بعد انتشارها.. حملة الدفاع عن الحضارة المصرية ترفض إقامة الحفلات بجوار الأثر
انتشرت في الفترة الأخيرة العديد من حفلات الزفاف التي تُقام بما يُعرف بفناء "الحب سد" أمام الهرم المدرج بمنطقة سقارة الأثرية، وهو المكان الذي كان يُتوَّج فيه الملك للاحتفال بالعيد الثلاثيني لجلوسه على العرش، بالإضافة إلى الحفلات التي تُقام في منطقة الأهرامات.
وقد أعلنت حملة الدفاع عن الحضارة المصرية، برئاسة الدكتور عبد الرحيم ريحان، رفضها لهذه الاحتفالات، واعتبرتها تدنيسًا لحرمة الأثر، الذي كانت وظيفته مقدسة، سواء كان هرمًا كمقبرة للدفن، أو معبدًا، أو مسجدًا في العصر الإسلامي، مثل مسجد محمد علي، علاوة على ذلك، أكدت الحملة على القيمة الأخلاقية والمعنوية للتعامل مع الأثر كتراث ثقافي له من القدسية والاحترام، سواء كان الموقع تاريخيًا أثريًا، أو مسجدًا أثريًا شُيِّد خصيصًا للعبادة، وليس لإقامة حفلات اللهو وما يصاحبها من تجاوزات أخلاقية.
وأضاف الدكتور ريحان في تصريحات لـ الدستور، أن هذه الحفلات، وما يصاحبها من ضوضاء وأضواء، تُعد ضارة بالأثر، فقد أثبتت الدراسات الفيزيائية الحديثة أن الأصوات التي تتجاوز 85 ديسيبل تُحدث اهتزازات دقيقة تؤثر على تركيب الأحجار، مما يؤدي إلى تآكل غير مرئي قد يتفاقم مع الزمن، كما أن بعض المعدات الصوتية تُنتج ذبذبات بترددات منخفضة (Low-frequency vibrations) تتراوح بين 30 و60 هرتز، وهي أخطر أنواع الترددات التي قد تُحدث خلخلة في البناء الحجري القديم.
وأشار إلى أن أجهزة الليزر ذات قدرة تفوق 5 واط قادرة على التأثير حراريًا على الأسطح الحجرية، خصوصًا تلك التي تحتوي على معادن، وأن الإضاءة القوية تُسهم في تلاشي الألوان الأصلية للنقوش. كما أن بعض أنواع الإضاءة تنتج أشعة فوق بنفسجية تؤثر على المكونات الكيميائية للأحجار.
وأكد أن الترددات الصوتية تؤثر على المسطحات الحجرية، وتتسبب في فقدان تماسك وثبات الأسطح الحاملة للنقوش والكتابات أو الطبقات اللونية، وأن المبالغة في استخدام مكبرات الصوت تُحدث تأثيرات ميكانيكية ضارة جدًا على تلك الأسطح الحجرية.
وأضاف أن الضوء، بدرجاته اللونية واختلاف أطواله الموجية (من الأشعة تحت الحمراء إلى الأشعة فوق البنفسجية)، يؤثر على ثبات الدرجات اللونية على المسطحات الأثرية، حيث تؤدي الطاقة المنبعثة من مصادر الضوء إلى تلف الألوان مع مرور الزمن.
وأشار ريحان إلى أن الصوت والضوء لهما تأثيرات سيئة ومُتلفة على المسطحات الأثرية، خصوصًا في الأماكن المغلقة أو حتى في الفضاء المفتوح مع ارتفاع شدة الإضاءة والصوت الناتج عن استخدام المكبرات والمضخمات.
ويطالب الدكتور ريحان بإعادة النظر في مفهوم توظيف المواقع الأثرية، باعتبارها سلعة ثقافية وليست سياحية فقط، وبالتالي فإن إعادة توظيفها يجب أن يكون في إطار أنشطة ثقافية، مثل الملتقيات العلمية، ونوادي الأدب والقصة، والمعارض الفنية، والمسارح لعرض الفنون التراثية والشعبية وكل منتج ثقافي، وذلك طبقًا لما حددته اليونسكو في تصنيف مجالات الصناعات الثقافية والإبداعية الرئيسية، والتي تشمل: التراث الثقافي والطبيعي، الكتب والصحافة، المجالات الثقافية الرئيسية، الأداء والاحتفال، الوسائط البصرية والسمعية والتفاعلية، التصميم والخدمات الإبداعية، السياحة، الرياضة، والترفيه.
وتُعد الصناعات الثقافية والإبداعية اليوم واحدة من أكثر القطاعات حيوية في الاقتصاد العالمي. ووفقًا لأحدث تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، تحقق هذه الصناعات دخلًا سنويًا عالميًا قدره 2.3 تريليون دولار، وهو ما يمثل 3.1% من الناتج الإجمالي العالمي، كما تشير تقديرات اليونسكو إلى أن هذه الصناعات تمثل نحو 6.2% من العمالة العالمية.
وبالتالي، فإن حسن استثمار الآثار كصناعة ثقافية إبداعية يُحقق دخلًا كبيرًا، كما يحدث في معظم دول العالم. كما يتطلب هذا المفهوم أن يكون المجلس الأعلى للآثار هيئة حكومية ذات شخصية مستقلة تتبع رئيس مجلس الوزراء، مثل قناة السويس، أو تابعًا لوزارة الثقافة، كما كان الحال أيام وزارة الفنان فاروق حسني.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


نافذة على العالم
منذ 4 ساعات
- نافذة على العالم
التعليم العالي تكشف عن جائزة اليونسكو لتعليم النساء 2025.. شروط الترشيح وكيفية التقديم
الاثنين 19 مايو 2025 10:30 مساءً نافذة على العالم - أكد د. أيمن عاشور، وزير التعليم العالي والبحث العلمي ورئيس اللجنة الوطنية المصرية للتربية والعلوم والثقافة، الدور الحيوي الذي تلعبه اللجنة الوطنية في دعم التعليم العالي وتنفيذ مشروعات وطنية وإقليمية ودولية بالتعاون مع منظمات اليونسكو والألكسو والإيسيسكو. وأوضح أن هذه الجهود تعزز التمثيل المصري في المحافل الدولية المعنية بالتعليم والثقافة والعلوم، وتسهم في تحقيق رؤية مصر 2030، خاصة في مجالات التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار. دعم التعليم العالي المستدام في إطار التعليم العالي، تعلن اللجنة الوطنية المصرية لليونسكو بالتعاون مع منظمة اليونسكو عن فتح باب التقدم لجائزة "اليونسكو لتعليم النساء والفتيات" لعام 2025، بدعم من حكومة جمهورية الصين الشعبية. تهدف الجائزة إلى تحقيق هدفين من أهداف التنمية المستدامة: ضمان التعليم الجيد الشامل والمنصف، وتحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين جميع النساء والفتيات في التعليم العالي. جائزة اليونسكو لتعليم النساء 2025 جائزة تعليم النساء والفتيات أوضح د. أيمن فريد، مساعد وزير التعليم العالي للتخطيط الاستراتيجي والتدريب لسوق العمل ورئيس قطاع الشئون الثقافية والبعثات، أن الجائزة تستهدف مكافأة الجهود المتميزة في مجال تعليم الفتيات والنساء على مستوى التعليم العالي. وتبلغ قيمة الجائزة 50،000 دولار أمريكي للفائزين الذين قدموا برامج ومشروعات مبتكرة ومستدامة في تعليم النساء والفتيات. شروط الترشيح والتعليم العالي أشارت د. هالة عبدالجواد، مساعد الأمين العام للجنة الوطنية لشؤون اليونسكو، إلى أن منظمة اليونسكو تدعو الدول الأعضاء والمنظمات غير الحكومية التي تعمل في شراكة مع اليونسكو إلى ترشيح ما يصل إلى ثلاثة أفراد أو مؤسسات قدمت مساهمات متميزة ومبتكرة في مجال تعليم النساء والفتيات ضمن منظومة التعليم العالي. ويتم تقديم الترشيحات عبر المنصة الإلكترونية الرسمية باللغة الإنجليزية أو الفرنسية قبل 26 مايو 2025. كيفية التقديم والتواصل لضمان دعم التعليم العالي والتنسيق الوطني، يُطلب من المرشحين إرسال نسخة كاملة من أوراق الترشيح إلى اللجنة الوطنية المصرية على البريد الإلكتروني التالي اضغط هنا واضغط هنا. وزارة التعليم العالي والبحث العلمي هذه المبادرة تمثل نموذجًا رائدًا في تعزيز التعاون الدولي بين التعليم العالي والتنمية المستدامة، وتمكين المرأة في المجتمع المصري والعربي والأفريقي. جدير بالذكر، استقبل وزير التعليم العالي الدكتور أيمن عاشور، سفير أستراليا بالقاهرة السيد أكسل وابنهورست، في مبنى التعليم الخاص بالقاهرة الجديدة، بحضور كبار المسؤولين من وزارة التعليم العالي مثل الدكتور أيمن فريد والدكتورة نيفين محمد الصغير. تأتي الزيارة لتعزيز العلاقات المصرية الأسترالية في مجال التعليم العالي والبحث العلمي، خاصة في مجالات التبادل الطلابي والشراكات الأكاديمية والبحثية.


فيتو
منذ 7 ساعات
- فيتو
جامعة الإسكندرية الأولى على الجامعات المصرية بمسابقة التميز في الشهادات التدريبية
فازت جامعة الإسكندرية بالمركز الأول فى مسابقة التميز في الشهادات التدريبية (Micro-certification Excellence Awards)- فئة الجامعات، وأعلن ذلك على هامش المؤتمر الدولي الثالث عشر لجامعة عين شمس، وفى إطار أعمال المؤتمر العلمي الثالث "ممارسات جودة التعليم: مسارات مبتكرة نحو التميز". وقدمت الدكتورة منى عبد العال الزاهري، مدير المركز المصري للمعهد الدولي للتعليم عن بعد، نتيجة المسابقة التى تهدف إلى تعزيز مهارات التدريس الرقمى لأعضاء هيئة التدريس والطلاب بالجامعات المصرية. وتسلمت الجائزة ممثلًا عن جامعة الإسكندرية الدكتورة غادة الخياط، المدير التنفيذي لوحدة الابتكارات التربوية والتعلم عن بعد بالجامعة، حيث كان المركز قد قام بتوجيه الأساتذة نحو الالتحاق بالدورات التدريبية الرقمية على منصة IIOE والانتهاء منها، وذلك ضمن خطته التدريبية لهذا العام، وحققت جامعة الإسكندرية تقدمًا ملحوظًا في رفع القدرات من خلال تلك المنصة. كما شارك مركز الابتكارات التربوية والتعلم عن بعد فى المؤتمر، من خلال جلسة بعنوان: خارطة طريق لحوكمة الذكاء الإصطناعى فى الجامعات المصرية. جدير بالذكر أن هذه المسابقة تأتى ضمن مبادرة المركز المصرى للمعهد الدولي للتعليم عن بعد (IIOE Egypt) بالشراكة مع المركز الدولي للإبتكار في التعليم العالي تحت رعاية اليونسكو (UNESCO-ICHEI)، والتى توفر دورات مجانية عبر منصتها الإلكترونية في أحدث مجالات التعليم الرقمى. وحرصت المسابقة على تكريم المتميزين في ثلاث فئات رئيسية: - فئة الجامعات: وخصصت للجامعة ذات أعلى مشاركة في الدورات التدريبية فئة أعضاء هيئة التدريس: عضو هيئة التدريس الذي يظهر أداءً متميزًا في الاستفادة من برنامج IIOE Micro-certification، من خلال الحصول على أكبر عدد من شهادات إتمام الدورات - فئة الطلاب: الطالب الذي يظهر أداءً متميزًا في الاستفادة من برنامج IIOE Micro-certification، من خلال الحصول على أكبر عدد من شهادات إتمام الدورات. وقام بتسليم الجوائز للفائزين كل من أ.د شريف كشك مساعد وزير التعليم العالي للتحول الرقمي، والسيد Pan Feng نائب مدير المركز الدولي لابتكار التعليم العالي تحت رعاية اليونسكو (UNESCO-ICHE)، أ.د. منى عبد العال الزهري مدير المركز المصري للمعهد الدولي للتعليم عن بعد IIOE Egypt على مستوى الجامعات. ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

مصرس
منذ 11 ساعات
- مصرس
تحافظ على موارد المياه العذبة وتحقق إضافة كبيرة للإنتاج :الزراعة الملحية .. كنز جديد لاستغلال الأراضى الساحلية
فى ظل ما تشهده مصر من تحدياتٍ مائية متصاعدة، وتقلص مستمر فى الرقعة الزراعية، تبرز الزراعة الملحية كخيار استراتيجى يحمل فى طياته ملامح ثورة هادئة فى مستقبل الأمن الغذائي.. لم تعد الملوحة عائقًا، بل تحولت إلى مُحفز للابتكار، بعد أن أثبتت التجارب العلمية إمكانية تحويل الأراضى الهامشية والمياه المالحة إلى موارد مُنتجة، وبينما تتوسع دول مثل: الهند والصين فى تطبيق تقنيات الزراعة الملحية لتحقيق الاكتفاء الذاتي، بدأت مصر مؤخرًا فى إعادة اكتشاف هذا المسار عبر جهود بحثية وميدانية يقودها علماء ومراكز بحثية طموحة، تسعى لاستغلال ثرواتنا المنسية من المياه الجوفية المالحة وسواحلنا الممتدة، بحثًا عن محاصيل تقاوم التحدى وتزدهر وسط الصعاب، «الأخبار» تسلط الضوء على هذا النوع من الزراعة ومستقبله فى مصر. الزراعة الملحية تُعد نمطًا زراعيًا يعتمد على استغلال أنواع وسلالاتٍ نباتية تمتلك قدرة طبيعية على التكيف مع درجات ملوحة وحرارة مرتفعة، وتعود جذور هذه الفكرة إلى النظم البيئية ذاتها، حيث تنمو نباتات مقاومة للملوحة تلقائيًا فى بيئات شديدة القسوة مثل: الشواطئ الرملية، ومناطق المد والجزر، والمناطق المغمورة بالمياه المالحة.اقرأ أيضًا | الزراعة و«الإيفاد» يستعرضان أنشطة مشروع التكيف في البيئات الصحراويةهذه الظاهرة الطبيعية ألهمت عددًا من الباحثين منذ منتصف القرن العشرين، فبدأت محاولات لاستخدام مياه البحر فى رى نباتات مُختارة يمكن أن تبدى قدرة على التكيف مع الملوحة والاستمرار فى النمو، واستنباط أنواع جديدة من المحاصيل ، سواء من المحاصيل الغذائية الأساسية كالشعير والقمح، أو من النباتات المُستخدمة كأعلافٍ ومراعٍ طبيعية للماشية.مفهوم الزراعة الملحية لا يتوقف عند حدود زراعة محاصيل تتحمل المياه المالحة، بل تطور ليشمل توظيف تلك المياه، ولو بنسب قليلة فى تحسين جودة بعض النباتات، والتحكم فى عملية نضجها.المياه المالحةفى هذا السياق، أكد الأستاذ الدكتور محمد الحجري، رئيس وحدة الرى والصرف بمركز بحوث الصحراء، أن مصر تمتلك ما يقرب من 6 مليارات متر مكعب من المياه المالحة، تتنوع بين مياه محلاة وجوفية عالية الملوحة، مشيرًا إلى أن هذه الموارد يمكن الاستفادة منها فى الزراعة المحلية بدلاً من تركها تتسبب فى تدهور التربة، مضيفًا أن معالجة التربة المالحة تُعد عملية باهظة التكلفة، إذ يصل ثمن المتر المكعب الواحد إلى دولار أمريكي، أى ما يعادل نحو 350 ألف جنيه للفدان الواحد، مما يضع عبئًا ماليًا كبيرًا على كاهل المزارعين والدولة.وأشار إلى أن الحل الأمثل لهذه الإشكالية يمكن أن يُستوحى من تجارب ناجحة فى كل من الأردن والمغرب، حيث تم التوسع فى استخدام تقنيات الزراعة بدون تربة عبر ما يُعرف بالزراعة الهوائية، وهى تقنية تعتمد على بقاء الجذور معلقة فى الهواء دون تلامس مباشر مع التربة، موضحًا أن هذه الطريقة أثبتت فاعلية كبيرة، حيث استطاعت الدولتان التغلب على التكلفة المرتفعة لتحلية المياه من خلال الزراعة داخل بيوت محمية تعتمد على تقنيات الزراعة بدون تربة، بكفاءة تصل إلى أكثر من 95%، نتيجة لانعدام الفاقد من المياه سواء بالبخر أو الرشح العميق، مما يعظم من الاستفادة من كل قطرة مياه مُحلاة مرتفعة التكاليف، ويرفع العائد الاقتصادى للمشروع، الذى تم البدء فيه بالفعل على مستوى قطاع الاستثمار الزراعي، وحقق نجاحًا ملحوظًا.نباتات تتحدى الملوحةوتحدث الحجرى عن الزراعة الملحية قائلاً: إنها تنتج نباتاتٍ تتحمل الملوحة العالية، مثل: نبات المانجروف، الذى يُستخدم كعلف للجِمال، إلى جانب دوره البيئى المهم فى حماية الشواطئ من التآكل، كما أشار إلى نبات البونيكام، الذى يُعد علفًا أخضر ويمتاز عن البرسيم من حيث التحمل والقدرة الإنتاجية، بالإضافة إلى مجموعة من النباتات الملحية الأخرى التى تُعد بدائل واعدة فى مجال الأعلاف.. ومن أبرز هذه النباتات: «الساليكورنيا»، والتى تنمو فى المستنقعات المالحة وتضم أكثر من 30 نوعًا يمكن تناولها، وكذلك «الفربيون المتوازي»، و»عشب الرمل»، و»الطيطان البحري» المعروف أيضًا ب «بصل البر»، فضلًا عن نخيل البلح، والزيتون، والجوجوبا، والأكاسيا، والقطف، التى تصلح جميعها كأعلاف حيوانية وتتميز بتحملها لمستويات مرتفعة من الملوحة، وبعضها ينمو على شواطئ البحر مباشرة، وفقًا للدكتور الحجري.مراكز التميزوأضاف: أن من أبرز المبادرات التى جرى إطلاقها فى هذا المجال هى مبادرة «مراكز التميز للزراعات الملحية»، التى تُعنى بإجراء بحوث متقدمة على النباتات القادرة على تحمل الملوحة، ودراسة أفضل الاستخدامات الصناعية والاقتصادية المُمكنة لها، بما يفتح آفاقًا جديدة للتنمية المستدامة فى البيئات الصحراوية وشبه المالحة.وأوضح أن الزراعة الملحية لم تعد مجرد فكرة نظرية بمصر، بل أصبحت واقعًا ملموسًا، موضحًا أن هناك بالفعل زراعاتٍ ملحية قائمة حاليًا فى منطقة المغرة بجنوب العلمين، فى تجربة تُعد الأولى من نوعها فى هذا السياق، وتمثل خطوة مهمة نحو توطين هذا النوع من الزراعات.صرف إضافىورغم ما تحمله الزراعة الملحية من مزايا، إلا أن الدكتور الحجرى حذر من بعض التحديات المرتبطة بها، وفى مقدمتها: أن التربة الزراعية قد تتعرض لزيادة فى نسب الملوحة، إذ يمتص النبات حاجته من الأملاح، بينما تُترك البقايا فى التربة، مما يستدعى لاحقًا صرفًا إضافيًا على استصلاح الأرض مرة أخرى، مشددًا على أن الحل الأمثل لمثل هذه المشكلات يكمن فى تطبيق التجربة الأردنية والمغربية بالاعتماد على تحلية المياه واستخدام تقنيات الزراعة بدون تربة، باعتبارها خيارًا مستقبليًا واعدًا لمواجهة ندرة المياه وتحديات الأمن الغذائى فى المنطقة.التغيرات المناخيةفى ظل التغيرات المناخية وندرة المياه العذبة تأتى الحاجة الملحة للزراعة الملحية، وهو ما أكده الدكتور شريف فياض، أستاذ الاقتصاد الزراعى بمركز بحوث الصحراء، إذ قال: إن الزراعة الملحية لم تعد مجرد خيار بديل، بل أصبحت ضرورة استراتيجية تفرضها تداعيات التغيرات المناخية التى يمر بها العالم، ومنها: مصر.وأوضح أن من أخطر هذه التغيرات: ارتفاع منسوب سطح البحر، مما يهدد الأراضى الساحلية بالتملح والغمر، إلى جانب ظاهرة الاحتباس الحرارى الناتجة عن تزايد انبعاثات ثانى أكسيد الكربون، والتى تؤدى بدورها إلى ارتفاع درجات الحرارة وزيادة معدلات البخر من التربة، وبالتالى ارتفاع نسبة الملوحة، الأمر الذى ينعكس سلبًا على إنتاجية الأراضى الزراعية.سلالات جديدةوشدد فياض على أن التعامل مع هذا الواقع يقتضى استنباط سلالات نباتية جديدة قادرة على تحمل مستويات مرتفعة من الملوحة والحرارة، مشيرًا إلى أن هذه الأصناف يمكنها أن تعوض بشكل جزئى التراجع الحاد فى إنتاجية المحاصيل التقليدية تحت ظروف الملوحة والحرارة.. وذكر أن هناك محاصيل علفية مثل: «الدخن» و»البونيكام» تُظهر قدرة كبيرة على التكيف مع الأراضى الملحية، مقارنة بمحاصيل تقليدية مثل: البرسيم، إلى جانب محاصيل حبوب مثل: «الكينوا» التى تجود فى البيئات المالحة ويمكن استخدامها فى إنتاج المخبوزات، مما يجعلها بديلًا واعدًا فى ظل الأزمة المناخية.خريطة للأراضىوأشار فياض إلى أن الخطوة الأولى نحو الاستفادة القصوى من الزراعة الملحية تتمثل فى إعداد خريطة جغرافية دقيقة للأراضى المتأثرة بالملوحة فى مصر، من خلال مسوحات تربة ميدانية تشمل تحليل الخصائص الكيميائية للتربة، وتحديد نسبة الملوحة ومعدلات تغيرها على مر السنوات، وهذه الخريطة بحسب فياض، ضرورية لفهم طبيعة المشكلة وأسبابها، سواء كانت ناتجة عن تسرب مياه البحر، أو ارتفاع درجات الحرارة، أو الاستخدام غير المستدام للأسمدة والمبيدات الذى يؤدى إلى تراكم بقايا كيميائية فى التربة تزيد من ملوحتها.تحديد المحاصيلوأوضح فياض: أنه بعد تحديد المناطق المتأثرة وأسباب التملح، تأتى مرحلة دراسة التركيب المحصولى المناسب لتلك الأراضي، بما يشمل اختيار المحاصيل القادرة على النمو فى هذه البيئات، وتقييم جدواها الاقتصادية، ومعرفة ما إذا كانت محاصيل تصديرية أو صناعية أو علفية، وإمكانية إدخالها فى أنشطة مرتبطة كالإنتاج الحيوانى أو الصناعات الغذائية، مشددًا على أهمية التفكير فى بدائل حقيقية تعالج الفجوات الغذائية، مثل: استخدام الكينوا بدلًا من القمح، أو إحلال محاصيل مثل: الدخن والبونيكام محل البرسيم لتوفير مساحة أكبر لمحاصيل استراتيجية مثل: القمح والفول.جهود بحثيةوشدد على ضرورة زيادة الدراسات البحثية المتكاملة فى هذا المجال داخل مصر، مشيرًا إلى أن ما يتم حاليًا من جهود بحثية، سواء على مستوى الأفراد أو المراكز يحتاج إلى المزيد، ويحتاج إلى دعم أعمق وارتباط أكبر بين التخصصات المختلفة، موضحًا أن الزراعة الملحية تحتاج إلى تكامل واضح بين دراسات النبات والتربة والإنتاج الحيوانى والدراسات الاقتصادية والاجتماعية، فضلًا عن توظيف تقنيات حديثة مثل: نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بُعد لرصد التغيرات فى التربة وحساب مؤشرات تدهور الأرض، والتى تُعد من المؤشرات الضرورية لفهم تطور الحالة البيئية والزراعية للمناطق المُعرضة للملوحة.ولفت الدكتور فياض إلى أن هناك بعض الجهود الجارية على أرض الواقع فى مجالات الزراعة الملحية، مثل: المشروعات المقامة فى سهل الطينة، وبعض المناطق بالقرب من بورسعيد، وكذلك فى واحات مرسى مطروح وشبه جزيرة سيناء، حيث تتم تجربة محاصيل مثل: الدخن والكينوا، لكنه أوضح أن هذه الجهود ما زالت محدودة، مشددًا على ضرورة زيادة التمويل المُوجه للبحث العلمي.التنمية الزراعيةوتمثل الزراعة أهمية اقتصادية كبيرة، فما أهمية هذا النوع منها؟ يجيب د. عبدالمنعم السيد، مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، بأن ندرة المياه العذبة وزحف المناطق الحضرية وتآكل التربة الزراعية وغيرها يشكل تحديًا كبيرًا أمام خطط التنمية الزراعية والتوسع الحضرى والرؤى المستقبلية، ويتطلب فى الوقت ذاته بذل مزيد من الجهد والبحث عن أفكار خلاقة وحلول غير تقليدية من أجل مجابهتها، وتُعد الزراعة الملحية أحد هذه الحلول غير التقليدية التى يمكن أن تُحدث ثورة فى مجال الزراعة التقليدية، وتحقق فضائل ومزايا كثيرة، منها: الحفاظ على موارد المياه العذبة ومخزون المياه الجوفية واستغلال المناطق الساحلية غير الحضرية والأراضى السبخية فى الزراعة.توجه استراتيجيوأضاف بأن الزراعة الملحية تمثل توجهًا استراتيجيًا واعدًا لمصر فى ظل التحديات المتزايدة المرتبطة بندرة المياه العذبة وتملّح التربة، وهى تعتمد على زراعة محاصيل تتحمل مستوياتٍ عالية من الملوحة باستخدام مياه مالحة أو شبه مالحة، مثل: مياه الصرف الزراعى بعد معالجتها أو المياه الجوفية المالحة أو حتى مياه البحر بعد معالجتها.وأوضح بأن أهمية ومكاسب الزراعة الملحية لمصر تتمثل فى الحفاظ على المياه العذبة، لأنه باستخدام المياه المالحة، يمكن توفير كميات كبيرة من المياه العذبة لاستخدامها فى الشرب أو الزراعة التقليدية ذات العائد المرتفع، وكذلك استغلال الأراضى المتملحة وغير المُستغلة، إذ تُقدر نسبة كبيرة من الأراضى الزراعية فى مصر بأنها متأثرة بالملوحة، خاصة فى شمال الدلتا وسيناء، ويمكن الاستفادة منها عبر الزراعة الملحية بدلًا من تركها بورًا.تحقيق الأمن الغذائى أيضًا من أبرز المكاسب وفقًا للدكتور السيد، إذ يقول: إن زراعة محاصيل مثل: الكينوا، الشعير الملحي، الساليكورنيا التى تُستخدم فى إنتاج الزيوت والأعلاف، تساعد فى تنويع مصادر الغذاء وتقليل الاعتماد على الاستيراد، فضلاً عن دعم الاقتصاد الريفى وتوفير فرص عمل، فإدخال تقنيات الزراعة الملحية فى كثير من المناطق يمكن أن يوفر فرص عمل ويساهم فى الحد من الهجرة الداخلية.ويتابع بأنه من ضمن مكاسب هذا النوع من الزراعة، إنتاج بدائل صناعية وتصديرية، فبعض النباتات الملحية تدخل فى صناعات الأدوية، الأعلاف الحيوانية، الزيوت، والوقود الحيوي، مما يفتح آفاقًا تصديرية جديدة.استراتيجية وطنيةويرى مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية: أن مصر تحتاج لتفعيل وتشجيع الزراعة الملحية والتوسع فيها، ويمكن ذلك عن طريق وضع استراتيجية وطنية للزراعة الملحية تشمل خريطة بأماكن الزراعة المُحتملة وأنواع المحاصيل المناسبة، وكذلك الاستثمار فى البحث العلمى لتطوير محاصيل مُحسنة تتحمل الملوحة، وتحسين إدارة الملوحة فى التربة.ويشدد على أهمية نقل التكنولوجيا من الدول الرائدة فى هذا المجال مثل: الإمارات وهولندا والمكسيك، وتوفير حوافز للمزارعين والمستثمرين للدخول فى هذا المجال من خلال دعم مالى أو تقني، بالإضافة إلى الربط مع الصناعة عن طريق توجيه الإنتاج لاستخدامه فى الأعلاف، الطاقة الحيوية، أو الزيوت، وغيرها.تجربة مستجيروعند الحديث عن التجارب الناجحة فى هذا المجال، يتبادر إلى الأذهان الدكتور أحمد مستجير، أحد أبرز رواد الهندسة الوراثية فى مصر والعالم العربي، الذى لعب دورًا محوريًا فى تطوير الزراعة الملحية، وقدم تجربة بالاعتماد على أبحاث رائدة فى استنباط سلالات من المحاصيل، مثل: القمح، قادرة على النمو فى بيئات مالحة، مما يفتح آفاقًا جديدة للزراعة فى الأراضى غير الصالحة تقليديًا، وتُعد الهند من أوائل الدول التى استفادت من أبحاث الدكتور مستجير، حيث قامت بتطوير تقنيات الزراعة الملحية لتحقيق اكتفاء ذاتى فى زراعة القمح باستخدام مياه البحر، مما ساعد فى تلبية احتياجات سكانها.كما تبنت الصين هذه التقنيات، حيث نجح علماء صينيون فى تطوير سلالات من الأرز تنمو فى التربة المالحة، مما ساهم فى تحويل أراضٍ غير صالحة للزراعة إلى أراضٍ مُنتجِة، وبالتالى تعزيز الأمن الغذائى فى البلاد، بالإضافة إلى ذلك بدأت بعض دول الخليج فى تطبيق تقنيات الزراعة الملحية لمواجهة تحديات ندرة المياه وتوسيع الرقعة الزراعية.