logo
عندما تتحول السياسات إلى أكواد: هل بدأ عصر «السيادة التكنولوجية»؟

عندما تتحول السياسات إلى أكواد: هل بدأ عصر «السيادة التكنولوجية»؟

الدستور٢٣-٠٤-٢٠٢٥

في العقود الماضية، كانت السيادة تُقاس بمقاييس الجغرافيا، والثروات الطبيعية، والقوة العسكرية. اليوم، تُكتب فصول جديدة من معادلة النفوذ العالمي، حيث تحلّ الخوارزميات محل الجيوش، وتُختزل قرارات الحكومات في سطور برمجية، وتتحول السياسات الوطنية إلى أكواد دقيقة تدير حركة المال، والمعلومة، والسلوك البشري. نحن لا نشهد مجرد ثورة تكنولوجية، بل انتقالًا جذريًا نحو ما يمكن تسميته بعصر «السيادة التكنولوجية»، حيث تتحول الدولة من كيان سياسي تقليدي إلى منصة ذكية مبرمجة، قادرة على رسم مسارات التأثير من خلف شاشات الحواسيب العملاقة.هذا التحول لا ينبع فقط من الانتشار الكاسح للتكنولوجيا، بل من تحوّل الذكاء الاصطناعي إلى قلب نابض في صنع القرار، والتنبؤ، والرقابة، والسيطرة. فاليوم، لا يُدار الاقتصاد فقط من قِبل وزارات المالية، بل من قِبل نماذج الذكاء الاصطناعي التي تتنبأ بالأسواق، وتُحلل سلوك المستهلكين، وتُوصي بالاستثمار الأمثل. ولا تُحدد أولويات التعليم بناءً على اجتهادات وزارية، بل وفق تحليلات خوارزمية ترسم خرائط المهارات المستقبلية. حتى الأمن الوطني بات يعتمد على تقنيات التعرف على الوجوه، وتحليل البيانات الضخمة، والرصد الذكي لأي تهديد محتمل.وإذا كانت الثورة الصناعية قد منحت السيادة لمن يمتلك الفحم والحديد، فإن الثورة الرقمية تمنحها لمن يمتلك البيانات والكود. خذ مثالاً على ذلك ما يحدث بين الولايات المتحدة والصين. لم يعد النزاع تجاريًا فقط، بل تحول إلى صراع شرس على ملكية تقنيات الذكاء الاصطناعي، وأشباه الموصلات، وقدرة الدولة على إنتاج رقائقها الذكية بعيدًا عن الاعتماد على الخارج. فرض القيود على صادرات إنفيديا إلى الصين، واستثمارات واشنطن الضخمة في تصنيع الرقائق محليًا، كلها ليست فقط قرارات اقتصادية، بل تعبير صارخ عن مفهوم جديد للسيادة التكنولوجية.في هذا السياق، لم تعد الشركات العملاقة مثل «ميتا» و»ألفابت» و»أمازون» مجرد كيانات اقتصادية، بل باتت تملك سلطة تتجاوز بعض الدول ذاتها. فهذه الشركات تمتلك القدرة على التأثير في الرأي العام، والتحكم في سلوك الأفراد، والتلاعب بالمعرفة والمعلومة، عبر خوارزميات غير مرئية تُعيد تشكيل وعي المجتمعات. وما يدعو للتأمل هو أن هذه السلطة لا تمارسها جيوش أو وزارات، بل مبرمجون ومهندسون يكتبون شفرات رقمية قد لا يدركون أبعادها الأخلاقية والسياسية.ومع ازدياد النفوذ التكنولوجي، باتت الدول نفسها تتحول إلى كيانات مبرمجة. البيت الأبيض، على سبيل المثال، ألزم جميع الوكالات الفيدرالية بتعيين مسؤولين للذكاء الاصطناعي، في خطوة تعكس إدراكه أن القرارات القادمة ستكون هجينة: نصف سياسية، ونصف خوارزمية. وفي الشرق، تتحول الصين إلى مختبر ضخم لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في إدارة المدن، وتسيير المرور، وحتى مراقبة السلوك الاجتماعي. أما أوروبا، فهي تخوض معركة تشريعية لضبط استخدام الذكاء الاصطناعي دون التضحية بالقدرة التنافسية.لكن هذا العصر الجديد لا يخلو من المخاطر. فحين تتحول السياسة إلى كود، قد تضيع القيم في زحمة البيانات. من يراقب الخوارزميات؟ ومن يضمن عدم انحيازها؟ كيف نمنع الذكاء الاصطناعي من إعادة إنتاج التمييز والظلم بواجهات براقة؟ وماذا لو استُخدمت هذه التقنيات لتعزيز خرق حقوق الانسان، أو هندسة وعي الشعوب، أو حتى شنّ الحروب الرقمية؟إن السيادة التكنولوجية ليست فقط فيمن يمتلك التكنولوجيا، بل فيمن يملك القدرة على توجيهها أخلاقيًا وإنسانيًا. الدول التي ستقود المستقبل هي تلك التي تدمج بين الابتكار التكنولوجي والرؤية القيمية. لا يكفي أن نمتلك الأكواد، بل يجب أن نفهم كيف نستخدمها، ولماذا، ولصالح من.وفي ظل هذا الواقع، تبرز مسؤولية كبرى على صناع القرار، والمبرمجين، والمجتمع المدني، لضمان ألا تكون السيادة التكنولوجية مجرد فصل جديد من استعمار رقمي، بل أداة لتمكين الإنسان، وتعزيز العدالة، وخلق عالم أكثر توازنًا وشفافية. فنحن لا نواجه مجرد سباق نحو التفوق التكنولوجي، بل سباق نحو من سيتحكم في مسار الحضارة المقبلة.في النهاية، السؤال ليس هل بدأ عصر السيادة التكنولوجية؟ بل: هل نحن مستعدون له؟ وهل نمتلك الإرادة لتوجيهه نحو مستقبل مشترك يخدم الإنسان لا يُخضعه؟ إنها معركة من نوع جديد، لا تُخاض بالسلاح، بل بالكود... والضمير.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

رويترز: ترمب يقترب من توقيع أوامر لتعزيز إنتاج الطاقة النووية
رويترز: ترمب يقترب من توقيع أوامر لتعزيز إنتاج الطاقة النووية

خبرني

timeمنذ ساعة واحدة

  • خبرني

رويترز: ترمب يقترب من توقيع أوامر لتعزيز إنتاج الطاقة النووية

خبرني - قالت أربعة مصادر مطلعة إن الرئيس الأميركي دونالد ترمب ربما يوقع الجمعة على أوامر تنفيذية تهدف إلى تعزيز قطاع الطاقة النووية من خلال تسهيل الإجراءات التنظيمية التي تتعلق بالموافقات على المفاعلات الجديدة ودعم سلاسل إمدادات الوقود. وفي ظل أول ارتفاع في الطلب على الكهرباء منذ عقدين بسبب توسع أنشطة الذكاء الاصطناعي، أعلن ترامب حالة طوارئ في مجال الطاقة في أول يوم له في منصبه. ويقول وزير الطاقة كريس رايت إن السباق لتطوير مصادر للكهرباء ومراكز البيانات اللازمة للذكاء الاصطناعي هو "مشروع مانهاتن 2"، في إشارة إلى البرنامج الضخم الذي عملت عليه الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية لتطوير قنابل ذرية. وجاء في مسودة ملخص للأوامر أن ترامب سوف يفعّل قانون الإنتاج الدفاعي الذي يعود إلى حقبة الحرب الباردة لإعلان حالة طوارئ وطنية على خلفية اعتماد الولايات المتحدة على روسيا والصين في الحصول على اليورانيوم المخصب ومعالجة الوقود النووي ومدخلات المفاعلات المتقدمة. ويوجه الملخص أيضا الوكالات إلى التصريح لمنشآت نووية جديدة وتحديد مواقع لها وتبسيط الإجراءت اللازمة لبنائها. ولم يرد البيت الأبيض على الفور على طلب للتعليق. وقد يخضع نص وصياغة مسودات الأوامر التنفيذية لتغييرات متكررة. وكانت الولايات المتحدة أول مطور للطاقة النووية ولديها أكبر قدرة نووية في العالم، إلا أن الصين تشهد حاليا أسرع نمو لهذا المصدر من الطاقة.

رويترز: وثائق قضائية تكشف الاتهامات الموجهة إلى "رودريغيز" منفذ إطلاق النار في واشنطن
رويترز: وثائق قضائية تكشف الاتهامات الموجهة إلى "رودريغيز" منفذ إطلاق النار في واشنطن

رؤيا

timeمنذ ساعة واحدة

  • رؤيا

رويترز: وثائق قضائية تكشف الاتهامات الموجهة إلى "رودريغيز" منفذ إطلاق النار في واشنطن

وثائق قضائية، وُجّهت إلى المشتبه به إلياس رودريغيز أعلنت المدعية العامة الأمريكية أن حادث إطلاق النار الذي وقع أمام المتحف اليهودي في واشنطن وتسبب بمقتل موظفين في سفارة الاحتلال الإسرائيلي، أنه يُحقق فيه على أنه جريمة كراهية وعمل إرهابي. ووفق ما نقلته وكالة رويترز عن وثائق قضائية، وُجّهت إلى المشتبه به إلياس رودريغيز، البالغ من العمر 31 عامًا، تهم بارتكاب جريمة قتل عمد من الدرجة الأولى، إضافة إلى اتهامات بقتل مسؤولين أجانب والتسبب في الوفاة باستخدام سلاح ناري ضمن جريمة عنف. وتواصل الشرطة الأمريكية، بالتعاون مع مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، التحقيق في رسالة نُشرت على الإنترنت ويُعتقد أنها منسوبة لإلياس رودريغيز، المشتبه به في حادث إطلاق النار قرب المتحف اليهودي في واشنطن، والذي أسفر عن مقتل شخصين. وبحسب ما نقلته صحيفة نيويورك بوست عن مصادر مطلعة، فإن رودريغيز (31 عامًا) نشر بيانًا مناهضًا للاحتلال الإسرائيلي على الإنترنت، قبل يوم واحد من تنفيذه العملية، في ما وصفه بأنه "عمل احتجاجي سياسي" ردًا على الحرب في غزة. اقرأ أيضاً: البيت الأبيض: ترمب مستاء من إطلاق النار على "إسرائيليين" في واشنطن وسنحاسب الجناة وكشفت التقارير أن رودريغيز هتف "الحرية لفلسطين" قبل لحظات من اعترافه بإطلاق النار، الأمر الذي دفع السلطات الأمنية إلى تركيز تحقيقاتها على بيان من 900 كلمة يحمل اسمه، بدأ بالانتشار عقب اعتقاله مباشرة. وتضمنت الرسالة، المؤرخة في 20 أيار، عبارات تعكس توجهًا أيديولوجيًا واضحًا، من بينها: "العمل المسلح ليس بالضرورة عملاً عسكريًا... بل استعراضًا سياسيًا"، وأضاف: "أولئك الذين يقفون ضد الإبادة الجماعية قد تخلوا عن إنسانيتهم".

بياع الخواتم
بياع الخواتم

عمون

timeمنذ 4 ساعات

  • عمون

بياع الخواتم

مساء الاثنين الماضي، موعد نشرات الأخبار الرئيسة في كل مكان، ذَهلَ المذيعات وهنَّ يقدمنَ للمشاهدين، الذين سوف يذهلون بدورهم، نبأ غير متوقع: الرئيس الأميركي دونالد ترمب يعلن أن التفاوض حول نهاية الحرب الروسية–الأوكرانية، سوف يبدأ فوراً. شيء شبيه بإعلان الاتفاق على التفاوض حول هدنة الحرب العالمية. قطار ترمب السريع يتوقف فجأة عند أخطر نزاع عسكري يمزق أوروبا منذ ثلاث سنوات. ومهندس (قائد) القطار هو الرجل الذي كان يقول قبل أشهر وسط العجب، والتعجب، إنه عندما ينصرف إلى المسألة، فسوف يحلها في 24 ساعة. الحقيقة أن الرجل قدم نفسه لنا بوصفه صانع عجائب، وليس بوصفه صانع سلام. إنه شخص متخيَّل مثل «بياع الخواتم» في المسرحية الرحبانية. وسوف ترون. ولكن هل الوقت وقت عجائب، والكرة من تحت هذا العالم لا تعرف في أي اتجاه تدور؟ لا يوجد شيء بعيد، أو مستبعد عند «الرئيس الطائر». وعندما تهبط الطائرة الرئاسية، وتطفئ محركاتها، لكي تكون على استعداد للإقلاع الفوري في الرحلة التالية، بعد الإعلان عن نبأ التفاوض بين موسكو وكييف بساعة، كان البيت الأبيض يبلغ رؤساء أوروبا بالأمر. سوف يكون هذا شيئاً تاريخياً مثل تلك المؤتمرات التي أعطت أسماءها سلام العالم. وعلى الذين شككوا في جديّة الرجل أن يسارعوا إلى الاعتذار بطريقة ما. لا يكف عن العمل، ولا يكف عن التحدث، ولا يكف عن السفر، ولا يكف عن الوعد بحل القضية التالية... هذا لا يعني أن كل شيء قد انتهى، لكن بالتأكيد، كل شيء قد بدأ. والمسائل ليست بهذه السهولة الرومانسية، لكن الحلول خلال 24 ساعة أصبحت على الطاولة. القول إن حل النزاع الأوكراني-الروسي ممكن خلال 24 ساعة يعارض كل منطق. ولذلك، سوف يصر عليه. الشرق الاوسط

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store