
د. حمد الكساسبة : الإدارة الاقتصادية الذكية: فرصة الأردن لتجاوز التحديات البنيوية
أخبارنا :
لقد واجه الأردن عبر العقود الماضية تحديات اقتصادية بنيوية معقدة، تجلّت في ارتفاع المديونية العامة، واتساع العجز المالي، وتباطؤ النمو في القطاعات الإنتاجية. وقد جاءت هذه التحديات في سياق إقليمي وجيوسياسي مضطرب، فرض قيودًا إضافية على قدرة الدولة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي المنشود. ورغم ما بذلته الحكومات المتعاقبة من جهود إصلاحية مشهودة ضمن ما توفر من أدوات وإمكانات، إلا أن تسارع التحولات العالمية واتساع الفجوة الرقمية أظهر الحاجة الملحّة إلى تبنّي إدارة اقتصادية أكثر تطورًا، تستند إلى التقنيات الحديثة والحوكمة الذكية في توظيف الموارد وتحقيق التنمية المستدامة. ويبدو أ ن الانتقال إلى هذه المرحلة بات ضرورة لا خيارًا، إذا ما أراد الأردن تعزيز مناعته الاقتصادية وتوسيع قاعدة إنتاجه.
وتمثل الحوكمة الذكية تحولًا جوهريًا في الفكر الإداري والاقتصادي، فهي لا تقتصر على رقمنة الإجراءات، بل تقوم على توظيف البيانات الدقيقة في اتخاذ القرار، وتحقيق كفاءة أعلى في تخصيص الموارد العامة، وتعزيز الشفافية، وتسريع تقديم الخدمات.
مما ينعكس بشكل مباشر على المواطن من خلال خدمات أسرع وأكثر دقة، وعلى القطاع الخاص عبر بيئة أعمال أكثر مرونة واستقرارًا. وفي ظل التحديات المالية والهيكلية التي تواجهها الدولة، أصبحت هذه المقاربة ضرورة وطنية تفرضها طبيعة المرحلة، وليست خيارًا إضافيًا.
كما أن الحوكمة الذكية تتجاوز حدود الرقمنة إلى إحداث تغيير جوهري في نمط التفكير الإداري والاقتصادي. فهي تقوم على اتخاذ قرارات مبنية على البيانات، وتحسين كفاءة الإنفاق، وتقليص الهدر، وتسريع تقديم الخدمات، وتعزيز الشفافية. بحيث يلمس المواطن هذا التحول من خلال خدمات حكومية أسرع وأكثر دقة، بينما يستفيد القطاع الخاص من بيئة تنظيمية أكثر مرونة واستقرارًا. وهذا التوجه لم يعد ترفًا، بل أصبح ضرورة وطنية في ظل التحديات المتزايدة والموارد المحدودة.
بدأ الأردن بالفعل في اتخاذ بعض الخطوات نحو التحول الرقمي، مثل إطلاق بوابة الخدمات الإلكترونية، ودعم ريادة الأعمال الرقمية، وتوسيع برامج التحول في المؤسسات الحكومية. ورغم أهمية هذه المبادرات، إلا أنها ما زالت متفرقة وتحتاج إلى خطة وطنية شاملة. المطلوب اليوم هو بناء نهج موحّد يشمل تحديث القوانين، وربط البيانات بين الجهات الحكومية، وتأهيل الكوادر للعمل في بيئة ذكية ومترابطة.
تؤكد تجارب دولية رائدة أن الانتقال إلى الحوكمة الذكية ليس فقط ممكنًا، بل مثمرًا على أرض الواقع. ففي إستونيا، تُدار معظم الخدمات الحكومية رقميًا بكفاءة عالية. وفي كوريا الجنوبية، تم دمج الذكاء الاصطناعي في قطاعي التعليم والصحة، مما ساهم في تحسين الجودة وسرعة الاستجابة. أما هولندا، فقد استفادت من الزراعة الذكية لزيادة الإنتاج وخفض التكاليف، بينما نجحت دبي في تحويل الإدارة الحكومية إلى نموذج رقمي متكامل يعزز الأداء ويقلل الهدر. وتُظهر هذه النماذج أن تبني التكنولوجيا في القطاعات الحيوية يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا إذا ما تم توظيفها وفق رؤية واضحة وملائمة للبيئة المحلية.
وبالنظر إلى واقع الأردن وإمكاناته الحالية، فإن تبنّي نماذج ذكية في إدارة بعض القطاعات الحيوية لا يبدو بعيد المنال، بل ممكنًا ضمن خطة مدروسة ومرحلية. يمكن البدء برقمنة إجراءات الجمارك والضرائب لتقليل الهدر وزيادة الكفاءة، وتطبيق أدوات ذكية في الزراعة لتعزيز الإنتاج وتقليل الكلفة، فضلًا عن تطوير السياحة من خلال نظم رقمية ذكية. كما يمكن تحسين جودة الخدمات الصحية والتعليمية عبر منصات إلكترونية متقدمة تسهّل الوصول وترفع مستوى الخدمة. مثل هذه الخطوات، إذا نُفّذت بشكل متكامل، ستسهم في زيادة الإيرادات، ورفع كفاءة الأداء الحكومي، وتعزيز ثقة المواطن.
ومثل أي تحوّل استراتيجي، فإن الانتقال نحو الحوكمة الذكية لا يخلو من تحديات. من أبرزها الكلفة الابتدائية لتطوير البنية
الرقمية، والحاجة إلى تدريب الكوادر وتأهيلها، إضافة إلى مقاومة التغيير داخل بعض المؤسسات. إلا أن هذه العقبات ليست مستعصية، بل يمكن تجاوزها من خلال تخطيط سليم، وإرادة سياسية واضحة، وشراكة جادة بين القطاعين العام والخاص. بل إن نجاح التجربة يعتمد في جزء كبير منه على قدرة الدولة على إدارة هذا التحول بطريقة تشاركية تبني الثقة وتحقق الأثر الملموس.
ويتطلب التحول نحو الإدارة الذكية مسارًا تدريجيًا واضحًا، يبدأ بمراجعة الإطار التشريعي والتنظيمي، ويمر بربط الأنظمة الرقمية بين المؤسسات الحكومية، ثم تنفيذ مشاريع تجريبية في قطاعات حيوية مثل الجمارك، والصحة، والزراعة. ويمكن إنجاز هذا التحول خلال فترة زمنية تتراوح بين خمس إلى سبع سنوات، شرط توفر الإرادة السياسية، والتنسيق الفعّال بين القطاعين العام والخاص، لضمان تنفيذ مستدام وواسع الأثر.
ومن المهم التأكيد أن تبني الإدارة الذكية لا يعني التخلي عن الخطط والاستراتيجيات الوطنية القائمة، بل هو وسيلة لتفعيلها وتسريع إنجازها على أسس أكثر دقة وشفافية. فالتحول الذكي ليس بديلا عن الرؤى الوطنية، وإنما أداة تنفيذ حديثة تعزز فعالية السياسات العامة، وتربط الخطط بالأداء الفعلي. ورغم أن هذا التحول يتطلب كلفة تأسيسية أولية تشمل البنية الرقمية والتأهيل البشري، إلا أن العائد الاقتصادي منه يتجلى بوضوح على المدى المتوسط والطويل، من خلال تقليص الهدر وزيادة الكفاءة وتحسين جودة الخدمات. بل إن أثره على المتغيرات الاقتصادية الكلية قد يكون جوهريًا، إذ يسهم في رفع معدلات النمو، وتقليص العجز المالي، وتحسين بيئة الاستثمار، وتعزيز الثقة بين المواطن والدولة. وهو بذلك لا يمثل ترفًا إداريًا، بل خيارًا عقلانيًا في مرحلة لم تعد تسمح بالأساليب التقليدية.
وفي الختام، فإن مستقبل الاقتصاد الأردني لن يُبنى بالاعتماد على الأدوات السابقة ذاتها، بل من خلال قفزة نوعية نحو إدارة ذكية تستثمر ما تراكم من خبرات، وتوظف ما هو متا ح من أدوات رقمية ومهارات وطنية. هذا التحول ليس ترفًا إداريًا، بل ضرورة وطنية تمليها تعقيدات المرحلة وتطلعات الأجيال القادمة. ومع توفر الإرادة، وتكاتف الجهود بين القطاعين العام والخاص، يمكن للأردن أن يعيد صياغة نموذجه الاقتصادي ليصبح أكثر مرونة، وكفاءة، واستدامة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جو 24
منذ 26 دقائق
- جو 24
"الأمم المتحدة" تعتمد القرار الاسباني بشأن غزة وحماس ترحب.. فماذا تضمن؟ #عاجل
جو 24 : صوّتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأكثرية 149 صوتاً لمصلحة القرار الإسباني بشأن وقف إطلاق النار في غزّة في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي الذي خلّف عشرات آلاف الشهداء والجرحى. واعترضت (12) دولة على مشروع القرار، فيما امتنعت 19 دولة عن التصويت. وأكد السفير الإسباني لدى الأمم المتحدة، هيكتور غوميز هرنانديس، أنّ المشروع يستجيب للحاجة الملحة لحماية السكان المدنيين، وضمان إيصال المساعدات دون عوائق، واحترام القانون الدولي الإنساني. وشدد هرنانديس على "ضرورة العمل الدولي الجماعي لتمهيد الطريق نحو حل الدولتين، وإنهاء الاحتلال، وتحقيق سلام عادل وشامل"، وفق تعبيره. ويأتي هذا التصويت بعد أن استخدمت الولايات المتحدة، الأسبوع الماضي، حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار مشابه في مجلس الأمن، بدعوى أنّه "يعرقل جهود الوساطة" التي تقودها واشنطن. وقد صوتت 14 دولة في المجلس لصالح مشروع القرار الذي تضمن المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار وضمان دخول المساعدات دون عوائق. وبينما امتنعت الهند عن التصويت، عارضت الولايات المتحدة، و"إسرائيل"، والأرجنتين، وعدد من دول جزر المحيط الهادئ القرار. وأكّد القرار على إبقاء الجمعية العامة في حالة انعقاد دائم ضمن دورتها الاستثنائية الطارئة العاشرة، ما يتيح لها العودة للانعقاد في أي لحظة لمتابعة التطورات الميدانية واتخاذ خطوات إضافية في حال استمرت الانتهاكات. وفي حين أن قرارات الجمعية العامة غير ملزمة قانونياً، فإنّها تعكس المزاج الدولي العام. ماذا تضمن القرار الإسباني بشأن غزة؟ وضمّ القرار الذي جرى التصويت عليه في الجمعية العامة مجموعة من البنود، أبرزها: مطالبة "إسرائيل" بإنهاء الحصار وفتح المعابر وضمان وصول المساعدات ورفض المنع غير القانوني لها. وإدانة استخدام التجويع سلاحاً والحرمان غير المشروع من المساعدات، أيضاً، طالب بانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من غزة. كذلك، تضمن المطالبة بوقف إطلاق نار فوري غير مشروط ودائم تلتزم به جميع الأطراف، وضرورة المساءلة لضمان احترام "إسرائيل" التزاماتها بموجب القانون. كما يدعو للإفراج عن جميع الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة، وإعادة الأسرى الفلسطينيين المعتقلين لدى الاحتلال الإسرائيلي. وعلى الرغم من الدعم الدولي الواسع لهذا النص، إلا أن "إسرائيل" عبرت عن رفضها الشديد، إذ وصف مندوبها لدى الأمم المتحدة، داني دانون، مشروع القرار بأنه "نص معيب ومجحف للغاية"، متهماً مقدّميه بـ "الكذب والافتراء"، ومحذّراً من أنه يقوّض مفاوضات إطلاق الأسرى. ضغوط أميركية.. ومطالبات سابقة تجاهلتها "إسرائيل" في موقف متماهٍ مع الموقف الإسرائيلي، حثّت الولايات المتحدة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على عدم التصويت لصالح القرار أو عدم المشاركة في الجلسة، بحسب مذكرة اطّلعت عليها وكالة "رويترز". وورد في المذكرة الأميركية أنّ الدول التي "تتخذ مواقف معادية لإسرائيل عقب مؤتمر الأمم المتحدة المقبل، قد تُعدّ مخالفة لمصالح السياسة الخارجية الأميركية، وتواجه عواقب دبلوماسية". ويأتي تصويت الجمعية العامة قُبيل انعقاد مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة الأسبوع المقبل، يهدف إلى إعطاء دفعة للجهود الدولية تجاه حلّ الدولتين بين الفلسطينيين و"إسرائيل"، وهي المبادرة التي لا تزال تُواجه عراقيل أميركية وإسرائيلية. وعلى الرغم من اعتماد الجمعية العامة في مرات سابقة قرارات تدعو إلى وقف القتال، فإنّ هذه الدعوات قُوبلت بالتجاهل من قبل سلطات الاحتلال. ففي تشرين الأول/أكتوبر 2023، دعت الجمعية إلى "هدنة إنسانية فورية" في غزة، بدعم 120 دولة. وبعدها، في كانون الأول/ديسمبر، صوّتت 153 دولة للمطالبة بوقف إنساني لإطلاق النار، بينما ارتفع العدد إلى 158 دولة في تصويت لاحق خلال الشهر ذاته، ومع ذلك لم يتوقف العدوان الإسرائيلي على القطاع. حماس ترحّب ورحّبت حركة المقاومة الإسلامية "حماس' باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة، اليوم، وبأغلبية ساحقة، قرارًا يدعو إلى وقفٍ فوري ودائم وغير مشروط لإطلاق النار في قطاع غزة، وفتح الممرات الإنسانية، وضمان إيصال المساعدات، وإدانة استخدام التجويع سلاحًا. وقالت الحركة في تصريح صحفي إنّ هذا التصويت الكاسح يُمثّل انتصارًا سياسياً وأخلاقياً لشعبنا الصامد، ودليلًا على فشل الاحتلال الصهيوني والإدارة الأمريكية في فرض روايتهما الزائفة، كما يكشف سقوط مزاعم "الدفاع عن النفس' أمام حجم المجازر وجرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها العدو في غزة. واعتبرت الحركة هذا التصويت ردًّا حاسمًا على موقف الإدارة الأمريكية التي استخدمت حق النقض (الفيتو) قبل أيام في مجلس الأمن، وعلى محاولاتها خلال انعقاد الجمعية العامة الضغط لإدانة "حماس' والمقاومة الفلسطينية، وتأكيدًا على رفض العالم للنهج الأمريكي المنحاز الذي يشرعن القتل والتجويع، ويُغطي جرائم الحرب الصهيونية. وأشارت الحركة إلى أن الموقف الأمريكي بدا بائسًا ومعزولًا أمام الإرادة الدولية الحرة، التي اختارت الوقوف إلى جانب الحق الفلسطيني، ورفض الحرب والمجازر وسياسات التجويع الجماعي. ودعت حماس الأمم المتحدة إلى تحويل هذا القرار إلى خطوات عملية مُلزمة لوقف العدوان فورًا، ورفع الحصار الظالم، ومحاسبة قادة الاحتلال على جرائمهم، وإنقاذ المدنيين في غزة الذين يواجهون خطر المجاعة والموت في كل لحظة. (الميادين + الاردن24) تابعو الأردن 24 على

سرايا الإخبارية
منذ 28 دقائق
- سرايا الإخبارية
أسرة جامعة الزيتونة الأردنية تتبادل التهاني بمناسبة عيد الأضحى المبارك
سرايا - تبادلت أسرة جامعة الزيتونة الأردنية التهاني والتبريكات بمناسبة عيد الأضحى المبارك، خلال لقاء أُقيم في حرم الجامعة، بحضور رئيس الجامعة الأستاذ الدكتور محمد المجالي وعمداء الكليات وأعضاء الهيئتين التدريسية والإدارية. وهنّأ الأستاذ الدكتور المجالي أسرة الجامعة بهذه المناسبة العطرة، معرباً عن أصدق أمنياته لجميع العاملين بدوام الصحة والعافية، وأن يعيد الله تعالى هذه المناسبة المباركة على الأمتين العربية والإسلامية بالخير واليُمن والبركات. وشهد اللقاء أجواءً ودّية سادها التقدير والمحبة، عكست روح الانتماء التي تتميز بها جامعة الزيتونة الأردنية، في ظل سعيها الدائم إلى ترسيخ بيئة عمل إيجابية قائمة على الاحترام المتبادل، والتقدير لجهود العاملين في دعم العملية التعليمية والبحثية.

الغد
منذ 37 دقائق
- الغد
رضا موسى عودة
بسم اللّهِ الرحمن الرَّحيم يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي انتقل الى رحمة الله تعالى فقيد ال عودة رضا موسى عودة ( أبو أنور ) وسيتم تشييع جثمانه اليوم الجمعة الموافق 13-6-2025 بعد صلاة الظهر من مسجد الجامعة الأردنية الى مقبرة شفا بدران تقبل التعازي في منزله في خلدا قرب دوار روضة ومدارس المعارف يوم الجمعه لمدة ثلاث ايام من بعد صلاة العصر الى العشاء إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعون قد يكون تحديد الموقع لاقرب نقطة وصول فقط ، وذلك بحسب معطيات خرائط جوجل ولا علاقة للتطبيق بهذا الامر اضافة اعلان