logo
الفيضانات القديمة تكشف عن ماض مناخي درامي لشبه الجزيرة العربية

الفيضانات القديمة تكشف عن ماض مناخي درامي لشبه الجزيرة العربية

الجزيرة٢٥-٠٢-٢٠٢٥

كشف سجل حديث يمتد لـ1600 عام عن هطول الأمطار في شمال شبه الجزيرة العربية أن المنطقة كانت أكثر رطوبة بكثير في الماضي مقارنة بالوقت الحاضر، حيث شهدت بعض الفترات معدلات أمطار تصل إلى 5 أضعاف المستويات الحالية.
تعتمد الدراسة ، التي نشرت يوم 21 فبراير/شباط في مجلة "ساينس أدفانسس"، على تحليلات عينات رسوبية مأخوذة من بحيرة مالحة عميقة في خليج العقبة. ووجد الباحثون أن العصر الحديث أكثر جفافا بمقدار 2.5 مرة من المعدل التاريخي، مما يتحدى الفكرة الشائعة بأن شبه الجزيرة العربية كانت دائما منطقة قاحلة.
كما برز العصر الجليدي الصغير، الذي امتد بين عامي 1400 و1850 ميلادية، كفترة شهدت معدلات أمطار مرتفعة للغاية تفوقت على أي مستويات مسجلة في العصر الحالي. وتثير هذه النتائج مخاوف جديدة بشأن التحولات المناخية المستقبلية في منطقة تعاني بالفعل من ندرة المياه.
استكشاف الماضي عبر أعماق البحار
يقول المؤلف الرئيسي للدراسة سام بوركيس -أستاذ ورئيس قسم علوم الأرض البحرية في كلية روزنستيل بجامعة ميامي بالولايات المتحدة- إن الفريق البحثي الذي يقوده حلل طبقات الرواسب المحفوظة في بحيرة مالحة لا تحتوي على أكسجين على عمق 1770 مترا. ونظرا لأن الظروف القاسية في هذه البحيرة تمنع النشاط البيولوجي من التأثير على الترسبات، فقد بقيت طبقات الفيضانات دون تغيير، مما وفر أرشيفا فريدا لتغيرات الأمطار على مدار أكثر من 1500 عام.
ويضيف بوركيس في تصريحات للجزيرة نت "يمنحنا هذا الاكتشاف فرصة نادرة لقياس كميات الأمطار السابقة في شبه الجزيرة العربية بدقة عالية. على عكس السجلات المناخية القديمة الأخرى التي تقدم تقديرات نوعية فقط لفترات الجفاف والرطوبة، ويوفر سجلنا بيانات فعلية عن معدلات الهطول المطري".
كشفت العينات الرسوبية أن الفترة بين عامي 1400 و1550 ميلادية كانت ذروة هطول الأمطار، حيث تجاوزت المستويات الحديثة بمعدل 5 أضعاف. وتزامن ذلك مع بداية العصر الجليدي الصغير، وهي فترة تميزت بانخفاض درجات الحرارة عبر النصف الشمالي من الكرة الأرضية. ويرجح الباحثون أن انخفاض النشاط الشمسي والتغيرات في أنماط الدوران الجوي ساهما في زيادة الأمطار فوق شمال شبه الجزيرة العربية خلال تلك الفترة.
وتدعم السجلات التاريخية هذه النتائج، حيث وصف رحالة إغريقي في عام 167 قبل الميلاد مناظر طبيعية خصبة في ما يعرف اليوم بمنطقة نيوم الصحراوية في السعودية. كما توثق مصادر من العصر العثماني خلال القرنين الـ16 والـ17 ميلادية شتاءات قاسية وفيضانات مستمرة في الشرق الأوسط، وهي ظروف تتماشى مع البيانات الرسوبية المكتشفة.
تؤكد نتائج الدراسة على تقلب مناخ شبه الجزيرة العربية بمرور الوقت، وتسلط الضوء على أهمية مراعاة الاتجاهات التاريخية طويلة الأجل عند التنبؤ بأنماط الطقس المستقبلية. ومع زيادة تغير المناخ واحتمالية حدوث أحداث الطقس المتطرفة، فإن الدراسة تشير إلى أن شبه الجزيرة العربية قد تشهد عودة إلى ظروف لم نشهدها في العصر الحديث.
ويؤكد بوركيس أن "فهم كيفية تقلب هطول الأمطار في الماضي يسمح لنا بتحسين توقعاتنا للمستقبل. إذ إن هذه الرؤى بالغة الأهمية لإدارة موارد المياه والاستعداد للفيضانات في واحدة من أكثر مناطق العالم جفافا".
ومع توسع المدن في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية وزيادة تعرض البنية الأساسية للطقس المتطرف، يشدد المؤلف على الحاجة إلى نماذج مناخية محدثة تتضمن تقلبات هطول الأمطار التاريخية. وفي حين تشهد المنطقة حاليا أشد فتراتها جفافا منذ أكثر من ألف عام، فإن الماضي يشير إلى أن التحولات المستقبلية قد تجلب تغييرات غير متوقعة -وربما كارثية- على المشهد الهيدرولوجي.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"الثقب الأزرق العظيم".. وجهة سياحية بأميركا الوسطى وإشارة خطيرة لمستقبل الأرض
"الثقب الأزرق العظيم".. وجهة سياحية بأميركا الوسطى وإشارة خطيرة لمستقبل الأرض

الجزيرة

time٠٨-٠٤-٢٠٢٥

  • الجزيرة

"الثقب الأزرق العظيم".. وجهة سياحية بأميركا الوسطى وإشارة خطيرة لمستقبل الأرض

في بعثة علمية غير مسبوقة إلى أعماق الثقب الأزرق العظيم، الواقع قبالة سواحل بليز في أميركا الوسطى، تمكن فريق من الباحثين من استخراج سجل أشبه بالكبسولة الزمنية لتاريخ الأعاصير على كوكب الأرض، يحمل بين طبقاته رسائل مقلقة بشأن المستقبل. الثقب الأسود العظيم هو حفرة بحرية دائرية ضخمة تشبه بئرًا عميقًا وسط البحر، بقطر 300 متر تقريبا، وعمق يصل إلى 124 مترًا، أما عن لونه الأزرق الداكن المميز فقد نتج عن العمق الكبير مقارنة بالمياه الضحلة المحيطة به. ويعتقد أن هذا الثقب تكوّن خلال العصور الجليدية القديمة، حين كانت مستويات البحر أقل، وكان في الأصل كهفًا جيريًا جافًا، ومع ذوبان الجليد وارتفاع مستوى البحر، غمرت المياه هذا الكهف فانهار سقفه، مشكِّلًا الثقب الذي نراه اليوم. كبسولة زمنية وقد استخرج العلماء من هذا الثقب عيّنة رسوبية بطول 30 مترا، كشفت عن نحو 6 آلاف عام من العواصف المدارية المحفوظة في طبقاتها المستقرة. وقد أظهرت النتائج أن الأعاصير المدارية في جنوب غرب الكاريبي قد ازدادت وتيرتها بشكل متصاعد عبر آلاف السنين، وأن هذه الوتيرة مرشحة للتسارع بفعل التغير المناخي الناتج عن النشاط البشري. وقاد فريق البحث، الذي ضم خبراء دوليين، عالم الجيولوجيا دومينيك شميت من جامعة غوته في فرانكفورت بألمانيا، وتمكنوا من تحديد 694 طبقة مميزة داخل العيّنة الرسوبية، تمثل كل واحدة منها عاصفة مدارية وقعت في الماضي. وتُظهر هذه الطبقات نمطا إقليميا طويل الأمد يرتبط بتحركات "نطاق التقارب بين المدارين"، وهي منطقة ضغط منخفض تؤثر في أماكن نشوء العواصف المدارية واتجاه حركتها. وتشير النماذج المناخية إلى أن هذه المنطقة تواصل انزياحها جنوبا مع ارتفاع درجات الحرارة عالميا، مما ينذر بزيادة غير مسبوقة في النشاط الإعصاري خلال القرن الـ21، بمعدلات تتجاوز بكثير ما شهدته الأرض عبر تاريخها الطبيعي. وقد نشرت نتائج الدراسة حديثا في دورية "ساينس أدفانسس". تهديد مناخي يلوح في الأفق لطالما شكل الثقب الأزرق العظيم وجهة مفضلة للغواصين من أنحاء العالم، بفضل تفاصيله الساحرة والتنوع البيولوجي الحاضر، وقد كان أول من دّون عنه المستكشف الشهير جاك كوستو قبل أكثر من نصف قرن. لكن جاذبيته لا تقتصر على منظره الجيولوجي المهيب، بل تتعدى ذلك ليكون أرشيفا طبيعيا يُسجّل التغيرات المناخية عبر العصور. فبفضل المياه الخالية من الأكسجين في قاعه، والهدوء النسبي الذي يميز بيئته الرسوبية، تتراكم طبقات الرواسب البحرية بشكل منتظم شبيه بحلقات الأشجار، بألوان متعاقبة تعكس محتواها العضوي. أما الأعاصير العنيفة، فكانت تخلّف وراءها طبقات أكثر خشونة ولونا أفتح تُعرف علميا باسم الـ"تمبستيت"، وتُميز بسهولة عن الرواسب العادية. وتحمل هذه الطبقات الخشنة دلالات مقلقة، إذ تُظهر تغيرات في تواتر العواصف تتماشى مع فترات الدفء والبرودة في سجل المناخ الأرضي، حيث تزداد الأعاصير في العصور الأكثر دفئا، مثل العصر الذي نعيش فيه حاليا. وقد كشفت العيّنة أن 9 عواصف مدارية تركت أثرها في الطبقات الرسوبية خلال الـ20 عاما الماضية فقط، وهو عدد يتجاوز بكثير ما يمكن تفسيره بتقلبات المناخ الطبيعية. مستقبل الأرض و يقدّر عالم الرواسب البيولوجية إيبرهارد غيشلر، من جامعة غوته أيضا، أن ما يصل إلى 45 إعصارا مداريّا قد يمر فوق هذه المنطقة خلال القرن الحالي وحده، وهو معدل يشكل انحرافا كبيرا عن النمط التاريخي المعروف. إعلان ولا تقتصر آثار هذه النتائج على منطقة الكاريبي وحدها، بل تمتد لتشمل أبعادا عالمية أوسع، إذ تعني بالنسبة لدول أميركا الوسطى والمجتمعات الساحلية زيادة ملحوظة في المخاطر البيئية والاقتصادية. كما تعزز هذه الدراسة من الأدلة المتزايدة على أن التغير المناخي لا يؤثر فقط على درجات الحرارة، بل يضخم أيضا من وتيرة وحدة الكوارث الطبيعية، في تهديد مباشر للفئات السكانية الأضعف في العالم.

هل تصبح جبال الأرض مصدرا لوقود المستقبل؟
هل تصبح جبال الأرض مصدرا لوقود المستقبل؟

الجزيرة

time٠٢-٠٤-٢٠٢٥

  • الجزيرة

هل تصبح جبال الأرض مصدرا لوقود المستقبل؟

أشارت ورقة بحثية جديدة نُشرت في دورية "ساينس أدفانسس" إلى أن هناك احتمالا كبيرا بأن الجبال حول العالم قد تحتوي في باطنها على مصادر ضخمة للطاقة النظيفة. ويقول الباحثون إن غاز الهيدروجين قد يكون محجوزا تحت السلاسل الجبلية، الأمر الذي سيوفر احتياطات غير مستغلة يمكن أن تُحدِث ثورة في قطاع الطاقة. ويعتقد أن الهيدروجين سيكون "وقود المستقبل" لأنه يتمتع بخصائص مميزة وفريدة تجعله من أفضل البدائل للوقود الأحفوري، خاصة في مواجهة التغير المناخي وندرة الطاقة. واستخدم فريق الباحثين في دراستهم مزيجا من التسجيلات الميدانية ونمذجة الحاسوب المتقدمة لمحاكاة الظروف التي قد يتشكل فيها الهيدروجين طبيعيا داخل سلاسل الجبال. ومن خلال محاكاة حركة الصفائح التكتونية، وتكوين الجبال، والعمليات الكيميائية التي يمكن أن تؤدي إلى إنتاج الهيدروجين، بدأ الباحثون في رسم صورة حول كيفية وأماكن وجود هذه الاحتياطات. وتشير نتائج الدراسة إلى أن خزانات من الهيدروجين قد تكون تشكلت على مدى ملايين السنين نتيجة لعمليات جيولوجية أقدم بكثير مما كان يعتقد سابقا. ويمكن أن يمهد هذا الاكتشاف الطريق لمستقبل طاقة أنظف وأكثر استدامة. كيف يُنتج الهيدروجين بشكل طبيعي؟ في هذا السياق، يعقد الباحثون آمالهم على ما يُعرف بعملية "التسرب الحجري"، التي تحدث عندما تتفاعل طبقة الوشاح تحت القشرة الأرضية مع المياه، وهذا يؤدي إلى تفاعل كيميائي يُنتج غاز الهيدروجين. وركز الباحثون على كيفية تطور هذه العملية في المناطق التي تتقارب فيها الصفائح التكتونية. وفي هذه المناطق، يُدفع الوشاح نحو الأعلى ليخلق ظروفا مناسبة لحدوث التسرب الحجري. ومن خلال محاكاة مفصلة، حدد فريق البحث الأماكن التي من المرجح أن تحدث فيها عملية التسرب الحجري، وكشفوا أن هذه الظروف أكثر شيوعا في السلاسل الجبلية. وتعد هذه المناطق أكثر احتمالا بحوالي 20 مرة لاستضافة التفاعلات المولدة للهيدروجين مقارنة بالمناطق التي تتباعد فيها الصفائح التكتونية عن بعضها البعض. ويجعل هذا الاحتمال المرتفع من الجبال هدفا لاستكشاف الهيدروجين في المستقبل مقارنة بتشكيلات جيولوجية أخرى مثل الحواف المحيطية. ولطالما اعتبر الهيدروجين مصدرا واعدا للطاقة النظيفة نظرا لقدرة الهيدروجين على إنتاج الماء بدلا من ثاني أكسيد الكربون الضار عند احتراقه. إلا أن تحديات إنتاج الهيدروجين بشكل اصطناعي قد تعرقلت بسبب الحاجة إلى مدخلات طاقة عالية، بالإضافة إلى الانبعاثات الغازية الضارة التي ترافق عملية الإنتاج الصناعية. وقود طبيعي مستدام وتشير الأبحاث الحالية إلى أن مناطق مثل سلسلة جبال البرانس، وجبال الألب، ومنطقة البلقان قد تكون أهدافا رئيسة للاستكشاف، حيث بدأت الخطط بالفعل للتحقيق في هذه المناطق بشكل أكبر. كما يمكن أن تكون الإمكانات الاقتصادية للهيدروجين الطبيعي هائلة، ولكن فهم كيفية استخراجه واستخدامه بشكل مستدام سيكون أمرا حاسما لنجاحه كمصدر طاقة قابل للتحقيق. وعلى الرغم من أن الدراسة لا تقدم تقديرا عالميا لكمية الهيدروجين المتاحة في المناطق الجبلية، فإن الأبحاث السابقة في جبال البرانس تشير إلى أن احتياطات الهيدروجين في هذه المنطقة قد تلبي احتياجات حوالي نصف مليون شخص سنويا. وتعد هذه خطوة محورية إلى الأمام في السعي لإيجاد حلول طاقة مستدامة، لا سيما أن الهيدروجين الطبيعي بات أحد البدائل القوية المطروحة ليحل مكان الوقود الأحفوري. وبينما يواصل فريق البحث تحسين نتائجهم، يتضح أننا على أعتاب حقبة جديدة في استكشاف الطاقة، إذ يقول فرانك زوان، عالم في قسم النمذجة الجيوديناميكية في مركز "جي إف زي هيلمهولتز لعلوم الأرض"، في بيان صحفي: "قد نكون على أعتاب نقطة تحول في استكشاف الهيدروجين الطبيعي" ملمّحا إلى أنها قد تكون بداية لظهور صناعة جديدة للهيدروجين الطبيعي. ومع ذلك، لا تزال عدة تحديات قائمة، بما في ذلك تأكيد وجود هذه الاحتياطات من الهيدروجين وضمان أن استخراجها واستخدامها يتم بشكل مستدام بيئيا.

التطرف المناخي يهدد شبه الجزيرة العربية
التطرف المناخي يهدد شبه الجزيرة العربية

الجزيرة

time٢٠-٠٣-٢٠٢٥

  • الجزيرة

التطرف المناخي يهدد شبه الجزيرة العربية

عندما تنظر اليوم إلى صحراء شبة الجزيرة العربية القاحلة، سيكون من الصعب عليك تخيل أن هذه المنطقة قبل 1600 عام كانت موطنا لغابات خضراء تجوبها الأسود والفهود والذئاب، وكانت المنطقة حينها مسرحا لفيضانات عنيفة، تدفقت خلالها الأمطار بغزارة لم تعرفها الأجيال الحديثة. هذا المشهد الذي قد يقف خيالك عصيا على تصوره وتصديقه، وجدت دراسة نشرت في دورية "ساينس أدفانسيس" لفريق بحثي دولي، دلائل علمية قوية تشير إليه في أعماق حوض نيوم المالح في خليج العقبة، حيث وجدوا داخله رواسب محفوظة بشكل ممتاز حملتها الفيضانات والسيول عبر الزمن، لتكون بمثابة سجل مناخي يخبرنا عن التاريخ بكل تفاصيله، ويطلب منا الاستعداد لسيناريوهات شبيهه في المستقبل القريب. وفي تصريح للجزيرة نت، يقول سام بوركيس، المؤلف الرئيسي للدراسة وأستاذ ورئيس قسم علوم الأرض البحرية في كلية "روزنستيل" بجامعة ميامي الأميركية، إن "حوض نيوم المالح الذي تمت دراسته يقع على عمق أكثر من ميل تحت الماء، في أعمق جزء من خليج العقبة، وتكون المياه في هذه المنطقة "لاهوائية"، أي خالية تماما من الأكسجين، وبالتالي، فإن أي كائن بحري غير محظوظ يدخل الحوض يختنق ويموت فورا، وهذا من شأنه أن يحافظ على قاع الحوض غير مضطرب تماما من قبل الكائنات البحرية الحافرة، وهذا ساهم في الحفاظ على الطبقات الدقيقة الناتجة عن الفيضانات المفاجئة بشكل ممتاز، ومنحنا ذلك الفرصة لدراستها لاحقا". وكان الحصول على عينة رواسب من هذا الحوض المالح على عمق أكثر من ميل تحت الماء تحديا كبيرا، استلزم استخدام معدات متقدمة للغاية مثل سفينة الأبحاث المذهلة "أوكين إكسبلورر"، واحتاج هذا العمق الشديد استخدام مركبة التحكم عن بعد، التي يمكنها العمل في أعماق أعمق من الغواصات التي يتم قيادتها بواسطة الإنسان. ويوضح بوركيس أنه "رغم العمق الكبير للمياه في هذا الحوض المالح، فإنه كان قريبا جدا من الساحل (أقل من ألفي متر)، وهذا يسمح له بتسجيل الرواسب التي تجرفها الفيضانات من اليابسة بشكل ممتاز، لتكشف التحليلات التي أجريت على تلك الرواسب بأحدث تقنيات التأريخ بالكربون أن عمر بعضها يعود إلى ما يقارب ألفي عام". تضافر جهود 4 تخصصات ويحتاج هذا العمل الذي حاول بوركيس تبسيطه، تضافر جهود باحثين من تخصصات مختلفة هي الجيوكيمياء وعلم الرواسب وعلوم الجيوكرونولوجيا (علم تحديد أعمار الأرض) والنمذجة الحاسوبية. ويركز تخصص "الجيوكيمياء" على تحليل التركيب الكيميائي للرواسب والمياه الملحية في الحوض، لتحديد نوع العناصر والمركبات الكيميائية التي توجد فيها، مثل الكربون، النيتروجين، المعادن، والمركبات العضوية وغير العضوية، ومن خلال تحليل هذه المكونات، يمكن التوصل إلى معلومات حول ظروف البيئة السابقة، مثل درجة حرارة المياه ومستويات الأكسجين وفهم العمليات الكيميائية التي كانت تحدث في الماضي وكيفية تأثير التغيرات المناخية على تكوين الرواسب. أما "علم الرواسب"، فيتعامل مع دراسة الخصائص الفيزيائية للرواسب والطبقات التي تشكلت بمرور الزمن، ويشمل ذلك دراسة تكوين الرواسب، حجمها، توزيعها، وترتيبها في الطبقات، ويساعد ذلك في تفسير كيفية ترسب هذه الرواسب بمرور الزمن، وتحديد الفترات التي شهدت فيضانات أو هطولات مطرية شديدة من خلال تحليل الطبقات التي تشكلت نتيجة تلك الفيضانات، ومن خلال هذا التخصص، يمكن تحديد الحقب الزمنية التي شهدت نشاطا مناخيا قويا أو تغيرات بيئية كبيرة. ويساعد "علم الجيوكرونولوجيا" في تحديد الأعمار الزمنية للرواسب باستخدام تقنيات متعددة، مثل التأريخ بالكربون المشع أو تقنيات تأريخ أخرى، ويتم تطبيقه على العينات المستخرجة لتحديد متى تشكلت الطبقات المختلفة، ويعد هذا التخصص مهما جدا في وضع إطار زمني دقيق للتغيرات المناخية، فمن خلال تحديد الأعمار الزمنية بدقة، يمكن ربط الفترات المناخية الرطبة أو الجافة مع أحداث تاريخية معينة، مثل "العصر الجليدي الصغير"، وتحديد مدى تأثير تلك التغيرات المناخية على البيئة والإنسان في الماضي. وأخيرا، يساعد تخصص "النمذجة الحاسوبية" على إنشاء نماذج رياضية وحاسوبية لمحاكاة البيانات المناخية بناء على المعلومات المستخرجة من الرواسب، وهذه النماذج تساعد في فهم التغيرات المناخية في الماضي، وتوقع الأنماط المناخية المستقبلية. الجفاف استثناء وليس قاعدة ومن خلال فهم وتحليل البيانات المناخية التي تقدمها هذه التخصصات، نجح الباحثون في توفير صورة متكاملة حول التغيرات المناخية في الجزيرة العربية، إذ أظهرت دراستهم أن العصر الحديث أكثر جفافا بمقدار 2.5 مرة مقارنة بالـ1600 عام الماضية. وأوضحت أن العصر الجليدي الصغير (الذي امتد تقريبا من القرن الـ14 إلى القرن الـ19) تميز بأنه فترة رطبة بشكل استثنائي، فقد شهدت تلك الفترة في شبه الجزيرة العربية (تحديدا قبل 400 عام) ارتفاعا ملحوظا في معدلات هطول الأمطار، بمقدار 5 أضعاف مقارنة بما نشهده اليوم. ويقول بوركيس إن "هذا الفهم المعتمد على الرواسب كان من الصعب الحصول عليه من البيانات الحديثة، لأن المنطقة غير مجهزة بشكل جيد بالأدوات اللازمة لقياس المناخ، خاصة فيما يتعلق بمقاييس المطر، حيث كانت البيانات شحيحة بشكل مدهش حتى في الـ20 سنة الماضية". ورغم أن المنطقة تُعتبر الآن شديدة الجفاف، إلا أن طبقات الفيضانات التي تم توثيقها تشير إلى أن التحولات المناخية السابقة قادرة على توليد ظروف مناخية لم يسبق لها مثيل في العصر الحديث، أي أن الجفاف الحالي هو استثناء وليس القاعدة، وأن هناك سرعة في تغير المناخ بين الجفاف والرطوبة، تتطلب الاستعداد لهذا السيناريو. رسالة تحذير من الماضي وتاريخيا، يرتبط التحول المفاجئ إلى فصول شتاء باردة ورطبة بتغيرات اقتصادية واجتماعية. ويوضح بوركيس أن "التحول المفاجئ إلى فصول شتاء باردة ورطبة في القرن الـ15 أدى إلى تقلص كبير في الإمبراطورية العثمانية، حيث تخبرنا النصوص العثمانية أنه بحلول أواخر تسعينيات القرن الـ15، عانت الأناضول وسوريا من سلسلة من فصول الشتاء الباردة والمثلجة، وهذا أدى إلى وفاة مئات الآلاف (وربما الملايين) من القرويين، وسقطت الإمبراطورية العثمانية في أزمة بسبب مزيج من المجاعة والهروب والأمراض التي نشأت بسبب العنف واسع النطاق المرتبط بالمناخ غير المتوقع". ويضيف أن "تمرد الجلاليين (1590 إلى 1610 م) ، كان أكبر تحدٍ داخلي لسلطة الدولة خلال وجود الإمبراطورية، ويشير تحليل عينات الرواسب المائية في منطقة التجمع المائي للحوض المالح في خليج العقبة إلى أن كمية الأمطار في تلك الفترة كانت أكثر بـ3 أضعاف من المعدل الحالي للأمطار (31 مليمترا سنويا)، وهذا يعني أن منطقة التجمع المائي كانت تتعرض لمعدلات أمطار غزيرة جدا، وهذا ساهم في تشكيل الظروف المناخية الرطبة التي أثرت على حياة السكان وأدت إلى أزمات غذائية وكوارث طبيعية، كما أنه قبل 100 عام من هذا التمرد، كانت الأمطار أكثر غزارة بمقدار 5 أضعاف مقارنة بالحاضر، ما يشير إلى أن المنطقة شهدت تغيرات مناخية كبيرة خلال فترات زمنية قصيرة نسبيا، وهذا أدى إلى تأثيرات واسعة على النظم السياسية والاجتماعية في ذلك الوقت". وبناء على ذلك، يشير بوركيس إلى أن "النتيجة الأكثر أهمية من الدراسة هي أن المناخ يمكن أن يتغير بسرعة كبيرة، وهذا يعني أن الحكومات والمخططين البيئيين في المنطقة يجب أن يكونوا مستعدين لمواجهة ظروف مناخية جديدة غير مسبوقة في العصر الحديث، بما في ذلك الفيضانات العنيفة أو الفترات الرطبة التي قد تعود في المستقبل".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store