logo
حجر!

حجر!

الدستور٠٥-٠٢-٢٠٢٥

كان عالم الرياضيات والفيزياء الشهير إسحق نيوتن يحمل دوما طبشورة في جيبه، وأينما واتته فكرة يروح يدبّجها بمعادلاته الطويلة على أي جدار يصادفه. وذات مرة كتب على عربة متوقفة معتقداً أنها جدار حتى حدثت المفاجأة فانطلقت ليجري وراءها متوسلاً معادلته الهاربة. مثل ذلك الركض الجنوني مارسه ايضا عالم اليونان الشهير (أرخميدس) الذي دخل حماماً عاماً، وجاءه وحي الإلهام وهو مسترخٍ في الماء الساخن؛ فاكتشف قانون الأجسام الطافية، ليخرج عارياً صارخاً بفرح كطفل، يوريكا يوريكا، أي وجدتها وجدتها.العالم آينشتاين الذي رفض أن يتولى رئاسة إسرائيل لأنها كيان صهوني معتد، وهو صاحب النظرية النسبية، فاقعة الصيت، فقد كان يتلقى دعوات كثيرة من نوادٍ أو منتديات أو مؤسسات؛ لإلقاء محاضرات حول نظريته، وكان يتعبه هذا التجوال والطواف والتنقل، وحدث ذات مرة أن سائقه الخاص، اقترح عليه أن يلقي هو المحاضرة بدلاً عنه، فهو ولكثرة ما سمع النظرية قد حفظها عن ظهر قلب (كرجة مي).في بلدة بعيدة لا يعرف أهلها شكله، طبق آينشتاين الخطة مع سائقه (البصيم) الذي يحفظ المحاضرة صماً، فاعتلى المنصة على أنه أينشتاين، وصار يبحر بسلاسة وثقة في النظرية النسبية، وكأنه صاحبها ومبدعها، وظل مسيطراً على زمام الأمور، وبالطبع كان اينشتاين جالساً بعيداً، وكأنه السائق الخاص، وأخذ يستمتع بهذه العملية التي أراحته قليلاً، حتى جاءه سؤال صعب من أحد المشاكسين الحضور. السؤال أحرج السائق فقد كان قوياً حائراً، لكن السائق وبأسلوبه الطريف تنحنح قائلاً وساخراً: من العجيب أيها الصديق، أن تسأل هذا السؤال البسيط الفج،بقية مقال رمزي الغزويحجر! ولبساطته فلن أجيبك عليه، ولكن سأدع سائقي الخاص، وأشار إلى اينشتاين، سأدعه يجيب عليه!، وهكذا تخلص السائق وتملص من إحراجه، وترك الخبز لخبازه.كانت إسرائيل دوما المحاضر المتفرغ للشرق الأوسط والعالم، وكان لها كثير من السواقين والصبيان والمعيدين والحراس الأبواش، الذين نابوا عنها في كل صغيرة وكبيرة وشرحوا وجهة نظرها، وتدخلوا في الوقت اللازم بدلا عنها لتثبيت اعتدائها وتقوية عدوانها.في هذه المرحلة الدقيقة، ونحن على عتبات بوابة جديدة عنوانها التأزيم، نرى أمريكا سائقا معتمدا ووحيدا لها في شوارع هذه العالم، وكأن نتنياهو استطاع من جديد أن يلعب بعقل ساكن البيت الأبيض ويستفزه في قيادة متهورة ليدخل أمريكا في دروب لم تكن يوما تريدها. وهذه المرة لن يكتفي ترمب بالإجابة عن الأسئلة الصعبة التي تواجه الربيبة إسرائيل بل ها هو يطرح أسئلة خارج السياق وعلى شكل حجر رمي في بئر عميقة.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تحذير أميركي من صواريخ مدارية نووية صينية قد تضرب الولايات المتحدة من الفضاء
تحذير أميركي من صواريخ مدارية نووية صينية قد تضرب الولايات المتحدة من الفضاء

سرايا الإخبارية

timeمنذ 2 أيام

  • سرايا الإخبارية

تحذير أميركي من صواريخ مدارية نووية صينية قد تضرب الولايات المتحدة من الفضاء

سرايا - حذرت وكالة استخبارات الدفاع الأميركية قبل أيام، من أن الصين قد تجمع عشرات الصواريخ المدارية المزودة برؤوس نووية في غضون 10سنوات تقريباً. وقالت الوكالة الأميركية إن هذه الصواريخ ستكون قادرة على الوصول إلى الولايات المتحدة في وقت أقل بكثير من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات التقليدية، حسبما ذكر موقع Eurasian Times. وجاء هذا الكشف في رسم بياني كشفت عنه وكالة استخبارات الدفاع الأميركية قبل بيان البيت الأبيض، بشأن التهديدات التي تواجهها الولايات المتحدة. نظام القصف المداري الجزئي من بين التهديدات الصاروخية المتقدمة العديدة المدرجة في الرسم البياني، هو التوسع المحتمل في الصواريخ الفضائية المسلحة نووياً في نظام القصف المداري الجزئي FOBS، في الصين، وإلى حد ما روسيا. ووصف الرسم البياني نظام FOBS بأنه صاروخ باليستي عابر للقارات يدخل مداراً منخفض الارتفاع قبل أن يعود لضرب هدفه، مع أوقات طيران أقصر بكثير إذا كان يحلق في نفس اتجاه الصواريخ الباليستية العابرة للقارات التقليدية، أو يمكنه المرور فوق القطب الجنوبي لتجنب أنظمة الإنذار المبكر والدفاعات الصاروخية، ويُطلق حمولته قبل إكمال مداره الكامل. ولهذه القدرة آثار استراتيجية واسعة، سواءً استُخدمت برؤوس حربية تقليدية أو نووية، ومع ذلك، لم تُطور أو تُنشر بالكامل بواسطة أي دولة في العالم، لذا لا يزال هذا التهديد مستقبلياً. ووفقاً لوكالة استخبارات الدفاع الأميركية، قد تمتلك الصين ما يصل إلى 60 صاروخاً من هذه الصواريخ بحلول عام 2035، بينما قد تمتلك روسيا حوالي 12 صاروخاً. وتُشكل أنظمة FOBS تهديداً أكبر من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات. وعلى عكس الصواريخ الباليستية العابرة للقارات التقليدية ذات المسارات الباليستية المتوقعة، تتيح صواريخ FOBS مسارات هجومية غير متوقعة، إذ يُمكن للرأس الحربي الخروج من المدار في أي نقطة خلال مداره. ومن خلال هذه الأساليب غير التقليدية، يُمكنها بسهولة تجاوز الدفاعات الصاروخية وأنظمة الإنذار المبكر. وبرز تهديد قواعد الإطلاق الأولى لأول مرة خلال الحرب الباردة عندما كان الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة منخرطين في سباق صاروخي وفضاء متوتر. وطور الاتحاد السوفيتي أنظمة FOBS في ستينيات القرن الماضي، بأنظمة مثل صاروخ R-36O. تستعد الولايات المتحدة لإرسال بطاريات منظومة الدفاع الجوي "ثاد" إلى إسرائيل، لمساعدتها في ردع أي هجمات محتملة. وصُمم هذا الصاروخ لتجنب أنظمة الرادار الأميركية الموجهة أساساً لرصد الصواريخ القادمة فوق القطب الشمالي، ونُشر بين عامي 1968 و1983. وتم إلغاء استخدامه تدريجياً بعد معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967 ومعاهدة SALT II لعام 1979، اللتين حدتا من استخدام هذه الأنظمة. مع ذلك عاد هذا التهديد في عام 2021 عندما أجرت الصين رحلة تجريبية لنظام الإطلاق عن بُعد FOBS. وفي يوليو وأغسطس من 2021، أطلقت الصين صاروخاً من طراز Long March 2C يحمل مركبة انزلاقية عالية السرعة HGV إلى مدار أرضي منخفض LEO. ودارت المركبة جزئياً حول الكرة الأرضية قبل أن تعود إلى الغلاف الجوي، وتتجه نحو هدفها بسرعات فرط صوتية. وأصبح من الممكن الجمع بين المركبات الانزلاقية الفرط صوتية والقدرات المدارية، وهو شيء لم يشهده العالم من قبل. ناقوس خطر في "البنتاجون" بمجرد تقييم طبيعة الاختبار، دق ناقوس الخطر في "البنتاجون". وقال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة آنذاك، في مقابلة مع تلفزيون "بلومبرغ" في أكتوبر الأول 2021، إن ما يشهده العالم من اختبار صيني لصواريخ مدارية، كان حدثاً بالغ الأهمية، وهو أمر مثير للقلق للغاية. ويبدو أن ما أثار قلق "البنتاجون" أكثر من أي شيء آخر هو أنه في مواجهة قدرة كهذه، فإن مقدار الوقت المتاح للدولة المدافعة لاكتشاف وتوصيف ضربة نووية قبل أن تقرر كيفية الرد قد يتقلص. وأوضح الرسم البياني التحسينات المحتملة في قدرات الصواريخ الباليستية العابرة للقارات التقليدية، بالإضافة إلى نظام FOBS. وحذر من أنه بحلول عام 2035، قد تنشر الصين ما يصل إلى 700 صاروخ باليستي عابر للقارات مزود برؤوس نووية، بزيادة عن 400 صاروخ حالياً. صواريخ باليستية عابرة للقارات خلال عرض عسكري صيني - AFP صواريخ باليستية عابرة للقارات خلال عرض عسكري صيني - AFP وفي غضون ذلك، قد يرتفع مخزون روسيا الحالي من 350 صاروخاً إلى 400. وعلاوة على ذلك، ستمتلك الصين ما لا يقل عن 132 صاروخاً باليستياً تطلقها الغواصات بحلول عام 2035، مقارنة بـ 72 صاروخاً الآن؛ وستمتلك روسيا 192 صاروخاً، وهو نفس العدد الآن. وبالإضافة إلى ذلك، توقع مخطط وكالة استخبارات الدفاع الأميركية DIA، أن الصين قد تُشغل ما يصل إلى 4 آلاف مركبة انزلاقية فرط صوتية بحلول عام 2035، بزيادة عن 600 مركبة حالياً، بينما ستمتلك روسيا حوالي ألف مركبة، بزيادة عن 200-300 مركبة حالياً. وتنزلق المركبات نحو أهدافها لنصف رحلتها على الأقل بعد إطلاقها بواسطة صواريخ باليستية. ويشير المخطط إلى أنه على الرغم من قدرتها على حمل حمولة نووية، إلا أن الصين ربما تكون قد نشرت بالفعل صاروخاً تقليدياً بمدى كاف لضرب ألاسكا. ومع تزايد حجم التهديدات التي تشكلها بكين وتقدمها التكنولوجي، تعمل واشنطن الآن على تطوير "القبة الذهبية"، التي من المقرر أن تكون بمثابة مظلة دفاعية صاروخية من شأنها حماية الولايات المتحدة القارية من أي تهديد صاروخي، بغض النظر عن مصدره، من الأرض أو الجو أو البحر أو الفضاء. "قبة ترمب الذهبية" بعد وقت قصير من توليه منصبه، أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترمب أمراً تنفيذياً في 27 يناير الماضي لتطوير "القبة الذهبية". ووجه البنتاجون بتقديم الخطط المعمارية للبرنامج في غضون 60 يوماً تقريباً. ودافع عن فكرة إنشاء درع دفاعي صاروخي، مشيراً إلى احتمال وقوع هجوم صاروخي باعتباره "التهديد الأكثر كارثية الذي تواجهه الولايات المتحدة". ونص الأمر التنفيذي الذي أصدره ترمب على رغبته في خطة لحماية الأراضي الأميركية من الصواريخ الباليستية، والصواريخ الفرط صوتية، وصواريخ كروز المتطورة، وغيرها من الهجمات الجوية من الجيل التالي، من خصوم أقران، وشبه أقران، وخصوم مارقين. قال مكتب الميزانية بالكونجرس إن الولايات المتحدة ربما تضطر إلى إنفاق نحو 542 مليار دولار خلال 20 عاما، لتطوير وإطلاق شبكة من أنظمة الاعتراض الصاروخي في الفضاء. وبحسب الرسم البياني الذي نشرته وكالة استخبارات الدفاع الأميركية، فإن الصين هي الخصم الرئيسي الذي يستحق تطوير "القبة الذهبية" لمواجهته، وذلك وفقاً لـ EurAsian Times. وسيتم تصميم "القبة الذهبية" كمبادرة دفاع صاروخي فضائي. وستتطلب شبكة متطورة من الأقمار الاصطناعية، وأنظمة رادار فضائية، وصواريخ اعتراضية مدارية، وربما أسلحة طاقة موجهة لتدمير التهديدات خلال مرحلة التعزيز، أي عند إطلاق صاروخ معاد. وستكون قوة الفضاء مسؤولة عن نشر هذه الشبكة الدفاعية الضخمة وتنسيقها والتحكم فيها. وأيد الأمر التنفيذي صراحة برنامجين للأقمار الاصطناعية: جهاز استشعار الفضاء للتتبع الأسرع من الصوت والباليستي HBTSS وبرنامج هندسة الفضاء للمقاتلات الحربية المنتشرة PWSA. وبالإضافة إلى ذلك، يدعم الأمر التنفيذي تطوير "قدرات اعتراض الطبقة الأساسية والمرحلة النهائية". وبحسب التقارير، فإن الهدف هو إنشاء نظام دفاع صاروخي إضافي قد "يشكل أساساً" لدفاع أكثر تقدماً، مثل نظام الدفاع الأرضي المتوسط ​​​​GMD، من خلال إعطاء الهدف المزيد من طلقات الصواريخ الاعتراضية.

حسام الحوراني : عندما تتحول السياسات إلى أكواد: هل بدأ عصر «السيادة التكنولوجية»؟
حسام الحوراني : عندما تتحول السياسات إلى أكواد: هل بدأ عصر «السيادة التكنولوجية»؟

أخبارنا

time٢٤-٠٤-٢٠٢٥

  • أخبارنا

حسام الحوراني : عندما تتحول السياسات إلى أكواد: هل بدأ عصر «السيادة التكنولوجية»؟

أخبارنا : في العقود الماضية، كانت السيادة تُقاس بمقاييس الجغرافيا، والثروات الطبيعية، والقوة العسكرية. اليوم، تُكتب فصول جديدة من معادلة النفوذ العالمي، حيث تحلّ الخوارزميات محل الجيوش، وتُختزل قرارات الحكومات في سطور برمجية، وتتحول السياسات الوطنية إلى أكواد دقيقة تدير حركة المال، والمعلومة، والسلوك البشري. نحن لا نشهد مجرد ثورة تكنولوجية، بل انتقالًا جذريًا نحو ما يمكن تسميته بعصر «السيادة التكنولوجية»، حيث تتحول الدولة من كيان سياسي تقليدي إلى منصة ذكية مبرمجة، قادرة على رسم مسارات التأثير من خلف شاشات الحواسيب العملاقة. هذا التحول لا ينبع فقط من الانتشار الكاسح للتكنولوجيا، بل من تحوّل الذكاء الاصطناعي إلى قلب نابض في صنع القرار، والتنبؤ، والرقابة، والسيطرة. فاليوم، لا يُدار الاقتصاد فقط من قِبل وزارات المالية، بل من قِبل نماذج الذكاء الاصطناعي التي تتنبأ بالأسواق، وتُحلل سلوك المستهلكين، وتُوصي بالاستثمار الأمثل. ولا تُحدد أولويات التعليم بناءً على اجتهادات وزارية، بل وفق تحليلات خوارزمية ترسم خرائط المهارات المستقبلية. حتى الأمن الوطني بات يعتمد على تقنيات التعرف على الوجوه، وتحليل البيانات الضخمة، والرصد الذكي لأي تهديد محتمل. وإذا كانت الثورة الصناعية قد منحت السيادة لمن يمتلك الفحم والحديد، فإن الثورة الرقمية تمنحها لمن يمتلك البيانات والكود. خذ مثالاً على ذلك ما يحدث بين الولايات المتحدة والصين. لم يعد النزاع تجاريًا فقط، بل تحول إلى صراع شرس على ملكية تقنيات الذكاء الاصطناعي، وأشباه الموصلات، وقدرة الدولة على إنتاج رقائقها الذكية بعيدًا عن الاعتماد على الخارج. فرض القيود على صادرات إنفيديا إلى الصين، واستثمارات واشنطن الضخمة في تصنيع الرقائق محليًا، كلها ليست فقط قرارات اقتصادية، بل تعبير صارخ عن مفهوم جديد للسيادة التكنولوجية. في هذا السياق، لم تعد الشركات العملاقة مثل «ميتا» و»ألفابت» و»أمازون» مجرد كيانات اقتصادية، بل باتت تملك سلطة تتجاوز بعض الدول ذاتها. فهذه الشركات تمتلك القدرة على التأثير في الرأي العام، والتحكم في سلوك الأفراد، والتلاعب بالمعرفة والمعلومة، عبر خوارزميات غير مرئية تُعيد تشكيل وعي المجتمعات. وما يدعو للتأمل هو أن هذه السلطة لا تمارسها جيوش أو وزارات، بل مبرمجون ومهندسون يكتبون شفرات رقمية قد لا يدركون أبعادها الأخلاقية والسياسية. ومع ازدياد النفوذ التكنولوجي، باتت الدول نفسها تتحول إلى كيانات مبرمجة. البيت الأبيض، على سبيل المثال، ألزم جميع الوكالات الفيدرالية بتعيين مسؤولين للذكاء الاصطناعي، في خطوة تعكس إدراكه أن القرارات القادمة ستكون هجينة: نصف سياسية، ونصف خوارزمية. وفي الشرق، تتحول الصين إلى مختبر ضخم لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في إدارة المدن، وتسيير المرور، وحتى مراقبة السلوك الاجتماعي. أما أوروبا، فهي تخوض معركة تشريعية لضبط استخدام الذكاء الاصطناعي دون التضحية بالقدرة التنافسية. لكن هذا العصر الجديد لا يخلو من المخاطر. فحين تتحول السياسة إلى كود، قد تضيع القيم في زحمة البيانات. من يراقب الخوارزميات؟ ومن يضمن عدم انحيازها؟ كيف نمنع الذكاء الاصطناعي من إعادة إنتاج التمييز والظلم بواجهات براقة؟ وماذا لو استُخدمت هذه التقنيات لتعزيز خرق حقوق الانسان، أو هندسة وعي الشعوب، أو حتى شنّ الحروب الرقمية؟ إن السيادة التكنولوجية ليست فقط فيمن يمتلك التكنولوجيا، بل فيمن يملك القدرة على توجيهها أخلاقيًا وإنسانيًا. الدول التي ستقود المستقبل هي تلك التي تدمج بين الابتكار التكنولوجي والرؤية القيمية. لا يكفي أن نمتلك الأكواد، بل يجب أن نفهم كيف نستخدمها، ولماذا، ولصالح من. وفي ظل هذا الواقع، تبرز مسؤولية كبرى على صناع القرار، والمبرمجين، والمجتمع المدني، لضمان ألا تكون السيادة التكنولوجية مجرد فصل جديد من استعمار رقمي، بل أداة لتمكين الإنسان، وتعزيز العدالة، وخلق عالم أكثر توازنًا وشفافية. فنحن لا نواجه مجرد سباق نحو التفوق التكنولوجي، بل سباق نحو من سيتحكم في مسار الحضارة المقبلة. في النهاية، السؤال ليس هل بدأ عصر السيادة التكنولوجية؟ بل: هل نحن مستعدون له؟ وهل نمتلك الإرادة لتوجيهه نحو مستقبل مشترك يخدم الإنسان لا يُخضعه؟ إنها معركة من نوع جديد، لا تُخاض بالسلاح، بل بالكود... والضمير. ــ الدستور

عندما تتحول السياسات إلى أكواد: هل بدأ عصر «السيادة التكنولوجية»؟
عندما تتحول السياسات إلى أكواد: هل بدأ عصر «السيادة التكنولوجية»؟

الدستور

time٢٣-٠٤-٢٠٢٥

  • الدستور

عندما تتحول السياسات إلى أكواد: هل بدأ عصر «السيادة التكنولوجية»؟

في العقود الماضية، كانت السيادة تُقاس بمقاييس الجغرافيا، والثروات الطبيعية، والقوة العسكرية. اليوم، تُكتب فصول جديدة من معادلة النفوذ العالمي، حيث تحلّ الخوارزميات محل الجيوش، وتُختزل قرارات الحكومات في سطور برمجية، وتتحول السياسات الوطنية إلى أكواد دقيقة تدير حركة المال، والمعلومة، والسلوك البشري. نحن لا نشهد مجرد ثورة تكنولوجية، بل انتقالًا جذريًا نحو ما يمكن تسميته بعصر «السيادة التكنولوجية»، حيث تتحول الدولة من كيان سياسي تقليدي إلى منصة ذكية مبرمجة، قادرة على رسم مسارات التأثير من خلف شاشات الحواسيب العملاقة.هذا التحول لا ينبع فقط من الانتشار الكاسح للتكنولوجيا، بل من تحوّل الذكاء الاصطناعي إلى قلب نابض في صنع القرار، والتنبؤ، والرقابة، والسيطرة. فاليوم، لا يُدار الاقتصاد فقط من قِبل وزارات المالية، بل من قِبل نماذج الذكاء الاصطناعي التي تتنبأ بالأسواق، وتُحلل سلوك المستهلكين، وتُوصي بالاستثمار الأمثل. ولا تُحدد أولويات التعليم بناءً على اجتهادات وزارية، بل وفق تحليلات خوارزمية ترسم خرائط المهارات المستقبلية. حتى الأمن الوطني بات يعتمد على تقنيات التعرف على الوجوه، وتحليل البيانات الضخمة، والرصد الذكي لأي تهديد محتمل.وإذا كانت الثورة الصناعية قد منحت السيادة لمن يمتلك الفحم والحديد، فإن الثورة الرقمية تمنحها لمن يمتلك البيانات والكود. خذ مثالاً على ذلك ما يحدث بين الولايات المتحدة والصين. لم يعد النزاع تجاريًا فقط، بل تحول إلى صراع شرس على ملكية تقنيات الذكاء الاصطناعي، وأشباه الموصلات، وقدرة الدولة على إنتاج رقائقها الذكية بعيدًا عن الاعتماد على الخارج. فرض القيود على صادرات إنفيديا إلى الصين، واستثمارات واشنطن الضخمة في تصنيع الرقائق محليًا، كلها ليست فقط قرارات اقتصادية، بل تعبير صارخ عن مفهوم جديد للسيادة التكنولوجية.في هذا السياق، لم تعد الشركات العملاقة مثل «ميتا» و»ألفابت» و»أمازون» مجرد كيانات اقتصادية، بل باتت تملك سلطة تتجاوز بعض الدول ذاتها. فهذه الشركات تمتلك القدرة على التأثير في الرأي العام، والتحكم في سلوك الأفراد، والتلاعب بالمعرفة والمعلومة، عبر خوارزميات غير مرئية تُعيد تشكيل وعي المجتمعات. وما يدعو للتأمل هو أن هذه السلطة لا تمارسها جيوش أو وزارات، بل مبرمجون ومهندسون يكتبون شفرات رقمية قد لا يدركون أبعادها الأخلاقية والسياسية.ومع ازدياد النفوذ التكنولوجي، باتت الدول نفسها تتحول إلى كيانات مبرمجة. البيت الأبيض، على سبيل المثال، ألزم جميع الوكالات الفيدرالية بتعيين مسؤولين للذكاء الاصطناعي، في خطوة تعكس إدراكه أن القرارات القادمة ستكون هجينة: نصف سياسية، ونصف خوارزمية. وفي الشرق، تتحول الصين إلى مختبر ضخم لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في إدارة المدن، وتسيير المرور، وحتى مراقبة السلوك الاجتماعي. أما أوروبا، فهي تخوض معركة تشريعية لضبط استخدام الذكاء الاصطناعي دون التضحية بالقدرة التنافسية.لكن هذا العصر الجديد لا يخلو من المخاطر. فحين تتحول السياسة إلى كود، قد تضيع القيم في زحمة البيانات. من يراقب الخوارزميات؟ ومن يضمن عدم انحيازها؟ كيف نمنع الذكاء الاصطناعي من إعادة إنتاج التمييز والظلم بواجهات براقة؟ وماذا لو استُخدمت هذه التقنيات لتعزيز خرق حقوق الانسان، أو هندسة وعي الشعوب، أو حتى شنّ الحروب الرقمية؟إن السيادة التكنولوجية ليست فقط فيمن يمتلك التكنولوجيا، بل فيمن يملك القدرة على توجيهها أخلاقيًا وإنسانيًا. الدول التي ستقود المستقبل هي تلك التي تدمج بين الابتكار التكنولوجي والرؤية القيمية. لا يكفي أن نمتلك الأكواد، بل يجب أن نفهم كيف نستخدمها، ولماذا، ولصالح من.وفي ظل هذا الواقع، تبرز مسؤولية كبرى على صناع القرار، والمبرمجين، والمجتمع المدني، لضمان ألا تكون السيادة التكنولوجية مجرد فصل جديد من استعمار رقمي، بل أداة لتمكين الإنسان، وتعزيز العدالة، وخلق عالم أكثر توازنًا وشفافية. فنحن لا نواجه مجرد سباق نحو التفوق التكنولوجي، بل سباق نحو من سيتحكم في مسار الحضارة المقبلة.في النهاية، السؤال ليس هل بدأ عصر السيادة التكنولوجية؟ بل: هل نحن مستعدون له؟ وهل نمتلك الإرادة لتوجيهه نحو مستقبل مشترك يخدم الإنسان لا يُخضعه؟ إنها معركة من نوع جديد، لا تُخاض بالسلاح، بل بالكود... والضمير.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store