
الكهرباء تتغذّى على العقود التي أرساها فياض: ماذا قدّم جعجع والصدّي لزيادة ساعات التغذية؟
محمد وهبة -
سريعاً ستكتشف القوات اللبنانية أن تسطيح ملف الكهرباء وتحويله إلى أداة للتفوق الشعبوي، لا ينتج ساعات تغذية بالكهرباء أكثر، بل العكس، ولا يؤدي إلى معالجة الملف بل يزيد تعقيداته.
فما حصل بين رئيس القوات سمير جعجع وانضمّ إليه وزير الطاقة جو الصدي، للتهديف على وزير الطاقة السابق وليد فياض، واتهامه بأنه وقّع عقداً مع العراق وأنه أجبر الحكومة على الاستدانة في سبيل إنتاج الكهرباء، لم يكن في حينه إلا الوسيلة الوحيدة لرفع ساعات التغذية من صفر إلى 5 ساعات ثم 8 ساعات يومياً. أم أن القوات اللبنانية وجو الصدي يعتقدان أن الكهرباء ستوزّع مجاناً على عامة الشعب؟
فإذا كان الأمر كذلك، فليستعملا شعبويتهما لاستيراد الفيول والغاز أويل اللازمين لتشغيل المعامل بصفر كلفة، وليتنعّم الشعب بهذه الشعبوية.
كان لافتاً أن وزير الطاقة جو الصدّي يتعامل مع ملف بحجم ملف الكهرباء بهذه السطحية. بدا كأنه يبحث عن مخرج ما للورطة التي أوقعه فيها سمير جعجع عندما قال إن وزير الطاقة السابق رتّب ديناً على الخزينة بقيمة تتجاوز 1.5 مليار دولار.
الصدّي، الذي كان يعمل في شركة تصنّف «محترمة» في العالم، وتتمتع بمقدار لا بأس به من المصداقية، وهو الذي اعترض على تعيينات مجلس الإنماء والإعمار لأن فيها «إيد وإجر»، كان عليه ألا يغادر هذا المربع من أجل توزيع الاتهامات، وأبرزها على سلفه وليد فياض الذي لم يكن يكلّ ولا يملّ في سبيل تشغيل المعامل.
ففي الواقع، وفي عهد الصدّي، انخفضت التغذية بالتيار الكهربائي إلى أقلّ من 4 ساعات يومياً في بيروت الإدارية بعدما أوصلها فياض بشقّ الأنفس إلى ما بين 6 ساعات و8 ساعات يومياً.
والمعامل تعمل الآن، في عهد الصدّي والقوات، بواسطة الفيول الذي استورده فياض بعقود رسمية وبمناقصات عامة علنية لم يستطع أي طرف سياسي أن يلوّثها بشعبويته.
منها ما يموّل عبر رصيد مجمّع لدى مؤسسة كهرباء لبنان في حساباتها لدى مصرف لبنان، ومنها ما يموّل عبر الخزينة العامة بقرارات اتخذت في مجلس الوزراء وبعضها كان يحتاج إلى اعتمادات لم يقرّها مجلس النواب.
وهذا الأمر كان يحصل وسط رفض قاطع من مصرف لبنان على تمويل الدولة بالعملة الأجنبية، فكانت الدفعات المستحقة على الدولة تؤجّل من يوم إلى آخر، ما دفع العراق إلى وقف شحنات الفيول في بعض الأحيان.
قبل كل هذه الخطوات التي يستعملها جعجع والصدي لانتقاد فياض، كانت الآلية المتاحة أن يستورد لبنان الغاز من مصر عبر الخط العربي مروراً بسوريا، لتشغيل المعامل، وأن يستورد الكهرباء من الأردن عبر شبكة الربط السداسي التي كانت تمرّ أيضاً بسوريا. وكانت هذه العملية ستموّل بقرض من البنك الدولي فيما كانت العقوبات الأميركية على سوريا تمنع تحقيق ذلك، وقد اشترط البنك الدولي استصدار «استثناء» من وزارة الخزانة الأميركية.
لكن الاستثناء لم يصدر. وبما أن لبنان لم يكن لديه تمويل متاح من الخزينة، ثم جاء الرفض الأميركي بعد مماطلة استمرّت لسنتين، كانت معامل الكهرباء لدى مؤسّسة كهرباء لبنان شبه متوقفة عن الإنتاج. في هذا السياق، اتخذ قرار رفع تعرفة الكهرباء، واستفادت المؤسسة من الدولرة الشاملة التي فرضتها السلطة في لبنان بالتعاون الوثيق مع حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، من أجل دولرة التعرفة وجباية فواتير الكهرباء بالدولار أو بالليرة وفقاً لسعر صرف الدولار السوقي.
دواعي استعادة هذا الأمر ضرورية، لأن إدارة المدة الانتقالية في هذا الملف لم تكن أمراً سهلاً. ففي مطلع 2023 كان سعر الدولار قد بلغ 140 ألف ليرة، وكان لبنان قد استنفد مبلغ 20 مليار دولار من الدعم الذي وزّع يميناً ويساراً من مصرف لبنان وقوى السلطة، سواء على المصارف التي حصل الكبار منها على 8 مليارات دولار، أو على دعم السلع الذي بلغ 12 ملياراً.
ثم انتهت ولاية سلامة في المصرف المركزي، وحلّ محلّه النائب الأول وسيم منصوري الذي اشترط ألا يموّل الدولة بأي طريقة كانت، وألا يسمح لها بالإنفاق إلا بما خصّصت له اعتمادات في الموازنة.
وكان رصيد مؤسسة كهرباء لبنان، المفلسة أصلاً، بالكاد يساوي صفراً، فهل كان جعجع يتوقع أن تعمل المعامل ببلاش؟ أم أن الصدّي لديه رأي آخر؟
لو كان أي منهما «على قدّ الحمل» ولديهما بعض من الجرأة السياسية، لكانت سهام حملتهما الشعبوية بشأن الكهرباء وجّهت في اتجاه المجلس النيابي حيث يتمثّلان بعدد كبير من النواب، وسألا لماذا لم تصدر قوانين تخصّص الاعتمادات لتسديد ثمن الفيول في الموازنة العامة، ولو بشكل ملحق لها. وعليهما أن يسألا أيضاً عما هو مدفوع فعلياً للعراق من ثمن الاستيراد، من أصل ما هو مستحق فعلياً.
هذه كانت إدارة الأزمة التي قادها فياض. لا يبخّس من ثمن الرجل الذي كان يعمل ليل نهار من أجل تحسين عدد ساعات التغذية، ولا فرق أصلاً إذا دُفعت المبالغ من «جيبة» الخزينة أم من «جيبة» مؤسسة كهرباء لبنان، فكلتيهما مردهما «الدولة» التي عليها أن تقرّر أن تفرض الكلفة كلّها على المقيمين في لبنان أم نسبة منها.
كل نقاش بعكس ذلك لا معنى له. وسائر المسألة المتعلقة بالقوانين كانت أموراً قابلة للنقاش حين لم يكن الانهيار قد حصل، أما الآن بعد هذا الانفجار الهائل في سعر الصرف والتضخّم وتآكل المدخرات والأجور والأصول، فيسعى جعجع والصدي من خلفه إلى تحميل فياض تبعات إدارة مرحلة الأزمة، لأن مجلس النواب لم يقونن الإنفاق!
إذاً، كيف يتم تشغيل معامل الكهرباء بلا فيول؟ فليكشف الصدّي عن خطّته للقطاع، وما إذا كان ينوي بيعه بثمن بخس وتحميل الشعب كلفة إنتاج الكهرباء.
بخطّة كهذه ستكون الكلفة أكبر على المستهلك لأن التعرفة ستزيد لتمويل أرباح الشركات التي ستشتري. قد يكون لديه حلّ، وهو أن يعود إلى الخطوات التي اتبعها فياض وأن «يشدّ الهمّة» لتأمين استيراد الكهرباء من الأردن والغاز من مصر بأسعار أقلّ لتشغيل المعامل وزيادة ساعات التغذية.
بالمناسبة، كان يفترض بفياض أن يفتح ملف الهدر الأكبر في وزارة الطاقة وهو استيراد الفيول لمؤسسة كهرباء لبنان الذي كان يتم بواسطة شركة محسوبة على أكثر من طرف سياسي، ثم تملّكها أشخاص محسوبون على القوات.
استيراد الفيول طوال السنوات الماضية، والذي بلغ 24 مليار دولار، كان مفروضاً على الخزينة لتأمين النهب المحمي سياسياً، ولم يكن لفياض أي دور فيه.
في إمكان الصدّي أن «يشدّ ركابه» ويفتح الملف. يمكنه أيضاً أن يفتح ملف الاستثمار في ملف زيادة القدرة الإنتاجية للكهرباء الذي فشل طوال العقود الماضية.
يمكنه القيام بالكثير إذا أراد. لكن عليه أولاً أن يعرض خطّة للكهرباء بكل محاوره من إنتاج وتوزيع وجباية، أفضل من تلك التي عرضها جبران باسيل على مجلس الوزراء. على الأقلّ من سبقه حاولوا القيام بأمر ما واستنكروا فشلهم أو إفشالهم، ولكن لا يمكن للصدّي وجعجع أن يبدآ بتوجيه الاتهامات قبل المحاولة على الأقل.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

ليبانون ديبايت
منذ 40 دقائق
- ليبانون ديبايت
في حال توسعت الحرب...تداعيات خطيرة تنتظر لبنان!
في هذا الإطار يلفت الباحث الإقتصادي الدكتور محمود جباعي، في حديث لـ"ليبانون ديبايت"، إلى أن لبنان خرج حديثًا من حرب كبيرة ، استمرت 66 يومًا، بالإضافة جبهة الإسناد وأسفرت عن خسائر مادية جسيمة تُقدّر بحوالي 14 مليار دولار، بين أضرار مباشرة وغير مباشرة. وحتى اليوم، لا يزال ملف إعادة الإعمار غير واضح المعالم. في ظل هذا الواقع، فإن اندلاع حرب جديدة على الجبهة اللبنانية – الإسرائيلية، لا قدّر الله، سيكون له تداعيات اقتصادية ومالية كارثية على لبنان من جميع الجوانب. ويرجح أن دخول لبنان في مثل هذا الصراع يعني ضربة قاضية، إذ أن انخراطه في هذه الحرب الجديدة سيؤدي إلى مزيد من الانهيار الاقتصادي. وبالتالي، من الضروري أن يسعى لبنان بكل الوسائل إلى تجنب الانزلاق في هذه المواجهة، وأن يبقى خارج دائرة الصراع قدر الإمكان، لما لذلك من أهمية قصوى في ظل الواقع المالي والاقتصادي الهش. وينبّه الى أنه لا يلوح في الأفق، اليوم، أي أمل واضح لإعادة الإعمار، وسط استمرار التعقيدات في المشهدين السياسي والاقتصادي. ولبنان ما زال يعيش تحت وطأة الأزمة الاقتصادية التي تفاقمت بسبب حرب الإسناد الأخيرة، والتي انعكست بوضوح على الوضعين المالي والاقتصادي، وأدت إلى مزيد من التخبط والانهيار. وفي حال تطورت الحرب الإيرانية إلى نزاع إقليمي واسع، فيشير، إلى أنه سيكون لذلك تأثير اقتصادي مباشر على لبنان والمنطقة ككل، وأولى الانعكاسات المتوقعة هي ارتفاع أسعار النفط، حيث من المرجح أن ترتفع الأسعار لتتجاوز عتبة 100 دولار للبرميل إذا اتسعت رقعة الحرب. هذا الارتفاع سينعكس فورًا على أسعار المحروقات، مما سيؤدي بدوره إلى زيادة عامة في الأسعار قد تتراوح بين 10% و15%، وقد تصل حتى 20%، نتيجة ارتفاع كلفة النقل والطاقة. ويعتبر أن هذا الوضع سيكون بالغ الخطورة بالنسبة للبنان، خصوصًا في ظل التضخم القائم وواقع 'الاقتصاد النقدي' (الكاش إيكونومي) الذي يطغى على السوق اللبناني، ما سيؤدي إلى مزيد من الضغوط على الأسر والقطاعات الحيوية، قطاع المحروقات سيكون أول المتضررين، وسيتبعه ارتفاع في كلفة السلع والخدمات المستوردة، لا سيما في حال تأثرت خطوط الإمداد مثل مضيق هرمز، وهو أمر وارد في حال تصاعدت وتيرة الحرب. وينبّه إلى أن أي تصعيد سيقود حتماً إلى ردود فعل تلقائية مثل التخزين والاحتكار، ما قد يفاقم الأزمة داخليًا، ومن هنا، على لبنان أن يتعامل بحذر بالغ، وأن يتخذ موقفًا واضحًا وموحدًا عبر مؤسسات الدولة بأن لا علاقة له بهذه الحرب، لا سياسيًا ولا عسكريًا، وأنه ملتزم الحياد التام. ويؤكد أن هذا الموقف يجب أن يُترجم عمليًا بتنسيق كامل بين رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، لتأكيد أن لبنان لا يمكنه تحمل تبعات الدخول في أي نزاع، وأنه غير معني بهذه الحرب لا من قريب ولا من بعيد، حرصًا على أمنه واقتصاده واستقراره. وفي ظل التوتر الإقليمي القائم، يرى الدكتور جباعي أن فرص الاستثمار في المنطقة ستتقلّص إلى حدّ كبير، فليس هناك من سيخاطر بضخ استثمارات في ظل حرب مفتوحة، لذلك، يأمل أن تنتهي هذه الحرب بأسرع وقت ممكن، وأن يعمّ السلام والاستقرار، لأن المنطقة بأكملها لم تعد تحتمل المزيد من الحروب والكوارث، وهو ما ستكون له انعكاسات سلبية شاملة، اقتصادية واجتماعية، على جميع دول المنطقة، وخاصة لبنان. وعلى صعيد لبنان فلا يخفي سراً أنه يعاني أصلًا من أزمة مالية واقتصادية عميقة، ويسعى جاهدًا للخروج منها بمختلف الوسائل، وأي تصعيد إضافي سيقوّض هذا السعي، إذ سيتأثر الوضع المعيشي وفرص العمل بشكل كبير، حتى لو بقي لبنان بعيدًا عن المواجهة العسكرية المباشرة، إلا أن الاقتصاد اللبناني سيُصاب في العمق، خصوصًا أن أكثر من 85% من استهلاك لبنان معتمد على الاستيراد، ومع توسع الحرب سيزداد تأثره بسلاسل التوريد، لا سيما تلك القادمة عبر البحر المتوسط. ويخلص الدكتور جباعي إلى أن الانعكاسات ستطاول حياة المواطنين بشكل مباشر، من خلال التضخم وارتفاع الكلفة، وتأثر المؤسسات وفرص العمل، لذلك، ما يمكن أن يقوم به لبنان الآن هو اتخاذ كل الإجراءات الممكنة للنأي بنفسه عن هذه الحرب، مع الأمل والدعاء بأن لا تتوسّع رقعتها، ولا تطال لبنان على أي صعيد، لا أمنيًا ولا عسكريًا ولا اقتصاديًا.


صوت بيروت
منذ ساعة واحدة
- صوت بيروت
الرئيس عون التقى وفداً من البنك الدولي.. وهذا أبرز ما تم بحثه!
ناقش رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون مع نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عثمان ديون والمدير الإقليمي للبنك الدولي جان-كريستوف كاريه، المشاريع التي سبق أن وافق عليها مجلس إدارة البنك الدولي، والتي لا تزال في انتظار إقرارها في مجلس النواب. وقد تم خلال اللقاء التشديد على أهمية الإسراع في تنفيذ الإصلاحات المرتبطة بالقطاع المصرفي، نظرًا لأثرها المباشر في تهيئة الظروف الملائمة لموافقة مجلس إدارة البنك الدولي على قرض إعادة الإعمار. نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عثمان ديون، والمدير الإقليمي للبنك الدولي جان-كريستوف كاريه، ناقشا مع الرئيس عون المشاريع التي سبق أن وافق عليها مجلس إدارة البنك الدولي، والتي لا تزال بانتظار إقرارها في مجلس النواب. وقد جرى خلال اللقاء التشديد على أهمية… — Lebanese Presidency (@LBpresidency) June 16, 2025


صدى البلد
منذ ساعة واحدة
- صدى البلد
مصر السابعة عالميا بين الدول المستقبلة لتحويلات العاملين بالخارج في 2024
أصـــــدر الجهـــــاز المركــــزي للتعبئة العامة والإحصاء اليوم الاثنين الموافق 16 / 6/ 2025 بياناً صحفياً عن اليوم العالمي "للتحويلات المالية العائلية 2025" والذى اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في الدورة الثانية والسبعون عام 2018؛ بحيث يحتفل في 16 يونيو من كل عام بجهود المهاجرين ممن تركوا أوطانهم سعيا لتحسين مستوى معيشة أسرهم، وإتاحة فرص مستقبلية أمام أطفالهم واوطانهم، خاصة وان نصف تلك التحويلات المالية تذهب إلى المناطق الريفية التي يتركز فيها الفقر والجوع، ويعتمد سكانها على التحويلات المالية. ويركز موضوع احتفالية هذا العام على إبراز كيفية مساهمة التحويلات المالية في تمويل التنمية، وتعظيم أثرها على المرونة الاقتصادية للأسر المعيشية وقدرتها على الصمود في وجه تغير المناخ، بالإضافة إلى التنمية المحلية المستدامة. ويمكن ايجاز الرسائل الأساسية للاحتفالية فى ستة محاور رئيسية هى :تعزيز الشمول الرقمي والمالي لأسر المهاجرين، تحسين البنية التحتية المالية الرقمية، خفض تكاليف التحويلات إلى أقل من 3% بحلول 2030 من خلال التقنيات الرقمية والمنافسة، تعزيز اتساق السياسات الحكومية لدمج مساهمات المهاجرين في خطط التنمية، تسهيل استثمار المهاجرين الآمن في بلدانهم، وأخيرًا، دعم التحويلات المالية كعامل محفز للصمود في مواجهة تغير المناخ، وفيما يلى عرضاً لأهم المعلومات والمؤشرات عن هذا الموضوع : اولاً: تعريف التحويلات المالية وأهميتها تعرف التحويلات المالية في ابسط معانيها بانها قيام الفرد المسافر الى بلد ما بإرسال تحويلات قد تتخذ شكل نقود أو سلع عبر قنوات مالية ( بنوك ، مكاتب صرافة ، بريد ) وتساهم تلك التحويلات في إعالة أسرهم وتلبية احتياجاتهم في بلدانهم الاصلية . وتعد التحويلات المالية شريان حياة حيوي بالنسبة لدول العالم؛ فهناك أكثر من مليار شخص يتأثرون سنوياً بشكل مباشر بالتحويلات المالية، إما كمرسلين أو كمتلقين. و75% من تدفقات التحويلات السنوية تلبي الاحتياجات الأساسية للمستفيدين من الغذاء، والصحة، والتعليم والإسكان والصرف الصحي، أما النسبة المتبقية البالغة 25% فهي إما مدّخرة، أو مستثمرة، أو مستخدمة لإنشاء أعمال تجارية. ثانياً: أهم المؤشرات المتعلقة بالتحويلات عالمياً يشير تقرير الهجرة الدولية لعام 2024 إلى أن عدد المهاجريين الدوليين حول العالم بلغ 281 مليون مهاجر(يمثل نسبة 3,6% من إجمالي سكان العالم الذي يبلغ تقريبا 8 مليار نسمة ، وهو ما يمثل تقريبا مهاجر واحد من كل ثلاثون فرد على مستوى العالم) . يشير التقرير إلى ارتفاع التحويلات المالية الدولية من 128 مليار دولار عام 2000 إلى 831 مليار دولار عام 2024. وعلى مدار العقد الماضي أرسل المهاجرون 5 تريليونات دولار أمريكي من التحويلات المالية إلى البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، متجاوزين بذلك المساعدات الإنمائية الرسمية ومساوين للاستثمار الأجنبي المباشر، ووصل أكثر من ثلث هذه الأموال إلى المناطق الريفية، وبحلول عام 2030، من المتوقع أن تتدفق تحويلات مالية إضافية بقيمة 4,4 تريليون دولار أمريكي إلى البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. ثالثاً: ترتيب مصر بين الدول الاكثر استقبالا للتحويلات طبقاً لبيانات البنك الدولي لعام 2024 تحتل مصر المركز السابع بـ (22,7 مليار دولار) عالميا من حيث حجم التحويلات المالية المرسلة لها من الخارج بعد كل من الهند (129,1 مليار دولار)، والمكسيك (68,2 مليار دولار)، والصين (48 مليار دولار)، والفلبين (40,2 مليار دولار)، و باكستان (33,2 مليار دولار)، ثم بنجلادش (26,6 مليار دولار). رابعاً: التحويلات المالية في سياق أهداف التنمية المستدامة 2030 (تكلفة ارسال 200 دولار في العالم طبقاً لاهم قنوات الارسال.) • تستهدف اهداف التنمية المستدامة – الغاية (10 - ج) خفض تكلفة تحويلات المهاجرين الى اقل من 3% لكل معاملة وإلغاء تكلفة قنوات التحويلات المالية التي تزيد عن 5% بحلول عام 2030. • وفقا لقاعدة بيانات أسعار التحويلات المالية العالمية التابعة للبنك الدولي، بلغ متوسط التكلفة العالمية لإرسال 200 دولار أمريكي 6,4% في الربع الرابع من عام 2023، بزيادة طفيفة عن 6,2% في العام السابق 2022. • تشير بيانات البنك الدولي في موجز التنمية والهجرة لعام 2024 الى أن البنوك لا تزال تُعدّ القناة الأكثر تكلفةً لإرسال التحويلات المالية بمتوسط تكلفة بلغ 12% خلال الربع الرابع من عام 2023، وبلغ متوسط تكلفة مكاتب البريد 7,7%، ومكاتب تحويل الأموال 5,5%، وجاءت التحويلات من خلال الهاتف المحمول 4,4% في المرتبة الأخيرة، وعلى الرغم ان خدمات الهاتف المحمول هي الأقل تكلفةً بين مُقدّمي الخدمات، إلا أنها تُمثّل أقل من 1% من إجمالي حجم المعاملات. خامساً: تطور تحويلات المصريين بالخارج خلال الفترة ( 2019/ 2020) - (2023 / 2024) طبقا لبيانات البنك المركزي المصري شهدت حجم تحويلات المصريين بالخارج تطورا ملحوظاً خلال اخر 5 سنوات؛ حيث شهدت نموًا ملحوظًا من 27,8 مليار دولار في( 2019/2020) إلى 31,9 مليار دولار في (2021/2022) مدفوعة بتداعيات جائحة كورونا والأزمة الروسية الأوكرانية التي دفعت الكثيرين لتحويل مدخراتهم لبلادهم، ومع ذلك انخفضت التحويلات لاحقًا إلى 22,1 مليار دولار في (2022/2023 ) و21,9 مليار دولار في (2023/2024) ويرجع هذا الانخفاض إلى عدة عوامل تشمل تسريح العمالة بعد كورونا، وجود السوق الموازية للعملة، ارتفاع معدلات التضخم عالميًا، وتباطؤ النمو في دول مجلس التعاون الخليجي. سادساً: حجم تحويلات المصريين المهاجرين بالخارج خلال الربع الأول لعامى 2024 ، 2025 • طبقا لبيانات البنك المركزي المصري؛ شهد الربع الأول من عام 2025 ارتفاع ملحوظ في تحويلات المصريين العاملين بالخارج، حيث قفزت بنسبة 84,4% لتصل إلى 8,33 مليار دولار أمريكي، مقارنة بـ 4,52 مليار دولار أمريكي في الربع الأول من عام 2024، مما يمثل زيادة كبيرة في حجم تدفقات النقد الأجنبي إلى البلاد ويمكن ارجاع ذلك الى الإصلاحات المتعلقة بتوحيد سعر الصرف والتي بدأت في مارس 2024. سابعاً: اهم مبادرات الدولة المصرية لزيادة حجم التحويلات المالية للمهاجرين المصريين بالخارج. 1- إطلاق البنك المركزي مشروعًا لرقمنه تحويلات العاملين بالخارج لتسهيلها، وتسريعها، وخفض تكاليفها، وتوفير منتجات مصرفية آمنة وشفافة للمستفيدين، مع التركيز على السيدات وتقديم حوافز لهن للادخار. 2- إبرام البنك المركزي المصري عدة اتفاقيات مع بنوك وشركات صرافة خليجية، وتحضير للمرحلة الثانية من المشروع (رقمنه تحويلات العاملين بالخارج) بمشاركة 12 بنكًا. 3- إنشاء شركة مخصصة لتعزيز مساهمات المصريين المقيمين بالخارج (شركة تنمية الريف المصري الجديد) تنفيذا للتوصية الصادرة عن مؤتمر الكيانات المصرية بالخارج 2022. 4- توقيع بروتوكول تعاون بين وزارة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج ووزارة الاتصالات بتاريخ 7 ديسمبر 2022 لتطوير أول تطبيق إلكتروني يجمع كافة المحفزات الاستثمارية والخدمات الرقمية للمصريين بالخارج. 5- استمرار طرح وحدات سكنية وأراضي للمصريين بالخارج بشكل دائم عبر المواقع الإلكترونية لوزارة الإسكان وهيئة المجتمعات العمرانية.