصبح التنمّر الإلكتروني سببًا في دفع ضحاياه إلى حافة اليأس، وتحول الخطاب التحريضي إلى شرارة تُشعل الصراعات، فيما تلقي الأخبار الكاذبة بظلالها الثقيلة على الأمن والاستقرار. وهنا تكمُن المفارقة، فالكلمة التي كانت يومًا تتداول شفهيًّا بتأثير محدود، صارت اليوم سلاحًا رقميًّا نافذًا يطول ملايين العقول في لحظة، ما يستدعي منا وعيًا مضاعفًا بمضامينها، وعواقبها. إن مسؤوليتنا تجاه الكلمة هي مسؤولية عظيمة تتطلب منا إدراكًا عميقًا لتأثيرها البالغ في بناء المجتمعات وتشكيل الوعي الإنساني، ما يفرض على حامليها تبعةً أخلاقيةً عاليةً في توظيفها بحكمةٍ وروية؛ فليكن مقصد الكاتب أو المتحدث أن يبني جسور الفهم، لا أن يهدم قِيم التواصل، وأن يكون النقد مرآة تُظهر العيوب لتُصلحها لا سيفًا يُشهر لجرح الكرامات، أو اصطياد الهفوات. إن حرية الكلمة لا تعني أن يُطلق الإنسان لسانه، أو قلمه في نشر الأكاذيب، أو في تشويه صورة الآخرين، أو في إذكاء الفتن والفرقة بين الأفراد والمجتمعات؛ فالكلمة مسؤولية، وعلى من يملكها أن يُتقن استخدامها بحذر وحكمة، كي تكون مصدر خير وفائدة لا مصدر ضرر وهدم.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store