
كمومية الصين.. وبوصلة مصر إلى المستقبل
حوسبة المستقبل بين صدارة الصين وفرصة مصر
كمومية الصين لا تخيف.. إذا تحرك العقل المصري
في عصر باتت فيه التكنولوجيا تقود مجرى التاريخ، تحوّلت المعرفة إلى سلاح ، إذ لم تعد ساحة المنافسة تقتصر على الاقتصاد أو الجغرافيا، بل أصبحت تسير في خطوط دقيقة داخل بنيان الذرات وعلى مداخل المعادلات الكمومية. في قلب هذه المعركة التقنية، يقف "الكيوبت" – حجر الزاوية في مفهوم الحوسبة الكمومية – كرمز لفجر جديد في عالم الحسابات، الصوت، الأمن وحتى الطب. السباق على هذه التقنية أشبه بـ"لعبة ملوك" في العالم الحديث؛ فمن يملكها أولًا، يمتلك القدرة على فك الشفرات العسكرية، تعزيز الذكاء الاصطناعي، تسريع الاكتشافات الطبية، ومحاكاة أنظمة بيئية واقتصادية لم يكن بالإمكان التفكير فيها من قبل. وهذا ما يدفع الكبار: الصين والولايات المتحدة، إلى حرب تقنية بلا أشلاء ولا مدافع، بل ببكتيريا الكم ومعادلاتها الدقيقة.
ولفهم مصطلح _الحوسبة الكمومية_ سوياً وببساطة بعيداً عن التعقيدات العلمية، تخيل أن لديك سيارة بمحرك 2000 سي سي تمثل الحواسيب التقليدية، وهي جيدة وسريعة. فجأة ظهر محرك بمليون سي سي، هذه هي الحوسبة الكمومية. الفرق هنا أن "الكيوبت" – وحدة الحوسبة الكمومية – لا تعمل مثل البت العادي الذي يكون إما ( صفر أو واحد ) ، بل يمكنه أن يكون الاثنين معاً في نفس اللحظة بفضل قوانين ميكانيكا الكم. هذا يسمح للحاسوب الكمومي بحل معادلات بالغة التعقيد في ثوانٍ، بينما تستغرق أقوى الحواسيب التقليدية سنوات للقيام بذلك.
الصين، التي عُرفت دائمًا بـ"مصنع العالم"، تحوّلت اليوم إلى "مختبر العالم". لقد استثمرت مليارات الدولارات في المجال الكمومي، وأنشأت بنى تحتية ضخمة ومراكز متخصصة، مدركة أن الكيوبت ليس مجرد اختراع بل مفتاح سيادتها المستقبلية. أنفقت الصين تريليونات من اليوان على البحث والتطوير، وأنشأت أكبر مختبر وطني لعلوم المعلومات الكمومية في العالم، مما يبرهن على إرادتها القوية للسيطرة على قمة التكنولوجيا العالمية.
ورغم التحديات التى تعيشها مصر فانها تتمتع بمجتمع رقمي متنامٍ بسرعة، فهناك 82.01 مليون مستخدم للإنترنت في مصر في بداية عام 2024 ويذلك وصلت نسبة مستخدمي الإنترنت إلى 72٪ من السكان. كما تشهد البلاد نشاطًا متزايدًا في قطاع مراكز البيانات، مع استثمارات وصلت إلى حوالي 278 مليون دولار في عام 2024، ومن المتوقع أن ترتفع هذه الاستثمارات لتصل إلى 694 مليون دولار بحلول عام 2030
وهذا يؤكد ان مصر تمتلك ترجمة فعلية لهذا الحراك العلمي فهي تزخر بالعقول اللامعة في مجالات النانو والفيزياء وعلوم الكمبيوتر، وقادت الدولة جهودًا رائدة في تنظيم مبادرات بحثية وتدريبية. من أبرزها مبادرة "QEgypt"، التي تأسست في أبريل 2021 ، والتى أطلقها علماء من جامعة الإسكندرية بالتعاون مع فرق من جامعات مصرية أخرى، بهدف تعزيز البحث والتعليم الكمومي في مصر والعالم العربي. كما أطلقت مؤسسات مثل جامعة العلمين الدولية، بالشراكة مع QEgypt وQWorld، دورات صيفية تمهيدية شاملة تعتمد نهجاً تعليمياً عملياً في بيئة أكاديمية دولية. ، في نفس الوقت تشترك وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في دعم هذه الجهود عبر تنظيم ورش متخصصة بالتعاون مع جامعة مصر للمعلوماتية، وتوقيع شراكات دولية مع شركات كبرى مثل IBM. كما تؤسس مؤسسات مثل المركز القومي للمعلومات والتقنية ومبادرات جامعات خاصة مثل جامعة كينغز و6أكتوبر ، والجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا، بيئة بحثية حيوية تعزز من بناء القدرات. ومن الأمثلة العلمية المضيئة – علي سبيل المثال لا الحصر _ في هذا المجال ، جامعة الإسكندرية التي يقودها في هذا المجال رواد مثل أحمد يونس، مؤسس مؤسس ورئيس مجموعة الإسكندرية للحوسبة الكمية
فالحوسبة الكمومية ليست مجرد تقنية جديدة، بل ثورة ستؤثر بعمق على الأمن والاقتصاد العالميين. على صعيد الأمن، ستغير هذه التقنية قواعد التشفير وفك الشفرات، حيث يمكن للحواسب الكمومية أن تحلل وتفك تشفيرات معقدة خلال ثوانٍ، ما يفرض تطوير أنظمة حماية كمومية جديدة لضمان الأمن السيبراني وحماية المعلومات الحساسة. اقتصادياً، كما ستسرع الحوسبة الكمومية من الابتكار في مجالات متعددة مثل الذكاء الاصطناعي، تطوير صناعة الأدوية، تحسين شبكات الطاقة، ونمذجة الأسواق المالية ( أي استخدام الحوسبة الكمومية لمحاكاة وفهم سلوك الأسواق المالية المعقدة بدقة أعلى وسرعة أكبر مما هو ممكن بالحواسيب التقليدية ) مما يفتح آفاقاً جديدة للنمو الاقتصادي المستدام ويعزز من تنافسية الدول والشركات في السوق العالمية.
بالنظر إلى هذه المعطيات، لا يمكن لمصر أن تبقى متفرجة في هذا السباق العالمي. فمصر تمتلك بنية تحتية رقمية متطورة، بالإضافة إلى كفاءات علمية متميزة في الفيزياء وعلوم الكمبيوتر، وإرادة حكومية واضحة تدعم التكنولوجيا الحديثة. مبادرات مثل تحالف QEgypt تؤكد أن هناك أساساً قوياً يمكن البناء عليه. كما أن التعاون مع شركات دولية وفتح ورش تدريبية يعكس التوجه الجاد لاستثمار عقول الشباب في مجال الحوسبة الكمومية والذكاء الاصطناعي.
لكي تستغل مصر هذه الفرصة بشكل فعّال، هناك عدة خطوات عملية يمكن العمل عليها ودراستها: أولاً، إنشاء صندوق بحثي وطني مخصص لدعم مشاريع البحث والتطوير في الحوسبة الكمومية، مع التركيز على تطوير التطبيقات المحلية. ثانياً، تأسيس مركز تدريب وتأهيل بالتعاون مع الصين، يستهدف بناء قدرات العلماء والمهندسين الشباب في المجال الكمومي، ويدعم تبادل الخبرات والمعرفة. ثالثاً، تعزيز الشراكات بين الجامعات والقطاع الصناعي لضمان تحويل الأبحاث الكمومية إلى تطبيقات صناعية واقتصادية فعلية. وأخيراً، تطوير سياسات تحفيزية لدعم الابتكار البحثي وتسهيل التعاون الدولي، بما يضمن لمصر موقعاً استراتيجياً في خارطة التكنولوجيا المستقبلية.
في خضم هذا السباق، لا يُعد امتلاك المختبرات والآلات فقط مفتاح النجاح، بل الإنسان والعقل هو الأساس. ونؤكد دائما أن مصر تمتلك كوادر علمية متميزة داخل البلاد وخارجها، وخبرة تراكمية في الفيزياء والرياضيات وعلوم الكمبيوتر، إضافة إلى شباب مبدع وعقول مهاجرة أثبتت جدارتها عالمياً. إذا ما استُغلّت هذه المقومات بإرادة سياسية واضحة ورؤية استراتيجية متكاملة، سيكون لمصر مكان بارز في عصر الحوسبة الكمومية ومستقبل التكنولوجيا.
الحوسبة الكمومية ليست مجرد تطور تقني عابر، بل بوابة إلى عالم جديد ستُرسم خرائطه بأيدي من يملكون الجرأة على السبق والقدرة على الاستثمار في عقولهم. الصين أدركت ذلك مبكرًا، ودفعت المليارات لتأمين موقعها في قلب هذا التحول.
أما مصر، فإنها لا تفتقر إلى الإمكانات، بل إلى القرار الذي يحول الطاقة الكامنة إلى فعلٍ يُحدث الفارق. فلدينا العقول، والكوادر، والرغبة في التقدم... ويبقى أن نحسم الخيار: هل ننتظر حتى يُرسم المستقبل من دوننا، أم نبدأ اليوم في صناعته بأيدينا؟ الخيار لنا، والفرصة لن تنتظر طويلًا.
____
*المستشار الاعلامي المصري السابق ببكين
والخبير بالشأن الصيني
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


تحيا مصر
منذ 2 ساعات
- تحيا مصر
نهاية عصر "جوجل".. أهلا بك في عالم "بيربليكسيتي" و"تشات جي بي تي"
لعقود من الزمن، كانت عبارة "ابحث عنه في جوجل" مرادفًا للعثور على أي معلومة عبر الإنترنت، مما سمح لشركة جوجل - التي تأسست عام 1998 - ببناء إمبراطورية تقنية تصل قيمتها إلى تريليوني دولار اعتمادًا على نتائج البحث التقليدية ذات الروابط الزرقاء. لكن المشهد بدأ يتغير جذريًا مع ظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي، خاصة بعد إطلاق "تشات جي بي تي" في نوفمبر 2022، مما دفع الشركات التقنية، بما فيها جوجل، إلى إعادة التفكير في مستقبل البحث عبر الإنترنت. صعود منافسين جدد.. بيربليكسيتي وتشات جي بي تي أدت التطورات في الذكاء الاصطناعي إلى ظهور منصات مثل "بيربليكسيتي" (Perplexity)، التي تقدم إجابات فورية بدلاً من قوائم المواقع، مما قد يغير عادات المستخدمين على المدى الطويل. وفقًا لتحليلات بنك أوف أمريكا، شهدت جوجل تراجعًا في عدد الزيارات عالميًا، بينما قفزت زيارات **تشات جي بي تي* بنسبة *160%* خلال الـ12 شهرًا الماضية. أما بيربليكسيتي، التي تأسست في أغسطس 2022، فقد نجحت في جذب 10 ملايين مستخدم نشط شهريًا بحلول يناير 2024، وفقًا للبيانات الرسمية. وتتوقع التقارير أن تصل قيمة الشركة إلى 14 مليار دولار قريبًا، خاصة بعد اهتمام عمالقة التكنولوجيا مثل آبل وسامسونج بإبرام شراكات معها لدمج محرك البحث الخاص بها في أجهزتهم. جوجل في سباق ضد الزمن أجبرت التطورات السريعة في الذكاء الاصطناعي جوجل على تسريع خططها لدمج تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي في محرك البحث الخاص بها. لكن التحدي الأكبر يكمن في تغيير عادات المستخدمين، خاصة بعد أن أظهرت دراسة أجرتها مورغان ستانلي* أن جيل "زد" (Gen Z)* يفضل استخدام *تشات جي بي تي بدلاً من جوجل للحصول على إجابات سريعة. من جهتها، تعاني جوجل من انتقادات بسبب تراجع جودة نتائج البحث في السنوات الأخيرة، حيث يشتكي المستخدمون من ازدياد النتائج المدفوعة والمحتوى غير الدقيق. تقول ليلي راي، خبيرة تحسين محركات البحث: "جوجل في حالة ذعر تحاول اللحاق بالركب، لكن منتجاتها الجديدة لا تزال غير ناضجة مقارنة بالمنافسين." هل يمكن لبيربليكسيتي أن تحل محل جوجل؟ رغم النمو السريع لبيربليكسيتي، يشكك بعض الخبراء في قدرتها على منافسة جوجل على المدى الطويل. ألكسندرا أورمان، الباحثة في جامعة زيورخ، تشير إلى أن نماذج الذكاء الاصطناعي الحالية تقدم إجابات مطوّلة وغير دقيقة أحيانًا، بينما يفضل الكثيرون الإجابات المباشرة التي توفرها جوجل. ومع ذلك، إذا نجحت بيربليكسيتي في عقد صفقات مع آبل أو سامسونج لتصبح محرك البحث الافتراضي على أجهزتهم، فقد تشهد جوجل خسارة فادحة في حصتها السوقية، حيث تبيع هاتان الشركتان معًا *نصف مليار هاتف سنويًا. معركة الذكاء الاصطناعي تحسم مصير البحث الإلكتروني تشبه المعركة الحالية بين جوجل ومنافسيها ما حدث سابقًا مع *نوكيا، التي فقدت هيمنتها على سوق الهواتف بسبب التخلف التقني. اليوم، تواجه جوجل تحديًا وجوديًا يتطلب **إعادة اختراع نفسها* قبل فوات الأوان. في النهاية، سيحدد توجه المستخدمين الفائز في هذه المعركة: هل سيبقون مع جوجل، أم سيتحولون إلى منصات الذكاء الاصطناعي مثل *بيربليكسيتي وتشات جي بي تي؟ == مصادر التقرير" سكاي نيوز عربية تقارير بنك أوف أمريكا حول حركة البحث العالمية. بيانات شركة بيربليكسيتي الرسمية. دراسة مورجان ستانلي حول توجهات جيل "زد". تصريحات ليلي راي، خبيرة تحسين محركات البحث. تحليلات ألكسندرا أورمان، باحثة في جامعة زيورخ. تقارير اقتصادية حول تمويل بيربليكسيتي.


نافذة على العالم
منذ 2 ساعات
- نافذة على العالم
إقتصاد : "ميتا" تُجري محادثات لاستثمار يتجاوز 10 مليارات دولار في شركة ذكاء اصطناعي
الأحد 8 يونيو 2025 06:00 مساءً نافذة على العالم - مباشر: تجري شركة "ميتا بلاتفورمز" مفاوضات متقدمة لاستثمار بمليارات الدولارات في شركة الذكاء الاصطناعي الناشئة "سكيل إيه آي" (Scale AI)، وفقًا لمصادر مطلعة على تفاصيل الصفقة. وذكرت المصادر، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها بسبب حساسية المعلومات وفقا لـ"بلومبرج"، أن قيمة التمويل المحتمل قد تتجاوز 10 مليارات دولار، ما يجعلها من أضخم صفقات تمويل الشركات الخاصة في تاريخ القطاع، موضحة أن شروط الاتفاق لم تُحسم بعد وقد تخضع لتغييرات. فيما لم يصدر تعليق رسمي من "سكيل إيه آي" على هذه الأنباء، امتنعت "ميتا" أيضًا عن التعليق. تقدّم "سكيل إيه آي" خدمات تصنيف البيانات لمساعدة الشركات في تدريب نماذج التعلم الآلي، وتضم قائمة عملائها شركات كبرى مثل "مايكروسوفت" و"أوبن إيه آي". وقد استفادت بشكل كبير من الطفرة التي يشهدها قطاع الذكاء الاصطناعي التوليدي، حيث قُدّرت قيمتها في عام 2024 بنحو 14 مليار دولار خلال جولة تمويل سابقة شاركت فيها "ميتا" و"مايكروسوفت". وكانت تقارير "بلومبرغ" قد أشارت في وقت سابق من العام الجاري إلى أن "سكيل" تجري محادثات حول عرض جديد قد يرفع تقييمها إلى 25 مليار دولار. وتُعد هذه الصفقة خطوة نادرة بالنسبة إلى "ميتا"، التي لطالما اعتمدت على البحوث الداخلية وتوجه أكثر انفتاحًا في تطوير تقنياتها، مقارنة بنظرائها مثل "مايكروسوفت"، التي ضخت استثمارات ضخمة في شركات الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك استثمارها البالغ أكثر من 13 مليار دولار في "أوبن إيه آي". وعلى عكس الشركات الأخرى، لا تمتلك "ميتا" نشاطًا في مجال الحوسبة السحابية، ما يترك تساؤلات مفتوحة حول الشكل الذي ستتخذه استثماراتها في هذا المجال. وجعلت "ميتا" الذكاء الاصطناعي أولوية قصوى ضمن استراتيجيتها، إذ أعلن رئيسها التنفيذي في يناير الماضي أن الشركة تعتزم إنفاق ما يصل إلى 65 مليار دولار هذا العام على مشروعات مرتبطة بالذكاء الاصطناعي. وتشمل هذه الجهود السعي لجعل نموذج "لاما" (LLaMA) معيارًا عالميًا في روبوتات الدردشة الذكية، والذي بات متاحًا بالفعل على منصات "فيسبوك" و"إنستغرام" و"واتساب"، ويُستخدم من قبل مليار مستخدم شهريًا. تأسست "سكيل إيه آي" عام 2016، وتشهد نموًا سريعًا، إذ بلغت إيراداتها 870 مليون دولار في عام 2024، ومن المتوقع أن تتجاوز مبيعاتها حاجز الملياري دولار في عام 2025، وفقًا لتقارير "بلومبرغ". وتؤدي الشركة دورًا أساسيًا في توفير البيانات عالية الجودة اللازمة لتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي، مستندة إلى شبكة كبيرة من المتعاقدين لتنظيف وتصنيف الصور والنصوص وغيرها من البيانات. وتتقاطع اهتمامات "سكيل" و"ميتا" في مجال تكنولوجيا الدفاع، حيث أعلنت "ميتا" مؤخرًا عن شراكة مع شركة "أندريل إندستريز" لتطوير منتجات مخصصة للجيش الأمريكي، بما في ذلك خوذة مدعومة بالذكاء الاصطناعي تدمج بين الواقع الافتراضي والمعزز. كما منحت "ميتا" الضوء الأخضر للوكالات الحكومية الأمريكية ومقاولي الدفاع لاستخدام نماذجها في الذكاء الاصطناعي. وتتعاون الشركتان في مشروع يُعرف باسم "ديفينس لاما" (Defense LLaMA)، وهو نسخة معدّلة من نموذج "لاما" مخصصة للاستخدامات العسكرية. وأعلنت "سكيل" في وقت سابق هذا العام عن توقيعها عقدًا مع وزارة الدفاع الأمريكية لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي الخاصة بالوكلاء المستقلين، ووصفت العقد بأنه محطة مهمة في مسيرتها نحو دعم القدرات العسكرية الذكية. حمل تطبيق معلومات مباشر الآن ليصلك كل جديد من خلال آبل ستور أو جوجل بلاي للتداول والاستثمار في البورصة المصرية اضغط هنا تابعوا آخر أخبار البورصة والاقتصاد عبر قناتنا على تليجرام لمتابعة قناتنا الرسمية على يوتيوب اضغط هنا لمتابعة آخر أخبار البنوك السعودية.. تابع مباشر بنوك السعودية.. اضغط هنا لمتابعة آخر أخبار البنوك المصرية.. تابع مباشر بنوك مصر.. اضغط هنا ترشيحات هل خالف "المركزي" المصري توصيات صندوق النقد بخفض أسعار الفائدة؟ توجيهات وزارية بشأن مصانع "النحاس المصرية"


الجمهورية
منذ 5 ساعات
- الجمهورية
كمومية الصين.. وبوصلة مصر إلى المستقبل
حوسبة المستقبل بين صدارة الصين وفرصة مصر كمومية الصين لا تخيف.. إذا تحرك العقل المصري في عصر باتت فيه التكنولوجيا تقود مجرى التاريخ، تحوّلت المعرفة إلى سلاح ، إذ لم تعد ساحة المنافسة تقتصر على الاقتصاد أو الجغرافيا، بل أصبحت تسير في خطوط دقيقة داخل بنيان الذرات وعلى مداخل المعادلات الكمومية. في قلب هذه المعركة التقنية، يقف "الكيوبت" – حجر الزاوية في مفهوم الحوسبة الكمومية – كرمز لفجر جديد في عالم الحسابات، الصوت، الأمن وحتى الطب. السباق على هذه التقنية أشبه بـ"لعبة ملوك" في العالم الحديث؛ فمن يملكها أولًا، يمتلك القدرة على فك الشفرات العسكرية، تعزيز الذكاء الاصطناعي، تسريع الاكتشافات الطبية، ومحاكاة أنظمة بيئية واقتصادية لم يكن بالإمكان التفكير فيها من قبل. وهذا ما يدفع الكبار: الصين والولايات المتحدة، إلى حرب تقنية بلا أشلاء ولا مدافع، بل ببكتيريا الكم ومعادلاتها الدقيقة. ولفهم مصطلح _الحوسبة الكمومية_ سوياً وببساطة بعيداً عن التعقيدات العلمية، تخيل أن لديك سيارة بمحرك 2000 سي سي تمثل الحواسيب التقليدية، وهي جيدة وسريعة. فجأة ظهر محرك بمليون سي سي، هذه هي الحوسبة الكمومية. الفرق هنا أن "الكيوبت" – وحدة الحوسبة الكمومية – لا تعمل مثل البت العادي الذي يكون إما ( صفر أو واحد ) ، بل يمكنه أن يكون الاثنين معاً في نفس اللحظة بفضل قوانين ميكانيكا الكم. هذا يسمح للحاسوب الكمومي بحل معادلات بالغة التعقيد في ثوانٍ، بينما تستغرق أقوى الحواسيب التقليدية سنوات للقيام بذلك. الصين، التي عُرفت دائمًا بـ"مصنع العالم"، تحوّلت اليوم إلى "مختبر العالم". لقد استثمرت مليارات الدولارات في المجال الكمومي، وأنشأت بنى تحتية ضخمة ومراكز متخصصة، مدركة أن الكيوبت ليس مجرد اختراع بل مفتاح سيادتها المستقبلية. أنفقت الصين تريليونات من اليوان على البحث والتطوير، وأنشأت أكبر مختبر وطني لعلوم المعلومات الكمومية في العالم، مما يبرهن على إرادتها القوية للسيطرة على قمة التكنولوجيا العالمية. ورغم التحديات التى تعيشها مصر فانها تتمتع بمجتمع رقمي متنامٍ بسرعة، فهناك 82.01 مليون مستخدم للإنترنت في مصر في بداية عام 2024 ويذلك وصلت نسبة مستخدمي الإنترنت إلى 72٪ من السكان. كما تشهد البلاد نشاطًا متزايدًا في قطاع مراكز البيانات، مع استثمارات وصلت إلى حوالي 278 مليون دولار في عام 2024، ومن المتوقع أن ترتفع هذه الاستثمارات لتصل إلى 694 مليون دولار بحلول عام 2030 وهذا يؤكد ان مصر تمتلك ترجمة فعلية لهذا الحراك العلمي فهي تزخر بالعقول اللامعة في مجالات النانو والفيزياء وعلوم الكمبيوتر، وقادت الدولة جهودًا رائدة في تنظيم مبادرات بحثية وتدريبية. من أبرزها مبادرة "QEgypt"، التي تأسست في أبريل 2021 ، والتى أطلقها علماء من جامعة الإسكندرية بالتعاون مع فرق من جامعات مصرية أخرى، بهدف تعزيز البحث والتعليم الكمومي في مصر والعالم العربي. كما أطلقت مؤسسات مثل جامعة العلمين الدولية، بالشراكة مع QEgypt وQWorld، دورات صيفية تمهيدية شاملة تعتمد نهجاً تعليمياً عملياً في بيئة أكاديمية دولية. ، في نفس الوقت تشترك وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في دعم هذه الجهود عبر تنظيم ورش متخصصة بالتعاون مع جامعة مصر للمعلوماتية، وتوقيع شراكات دولية مع شركات كبرى مثل IBM. كما تؤسس مؤسسات مثل المركز القومي للمعلومات والتقنية ومبادرات جامعات خاصة مثل جامعة كينغز و6أكتوبر ، والجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا، بيئة بحثية حيوية تعزز من بناء القدرات. ومن الأمثلة العلمية المضيئة – علي سبيل المثال لا الحصر _ في هذا المجال ، جامعة الإسكندرية التي يقودها في هذا المجال رواد مثل أحمد يونس، مؤسس مؤسس ورئيس مجموعة الإسكندرية للحوسبة الكمية فالحوسبة الكمومية ليست مجرد تقنية جديدة، بل ثورة ستؤثر بعمق على الأمن والاقتصاد العالميين. على صعيد الأمن، ستغير هذه التقنية قواعد التشفير وفك الشفرات، حيث يمكن للحواسب الكمومية أن تحلل وتفك تشفيرات معقدة خلال ثوانٍ، ما يفرض تطوير أنظمة حماية كمومية جديدة لضمان الأمن السيبراني وحماية المعلومات الحساسة. اقتصادياً، كما ستسرع الحوسبة الكمومية من الابتكار في مجالات متعددة مثل الذكاء الاصطناعي، تطوير صناعة الأدوية، تحسين شبكات الطاقة، ونمذجة الأسواق المالية ( أي استخدام الحوسبة الكمومية لمحاكاة وفهم سلوك الأسواق المالية المعقدة بدقة أعلى وسرعة أكبر مما هو ممكن بالحواسيب التقليدية ) مما يفتح آفاقاً جديدة للنمو الاقتصادي المستدام ويعزز من تنافسية الدول والشركات في السوق العالمية. بالنظر إلى هذه المعطيات، لا يمكن لمصر أن تبقى متفرجة في هذا السباق العالمي. فمصر تمتلك بنية تحتية رقمية متطورة، بالإضافة إلى كفاءات علمية متميزة في الفيزياء وعلوم الكمبيوتر، وإرادة حكومية واضحة تدعم التكنولوجيا الحديثة. مبادرات مثل تحالف QEgypt تؤكد أن هناك أساساً قوياً يمكن البناء عليه. كما أن التعاون مع شركات دولية وفتح ورش تدريبية يعكس التوجه الجاد لاستثمار عقول الشباب في مجال الحوسبة الكمومية والذكاء الاصطناعي. لكي تستغل مصر هذه الفرصة بشكل فعّال، هناك عدة خطوات عملية يمكن العمل عليها ودراستها: أولاً، إنشاء صندوق بحثي وطني مخصص لدعم مشاريع البحث والتطوير في الحوسبة الكمومية، مع التركيز على تطوير التطبيقات المحلية. ثانياً، تأسيس مركز تدريب وتأهيل بالتعاون مع الصين، يستهدف بناء قدرات العلماء والمهندسين الشباب في المجال الكمومي، ويدعم تبادل الخبرات والمعرفة. ثالثاً، تعزيز الشراكات بين الجامعات والقطاع الصناعي لضمان تحويل الأبحاث الكمومية إلى تطبيقات صناعية واقتصادية فعلية. وأخيراً، تطوير سياسات تحفيزية لدعم الابتكار البحثي وتسهيل التعاون الدولي، بما يضمن لمصر موقعاً استراتيجياً في خارطة التكنولوجيا المستقبلية. في خضم هذا السباق، لا يُعد امتلاك المختبرات والآلات فقط مفتاح النجاح، بل الإنسان والعقل هو الأساس. ونؤكد دائما أن مصر تمتلك كوادر علمية متميزة داخل البلاد وخارجها، وخبرة تراكمية في الفيزياء والرياضيات وعلوم الكمبيوتر، إضافة إلى شباب مبدع وعقول مهاجرة أثبتت جدارتها عالمياً. إذا ما استُغلّت هذه المقومات بإرادة سياسية واضحة ورؤية استراتيجية متكاملة، سيكون لمصر مكان بارز في عصر الحوسبة الكمومية ومستقبل التكنولوجيا. الحوسبة الكمومية ليست مجرد تطور تقني عابر، بل بوابة إلى عالم جديد ستُرسم خرائطه بأيدي من يملكون الجرأة على السبق والقدرة على الاستثمار في عقولهم. الصين أدركت ذلك مبكرًا، ودفعت المليارات لتأمين موقعها في قلب هذا التحول. أما مصر، فإنها لا تفتقر إلى الإمكانات، بل إلى القرار الذي يحول الطاقة الكامنة إلى فعلٍ يُحدث الفارق. فلدينا العقول، والكوادر، والرغبة في التقدم... ويبقى أن نحسم الخيار: هل ننتظر حتى يُرسم المستقبل من دوننا، أم نبدأ اليوم في صناعته بأيدينا؟ الخيار لنا، والفرصة لن تنتظر طويلًا. ____ *المستشار الاعلامي المصري السابق ببكين والخبير بالشأن الصيني