عاليه تودّع ابنها الصيدلي رجا شرف الدين: حين حضرت الأم بصورة معلّقة… وبقيت عيناها تودّع من فوق جدار الذاكرة
كتب سمير خداج في القناة الثالثة والعشرون
في عاليه، المدينة التي تُشبه صيدلية قديمة تحفظ عافية ناسها، وتخبّئ أسرار عشبة الشفاء في قلب كل زاوية وحيّ، خفَتَ اليوم ضوء من أضوائها الهادئة… ورحل رجا شرف الدين، الصيدلي الذي لم يكن فقط مداوياً لأوجاع الجسد، بل بلسمًا للنفوس ومحبًا للحياة ولأهله وأرضه.
رجا، شقيق الوزير السابق عصام شرف الدين، غادر بصمت، لكن وداعه كان صاخبًا بالحبّ والوفاء. في المأتم، امتلأت القاعة برجالات الدولة والمجتمع: سياسيون، رجال دين، ضباط، وجوه اقتصادية واجتماعية من مختلف المشارب، جاؤوا لا ليردوا الجميل فحسب، بل ليؤكدوا أن الرحيل لا يُقاس بضجيجه، بل بأثره.
لكن المشهد الذي خرق الصمت وألجم القلوب، لم يكن في الكلمات ولا في الحشود، بل كان في صورةٍ معلّقة على الحائط… صورة امرأة شامخة، بعينين تضيئان على الجدار، وملامح تحفظ نُبلَ الزمن.
إنها صورة والدة الراحل، السيدة التي أسّست جمعية الرسالة الاجتماعية في عاليه، التي احتضنت المأتم. لم تكن سيدة عادية، بل كانت ركنًا من أركان العمل الإنساني في المدينة. بنت بيديها المبنى، وغرست في حجره روح الخدمة. وفي قاعة الجمعية، ما زالت صورتها معلّقة على الحائط منذ سنين، تحرس المكان، وتراقب الوجوه التي تدخل إليه، كأنها لم تغب قط.
اليوم ، بدت هذه الصورة وكأنها تنظر من فوق الحضور، تودّع ابنها رجا بصمت الأم التي سبقت الزمان، والتي شاءت الأقدار أن يستقبل صرحها جثمان ابنها، وأن تتولى صورتها مهمة الحضور في وداعه.
لم تتكلّم، لكنّ عينيها قالتا كل شيء.
قالت الوجع، والفخر، والقبول، والرحيل.
رجا، الذي عرفه أهل عاليه صيدليًا خلوقًا، ووجهًا دائم الحضور في المدينة، كان صورة مصغّرة عن بيتٍ من بيوت الكرامة والعز والكرم كان رفيق كل مَن عرفه، وجزءًا من روح هذه المدينة.
ورجا، لم يكن وحده في هذه الحياة. خلفه يقف أبناؤه: عامر، داليا وسعيد، يحملون اسمه في قلوبهم ويكمّلون طريقه بصمته ونبله. إلى جانبهم، كانت شريكة عمره ورفيقة دربه، الشيخة رجاء شبلي العيسمي، كريمة المفكّر العربي الكبير شبلي العيسمي، التي وقفت بصمت الموجوعين، لا تودّع فقط زوجًا، بل رفيق عمر، وركنًا من بيتها وقلبها.
في مأتمه، حضرت عاليه بأكملها: برجالها، ونسائها، وذكرياتها. لكنها وقفت دقيقة صمتٍ أمام تلك الصورة… الصورة التي بقيت هناك، رغم غياب صاحبتها، وكأنها كانت تعلم أن يومًا كهذا سيأتي، وأن الحب لا يموت، وأن الأمومة لا تغيب، حتى بعد الرحيل.
وهكذا، في مدينةٍ تُشبه الصيدلية، وتعرف أن لكل وجع دواء… ودّعت عاليه ابنها الصيدلي، أمام صورةٍ كانت وحدها تُشبهه:
هادئة، صامتة، ممتلئة بالمحبة… وقادرة على الوداع.
رحمك الله يا رجا، وجعل مثواك الجنة.
وسلام على روح والدتك… التي انتظرتك بكرامة، ولو بصورة على جدار.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


ليبانون 24
منذ ساعة واحدة
- ليبانون 24
بكلمات مؤثرة... "صعب للدراسات" تنعى رئيسة نقابة اتحاد الناشرين في لبنان
ابرقت مؤسسة " حسن صعب للدراسات والابحاث" معزية برئيسة نقابة اتحاد الناشرين في لبنان سميرة عاصي ، وقالت: "ببالغ الحزن والرضا بقضاء الله تعالى تلقينا خبر وفاة السيدة سميرة عاصي رئيسة نقابة اتحاد الناشرين في لبنان، التي قضت معظم عمرها في حمل هموم الناشرين اللبنانيين والعرب والدفاع عن قضاياهم في المحافل العربية والدولية. وبرحيل السيدة عاصي يخسر لبنان والعالم العربي قامة مهنية كبيرة، لكن ذكراها العطرة ستبقى بين زملائها والأجيال القادمة. بإسمي الشخصي وبإسم عائلة المفكر الراحل الدكتور حسن صعب، واسرة "مؤسسة حسن صعب للدراسات والأبحاث"و"مكتبة حسن ونعمت صعب" نتقدّم من حرم دولة الرئيس نبيه برّي السيدة رندا ولجميع إخوتها وأخواتها بواجب التعزية. سألين المولى عز وجل أن يتغمد الفقيدة بواسع رحمته ويسكنها فسيح جناته مع الصالحين والأبرار ويلهم ذويها الصبر والسلوان".


IM Lebanon
منذ 2 ساعات
- IM Lebanon
أبي المنى التقى بري: لاستكمال تطبيق الطائف
إستقبل رئيس مجلس النواب نبيه بري بمقر الرئاسة الثانية في عين التينة، شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز سامي أبي المنى مع وفد من المجلس المذهبي الدرزي والقضاة والمستشارين في المجلس. وتم البحث في تطورات الأوضاع العامة في لبنان والمنطقة والمستجدات السياسية وشؤونا وطنية وروحية. وبعد اللقاء، قال أبي المنى: 'تشرفنا اليوم بزيارة دولة الرئيس مع إخواننا في مجلس إدارة المجلس المذهبي والمستشارين وكان لنا جولة أفق مع دولته في هذا الوضع الدقيق والحساس من تاريخ لبنان والمنطقة'. وأضاف: 'طبعا الكلام مع دولة الرئيس يزيدنا إطمئنانا بأن الدولة سائرة في الطريق الصحيح وأن الإصلاحات القادمة خطوة خطوة، وهو ما أكدناه ولمسناه في القصر الجمهوري وهو ما نؤكده ونلمسه اليوم في عين التينة'. وتابع: 'كما بحثنا طبعا في أهمية إستكمال تطبيق الطائف بكل بنوده بما يخدم المصلحة الوطنية وأيضا في الوضع القائم في المنطقة والذي يستوجب الوحدة الوطنية وأكدنا موضوع الشراكة الروحية الوطنية. هذا العنوان العريض الذي نطرحه اليوم والذي ستكون الندوة الأولى تحت هذا العنوان غدا مع نخبة من المفكرين وبرعاية وزارة الثقافة لكي نصل في ختام سلسلة ندوات في هذا الموضوع إلى مؤتمر وطني إن شاء الله برعاية فخامة الرئيس هذا ما نطمح إليه وما نسعى إليه'. وختم أبي المنى: 'كانت أيضا مناسبة لكي يتعرف دولة الرئيس على نشاط المجلس المذهبي من خلال اللجان ومن خلال النشاطات التي يقوم بها المجلس فيما يخدم المصلحة الوطنية وفيما يؤكد هذه الشراكة الروحية الوطنية التي هي مظلة الإصلاح والإنقاذ والتي لا مفر منها والتي هي الأساس في هذه المسيرة مسيرة العهد الجديد'.


الديار
منذ 2 ساعات
- الديار
الأفضل لسورية... التطبيع أم التقطيع؟
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب بامتياز، نحن أمة الضلال والتضليل (الأمة الضالة بدل الفئة الضالة). عبثًا نبحث عن شاشة لا تقدس أولياء أمرها، وأولياء أولياء أمرها، ولو كانوا بمواصفات الذباب أو بمواصفات الذئاب، وتلعن خصومهم ولو كانوا في قبورهم من ألف عام... على مدى سنوات طويلة، كنا مع النظام في سورية (لمن يعرف ما معنى دمشق، وما روح دمشق). لم نلاحظ العفن الذي كان يأكل الوجوه، بعد تلك السنوات الطويلة من عبادة الفرد، وهي ظاهرة تنتقل من جيل الى جيل، ومن رجل الى رجل، كما كنا نتغاضى عن الأداء الوحشي لأجهزة الاستخبارات، التي كانت تمثل ذروة الأمية وذروة الغباء. ذات مرة قلت لوزير الاعلام "كل الصور التي تنشر للرئيس بشار الأسد ولضيوفه، يبدو وهو يتكلم ويلوّح بيديه (يدي الأستاذ أو يدي المايسترو) فيما جليسه، ولو كان فلاديمير بوتين أو آية الله خميني، يصغي كما التلميذ المنبهر بعبقرية استاذه". الوزير استجاب وأمر بتنويع الصور. ردة فعل أجهزة الاستخبارات كانت مروعة (مؤامرة على سيادة الرئيس). هذه ظاهرة كلاسيكية في الأنظمة الثورية. خلال القمة العربية في مدينة فاس المغربية، كان المركز الاعلامي عبارة عن قاعة دائرية زجاجية. رجال الاستخبارات العراقية لم يتركوا سنتيميتراً من الجدران الزجاجية، الا وغطوه بصور الرئيس صدام حسين. في سورية، كل سيارة، ولو كانت سيارة الاسعاف، ينبغي أن تحمل صورة الرئيس بشارالأسد، أو الصورة الثلاثية للرئيسين حافظ وبشار وبينهما باسل، دون أن نعرف ما مزايا الأخير، لكي يطلق اسمه على الملاعب الرياضية وعلى الساحات. العدوى انتقلت الى لبنان، تمثال له في مدينة شتورة، وهو يمتطي حصانه بقبعة الفيلدمارشال فيليب مونتغمري. لكننا وبالصوت العالي كنا مع النظام وهو يتداعى من الداخل، لأنه كان ضد "اسرائيل"، وكان يمد يد العون الى المقاومة في لبنان، ودون أن يكون صحيحاً ما يشاع حول علاقة مع "اسرائيل"، لو كان الأمر كذلك لما كان الحصار القاتل. وزير للنقل في عهد الأب أخبرني "بقينا 8 أشهر نبحث عن عجلة لطائرة بوينغ دون جدوى، الى أن حصلنا عليها ولكن بطريقة ملتوية". منذ ايام أعلن مكتب رئيس الوزراء "الاسرائيلي" بنيامين نتنياهو استعادة 2500 وثيقة وصورة، وأغراض شخصية لايلي كوهين، الجاسوس "الاسرائيلي" الذي أعدم في ساحة المرجة عام 1967، بعدما تنكر بشخصية مغترب سوري في الأرجنتين، وتمكن من اختراق المنظومة القيادية في سورية. "الموساد" أصدر بياناً أوضح فيه أن ما حدث كان نتيجة عملية سرية، نفذها جهاز العمليات الخاصة في "الموساد" مع جهاز شريك استراتيجي، دون أن يوضح هوية ذلك الشريك (أميركي أم تركي؟). القاصي والداني يدرك مدى الهلهلة في أجهزة الاستخبارات السورية، مال ونساء، كل ذلك السلاح الذي دخل الى البلاد وفجّر الحرب فيها، جرى تهريبه بالمال. الآن، يحكى الكثير عن الأجهزة التي تنتشر في المواقع السورية الحساسة. وفي هذا الاطار شراء قادة الفصائل، أبعد من ذلك بكثير... ضلال وتضليل. نعلم أن قناة "الجزيرة" معادية لنظام الاسد، هذه مسألة طبيعية، ولكن أن تتبنى تلك التغريدات التافهة في مقاربة الحدث الاستخباراتي؟ احدى التغريدات قالت "ربما حصلت "اسرائيل" على أغراض ايلي كوهين منذ سنوات، سواء في عهد حافظ الأسد أو في عهد وريثه بشار الأسد، لكن "اسرائيل" حافظت على سرية عمليتها"، مع أن الكل يعلم مدى مبدئية الرئيس الراحل في التعامل مع "اسرائيل"، ولقد تابعنا تفاصيل مفاوضاته مع اسحق رابين، واصراره على سورية ضفاف بحيرة طبريا. المفاوضات التي كانت السبب في اغتيال هذا الأخير برصاصة ييغال عمير عام 1995. من التغريدات أيضاً التي تكشف مدى ضلالنا وتضليلنا، أن العملية تمت في عهد "الرئيس المخلوع"، لكن الاعلان عنها الان هو لـ "توجيه ضربة سياسية الى النظام الجديد"، مع أن كل المعلومات تؤكد أن رئيس هذا النظام أحمد الشرع أبلغ نظيره الأميركي دونالد ترامب، أثناء لقائه في قصر اليمامة، استعداده للتطبيع حتى دون قيد أو شرط. لو كان هذا موقف بشار الأسد لورث ابنه السلطة من بعده... خطوة أخرى في الصراحة وفي الواقعية. كنا نبرر للنظام السابق تلك البيانات العسكرية الصادمة، لدى تنفيذ أي غارة "اسرائيلية" على أهداف سورية، وحتى داخل دمشق، وكنا نقول إن الدولة ما زالت تلملم جراح الحرب والتداعيات الرهيبة للحرب، ناهيك بالاختلال في موازين القوى، مقابل أحدث القاذفات الأميركية وكذلك المنظومات الدفاعية الحديثة، الطنابر الطائرة من سورية، والمنظومات الدفاعية التي لا تستطيع اسقاط حتى الطائرات الورقية. كثيرة الأيدي الغليظة التي تمسك بالخيوط السورية الآن، كوكتيل عجيب وعجائبي من اصحاب المصالح. من سنوات سقط الدور السوري، وسقط ذلك الشيء الذي يدعى الصراع العربي – "الاسرائيلي". قناة "فوكس نيوز" تقول ان دونالد ترامب اخرج الشرق الأوسط من التيه الايديولوجي والتيه الاستراتيجي.