
ملتمس الرقابة من لحظة لمكاشفة الحكومة إلى فرصة لكشف نزوات بعض مكونات المعارضة
فتح الله رمضاني
يعلم الجميع أن الغاية من لجوء الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى استثمار آلية ملتمس الرقابة لم تكن أبدا إسقاط الحكومة، بقدر ما كان هدفها الرئيسي هو جعل مناقشته لحظة لمكاشفة هذه الحكومة، ولإثارة العديد من القضايا والملفات التي تهم الرأي العام، والتي نجحت الحكومة إلى اليوم في تغييب النقاش حولها من داخل غرفة مجلس النواب.
إن القول بأن ملتمس الرقابة لم تكن غايته إسقاط الحكومة، هو قول راجع بالأساس إلى معطى موضوعي، ومنطقي، فمن الصعب جدا، بل من المستحيل الرهان على إسقاط هذه الحكومة عبر آلية ملتمس الرقابة، ذلك أن الأمر يتعلق بحكومة تتوفر على أغلبية عددية مريحة جدا، فحتى لو تمكنت مكونات المعارضة من تقديمه ووضعه أمام رئاسة مجلس النواب، فالأكيد أنها ستفشل في ضمان الموافقة عليه، هذه الموافقة التي تتطلب تصويت الأغلبية المطلقة من أعضاء مجلس النواب، وهو رهان خاسر أكيد، سيما أن اختلافات مكونات الأغلبية، لم تصل بعد إلى مستوى فك الارتباط، مما يحيل على إمكانية التحاق أحد مكوناتها بالمصوتين لصالح قبول ملتمس الرقابة.
لكن المؤكد، هو أن مكونات المعارضة كانت قادرة على تقديم هذا الملتمس، حيث لا يتطلب إيداعه طبقا لأحكام الفصل 105 من الدستور، إلا توقيع خمس الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب على الأقل، وهو ما كان سيكون فرصة سانحة لإحراج الحكومة، ولمواجهتها بالعديد من الممارسات التي تعتبر خطرا على المسير الديموقراطي في المغرب.
إن هذا التقديم، ليس محاولة لتذكير البعض بالعديد من المعطيات المعلومة للجميع، بل نريد منه أن يكون مدخلا للمساهمة في نقاش مفتعل ومغلوط تديره بعض مكونات المعارضة، في تفاعلها مع قرار الفريق الاشتراكي المعارضة الاتحادية صاحب مبادرة إشهار ورقة ملتمس الرقابة في وجه الحكومة، توقيف كل أشكال التنسيق بخصوصها، بعد أن تبين له غياب الجدية في التعاطي معها.
فكيف أجهضت هذه المبادرة؟ وكيف تحولت من فرصة لمكاشفة الحكومة، إلى لحظة سلّ فيها آخر خيط من جورب نايلون بعض مكونات المعارضة؟
نتذكر جميعا، أن الدعوة إلى تقديم ملتمس الرقابة ضد حكومة السيد أخنوش، كانت مبادرة اتحادية، تقدم بها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وتبناها امتداده النيابي بمجلس النواب، في وقت لم يكن هناك من يرى في تغول الحكومة، وفي نهجها اللاشعبي سببا للجوء المعارضة إلى آلية ملتمس الرقابة، كان ذلك قبل سنة وأكثر من اليوم، وهي المبادرة التي قوبلت حينها برفض واضح من طرف حزب العدالة والتنمية، بل إن أمينه العام هاجمها وهاجم المبادر إليها، بدعوى استحالة إدراكها لغايتها الأساسية والمتمثلة في إسقاط الحكومة، قبل أن تتغير مواقفه تجاهها ليلتحق بها، وقبل أن يخرج اليوم ليعلن أن السبب الرئيس في فشل تفعيلها يعود إلى رغبة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في أن يكون قائدا للمعارضة، وهو ما تعذر عليه، وما جعله يعلن انسحابه من أي تنسيق بخصوصها.
طيب، ما الذي تغير بين الأمس واليوم؟ ما الذي جعل ذ بنكيران ومجموعته النيابية تلتحق بمبادرة تقديم ملتمس الرقابة؟ وهي الآلية التي لا يمكن أن تؤدي إلى إسقاط الحكومة، وهو المبرر الذي 'اتكأ' عليه ذ بنكيران لرفضها في لحظة الإعلان عنها من طرف الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ثم ما معنى قيادة المعارضة؟ أو 'باطرون' المعارضة وهو الوصف الذي استعمله في تفاعله مع قرار الفريق الاشتراكي المعارضة الاتحادية بخصوص وقف التنسيق بخصوص ملتمس الرقابة.
إن المتغير الوحيد، الذي جعل ذ بنكيران وحزبه يلتحقان بمبادرة تقديم ملتمس الرقابة، هو رغبة هذا الأخير في تمديد جو 'البوليميك' الذي يجيده ويبدع فيه، والذي انتعش فيه خلال الفترة التي عرفت نقاش تشكيل لجنة تقصي الحقائق حول الوقائع المتعلقة بالدعم الحكومي لاستيراد المواشي، وهو الجو الذي لا يمكن أن يتحقق مع مبادرة يقودها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي لا يهدف من خلال مبادراته إلا استثمار ما يتيحه أمامه القانون من أجل ممارسة أدواره، وبمنهجية بعيدة كل البعد عن جميع صور المزايدات السياسية.
لقد انخرط حزب العدالة والتنمية، في مبادرة تشكيل لجنة تقصي الحقائق بخصوص دعم استيراد المواشي، وهو يعلم جيدا، أنها مبادرة يستحيل تفعيلها، باستحالة تحقيق شرط تشكيلها المنصوص عليه في الدستور المغربي، وهو الشرط الذي يتطلب توقيع ثلث أعضاء مجلس النواب، وهو ما لا يمكن إدراكه حتى لو انخرط في المبادرة كل المحسوبين على موقع المعارضة، لكنه انخرط فيها، وفي النقاش الدائر بخصوصها، في الوقت الذي رفض فيه الالتحاق بمبادرة ملتمس الرقابة، بالرغم من أنها تتطلب نصابا قانونيا أقل بكثير من النصاب الذي تتطلبه مبادرة لجنة تقصي الحقائق، وهو النصاب (نصاب إيداع ملتمس الرقابة) الذي كان من الممكن تحقيقه حتى من دون توقيعات نواب حزب العدالة والتنمية.
بناء عليه، يتضح أن مواقف ذ بنكيران وحزبه تجاه مبادرة ملتمس الرقابة، هي مواقف محكومة بمنطق الزعامة، والقيادة، حيث يظهر جليا أنه يرفض الانخراط في أي مبادرة لا يتزعمها، وما انخراطه في لجنة تقصي الحقائق السالفة الذكر، إلا لأنه كان يعلم جيدا استحالة تفعيلها، وإلا لأنه وجدها فرصة لإدارة النقاش بخصوص موضوعها بصورة تخدم حساباته السياسية.
في نفس السياق المرتبط بزعامة المعارضة، الأكيد أن المعارضة موقع لا زعامة ولا قيادة فيها، ذلك أنها ليست تحالفا مؤسسا على برامج واستراتيجيات، بل إنها لا تكون محكومة إلا بتنسيقات في مواضيع وقضايا وملفات ينتفي فيها اختلاف تصورات ومواقف مكوناتها، ثم إن قيادتها وبعيدا عن منطق العدد، الذي يعطي لمكونها الأول عددياشرف هذا النعت، أي قائد المعارضة، لا تتحقق إلا بحجم المبادرات النيابية، وإلا بمستوى استثمار الآليات التي يخولها القانون لمكونات المعارضة، سواء على مستوى مهمة التشريع أو الرقابة أو الديموقراطية التشاركية والديبلوماسية البرلمانية، ولعل المتتبع للعمل البرلماني خلال هذه الولاية، ولأداء الفرق وجميع السادة النواب، يعلم جيدا من يقود هذه المعارضة.
دائما في نفس السياق، أي في سياق 'باطرون' المعارضة، أو بالأحرى في سياق من كان من المفروض أن يقود المعارضة في مبادرة تقديم ملتمس الرقابة، بمعنى من كان يجب أن يعرض دواعي تقديم ومبررات الملتمس وفق مسطرة مناقشته كما يحددها الدستور، حيث يتضح أن هذه المسألة هي التي يحاول بعض مكونات المعارضة، سيما حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة الشعبية، جعلها سببا في إعلان الاتحاد الاشتراكي إيقافه لكل أشكال التنسيق بخصوص ملتمس الرقابة، وكأنهم يستكثرون على الاتحاد الاشتراكي ربط الاستمرار في التنسيق حول هذه المبادرة بضرورة قيادتها، وهو صاحب المبادرة فيها، والمتشبث بها لأكثر من سنة ونصف، وهو ما لا يستقيم مع المنطق والعرف، ذلك أن الأعراف السياسية والبرلمانية لا تعطي حق قيادة المبادرات إلا لمن كان سباقا في الدعوة إليها، بمعنى أنه حتى لو كان هذا الادعاء صحيحا، فهو لا يضير الاتحاد الاشتراكي في شيء، بل هو حق مشروع له ولفريقه النيابي.
هكذا، فإن موقف الفريق الاشتراكي المعارضة الاتحادية بخصوص وقف كل أشكال التنسيق حول ملتمس الرقابة، لم يكشف فقط عن نزوات وخلفيات بعض مكونات المعارضة، بل إنه دافع من خلاله عن حقه في رفض 'السطو' على مبادرة أعلنها وتبناها، وتحمل بخصوصها مجموعة من الادعاءات، والكثير من التأويلات، في ظرفية لم تكن هذه الآلية مطروحة على أي أجندة من الأجندات السياسية لمكونات المعارضة.
أجل، لقد كان الأمر يتعلق بمحاولة تتجاوز منطق الاستيلاء إلى منطق السطو على مبادرة نيابية بخلفية سياسية، ذلك أنه جرى فيها استعمال الحيلة، أو الكولسة كما هو شائع في الأدبيات السياسية والحزبية، حيث كان الهدف الرئيسي لبعض مكونات المعارضة، هو إفشال مبادرة الاتحاد الاشتراكي في تقديم ملتمس الرقابة، أولا بتعطيل هذه المبادرة، إما برفضها كحالة حزب العدالة والتنمية، أو باشتراط انضمام جميع مكونات المعارضة إليها، بالرغم من 'اللاحاجة' إليها من أجل تحقيق النصاب القانوني لتفعيلها، وهو أول موقف يصدره حزب الحركة الشعبية بخصوصها، وثانيا بالدخول في تفاصيل مسطرة مناقشتها، وهي المسطرة المؤطرة بالقانون، والمحكومة بالأعراف السياسية والبرلمانية.
وخلاصة القول، أن بعض مكونات المعارضة قد فوتت على المغاربة تمرينا ديموقراطيا مهما، وفرصة سانحة لمساءلة الاختيارات الحكومية، ولكشف الكثير من زلاتها أمام جميع المغاربة، بسبب حسابات سياسية ضيقة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


كواليس اليوم
منذ 6 ساعات
- كواليس اليوم
ملتمس الرقابة من لحظة لمكاشفة الحكومة إلى فرصة لكشف نزوات بعض مكونات المعارضة
فتح الله رمضاني يعلم الجميع أن الغاية من لجوء الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى استثمار آلية ملتمس الرقابة لم تكن أبدا إسقاط الحكومة، بقدر ما كان هدفها الرئيسي هو جعل مناقشته لحظة لمكاشفة هذه الحكومة، ولإثارة العديد من القضايا والملفات التي تهم الرأي العام، والتي نجحت الحكومة إلى اليوم في تغييب النقاش حولها من داخل غرفة مجلس النواب. إن القول بأن ملتمس الرقابة لم تكن غايته إسقاط الحكومة، هو قول راجع بالأساس إلى معطى موضوعي، ومنطقي، فمن الصعب جدا، بل من المستحيل الرهان على إسقاط هذه الحكومة عبر آلية ملتمس الرقابة، ذلك أن الأمر يتعلق بحكومة تتوفر على أغلبية عددية مريحة جدا، فحتى لو تمكنت مكونات المعارضة من تقديمه ووضعه أمام رئاسة مجلس النواب، فالأكيد أنها ستفشل في ضمان الموافقة عليه، هذه الموافقة التي تتطلب تصويت الأغلبية المطلقة من أعضاء مجلس النواب، وهو رهان خاسر أكيد، سيما أن اختلافات مكونات الأغلبية، لم تصل بعد إلى مستوى فك الارتباط، مما يحيل على إمكانية التحاق أحد مكوناتها بالمصوتين لصالح قبول ملتمس الرقابة. لكن المؤكد، هو أن مكونات المعارضة كانت قادرة على تقديم هذا الملتمس، حيث لا يتطلب إيداعه طبقا لأحكام الفصل 105 من الدستور، إلا توقيع خمس الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب على الأقل، وهو ما كان سيكون فرصة سانحة لإحراج الحكومة، ولمواجهتها بالعديد من الممارسات التي تعتبر خطرا على المسير الديموقراطي في المغرب. إن هذا التقديم، ليس محاولة لتذكير البعض بالعديد من المعطيات المعلومة للجميع، بل نريد منه أن يكون مدخلا للمساهمة في نقاش مفتعل ومغلوط تديره بعض مكونات المعارضة، في تفاعلها مع قرار الفريق الاشتراكي المعارضة الاتحادية صاحب مبادرة إشهار ورقة ملتمس الرقابة في وجه الحكومة، توقيف كل أشكال التنسيق بخصوصها، بعد أن تبين له غياب الجدية في التعاطي معها. فكيف أجهضت هذه المبادرة؟ وكيف تحولت من فرصة لمكاشفة الحكومة، إلى لحظة سلّ فيها آخر خيط من جورب نايلون بعض مكونات المعارضة؟ نتذكر جميعا، أن الدعوة إلى تقديم ملتمس الرقابة ضد حكومة السيد أخنوش، كانت مبادرة اتحادية، تقدم بها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وتبناها امتداده النيابي بمجلس النواب، في وقت لم يكن هناك من يرى في تغول الحكومة، وفي نهجها اللاشعبي سببا للجوء المعارضة إلى آلية ملتمس الرقابة، كان ذلك قبل سنة وأكثر من اليوم، وهي المبادرة التي قوبلت حينها برفض واضح من طرف حزب العدالة والتنمية، بل إن أمينه العام هاجمها وهاجم المبادر إليها، بدعوى استحالة إدراكها لغايتها الأساسية والمتمثلة في إسقاط الحكومة، قبل أن تتغير مواقفه تجاهها ليلتحق بها، وقبل أن يخرج اليوم ليعلن أن السبب الرئيس في فشل تفعيلها يعود إلى رغبة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في أن يكون قائدا للمعارضة، وهو ما تعذر عليه، وما جعله يعلن انسحابه من أي تنسيق بخصوصها. طيب، ما الذي تغير بين الأمس واليوم؟ ما الذي جعل ذ بنكيران ومجموعته النيابية تلتحق بمبادرة تقديم ملتمس الرقابة؟ وهي الآلية التي لا يمكن أن تؤدي إلى إسقاط الحكومة، وهو المبرر الذي 'اتكأ' عليه ذ بنكيران لرفضها في لحظة الإعلان عنها من طرف الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ثم ما معنى قيادة المعارضة؟ أو 'باطرون' المعارضة وهو الوصف الذي استعمله في تفاعله مع قرار الفريق الاشتراكي المعارضة الاتحادية بخصوص وقف التنسيق بخصوص ملتمس الرقابة. إن المتغير الوحيد، الذي جعل ذ بنكيران وحزبه يلتحقان بمبادرة تقديم ملتمس الرقابة، هو رغبة هذا الأخير في تمديد جو 'البوليميك' الذي يجيده ويبدع فيه، والذي انتعش فيه خلال الفترة التي عرفت نقاش تشكيل لجنة تقصي الحقائق حول الوقائع المتعلقة بالدعم الحكومي لاستيراد المواشي، وهو الجو الذي لا يمكن أن يتحقق مع مبادرة يقودها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي لا يهدف من خلال مبادراته إلا استثمار ما يتيحه أمامه القانون من أجل ممارسة أدواره، وبمنهجية بعيدة كل البعد عن جميع صور المزايدات السياسية. لقد انخرط حزب العدالة والتنمية، في مبادرة تشكيل لجنة تقصي الحقائق بخصوص دعم استيراد المواشي، وهو يعلم جيدا، أنها مبادرة يستحيل تفعيلها، باستحالة تحقيق شرط تشكيلها المنصوص عليه في الدستور المغربي، وهو الشرط الذي يتطلب توقيع ثلث أعضاء مجلس النواب، وهو ما لا يمكن إدراكه حتى لو انخرط في المبادرة كل المحسوبين على موقع المعارضة، لكنه انخرط فيها، وفي النقاش الدائر بخصوصها، في الوقت الذي رفض فيه الالتحاق بمبادرة ملتمس الرقابة، بالرغم من أنها تتطلب نصابا قانونيا أقل بكثير من النصاب الذي تتطلبه مبادرة لجنة تقصي الحقائق، وهو النصاب (نصاب إيداع ملتمس الرقابة) الذي كان من الممكن تحقيقه حتى من دون توقيعات نواب حزب العدالة والتنمية. بناء عليه، يتضح أن مواقف ذ بنكيران وحزبه تجاه مبادرة ملتمس الرقابة، هي مواقف محكومة بمنطق الزعامة، والقيادة، حيث يظهر جليا أنه يرفض الانخراط في أي مبادرة لا يتزعمها، وما انخراطه في لجنة تقصي الحقائق السالفة الذكر، إلا لأنه كان يعلم جيدا استحالة تفعيلها، وإلا لأنه وجدها فرصة لإدارة النقاش بخصوص موضوعها بصورة تخدم حساباته السياسية. في نفس السياق المرتبط بزعامة المعارضة، الأكيد أن المعارضة موقع لا زعامة ولا قيادة فيها، ذلك أنها ليست تحالفا مؤسسا على برامج واستراتيجيات، بل إنها لا تكون محكومة إلا بتنسيقات في مواضيع وقضايا وملفات ينتفي فيها اختلاف تصورات ومواقف مكوناتها، ثم إن قيادتها وبعيدا عن منطق العدد، الذي يعطي لمكونها الأول عددياشرف هذا النعت، أي قائد المعارضة، لا تتحقق إلا بحجم المبادرات النيابية، وإلا بمستوى استثمار الآليات التي يخولها القانون لمكونات المعارضة، سواء على مستوى مهمة التشريع أو الرقابة أو الديموقراطية التشاركية والديبلوماسية البرلمانية، ولعل المتتبع للعمل البرلماني خلال هذه الولاية، ولأداء الفرق وجميع السادة النواب، يعلم جيدا من يقود هذه المعارضة. دائما في نفس السياق، أي في سياق 'باطرون' المعارضة، أو بالأحرى في سياق من كان من المفروض أن يقود المعارضة في مبادرة تقديم ملتمس الرقابة، بمعنى من كان يجب أن يعرض دواعي تقديم ومبررات الملتمس وفق مسطرة مناقشته كما يحددها الدستور، حيث يتضح أن هذه المسألة هي التي يحاول بعض مكونات المعارضة، سيما حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة الشعبية، جعلها سببا في إعلان الاتحاد الاشتراكي إيقافه لكل أشكال التنسيق بخصوص ملتمس الرقابة، وكأنهم يستكثرون على الاتحاد الاشتراكي ربط الاستمرار في التنسيق حول هذه المبادرة بضرورة قيادتها، وهو صاحب المبادرة فيها، والمتشبث بها لأكثر من سنة ونصف، وهو ما لا يستقيم مع المنطق والعرف، ذلك أن الأعراف السياسية والبرلمانية لا تعطي حق قيادة المبادرات إلا لمن كان سباقا في الدعوة إليها، بمعنى أنه حتى لو كان هذا الادعاء صحيحا، فهو لا يضير الاتحاد الاشتراكي في شيء، بل هو حق مشروع له ولفريقه النيابي. هكذا، فإن موقف الفريق الاشتراكي المعارضة الاتحادية بخصوص وقف كل أشكال التنسيق حول ملتمس الرقابة، لم يكشف فقط عن نزوات وخلفيات بعض مكونات المعارضة، بل إنه دافع من خلاله عن حقه في رفض 'السطو' على مبادرة أعلنها وتبناها، وتحمل بخصوصها مجموعة من الادعاءات، والكثير من التأويلات، في ظرفية لم تكن هذه الآلية مطروحة على أي أجندة من الأجندات السياسية لمكونات المعارضة. أجل، لقد كان الأمر يتعلق بمحاولة تتجاوز منطق الاستيلاء إلى منطق السطو على مبادرة نيابية بخلفية سياسية، ذلك أنه جرى فيها استعمال الحيلة، أو الكولسة كما هو شائع في الأدبيات السياسية والحزبية، حيث كان الهدف الرئيسي لبعض مكونات المعارضة، هو إفشال مبادرة الاتحاد الاشتراكي في تقديم ملتمس الرقابة، أولا بتعطيل هذه المبادرة، إما برفضها كحالة حزب العدالة والتنمية، أو باشتراط انضمام جميع مكونات المعارضة إليها، بالرغم من 'اللاحاجة' إليها من أجل تحقيق النصاب القانوني لتفعيلها، وهو أول موقف يصدره حزب الحركة الشعبية بخصوصها، وثانيا بالدخول في تفاصيل مسطرة مناقشتها، وهي المسطرة المؤطرة بالقانون، والمحكومة بالأعراف السياسية والبرلمانية. وخلاصة القول، أن بعض مكونات المعارضة قد فوتت على المغاربة تمرينا ديموقراطيا مهما، وفرصة سانحة لمساءلة الاختيارات الحكومية، ولكشف الكثير من زلاتها أمام جميع المغاربة، بسبب حسابات سياسية ضيقة.


الأيام
منذ 6 ساعات
- الأيام
يوم غنى الملك الحسن الثاني بصوت مسموع في مصر
تعززت الخزانة الوطنية بمولود جديد عبارة عن مذكرات أصدرها الوزير والقيادي الاتحادي السابق فتح الله ولعلو، طافحة بالعديد من الأحداث التي عاشها خلال مساره السياسي والأكاديمي على عهد ملكين، الملك الراحل الحسن الثاني ووارث عرشه الملك محمد السادس. هي مذكرات رجل استثنائي، كان لعقود واجهة الاتحاد الاشتراكي البرلمانية، التي ظلت تهز الرأي العام المتعطش للديمقراطية والعدالة الاجتماعية. كان فتح الله ولعلو خطيبا مفوها شاء القدر أن تتطابق قدراته البرلمانية مع الوزن السياسي لحزب القوات الشعبية. هذه هي الصورة التي يحفظها جيلان على الأقل عن هذا الرباطي ذي الملامح الطفولية، وهي مغايرة نسبيا للصورة التي خلفها الرجل نفسه وهو أول وزير للمالية في حكومة التناوب سنة 1998. وإضافة إلى أنه اقتصادي بارز وثاني مغربي يحصل على الدكتوراه من باريس في هذا التخصص بعد الراحل عزيز بلال، فإن من سيقرأ مذكراته التي نزلت يوم الخميس 24 أبريل 2025 في المعرض الدولي للكتاب بالرباط، سيكتشف رجلا آخر، وسيخلق بالتأكيد حميمية مع رجل لا يمكن أن تميز في سيرته بين ما هو خاص وما هو عام، بين حياته ونضاله. وربما لهذا أعطى هذه المذكرات عنوان «زمن مغربي» وهو يرجح العام على الخاص وهذا مفهوم عموما، ولكنه سيفهم أكثر عندما يبحر القارئ في الصفحات الطويلة والغنية في مجلدين بالتمام والكمال. يبدأ ولعلو مذكراته منذ الولادة حين تزوج والده بنعيسى ولعلو بنت خاله غيثة الجزولي، وسكن دار أبيها بالسويقة في المدينة القديمة بالرباط، ليفتح عينيه في أسرة ليست أرستقراطية ولكنها أسرة «عمل وكد واجتهاد» كما يصفها. وأما عن جده من والده، فيقول إنه كان بائع خضر صغيرا قرب زنقة القناصل، ولكن من بيت جده لأمه مصطفى الجزولي سيبني ولعلو كل عالمه في بيت كبير سيتحول إلى قبلة للوطنيين إلى أن يقرر والده الرحيل إلى حي العكاري ويواصل الفتى دراسته وينخرط في العمل النضالي. المذكرات طويلة جدا، ونحن هنا سنقوم بانتقاء، هو على أية حال تعسفي، وما نتمناه أن يكون هذا التعسف مهنيا نابها. وأن نقرب القارئ من حياة هذه الشخصية المغربية الوازنة وهي تقدم روايتها للتاريخ بمرافقة الزميل لحسن العسيبي، الذي أعد المذكرات للنشر، وخصنا بهذا السبق، فشكرا على ثقة الرجلين. إليكم الجزء الرابع عشر من الصفحات الساخنة التي ارتأت 'الأيام 24' نشرها: الملك الحسن الثاني ينشد في مصر بصوت مسموع أغاني محمد عبد الوهاب سافر في خضم تلك الأجواء الواعدة (قبل تقديم القانون المالي الجديد) جلالة الملك الحسن الثاني إلى مصر لترؤس اجتماع اللجنة المشتركة العليا بين البلدين (وهي اللجنة الوحيدة التي يترأسها رئيسا الدولتين وليس رؤساء الحكومة كما هو معمول به في باقي اللجن المشتركة العليا). كنتُ ضمن الوفد المرافق لجلالته الذي ضم وزير الخارجية محمد بنعيسى ووزير الإتصال محمد العربي المساري. أثناء الرحلة عبر الطائرة، بعد ساعة من الإقلاع من الرباط، جاء عندي مدير التشريفات عبد الحق المريني وأخبرني أن الملك ينتظرني في مكانه المخصص له بالطائرة. توجهتُ إليه فوجدته وحده واقفا. سألني إن كانت الأمور عادية في الوزارة وسألني عن المراحل التي بلغناها في إعداد قانون المالية، مُتسائلا إن لم يكن فيه جديد خاص. أخبرته أن الحكومة السابقة هيأت عمليا قانون المالية لكننا نحن بصدد إدخال جديد عليه، ذلك أن عملية التطهير السابقة قد «كان لها ما لها وعليها ما عليها». فابتسم الملك، وقال لي: – هذه عبارة كنت في حاجة إلى سماعها فأكدتُ لجلالته أنه مهمٌ أن نخلق أسباب مُصالحةٍ مع رجال الأعمال بقواعدَ جديدة تتأسس على الشفافية وقيم المواطنة. لهذا السبب قررنا اقتراح عفو سنُسميه «التأهيل الضريبي». أوقفني جلالته وقال لي: – هل أنت مؤمن ومقتنع بهذه المبادرة؟. كان ضمنيا كما لو أنه يقول لي «أنت الإشتراكي تقترح ذلك». فأجبته: – جلالة الملك في الظروف الراهنة نعم. فأجابني بالحرف: – طيب، الله يعاونكم. سلمتُ على جلالته وغادرتُ متوجها إلى مكاني في الطائرة، وأنا بالكاد أصلُ إلى الباب، ناداني مجددا قائلا: «سي ولعلو»، عدتُ إلى جلالته فسألني: – هل تعرف لماذا أنت وزير الإقتصاد والمالية؟ سكتتُ ولم أُجِبْ جلالته، فبادر وقال لي عبارة من عمق الثقافة المغربية: – بسبب أنك ولد الناس. شكرتُهُ وغادرت إلى مقعدي في الطائرة وبقيت أتأمل في عبارته تلك، حيث استعدت شريط حياتي النضالية كله. شعرتُ أنها كلمةٌ صدرت من فؤاده بصدق إنساني كبير. كان ذلك بالنسبة لي سندا هائلا للتقدم بصلابة في تقديم ذلك المقترح أمام البرلمان. ولم أكن أقوم بأية خطوة دون أن أطلع عبد الرحمن اليوسفي عليها، بالتالي فقد كان على علم بكل التفاصيل. وصلنا القاهرة ليلا ومصر تعاني من تبعات الإعتداء الإرهابي على السياح الأجانب في منطقة الأقصر (وقع ذلك الإعتداء يوم 17 نونبر 1997) فتم نقلُنا إلى قصر القبة. كان هناك قبل حفل العشاء حفلٌ موسيقي لعازفين يؤدون الأغاني الخالدة لكل محمدعبد الوهاب وأم كلثوم وكان الملك يتابعها باهتمام خاص، بل يُنشدُ بصوت مسموع أغاني عبد الوهاب . كان إلى جانبي لاعتبارات بروتوكولية وزير الخارجية المصري عمرو موسى. كنتُ قبل مغادرة المغرب قد اتصل بي كل من مدير مكتب المطارات بالمغرب أحمد البياز، وكذا وزير التجارة مصطفى المنصوري وأخبراني بتوقف الأشغال بمطار الناظور بسبب مشكل مع شركة «المقاولون العرب» المصرية. بالتالي أثناء تناول العشاء حول مائدة دائرية طويلة، حيث يجلس فيها الملك الحسن الثاني والرئيس المصري حسني مبارك، جلس إلى جواري السيد عمرو موسى الذي فاتحني حول نفس الموضوع مُتمنيًّا حل المشكل. توجهتُ في الصباح رفقة الوفد الوزاري المغربي في زيارة حرة إلى حي خان الخليلي قرب جامع الأزهر فوجدنا المكان فارغا من السياح (مع استثناء طريف يتمثل في تواجد مضيفات الطائرة الملكية بين أزقة ذلك الحي العتيق)، فأدركنا حجم أثر العملية الإرهابية بالأقصر. أثناء رجوعنا في الطائرة دعانا الملك إلى غذاء معه (المساري وبنعيسى وعبد ربه)، فسألنا عن ارتساماتنا إثر زيارة مصر. أجبتهُ أنهم يُعانون من أزمة اقتصادية خانقة (ضحك عندما أخبرته بحضور المضيفات في السوق)، فأجابني أنه لا خوف عليهم، لأنهم يتوفرون على أغنياء يملكون المليارات وهو أمر غير متحقق عندنا في المغرب. بعدها أثرتُ مع جلالته قضية مطار الناظور وأخبرتُهُ بالتماس عمرو موسى لحل المشكل، فأجابني بأنه مطار موضع جدل وخلاف بين الجهات الأمنية العسكرية بالمغرب، أولا لقربه من مطار وجدة وأيضا من الحدود مع الجزائر، لكنه رغم ذلك يجب أن يُنجز. فكان ذلك قرارا داعما مما سهَّلَ عملية إنجاز مطار الناظور، الذي باشرتُ أمور تنفيذه ماليا بالتعاون مع وزارة التجهيز مباشرة بعد العودة من مصر. سنوات بعد ذلك، كلما التقيت السيد عمرو موسى سواء داخل المغرب أو خارجه، يُبادرني دوما بالقول أمام الجميع باللكنة المصرية الخفيفة: – أنت رجل. كما أن المسؤولين المغاربة من أصل ريفي (المنصوري وأخوه) كانوا يذكرون دائما بأن تدخلي لدى الملك هو الذي فتح الباب لبناء مطار الناظور.


الجريدة 24
منذ 7 ساعات
- الجريدة 24
فوضى "حراس السيارات" تصل قبة البرلمان
وصلت فوضى حراس السيارة إلى البرلمان، إذ تعالت أصوات تطالب بتدخل وزارة الداخلية لوقف هذه الفوضى. وراسلت لطيفة الشريف، النائبة البرلمانية عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وزير الداخلية، عبد الوفي لفتيت، تطالبه بتوضيح قانونية وشرعية التراخيص الممنوحة لمزاولي هذه المهنة، كما فعلت عمدة الدار البيضاء مؤخرا. ونبهت البرلمانية إلى أن المواطنين يتعرضون يوميا لما سمته "الابتزاز" في الفضاءات العمومية كلما ركنوا سياراتهم لقضاء أغراضهم وأحيانا حتى بالقرب منازلهم. وأشارت البرلمانية في المراسلة إلى أن العاصمة الاقتصادية، كنموذج، تشهد ضغطا متزايدا على مستوى استعمال الفضاءات العمومية، خاصة فيما يتعلق بمواقف السيارات، معتبرة أن هذه الفضاءات تحولت إلى مصدر توتر دائم بسبب "إتاوات تفرض بشكل عشوائي" من قبل بعض الحراس، حتى في أماكن يُفترض أن تكون مجانية أو تخضع لتنظيم الجماعة الحضرية. وانتقدت الشريف قرار مجلس المدينة القاضي بمنح تراخيص لحراس السيارات، معتبرة أن هذا الإجراء أثار استياء واسعاً لدى المواطنين الذين يدفعون بالفعل عدة ضرائب ورسوم، من بينها الضريبة السنوية على السيارات والرسوم الجماعية التي يفترض أن تغطي تنظيم السير وتهيئة فضاءات الوقوف. وأكدت أن استمرار فرض رسوم غير قانونية من طرف الحراس يمثل "ازدواجا ضريبيا غير مبرر"، مطالبة بتوضيحات حول مدى عدالة هذا الوضع، ومدى قانونية استمرار العمل به. وساءلت النائبة الوزير عن التدابير التي تنوي الوزارة اتخاذها لتنظيم المهنة، وضمان مجانية الخدمة، فضلا عن الوسائل الرقابية الكفيلة بوضع حد للفوضى التي يعرفها القطاع، والتي باتت تمس بشكل مباشر ثقة المواطنين في دور الجماعات والمؤسسات المكلفة بتدبير الشأن المحلي. ويأتي هذا التحرك البرلماني في وقت تتزايد فيه شكاوى سكان البيضاء من تنامي ظاهرة "الحراس العشوائيين"، الذين يسيطرون على الأرصفة والشوارع بشكل غير منظم، وسط مطالب شعبية متكررة بتقنين المهنة أو إلغائها تماماً في الأماكن العمومية غير المؤدى عنها. مواطنون تحت التهديد وتتزايد حدة التوتر بين الموتطنين وحراس السيارات في فصل الصيف، لاسيما في المدن الشاطئية، إذ تتحول ظاهرة "حراس السيارات" إلى صداع حقيقي يؤرق المواطنين والسياح على حد سواء. فبين غياب التأطير القانوني وانتشار العشوائية، يفرض هؤلاء الحراس، في كثير من الأحيان، "إتاوات" تتجاوز بكثير المبالغ المعقولة، تحت التهديد الضمني بإلحاق الضرر بالمركبات في حال الرفض أو الامتناع عن الدفع. وسبق أن أثيرت ضجة خلال فترة الصيف الأخيرة بخصوص الاسعار التي يطلبها "الحراس" لأصحاب العربات عندما يركنوننها في أمكان قريبة من الشاطئ، كما هو الحال بعين الذياب، والكورنيش، وشاطئ النخيل بالدار البيضاء أو شاطء الأوداية بالرباط أو بكنجة وأكادير في عدة أمكان وأحياء، إذ يصل المبلغ المفروض إلى 30 درهما لوقوف قصير لا يتجاوز الساعة أو الساعتين، وبعض الحراس لا يتورعون عن المطالبة بـ50 درهما في أوقات الذروة، خاصة في المواقف القريبة من المطاعم والمسابح.