
مبدأ الحضارة... مصر تكتب سيرة الأشجار
أشجار معمرة ونادرة تمتد جذورها في مناطق مختلفة من الشمال إلى الجنوب ويصل عمر بعضها إلى أكثر من 100 عام أصبحت جزءاً وثيقاً من طابع وتاريخ المناطق التي توجد فيها. أخيراً أعلن جهاز التنسيق الحضاري عن مشروع لإعداد أرشيف وطني للأشجار المعمرة والنادرة في مصر لتسجيلها كتراث ثقافي طبيعي باعتبارها شكلاً من أشكال التراث المادي للبلاد.
كان رئيس جهاز التنسيق الحضاري، محمد أبو سعدة، أوضح في بيان صحافي أن المشروع يهدف إلى إعداد سجل وطني شامل للأشجار المعمرة والنادرة في مختلف أنحاء الجمهورية، توثيقاً للتراث المصري الطبيعي والثقافي الذي يمتد قروناً، مؤكداً أهمية هذه الأشجار كرموز بيئية وتاريخية وثقافية، وذلك في إطار دور الجهاز القومي للتنسيق الحضاري في الحفاظ على الهوية البصرية وتحسين الفراغ العام.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح أن الجهاز أعد دليلاً إرشادياً للحفاظ على الأشجار والحدائق التراثية التي حُصرت وسُجلت على قوائم الحصر ووضع لها أسس ومعايير للتعامل معها وعددها 13 حديقة تراثية على مستوى الجمهورية، مؤكداً أن المشروع يتجاوز مرحلة التوثيق إلى تعزيز الحماية القانونية للأشجار من خلال مقترحات تشريعية ومبادرات مجتمعية مثل برنامج "حارس الشجرة"، ودمج الأشجار في المسارات البيئية والثقافية بما يعزز من قيمتها الرمزية ويدعم استدامتها.
كما شدد على أهمية المشاركة المجتمعية في هذا المشروع باعتبارها عنصراً أساساً لضمان استدامة حماية هذه الأشجار والحفاظ عليها للأجيال القادمة.
توثيق ثقافي وتاريخي
أهداف المشروع العامة التي أُعلن عنها من بينها وضع معايير دقيقة لتصنيف الأشجار، وتنفيذ حصر ميداني باستخدام نظم المعلومات الجغرافية (GIS)، إلى جانب التوثيق الثقافي والتاريخي، وإنشاء قاعدة بيانات رقمية وتطبيق إلكتروني وخريطة تفاعلية تسهل الوصول إلى المعلومات، ويعد المشروع خطوة وطنية مهمة للحفاظ على التراث الطبيعي المصري وضمان نقله للأجيال القادمة.
تعليقاً على هذا المشروع يقول الأستاذ بمركز البحوث الزراعية خالد عياد "منذ أعوام كثيرة كانت الأشجار في الحدائق النباتية الشهيرة توضع عليها لافتة تشرح طبيعة الشجرة وبعض المعلومات عنها، فهذه الحدائق إلى جانب دورها كمتنزهات هي صروح علمية، ويمكن للمهتمين بالنباتات عموماً التعرف إلى كثير من المعلومات عن أجناس وعائلات وأنواع الأشجار، وحالياً من يتوجه للحدائق لا يستطيع الحصول على أية معلومة عن النباتات، أدي هذا إلى انعدام الثقافة النباتية عند الناس وعدم معرفتهم بأبسط المعلومات عنها، التوثيق شيء مهم ولا خلاف على ذلك، لكن على القدر نفسه من الأهمية تأتي توعية الناس بأهمية النباتات منذ الصغر، فلماذا لا يوجد مرشد زراعي في مثل هذه الحدائق يمكن أن يصحب الأطفال في الرحلات المدرسية ويشرح لهم بعض المعلومات المبسطة عن النباتات النادرة في هذه الحدائق؟".
ويستكمل "في مصر أنواع متعددة من الأشجار النادرة، من أشهرها شجرة التين البنغالي التي يوجد منها ست أشجار في مناطق مختلفة من البلاد مثل القاهرة والإسماعيلية وغيرهما، وهناك أنواع كثيرة من الأشجار النادرة بعضها تستمر زراعته في مصر منذ عهد مصر القديمة. الحفاظ على الأشجار سواء المعمرة أو الحديثة وحمايتها بجميع السبل هو أمر شديد الأهمية بخاصة بعد ما فقد من أشجار في الفترة الأخيرة، ولكن ذلك يحتاج إلى جهود من الجهات المعنية، وإلى وعي من عموم الناس بدرجة لا تقل في الأهمية".
الحدائق التراثية في مصر
طفرة كبرى شهدتها مصر في إنشاء الحدائق منذ نحو 150 عاماً خلال عهد الخديوي إسماعيل، فخلال هذه الحقبة تم بناء القاهرة الحديثة، ومن ضمن ذلك إنشاء عدد من الحدائق الكبرى على أحدث طرز هذه الفترة، من بينها حديقتا الحيوان والأورمان بمنطقة الجيزة (وهما مغلقتان في الفترة الحالية لخضوعهما لمشروع تطوير)، وتضم كل منهما مجموعات نادرة من الأشجار المتنوعة التي جلبها الخديوي من جميع أنحاء العالم، وكذلك حديقة الزهرية بمنطقة الزمالك، التي تخضع هي الأخرى لمشروع تطوير مثير للجدل بسبب وجود إنشاءات داخل الحديقة يعتقد البعض أنها ستغير من طابعها وطرازها، وأنشأ إسماعيل أيضاً حديقة الأسماك الواقعة بمنطقة الزمالك وهي واحدة من أشهر حدائق القاهرة.
حالياً تضم مصر 13 حديقة تراثية موزعة على مناطق متفرقة من البلاد، إلى جانب الحدائق السابقة ثمة مجموعة أخرى من بينها حديقة أنطونيادس بالإسكندرية، وحديقة النباتات بأسوان، والقناطر الخيرية، وحديقة الأزبكية بالقاهرة، وقد روعي الاهتمام بإنشاء الحدائق في هذه الفترة باعتبار أنها جزء رئيس من تصميم المدن الحديثة، فإلى جانب كونها متنزهات عامة فإن لها تأثيراً كبيراً في نقاء الجو وجودة الحياة في المدينة، وفي هذه المرحلة كان عدد الحدائق والغطاء الشجري متناسباً مع طبيعة حجم القاهرة التي لم تكن قد امتدت وأصبحت بكل هذه المساحة.
أستاذ الدراسات البيئية بجامعة عين شمس عبدالمسيح سمعان، يقول إن "الأشجار هي الرئة الطبيعية للحياة، وهي إحدى وسائل مقاومة تداعيات تغير المناخ في أي مجتمع، وفي مصر ثروتنا النباتية متنوعة وغنية ولكننا نحتاج إلى تعريف الناس وتثقيفهم بها، فإلي جانب هذا المشروع لتوثيق الأشجار التراثية والنادرة ماذا يمنع أن تُوضع لوحة إرشادية على الأشجار العادية تتضمن بعض المعلومات عن الشجرة، مثل نوعها وكيفية العناية بها وتاريخ زراعتها لربط الناس بالبيئة وخلق نوع من التفاعل بينهما، وهو المنهج نفسه الذي تبنته مشروعات التشجير في مصر مثل مبادرة زراعة 100 مليون شجرة التي كان الناس جزءاً منها وزرعوا بأنفسهم الأشجار وتولوا رعايتها"، ويضيف "هناك أشجار شهيرة ونادرة في مصر أصبحت مزاراً في ذاتها، مثل الشجرة الشهيرة بمنطقة الزمالك أمام برج القاهرة، ومثل شجرة مريم في المطرية، وعديد من الأشجار في كل المحافظات، فهذه الأشجار أصبحت جزءاً من معالم المكان والمنطقة التي توجد فيها، ووجود مشروع يوثق جميع الأشجار النادرة في البلاد هو أمر شديد الأهمية باعتبار أنه سيلقي الضوء عليها ويعرف الناس بأهميتها ومن ثم يدفعهم إلى المحافظة عليها".
القانون وحماية الأشجار
ينص الدستور المصري في مادته الـ45 على أن الدولة "تكفل حماية وتنمية المساحة الخضراء في الحضر"، وتجرم المادة 367 من قانون العقوبات قطع أو إتلاف المزروعات واقتلاع الأشجار، كذلك يجرم قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994 قطع أو إتلاف النباتات والأشجار وتدمير الموائل الطبيعية، وينص قانون الموارد المائية والري على أنه لا يجوز التصرف في الأشجار والنخيل التي زرعت أو تزرع في الأماكن العامة ذات الصلة بالموارد المائية والري بقطعها أو قلعها إلا بترخيص من الإدارة العامة المتخصصة.
على رغم كل تلك القوانين التي تجرم قطع الأشجار وإتلاف المزروعات، لا يوجد نص صريح متعلق بالأشجار التراثية ذات القيمة الفريدة التي يزيد عمر بعضها على 150 عاماً ولها قيمة تاريخية إلى جانب قيمتها كجزء من الغطاء الشجري للبلاد.
في الأعوام الأخيرة تعرضت مجموعات كبيرة من الأشجار للاقتلاع في مواقع متفرقة من البلاد كنتيجة لوجودها في مسارات تعارضت مع مشروعات لمد الطرق وتوسعتها، أثار هذا اعتراض قطاعات كبيرة من الناس ووصل الأمر إلى تقديم طلبات إحاطة في البرلمان.
تقول النائبة سميرة الجزار "لدينا في مصر ثروة نباتية كبيرة لها قيمة وتاريخ طويل، وينبغي أن تبذل كل الجهود لحمايتها والحفاظ عليها، قدمت سابقاً أكثر من طلب إحاطة للبرلمان بخصوص موضوعات تتعلق بقطع الأشجار الذي أثيرت حوله سجالات متعددة في الفترة الأخيرة، ووجهت سؤالاً إلى أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة، والمسؤولين عن الجهاز القومي للتنسيق الحضاري: كيف تقومون حالياً بإعداد أرشيف وطني للأشجار المعمرة والنادرة في مصر لتسجيلها كتراث ثقافي طبيعي في وقت يعاني سكان الزمالك بسبب غلق حدائق تراثية تمهيداً لتحويلها إلى سلسلة مقاه تجارية؟"، وتضيف "أهمية هذه الأشجار ليست فقط لأنها تاريخية منذ أيام الخديوي أو أنها تراث ثقافي فحسب، ولكنها تخص أهالي الحي والمواطنين الذين تقدموا بكثير من الشكاوى من دون سماعهم، ولا يحق لأية جهة الاستيلاء عليها إذ يعد ذلك أيضاً انتهاكاً للقانون، فإذا كانت الحكومة حريصة على حماية الأشجار التراثية فيجب أن يتم ذلك لجميع الأشجار بحيث لا يكون هناك تناقض بين هدم الأمس وإعداد أرشيف اليوم".
نصيب الفرد من الأخضر
في الأعوام الأخيرة، وطبقاً لتقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن نصيب الفرد من المساحات الخضراء كان حتى عام 2020 يبلغ 17 سنتيمتراً فحسب، وهو رقم محدود للغاية بخاصة مع ما ذكرته منظمة الصحة العالمية من أن تلوث الهواء في القاهرة يتجاوز المعدلات العالمية بنحو 15 ضعفاً.
في وقت قُطع كثير من الأشجار المتقاطعة مع مشروعات التطوير كانت هناك مبادرات عدة لزراعة الأشجار، على رأسها مبادرة "100 مليون شجرة" التي تهدف إلى زراعة مساحة إجمالية (6600 فدان) على مستوى الجمهورية في 9900 موقع بهدف مضاعفة نصيب الفرد من المساحات الخضراء وتحسين نوعية الهواء وخفض غازات الاحتباس الحراري، في الوقت نفسه جار العمل في إنشاء حدائق جديدة مثل تلال الفسطاط، التي يقال إنها ستكون الأكبر في الشرق الأوسط، وستمتد على مساحة 500 فدان أي نحو ثلاثة أضعاف مساحات حدائق "الأزهر" و"الحيوان" و"الأورمان" مجتمعة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ 21 ساعات
- Independent عربية
"الجيل المضطرب"... محاولة لإعادة الطفولة إلى الأرض
كان للتقدم التكنولوجي الذي أخذت وتيرته في التسارع، منذ عقدين ونيّف، تداعياته الحميدة والوخيمة على العالم أجمع، أما الحميدة فتكمن في أن المنتجات التي ابتكرتها شركات التكنولوجيا الأميركية، في مطلع الألفية الثالثة، وفي مقدمها الهاتف الذكي، أحدثت تحوّلاً كبيراً في مجرى الحياة، فجعلتها أكثر متعة وإنتاجية، وقصّرت المسافات بين الناس، وبات بوسع مستخدم هذه المنتجات أن يزور القصيّ البعيد، ويستحضر القديم العريق، بكبسة زر على جهاز أصغر من راحة اليد. أما التداعيات الوخيمة فهي ما يتناوله الكاتب جوناثان هايدت في كتابه "الجيل المضطرب"، الصادر حديثاً عن الدار العربية للعلوم، ناشرون في بيروت، بتعريب عائشة يكن. والكاتب عالم أميركي متخصص في علم النفس الاجتماعي، وأستاذ في جامعة نيويورك يدرّس مادة القيادة الأخلاقية، وباحث في مجالات الأخلاق والسياسة والدين، وشريك في تأليف كتاب "تدليل العقل الأميركي" الذي يتصدر قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في "نيويورك تايمز"، مما يشكل حافزاً آخر لقراءة الكتاب، يُضاف إلى حافز العنوان الرئيس "الجيل المضطرب" والفرعي "تأثير شبكات التواصل على أعصابه وتصرفاته وكيف تتم المعالجة". الشكل والمضمون في الشكل، يقع الكتاب في أربعة أجزاء، ويشتمل على مقدمة و12 فصلاً وخاتمة، ويختلف عدد الفصول بين جزء وآخر، ويراوح ما بين فصل واحد في الجزء الأول وأربعة فصول في الجزءين الثالث والرابع، وتشغل مجتمعة 439 صفحة. في المضمون، يحدد الباحث في المقدمة الجيل المضطرب بذاك المولود بين عامي 1995 و2010، وهو الجيل الذي وقع تحت تأثير شركات التكنولوجيا، فأعادت برمجة طفولته، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، التي ألحقت به أضراراً فادحة، فبات صنيعتها إلى حدٍّ كبير، وحولت الطفولة من تلك القائمة على اللعب إلى تلك القائمة على الهاتف، مما ترتب عليه نتائج وخيمة، على المستويين الجسدي والنفسي، يشخص الباحث أعراضها وتداعياتها وسبل معالجتها في الكتاب بأجزائه الأربعة، فيبيّن اتجاهات الصحة النفسية بين المراهقين في الجزء الأول، وطبيعة الطفولة وكيف أُفسدت في الثاني، والأضرار الناجمة عن وسائل التواصل الذكية في الثالث، والإجراءات الواجب اتخاذها لرفع الأضرار في الرابع، ويدعو في الخاتمة إلى إعادة الطفولة إلى الأرض. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) يستند هايدت في كتابه إلى وقائع فردية ودراسات إحصائية وآراء مختصة وبيانات توضيحية. وبذلك، يزاوج في بحثه الاستقصائي بين الفردي الخاص والجماعي العام، ويُصور واقع الطفولة في الجيل المضطرب، ويشخّص الأعطاب التي تعتوره وانعكاساتها عليه، ويخلص إلى اقتراح الإجراءات الآيلة إلى إعادة الأمور إلى نصابها، أو "إعادة الطفولة إلى الأرض"، حسب تعبيره. من هنا، يتناول كتابه "كيفية استعادة جميع الأجيال من البشر لحياتهم"، على حد توصيفه (ص 31). أي إنه يريد إعادتهم من العالم الافتراضي إلى العالم الواقعي، أو من الطفولة القائمة على الهاتف إلى الطفولة القائمة على اللعب، حسب مصطلحاته. تشكل العبارة الأخيرة فكرة محورية، تتكرر في الكتاب كلازمة، تتمحور حولها الفصول المتعاقبة، بصورة أو بأخرى، والكتاب يرصد الانتقال بين نوعين من الطفولة، أدت وسائل التواصل الذكية دوراً في تحقيقه، وكان لهذا الانتقال نتائج كارثية على الجيل الذي تتناوله الدراسة. فبين الطفولة القائمة على اللعب، السابقة على الثورة التكنولوجية، والطفولة القائمة على الهاتف، اللاحقة لتلك الثورة، فوارق كثيرة في الأسباب والنتائج، مما يجعل من عملية الانتقال نوعاً من انقلاب على ثوابت تاريخية، قامت به التكنولوجيا، وكان الإنسان أكبر ضحاياه. نمط الاكتشاف من جهة أولى، تنتمي الطفولة القائمة على اللعب إلى العالم الواقعي، ما قبل الثورة التكنولوجية التي بلغت ذروتها مطلع العقد الثاني من القرن الـ21، وتوفر للطفل نمواً سليماً ومتوازناً، على المستويين الجسدي والنفسي، فيلعب مع أقرانه في الهواء الطلق، ويعقد الصداقات، ويتجوّل بحرية، وينخرط في الألعاب المحفوفة بالأخطار، ويقارب الأشياء بيديه وحواسه، ويشارك في الأنشطة الأسرية والاجتماعية، مما يترتب عليه كثير من البهجة والفرح، ويؤدي إلى نمو طبيعي. وفي هذا النوع، يعمل الدماغ وفق "نظام التشغيل السلوكي عند اكتشاف الفرص" (ص 104) أو ما يسميه المؤلف بـ"نمط الاكتشاف"، و"تكون العلاقات بدنية ومتزامنة، ويكون التواصل بين فرد وآخر أو بين فرد وأفراد عدة، وتحدث العلاقات داخل المجتمعات التي تتسم بالديمومة"، على حد تعبيره (ص 121). ومن البدهي أن مثل هذا النوع الحقيقي من الطفولة قلما يصاب صاحبه بالمرض الجسدي أو النفسي، ويمكن تسمية الجيل الذي نَعِمَ به بالجيل المطمئن. نمط الدفاع من جهة ثانية، تنتمي الطفولة القائمة على الهاتف إلى العالم الافتراضي، ما بعد الثورة التكنولوجية، الذي "تتضافر فيه جهود البالغين والمدارس وسائر المؤسسات لتعليم الأطفال أن العالم خطر، ولمنعهم من تجربة الأخطار والنزاعات والإثارة التي تحتاج إليها أدمغتهم المتوقعة للتجارب للتغلب على القلق وضبط حالتهم النفسية التلقائية وفق نمط الاكتشاف"، على حد تعبير المؤلف (ص 131). ولعل إفراط الأهل في حماية أطفالهم من العالم الواقعي، في مقابل الحماية غير الكافية من العالم الافتراضي هي التي جعلتهم يعكفون على وسائل التواصل الاجتماعي، حتى إذا ما استدرجهم مصمّمو الهواتف الذكية بتطبيقاتهم المغرية إلى فخهم الإلكتروني، سرعان ما يسقطون فيه، ويتحولون شيئاً فشيئاً إلى مدمنين رقميين، مع ما يترتب على ذلك من ابتعاد عن الأسرة والمجتمع، والانزواء في عزلة عن العالم الخارجي، وتردٍّ في مهاوي القلق والاكتئاب والأرق والحرمان الاجتماعي وعدم التركيز والإدمان. وفي هذا النوع، يعمل دماغ الطفل وفق "نظام التثبيط السلوكي عند اكتشاف التهديدات" (ص 104)، أو ما يسميه المؤلف بـ"نمط الدفاع" الذي "يعرقل عملية التعلم والنمو في البيئات الآمنة فعلياًّ، والتي تحيط معظم الأطفال في الدول المتقدمة اليوم" (ص 105)، وإذ يعوق هذا النوع عملية البلوغ، يجترح هايدت سُلّماً عُمْرياًّ لتجاوز العوائق، يتدرج فيه الطفل من المشاركة الأسرية في السادسة، إلى الحرية المحلية في الثامنة، إلى التجول الحر في العاشرة، إلى التدريب والتأهيل في الثانية عشرة، إلى الالتحاق بالثانوية في الرابعة عشرة، إلى الدخول إلى الإنترنت في السادسة عشرة، إلى بداية سن الرشد في الثامنة عشرة، إلى البلوغ القانوني الكامل في الحادية والعشرين. إجراءات المعالجة وإذا كانت الأعطاب الآنفة التي يتردى فيها الجيل موضوع الدراسة تقع على عاتق الحكومات والشركات والمدارس والأهل بدرجات متفاوتة بين جهة وأخرى، فإن معالجتها تقع على هذه الجهات نفسها بدرجات متفاوتة بين جهة وأخرى. فيقترح المؤلف إجراءات مختصة بكل منها، لعلها تتضافر جهودها في المعالجة كما تضافرت في المرض. لذلك، نراه ينيط بالحكومات والشركات واجب الرعاية، ورفع سن البلوغ على الإنترنت إلى الـ16 سنة، وإخلاء المدارس من الهواتف الذكية، وعدم معاقبة الوالدين لمنح أطفالهم حرية الانخراط في العالم الحقيقي، وزيادة حصص اللعب في المدارس، وتصميم مساحات عامة تراعي الأطفال، وزيادة برامج التعليم والتدريب المهني، من جهة أولى. وينيط بالمدارس خلوّها من الهواتف، وتحولها إلى أماكن ممتعة، وتحسين الاستراحات والملاعب، وإعادة إشراك الفتيان في أنشطة حقيقية، من جهة ثانية، وينيط بالأهل توفير تجارب أكثر لأطفالهم في العالم الحقيقي وتجارب أقل في العالم الافتراضي، من جهة ثالثة، حتى إذا ما قام كلٌّ من هذه الجهات بواجبه، تصبح العودة بالطفولة إلى الأرض ممكنة. وبعد، "الجيل المضطرب" كتاب بالغ الأهمية، ينبغي لكل أسرة ومدرسة أن توليه الاهتمام اللازم، لما ينطوي عليه من دروس مفيدة في التربية، تشير إلى الأخطاء المستشرية في هذا العالم، وتقترح تصويبها بالإجراءات المناسبة. ولعله من الإنصاف، في نهاية هذه القراءة، الإشارة إلى براعة عائشة يكن في ترجمة الكتاب، بحيث يبدو عربياًّ أكثر منه معرباً، ويخلو من الأخطاء اللغوية التي تزخر بها كثير من الكتب المترجمة.


Independent عربية
منذ يوم واحد
- Independent عربية
منشآت إيران النووية الرئيسة... عددها ومواقعها الاستراتيجية
تمتلك إيران عدداً من المنشآت المهمة المرتبطة ببرنامجها النووي، والتي أسهمت في تحقيق تقدم سريع للنظام الإيراني في هذا المجال، وهي الآن محور عدة جولات تفاوض مع الولايات المتحدة. تنتشر هذه المنشآت في مختلف أنحاء البلاد، بما في ذلك منشأة تقع في قلب العاصمة طهران، مما يعكس اتساع نطاق البرنامج النووي الإيراني. وتعد منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم أبرزها، وتعرضت في أكثر من مناسبة لهجمات تخريبية نسبت إلى إسرائيل. وأما المنشآت النووية الإيرانية من حيث أهميتها ودورها في البرنامج النووي فهي كالتالي: منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم تقع منشأة نطنز النووية على بعد 220 كيلومتراً جنوب شرقي طهران، وتعد القاعدة الرئيسة لتخصيب اليورانيوم في إيران. وصُمم جزء من هذه المنشأة تحت الأرض، في قلب هضبة إيران المركزية، لتكون محصنة ضد أية ضربات جوية محتملة. وتضم المنشأة عدداً من "سلاسل التخصيب" أو مجموعات من أجهزة الطرد المركزي، التي تسرع من عملية تخصيب اليورانيوم. وتعمل إيران حالياً على حفر أنفاق في جبل "كولنغ غزلا" الواقع مباشرة خلف السياج الجنوبي لمنشأة نطنز. وكانت هذه المنشأة هدفاً لهجوم بفيروس "ستاكس نت"، الذي يعتقد أنه من تصميم إسرائيل والولايات المتحدة، وتسبب بتدمير عدد من أجهزة الطرد المركزي الإيرانية، وتعرضت منشأة نطنز لهجومين تخريبيين منفصلين نُسبا إلى إسرائيل، مما يسلط الضوء على الأهمية الاستراتيجية لهذه المنشأة في البرنامج النووي الإيراني. منشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم تقع منشأة فوردو النووية على بعد نحو 100 كيلومتر جنوب غربي طهران، وتضم المنشأة أيضاً مجموعات من أجهزة الطرد المركزي المستخدمة في تخصيب اليورانيوم، وإن كانت أصغر حجماً من منشأة نطنز. ويعتقد أن منشأة فوردو، المدفونة تحت الجبال ومحاطة بأنظمة دفاع جوي، صممت خصيصاً لتحصينها ضد أي هجوم جوي محتمل. ووفقاً لتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بدأ بناء المنشأة عام 2007 في الأقل، لكن إيران لم تعلن وجودها إلا عام 2009، بعدما كشفتها الولايات المتحدة وأجهزة استخبارات غربية، لتقوم طهران لاحقاً بإبلاغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية بوجود هذه المنشأة رسمياً. محطة بوشهر النووية تقع المحطة النووية التجارية الوحيدة في إيران داخل مدينة بوشهر على ضفاف الخليج العربي، على بعد نحو 750 كيلومتراً جنوب العاصمة طهران. وبدأ بناء هذه المنشأة في عهد الشاه محمد رضا بهلوي منتصف سبعينيات القرن الماضي، لكنها تعرضت مراراً للقصف خلال الحرب الإيرانية-العراقية. ولاحقاً، استكملت روسيا أعمال بناء هذه المحطة. وتعمل طهران حالياً على إنشاء مفاعلين إضافيين مشابهين داخل الموقع ذاته. ويزود مفاعل بوشهر بالوقود النووي المخصب في روسيا، وليس داخل إيران، وتخضع عملياته لإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) مفاعل أراك للماء الثقيل يقع مفاعل أراك للماء الثقيل على بعد 250 كيلومتراً جنوب غربي طهران. ويستخدم الماء الثقيل لتبريد المفاعلات النووية لكنه ينتج أيضاً البلوتونيوم، الذي يمكن استخدامه نظرياً في تصنيع الأسلحة النووية. وإذا ما قررت إيران السعي لامتلاك سلاح نووي، فقد يشكل هذا المفاعل مساراً بديلاً عن استخدام اليورانيوم المخصب. وبموجب الاتفاق النووي الذي أبرم عام 2015 بين إيران ومجموعة الدول 5+1 (الدول الخمسة الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا)، وافقت طهران على إعادة تصميم هذا المفاعل بما يبدد المخاوف المتعلقة بانتشار الأسلحة النووية. مركز أصفهان للتكنولوجيا النووية تقع هذه المنشأة في أصفهان على بعد نحو 350 كيلومتراً جنوب شرقي طهران، وتضم آلاف الخبراء في المجال النووي. وتحوي ثلاثة مفاعلات بحثية صينية ومختبرات مرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني. صورة بواسطة الأقمار الإصطناعية لمفاعل طهران للأبحاث كما بدا في 22 أبريل 2025 (بلانت لابس/ أ ب) مفاعل طهران للبحوث النووية يقع مفاعل طهران للبحوث النووية داخل مقر منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، وهي الهيئة المدنية المشرفة على البرنامج النووي داخل البلاد، ومنحت الولايات المتحدة هذا المفاعل لإيران عام 1967 ضمن إطار برنامج "الذرة من أجل السلام" الذي أطلقته خلال الحرب الباردة. وفي بداية الأمر، كان المفاعل يعمل باستخدام اليورانيوم عالي التخصيب، لكنه خضع لاحقاً لتحديثات تتيح له العمل باليورانيوم منخفض التخصيب، وذلك استجابة للمخاوف الدولية المتعلقة بانتشار الأسلحة النووية.


Independent عربية
منذ يوم واحد
- Independent عربية
ترمب يوقع أوامر تنفيذية لتعزيز الطاقة النووية الأميركية
وقع الرئيس الأميركي دونالد ترمب أمس الجمعة، أربعة أوامر تنفيذية تهدف، بحسب مستشاره، إلى إطلاق "نهضة" الطاقة النووية المدنية في الولايات المتحدة، مع طموح بزيادة إنتاج الطاقة النووية أربع مرات خلال السنوات الـ25 المقبلة. ويريد الرئيس الأميركي الذي وعد بإجراءات "سريعة للغاية وآمنة للغاية"، ألا تتجاوز مدة دراسة طلب بناء مفاعل نووي جديد 18 شهرا، ويعتزم إصلاح هيئة التنظيم النووي، مع تعزيز استخراج اليورانيوم وتخصيبه. وصرح ترمب للصحافيين في المكتب البيضوي: "الآن هو وقت الطاقة النووية"، فيما قال وزير الداخلية دوغ بورغوم إن التحدي هو "إنتاج ما يكفي من الكهرباء للفوز في مبارزة الذكاء الاصطناعي مع الصين". وقال مسؤول كبير في البيت الأبيض طلب عدم الكشف عن هويته للصحافيين: "نريد أن نكون قادرين على اختبار ونشر المفاعلات النووية" بحلول يناير (كانون الثاني) 2029. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وتظل الولايات المتحدة أول قوة نووية مدنية في العالم، إذ تمتلك 94 مفاعلاً نووياً عاملاً، لكن متوسط أعمار هذه المفاعلات ازداد حتى بلغ 42 سنة. ومع تزايد الاحتياجات على صعيد الكهرباء، والتي يحركها خصوصاً تنامي الذكاء الاصطناعي، ورغبة بعض البلدان في الاستغناء عن الكربون في اقتصاداتها، يزداد الاهتمام بالطاقة النووية في جميع أنحاء العالم. والعام 2022، أعلنت فرنسا التي تبقى صاحبة أعلى معدل طاقة نووية للفرد بواقع 57 مفاعلا، برنامجا جديدا يضم ستة إلى 14 مفاعلا. ومن المتوقع أن يبدأ تشغيل أول هذه المفاعلات العام 2038. وتظل روسيا المصدر الرئيسي لمحطات الطاقة، إذ لديها 26 مفاعلا قيد الإنشاء، بينها ستة مفاعلات على أراضيها.