logo
الفتنة نائمة… لا توقظوها !!! (4) (رابعا و أخيرا)

الفتنة نائمة… لا توقظوها !!! (4) (رابعا و أخيرا)

Tunisie Focus٢٢-٠٣-٢٠٢٥

لئن كانت « الفتنة » في المسلسل التونسي فتنة اجتماعيّة فإنّ « الفتنة » في مسلسل « معاوية » فتنة سياسيّة. و لقد كان بي مَيل إلى متابعة هذا المسلسل منذ البداية. هو بطبيعة الحال مسلسل تاريخيّ. و من هذا الجهة يتوسّم المتفرّج الاستفادة التاريخيّة من مرحلة مهمّة من مراحل تاريخنا الدّيني و السياسي، و يتوسّم قراءة طريفة مجسّدة لفترة من فترات ثقافتنا و حضارتنا الخارجة من البداوة إلى المدنيّة و يتوسّم قراءة في تبيّن ملامح شخصيّة إسلاميّة من أهمّ الشخصيات الفاعلة في منعطف سياسيّ خطير خارج بالدّين و الدّولة من العصر الراشدي إلى العصر الملكيّ
و ما دام المسلسل قراءة في التاريخ فإنّه من الطبيعيّ أن يختلف مع كاتبه و مخرجه فيما قد يكون تصوّره من « الحقائق » و الأحداث التاريخيّة أو ما يكون تصوّره من المعالم الجغرافيّة و الثقافيّة أو ما يكون تصوّره من الملامح في شخصيّات الأبطال و إدارة الأحداث
و مع كلّ ذلك و غير ذلك فإنّ في
و الحقّ أنّ قراءة التاريخ و استحضار الماضي إنّما هو، في الغالب، ضرب من الإسقاط على الحاضر و استئناس في تدبّر المستقبل. و من هذه الجهة كان من المفيد الالتفات إلى سيرة سياسيّ من حجم معاوية في لحظة من لحظات انطلاق العرب نحو الحضارة و العالميّة
و أنا، في مثل هذا الموقف المستأنس بالتاريخ، متناسٍ ما ثبت في كتب التاريخ عن دهاء معاوية و إدارته لصالحه لفتنتين إحداهما في إزاحة عليّ بن أبي طالب عن الخلافة بقميص عثمان و الثانية في حشد الأصوات لمبايعة ابنه يزيد و تحويل وجهة الخلافة إلى نظام ملكيّ وراثيّ، و أنا متوقّف عند خصال رأيت أنّ كاتب المسلسل كان حريصا على إبرازها و التّمثيل عليها، منها الشخصية الكارزماتيّة لمعاوية بوزنه البدني و وسامته و رصانته و بلاغة لسانه و ثباته و رجاحة عقله فقد كان لمعاوية في المسلسل سند حزبيّ أمويّ يقابله حرص على ازدهار أمّة جامعة عربيّة و إسلاميّة و ذمّيّة و كان في معاوية قناعة بأنّ مخالفة الناس له حقّ و أنّ الجنوح إلى الصلح و المفاوضة واجب ما استطاع إليه سبيلا و أنّ للكلمة الطيّبة نفوذا أمضى من نفوذ السّيف و إراقة الدّماء وأنّ العفو جميل عند المقدرة و كان في معاوية تفانٍ في خدمة الأمّة و الاستجابة لمطالبها و التأسيس لهياكلها العدليّة و الإداريّة
و لا أخفي عليكم أنّني كنت مبصرا لمعاوية بعين و كانت عيني الثانية ترنو، في الوقت نفسه، إلى حاضر عربيّ و تونسيّ مفتقد في إدارته إلى أمثال معاوية من الرجال و النساء الخطّائين قليلا و القادرين الوطنيين كثيرا
الدكتور الهادي جطلاوي

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

محمد علي بن جمعة الساحر العاشق للتجديد
محمد علي بن جمعة الساحر العاشق للتجديد

time٢٤-٠٣-٢٠٢٥

محمد علي بن جمعة الساحر العاشق للتجديد

مقنع حدّ التماهي مع وجع الشخصية وفرحتها، له القدرة على استحضار كل الآليات النفسية والفيزيولوجية للشخصية التي قدمها إما على المسرح او في التلفزة او السينما، الممثل المتمكن محمد علي بن جمعة من رموز الدراما للعام 2025 ونجح في شخصية "ادريس" التي قدمها في مسلسل "الفتنة" اخراج سوسن الجمني. محمد علي بن جمعة لا يمثّل امام الكاميرا بل يتقمص الشخصية ويتناص مع كل جزئياتها، في رمضان 2025 ابدع بن جمعة باكثر الشخصيات شرّا، شخصية "ادريس السلامي" التي حققت نسب مشاهدة مرتفعة ونسب كره حتى اصبحت ترند الشرّ الاول في الاعمال التونسية لهذا الموسم لدرجة انّ (الممثل في اطار الدعابة خرج الى الجمهور يطلب منهم بكل اللطف التقليل من الدعاء على شخصه والدعاء على ادريس) بسبب التناص الكلّي بين الشخص والشخصية . بن جمعة اتقن الشخصية بإبعادها التقنية والدرامية، حفر في ذاكرتها ورسم لها ملامح مميزة، هادئة، رصينة في المنطوق، تحترم الواجبات وتحرس على الصداقة، قيم مفقودة تمنحها الشخصية للجميع وفي المقابل، شريرة لا تعرف معنى صلة الرحم ويمكنها شراء الذمم والخيانة فقط لاجل مصلحة الانا على المجموعة، شخصية تكرس للفردانية وتشرّع لها باستعمال كل السبل، فالغاية تبرر الوسيلة هو الشعار الذي عملت به شخصية "ادريس السلامي" طيلة حلقات العمل باستثناء المشهد الاخير من المسلسل. لمحمد علي بن جمعة قدرة رهيبة على الاقناع، في المشهد الواحد يطير الى اقصى درجات الفرحة ثم ينقلب الى قاع الحزن في لحظة واحدة، ملامح وجهه تختزل قصص الشخصية وحكاياتها المتواترة، يتقن آلياته ويعرف كيف يشدّ إليه الجمهور رغم قيم الشرّ الكثيرة التي قدمتها الشخصية في العمل، ليكون بن جمعة ّ"دومينو" العمل يحرّك في فلكه بقية الشخصيات والاحداث حسبب مزاج شخصية "ادريس" وأهوائها النفسية والمادية. تميز محمد علي بن جمعية في شخصيته الجديدة "ادريس السلامي" التي تعيش تناقضات جذرية، فالشخصية تعيش الهدوء والثورة، الحلم والكره، شخصية تبحث عن التموقع في كل الاماكن وفي الوقت ذاته تستعمل جميع اساليب الشر لتحمي ذاتها، شخصية جريئة وانهزامية في الوقت ذاته، متناقضات نفسية عديدة ابدع بن جمعة في ملامستها لتنجح الشخصية وتكون "ترند الشر" على وسائل التواصل الاجتماعي، ولان بن جمعة ممثل متمكن من الياته ويعرف انّ للتمثيل هدف فقد ظهرت الشخصية للجمهور بوجه اخر في الحلقة الاخيرة، تغيرت مساحة الشرّ بعد ان وقفت الشخصية امام مراتها البشعة وحاولت الاصلاح، فالشخصية الشريرة بحثت في ذاتها لتخرج منها النور ويكون سبيلها للاصلاح وحقق المشهد الاخير من العمل. مشهد جمع الانكسار والضعف والعزّة بالانتماء الى الاخوة نسب مشاهدة مرتفعة واحدث الجدل بين متابعي العمل، فلا وجود لشر مطلق او خير مطلق والانسان قادر على الاختيار وتحمّل المسؤولية، ليكون الاصلاح افضل سبل العيش وهي رسالة "ادريس السلامي" الى متابعي العمل. محمد علي بن جمعة نجح في شخصيته الجديدة كما نجح في ادواره السابقة، وان ينجح الممثل في دور او شخصية فالامر متاح، لكن ان يحافظ الممثل على سمة النجاح في كل شخصية يلعبها ويمنحها الكثير من الصدق فهو امر يحسب للمثل، محمد علي بن جمعة حافظ على نجاحه امام الكاميرا، كما سبق وان نجح في السينما والمسرح حدّ ان رسخ دوره في "جنون" في ذاكرة التونسيين، ممثل متمكن من الياته الفنية ومحبّ لفنّ التمثيل، يبدع كلما سنحت له الفرصة، خليفة الراحل فتحي الهداوي كما وصفه بعض المتابعين للشخصية، ليثبت محمد علي بن جمعة ان الممثل كما الصلصال يتشّكل وكل شخصية يمنحها جزء من روحه وافكاره. محمد علي بن جمعة، فنان جامع و شامل، رمزٌ و مثال للجدّية و التواضع و العطاء و ناقل لوباء المسرح لأجيال قادمة في فضائه الثقافي " المَخزَن" و هو الخازن المُختزِن لفنٍّ لا لِقاح ضده و لا دواء كما كتب عنه المسرحي انور الشعافي، فبن جمعة يحرس على تمرير حبه للمسرح الى ابناء حيّه في باب سويقة عبر فضاءه المخزن الثقافي الذي احتضن لأعوام مواهب الشباب وصقل حبّهم للمسرح هواية وممارسة، وحلمه الابرز ان يكون المخزن، مسرح صغير ينصت لأحلام ابناء حومة باب سويقة ويحوّلها الى ابداعات فنية. محمد علي بن جمعة الفنان المتلوّن والممثل المتمكن من شخصياته، لعب الى جانب امهر الممثلين، على غرار "المنشار الحائر" مع رجاء بن عمار، و"كلام الليل" مع توفيق الجبالي، "جنون" مع الفاضل الجعايبي ورافق الفاضل الجزيري طيلة 10اعوام تعلّم فيها الكثير، نجح في السينما في افلام "الجايدة" لسلمى بكار، و"زهرة حلب" مع رضا الباهي، و"بورتوفارينا" لابراهيم لطيّف، وفيلم "هدوء نسبي" مع شوقي الماجي، كما نجح في الدراما في "الدوامة" و"دار نانا" و"جنون القايلة" و"براءة" و"الفلوجة" واخر الاعمال "الفتنة"، ليثبت محمد علي بن جمعة انّه ساحر وحارس امين لفن التمثيل.

الفتنة نائمة… لا توقظوها !!! (4) (رابعا و أخيرا)
الفتنة نائمة… لا توقظوها !!! (4) (رابعا و أخيرا)

Tunisie Focus

time٢٢-٠٣-٢٠٢٥

  • Tunisie Focus

الفتنة نائمة… لا توقظوها !!! (4) (رابعا و أخيرا)

لئن كانت « الفتنة » في المسلسل التونسي فتنة اجتماعيّة فإنّ « الفتنة » في مسلسل « معاوية » فتنة سياسيّة. و لقد كان بي مَيل إلى متابعة هذا المسلسل منذ البداية. هو بطبيعة الحال مسلسل تاريخيّ. و من هذا الجهة يتوسّم المتفرّج الاستفادة التاريخيّة من مرحلة مهمّة من مراحل تاريخنا الدّيني و السياسي، و يتوسّم قراءة طريفة مجسّدة لفترة من فترات ثقافتنا و حضارتنا الخارجة من البداوة إلى المدنيّة و يتوسّم قراءة في تبيّن ملامح شخصيّة إسلاميّة من أهمّ الشخصيات الفاعلة في منعطف سياسيّ خطير خارج بالدّين و الدّولة من العصر الراشدي إلى العصر الملكيّ و ما دام المسلسل قراءة في التاريخ فإنّه من الطبيعيّ أن يختلف مع كاتبه و مخرجه فيما قد يكون تصوّره من « الحقائق » و الأحداث التاريخيّة أو ما يكون تصوّره من المعالم الجغرافيّة و الثقافيّة أو ما يكون تصوّره من الملامح في شخصيّات الأبطال و إدارة الأحداث و مع كلّ ذلك و غير ذلك فإنّ في و الحقّ أنّ قراءة التاريخ و استحضار الماضي إنّما هو، في الغالب، ضرب من الإسقاط على الحاضر و استئناس في تدبّر المستقبل. و من هذه الجهة كان من المفيد الالتفات إلى سيرة سياسيّ من حجم معاوية في لحظة من لحظات انطلاق العرب نحو الحضارة و العالميّة و أنا، في مثل هذا الموقف المستأنس بالتاريخ، متناسٍ ما ثبت في كتب التاريخ عن دهاء معاوية و إدارته لصالحه لفتنتين إحداهما في إزاحة عليّ بن أبي طالب عن الخلافة بقميص عثمان و الثانية في حشد الأصوات لمبايعة ابنه يزيد و تحويل وجهة الخلافة إلى نظام ملكيّ وراثيّ، و أنا متوقّف عند خصال رأيت أنّ كاتب المسلسل كان حريصا على إبرازها و التّمثيل عليها، منها الشخصية الكارزماتيّة لمعاوية بوزنه البدني و وسامته و رصانته و بلاغة لسانه و ثباته و رجاحة عقله فقد كان لمعاوية في المسلسل سند حزبيّ أمويّ يقابله حرص على ازدهار أمّة جامعة عربيّة و إسلاميّة و ذمّيّة و كان في معاوية قناعة بأنّ مخالفة الناس له حقّ و أنّ الجنوح إلى الصلح و المفاوضة واجب ما استطاع إليه سبيلا و أنّ للكلمة الطيّبة نفوذا أمضى من نفوذ السّيف و إراقة الدّماء وأنّ العفو جميل عند المقدرة و كان في معاوية تفانٍ في خدمة الأمّة و الاستجابة لمطالبها و التأسيس لهياكلها العدليّة و الإداريّة و لا أخفي عليكم أنّني كنت مبصرا لمعاوية بعين و كانت عيني الثانية ترنو، في الوقت نفسه، إلى حاضر عربيّ و تونسيّ مفتقد في إدارته إلى أمثال معاوية من الرجال و النساء الخطّائين قليلا و القادرين الوطنيين كثيرا الدكتور الهادي جطلاوي

الفتنة نائمة… لا توقظوها !!! (3)
الفتنة نائمة… لا توقظوها !!! (3)

Tunisie Focus

time٢١-٠٣-٢٠٢٥

  • Tunisie Focus

الفتنة نائمة… لا توقظوها !!! (3)

لقد و لم نر الإنسان شاكيا من قانون من قوانين السّماء كما رأيناه شاكيا من شريعة الحبّ و الغرام. بل لقد كان الإنسان المسلم مجادلا خالقه في قسوته عليه. و لم ينطق المسلم بشكواه في المساجد، حاشا للّه، و لكنّه نطق بها في شعره و نطق بها في أدبه و حكاياته و نوادره و ألف ليلة و ليلة من لياليه. و كان مسلسل « الفتنة » ناشرا لقضيّة الغرام غير الحلال في بطل أوّل يترنّح قلبه بين حبّين و بطل ثان واقع في الخطيئة وقوع المنجل في القلّة لم يشرّع مسلسل « الفتنة » لخطيئة العشق الحرام و أنّى له ذلك و لو فعل لشنّع المجتمع به بل إنّ المسلسل قد هوّن من خطيئة العشق فلم تكن صاحبته تريد له أن يتمادى في الحرام و كانت تريد له نهاية حلالا تنتهي بطلاق حلال و زواج حلال على سنّة الله و رسوله ثمّ إنّ أحداث المسلسل قد بالغت في بيان مآسي العشق الحرام الوخيمة على وحدة الأسرة لم يكن مسلسل « الفتنة » قادرا على التشريع للعشق الحرام لأنّ المجتمع لن يسايره فيه و لذلك كانت العاشقة امرأة غير متوازنة و كان العاشق رجلا مسكينا نادما و كان يمكن لهذا العشق الحرام أن يمرّ بسلام و لكنّ المسلسل عظّم فيه مصيبة الحبّ خارج شرع الله و المجتمع و بهذه الخاتمة يضمن المسلسل لنفسه سلامة اجتماعيّة و نقديّة و ماليّة و لكنّ المساحة العريضة التّي أولاها المسلسل للعشق الحرام و توفير المناخ المريح لانتصابه و استقراره يجعل المتفرّج ينتابه الشعور بأنّ هذه الظاهرة قد بدت اليوم في بلادنا و كأنّها ظاهرة عاديّة و أكسسوار من أكسسوارات الحياة المدنيّة المعاصرة و لعلّ المسلسل، وهو ينعى هذه الظاهرة في ظاهره، يدعو المتفرّج إلى وقفة تأمّل في شأنها تتخطّى ردّ الفعل الزاجر إلى ردّ الفعل الفاحص و المعالج على النحو الذي يسلكه الغرب اليوم في رفع سمة الحرام عن الحبّ و عن العشق و اعتباره الحبّ شعورا نبيلا من حقّه أن يدوم إن شاء و من حقّه أن يتبدّل إن شاء فإن تبدّل فليس من حقّه أن يكون متكتّما و ليس من حقّه أن يسيء إلى غيره و إلى الأسرة و صغارها و مصالحها في دعوة إلى تشريعات جديدة و مؤسّسات جديدة غريبة عنّا ضامنة للتوازن المجتمعي المتحرّك بتحرّك الإنسان الغربي و نحن اليوم و رغم انخراطنا في المدنية نسأل السلامة من هذه الآفة و نكتفي منها بإقرار الشاعر بزئبقيّة الحبّ قال علقتها عرضا و علقت رجلا غيري \\ و علق أخرى غيرها الرّجل و نكتفي منها باستعطاف الخالق و لطفه بخلقه على قول الآخر خلقتَ الجمالَ لنا فتنةً \\ و قلت عبادي ألا فاتّقون و أنت جميل تحبّ الجمال \\ فكيف عبادك لا يعشقون الهادي جطلاوي

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store