«توظيفُ التاريخ.. والجهلُ به»
(..)
المكان: مقهى في نيويورك.
الزمان: مساء يوم 11 أيلول/سبتمبر 2001.
الحضور: مواطنان أميركيان.
الأول: ‹›ما جرى شبيه ببيرل هاربر››. (والمقصود هنا ذلك الهجوم الانتحاري الذي شنه اليابانيون على القاعدة الأميركية في جزيرة بيرل هاربر، الواقعة في المحيط الهادي، في الحرب العالمية الثانية، والذي استخدمت بعده الولايات المتحدة القنابل الذرية، في قصف مدينتي هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين).
الثاني: ‹›ما هو بيرل هاربر؟››
الأول: ‹›هذا يدل على إلقاء الفيتناميين لقنابل في أحد المرافئ، لتبدأ بعدها حرب فيتنام››..!
بهذا الحوار الغريب، والفاضح في آن معا، تحاول الكاتبة الإنجليزية مرغريت مكميلان نقل خطورة ‹›استخدام التاريخ››، من قبل الساسة، وما يترتب على ذلك من أخطار في تشويه طبيعة الماضي، في أذهان الناس العاديين، الذين يعانون من جهل كبير بأحداثه.
المؤرخة البريطانية مكميلان، وصاحبة الكتاب الشهير ‹›باريس 1919››، وفي كتابها ‹›ألعاب خطيرة››، تلفت الانتباه إلى مفارقة مهمة. وهي أنه عندما بدأ ‹›التاريخ›› يحظى بمكانة أكبر وأهم، في الحوارات والنقاشات العامة، فإن المؤرخين المحترفين تخلّوا أو تراجعوا كثيرا عن دورهم، مُفسحين المجال، بهذا التخلّي، للهواة من كتبة التاريخ. ما أتاح الفرصة لـ››خفة›› لافتة في التعامل مع التاريخ، مكّنت العديد من القادة والسياسيين والحكومات من استخدام التاريخ لصالحهم، بلي عنقه أو اختراعه على هواهم، وبما يناسب مصالحهم الحالية. وهكذا، اكتظّت رفوف المكتبات بعدد ضخم من كتب السيرة الذاتية، في ‹›عالم يعيش حالة بحث دائمة عن أبطال››..!
الوجه الآخر للجهل بالتاريخ هو إمكانية ايجاد الحجج والبراهين، التي تخدم بعض السياسات. فالمواطنون العاديون، وخصوصا في الولايات المتحدة، لا يفهمون ‹›سياق الأمن الحاضر››، ولا يملكون سوى معلومات سطحية وضحلة عن الماضي، ولهذا فإنهم يصدقون بسهولة قصص أولئك الذين يزعمون أنهم عارفون بالتاريخ ودروسه.
والمسافة بين ‹›الاحتراف›› وبين ‹›الهواية››، في التعامل مع التاريخ، لا تحدّدها شهادة جامعية في ‹›التاريخ››. ذلك أن التعامل مع التاريخ يشمل: كتابته وروايته وتعليمه، ورؤيته وقراءته، والاستفادة منه، وتوظيفه، وصناعته، وتحصينه من المحاولات الدائمة لتشويهه.. وهو ما يشكل في المحصلة العنصر الأهم في صناعة ‹›الثقافة العامة›› للشعب أو للأمة.
وبحسب ‹›الألعاب الخطيرة›› لمكميلان، فإن التاريخ يساعدنا على فهم ‹›الذين ينبغي علينا التعامل معهم››، وكذلك يساعدنا على ‹›فهم أنفسنا››. فلو تم فهم ‹›الفرق بين أمة تشن حربا، وبين مجموعة تمارس الإرهاب››، لكان من الصعب قبول حجج الإدارة الأميركية، التي ساقتها لبدء الـ ‹›حرب ضد الإرهاب››، ولغزوها للعراق وغيره. وذلك لأن ‹›الحروب تشن ضد الأعداء، وليس ضد الأفكار››.
ومن مخاطر جهل المسؤولين بالتاريخ، كما حدث أكثر من مرة مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة، هو حدوث ‹›تشويه للتاريخ››، سواء بطريقة إرادية، أو بسبب غياب المعرفة. الأمر الذي يوفر الفرصة لاستخدام التاريخ كسلاح، من أجل ‹›تصنيف الخصوم أو التقليل من شأنهم››، وهو ما يعني تشويه التاريخ والعمل على المتاجرة به، وبيعه للسياسيين..!
ولعلّ أفدح الأمثلة الراهنة، ما شهدناه وسمعناه على لسان رئيس الإدارة الأمريكية الحالية من مشاريع حول غزة وتحويلها إلى ريفيرا، متعددة الجنسيات، وخالية من سكانها، بإدارة أمريكية، بكل ما في ذلك من جهل واستهتار بتاريخ الشعوب والأمم وتجاربها..!

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الوكيل
منذ 3 ساعات
- الوكيل
الاتحاد الأوروبي يلغي الرسوم الجمركية على السلع الصناعية...
الوكيل الإخباري- سيلغي الاتحاد الأوروبي الرسوم الجمركية على جميع السلع الصناعية الأمريكية، بحسب بيان مشترك صدر عن بروكسل وواشنطن بشأن الاتفاقية الإطارية "حول التجارة المتبادلة والعادلة والمتوازنة". وجاء في بيان مشترك صادر عن الجانبين: "يعتزم الاتحاد الأوروبي إلغاء التعريفات الجمركية على جميع السلع الصناعية الأمريكية، إلى جانب منح وصول تفضيلي للأسواق الأوروبية لمجموعة واسعة من المنتجات البحرية والزراعية الأمريكية. اضافة اعلان التزامات أوروبية: • شراء غاز طبيعي مسال ونفط ومنتجات طاقة نووية من الولايات المتحدة بقيمة 750 مليار دولار بحلول عام 2028. • زيادة كبيرة في مشتريات المعدات العسكرية والدفاعية الأمريكية. • استثمار 40 مليار دولار على الأقل في شراء رقائق الذكاء الاصطناعي الأمريكية لمراكز البيانات. من جانبها، وافقت الولايات المتحدة على تطبيق رسوم الدولة الأكثر رعاية على بعض السلع من الاتحاد الأوروبي. ينطبق هذا على الموارد الطبيعية غير المتجددة، والطائرات وقطع غيارها، والأدوية الجنيسة ومكوناتها، والسلائف الكيميائية. ويأتي هذا الاتفاق بعد أن هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في منتصف يوليو بفرض رسوم جمركية بنسبة 30% على البضائع الأوروبية اعتبارا من 1 أغسطس، محذرا من أن أي زيادة مقابلة في الرسوم على المنتجات الأمريكية ستواجه برسوم إضافية. بعد عودته إلى البيت الأبيض، شرع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تشديد سياسته التجارية عبر سلسلة من الإجراءات الحمائية التي شملت فرض رسوم جمركية مرتفعة على الواردات، خاصة من الصين والاتحاد الأوروبي.


العرب اليوم
منذ 13 ساعات
- العرب اليوم
عندما جلس الصبيان أمام معلمهم
صورة دالة لمرحلة جديدة لم يكن يتخيلها إنسان مهما شطح به الخيال.لم يكن اجتماع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مع قادة أوروبا فى المكتب البيضاوى مجرد لقاء بروتوكولى عادى. الصور التى خرجت من هذا اللقاء تحولت إلى مادة دسمة للتعليقات والسخرية عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعى، حيث جلس قادة فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا وأوكرانيا فى صف واحد، متراصين على مقاعد أمام ترامب، أشبه بتلاميذ يستمعون لمعلمهم. حتى لغة الجسد فضحت حجم الإحراج.. فقد رصد المتابعون النظرة المربكة على وجه رئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلونى، فيما بدا البقية أقرب إلى متفرجين ينتظرون تعليمات. البيت الأبيض بدوره زاد الطين بلة حين نشر الصور تحت عنوان: «يوم تاريخى فى البيت الأبيض.. الرئيس ترامب هو رئيس السلام»، وهو تعليق فتح الباب أمام موجة أوسع من السخرية والانتقاد. الجانب الروسى لم يُفوّت الفرصة. فخلال ساعات، تناقل مسؤولون روس بينهم ميخائيل أوليانوف وكيريل ديميترييف الصور بكثافة، مصورين القادة الأوروبيين كأتباع ضعفاء أمام «دادى ترامب». العبارة الأخيرة لم تأت من فراغ، إذ سبق أن وصف الأمين العام لحلف الناتو، مارك روته، ترامب بـ«الأب» أو «الوالد»، ما جعل المشهد يبدو وكأنه تجسيد حى لتلك التسمية. هذا الترويج الروسى يعكس استراتيجية دعائية واضحة: تصوير أوروبا كقارة عاجزة تستظل بالمظلة الأمريكية، وغير قادرة على صياغة سياساتها المستقلة. وراء الصورة الرمزية، يكمن مأزق أوروبى استراتيجى. فالقادة الذين حضروا إلى واشنطن كانوا يدركون محدودية قدرتهم على فرض شروطهم فى الملف الأوكرانى دون دعم أمريكى مباشر. تمسكوا نظريًا بثلاثة مطالب: وقف إطلاق النار، ضمانات أمنية لكييف، وعدم التفريط فى الأراضى التى سيطرت عليها روسيا. لكن ترامب كان أكثر براجماتية، ملمّحًا إلى ضرورة التفاوض حتى مع استمرار إطلاق النار، مشيرًا إلى أن أوكرانيا ربما تضطر للتخلى عن حلم الانضمام إلى الناتو. بدا واضحًا أن أوروبا، رغم قلقها المباشر من الحرب وتداعياتها على أمنها واقتصادها، مضطرة إلى الجلوس فى «مقاعد التلاميذ»، بينما يملى المعلم الأمريكى قواعد اللعبة الجديدة. الصور التى جرى تداولها ستبقى علامة فارقة فى الذاكرة السياسية؛ لأنها لا تعكس فقط لحظة بروتوكولية، بل تفضح ميزان القوة بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين.. لكن ربما الأكثر رمزية كان ما حدث لاحقًا فى الصورة الرسمية الأخيرة: حين قرر الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون أن يكسر القواعد، فوضع يده فى جيب بنطاله أثناء التصوير إلى جانب ترامب.

السوسنة
منذ 14 ساعات
- السوسنة
تراجع الدولار وسط مخاوف من استقلالية المركزي الأميركي
السوسنة - تراجع الدولار الخميس مع تخوف المستثمرين حيال استقلالية مجلس الاحتياطي الاتحادي بعد انتقادات جديدة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل تصريحات رئيس المجلس جيروم باول في وقت لاحق من هذا الأسبوع والتي قد تؤثر على التوقعات بشأن أسعار الفائدة.ودعا ترامب عضو المجلس ليزا كوك إلى الاستقالة بعد مزاعم من أحد حلفائه السياسيين بشأن رهنين عقاريين تحوزهما في ولايتي ميشيجان وجورجيا، في تكثيف لجهوده من أجل كسب النفوذ على البنك المركزي.وقالت كوك إنها "لن تقبل الترهيب لإجبارها على التنحي" من منصبها في البنك المركزي. وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أمس الأربعاء أن ترامب أخبر مساعديه أنه يفكر في محاولة إقالة كوك.وقال براشانت نيونها، كبير محللي أسعار الفائدة لمنطقة آسيا والمحيط الهادي لدى تي.دي للأوراق المالية "من المحتمل أن يثير ذلك تساؤلات حول مهام الإشراف والوظائف التنظيمية لمجلس الاحتياطي الاتحادي، لكن ليس له آثار تذكر على السياسة النقدية على المدى القريب".وهذا ما يفسر رد الفعل الخافت نسبيا في أسواق العملات على هذه الأنباء إذ انخفض الدولار في البداية على إثرها إلا أن تعاملاته ظلت هادئة إلى حد كبير في الجلسة الآسيوية.وحافظ الين الياباني على المكاسب التي حققها في الجلسات السابقة ولم يشهد تغيرا يذكر ليستقر عند 147.41 مقابل الدولار، في حين سجل اليورو 1.1642 دولار وبلغ الجنيه الإسترليني في أحدث التداولات 1.34535 دولار.واستقر مؤشر الدولار، الذي يقيس أداء العملة الأمريكية مقابل ست عملات منافسة، عند 98.301.وينصب التركيز هذا الأسبوع على ما إذا كان باول سيخالف توقعات السوق التي ترجح خفض أسعار الفائدة الشهر المقبل عندما يلقي كلمة غدا الجمعة في ندوة جاكسون هول، بعد بيانات ضعيفة لوظائف يوليو تموز.وبحسب أداة فيد ووتش التابعة لسي.إم.إي، يتوقع المتداولون بنسبة 82% خفض سعر الفائدة 25 نقطة أساس الشهر المقبل.بالنسبة للعملات أخرى، تكبد الدولار النيوزيلندي خسائر حادة خلال الليل ليصل إلى 0.58205 دولار بعد أن انخفض 1.2% إلى أدنى مستوى له منذ نيسان.وخفض البنك المركزي النيوزيلندي أسعار الفائدة أمس الأربعاء كما كان متوقعا وترك الاحتمالات قائمة لمزيد من التيسير النقدي إذا لزم الأمر.وتراجع الدولار الأسترالي 0.13% إلى 0.64245 دولار ليحوم بالقرب من أدنى مستوى له في أسبوعين.