
ما بين غزة وكربلاء.. البدايات نفسها والنهايات نفسها!!
في كربلاء هذا العصر كلّ الأماكن غير آمنة، وكلّ الأوقات غير هادئة، كلّ الصباحات مؤلمة، وكلّ المساءات مرعبة، أصوات القصف تطغى على ما سواها من أصوات.
وكأنّ التاريخ يُعيد نفسه من جديد، وكأنّ ملحمة الحسين رضوان الله تعالى عليه تتجسّد في غزة بكلّ ما فيها من تفاصيل مؤلمة وقاسية، وكأنها اللحظات نفسها التي وقف فيها سبط رسول الله صلى الله عليه وسلّم وحيداً إلا من آل بيته الأطهار وبعض المخلصين، في مواجهة أرتال المجرمين والقتلة، وكأنه الخذلان القاتل نفسه الذي واجه ثورته المباركة والمشروعة، وكأنهم الطغاة أنفسهم الذين خيّروه ما بين السلّة والذلّة، ما بين الاستسلام أو الموت، ما بين حياة ذليلة صاغرة، وبين مقتلة لا تترك ولا تذر، فاختار رضوان الله عليه من دون تردّد خيار القتل على الرضوخ، وخيار الذبح على الاستسلام، وخيار المقاومة والصمود على التسليم بمشيئة القتلة والمجرمين.
في غزة، المُحاصرة، والقتيلة، والمجوّعة، والمذبوحة من الوريد إلى الوريد، تتكرّر المأساة بكلّ تفاصيلها البشعة، وبكلّ أدواتها الرخيصة والقذرة، تتكرّر كربلاء في غزة بكلّ ما فيها من خيانة وغدر وخذلان، بكلّ ما فيها من وضاعة وتخلٍ وبيع في سوق النخاسة، تتكرّر على الرغم من اختلاف الزمن، وتبدّل الأحوال، واختلاف الوجوه والأسماء.
في غزة التي تُحيط بها أكثر من عشرين دولة عربية، وما يناهز ستون دولة وإمارة ومملكة إسلامية، يجوع الناس ولا يجدون ما يقتاتون عليه سوى بعض الخبز الجاف المعجون بعرقهم ودمهم، يعطش الناس ولا يجدون ما يروي ظمأهم سوى القليل من المياه الآسنة الممزوجة بالحشرات والفيروسات القاتلة، يُقتل الناس ويُحرقون في وضح النهار، وأمام بصر العالم وسمعه، ولا يبحث ذووهم إلّا عن كفن بالٍ يسترون به أجساد شهدائهم العارية، يُدفع الناس خارج ما تبقّى من بيوتهم المهدومة تحت قصف مدافع الاحتلال وصواريخ طائراته المجرمة، وأسمى أمانيهم خيمة من الكرتون أو الصفيح تقي أطفالهم حرارة الشمس اللاهبة.
في غزة المنكوبة لا تكاد تجد مكاناً للفرح، ولا وقتاً لراحة البال، حتى الأطفال الذين كانوا فيما سبق يعيشون طفولتهم قريباً من المعتاد، تجدهم في هذه الأيام الصعبة والقاسية قد شابوا، وبدأت ملامح الطفولة على وجوههم البريئة تختفي، وتحلّ بدلاً منها معالم البؤس والشقاء، والحزن والخوف، بل إنهم فقدوا كلّ أمل في حياة بسيطة يعيشونها كباقي أطفال العالم، أصبحت أقصى أمانيهم رغيف خبز، أو شربة ماء، أو حفنة من العدس تقيهم الموت جوعاً، وتمنح أجسادهم بعض الطاقة لمواجهة أعباء الحياة التي لا تنتهي.
في كربلاء هذا العصر كلّ الأماكن غير آمنة، وكلّ الأوقات غير هادئة، كلّ الصباحات مؤلمة، وكلّ المساءات مرعبة، أصوات القصف تطغى على ما سواها من أصوات، صرخات الألم تعلو على ما سواها من صرخات، الطرقات مدمّرة، والبيوت مهدّمة، والدكاكين مقفرة، ليس فيها ما يُشترى أو يُباع، وإن وجدت استثناءً هنا أو هناك فالأسعار خيالية، تناهز أو تزيد عن مثيلاتها في أغنى دول العالم.
في غزة المشافي ترزح تحت ثقل جثامين الشهداء الملقاة في كلّ الجوانب بانتظار من يتعرّف إليها، أو يتحمّل مشقّة دفنها، إذ إنّ الدفن في هذه الأيام بات مهمة عسيرة على أصحابه، فالمقابر أو ما تبقّى منها ممتلئة عن بكرة أبيها، ويكاد معظم الناس لا يملكون ثمن ما يحتاجه القبر من حجارة وأسمنت وشاهد يكشف عن اسم ذاك الجسد المسجّى في باطنه.
في المشافي أيضاً مئات الجرحى، مبتوري الأطراف، ممزقي الأجساد، محروقي الوجوه، لا تكاد تعرفهم من هول ما أصابهم، ولا يكاد بعضهم يتمنّى شيئاً أكثر من الموت، فالموت في كثير من الأحيان في غزة بات مطلباً وأمنية، كيف لا وقد أضحى مئات الأطفال في غزة بلا يدين أو قدمين، كيف لا ومئات الفتيات الصغيرات البريئات أصبحن بلا عينين، بلا شعر مجدّل مسدل على وجوههن التي كانت في يوم ما نضرة وجميلة.
في شوارع وطرقات غزة كلّ المشاهد مفزعة، بيوت مهدّمة، وبنايات مدمّرة ومحترقة، وشبكات كهرباء ومياه وصرف صحي أصبحت أثراً بعد عين، في غزة كلّ الأماكن الجميلة اندثرت، وكلّ المناطق الأثرية اختفت، وكأنّ زلزالاً قد ضربها بشدة، فحوّلها خراباً تنعق فوق أنقاضه البوم والغربان.
المشاهد في غزة الحزينة لا تسرّ صديقاً، ولكنّها بكلّ تأكيد تُشمّت عدوّاً، عدوّاً استخدم كلّ ما بين يديه من أدوات القتل والخراب، التي تصل إليه كلّ صباح وكلّ مساء من قوى الشرّ في العالم، حيث يمرّ بعضها في أجواء العواصم العربية والإسلامية التي يمنع بعضها الطعام عن غزة، وتساهم من دون أن يرفّ لقادتها جفن في حصارها وقتلها، ودفعها لرفع رايات الاستسلام، والرضوخ لشروط العدو المجحفة والظالمة.
على كلّ حال، ولأنّ الحديث عمّا يجري في غزة طويل، ولأنّ وصف حالها وهي ترزح تحت نيران الطائرات والمدافع يحتاج إلى مئات الصفحات، وآلاف الكلمات، وبما أنّ المكان والزمان لا يسمحان بذلك، فإنني اكتفي بما أشرت إليه أعلاه، علّه يسهم في يقظة طال انتظارها، وفي وقفة آن أوانها.
أختم بما شاهدته صباح اليوم في أحد أهمّ شوارع مدينة غزة، وهو الذي دفعني في حقيقة الأمر للكتابة رغماً عنّي، إذ إنّ الكتابة في مثل هذه الأجواء تكاد تكون مستحيلة، حيث لا وقت لصفاء البال، ولا مكان لسكينة الروح.
في شارع عمر المختار وسط مدينة غزة، وهو لمن لا يعرفه أشهر شوارع هذه المدينة العريقة، والذي شهد قبل يومين حملة من القصف الجنوني لطائرات الاحتلال، استهدفت فيها منازل سكنية ومحال تجارية تحوي بين جنباتها عشرات العائلات إلى جانب مساهمتها في إعالة آلاف الأسر الغزيّة، وأنا أنظر بأسى لما حلّ بهذا الشارع الذي كان في يوم ما جميلاً ومتألقاً، شاهدت ما لم أكن أتوقّعه أو أنتظره، حيث العشرات من الشبّان يزيلون أطنان الركام المنتشرة في كلّ مكان، بأيديهم العارية، وبإمكانيّات شبه معدومة، ومن دون وجود أيّ من الأجهزة الحكومية أو ما تبقّى منها، من دون جرّافات، أو شاحنات، أو رافعات، فقط أيادٍ ومعاول بسيطة، يُمسك بها شبّان بدا عليهم أثر الجوع، وانخفاض الوزن، وجوههم شاحبة، وأجسادهم هزيلة، إلا أن المعنويات بدت في أعلى درجاتها، والهمم في أفضل حالاتها، ينادون بأعلى أصواتهم: سنعيد ترميم ما دمّره الاحتلال ولن تكسرنا كلّ هذه الجرائم، سنهيّئ محلاتنا ومعارضنا للناس، حتى لو في أكشاك من الصفيح أو الأخشاب، فنحن لن نُهزم، ولن ننكسر، ولن نرفع الراية البيضاء.
تذكّرت حينها أنّ الهزيمة ليست بالضرورة أن تكون في ميدان القتال، وأيقنت أنّ ما يسعى إليه عدونا في الأساس هو هزيمة الروح وليس الجسد، وأنّ كلّ ما يقوم به من جرائم ومذابح إنما يسعى من ورائها إلى دبّ اليأس في صفوف هذا الشعب، وإلى دفعه لمغادرة أرضه تحت وطأة القتل والجوع وقلّة ذات اليد.
ختاماً نقول إنّ ما يجري في غزة اليوم، وما يُعرض عليها من خيارات، هو تماماً ما حدث في كربلاء الحسين رضوان الله عليه، إما التسليم بمشيئة المحتل، والقبول بما يفرضه عليها من أوامر وإملاءات، وإما القتل والذبح قصفاً وحرقاً وجوعاً.
إما تقديم فروض الطاعة لنتنياهو وترامب وحلفهما، وإما الفناء بصواريخ وقنابل تحيل الأجساد إلى غبار.
إما التنازل عن الحقّ في العيش بحرية وكرامة فوق أرض الآباء والأجداد، أو مواجهة حرب إبادة جماعية لا تُبقي لا تذر.
ولأنها غزة التي لم تُعطِ الدنيّة لعدّوها فيما سبق، ولأنها غزة التي ضربت أروع الأمثلة في التضحية والصمود والثبات، فإنّ ردّها على الطّغاة كان وما زال كما هو، تماماً كردّ سيدنا الحسين في كربلاء.
ردّ غزة على كلّ القتلة والمجرمين، والأدعياء وأبناء الأدعياء يقول، أتخيّروننا بين السلّة والذلّة، بين الحياة الذليلة أو القتل، بين الجوع أو التسليم، بين الانحناء لكم أو الذبح، ردّ غزة يقول: 'هيهات منا الذلّة، هيهات منا الذلّة'. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ احمد عبدالرحمن
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


اليمن الآن
منذ 40 دقائق
- اليمن الآن
حجاج بيت الله يتوافدون على عرفات لأداء الركن الأعظم
بدأت قوافل الحجيج، مع فجر الخميس التاسع من شهر ذي الحجة، التوافد على صعيد عرفات الطاهر؛ لأداء ركن الحج الأعظم، مفعمين بأجواء إيمانية يغمرها الخشوع والسكينة، وتحفهم العناية الإلهية، ملبين متضرعين داعين الله أن يمن عليهم بالعفو والمغفرة والرحمة والعتق من النار. واتسمت عملية انتقال جموع الحجيج من منى إلى عرفات بالانسيابية والمرونة، حيث واكبت قوافلهم متابعة أمنية مباشرة لتنظيمها حسب خطط التصعيد والتفويج، وإرشادهم، وتأمين السلامة اللازمة لهم. وأكملت مختلف الجهات المعنية جاهزيتها التامة منذ وقت مبكر، لتقديم مختلف الخدمات للحجاج في مختلف أنحاء المشعر، لينعموا بأداء النسك وهم آمنون مطمئنون. ويؤدي ضيوف الرحمن صلاتي الظهر والعصر جمعاً وقصراً بأذان واحد وإقامتين في مسجد نمرة اقتداءً بسنة المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام، بعد أن يستمعوا إلى خطبة يوم عرفة، التي سيلقيها هذا العام الشيخ الدكتور صالح بن حميد إمام وخطيب المسجد الحرام. ويقف الحجاج على صعيد عرفات الطاهر، في هذا اليوم المبارك، أفضل يوم طلعت عليه الشمس، في مشهد مهيب، راجين رحمة ربهم وابتغاء مرضاته. وأوضح الدكتور توفيق الربيعة، وزير الحج السعودي، أن ارتفاع درجات الحرارة في يوم عرفة يتطلب التأكيد على بقاء الحجاج داخل المخيمات من الساعة العاشرة صباحاً وحتى الرابعة عصراً؛ حفاظًا على صحتهم وسلامتهم، ومنعاً لأي حالات إجهاد حراري، عاداً المشي الجماعي العشوائي خطراً على انسيابية الحركة، وأرواح ضيوف الرحمن. وشدَّد الربيعة على ضرورة عدم الخروج من عرفات إلى مزدلفة مشياً، بل يجب الالتزام باستخدام وسائل النقل المخصصة، لافتاً إلى أن خطط التفويج والنقل تسهم بشكل مباشر في تنظيم حركة الحشود، وضمان سلامة الجميع، والالتزام بها مسؤولية جماعية. وحذَّرت وزارة الصحة من التعرض المباشر لأشعة الشمس يوم عرفة، خاصة خلال أوقات الذروة بين الساعة 10 صباحاً و4 عصراً، داعيةً للالتزام بخطط التفويج المنظمة، واستخدام المظلة أثناء التنقل، وتجنّب المشي على الأسطح الساخنة، والحذر من تسلّق الجبال أو المرتفعات؛ لما يسبّبه من إجهاد بدني شديد يزيد من احتمال التعرّض للإجهاد الحراري. ومع غروب شمس الخميس، تبدأ جموع الحجيج نفرتها إلى مزدلفة، حيث يصلون فيها المغرب والعشاء، ويبيتون بها حتى فجر الجمعة العاشر من شهر ذي الحجة، قبل أن يعودوا إلى مشعر مِنى لتكملة مناسك الحج. وتبلغ مساحة مشعر عرفات قرابة 33 كيلومتراً مربعاً، يتجمع فيه أكثر من مليوني حاج، وفرت لهم الحكومة السعودية جميع وسائل الراحة والأمن، وقدمت لهم خدمات بأعلى معايير الجودة، لتمكينهم من أداء مناسكهم بيسر وطمأنينة. وتتصف أرض عرفات باستوائها، وتحيط بها سلسلة جبال يوجد في شمالها جبل الرحمة الذي يتكون من أكمة صغيرة مستوية السطح وواسعة المساحة مشكلة من حجارةٍ صلدةٍ ذات لون أسود كبير الحجم، ويقع إلى الناحية الشرقية من جبل عرفات بطولٍ يبلغ 300 متر، ومحيطه 640 متراً، وترتفع قاعدته عن الأرض المحيطة به بمقدار 65 متراً، ويوجد على قمته شاخصٌ يبلغ ارتفاعه 7 أمتار. ويتطلع الحجاج إلى الوقوف على «جبل الرحمة» بعرفات خلال أدائهم مناسك الحج تأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي وقف عليه وألقى منه خطبة الوداع، ويحرصون على الدعاء والتضرع لله؛ طمعاً في الرحمة والمغفرة. ويعدّ «نمرة» ثاني أكبر مسجد مساحةً بمنطقة مكة المكرمة بعد الحرم المكي، وبني في الموضع الذي خطب فيه الرسول عليه الصلاة والسلام خلال حجة الوداع، وشهد في عهد الدولة السعودية أضخم توسعاته، على طولٍ بلغ 340 متراً، وعرضٍ يقدر بـ240 متراً، بمساحة تجاوزت 110 آلاف متر مربع، مع ساحة مظللة خلفه تقدَّر بـ8000 متر مربع، ليستوعب نحو 400 ألف مصلّ. ويظهر مسجد نمرة بـ6 مآذن بارتفاع 60 متراً، وله 3 قباب، و10 مداخل رئيسة تحتوي على 64 باباً، ويضم غرفة للإذاعة الخارجية مجهزة لنقل الخطبة والصلاتين في يوم عرفة مباشرة بواسطة الأقمار الاصطناعية.


26 سبتمبر نيت
منذ ساعة واحدة
- 26 سبتمبر نيت
الحكومة اليمنية :أمريكا الراعي الرسمي للإرهاب الصهيوني
عبرت حكومة التغيير والبناء، عن غضبها من الموقف الأمريكي المخزي والمشين، المتمثل في استخدام حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي، ضد مشروع قرارٍ يدعو إلى وقفٍ فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، وإنهاء العدوان الصهيوني الغاشم الذي يرتكب جريمة الإبادة الجماعية بحق أبناء فلسطين. وأشارت الحكومة في بيان صدر عنها اليوم، إلى أن هذا الفيتو - الذي يأتي في ظل إداناتٍ دولية واسعة النطاق، عبّرت عنها كلمات ممثلي الدول في مجلس الأمن وبيانات الحكومات والمنظمات الحقوقية والإنسانية - ليس إلا وصمةَ عارٍ أبدية على جبين أمريكا. واعتبرت استخدام الفيتو دليلاً ساطعاً لا يقبل الجدل أو التأويل، على مشاركة الولايات المتحدة المباشرة والوقحة في جريمة العصر التي يرتكبها الكيان الصهيوني المجرم لإبادة أكثر من مليونين وأربعمائة ألف فلسطيني محاصرين في غزة، يُمنع عنهم الغذاءُ والماء والدواء، ويُتركون تحت وابل القصف الوحشي وآلة التجويع الممنهج، في مشهدٍ يندى له جبين الإنسانية جمعاء، ويفضح زيفَ ادعاءات رعاة حقوق الإنسان. وقالت الحكومة إن "أمريكا بموقفها هذا أكدت مجدداً، وبما لا يدع مجالاً لأي شك، أنها هي الراعي الرسمي للإرهاب الصهيوني، وأنها شريكة شراكةً كاملة في كل قطرة دمٍ تسيل على أرض فلسطين الطاهرة". وأوضحت أن الفيتو الأمريكي، ليس مجرد قرارٍ سياسي، بل هو رخصةٌ غير شرعية لقتل المزيد من الأطفال والنساء والشيوخ في غزة، وهو غطاء لجريمة الإبادة التي يقترفها مجرم الحرب "نتنياهو" وعصابته الصهيونية المتوحشة. ولفتت إلى أن الفيتو الأمريكي يكشف مرةً أخرى عجز مجلس الأمن الدولي، واختلال موازين العدالة بشكلٍ فاضح، حيث يتم الضرب، عرض الحائط، بكل القوانين والأعراف الدولية والإنسانية. وأضافت الحكومة "فأي مجلسٍ هذا الذي يُشلّ قراره بإرادة دولةٍ واحدة اختارت أن تقف في صف الجلّاد ضد الضحية! وأي قانونٍ دولي هذا الذي يُنتهك صباح مساء دون حسيبٍ أو رقيب، عندما يتعلق الأمر بجرائم الكيان الصهيوني!". وتابعت مخاطبة العالم الذي يدّعي التحضر "ألا شاهت تلك الوجوه التي ترفع شعارات العدل والحرية، ثم تدوسها بأقدام المصالح الرخيصة والتحالفات المشبوهة". واستطردت الحكومة مخاطبة الأمة العربية والإسلامية بالقول "إن ما جرى ويجري لَيُثبت بالدليل القاطع، أن التعويل على ما يسمى بالمجتمع الدولي أو المنظمات الأممية هو ضربٌ من الوهم والسراب. وأن الخيار الوحيد الذي يُرتجى، والدرب الذي لا بد أن يُسلك، هو خيار العزة والكرامة، خيار المقاومة والجهاد في سبيل الله، لمواجهة هذا الصلف الأمريكي والإجرام الصهيوني المتوحش". وشددت على أن هذه المسؤولية الملقاة على عاتق كل عربيٍ ومسلمٍ حر وشريف، أمام الله، وأمام ضميره، وأمام دماء الشهداء وأنّات الجرحى وصبر المحاصرين في غزة العزة. وجددت حكومة التغيير والبناء، في صنعاء دعوتها كافة الشعوب العربية والإسلامية وحكوماتِها إلى تحمّل مسؤولياتها الدينية والأخلاقية والإنسانية تجاه ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من إبادةٍ جماعية، على مرأى ومسمع من العالم أجمع، في ظل صمتٍ وتخاذلٍ عربي وإسلامي رسمي مشين. وأكدت العهد المتجدد بأن إسناد اليمن لغزة وأهلها، سيستمر ويتوسع - في معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس - حتى وقف العدوان على غزة وإنهاء حصار أهلها، معتمدين على الله سبحانه وتعالى ومتوكلين عليه وواثقين بنصره. وليكون موقف اليمن - قيادةً وحكومةً وجيشاً وشعباً - ايقونةً مشرقةً في تاريخ الأمة، يعزز الأمل، ويحيي الضمير، وينير الدرب.


وكالة الأنباء اليمنية
منذ ساعة واحدة
- وكالة الأنباء اليمنية
نص الدرس السادس لقائد الثورة من سلسلة دروس القصص القرآني
صنعاء- سبأ: نص الدرس السادس من سلسلة دروس القصص القرآني في شهر ذي الحجة المبارك لقائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في 8 ذي الحجة 1446هـ الموافق 4 يونيو 2025م. أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إبراهيم وَعَلَى آلِ إبراهيم إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين. الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، وَتُبْ عَلَيْنَا، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ. أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات: السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛ في سياق الحديث على ضوء الآيات المباركة في القرآن الكريم، في قصص نبي الله إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، تحدثنا بالأمس عمَّا قام به من نقل بعض من أسرته إلى مكة، وكذلك عن قصة الاختبار الكبير، والامتحان العجيب، في رؤيا الذبح، وما تجلَّى في تلك القصة له ولابنه نبي الله إسماعيل "عَلَيْهِمَا السَّلَامُ"، مما هما عليه من عظيم التسليم لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى". نواصل في هذا السياق، ويتَّضح من خلال الآيات القرآنية المباركة، أن الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" هيَّأ لنبيه وخليله إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، من خلال الهجرة (من بابل في العراق، إلى الشام)، الأرض التي قال الله عنها: {الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ}، أن الله فتح لنبيه إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَامُ" آفاقاً واسعة في مهامه الرسالية، ودوره الرسالي، ودوره في هداية الناس، ثم يتَّضح لنا أيضاً من خلال الامتداد إلى مكة، ونقل بعضٍ من أسرته كذلك إلى هناك، وما ترتب على ذلك أيضاً فيما يتعلَّق بمسألة البيت الحرام، وإحياء الحج... وغير ذلك، أن هذا الدور اتَّسع أكثر حتى من الشام؛ ليكون على نطاقٍ واسع، وليؤسِّس أيضاً لدورٍ عالميٍ مفتوحٍ، يتجاوز تلك الجغرافيا في العراق والشام، وحتى في الجزيرة العربية، ويتجاوز أيضاً البعد الزمني، ليمتد عبر الأجيال. عندما قام نبي الله إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَامُ" بنقل بعضٍ من أسرته إلى مكة، لم يكن ذلك إجراءً عقابياً، أو بسبب مشكلةٍ أُسَرِيَّة، كما في الروايات الإسرائيلية؛ إنما كان في إطار هدفٍ عظيمٍ ومقدَّس، ذكره الله في القرآن الكريم في دعاء نبي الله إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَامُ": {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}، فهذا النقل- بنفسه- هو تأسيسٌ لمرحلةٍ جديدة، تأتي فيها مسألة إعمار البيت وبنائه، فهو في إطار الدور العالمي، الذي يهيئه الله لنبيه إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، وأراده لهم؛ لأنه تأهَّل إلى مستوى هذا الدور العظيم: دور يمتد عبر الأجيال، يتجاوز العائق الزمني، وينتشر في أصقاع الأرض، يتجاوز تلك الجغرافيا المحدودة، سواءً الَّتي كانت في إطار استقراره في الشام، أو ما قبل ذلك في العراق، دوراً يتجاوز كل ذلك. يقول الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" في القرآن الكريم؛ ليبيِّن لنا هذا الدور العالمي، الذي جعله لنبي إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَامُ": {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}، يذكر الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" في هذه الآية المباركة، كيف أنه اختبر نبيه إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَامُ" بهذا الاختبار، اختبار {بِكَلِمَاتٍ}، يعني: بعددٍ من المهام، والقضايا، والخصال، بحيث يتجلَّى من خلالها سمو نفسيته، وتسليمه لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وزكاؤه، وجدارته بهذا المقام الرفيع، الذي آتاه الله، {فَأَتَمَّهُنَّ}، فهو قام بما ينبغي أن يقوم به في تلك الكلمات والقضايا على أتمِّ وجهٍ، دون نقصٍ أو تقصير. وهذه من مزايا نبي الله إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، في أدائه الإيماني الراقي والعملي: أنه يؤدِّي أعماله الصالحة، التي هي مرضاةٌ لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ويؤدِّي مهامه ومسؤولياته في إطار ما كلَّفه الله به على أكمل وجه، من جميع الاعتبارات: الاعتبار النفسي. الاعتبار العملي. المطابقة لتعليمات الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" من كل الجوانب، دون نقص. ولـذلك يقول عنه هنا: {فَأَتَمَّهُنَّ}، قال عنه في آيةٍ أخرى في (سورة النجم): {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى}، فهو نجح في هذا الامتحان، {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ}، نجح في هذا الامتحان نجاحاً ممتازاً، بدرجة امتياز: {فَأَتَمَّهُنَّ}، مثلما نقول نحن في تعبيرنا ودرجاتنا في الامتحانات والاختبارات: (درجة امتياز) فعلاً، أتى هذا على أرقى وجه وأكمل وجه. {قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا}، وهذا في إطار سُنَّة الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" في هداية عباده، والدور الذي جعله لرسله وأنبيائه، في أن يكونوا في موقع الهداية، والقدوة، والقيادة لعباده، للناس، فهو جعل لإبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَامُ" موقعاً متميِّزاً في ذلك، موقعاً أوسع وأكمل وأكبر من كثيرٍ من الأنبياء والرسل، لكن في إطار هذه السُّنَّة نفسها. فالله هنا: {قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ}، (إِنِّي جَاعِلُكَ): الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" هو الذي جعله إماماً، لماذا؟ لأن الله هو الذي يجعل، يجعل من خلال أمره، وتدبيره، وهدايته، وتأهيله؛ لأن هذه المسألة هي مسألة مرتبطة بالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، مرتبطة؛ لأنها هي أيضاً في صميم مسألة الهداية (الهداية للناس)، والله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" هو من إليه ذلك، كما قال "جَلَّ شَأنُهُ": {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى}، فالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" جعله إماماً للناس، ولم تكن إمامته مجرَّد منصب، فتكون النظرة إليها فقط على أنَّها منصبٌ مُعَيَّن؛ بل هو أيضاً بمؤهلاته الراقية، بنفسيته، بروحيته، بمواقفه، بأعماله العظيمة، بحركته برسالة الله، في موقع الهداية، والقدوة، والأسوة، يَأتَمُّ به الناس ويقتدون به عبر الأجيال، وفي المقدِّمة الأنبياء من بعده، الأنبياء من بعده والرسل صار قدوةً لهم، وإماماً لهم، فهو قدوةٌ، يستلهمون من مواقفه، من روحيته، من أعماله، ما فيه الأسوة وفيه القدوة لهم. نبي الله إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَامُ" في هذا الموقع: موقع الهداية للناس، الأسوة، القدوة، الائتمام به، الاتِّباع له، الاهتداء به، الاستلهام بما فيه الهداية من مواقفه، هو ركنٌ في سلسلة الأنبياء "عَلَيْهِمُ السَّلَامُ"، وفي سلسلة الهداة، ودوره عالميٌ، يعني: هناك كما بيَّن الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" في آيةٍ أخرى، أنه فَضَّل بعض النبيين على بعض، وكذلك الرسل: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}، فالبعض منهم أدوارهم أدوار كبيرة جدًّا، أساسية، يستفيد منهم حتى الرسل والأنبياء من بعدهم، ويستفيد منهم الناس، ويمتد دورهم في مستوى التأثير، وفي مستوى الإلهام، في مستوى الهداية، عبر الأزمان، وإلى أجيال كثيرة، وفي نطاقٍ واسع، في نطاقٍ عالمي، فهو قطبٌ وركنٌ في سلسلة الهداه من أنبياء الله ورسله. {قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي}، نبي الله إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَامُ": {قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي}، هو يسأل الله، يدعو، يعني: واجعل يا إلهي من ذريتي أئمةً للناس، في إطار هذا الدور، ليكون هداةً للناس، وليسيروا بالناس في إطار مسيرة الهداية الإلهية، وطريق الحق والهدى، الموصل إلى خير الدنيا والآخرة؛ لأنه حريصٌ أن يمتد هذا الدور عبر الأجيال، وأن يصل إلى أكثر من جيل، لا أن يكون محصوراً في نطاق، أو عصر معيَّن. {قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي}، نفس المسألة هو يسأل الله أن يجعل من ذريته أئمةً هداةً للناس؛ لأنه يعرف أن المسألة لا يمكنه أن يتدخَّل فيها هو بقرارٍ من عنده، ليست مسألةً- مثلاً- يمكن الاكتفاء فيها بالوراثة، أنهم سيرثون تلقائياً منه هذا الدور، أو أن تكون مسألة خاضعة للمزاج، أو القرار الشخصي، فهي مسألةٌ يختص بها الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"؛ لأن فيها ما يعود إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" في تدبيره، في هدايته، في اختياره، في تأهيله... وغير ذلك؛ ولـذلك لم تكن المسألة بالشكل الذي لا يحتاج فيها أن يعود إلى الله، وأن يطلب من الله، ويكتفي- مثلاً- بأن يُقَرِّر هو، أو يُحَدِّد؛ لأنَّها ليست مجرَّد مناصب، مناصب معيَّنة؛ بل هي مسألةٌ مختصَّةٌ بالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، في إطار سُنَّةٍ من سُنن الله في هداية عباده، وإقامة الحُجَّة عليهم، وإقامة دينه فيهم، وليست مسألةً خاضعةً لمزاج الناس. هنا أتى الجواب عليه من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى": {قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}، هنا كذلك يبيِّن أن المسألة- لما قد سبق، وبهذه الجملة نفسها- من اختصاص الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" هو الذي يجعل؛ ولهـذا هو يقول: {لَا يَنَالُ عَهْدِي}، ينسب المسألة إليه "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}، فيؤكِّد اختصاصه بالمسألة، وأنها ليست منصباً متوارثاً، يتوارثه الناس كيفما يشاؤون، ولا متروكةً لمزاج الناس وأهوائهم؛ بل مسألةً مختصَّةً بالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى". تضمَّنت هذه الإجابة من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، طبعاً هو استجاب له، هو استجاب له، لكن تضمَّنت هذه الاستجابة من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى": تنزيه هذا المقام وهذا الدور عن الظالمين؛ لأن الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" لن يجعل لهم أي مشروعية، ولن يقبل بهم في إطار هذا الدور؛ لأن الظالمين متباينون تماماً مع هذا الدور: دور لهداية الناس، للسير بهم في طريق الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، للتربية لهم على أساسٍ من دين الله وتعليماته وهديه، دور هداية، وقدوة، وأسوة. الظالمون بعيدون عن هذا الدور، وهم متباينون معه تماماً، بعيدون عن مقام هداية الناس، هل الظالم في مقام أن يهدي الناس إلى الله؟ هو ليس بمهتدٍ في نفسه، هو متباين مع خط الهداية، وطريق الهداية، هل هم في مقام أن يقيموا دين الله، وهم متباينون؟! هم متَّجهون اتِّجاهاً معاكساً لإقامة دين الله؛ لأن اتِّجاه الظلم هو اتِّجاه معاكس تماماً لمسألة إقامة دين الله، وإقامة القسط في عباد الله. ليسوا أيضاً في مقام القدوة والهداية للناس، ولا القيادة وفق هدى الله وتعليماته؛ فهم- فعلاً- في اتِّجاه متباين تماماً مع طبيعة هذه المسؤولية، وهذا الدور، التي أتى التعبير عنها في هذه الآية المباركة في إطار هذا العنوان: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي}. الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"- كما قلنا- استجاب له، جعل في ذريته النبوَّة والكتاب، كما قال في القرآن الكريم: {وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ}، فكان من نسله الكثير من الأنبياء والرسل، وكان من نسله خاتم الأنبياء والمرسلين محمد "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ". نبي الله إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَامُ" في إطار هذا الدور: {جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا}، بقي صيته عالمياً بين مختلف الأمم، مع الذكر الحسن، يعني: تنظر إليه مختلف الأمم على أنه يمثِّل القدوة الحسنة، القدوة المتكاملة، في مجال الكمال الإنساني، والأخلاقي، والإيماني، في إطار هذا الدور الذي جعله الله له. في إطار الدور العالمي، الذي جعله الله لنبيه إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، وهو دورٌ أيضاً امتد عبر الأجيال، على مدى آلاف السنين إلى اليوم، ويمتد إلى قيام الساعة، جعل إليه إعمار البيت الحرام، وإحياء الحج، وهو نقل بعضاً من أسرته- كما بيَّنَّا في هذه المحاضرة والتي قبلها- إلى مكة لهذا الغرض المُقَدَّس. فنبي الله إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، أمره الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" أن يقوم ببناء البيت الحرام (الكعبة المُشَرَّفة)، وهي أول بيتٍ وُضِعَ للناس، وفق الدور الذي أراده الله أن يكون له (بيت الله الحرام): أن يكون قبله، أن يكون للحج إليه، أن يكون معلماً دينياً عظيماً، هو أقدس بيوت الله على الأرض، أن يكون له أيضاً أدوار أخرى، نتحدث عن بعضها على ضوء الآيات القرآنية المباركة. قال الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" في القرآن الكريم: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}، من الواضح- كما في الآية المباركة بشكلٍ صريح- أنه أول بيت وُضِعَ للناس في إطار هذا الدور: أن يكون قبلة، وأن يكون للحج، وأن يكون معلماً عامّاً للناس، مُقَدَّساً، من معالم دين الله، من معالم ربوبيته، وتوحيده، وألوهيته، والعبادة لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"؛ أمَّا بالنسبة للبداية، متى كانت هذه البداية؟ أغلب المؤرخين والمفسرين، يقولون أنه: وُضِعَ منذ بداية الوجود البشري، يعني: منذ عهد آدم "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، فَبُنِيَّ لهذا الدور: ليكون معلماً، قبلةً، ليكون معلماً مقدَّساً، ليكون للحج إليه، والتعظيم له، والتقديس له، معلماً لعبادة الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ثم مع امتداد الزمان وطوله، وكثرة المتغيرات والأحداث، ومن ضمن ذلك- عند بعض المفسرين- الطوفان العظيم، في عصر نبي الله نوح "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، تغيَّرت الوضعية في مكة بشكلٍ كامل، هُجِرَت من السكان بشكلٍ تام، وعلى مدى زمن طويل، وكذلك تَهَدَّمت الكعبة، ولم يَبْقَ لبقية المجتمعات البعيدة عنها ارتباط بها؛ بسبب انتشار الشرك، والكفر، والضلال، في بقية المجتمعات البشرية، وطالت المدة الزمنية بهذا الشكل، إلى عهد نبي الله إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَامُ"؛ فأتاه الأمر من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" لأن ينقل بعضاً من أسرته وفرعاً منه إلى مكة، وأن يُعيد إعمار البيت الحرام من جديد، وأن يُعيد إحياء الحج من جديد، وأن يعيد لهذا البيت الحرام والمقدَّس دوره في واقع المجتمع البشري. فالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" حدَّد له موقع البيت الحرام، أين هو موقعه بالتحديد؛ ولهـذا قال الله "جَلَّ شَأنُهُ": {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}، فالله حدَّده له، وحدَّد له موقعه، ويظهر من نفس العبارة القرآنية: {بَوَّأْنَا}، أنَّها تفيد أكثر من مسألة الإعلام بالإشارة إليه، أو بالوحي إليه (إلى المكان)؛ بل كان هناك تهيئة للمكان نفسه، وإظهار للمكان نفسه في موقعه، وكان موقعه ولا يزال، وهو موقعه الثابت أبداً، منذ أن وُضِع، وإلى قيام الساعة، في موضعه الذي هو فيه حالياً، يعني: عَبَّر القرآن الكريم عن اسم مكانه بقوله تعالى: {لَلَّذِي بِبَكَّةَ}، فهو كان، ولا يزال، ويبقى دائماً في هذا الموقع، لا يمكن نقله إلى موقعٍ آخر أبداً. {لَلَّذِي بِبَكَّةَ}، (بَكَّة) اسمٌ لنفس الموقع الذي فيه البيت الحرام، الذي فيه الكعبة، الموقع من الوادي نفسه، عرَّف الله نبيه إبراهيم بذلك الموقع، وهيَّأه له؛ من أجل أن يقوم بإعماره، وأن يعمره وفق هذه المبادئ، ليس مجرَّد بناء كيفما كان، بناء في إطار دوره المقدَّس، كمعلمٍ لتوحيد الله، للعبادة لله، معلم عظيم، له هذا الدور المهم، والقائم على أساس هذه المبادئ العظيمة، والمهمة، والمقدَّسة. {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}، أن يُعلِن الحج، وأن يدعو الناس إليه دعوةً عامة؛ لأنه ليس معلماً خاصاً بمنطقة معيَّنة، أو بقومٍ معيَّنين، أو بدولة معيَّنة، هذا معلم لكل الناس، عليهم أن يستجيبوا لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وأن يَحُجُّوا إليه، وهي فريضةٌ عليهم، {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}، كما تقدَّم في الآية السابقة. {يَأْتُوكَ رِجَالًا}، يعني: مُشاة، ماشيين، راجلين، {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ}: وأيضاً من يأتي وهو راكب، حتى من المسافات البعيدة، والذين هم في مسافات بعيدة هم أحوج إلى وسائل النقل، وأن يأتوا عبر وسائل النقل. ومجيئهم فيه منافع لهم، منافع واسعة، {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}؛ لأن الله غنيٌ عن الناس، في كل ما شرعه الله للناس، وأمرهم به، هو غنيٌ عنه، ليس بحاجةٍ إليه إطلاقاً؛ ولكن الناس هم بحاجة إلى ذلك؛ لأن ما شرعه الله لنا وأمرنا به فيه الخير الواسع لنا، وفيه المنافع الواسعة لنا، في ديننا، وتمتد إلى مختلف شؤون حياتنا، في واقع دنيانا، ليس هناك انفصال عن ذلك؛ بل يمتد إلى كل ذلك. {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ}؛ لأن الحج تحدَّدت له مُدَّة زمنية واحدة؛ ليتوحد الناس في أداء فريضة الحج؛ ولهـذا قال الله: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}، فلا يمكن أداء فريضة الحج في غير تلك المُدَّة الزمنية والأوقات المحدَّدة، التي حدَّدها الله. كان الرئيس الأمريكي (بوش، بوش الابن) قد اقترح أن يتم توزيع أوقات الحج؛ لأن اليهود والنصارى ينزعجون جدًّا من حج المسلمين، في أكبر تَجَمُّعٍ سنويٍ مستمر، لغاية مقدَّسة، وأهداف عظيمة، وفي إطار شرع الله وتعاليمه، في أداء فريضة الحج، لا يزال هذا معلماً لوحدة المسلمين، معلماً للدين الإلهي الحق، للإسلام العظيم، معلماً يمكن في يومٍ من الأيام إذا أُدِّيَ كما ينبغي، ووفق ما شرعه الله، ووفق الدور الذي شرعه الله له، أن يكون عاملاً مهماً جدًّا في وحدة المسلمين؛ فهـو يقلق من ذلك (بوش) وغيره، من قبله ومن بعده من زعماء أمريكا، كذلك بقية الزعماء في الغرب الكافر، كذلك اليهود يغتاظون جدًّا، ويقلقون، وينزعجون جدًّا، وسنتحدث عن مدى انزعاجهم، وعن مؤامراتهم التي تستهدف الحج، وتستهدف البيت الحرام، فقال: ؛ لأنه ينزعج من هذا المظهر من مظاهر وحدة المسلمين. على كُلٍّ، قام نبي الله إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَامُ" بهذا الدور، بهذه المهمة المقدَّسة؛ لأن فيها مسألة الإعمار، وفق تلك المبادئ المقدَّسة والعظيمة، وفي إطار الدور العظيم المقدَّس، المُتَّصِل تماماً بدور نبي الله إبراهيم، في أن يكون إماماً للناس، وهادياً للناس، ورسولاً إلى الناس، في إطار دور الهداية للناس؛ قام نبي الله إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَامُ" بهذا الدور، ومعه ابنه نبي الله إسماعيل "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، بأمرٍ من الله تعالى، كما في القرآن الكريم: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}. هذا الدور عُهِدَ به إلى من؟ إلى نبي الله وخليله إبراهيم، من كبار الأنبياء والرسل، وابنه نبي الله إسماعيل "عَلَيْهِمَا السَّلَامُ" كذلك من عظماء الرسل والأنبياء، ليقوما بهذا الدور، الذي هو مَعْلَمٌ مهمٌ جدًّا في العبادة لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وفي أن يكون للبيت الحرام الدور الواسع كمَعْلَم عظيم، مَعْلَم هداية، مَعْلَم إيمان، مَعْلَم يقوم على أساس ربط الناس بدين الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وبركات واسعة تتحقَّق لهم من وراء ذلك. هذه التهيئة، وهذه الإدارة، التي تشمل توفير البيئة الطاهرة، الملائمة، المناسبة، للوافدين إلى هذا المَعْلَم العظيم، كانت معهودةً عَهِد الله بها إلى من؟ إلى إبراهيم وإسماعيل. هُمَا قاما أولاً بمسألة الإعمار والبناء على مستوى البنيان، ثم أيضاً هذا الدور في العبادة، وفي الحج، وفي أن يكون مصدراً للخير، والبركات، والهدى؛ ولـذلك يقول الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وهو يذكر لنا كيف قاما بعملية البناء في إطار روحية إيمانية عالية ومقدَّسة، يقول الله "جَلَّ شَأنُهُ": {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ}، أسس البيت، فيعمل على رفع أسس البيت وهو يبني، ومعه من؟ {وَإِسْمَاعِيلُ}، {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}، فهما وهما يقومان بذلك العمل العظيم، والمقدَّس، والمشرِّف، والذي هو من القُربَات العظيمة المُقَرِّبَة إلى الله، وبما هما عليه من إيمان، وتقوى، وعلاقة عظيمة بالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وقرب كبير في المنزلة الإيمانية من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ومنزلة النبوَّة والرسالة؛ مع ذلك يؤدِّيان هذا العمل العظيم وهما بهذه الروحية الخاشعة لله، الخاضعة لله، يتقرَّبا إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، يتقرَّبان إلى الله "جَلَّ شَأنُهُ" بهذا العمل، وهما يستشعران أن المِنَّة كُلَّ المِنَّة لله، وأن الفضل له، ولا مِنَّة لهما، ويعتبران نفسيهما في حالة التقصير؛ ولـذلك يدعوان بهذا الدعاء: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}. البعض من الناس، عندما يؤدِّي أيّ عملٍ صالح يؤدِّيه ويشعر وكأن له المِنَّة، يخالطه فيه، تخالطه مشاعر الغرور، ومشاعر العجب بالنفس، قد يصل به الحال أن يستشعر أن له الفضل والمِنَّة، وأن من المفروض أن يكون عمله مُتقَبَّلاً على كل حال، ولا يحتاج إلى أن يدعو الله ليقبل منه ذلك العمل، مقبول أساساً والمِنَّة له! هذه مشاعر بعيدة كل البعد عن الشعور الإيماني، عن الحالة الروحية الإيمانية، النفسية الإيمانية للإنسان المؤمن، الذي يستشعر عظيم حق الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وأنه مهما عمل لا يزال مُقَصِّراً، كذلك يستشعر عظمة الدين الإلهي، المسؤوليات الدينية، وقُدْسِيَّتها الكبيرة، فوق مستوى ما قد يؤدِّيه هو، مهما كان جهده. فهما يحملان هذه الروحية: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ}، وهما من هما في مستوى التسليم لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، بيَّن الله لنا المستوى العالي جدًّا مما هما عليه من التسليم لله "جَلَّ شَأنُهُ" في قصة (رؤيا الذبح)، أي تسليم بذلك المستوى! ولا يزالان يدعوان بهذا الدعاء: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ}. {وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ}؛ لأن لديهما اهتمام فيما يتعلَّق بالذُّرِّيَّة، أن تكون ذُرِّيَّة مسلمةً لله، وعنوان (الإسلام لله) هو العنوان الأساس للدين الإلهي، حتى في عصر نبي الله إبراهيم، وعصر نبي الله إسماعيل، وما قبلهما، وما بعدهما، عنوان (الإسلام لله). {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}، الطريقة التي نعبدك بها، سواءً على مستوى الصلوات، الحج... بقية الأعمال، {وَتُبْ عَلَيْنَا}، هذا الدعاء منهما، فيما هما عليه من إيمانٍ عظيم، درجةٍ عاليةٍ راقية، لكن- كما قلنا- هما بعيدان كل البعد عن أيِّ ذرَّة من مشاعر الغرور، أو العجب. البعض من الناس وهو مستهتر، عاصي، بالكاد يطلب من الله أن يتوب عليه؛ أمَّا هما فهما في عمل عظيم ومشرِّف ومقرِّب إلى الله، وهما بهذا الخضوع والخشوع لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، يعيشان حالة مشاعر التقصير، وطلب أن يتوب الله عليهما، وهما يؤدِّيان هذا العمل العظيم والمقدَّس. {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، فهما يدعوان أيضاً لمستقبل الأيام الآتي، في ذريتهما، أن يبعث الله فيهم رسولاً منهم، هذا الرسول هو رسول الله وخاتم أنبيائه محمد "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، فهو في دعاء إبراهيم ودعاء إسماعيل "عَلَيْهِمَا السَّلَامُ"، حتى وهما أثناء عملهما في بناء الكعبة المشرَّفة. أَتَمَّا بناءها على مستوى العمران والبناء، وكذلك قاما بإحياء دورها العظيم، بما عهد الله به إليهما، كما في الآية المباركة: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}، وهما من يستوعبان مدى قُدْسِيَّة هذا المَعْلَم المقدَّس من معالم دين الله، وهذا الدور المهم له، والمتَّصل بدورهما هما كنبيين من أنبياء الله، في هداية الناس إلى الله وإلى دينه. حينما نتأمل في الآيات القرآنية المباركة، عن قُدْسِيَّة ودور البيت الحرام بالنسبة للناس، وهناك الكثير من الآيات المباركة، نقرأ البعض منها؛ لأنها اتَّصلت أيضاً بهذا الدور لهما، وكان هذا الدور مُتَّصِلاً بدورهما، كما بَيَّنَّا. الله "جَلَّ شَأنُهُ" قال في القرآن الكريم: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}، فبيت الله الحرام، وهو أضافه إلى نفسه إضافة تشريف، وتعظيم، وتقديس، وبحسب الدور المُتَّصل بالعبادة لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" وفق ما شرعه الله، فهو مَعْلَم عظيم، من معالم دينه، وتوحيده، وربوبيته، وألوهيته، وهو مَرْجَع ومأوى للناس، يأوون إليه، يعودون إليه، يذهبون إليه، يحجُّون إليه، يقصدونه في الحج والعمرة، يتوجَّهون إليه في صلاتهم، يلتقون حوله في إطار هذه العبادات التي شرعها الله لهم بشكلٍ متكرِّر، ويجتمعون حوله، ويتَّجهون إليه في إطار هذا الدور الذي جعله الله له، فله قُدْسيَّة عظيمة، وقدسيَّة مهمة، وسمَّاه أيضاً بالحرام لحرمته، وحرمة أي مساسٍ به، أو بالوافدين إليه، وحُجَّاجه، والمعتمرين إليه، والعابدين لله فيه. أيضاً فيما يتعلَّق ببيان شأنه العظيم وبركته، يقول الله عنه في الآيات المباركة من (سورة آل عمران): {مُبَارَكًا}، هو مَعْلَمٌ مبارك، فيه بركة، وهو مصدر بركات واسعة: في آثاره الروحية والنفسية على المستوى الإيماني: سواءً في الجانب النفسي والوجداني. في مشاعر القرب من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى". في بركاتـــه الدينيــة: في فضل العبادة فيه، والأجر الكبير عليها، إذا أُدِّيت على أساسٍ من التقوى، ووفق ما شرع الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى". في استجابة الدعاء. في البركات كذلك التي هي في إطار اجتماع الناس فيه على عبادة الله، وفق هدايته وشرعه. هو مصدر خير كبير، وبركات واسعة متنوعة: في نفوس الناس، في حياتهم، في دينهم، في دنياهم، في شؤون حياتهم المختلفة... الحديث عن هذه المسألة يمكن أن يطول كثيراً، لكنه في هذا الجانب فوق مستوى تصورنا، وتقديرنا، وإحاطتنا، وفوق مستوى حتى معرفتنا؛ يعني: بركاته واسعة جدًّا، تشمل جوانب كثيرة. يقول عنه: {وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ}، لأن فيه دلائل هداية، ومعالم هداية، الإنسان إذا فهمها وعرف بها، يهتدي إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، يهتدي إلى دينه، يهتدي إلى الحق؛ ففيه دلائل، وفيه علامات، وفيه أدلة واضحة، وكذلك في دوره، يعني: فيه على المستوى الجغرافي معالم واضحة. فيه على مستوى ما يُشاهَد دلائل هادية. وفي إطار دوره كمَعْلَم للعبادة، للحج، للعمرة، للقبلة... غير ذلك. وكذلك في إطار ما شرعه الله في فريضة الحج، وما شرعه الله في العمرة، وما شرعه في العبادات التي تؤدَّى فيه. كل ذلك مما فيه هداية، يزيد الإنسان هدايةً إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، إضافةً إلى أن الاجتماع فيه، في إطار هذه العبادات التي شرعها الله فيه، كذلك هذا الاجتماع هو من الوسائل التي يمكن أن تكون من وسائل الهداية التي تَعُمُّ الناس، تنتشر عبر هؤلاء الحجاج، عبر المعتمرين إلى أصقاع واسعة من الأرض، وسيلة من وسائل نشر الهدى وتعميمه. البركات، والهداية، والمنافع- لأن المنافع أيضاً مما ورد في الآيات القرآنية، كما سبق في الآيات القرآنية المباركة: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}- البركات، والهداية، والمنافع، هي متوفِّرة بشكلٍ عظيم في هذا المَعْلم المقدَّس والمبارك في بيت الله الحرام، هي متوفِّرة فيه بشكلٍ كبيرٍ جدًّا، لكن مستوى ما يمكن أن نحصل عليه منها نحن كبشر، مستوى ما يمكن أن نحصل عليه من هذه الفوائد: من البركات. من الهداية. من المنافع. مستواه متوقفٌ على مستوى إقبالنا نحن، وعينا بهذه المنافع، بهذه الهداية، أيضاً بهذه البركات، فإقبالنا الواعي، إقبالنا بإيمانٍ وتقوى، اهتمامنا، حرصنا، سعينا فيما يعلمه الله منا كبشر في ذلك، هذا له دور في مستوى ما نستفيد نحن: من تلك البركات، من تلك المنافع، من تلك الهداية. أيضاً تفعيل الدور لهذا المَعْلم المقدَّس المبارك، لبيت الله الحرام، تفعيل الدور الكبير له، له أيضاً علاقة بمستوى ما يمكن أن يحصل عليه الناس من هذه البركات، من هذه المنافع، من هذه الهداية. حينما كان القائم بهذا الدور نبي الله وخليله إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، ونبي الله إسماعيل، ونبي الله محمد في عصره وزمنه من بعد فتح مكة، بالتأكيد المسألة مختلفة تماماً عن أي مرحلةٍ زمنيةٍ أخرى؛ لأنه ارتبط هذا الدور، اقترن تماماً بدورٍ مرتبطٍ به، هو: دور الهداية، دور أنبياء الله ورسله الهداة للناس؛ وبالتـالي في كل زمن، فإنَّ مستوى ما يمكن أن يحصل الناس عليه من هذه البركات الموجودة، والمنافع الموجودة، والهداية الموجودة، لابدَّ فيه من إقبالهم هم، وسعيهم، وحرصهم، ولابدَّ فيه أيضاً من تفعيل هذا الدور لهذا المَعْلم المقدَّس، في إطار الدور المقترن بالهداية للناس، بالسعي لتفعيل هذا المَعْلم المقدَّس وفق شرع الله، وفق هداية الله، وفق آيات الله، وفق ما أراده الله له، وبيَّن ذلك في كتابه الكريم، وعلى لسان نبيه "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، وما قبل ذلك في إطار ما قام به نبي الله إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَامُ". نبي الله إبراهيم هو أحيا الحج، وعلَّم الناس مناسك الحج، أذَّن فيهم بالحج، ناداهم، ودعاهم، وأحيا هذه الفريضة المقدَّسة، وعلَّم الناس بكيفيتها، واستمر على هذا الدور أيضاً نبي الله إسماعيل "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، إماماً للناس، ورسولاً في نفس الوقت، أدَّى هذا الدور بشكلٍ كامل، واستمر الحج لم ينقطع ولم يتوقف على مدى آلاف السنين، حتى في زمن الجاهلية، بالرغم مما أدخلت فيه الجاهلية من الخرافات، ومما لوَّثت به الحج من خرافاتها وأباطيلها، لكن الحج استمر، وعندما تمكَّن رسول الله "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ" من فتح مكة، أعاد للحج نقاءه، صفاءه، وأزال عنه كل ما قد لوَّثته الجاهلية به. الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" أيضاً مما بيَّنه لنا عن البيت الحرام في قدسيَّته، في ما فيه أيضاً مما يهدينا، ويُلهمنا، ويفيدنا، قال عنه في القرآن الكريم: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ}، يعني: في البيت الحرام آيات بيِّنات، دلائل واضحة تهدينا، {مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ}، مقام إبراهيم هو أيضاً مما يتوفَّر عند البيت الحرام، وبجوار البيت الحرام، وكان فيما قبل مُتَّصلاً، مجاوراً جواراً مباشراً للكعبة المشرَّفة، مقام إبراهيم هو الصخرة التي فيها أثر قدميه، وبقيت مَعْلَماً تاريخياً دينياً مقدَّساً، مقدساً، له قدسيَّته، وله أهميته الكبيرة في الهداية؛ لأن من أهمِّ ما فيه من الدلائل التي تفيدنا، هو: التأكيد على وحدة مسيرة الدين الإلهي، أنت تجد أنَّ رسول الله محمداً "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ" يصلك في هذا الحج، في هذا الشرع الإلهي، في هذه التعليمات الإلهية، في هذه الطقوس الدينية المقدَّسة، يصلك بإبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، وحدة مسيرة الدين الإلهي مع أنبياء الله ورسله يذكِّرنا أيضاً بنبي الله إبراهيم، حينما نتذكَّر نبي الله إبراهيم، ونعود إلى القرآن الكريم، وما ذكره الله عنه، كم في ذلك من الهدى الواسع، الذي يَشُدُّنا إليه، والآثار من أهم ما فيها: أنها معالم مشاهدة، مرئية، حينما نشاهد أثر قدمي نبي الله إبراهيم، هذا يذكِّرنا به، ويؤثِّر فينا نفسياً، وروحياً، وعاطفياً، حينما نشاهد معالم ملموسة وواضحة. المعالم التاريخية الدينية في شعائر الحج هي كثيرة، شعائر الحج بنفسها، النطاق الجغرافي، والمواقع الجغرافية، يعني: سواءً فيما يتعلَّق بالبيت الحرام ومحيطه. والسعي بين الصفا والمروة. ما قبل ذلك مقام إبراهيم قبل السعي بين الصفا والمروة. ثم كذلك حينما يذهب الحجيج إلى مِنَى. ثم حينما يذهبون إلى عرفات. ثم حينما يذهبون إلى مزدلفة. ثم حينما يعودون أيضاً إلى مِنَى في اليوم العاشر. كل هذه المواقع الجغرافية، والمناطق الجغرافية، هي تذكِّرنا بنبي الله إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، هو حج في هذه المواقع الجغرافية، المناطق الجغرافية، وفق الشعائر نفسها التي نؤدِّيها في الإسلام، امتداداً لما كان عليه نبي الله إبراهيم وإسماعيل، وإلى رسول الله محمد "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ". في قصة رمي الجمار، والموقف من الشيطان، ولنبي الله إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَامُ" مقامات متعدِّدة في المواجهة للشيطان، وفي هزيمة الشيطان، نبي الله إبراهيم له مقامات حسَّاسة، سواءً في الحج نفسه، أو في قصة رؤيا الذبح، وحينما ذهب بابنه نبي الله إسماعيل "عَلَيْهِ السَّلَامُ" إلى مِنَى، في عملية الاستعداد للتنفيذ التام لمسألة الذبح، وفي مقامات أخرى، حتى في مقاماته قبل هجرته من بابل، له مقامات في المواجهة للشيطان، وفي الهزيمة للشيطان، في مقامات العداء للشيطان، والبراءة من الشيطان، ومن نهج الشيطان، ولرمي الجمار رمزية مهمة جدًّا، ودلالة مهمة، وهداية، في كيف يجب أن نكون في عدائنا للشيطان، أن نتَّخذه عدواً، كما قال الله تعالى في القرآن الكريم: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا}، فنحن نعلن الموقف منه، البراءة منه، من نهجه، من خطه، من أوليائه، ممن على دربه وطريقته، موقف مباينة، موقف عداء، لكن تجسَّد في إطار مواقف رمزية؛ ليبنى عليها- في نفس الوقت- فيما بعد ذلك في الإطار العملي: الالتزام بنهج الله، والمباينة لخط الشيطان. فكل المعالم في فريضة الحج، وفي البيت الحرام، في مكة، في إطار المناطق والجغرافيا التي هناك فيها فرائض معيَّنة، أو مناسك معيَّنة، وعبادات معيَّنة، فيها ربط تاريخي بنبي الله إبراهيم، ونبي الله إسماعيل، ورسول الله محمد "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"؛ بل وحتى بـ(هَاجَر) نفسها، في مسألة السعي بين الصفا والمروة، في القصة المشهورة لـ (هَاجَر) "عَلَيْهَا السَّلَامُ"، في الحجر الذي يقال أنَّها دُفِنَت فيه، جثمانها دُفِن فيه. على كُلٍّ، فيما يتعلَّق بقدسيَّة وأهمية الآثار الدينية، وأثرها الروحي والنفسي، هي من المسائل المهمة، ومن المسائل التي يحاربها أعداء الإسلام، ويعملون على إزالتها، وعلى طمسها، وحتى لا يبقى لها أيُّ أثر أبداً. يقول الله: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}، فهناك في هذا السياق نفسه: ركعتان بعد الطواف، سواءً للحجاج، أو للمعتمرين، أو للذين يطوفون أيضاً من غير الحج والعمرة، كالذين يستقرُّون في مكة، أو كقربة إلى الله في أيِّ وقت للمستقر هناك مثلاً، فهو مقام مقدَّس، تؤدَّى فيه هذه القربة إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" لقدسيَّته، وهذه مسألة واضحة في قدسيَّة، وبركة، وأهمية المعالم والآثار الدينية. {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}، في التشريع الإلهي، الله شرَّع في دينه الأمن لهذا المَعْلم المقدَّس، وعظَّم حرمته، وحرَّم بأشد التحريم أي اعتداء على إنسان يدخله، فالإنسان عندما يدخل في الحرم يكون آمناً في إطار التشريع الإلهي، لا يجوز أن يناله أحد بأذى هناك، أو أن يعتدي عليه، طالما بقي هو أيضاً محترماً لهذه الحرمة، فلا ينتهكها هو. هذه مسألة أتت في التشريع الإلهي، وأتت أيضاً في التهيئة الإلهية، في التعظيم لهذا المقام؛ ولذلك- فعلاً- استقرت الحالة الأمنية فيه أكثر من أيِّ موقعٍ آخر على وجه الأرض، وعلى مدى زمنٍ طويل، وإن كانت هناك اعتداءات، أو انتهاكات في مراحل زمنية معيَّنة، أو مراحل تاريخية معيَّنة، أو عصور معيَّنة، من بينها- مثلاً- مراحل في عصرنا هذا، لكن الحالة الغالبة هي: حالة الاستقرار الأمني فيه أكثر من أي بقعة على وجه الأرض؛ أمَّا التشريع الإلهي فهو حاسم جدًّا، حتى في حرمة الصيد للحيوانات التي يجوز صيدها فيما عداه، وفيما عدا أيضاً الحرمة الأخرى في المدينة المنورة، لكن المسألة إلى هذه الدرجة من الأهمية لهذا الجانب، والله يقول: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا}، أراد الله له أن يكون موطناً آمناً، مكاناً آمناً، وأن يأمن من يتَّجه إليه للعبادة فيه، ومن يدخل فيه أن يكون آمناً أيضاً. كذلك نبي الله إبراهيم هو دعا بهذا: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا}، ميزة ونعمة الأمن فيه هي مهمة جدًّا، هي تنسجم مع مسألة قدسيَّته، وعظمته، وأهميته من جهة، وأيضاً لها أهمية تتعلَّق- في نفس الوقت- بتوفير الظروف الملائمة للعبادة فيه، لأداء الشعائر الدينية، لأداء الحج والعمرة، والفرائض الدينية المشروعة فيه، بآمنٍ واطمئنان، فلها أهمية كبيرة جدًّا. من أهم ما يرتبط بهذا المَعْلم المقدَّس هو فريضة الحج: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}، بهذا التعبير العجيب: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ}، يعني: حق لله عليهم، {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}، {حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}، يصبح فريضةً على المستطيع إليه سبيلاً: من لديه الإمكانات المادِّيَّة، ويتوفَّر له الأمن، الإمكانات المادِّيَّة بالقدر الذي يتمكَّن فيه ويستطيع من أداء هذه الفريضة. ويتوفَّر له الأمن لذلك، في التمكُّن أمنياً من أداء هذه الفريضة، والذهاب لأدائها. وكذلك على المستوى الصِّحِّي. تصبح فريضة من أكبر الفرائض، وهي ركنٌ من أركان الإسلام؛ ولـذلك قابل المسألة في العصيان تجاه هذه الفريضة: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}، سواءً كان كفر جحود، لمن يجحد هذه الفريضة، وهو كفر من المِلَّة، خروجٌ من المِلَّة بكلها، أو تفريطٌ من خلال الرفض العملي، تمكَّن، وهو متمكِّن من الناحية المادِّيَّة، الأمنية، والصِّحِّيَّة، ولم يؤدِّ هذه الفريضة، فهذا الرفض العملي هو معصية كبيرة جدًّا، وإخلال كبير جدًّا في دين الإنسان، ووزر عظيم، والله غنيٌ عن الإنسان، الإنسان هو الذي يحتاج إلى أداء هذه الفريضة. فريضة الحج فريضة عظيمة جدًّا، لها أهميتها الكبيرة، وتأثيرها العظيم في الجانب التربوي للإنسان: في تزكية النفس: في تطهير نفسية الإنسان. في الجانب الروحي: في معالجة قسوة القلب. في الإقبال روحياً إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى". في مشاعر القرب من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ومشاعر الخشوع والخضوع لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى". لها أهميتها الكبرى في ترسيخ وشائج الأخوَّة الإيمانية، والوحدة بين المسلمين، وهذا من أهم فوائدها، ومن أهم أهدافها أيضاً. وفي التعاون على البر والتقوى. لها أهميتها الكبرى على المستوى الأخلاقي: في تنمية مكارم الأخلاق. لها أهميتها الكبرى في الارتقاء الإيماني والأخلاقي. وفي الفضل، والأجر، والقربة إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".... وغير ذلك. المسألة هذه مسألة واسعة، الحديث عن التفاصيل يطول، الحديث عن فريضة الحج، وما فيها من أعمال، من عبادات، من مناسك؛ وما لها من دلالات وآثار تربوية، إيمانية، أخلاقية، كُتِبت كتب، في هذا محاضرات، دروس... أشياء كثيرة، الحديث عن هذا يمكن أن يأخذ وقتاً طويلاً جدًّا، ومحاضراتٍ كثيرة. لكن الذي نلفت النظر إليه: أنَّ الدور في إحياء الحج، ليكون له هذا الأثر بشكلٍ متكامل، بشكلٍ متكامل، مفقود ومنذ زمنٍ طويل وللأسف الشديد، لكن مع كل ذلك يبقى للحج أثره، أهميته، بركاته، تأثيره، وهو فريضة قائمة في كل الأحوال على من استطاع إليه سبيلاً، مسألة أنَّ هناك- مثلاً- تأثير على مدى هذا الدور، والاستفادة منه، شيءٌ مؤسف، لكن ذلك لا يعني تبريراً لتعطيل الحج في حقِّ من استطاع إليه سبيلاً. هنــاك نقطتـــان مهمتـــان جدًّا تتعلَّــق بهــذه المســألة: أولاهما: أن الحج بشكلٍ عام كفريضة، الحج كفريضة من فرائض الله، وركن من أركان الإسلام، والبيت الحرام، والشعائر المقدَّسة، والمشاعر المقدَّسة المرتبطة به أيضاً، هي مَحَطّ استهداف كبير من قِبل أعداء الإسلام: اليهود في المقدِّمة، معهم النصارى، معهم من يتحرك معهم، لكن اليهود في المقدِّمة. وهذه مسألة واضحة، يعني: بالنسبة لهم لديهم موقف عدائي قديم، على مدى زمنٍ طويل وهم يعادون البيت الحرام، يعادونه كمَعْلَمٍ مقدَّس، كقبلة للمسلمين في صلاتهم، وكذلك فيما يتعلَّق بالحج إليه، كمَعْلَم مقدَّس في إطار الدور المتكامل الذي أراده الله له، وهم يحاربونه، يحاربونه فكرياً، ثقافياً، دعائياً، يحاربونه بكل الوسائل. أمَّا فيما يتعلَّق بالمخطط الصهيوني، فمما فيه وبشكلٍ واضحٍ وصريح: الاستيلاء على مكة، والاستيلاء على المدينة، جزء من المخطط الصهيوني، ومسألة واضحة تماماً، لا التباس فيها. المؤامرات المتنوعة لإبعاد المسلمين عن هذا المَعْلم المقدَّس، عن التأثير عليهم في مدى نظرتهم إلى هذا المَعْلم المقدَّس، وارتباطهم به، وعلاقتهم به، في التأثير على مسألة الحج، ومدى إقبال الناس عليه، كذلك هناك مؤامرات كثيرة، الأعداء يتحرَّكون في ذلك بشكلٍ مُكَثَّف. التصريح بالعداء للبيت الحرام وللحج، تصريحات من مسؤولين غربيين، مسؤولين في مستويات متنوعة من المسؤولية، ومقامات متعدِّدة: البعض منهم يكون بصفة رئيس وزراء، البعض وزير، البعض في مقام معيَّن، أيضاً في الشخصيات التي لها تأثير سياسي، أو تأثير على المستوى العقائدي في معتقداتهم الدينية، هناك تصريحات كثيرة، أُلِّفت كُتُب في هذا الجانب، وأيضاً في بعض الكتب الأخرى التي تتحدث عن عداء أولئك الأعداء للإسلام والمسلمين، الكثير من تصريحاتهم التي هي واضحة في مسألة العداء تماماً للبيت الحرام، إلى درجة أن البعض منهم يطالبون بأن يُضْرَب البيت الحرام، أن تستهدف الكعبة المشرَّفة بقنبلة نووية، هناك يهود يطالبون بذلك، ويقترحون هذا المقترح: أن تقصف بقنبلة نووية؛ لتنتهي تماماً، فهناك نشاط كبير للأعداء في هذا الاتِّجاه. ولذلك من حكمة الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ومن هدايته، أنَّه أتى بالآيات القرآنية التي تتحدث عن مسألة البيت الحرام والحج في (سورة آل عمران)، وسط الآيات التي تتحدث عن صراع المؤمنين، وصراع هذه الأُمَّة مع اليهود، والصراع بين هذه الأُمَّة وبين اليهود، وبين أهل الكتاب بشكلٍ واضح، هذا جانب. الجانب الآخر: في هذا الزمن، الذي تطوَّرت فيه عملية المواصلات، بأنواع ووسائل كثيرة جدًّا، في مختلف أنحاء العالم: (براً، وبحراً، وجواً)، أصبحت ميسَّرةً بشكلٍ كبير، من المفترض في هذا الزمن أن تكون مسألة الحج إلى بيت الله الحرام، أن تكون مُيَسَّرةً بشكلٍ كبير أكثر من أيِّ زمنٍ مضى. هذا ما يفترض، هذا ما ينبغي؛ لأن هذا الزمن- كما قلنا- تيسَّرت فيه وسائل المواصلات والنقل، كذلك بقية الخدمات متيسِّرة بشكلٍ كبير في هذا العصر، مقارنةً بأي زمنٍ مضى. لكن ما يؤسفنا جدًّا، ويحزننا كثيراً، هو: أنَّ مسألة السفر لأداء فريضة الحج، لربما يكون أصعب وأعقد مسألة سفر في العالم، مسألة معقَّدة للغاية: إجراءات كثيرة، تعقيدات كثيرة، كلفة مالية هائلة، إلى أن أصبحت مسألة السفر لأداء فريضة الحج هي أصعب عملية سفر يمكن أن يسافرها الإنسان، يعني مثلاً: لو طُرِح أمام الإنسان خيارات، ليسافر إلى بلد هنا أو هناك في العالم (في شرق الأرض، أو في غربها، في شمالها، أو في جنوبها) إلى أي بلدٍ في العالم، لربما لن يواجه من التعقيدات، والإجراءات، والكلف المالية، والمدة الزمنية، بالقدر الذي يواجهه إذا أراد أن يحج لبيت الله الحرام، هذه مسألة محزنة جدًّا جدًّا، ومؤسفة للغاية! الابتزاز المالي بأشكال كثيرة: أموال تدفع مقدَّماً، عندما يحج الحجاج ويصلون إلى مكة، إلى المدينة، فهناك أيضاً ارتفاع كبير للأسعار، بشكلٍ مختلف عمَّا كان عليه الحال قبل موسم الحج، ارتفاع للإيجارات في وسائل النقل، الإيجارات في الشقق السكنية، بما هو أشبه بالابتزاز المالي، وهذا شيءٌ أيضاً محزن ومؤسف. من المفترض أن تُقَدَّم كل التسهيلات بصدق، بدون خداع إعلامي، ما يقال في الإعلام شيء، وما هو في الواقع شيء آخر، حجم التعقيدات للمسافر إلى الحج مسألة يلمسها كل من يريد الحج، هل هو سيرى المسألة ميسَّرة؟ قد تكون هذه حالات نادرة، لمن تربطهم روابط سياسية، وعلاقات من نوعٍ مُعَيَّن مع السلطات السعودية؛ وإلَّا فالحالة العامَّة للناس، لجماهير الناس، لِعَامَّة الناس، بغض النظر عن الاعتبارات السياسية وغيرها: أنَّ من يريد الحج فالمسألة معقَّدة، هناك إجراءات كثيرة، هناك أيضاً قيود كثيرة، هناك نسب محصورة ومحدودة؛ فَعُقِّدَت المسألة بشكل عجيب جدًّا، هذا محزن في هذا الزمن، الذي يفترض فيه- كما قلنا- أن تكون أيسر من أي زمنٍ مضى، فالله المستعان! الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"- ومنذ زمنٍ قديم- جعل الوضع المعيشي لمن يكونون في محيط البيت الحرام مُيَسَّراً؛ بما يساهم على أن يكونوا بعيدين عن مسألة الابتزاز المالي، والاستغلال المالي، والاستهداف الذي يُخِلُّ أمنياً أيضاً تجاه من يَفِدُون إلى بيت الله الحرام لأداء هذه الفريضة المقدَّسة، وهذه الشعائر المقدَّسة. ولهـذا نجد أنَّ الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" كما ذكر لنا في دعاء نبيه إبراهيم: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}، نبي الله إبراهيم دعا بأن يتوفر الأمن، أن يجعل الله ذلك البلد (مكة، البيت الحرام والحرم) بلداً آمنا، وأن يرزق أهله من الثمرات، الأمن والرزق، والسعة في الرزق، نبي الله إبراهيم كان في دعائه يدعو للمؤمنين: {مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}، إلَّا أنَّ الله أجاب عليه بقوله: {وَمَنْ كَفَرَ}، {قَالَ وَمَنْ كَفَرَ}، يعني: سيوسِّع الله له في رزقه، حتى ولو كان كافراً، لماذا؟ حتى لا يكون له أي مُبَرِّر في التَّسَلُّط على الحجاج لابتزازهم مالياً، أو لنهبهم، أو في الاستغلال لفريضة الحج الاستغلال المالي. البيت الحرام، ومكة المكرمة، وشعيرة وفريضة الحج، ليست مناسبة سياحية خاصة، تُستثمر مادِّيّاً، يتم التعامل معها بعقلية الاستغلال المادِّي والاستثمار المادِّي، ليس مَعْلَماً سياحياً للاتِّجار المادِّي، لمن لديه سيطرة على الوضع هناك، هو مَعْلَم مقدَّس، مَعْلَم عظيم، الله قال عنه في القرآن الكريم: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ}، ليس لأحد ملكية على البيت الحرام ومكة، ليوظِّفها للاستغلال المادِّي، والابتزاز المادِّي، والاستغلال في إطار حسابات سياسية... أو غير ذلك. {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}، حتى مسألة السيطرة هي لا تعني الولاية الشرعية على البيت الحرام؛ ولهـذا يقول الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" في القرآن الكريم: {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}، فالصد عن المسجد الحرام، سواءً بأسلوب الابتزاز المادِّي، القيود التي وراءها اعتبارات سياسية، أو أي حسابات من نوعٍ آخر، جريمة من أكبر الجرائم، وانتهاك لهذه الحرمة المقدَّسة لبيت الله الحرام. نبي الله إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَامُ" هو القدوة والأسوة، نبي الله إسماعيل قدوة وأسوة، نبي الله محمد "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ" القدوة والأسوة، في الإحياء العظيم لهذا المَعْلَم المقدَّس، في إعطائه قدسيَّته، شعائر الحج نفسها، ومناسكه، وعباداته، المعالم هناك في مكة، في الحرم، في كل ما هو مرتبطٌ بفريضة الحج، وأيضاً في العمرة، هو يَشُدُّنا أيضاً ويربطنا تاريخياً بهؤلاء القدوات، هذه النماذج الراقية، التي هي في مقام القدوة والهداية للمجتمع البشري: (إبراهيم، وإسماعيل، ومحمد). رسول الله محمد "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ" هو الذي ورث هذا الامتداد، هذا الإرث الديني، هذه المسؤولية المقدَّسة، هذا الدور العظيم في هداية الناس، والمُتَّصِل بهذه الشعائر المقدَّسة، كما قال "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى": {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ}. ولذلك عندما نسمع مثلاً- فيما يرفعه المُطَبِّعون- عنوان اِتِّفَاقِيَّة ، أو عنوان ، لِمَا أرادوه أن يكون غطاءً لمسألة التطبيع مع إسرائيل، والعلاقات مع العدو الإسرائيلي، كلُّ ذلك باطل، حلقة الوصل التي تصلك بإبراهيم وإسماعيل هو رسول الله محمد، والدين الإسلامي بعنوانه الإسلام: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ}، الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" قال في القرآن الكريم: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}. نكتفي بهذا المقدار. نَسْألُ اللَّهَ "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيه عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيْعُ الدُّعَاء. وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛