logo
'جورج ساند'.. عبرت عن المشاعر الصاخبة وعن القضايا الإنسانية

'جورج ساند'.. عبرت عن المشاعر الصاخبة وعن القضايا الإنسانية

موقع كتابات٠٧-٠٢-٢٠٢٥

خاص: إعداد- سماح عادل
'جورج ساند' روائية وكاتبة مسرحيات وناقدة أدبية وصحفية فرنسية.
اسمها الحقيقي 'أمانتين أورور لوسيل دوبين' ولدت في باريس في أول أيام يوليو عام 1804 وتوفيت في الثامن من يونيو عام 1876. تنتمي إلى أسرة أرستقراطية. لم توفق في الزواج فطلبت الطلاق بعد أن أنجبت طفلين أخذتهما معها إلى باريس، حيث أقامت. بدأت تكتب قصصها التي اعتمدت على ما تكسبه منها في تربية ولديها. وأول قصتين لها: «السيدة الأولى» 1831، و«وردي وأبيض»، كتبتهما بالاشتراك مع 'جول ساندو'. كتبت وحدها: «المستنقع المسحور» 1846، و«قارعو الناقوس» 1853، وهما من أروع ما كتبت. ومن قصصها المعروفة: «إنديانا» 1832، و«أحاديث جدتي» 1881، وتمتاز هذه القصص بالحس الرومانسي العنيف، والمثالية الخلقية. كتبت أيضا بعض السير، مثل: «قصة حياتي» 1854، و«هي وهو» 1858، و'شتاء في ماجوركا' 1841. وفي هذه المؤلفات تصف علاقتها وحبها لكثير من أدباء عمرها، مثل 'موسيه وساندو وشوبان'. كانت رواياتها الأولى رومانسية، واهتمت في الأخيرة بالإصلاح الاجتماعي.
أمضت حياة حافلة بالنشاط الفكري والدعوة للحركات النسائية خاصة، ارتدت أزياء رجالية ودخنت السيجار و تعرفت علي كبار الكتاب في عصرها وخاصة 'ألفريد دي موسيه وجوستاف فلوبير' وأقامت علاقة وثيقة مع الموسيقي 'شوبان'، وأصدرت عددا كبيرا من الروايات والمسرحيات والتراجم.
أما جوستاف فلوبير فهو من أعلام الأدب الفرنسي وقد منحته رواية «مدام بوفاري» شهرة عريضة، وعرف عنه الدقة في استخدام الكلمات والعناية الفائقة بالأسلوب. ومن النادر أن يختلف كاتبان في المزاج والمذهب والأسلوب، كما كانت تختلف 'جورج ساند' عن 'جوستاف فلوبير'.
الثورة الفرنسية..
كانت 'جورج صاند' ابنة الثورة الفرنسية، ولدت سنة 1804 وتمثل فيها كل ما في الثورة من تحرر وانطلاق وتفاؤل واستبشار، وتطلع نحو المستقبل وكان أسلوبها سهلا لا تكلف فيه تكتب بيسر كما لو كانت تغرف من بحر.
وكان 'جوستاف فلوبير' الذي ولد عام 1830 ابنا للإمبراطورية الثانية، إمبراطورية الفشل والهزيمة وكان يعكس هذه المشاعر، مشاعر اليأس والقنوط وعدم الثقة في الطبيعة البشرية والكفر بالشعارات العامة وبوجه خاص الديماغوجية والشعبية، وكان في كتابته، كما هو في فكره السياسي، أرستقراطيًا لا يعني بالكم وإنما يعني بالكيف، يتخير ويحكم الأسلوب ويعاني في هذا كأنما ينحت من صخر، وقد يقضي أسبوعا في صياغة فقرة واحدة، ولكنه في النهاية يخرج درة فريدة مثل «مدام بوفاري».
ومع هذا والتباين، جمعتهما صداقة وثيقة ظلت 12 عاما بما فيها فترة الكوميون القلقة وهزيمة 1870، ولم تقطعها إلا وفاة 'جورج ساند'، والعامل المشترك بينهما وقتئذ كان أن كل واحد منهما كان قد طرح فترة القلق والكفاح وآوي إلي ملاذه الخاص، هي في «نوهان» وهو في «كروسيه» هي في السابعة والخمسين وهو في الثالثة والأربعين. وقد أصدر كل منهما عيون إنتاجه ودرر كتاباته واعترف به كاتبا عبقريًا فذا.
نصوص مجهولة..
في مقالة بعنوان (الفرنسية جورج ساند تفاجئ قراءها بنصوص مجهولة) كتبت 'مارلين كنعان': 'الكاتبة والروائية الفرنسية الشهيرة 'أمانتين أورور لوسيل دوبان دو فرانكوي' المعروفة باسم 'جورج ساند' التي جمعتها بالموسيقار الكبير 'فريدريك شوبان' قصة حب رهيبة، تعود للواجهة الأدبية الفرنسية وإلى كثير من قرائها عبر ثلاثة كتب جديدة غير منشورة، صدرت حديثا في باريس، وتنمي نصوصها إلى أدب الرحلة التي كانت هي من رواده الكبار، وإلى أدب الرسائل أو المراسلات الذي بلغ إحدى ذرواته في القرن الـ 19.
والكتب هي 'في السفر مع جورج صاند في الجنوب الغربي' (دار لوفستين)، 'أسفار' (دار أرتو)، و'رسائل جديدة مكتشفة' (دار لو باسور)، عطفا على كتاب صدر للباحثة 'فرانسواز جونوفراي' عن علاقة 'ساند' بسويسرا وعنوانه 'سويسرا جورج ساند' (دار غارنييه).
لابد من إلقاء ضوء على الكتابة الكبيرة مسيرة ومسارا أدبيا، فهي تعد واحدة من أكثر الكتاب الفرنسيين غزارة، ووقعت أكثر من 70 رواية و50 عملا أدبيا توزع معظمها على أدب الرحلات والقصص القصيرة والحكايات والمسرحيات والمقالات والنصوص السياسية، فضلا عن ارتباط اسمها بعلاقات ومغامرات عاطفية عدة وبالتمرد على القيود المجتمعية'.
شوبان..
ولدت جورج صاند في باريس لأب ضابط في الجيش الإمبراطوري تزوج سرا من امرأة من الطبقة الشعبية وعاش معها في صراع حتى وفاته، مما ولَّد لدى طفلته شعورا بالاختناق كان السبب، على ما تقول، في تمردها. وقد تلقت ساند تعليمها أولاً في مدينة ريفية صغيرة تقع جنوب غربي باريس تدعى نوهان- فيك، إذ عاشت في كنف جدتها تستمع إلى القصص التي يرويها الفلاحون في جلساتهم، وقد حولتها الأديبة فيما بعد إلى مادة أولية لرواياتها قبل أن تنتقل إلى إحدى المدارس الداخلية للراهبات في باريس فجرت في أعماقها حب التمرد في بادئ الأمر ومن ثم التوق إلى اعتناق الحياة الديرية.
وفور عودتها لنوهان تزوجت ساند وهي في الـ 18 من عمرها من البارون كازمير دودفان ورزقت منه بطفلين، لكنها سرعان ما انفصلت عنه لتعيش حياتها بحرية كاملة مثيرة العديد من الفضائح في علاقاتها مع بعض المشاهير مثل الشاعر ألفرد دو موسيه وبروسبير مريميه والموسيقي فريديرك شوبان والكاتب جول صاندو الذي أوحى لها باسمها المستعار بعدما وقعت وإياه على رواية أولى بعنوان 'روز وبلانش' نشرت عام 1831 باسم جول ساند.
وبعد انفصالها بوقت قصير عن هذا الكاتب المغمور قررت أورور دوبان الاستمرار في الكتابة، غير أنها وجدت من المناسب الاحتفاظ بالاسم المستعار 'ساند' وإضافة الاسم الأول المذكر 'جورج' كي تؤخذ كتاباتها على محمل الجد، وقد وقعت بهذا الاسم كل نتاجها الأدبي الزاخر الذي تميز بأسلوب سهل لا تكلف فيه، وبعد طلاقها من البارون دودفان قررت ساند الاستقرار في باريس لتثير حولها زوبعة من الاستنكار في الأوساط المخملية لخروجها بزي الرجال وانتقائها البنطال وتدخينها الغليون والسيغار، وقد شغلت مغامراتها العاطفية الصالونات الأدبية في أوروبا كافة'.
وعن روايتها تواصل المقالة : 'بدأت شهرة جورج ساند الأدبية عام 1832 حين أصدرت رواية 'إنديانا' ثم روايات 'فالنتين' و'ليليا' و'جاك' وغيرها من الروايات التي تناولت قصص حب رومانسية، وفيها وصفت تقلبات المشاعر العاطفية والعشق الصاخب كما عاشته مع دو موسيه وشوبان، لكنها سرعان ما اهتمت في روايات أخرى بوصف حياة القرويين مثل 'بركة الشيطان' و'فاديت الصغيرة'، وفي كثير من النصوص والسرديات. وقد أبدعت ساند أيضاً في كتابة الرواية المثالية التي ترجمت من خلالها مشاعرها وأفكارها وآرائها عندما غيرت موقفها من الأدب، إذ أصبح بتأثير من الاشتراكية والإنسانية وتجربة الشاعرين لامارتين وهوغو، المتحدث باسم الشرائح الشعبية.
كانت كتابات جورج ساند تدافع أولاً عن تقلبات المشاعر العاطفية الصاخبة والعشق والوله والعوالم الداخلية للمرأة، لكنها تحولت ثانياً إلى الدفاع عن القيم الإنسانية والتضامن الاجتماعي، غير أن هذا الدفاع بجناحيه لم يندرج فقط في إطار جرأة ساند وتحررها في زمن لم تجرؤ فيه النساء على انتقاد السياسات الاجتماعية والاقتصادية المتبعة في بلادها ونشر أفكارهن التحررية والعيش بموجبها، بل تعداها مع هذه الكاتبة الاستثنائية المأخوذة بالبحث عن جوهر الأشياء وسر الذات ليندرج في إطار الفكر الاستشرافي، فاليوم وبعد مضي 200 عام على ولادة جورج ساند تبدو لنا هذه الأديبة المميزة كامرأة ذات أفكار ورؤى تجاوزت العصر الذي عاشت فيه، وهي التي استشرفت بعض ما ستكون عليه فرنسا على المستوى السياسي والأدبي والتي زاوجت بين الحب والكتابة والسفر'.
أهواء..
في مقالة بعنوان (أهواء جورج ساند) كتب: 'لم يكن لجورج ساند هوى واحد، وإنما كانت لها أهواء، تقسم الحب قلبها، وتتنقل من خليل مملول، إلى آخر طريف محبوب، لا تمضي عليه برهة حتى تصير طرافته سآمة وحبه قلى. وكان لها قدم راسخة في الكتابة، وبخاصة في الفن القصصي، الذي كانت تبذ فيه فيكتور هيجو؛ فقد كان هيجو لغرامه بالصناعة اللفظية، وتيهه بنفسه، يميل إلى الضخامة والأبهة في وصف أشخاص قصصه؛ فإذا وصف شقيّا، بالغ في شقائه، حتى يخرج عن الصورة المألوفة للشقاء. أما جورج ساند فكانت كاتبة ملهمة، ترسم الناس كما هم، وتخطط أخلاقهم تخطيطًا صحيحًا، فإذا قرأ الإنسان إحدى قصصها شعر أنه في وسط أناس حقيقيين، يقرأ قلوبهم، وتطالعه سرائرهم في أحاديثهم وسلوكهم'.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

بني ياس وكلباء يكتفيان بنقطة في ختام حصاد الدوري
بني ياس وكلباء يكتفيان بنقطة في ختام حصاد الدوري

الإمارات اليوم

timeمنذ 12 دقائق

  • الإمارات اليوم

بني ياس وكلباء يكتفيان بنقطة في ختام حصاد الدوري

اكتفى فريقا بني ياس وكلباء بنقطة التعادل الإيجابي 2-2، اليوم، على استاد الشامخة، ضمن الجولة الختامية لدوري أدنوك للمحترفين لكرة القدم، في مواجهة حملت طابع التوازن والرغبة في إنهاء الموسم بصورة إيجابية، لينهي بذلك «السماوي» الموسم في المركز الـ12 برصيد 27 نقطة، بينما حافظ كلباء على المركز التاسع برصيد 32 نقطة. ورغم أن المواجهة لم تكن مؤثرة على موقع الفريقين في جدول الترتيب بعد ضمان البقاء رسمياً، فإنها شهدت ندية وأهدافاً جميلة أسعدت الجماهير، في ظل تألق نجوم الفريقين لخوض اللقاء بدون أي ضغوط. وافتتح اتحاد كلباء التسجيل مبكراً في الدقيقة 25 عبر هدافه الإيراني المتألق مهدي قائدي من ركلة جزاء، مؤكداً من جديد تأثيره الكبير في صفوف «النمور» بعد موسم استثنائي سجل فيه 16 هدفاً وسبع تمريرات حاسمة. ومع بداية الشوط الثاني، عاد أصحاب الأرض إلى أجواء اللقاء، حين أدرك القائد فواز عوانه التعادل في الدقيقة 55 بضربة رأس متقنة استغل فيها عرضية زميله أندريه بوركا. وواصل بني ياس ضغطه الهجومي، لينجح بيرنارد فاي في تسجيل الهدف الثاني في الدقيقة 68 بعد هجمة منظمة أنهاها بتسديدة مباشرة داخل الشباك. وفي الوقت الذي فرض فيه بني ياس سيطرته على مجريات اللقاء بصورة أكبر استطاع كلباء أن يخطف هدف التعادل بواسطة شهريار موغانلو الذي أعاد المباراة إلى نقطة التعادل في الدقيقة 75، مستغلاً كرة مرتدة من الحارس فهد الظنحاني تابعها بتسديدة ناجحة إلى المرمى.

لجنة الاتصالات الفيدرالية تقبل استحواذ فيريزون على فرونتير
لجنة الاتصالات الفيدرالية تقبل استحواذ فيريزون على فرونتير

المشهد العربي

timeمنذ 12 دقائق

  • المشهد العربي

لجنة الاتصالات الفيدرالية تقبل استحواذ فيريزون على فرونتير

وافقت لجنة الاتصالات الفيدرالية الأمريكية على صفقة بقيمة 20 مليار دولار تقضي باستحواذ شركة فيريزون كوميونيكيشنز على مزودي خدمات الإنترنت بالألياف الضوئية، فرونتير كوميونيكيشنز. وكانت فيريزون قد اتفقت على شراء فرونتير في سبتمبر الماضي مقابل حوالي 9.6 مليار دولار، بالإضافة إلى تحمل 10 مليارات دولار من ديون فرونتير. وأوضح بريندان كار، رئيس لجنة الاتصالات الفيدرالية، أن الموافقة على هذه الصفقة ستضمن استفادة الأمريكيين من سلسلة من المزايا، وستطلق مليارات الدولارات في مشروعات بناء بنى تحتية جديدة في مختلف أنحاء البلاد. وكان كار قد أعلن في فبراير الماضي عن فتح تحقيق مع فيريزون بشأن ترويجها لبرامج التنوع والمساواة والشمول، مشيرًا إلى أنها قد تكون عاملاً في صفقة فرونتير. وفي رسالة إلى كار اطلعت عليها رويترز، أكدت فيريزون أنها ستزيل موقعها الإلكتروني المخصص لـ "التنوع والشمول"، وستحذف الإشارات إليه من تدريب الموظفين، وستجري تغييرات أخرى على ممارسات التوظيف والتطوير المهني وتنوع الموردين والرعاية المؤسسية، كما أكدت أن جميع هذه الأحكام ستُطبق أيضًا على فرونتير.

اقتصادنا.. تحديات وآمال
اقتصادنا.. تحديات وآمال

جريدة الرؤية

timeمنذ 12 دقائق

  • جريدة الرؤية

اقتصادنا.. تحديات وآمال

حاتم الطائي ◄ انعكاسات الزخم الاقتصادي ما تزال غير ملموسة بالدرجة الكافية على المواطن ◄ مشروعات التطوير العقاري والسياحي تفتح الباب أمام مزيد من الاستثمارات النوعية ◄ لا بُد من التخلي عن ثقافة العمل الريعي والاتكالية وتمجيد السلبية والتوجه نحو الإنتاجية والإنجاز لا أحد يُنكر الزخم الذي يكتسبه اقتصادنا الوطني عامًا وراء عام، وما نُحققه من مُنجزات على صعيد الاقتصاد الكُلي من نمو في الناتج المحلي الإجمالي والدخل القومي واستقرار معدلات التضخم، وغيرها من المؤشرات، علاوة على التحسُّن الواضح في المالية العامة مع نجاح خطة التوازن المالي في ضبط الإنفاق العام وزيادة الإيرادات وخفض العجز المالي، والذي تحوَّل إلى فائض مالي خلال السنتين الماليتين الأخيرتين، مع تقديرات بمواصلة تحقيق هذا الفائض المالي في الموازنة العامة للدولة للعام الجاري 2025. لكن في المُقابل، فإنَّ انعكاسات هذا الزخم الاقتصادي على معيشة المواطن ما تزال غير ملموسة بالدرجة الكافية، ما يؤكد أنَّ ثمّة خللٍ يواجه النموذج الاقتصادي والتنموي الذي نسير عليه، ليس فقط من حيث تأثيراته على الحياة اليومية للمواطن، ولكن أيضًا فيما يتعلق بمعدلات نمو بعض المؤشرات، وفي مُقدمتها مؤشر الباحثين عن عمل الذي ما يزال يُراوح مكانه، فأعداد الباحثين عن عمل ما تزال مُرتفعة، وما يتم توفيره من وظائف كل عام لا يتماشى أبدًا مع العدد المُتزايد من الخريجين، أضف إلى ذلك أعداد المُسرَّحين من أعمالهم، وإن كانوا لا يمثلون عددًا كبيرًا، لكنهم يضيفون إلى العدد الإجمالي للعاطلين عن العمل، وهو المسمى الذي يجب أن نستخدمه بكل واقعية. نقول ذلك، وقد شهدنا خلال الأسبوع الماضي إطلاق حُزم من المشاريع العقارية والسياحية العملاقة، والتي تستقطب استثمارات بأكثر من 2.3 مليار ريال، تتضمن إنشاء مُدن ذكية ومشروعات عقارية وسياحية، يُنفذها أكبر المطورين العقاريين على مستوى الشرق الأوسط، ومن المؤكد أنَّ هذه المشاريع ستضُخ دماءً جديدة في شرايين اقتصادنا الوطني، وستعمل على توفير المزيد من فرص العمل للشباب، وستُحدث انتعاشة مأمولة، خاصة وأن الاستثمار في القطاع العقاري يُعد الأكثر أمانًا، لما يُحقِّقه من قيمة مضافة؛ سواءً للمالك (المستثمر) أو المنظومة الاقتصادية ككُل، علاوة على أنَّ هذه المشاريع تُسهم في تطوير العديد من المناطق، وتُحقق الاستغلال الأمثل لما يملكه وطننا الحبيب من مقومات. ولا ريب أنَّ مشروع "الجبل العالي" في الجبل الأخضر وما يُتيحه من إمكانية التملك الحُر، سيلقى الكثير من النجاح؛ كون ولاية الجبل الأخضر بمحافظة الداخلية، منطقة استثنائية على مستوى دول الخليج، من حيث اعتدال الطقس وما تنعم به من هدوء في أحضان الطبيعة الخلابة، وسيكون "الجبل العالي" أهم منتجع سياحي في دول الخليج قاطبةً، وسيُنافس كل المنتجعات السياحية، ليس مستوى دولنا فقط، ولكن على مستوى الشرق الأوسط وآسيا، خاصة في ظل المعايير العالمية التي سيتم تنفيذ المشروع وفقها، وما يتضمنه من منتجات تُلبي احتياجات الأفراد، سواء من الوحدات السكنية أو الترفيهية. لقد كتبنا كثيرًا عن ضرورة تحقيق التنمية السياحية في الجبل الأخضر، وأهمية تحويل هذه الجنَّة الخضراء إلى منتجعات سياحية ومجمعات سكنية مُتكاملة، لكي نُحقق التنمية المُستدامة والشاملة، ويستفيد أبناء الجبل الأخضر من هذه التنمية، في صورٍ عدة. ومثل هذه المشاريع لا تخدم جهود التنمية وحسب؛ بل إنها تفتح الباب أمام جذب المزيد من الاستثمارات، وتنويع المشاريع، والعمل على التوجه نحو نموذج أكثر تطورًا واستدامةً في التنمية السياحية والعقارية؛ الأمر الذي سيعود بالنفع على اقتصادنا الوطني، ويخلق المزيد من فرص العمل، ويضمن توسعة القاعدة الاقتصادية للقطاع الخاص. ونظرًا لأنَّ الاقتصاد يعمل وفق تأثير "الدوائر المترابطة" التي تتأثر ببعضها البعض، فمن الضروري العمل على مواجهة التحديات التي تواجه تمكين القطاع الخاص، مثل: تبسيط الإجراءات وإتاحة التمويل منخفض التكلفة عبر طرح حلول تمويلية بأسعار فائدة لا تتعدى 3%، حتى يتمكن هذا القطاع الحيوي من النهوض بمسؤولياته في بناء الوطن وخلق فرص العمل للشباب، وهي القضية الأكثر إلحاحًا؛ إذ إنه رغم ما أطلقه البنك المركزي العُماني، مشكورًا، من مبادرات طموحة، إلّا أنَّ القطاع الخاص يترقب المزيد من التفاصيل والآليات للاستفادة من هذه المبادرات الطموحة، والتي تعوِّل عليها الشركات كثيرًا من أجل تحقيق الانتعاشة المأمولة. ومن بين الحلول التي نأمل اتخاذها لإنعاش الاقتصاد، ضرورة مواصلة زيادة رأس مال بنك التنمية؛ حيث إن الزيادة التي شهدها خلال العام الماضي، يجب أن تتبعها زيادات تُسهم في تذليل عقبات التمويل وإتاحته أمام أكبر عدد ممكن من المستثمرين، وأداء دوره الوطني كمموِّل للمشاريع التنموية. كما يتعين العمل على تحديث التشريعات بصفة مستمرة، لضمان مواكبتها للمتغيرات الاقتصادية والجيوسياسية، والتي بدأت تؤثر على اقتصادنا، دون أن يكون لنا أي علاقة بها. ولا شك كذلك أن أي قرار اتُخذ خلال الفترة الأخيرة، لم يخدم الصالح العام ولا بيئة الاستثمار، يجب التراجع عنه فورًا، والبحث عن حلول بديلة، لا سيما القرارات الشعبوية التي لم تهدف إلّا إلى إلقاء مزيد من الأعباء على القطاع الخاص، ولا سيما المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والتي أُجزمُ أنها إذا ما كانت مُستعدة بالدرجة الكافية لتوظيف الباحثين لسارعت إلى ذلك دون تردد. وهُنا، أهمسُ في أذن الشباب وكذلك المسؤولين، بأهمية تغيير ثقافة العمل، من خلال تبنِّي مفهوم مُغاير للعمل، يقوم على تقديس قيمة العمل، وترسيخ المهنية والجودة في كل تفاصيل أعمالنا. كما أُسدي النصح إلى أصحاب الأعمال- وتحديدًا المؤسسات الصغيرة والمتوسطة- بأن يبتعدوا عن ثقافة العمل الريعي الذي لا مجهود فيه، وأن يتجهوا إلى العمل القائم على العطاء اليومي والإنتاجية، وهذا يتطلب الكف عن تمجيد التفكير السلبي والاتكالية، كما يجب على أصحاب المشاريع أن يبتعدوا عن المظاهر والشكليات والزخرفة التي لا تُضيف لمعنى الحياة أي جديد. وفي هذا السياق، ومن موقعي في عالم الإعلام، أؤكد أنَّ لوسائل الإعلام دور فاعل للغاية في إبراز قصص النجاح التي تقوم على الجدية والمثابرة في العمل، ولنا مثال بتجربة شباب نزوى في تطوير "حارة العقر" وتحويلها من خرابات إلى نقاط جذب سياحي، وفرص عمل للشباب، ونأمل أن تكون نموذجًا يُحتذى به في تطوير المواقع التراثية والاستفادة منها في تحقيق عائد اقتصادي مُجدٍ في مختلف الولايات. وعندما نتحدث عن الولايات والمُحافظات، لا بُد من الإشارة إلى أدوار المُحافظين في إدارة الملف الاقتصادي وتطوير اقتصاد المحافظات بما يُلبي الطموحات؛ حيث إنَّ كل محافظة تتمتع بميزة تنافسية، ما يُسهم في خلق التكامل الاقتصادي بين المحافظات. وفي هذا الإطار، لا بُد من بذل كل الجهود من أجل التخلص من البيروقراطية، والتركيز على الإنجاز الحقيقي، وأن يخرج المسؤولون من مكاتبهم وينتقلون إلى أرض الواقع لمتابعة أنشطة مؤسساتهم التي يُديرونها، خاصةً وأنا نُعاني من تضخم الإجراءات الإدارية على حساب الإنجاز. وعلى صعيد التعاون الدولي، نؤكد مُجددًا أنَّ الدبلوماسية الاقتصادية التي يقودها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظه الله ورعاه- تُحقق نجاحات غير مسبوقة، لكن في الوقت نفسه على الوزارات المعنية الاستفادة من مذكرات التفاهم واتفاقيات التعاون التي نوقعها مع مختلف الدول، وكذلك الحال بالنسبة للتحالفات الاقتصادية الدولية، من خلال تعزيز التعاون مع عدد من المجموعات والتحالفات الدولية، مثل مجموعة آسيان، و"بريكس" وغيرها، لتعميق الأداء الاقتصادي. ويبقى القول.. إنَّ مواجهة التحديات ضرورة وطنية، تستلزم تكاتف الجهود والسعي الحثيث من أجل تنفيذ مُستهدفات رؤية "عُمان 2040"، وذلك يتطلب إرادة صلبة وجدية في العمل، من أجل بناء اقتصادنا، خاصة وأنَّه صغير نسبيًا، ما يعني وجود فرص هائلة من أجل التطوير والنهوض الحقيقي به، لضمان تنوُّعه واستدامته.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store