خواجة من شبرا
يمضى بنا الصحفى القدير توماس جورجيسيان فى كتابه «إنها مشربية حياتى… وأنا العاشق والمعشوق» من قصة إلى قصة متبعا نهج الحكائين الأرمن الذين تربى على أسلوبهم. يروى ذكرياته على طريقته بتسلسل منطقى خاص به. يحكى كما يتحدث، وهو لمن يعرفه يحب «الرحرحة»، هذه الكلمة التى يكررها كثيرا فى الكتاب الصادر أخيرا عن دار الشروق ليصف الونس فى الكلام ودفء التواصل الإنسانى كما نجده لدى مؤلفين مشهورين من أصول أرمنية مثل ويليام سارويان ولدى الرواة التقليديين ومبدعى حواديت الأطفال فى بلاد أجداده. يقول جورجيسيان: «الحكاية (وتسمى فى الأرمنية هيكيات) تنتهى عادة فى التراث الأرمنى بأن يقول الراوى إن ثلاث تفاحات وقعت من السماء. التفاحة الأولى لمن يحكى الحكاية، والثانية لمن يسمعها، وأما الثالثة فلمن يمر بها وينصت إلى تلك الحكاية»، فنحن جميعا شركاء فى اللعبة. وقد تعلم من أمه تفانين الحكى واللعب بالخيال، لأنها كانت قادرة على سرد الحدوتة نفسها مع تغيير مستمر فى صياغتها لكى تبدو دائما مختلفة، كما استهواه حماس الحكواتى عند توفيق الحكيم الذى تعرف عليه وهو فى الثمانينيات من عمره لكنه احتفظ بشقاوة تفكيره وبراعته فى إثارة الدهشة.
بالنسبة إلى توماس جورجيسيان الحكى وسرد الذكريات هو حق وواجب، نوع من الاعتراف بالجميل كما جاء على لسان أمريكى آخر من أصل أرمنى وهو المليونير جورج مارديكيان الملقب بملك المطاعم وصاحب كتاب «أغنية أمريكا»، الذى زار مصر وأحب أهله «لأنه ابتسم له وللأرمن». وخلال محاولاته لفهم من حوله وحتى أقرب الناس إليه يحاول توماس أن يعرف نفسه أكثر ويتقبلها. لا يهم أن يشوب الكتاب بعض التكرار أحيانا، فالكبار عادةً ما يذكرون الحكاية نفسها أكثر من مرة، وهو قد اتبع منهج من جلس ليحكى ويؤكد مرارا وتكرارا «أنه لأمر مهم أن يكون لك تاريخ، ولكن الأمر الأهم أن تكون لك ذاكرة». ويتساءل: «الخالق أعطانى نعمة التذكر والخيال والحكى (...) فلماذا لا أستعمل هذه النعم معا وأشاطرها معك ومع الآخرين؟».• • •ينطلق فى كل فصل من صورة بعينها. صورة بألف كلمة، يبحث عنها فى كل زمان وفى كل مكان مثلما يكتب دائما على صفحته بالفيسبوك حين ينشر صورا ورسومات، مع إضافة تعليقاته اللطيفة والثرية. غالبا اكتسب ذلك من شغفه بالصحافة التى عمل بها لسنوات طويلة وما زال، واهتمامه بشكل وترتيب الصفحات فى الجرائد.يبدأ بصورة عائلية يرجع تاريخها لنهاية أربعينيات القرن الفائت، فيذكر أنه تم التقاطها فى شارع الجيزة بالقرب من المقهى الذى كان يديره عم والده. ثم نتابع مصائر كل من فى الصورة وأولادهم وربما أحفادهم. ننظر إلى الصورة فنرى خريطة العالم ونكتشف مسارات عائلة أرمنية، عاش ومات بعض أفرادها فى حى شبرا بالقاهرة، ونُفى بعضهم إلى سيبيريا أو انتقلوا إلى أمريكا، فى حين عاد البعض الآخر إلى يريفان حين سمحت لهم الظروف. كما نتعرف على لمحات من حياة الأرمن هنا وهناك، فيذكر مثلا أن مقهى الجيزة كان قريبا من شركة الدخان «ماتوسيان» التى عمل فيها عدد كبير من الأرمن، وتعودوا قضاء أوقات فراغهم به للعب الطاولة والدومينو.يتطرق أيضا لتاريخ مذابح الأرمن والإبادة الجماعية التى تعرضوا لها خلال الحرب العالمية الأولى ووصول والده إلى مصر بعد أن فقد أباه وأخته فى مياه الفرات أثناء هروبهم. التزم أبوه صمتا محيرا، فقد انتمى لجيل بلا طفولة بسبب ظروف الحرب، وفى مواضع كثيرة من الكتاب يقارن المؤلف بين مصير الأرمن والفلسطينيين وغيرهم من الشعوب المنكوبة. يقتبس كلمات محمود درويش، فيردد: «مازلنا هنا ومازلنا أحياء».وعندما أصر يوما على أبيه وأراده أن ينبش الماضى رد عليه بنظرة ثاقبة: «هل تريد منى أن أتذكر ما حاولت أن أنساه على مدى سنوات عمرى؟ هل تريد منى أن أسترجع لحظات أنا لا أريد أن تأتى أو تعود لا إلىّ أنا ولا إليك أنت من جديد ولو حكاية؟».أمام هذا الصمت قرر توماس أن يستعمل حق أبيه وحقه فى الكلام، ولاذ بطريقة أمه فى التعامل مع الصدمات، فقد كانت لا تملك رفاهية الشكوى، بل اندمجت فى الحياة المصرية وحولت شقتهم فى شارع الترع البولاقية بشبرا إلى أرمينيا مصغرة، احتضنت بين جدرانها اللغة الأرمنية وحواديتها وأشعارها وأغنياتها.. ملأت دنياهم بالطبطبة، ربما لكى توازن صمت الأب الذى كان يقرأ جريدة «الأهرام» صباحا وصحيفة «الهوسابير» الأرمنية مساءً.• • •حياة توماس الذى اشتغل كصيدلى فى بداياته بأجزاخانة فى شارع عماد الدين ستتأرجح طويلا بين هاتين الصحيفتين. مدّه التعامل اليومى مع البشر بالمزيد من الحكايات، كما علمته دراسته لعلوم الكيمياء والدواء أن الكلام المكتوب مثل تركيبة الدواء «الجرعة الفعالة (كمية المادة) يجب أن تكون محددة ومحدودة بدقة بحيث تكون علاجا». ومع اتساع الرؤية ازدادت قدرته على تحقيق المعادلة الصعبة، خاصة فى ظل مخالطته لكبار الصنعة مثل توفيق الحكيم ونجيب محفوظ وحسين فوزى ويوسف إدريس وإحسان عبد القدوس وأحمد بهاء الدين وصلاح جاهين وكمال الملاخ ومصطفى أمين ولويس جريس وبيكار وإيهاب شاكر وغيرهم من الذين اقترب منهم واستمتع بصحبتهم واستخلص الدروس المستفادة من تجربتهم كما فى نهاية الحواديت.كان حريصا أن يكون فى حضرتهم وأن يراقبهم طوال فترة الثمانينيات التى امتهن فيها الصحافة وحصل على ماجستير من الجامعة الأمريكية حول كُتاب الأعمدة فى مصر. وذلك قبل أن يسافر للعمل كمراسل صحفى فى واشنطن عام 1991 برفقة زوجته الأمريكية ليز، ويرزق بابنته مارجريت «روحه» التى يحكى للكل عنها وعن ابتسامتها.الحكايات والصور تتعاقب فى صندوق الدنيا العجيب الذى كونه توماس عبر السنين، وقد اندمج فى العيش بمصر حيث ولد فى أول أغسطس عام 1957، وصار يداعب كل من يلقبه بالخواجة ضاحكا: «ما خواجة إلا الشيطان!». ومازالت فى جعبته حكايات أخرى لم يتسع المجال لذكرها حول مرحلة المراسل الصحفى فى واشنطن، مركز صنع القرار حيث «الأمور واضحة وقواعد اللعبة محددة»، «فأقصر طريق إلى واشنطن يمر عبر تل أبيب». ونحن فى انتظار الجزء الثانى من الكتاب.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


بوابة الفجر
منذ 11 ساعات
- بوابة الفجر
كريم وزيري يكتب: أرباح الحروب التي لا نراها في نشرات الأخبار
في كل حرب، تتجه الأنظار نحو الجبهات، نحو الدبابات التي تزمجر، والطائرات التي تمطر، والجنود الذين يسقطون على أطراف الخرائط، لكن قليلون من ينظرون خلف الكواليس، حيث تجلس الأطراف الرابحة في صمت، تتابع المشهد من شاشات تحليل البيانات أو مكاتب صفقات السلاح، تحتسي قهوتها بهدوء بينما تُعد الأرواح على الأرض مجرد أرقام في تقارير الأداء، ومنذ الحرب العالمية الأولى وحتى أحدث صراع في أوكرانيا أو غزة، ظل السؤال نفسه يُطرح بين من يجرؤون على كسر السرديات الرسمية وهو من يربح حقًا من هذه الحروب؟ هناك من يعتقد أن تاجر السلاح هو الرابح الأكبر، وهو رأي له وجاهته، فصناعة السلاح هي من أكثر الصناعات التي لا تخسر أبدًا، الحرب بالنسبة لها ليست دمارًا بل موسم رواج، كل دبابة تُستهلك تُستبدل بأخرى، وكل صاروخ يُطلق يُعوض بعقد توريد جديد، وشركات كبرى مثل لوكهيد مارتن، ريثيون، تُضاعف أرباحها كلما احتدمت الجبهات، والحروب تُستخدم كإعلانات حية لمنتجاتهم، ويكفي أن تنجح طائرة واحدة في تنفيذ مهمة دقيقة حتى تصبح نجمة معارض السلاح التالية، والدول لا تشتري فقط القدرة على القتل، بل تشتري وهم التفوق، هالة الردع، وشعورًا زائفًا بالأمان. لكن الصورة تغيرت، فخلف الكاميرات، هناك لاعب جديد دخل الساحة، لا يرتدي زيًا عسكريًا ولا يظهر في نشرات الأخبار، إنه من يملك المعلومة، من يستطيع أن يوجه الرأي العام، أن يصنع العدو، أن يعيد تعريف النصر والهزيمة حسب مزاج مصالحه، من يملك المعلومة يملك القوة الناعمة والصلبة في آنٍ واحد، شركات مثل غوغل وميتا وأمازون لم تُصنف حتى الآن ضمن "شركات الدفاع"، لكنها تملك بيانات عن الشعوب أكثر من حكوماتها، وتستطيع حرف المسارات السياسية عبر خوارزمية، أو إخماد ثورة بتقليل ظهورها في "الترند". لم تعد المعركة فقط على الأرض، بل على الشاشات، في كل ما يُقال ويُعاد ويُضخ، في كل إشعار يصل لهاتفك ويستهدف وعيك قبل أن يستهدف جسدك، باتت المعلومة أقوى من القنبلة، لأنها تهيئ لها الطريق، وتُشيطن طرفًا، وتبرر الحرب، وتمنح الضوء الأخضر النفسي قبل العسكري، ومن يتحكم في الصورة، يتحكم في المعركة، ومن يتحكم في التحليل، يتحكم في المصير. صانع السلاح يربح عندما تشتعل الحرب، لكن صانع المعلومة يربح حتى في الهدنة، بل أحيانًا يُشعل الحرب لتخدم روايته، والمشكلة أن كثيرًا من الصراعات التي نشهدها الآن لم تُخلق من نزاع حقيقي على الأرض، بل من تضخيم إعلامي أو سردية مصطنعة، أصبح بالإمكان تصنيع "عدو"، ثم بث الخوف منه، ثم تسويقه كمبرر لحرب لاحقة، وكل ذلك دون أن يخرج مطلق المعلومة من مكتبه. منذ سنوات بدأت شركات السلاح تستثمر في شركات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات، والعلاقة بين الاثنين لم تعد منفصلة، وهناك من يصنع السلاح، وهناك من يصنع القصة التي تُبرر استخدامه، وهناك من يجهز الطائرة، وهناك من يجهز عقل المواطن ليتقبل القصف. المعلومة أصبحت سلاحًا موازيًا، بل سابقًا على القذيفة. فالقصف يبدأ من رأسك، من فكرة يتم زرعها، حتى تصدّق أنها "حرب عادلة" أو "دفاع عن النفس". السؤال الآن من يربح أكثر؟ من يبيع الموت في شكل معدني أم من يبيعه في شكل رواية؟ من يملك المصنع أم من يملك التأثير؟ من يتحكم في الجيوش أم من يتحكم في العقول؟ الواقع أن كليهما رابح، لكن الفارق أن تاجر السلاح يربح مرئيًا، في حين أن تاجر المعلومة يربح في الخفاء، دون أن يُسأل أو يُحاسب، بل الأسوأ قد تراه بطلًا، أو خبيرًا محايدًا، وهو في الحقيقة من يدير المعركة بطرف إصبع. الربح في الحروب لم يعد فقط ماليًا، إنه أيضًا في التأثير، في إعادة رسم الخرائط، في التحكم في السرديات الكبرى، والأدهى من ذلك أن الشعوب نفسها باتت هي السلعة، بياناتهم، عواطفهم، مخاوفهم، سلوكهم على الإنترنت، كل ذلك أصبح يُباع ويُشترى ويُستخدم كوقود في حروب غير تقليدية، حروب لا يُطلق فيها رصاص بل تُحقن فيها العقول بما يكفي لتدمير ذاتها. صانع السلاح يربح حين تسقط الجثث، لكن صانع المعلومة يربح حين تنهار الثقة، حين تصبح الحقيقة مشوشة، والواقع ضبابيًا، والعقل هشًا، قد لا تراه، لكنه موجود في كل إشاعة، في كل فيديو مفبرك، في كل خطاب تعبوي يُبث، في كل "ترند" يُدير الوعي الجمعي دون أن ينتبه أحد. الحروب القادمة لن تكون فقط على الأرض، بل في الفضاء الإلكتروني، في غرف الاجتماعات المغلقة، في مراكز تحليل السلوك البشري، وساحة المعركة لن تكون فقط الجبهة، بل أيضًا شاشة هاتفك، عقل ابنك، وتصوّرك لما يجري من حولك. قد لا تشتري سلاحًا، لكنك تستهلك المعلومة، وقد لا تقتل أحدًا، لكنك قد تقتل الحقيقة دون أن تدري.


بوابة الأهرام
منذ يوم واحد
- بوابة الأهرام
«المرأة المقهورة» من ألمانيا لإفريقيا
تميز مهرجان كان السينمائى الدولى بفيلمين ناقشا قهر المرأة فى الماضى والحاضر. أولهما الفيلم الالمانى «صوت السقوط» وهو اول عمل للمخرجة ماشا شيلينسكى. أنها قصيدة نثرية غامضة وغريبة عن الشعور بالذنب والعار والشوق فى ألمانيا القرن العشرين، والقرن الحادى والعشرين؛ دراما عن الصدمات المتوارثة بين الأجيال والذكريات الوراثية، والرؤى والتجارب المكبوتة والموروثة للأحفاد الذين قد تعود إليهم كأعراض عصابية للمكبوتين. تتضمن قوافى بصرية وأصداء كونية غامضة، ويتحدث الفيلم عن الاستياء، والشعور بالذنب والرعب، مع لمحات قاتمة من الإساءة والتعقيم، وعبودية النساء فى الخدمة المنزلية، وعالم ألمانيا الريفية الرعوى الذى لا تُرى فيه التيارات السياسية للمدينة إلا بشكل خافت. كما يُشير الفيلم إلى المأساة المروعة لجمهورية ألمانيا الديمقراطية القديمة، التى كدّت وبذلت التضحيات لمدة 40 عامًا بعد الحرب العالمية الثانية فى ظل التبعية السوفيتية لتكتشف أخيرًا أنها ذهبت أدراج الرياح. تدور أحداث الفيلم فى الموقع نفسه فى أربعة أطر زمنية مختلفة: مزرعة فى ساكسونيا شمال شرق ألمانيا، وأربعة مبانٍ تُحيط بفناء. فى سنوات الحرب العالمية الأولى وما بعدها مباشرة، تُبتر ساق شاب يُدعى فريتز ؛ فيُجبر على الاستحمام والعناية به من قِبل الخادمة ترودى التى تتحمل هى نفسها عبء قسوة لا تُوصف. محور هذا الفصل هو ألما، وهى فتاة صغيرة تُبدى تقبّلًا فاترًا وغير مُستوعب لتقاليد العائلة الغريبة، وصور موت أفرادها المتوفين المُرعبة. بعد سنوات، وفى المنزل نفسه، تولَد لدى إريكا شغفٌ كئيبٌ بـ»العم فريتز» الأكبر سنًّا، وبصورتها الخيالية عن نفسها كمبتورة. لاحقًا، فى ألمانيا الشرقية القديمة، أنجيليكا مراهقةٌ تعمل فى المزرعة، يُسيء معاملتها عمها البغيض أوى وتُدرك فى حلمٍ أن ابن أوى - أى ابن عمها راينر يُحبها باستياء. عندما تنضم أنجيليكا إلى مجموعة العائلة لالتقاط صورة جماعية بكاميرا بولارويد، تواجه مصيرًا غريبًا مثل ألما. وفى وقتٍ لاحق، فى ألمانيا الموحدة الحديثة، تُصادق لينكا فتاةً غريبةً وجريئةً تُدعى كايا توفت والدتها. تتكشف الروابط بين الشخصيات تدريجيًا، ويلمح الفيلم إلى المزيد من الشخصيات والأحداث الغامضة والمتوقعة. تنبض الموسيقى التصويرية وتئن بقلق محيط. إنه فيلم مليء بالخوف والحزن. الفيلم الآخر هو الفيلم التونسى سماء بلاسقف وهو الفيلم الروائى الثالث للمخرجة الفرنسية التونسية إيريج صحيري، الذى عرض فى مسابقة «نظرة ما». فيلمٌ رائع الصنع وقضية اجتماعية نادرة العرض: قضية المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى العالقين فى تونس بين الأمل والعنف. ماري، قسيسة إيفوارية، تعيش فى تونس. تستضيف ناني، عاملة بلا جواز سفر، وجولي، طالبة عازمة تحمل آمال عائلتها فى الوطن. فى أحد الأيام، تستقبلان كنزة، مهاجرة مثلهما فى الرابعة من عمرها. تنجو الطفلة من حادث غرق قارب. فى الوقت نفسه، يزداد المناخ الاجتماعى توترًا فى البلاد، ويصبح المهاجرون كبش فداء سهل، مما يضطر كل منهما إلى اتخاذ خيارات حاسمة. تلعب المخرجة بلحظات التداخل، تلك اللحظات التى تتأرجح بين النور والظلام، كشخصياتها المحاصرة بين عوالم متعددة. الفيلم يستكشف التوترات الاجتماعية والعرقية فى بلد المخرجة، وربما يكون قبل كل شيء فيلمًا عن الأخوة. نسير خلفهن، نراقبهن، نكاد نلاحقهن، كرجال الشرطة التونسيين الذين نلمحهم خارج الشاشة فى ضبابية المشهد، ثم يزداد حضورهم حتى اعتقال جولى الصادم، رغم امتلاكها بطاقة طالب سارية. مع ذلك، تختلف هؤلاء النساء الثلاث اختلافًا كبيرًا: ماري، التى تؤمن إيمانًا عميقًا بالأمل والحياة الطيبة المجزية (تُسمى كنيستها «كنيسة المثابرة») لدرجة أنها لا تتخيل أن السلطات ستلاحقهن. ناني، التى تحيك المكائد مع صديقتها المقربة، وتتورط فى جميع أنواع الاتجار التافه، على أمل أن تستعيد ابنتها، التى لم ترها منذ ثلاث سنوات، إلى صفها قريبًا. فى دراماها الاجتماعية، لا تختار إيريج صحيرى الحياد البصرى للأفلام الوثائقية، بل جمالية فنية دقيقة، حيث ينعكس كل ضوء ببراعة. تدور العديد من المشاهد عند شروق الشمس أو غروبها، بين الغسق والظلام. كشخصيات الفيلم العالقة بين عوالم متعددة. أيهما تختار؟ البقاء ومواصلة رعاية المجتمع، بما فى ذلك هذه الطفلة التى لا هوية لها؟ محاولة خوض الرحلة التى لم يتمكن والداها من إكمالها؟ العودة؟ لا نهاية سعيدة ولا شعور زائف بالرضا، بل يقدم لنا الفيلم ثلاثة خيارات، ثلاثة مسارات فى الحياة، دون أحكام. ثم يعود الأمر للمشاهد ليكشف عن غموضه.


الدستور
منذ يوم واحد
- الدستور
الشروق تصدر الطبعة الثانية من "معزوفة اليوم السابع" لجلال برجس
أصدرت دار الشروق للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية من رواية "معزوفة اليوم السابع" للروائي الأردني جلال برجس. معزوفة اليوم السابع أما عن "معزوفة اليوم السابع"، فتتطرق الرواية التي كتبت في 318 صفحة إلى مصير البشرية وما يمكن أن تؤول إليه في ظل التراجع الصارخ للقيمة الإنسانية في هذه المرحلة الحافلة بكثير من التحولات، والصراعات على مختلف الصعد. وتقوم رواية معزوفة اليوم السابع، التي اعتنت بلغتها، وعناصر التشويق، على حكاية مدينة مفترضة مكونة من سبعة أحياء، جنوبها مخيم ضخم لغجر مطرودين منها. وتصاب هذه المدينة، التي وصلت إلى مرحلة قصوى من تبدلات تضرب جذر المكون الإنساني، بوباء غريب ونادر يفضي، في واحد من أعراضه، بالمصابين إلى الوقوع في غرام الموت، وبالتالي تصبح على حافة الفناء، فيأتي الخلاص من جهة غير متوقعة. بنيت رواية معزوفة اليوم السابع على ثلاث مراحل زمنية خفية غير مباشرة: الماضي البعيد، والحاضر الملتبس، والمستقبل الغامض، وجاءت بأسلوب رمزي غير معقد، بحيث تترك مجالات عديدة للقارئ بأن يؤولها كيفما يريد. غلاف الطبعة الثانية جلال برجس يذكر أن جلال برجس شاعر وروائي أردني، نال عن روايته "دفاتر الوراق" الجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر) 2021. وصلت سيرته الروائية "نشيج الدودوك" للقائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد للكتاب 2023، وصلت روايته "سيدات الحواس الخمس" إلى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية 2019، نال عن روايته "أفاعي النار" جائزة كتارا للرواية العربية 2015. وفازت روايته "مقصلة الحالم" (2013) بجائزة رفقة دودين للإبداع السردي، وفازت مجموعته القصصية "الزلزال" بجائزة روكس بن زائد العزيزي للإبداع 2012. صدر له في الشعر: "كأي غصن على شجر"، و"قمر بلا منازل"، وصدر له في أدب المكان "شبابيك مادبا تحرس القدس" و"رذاذ على زجاج الذاكرة"، وهو صاحب فكرة "حكايات المقهى العتيق" أول رواية مشتركة يكتبها تسعة كتاب. ترجمت رواياته إلى الإنجليزية، والفرنسية، والفارسية، والهندية، والإيطالية. يعمل الروائي جلال برجس في المركز الأردني للتصميم والتطوير، يعد ويقدم برنامجا إذاعيا بعنوان بيت الرواية. شغل عدة مناصب ثقافية منها رئيس مختبر السرديات الأردني، ورئيس عدد من الهيئات الثقافية الأردنية، ومدير تحرير لعدد من المجلات الثقافية، ويترأس هذه الأيام هيئة تحرير مجلة صوت الجيل التي تعنى بأدب الشباب