رمزية العنوان في رواية فاطمة: حكاية البارود والسنابل
د. نهال عبد الله غرايبة*
رواية «فاطمة: حكاية البارود والسنابل» للكاتب الدكتور محمد عبد الكريم الزيود، صدرت عام 2021 عن دار الآن ناشرون في عمّان، وتتألف من 224 صفحة. تُعد الرواية عملاً أدبياً واقعياً تسجيلياً، يرصد حياة فاطمة، امرأة بدوية أردنية، وما مرت به من معاناة وفقدان خلال الفترة من منتصف الأربعينيات إلى الثمانينيات من القرن العشرين. كما تُعد الرواية عملاً أدبياً يتجاوز حدود السرد التقليدي ليصبح وثيقة ثقافية ووطنية تعكس تجربة الأردن وأبنائه.
في الإطار التاريخي والاجتماعي: تدور الأحداث في قرى الزرقاء، خاصة ضمن إطار عشائر بني حسن، وتعكس التحولات الاجتماعية والاقتصادية في الأردن، من حياة التنقل والرعي إلى الزراعة والاستقرار، مع إبراز دور الجيش العربي في دمج الأردنيين في بناء الدولة. تتناول الرواية أحداثاً تاريخية مثل استشهاد الملك عبدالله الأول (1951)، نكسة 1967، وتداعيات النزوح والهجرة.
وتعد شخصية فاطمة: رمزًا للمرأة الأردنية التي تكافح في وجه الفقر والخسارة. تجسد قصتها الفقد (مثل وفاة شقيقها حمدان في ليلة زفافه)، الانكسار، والأمل المتجدد. تُصور كشخصية تعكس هوية الوطن وتحمل قيم الكرم والصبر. أما الشخصيات الثانوية فتظهر شخصيات مثل حمدان (شقيق فاطمة)، سلمان الراعي، وعلي الشهيد، لتعزز السرد وتبرز قيم المجتمع الأردني، من إنسانية وإصرار
الرمزية: العنوان يحمل دلالات عميقة؛ «البارود» يمثل التناقضات (الحرب والسلم، الموت والحياة)، بينما «السنابل» ترمز للخير والأمل. الرواية تسرد حكاية وطن من خلال حياة أفراده.
أما الأسلوب واللغة فيتميز أسلوب الزيود بالبساطة والتشويق، مع لغة غنية بالموروث الشعبي والأساطير المحلية، مما يجعل الرواية عملاً أدبياً محلياً متجذراً في الثقافة الأردنية. وهناك من النقاد، مثل د. دلال عنبتاوي ود. خالد الميّاس، ممن أشادوا بقدرة الكاتب على تقمص الشخصيات ونقل تفاصيل الحياة الريفية بدقة، مع إبراز الهوية الوطنية.
بالنسبة لأهمية الرواية تُعد الرواية وثيقة أدبية تسجل تاريخ الأردن وتحولاته الاجتماعية، وتحتفي بالهوية الوطنية الديناميكية التي تتطور مع الزمن. وقد استلهم الزيود فكرة الرواية من نص لهاشم غرايبة عن شخصية «آمنة»، لكنه ركز على فاطمة لتمثل آلاف النساء الأردنيات. وهذا ما أشار إليه محمد أبو رمان في مقالته («فاطمة ..» الهوية والوطن).
رمزية العنوان
يبرز عنوان الرواية كعنصر مركزي يحمل في طياته رمزية عميقة، حيث يتشابك فيه الإنساني بالتاريخي، والشاعري بالدرامي، ليصوغ رؤية فنية متكاملة. من خلال ثلاثية «فاطمة»، «البارود»، و»السنابل»، ينسج العنوان حكاية تجمع بين الصمود والصراع، الأمل والخسارة، ليعكس ليس فقط قصة امرأة، بل هوية شعب ووطن. هذا المقال النقدي يحلل رمزية العنوان، مستكشفاً كيف يشكل بوابة لفهم السرد ومرآة للهوية الأردنية.
فاطمة: رمز المرأة والهوية الجمعية
يبدأ العنوان بـ»فاطمة»، وهو اسم يحمل دلالات شعبية وعربية، يستحضر صورة المرأة الأردنية البدوية التي تجسد الصبر والقوة. فاطمة ليست مجرد بطلة فردية، بل رمز للمرأة التي تحمل على كتفيها وطأة الزمن والتحولات، فإن فاطمة هي «حكاية وطن»، إذ تجسد من خلال معاناتها – مثل فقدان شقيقها حمدان ومواجهة الفقر – تجربة الأردن في مرحلة تشكله الاجتماعي والسياسي من الأربعينيات إلى الثمانينيات. رمزية فاطمة تتجاوز الفردية لتصبح أيقونة للهوية الوطنية، حيث يرى القارئ فيها الأم، الأخت، أو الجارة، مما يعزز الارتباط العاطفي بالنص.
إن اختيار اسم «فاطمة» ليس اعتباطياً، بل يحمل طابعاً ثقافياً متجذراً في المجتمع الأردني. فهو اسم مألوف يحمل دلالات الطيبة والصمود، مما يجعل البطلة ممثلة لآلاف النساء اللواتي شكلن العمود الفقري للمجتمع الريفي. هذه الرمزية تجعل فاطمة مركز العنوان، حيث تدور حولها الثنائية الدرامية للبارود والسنابل.
البارود: رمز الصراع والقوة
يأتي «البارود» كعنصر ثانٍ في العنوان، حاملاً دلالات الصراع والدمار، ولكنه أيضاً يرمز إلى القوة والدفاع عن النفس. في سياق الرواية، يعكس البارود التحديات التي واجهها المجتمع الأردني، سواء في الأحداث التاريخية كالنكسة (1967) أو دور الجيش العربي في بناء الدولة. على المستوى الفردي، يمثل البارود اللحظات المأساوية في حياة فاطمة، كوفاة حمدان في ليلة زفافه، وهي لحظة تحمل طابع الانفجار العاطفي والاجتماعي (الزيود، 2021، ص 45). البارود، كمادة سريعة الاشتعال، يعبر أيضاً عن الطباع البدوية الحماسية التي تظهر في شخصيات ثانوية مثل سلمان الراعي أو علي الشهيد.
رمزية البارود تمتد لتشمل التناقضات الكامنة في الحياة البدوية: الحرب والسلم، الموت والحياة. فهو ليس فقط أداة للصراع، بل رمز للدفاع عن الكرامة والأرض. الناقد د. خالد الميّاس يرى أن البارود في الرواية يعكس «الروح القتالية التي شكلت جزءاً من الهوية الأردنية»، هذه الرمزية تضفي على العنوان طابعاً درامياً، موحية بأن الحكاية ليست هادئة، بل مشحونة بلحظات صدام وتحول.
السنابل: رمز الحياة والتجدد
في مقابل البارود، تأتي «السنابل» كرمز للحياة، الخصوبة، والأمل. في الثقافة الأردنية الزراعية، السنابل هي ثمرة الأرض ومصدر الرزق، وتعكس القدرة على النماء رغم القسوة. في الرواية، ترتبط السنابل بالتحول من حياة التنقل البدوية إلى الاستقرار الزراعي، وهو تحول تاريخي شهده الأردن خلال القرن العشرين. فاطمة نفسها تُوصف بأنها «كالسنابل التي تنحني تحت وطأة الريح، لكنها لا تنكسر» (الزيود، 2021، ص 45)، مما يجعلها رمزاً للأمل المتجدد رغم الخسارات.
السنابل، كما أشار د. الميّاس، تمثل «الخير الذي ينبت من رحم المعاناة». هذه الرمزية تضفي على العنوان بعداً شعرياً يوازن بين الدمار الذي يمثله البارود والحياة التي تجسدها السنابل. الناقدة د. دلال عنبتاوي تلخص هذا التوازن بقولها إن العنوان يجسد «الهوية الأردنية التي تقاوم بالبارود وتنمو بالسنابل» ، إذن السنابل ليست مجرد رمز زراعي، بل تعبير عن استمرارية الحياة وتجددها في وجه التحديات.
حكاية: السرد الشعبي والهوية الجمعية
كلمة «حكاية» في العنوان تضفي طابعاً شعبياً وشفوياً، مستحضرة تقاليد الرواية البدوية حول النار. إنها تشير إلى أن قصة فاطمة ليست مجرد رواية فردية، بل حكاية جمعية تعكس تجربة شعب. هذا الاختيار يعزز البعد التسجيلي للرواية، التي تستلهم من شخصيات حقيقية (كما أشار الزيود إلى إلهامه بنص هاشم غرايبة) لكنها تُصاغ بأسلوب أدبي. كلمة «حكاية» تجعل النص ملكاً للجميع، بعيداً عن النخبوية، وتدعو القارئ للتفاعل معه كجزء من تراثه الثقافي.
التكامل الرمزي: ثنائية الحياة والموت
إن أبرز ما يميز رمزية العنوان هو التكامل بين البارود والسنابل، اللذين يمثلان ثنائية متناقضة ظاهرياً – الدمار والنماء – لكنهما يكملان بعضهما في سياق الرواية. البارود يعبر عن لحظات العنف والخسارة، بينما السنابل تمثل القدرة على التجدد. هذا التوازن يعكس فلسفة الحياة البدوية التي تجمع بين القوة والصبر، ويترجم الهوية الأردنية التي شكلتها الصراعات والإنجازات. كما أن العنوان يثير فضول القارئ من خلال هذا التناقض، داعياً إياه لاستكشاف كيف يمكن لامرأة مثل فاطمة أن تجمع بين عالمي البارود والسنابل.
إن عنوان «فاطمة: حكاية البارود والسنابل» ليس مجرد وصف للرواية، بل مرآة تعكس جوهرها الفني والفكري. فاطمة ترمز للمرأة والوطن، والبارود يجسد الصراع والقوة، والسنابل تعبر عن الحياة والأمل، معاً، تشكل هذه العناصر بوابة لفهم السرد كحكاية إنسانية ووطنية، تجمع بين الموت والحياة، الخسارة والتجدد. في سياقه الثقافي، يتجذر العنوان في التراث الأردني، حيث البارود والسنابل جزء من الحياة اليومية، مما يجعله ليس فقط مدخلاً للرواية، بل رمزاً للهوية الديناميكية التي تحتفي بها. إن هذا العنوان، بتوازنه بين الدرامي والشاعري، يؤكد مكانة الرواية كعمل أدبي يستحق الدراسة والتأمل.
* أكاديمية وباحثة أردنية/ أستاذ مساعد/ قسم اللغة العربية وآدابها/ الجامعة الإسلامية بمينيسوتا/ المركز الرئيسي

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

الدستور
منذ 5 أيام
- الدستور
رمزية العنوان في رواية فاطمة: حكاية البارود والسنابل
د. نهال عبد الله غرايبة* رواية «فاطمة: حكاية البارود والسنابل» للكاتب الدكتور محمد عبد الكريم الزيود، صدرت عام 2021 عن دار الآن ناشرون في عمّان، وتتألف من 224 صفحة. تُعد الرواية عملاً أدبياً واقعياً تسجيلياً، يرصد حياة فاطمة، امرأة بدوية أردنية، وما مرت به من معاناة وفقدان خلال الفترة من منتصف الأربعينيات إلى الثمانينيات من القرن العشرين. كما تُعد الرواية عملاً أدبياً يتجاوز حدود السرد التقليدي ليصبح وثيقة ثقافية ووطنية تعكس تجربة الأردن وأبنائه. في الإطار التاريخي والاجتماعي: تدور الأحداث في قرى الزرقاء، خاصة ضمن إطار عشائر بني حسن، وتعكس التحولات الاجتماعية والاقتصادية في الأردن، من حياة التنقل والرعي إلى الزراعة والاستقرار، مع إبراز دور الجيش العربي في دمج الأردنيين في بناء الدولة. تتناول الرواية أحداثاً تاريخية مثل استشهاد الملك عبدالله الأول (1951)، نكسة 1967، وتداعيات النزوح والهجرة. وتعد شخصية فاطمة: رمزًا للمرأة الأردنية التي تكافح في وجه الفقر والخسارة. تجسد قصتها الفقد (مثل وفاة شقيقها حمدان في ليلة زفافه)، الانكسار، والأمل المتجدد. تُصور كشخصية تعكس هوية الوطن وتحمل قيم الكرم والصبر. أما الشخصيات الثانوية فتظهر شخصيات مثل حمدان (شقيق فاطمة)، سلمان الراعي، وعلي الشهيد، لتعزز السرد وتبرز قيم المجتمع الأردني، من إنسانية وإصرار الرمزية: العنوان يحمل دلالات عميقة؛ «البارود» يمثل التناقضات (الحرب والسلم، الموت والحياة)، بينما «السنابل» ترمز للخير والأمل. الرواية تسرد حكاية وطن من خلال حياة أفراده. أما الأسلوب واللغة فيتميز أسلوب الزيود بالبساطة والتشويق، مع لغة غنية بالموروث الشعبي والأساطير المحلية، مما يجعل الرواية عملاً أدبياً محلياً متجذراً في الثقافة الأردنية. وهناك من النقاد، مثل د. دلال عنبتاوي ود. خالد الميّاس، ممن أشادوا بقدرة الكاتب على تقمص الشخصيات ونقل تفاصيل الحياة الريفية بدقة، مع إبراز الهوية الوطنية. بالنسبة لأهمية الرواية تُعد الرواية وثيقة أدبية تسجل تاريخ الأردن وتحولاته الاجتماعية، وتحتفي بالهوية الوطنية الديناميكية التي تتطور مع الزمن. وقد استلهم الزيود فكرة الرواية من نص لهاشم غرايبة عن شخصية «آمنة»، لكنه ركز على فاطمة لتمثل آلاف النساء الأردنيات. وهذا ما أشار إليه محمد أبو رمان في مقالته («فاطمة ..» الهوية والوطن). رمزية العنوان يبرز عنوان الرواية كعنصر مركزي يحمل في طياته رمزية عميقة، حيث يتشابك فيه الإنساني بالتاريخي، والشاعري بالدرامي، ليصوغ رؤية فنية متكاملة. من خلال ثلاثية «فاطمة»، «البارود»، و»السنابل»، ينسج العنوان حكاية تجمع بين الصمود والصراع، الأمل والخسارة، ليعكس ليس فقط قصة امرأة، بل هوية شعب ووطن. هذا المقال النقدي يحلل رمزية العنوان، مستكشفاً كيف يشكل بوابة لفهم السرد ومرآة للهوية الأردنية. فاطمة: رمز المرأة والهوية الجمعية يبدأ العنوان بـ»فاطمة»، وهو اسم يحمل دلالات شعبية وعربية، يستحضر صورة المرأة الأردنية البدوية التي تجسد الصبر والقوة. فاطمة ليست مجرد بطلة فردية، بل رمز للمرأة التي تحمل على كتفيها وطأة الزمن والتحولات، فإن فاطمة هي «حكاية وطن»، إذ تجسد من خلال معاناتها – مثل فقدان شقيقها حمدان ومواجهة الفقر – تجربة الأردن في مرحلة تشكله الاجتماعي والسياسي من الأربعينيات إلى الثمانينيات. رمزية فاطمة تتجاوز الفردية لتصبح أيقونة للهوية الوطنية، حيث يرى القارئ فيها الأم، الأخت، أو الجارة، مما يعزز الارتباط العاطفي بالنص. إن اختيار اسم «فاطمة» ليس اعتباطياً، بل يحمل طابعاً ثقافياً متجذراً في المجتمع الأردني. فهو اسم مألوف يحمل دلالات الطيبة والصمود، مما يجعل البطلة ممثلة لآلاف النساء اللواتي شكلن العمود الفقري للمجتمع الريفي. هذه الرمزية تجعل فاطمة مركز العنوان، حيث تدور حولها الثنائية الدرامية للبارود والسنابل. البارود: رمز الصراع والقوة يأتي «البارود» كعنصر ثانٍ في العنوان، حاملاً دلالات الصراع والدمار، ولكنه أيضاً يرمز إلى القوة والدفاع عن النفس. في سياق الرواية، يعكس البارود التحديات التي واجهها المجتمع الأردني، سواء في الأحداث التاريخية كالنكسة (1967) أو دور الجيش العربي في بناء الدولة. على المستوى الفردي، يمثل البارود اللحظات المأساوية في حياة فاطمة، كوفاة حمدان في ليلة زفافه، وهي لحظة تحمل طابع الانفجار العاطفي والاجتماعي (الزيود، 2021، ص 45). البارود، كمادة سريعة الاشتعال، يعبر أيضاً عن الطباع البدوية الحماسية التي تظهر في شخصيات ثانوية مثل سلمان الراعي أو علي الشهيد. رمزية البارود تمتد لتشمل التناقضات الكامنة في الحياة البدوية: الحرب والسلم، الموت والحياة. فهو ليس فقط أداة للصراع، بل رمز للدفاع عن الكرامة والأرض. الناقد د. خالد الميّاس يرى أن البارود في الرواية يعكس «الروح القتالية التي شكلت جزءاً من الهوية الأردنية»، هذه الرمزية تضفي على العنوان طابعاً درامياً، موحية بأن الحكاية ليست هادئة، بل مشحونة بلحظات صدام وتحول. السنابل: رمز الحياة والتجدد في مقابل البارود، تأتي «السنابل» كرمز للحياة، الخصوبة، والأمل. في الثقافة الأردنية الزراعية، السنابل هي ثمرة الأرض ومصدر الرزق، وتعكس القدرة على النماء رغم القسوة. في الرواية، ترتبط السنابل بالتحول من حياة التنقل البدوية إلى الاستقرار الزراعي، وهو تحول تاريخي شهده الأردن خلال القرن العشرين. فاطمة نفسها تُوصف بأنها «كالسنابل التي تنحني تحت وطأة الريح، لكنها لا تنكسر» (الزيود، 2021، ص 45)، مما يجعلها رمزاً للأمل المتجدد رغم الخسارات. السنابل، كما أشار د. الميّاس، تمثل «الخير الذي ينبت من رحم المعاناة». هذه الرمزية تضفي على العنوان بعداً شعرياً يوازن بين الدمار الذي يمثله البارود والحياة التي تجسدها السنابل. الناقدة د. دلال عنبتاوي تلخص هذا التوازن بقولها إن العنوان يجسد «الهوية الأردنية التي تقاوم بالبارود وتنمو بالسنابل» ، إذن السنابل ليست مجرد رمز زراعي، بل تعبير عن استمرارية الحياة وتجددها في وجه التحديات. حكاية: السرد الشعبي والهوية الجمعية كلمة «حكاية» في العنوان تضفي طابعاً شعبياً وشفوياً، مستحضرة تقاليد الرواية البدوية حول النار. إنها تشير إلى أن قصة فاطمة ليست مجرد رواية فردية، بل حكاية جمعية تعكس تجربة شعب. هذا الاختيار يعزز البعد التسجيلي للرواية، التي تستلهم من شخصيات حقيقية (كما أشار الزيود إلى إلهامه بنص هاشم غرايبة) لكنها تُصاغ بأسلوب أدبي. كلمة «حكاية» تجعل النص ملكاً للجميع، بعيداً عن النخبوية، وتدعو القارئ للتفاعل معه كجزء من تراثه الثقافي. التكامل الرمزي: ثنائية الحياة والموت إن أبرز ما يميز رمزية العنوان هو التكامل بين البارود والسنابل، اللذين يمثلان ثنائية متناقضة ظاهرياً – الدمار والنماء – لكنهما يكملان بعضهما في سياق الرواية. البارود يعبر عن لحظات العنف والخسارة، بينما السنابل تمثل القدرة على التجدد. هذا التوازن يعكس فلسفة الحياة البدوية التي تجمع بين القوة والصبر، ويترجم الهوية الأردنية التي شكلتها الصراعات والإنجازات. كما أن العنوان يثير فضول القارئ من خلال هذا التناقض، داعياً إياه لاستكشاف كيف يمكن لامرأة مثل فاطمة أن تجمع بين عالمي البارود والسنابل. إن عنوان «فاطمة: حكاية البارود والسنابل» ليس مجرد وصف للرواية، بل مرآة تعكس جوهرها الفني والفكري. فاطمة ترمز للمرأة والوطن، والبارود يجسد الصراع والقوة، والسنابل تعبر عن الحياة والأمل، معاً، تشكل هذه العناصر بوابة لفهم السرد كحكاية إنسانية ووطنية، تجمع بين الموت والحياة، الخسارة والتجدد. في سياقه الثقافي، يتجذر العنوان في التراث الأردني، حيث البارود والسنابل جزء من الحياة اليومية، مما يجعله ليس فقط مدخلاً للرواية، بل رمزاً للهوية الديناميكية التي تحتفي بها. إن هذا العنوان، بتوازنه بين الدرامي والشاعري، يؤكد مكانة الرواية كعمل أدبي يستحق الدراسة والتأمل. * أكاديمية وباحثة أردنية/ أستاذ مساعد/ قسم اللغة العربية وآدابها/ الجامعة الإسلامية بمينيسوتا/ المركز الرئيسي

الدستور
١١-٠٥-٢٠٢٥
- الدستور
وزير الثقافة يعقد ندوة حوارية حول واقع الثقافة الفلسطينية في معرض الدوحة الدولي للكتاب
عمان- الدستور – عمر أبو الهيجاء قال وزير الثقافة عماد حمدان إن الثقافة الفلسطينية تواجه اليوم واحدة من أعنف التحديات في تاريخها، في ظل حرب الإبادة الجماعية التي يقوم بها الاحتلال الاسرائيلي في قطاع غزة، وسياساته الممنهجة في الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة لسرقة وتهويد الثقافة الفلسطينية والاستيلاء على الأرض، وطمس الموروث الثقافي الفلسطيني. جاء ذلك خلال عقده ندوة حوارية بعنوان "واقع الثقافة الفلسطينية" قدمتها الإعلامية راية حمدان، ضمن فعاليات معرض الدوحة الدولي للكتاب في نسخته 34، حيث إن دولة فلسطين هي ضيف شرف هذه الدورة. وأكد حمدان أن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة استهدف الثقافة والبنية التحتية الثقافية، إذ دمر مئات المؤسسات والمراكز الثقافية كلياً أو جزئياً، بالإضافة للمعالم الثقافية التراثية التي تعود لمئات السنين، والمكتبات، والمتاحف، والأرشيف، والمخطوطات، كما خسرت الثقافة الفلسطينية عدداً من المثقفين الأدباء والشعراء والفنانين، الذين استشهدوا في حرب الإبادة المتواصلة على غزة، بالإضافة إلى نزوح عدد منهم. وعلى الرغم من الحصار والدمار، يواصل المثقفون الفلسطينيون تقديم أعمالهم، وتكريس الذاكرة وحمايتها من محاولات الطمس والتهويد. وأضاف أن وزارة الثقافة تقدم الدعم لهؤلاء المبدعين، عبر دعم المبادرات الفردية والمؤسساتية، إذ قدمت دعماً لـ22 مشروعاً ثقافياً في المحافظات الجنوبية من خلال الصندوق الثقافي الفلسطيني، مشدداً على أهمية دعم المبادرات الثقافية، لتعزيز صمود المواطنين والمثقفين ورواد المشهد الثقافي، لا سيما الفنانين، والكتاب والمؤلفين الذين يقومون بتوثيق التاريخ من خلال معاينتهم اليومية لأشكال الحرب. وتطرق حمدان إلى أهمية إيصال صوت فلسطين الثقافي إلى العالم، وتدويل القضية الفلسطينية، فوزارة الثقافة تبذل كافة الجهود لتدويل القضية وإثبات حضورها دولياً من خلال المشاركة في المعارض الدولية، وتسجيل عناصر التراث الفلسطيني عالمياً، حيث نجحت بتسجيل الصابون النابلسي على قائمة التراث الثقافي غير المادي لدى "اليونسكو"، وتسجيل الكوفية الفلسطينية في قائمة التراث الثقافي اللامادي لدى "الإيسيسكو"، وإدراج التطريز الفلسطيني ضمن قائمة "اليونسكو" للتراث الثقافي غير المادي، داعياً إلى تعزيز الحضور الثقافي الفلسطيني عربياً ودولياً. كما شدد حمدان على أهمية تمكين المرأة الفلسطينية والعربية، والاحتفاء بالإبداع النسوي، من خلال إطلاق الوزارة "جائزة القدس للمرأة العربية للإبداع الأدبي" في الرواية المنشورة، تزامناً مع إعلان القدس عاصمة للمرأة العربية للعام 2025، إذ تعتبر هذه الجائزة تقديراً لدور المرأة العربية والفلسطينية، ومكانتها في صون وحماية الرواية والذاكرة الوطنية، وكذلك إطلاق العديد من الجوائز الأدبية كجائزة غسان كنفاني للرواية العربية، ونجاتي صدقي في القصة القصيرة.


عمان نت
٣٠-٠٤-٢٠٢٥
- عمان نت
فاطمة حسونة.. استشهاد وتوثيق لمجازر غزة في عدسة لا تموت
"إذا متُّ، أريد موتًا صاخبًا. لا أريد أن أكون مجرد خبر عاجل، أو مجرد رقم في مجموعة، أريد موتًا يسمعه العالم، وأثرًا يبقى عبر الزمن، وصورة خالدة لا يمحى أثرها بمرور الزمان أو المكان". عبارة كتبتها المصورة الفلسطينية فاطمة حسونة، على حسابها في فيسبوك، على إنستغرام قبل أسابيع من استشهادها على يد الاحتلال الغادر، إثر غارة جوية شنتها الطائرات الحربية الإسرائيلية شمالي قطاع غزة. وخلّفت فاطمة وراءها عدسة وثقت ألم الأرض وتضحيات البشر، وصورًا تجسد نضال الشعب الفلسطيني الذي يعيش تحت وطأة الحرب منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023. فاطمة، بطلة الفيلم الوثائقي "ضع روحك على كف وامش" (Put Your Soul in Your Palm and Walk)، الذي سيُعرض في قسم ACID (جمعية السينما المستقلة للتوزيع) في مهرجان كان السينمائي الشهر المقبل، كانت تستعد للاحتفال بزفافها في الأيام القليلة المقبلة. وقد أمضت شهورا في توثيق الغارات الجوية، وتدمير منزلها، ومعاناتها من النزوح المستمر، لكنها استشهدت في غارة إسرائيلية استهدفت منزل عائلتها في شارع النفق بمدينة غزة، قبل أن تحتفل بزفافها. روى حمزة حسونة، ابن عم فاطمة، تفاصيل الغارة لشبكة "سي إن إن" يوم الجمعة، قائلا: "كنت جالسا عندما انفجر صاروخان فجأة، أحدهما بالقرب مني والآخر في غرفة المعيشة. سقط المنزل فوقنا، وكان الوضع كارثيا بكل معنى الكلمة". فاطمة حسونة، التي فقدت 11 فردًا من أسرتها في يناير/كانون الثاني 2024، قررت أن توثق ما يحدث في غزة عبر عدستها. من خلال فيلمها الوثائقي الذي تتتبع من خلاله المخرجة الإيرانية سبيده فارسي حياة فاطمة في غزة منذ بداية الهجوم الإسرائيلي. وتعرض فيه كيف استخدمت فاطمة كاميرتها لنقل معاناة الغزيين وتوثيق المجازر والانتهاكات، وتوثيق مشاهد الحزن في عيون الأطفال، وصلابة الآباء، وصبر الأمهات وكبار السن الذين تمسكوا بأرضهم رغم الآلام والجراح. ووصفت مخرجة الفيلم، في بيان لها، أن العمل كان بمثابة نافذة فتحت لها فرصة لقاء مع فاطمة، لتسلط الضوء على المذبحة المستمرة التي يعاني منها الفلسطينيون. وفي تصريحات صحفية، قالت فارسي إن فاطمة كانت "شخصية مليئة بالإشراق والضوء، تتمتع بابتسامة ساحرة، وتحمل تفاؤلا طبيعيا في قلبها". وأضافت أنها تعاونت مع حسونة على مدار أكثر من عام لإنتاج الفيلم الوثائقي، ما جعل العلاقة بينهما تتوطد وتصبح أكثر قربًا. وأوضحت فارسي أن آخر اتصال جمعها بحسونة كان قبل يوم واحد من وفاتها، عندما كانت تعتزم إبلاغها بـ"الخبر السار" المتعلق بالفيلم. وقالت فارسي: "ناقشنا إمكانية سفرها إلى فرنسا في مايو/أيار من أجل عرض الفيلم في مهرجان كان، حيث كانت هي بطلة الفيلم. وأكملت فارسي قائلة: "حينما تلقيت خبر وفاتها، شعرت أنه لا يمكن أن يكون صحيحًا. أتمنى أن يعكس هذا الفيلم الوثائقي حياة (فاطمة) حسونة في غزة، وأن يكون بمثابة تكريم لروحها وذكراها". وقالت إنها عاشت في قلق دائم على حياة فاطمة، وأضافت: "كنت أخبر نفسي أنه ليس من حقي أن أخاف عليها إذا لم تكن هي نفسها تشعر بالخوف. تمسكتُ بقوتها، وبإيمانها العميق". وأوضحت فارسي، التي تعيش في فرنسا، أنها كانت تخشى أن تكون فاطمة قد تعرضت للاستهداف بسبب عملها كصحفية فوتوغرافية تحظى بمتابعة واسعة، واهتمامها المتزايد بالمشاركة في الفيلم الوثائقي. وقد أدان مركز حماية الصحفيين الفلسطينيين استشهاد الصحفية فاطمة حسونة، موضحًا أن الغارة التي تسببت في وفاتها تُعد "جريمة" ضد الصحفيين وانتهاكا صارخا للقانون الدولي. واعتبر أن "الصور المؤثرة التي التقطتها فاطمة، والتي توثق الحياة تحت الحصار، انتشرت عالميا لتسلط الضوء على الخسائر البشرية المدمرة التي خلّفتها الحرب". وشاركت فاطمة صورها على منصتي فيسبوك وإنستغرام، حيث يتابعها أكثر من 35 ألف شخص. وقد وثقت من خلال عدستها التحديات اليومية التي يواجهها سكان غزة، وكذلك التهديدات التي تنطوي عليها الحياة تحت القصف الإسرائيلي. وكان آخر منشور نشرته فاطمة حسونة على صفحتها في فيسبوك عبارة عن سلسلة من الصور التي التقطتها لصيادي غزة على شاطئ البحر، يوم السبت الماضي، قبل أقل من أسبوع من استشهادها. ورافق الصور قصيدة قصيرة كتبت فيها: "من هنا تتعرف على المدينة. تدخلها، لكنك لا تغادرها، لأنك لن ترحل، ولن تستطيع"، لتعبر عن روحها التي كانت متمسكة بغزة، والتي لم تغادرها حتى آخر لحظات حياتها.