logo
لماذا يجذب روتين تنظيف المنزل جمهور منصات التواصل الاجتماعي؟

لماذا يجذب روتين تنظيف المنزل جمهور منصات التواصل الاجتماعي؟

BBC عربية٠٦-٠٤-٢٠٢٥

تقضي كاريس هاردينغ كثيراً من الوقت في تنظيف وترتيب المنزل الذي تعيش فيه مع أطفالها، شأنها في ذلك شأن كثير من الأمهات.
لكن بخلاف معظم هؤلاء الأمهات، تحظى كاريس -بينما تقوم بتلك الأعمال اليومية- بمتابعة الآلاف من المشاهدين عبر الإنترنت.
وتبلغ كاريس من العمر 27 ربيعاً وهي أُمٌّ لثلاثة أطفال، وتعيش في سوانزي – إحدى مدن مقاطعة ويلز في المملكة المتحدة.
وفي خضمّ اتجاه يلقى رواجاً عبر منصات التواصل الاجتماعي تحت وَسْم "#ريسيت" (أو إعادة الضبط)، تقوم كاريس بتصوير نفسها بينما تؤدي مهامّ روتينية يومية: مثل تلميع الأسطُح ونفْض الغبار وترتيب فوضى المكان.
وتحظى كاريس بمتابعة أكثر من 100 ألف شخص عبر تطبيقَي تيك توك وإنستغرام؛ حيث أصبحت واحدة من مؤثّرات كثيرات متفرّغات يتكسّبن مادياً من عَرض حياتهنّ اليومية على الشاشات.
تقول كاريس: "لم يخطر ببالي أبداً ولو للحظة واحدة، أن الأعمال اليومية الروتينية التي أقوم بها في حياتي يمكن أن تكون مثار اهتمام الناس".
وبدأت كاريس نشْر مقاطع فيديو لها وهي تقوم بتلك الأعمال، في عام 2022، منذ ولادة طفلها الثاني، حين قرّرت أنها بحاجة إلى الشروع في "عمل منظّم" تضيفه كل مساء إلى ما تقوم به من أعمال روتينية يومية.
وتقول كاريس إنها وبعد أن ينام أطفالها الثلاثة، تقوم كل يوم بتصوير مقطع فيديو مدته 20 دقيقة تجوب خلالها أرجاء المنزل؛ حيث تنظّف الأسطح هنا وتعيد ترتيب الأشياء هناك، استعداداً لليوم التالي.
ثم تقوم كاريس بعد ذلك بتقطيع الفيديوهات الأصلية إلى مقاطع صغيرة قبل أن تنشر تلك المقاطع عبر منصات التواصل الاجتماعي.
تقول كاريس: "أحب أن أشارك الأشياء التي يمكن تنفع الأمهات؛ لأن الأمومة شيء صعب – هناك الكثير من المهامّ التي تحتاج الأم إلى القيام بها".
وتؤكد كاريس أن الواقعية أمر مهم بالنسبة لها، لكنها تضيف أنها لم تفكر أبداً في أن تجعل الآخرين يشعرون بشيء من الدونية.
"إنني أنظّف بيتي لكي تصبح حياتي أسهل، هذا هو هدفي قبل أي شيء آخر"، وفقاً لكاريس.
وتضيف: "نعم، استلهِموا المحتوى، واستخدِموه لتحفيز أنفسكم، لكنْ رجاءً لا تنظروا إلى ما أعرضه من حياتي ثم تنظروا إلى أنفسكم نظرة دونية، وإذا حدث ذلك، فإنني أقول لكم انصرفوا عن متابعتي".
ننتقل إلى مؤثّرة أخرى، وهي إميلي جونز، من منطقة أمانفورد بمقاطعة ويلز البريطانية.
وتبلغ إميلي من العمر 32 عاماً، وهي أُمّ لطفلين، وتحظى بمتابعة أكثر من 13 ألف شخص عبر تطبيق إنستغرام.
وتقول إميلي إنها تحاول أن تبدو صادقة و"شفافة مئة بالمئة" بينما تقوم بتقديم "نصائح موفّرة للوقت" في أعمال تنظيف وترتيب المنزل.
تقول إميلي: "إذا توفّرت لديّ ساعة من الزمن أو نصف ساعة، حيث يكون طفلي غافياً، أقول لنفسي ستستغرق أعمال التنظيف وإعادة الترتيب نصف ساعة، على نحو تبدو معه الأمور طبيعية وحقيقية بالنسبة لي".
"لا يمكن أن نقوم بالتنظيف طوال اليوم، هذا مستحيل؛ فأنا أُمّ لطفلين صغيرين وأحاول أن أقوم في الوقت ذاته بمهامَّ أخرى إلى جانب مهام الأمومة. هذا فضلاً عن قيامي بالمهام التي يقوم بها كل الأشخاص الآخرين".
وثمة أكثر من 11 مليون منشور عبر منصة إنستغرام تحت وَسْم #كلينينغ (أو تنظيف)، وأكثر من 2.6 مليون منشور تحت وسم #ريسيت (أو إعادة الضبط).
وتحظى رو داي بنحو مليونَي متابع عبر منصات إنستغرام، وتيك توك، وفيسبوك ويوتيوب – حيث تعدّ واحدة من أكثر المؤثرين شهرة في مجال روتين التنظيف اليومي بالمملكة المتحدة.
وتبلغ رو داي من العمر 30 عاماً، وتعيش في منطقة هارتفوردشير شرقيّ إنجلترا.
وتنشر رو داي مقاطع فيديو تبلغ مدّتها 60 دقيقة، تطلق عليها اسم "ساعة تنظيف على السريع"، وتضع لنفسها ضابطاً للوقت، بينما تحاول الوصول إلى أعلى مستوى ممكن في مهمة التنظيف.
تقول رو داي: "أفضّل قضاء أقلّ وقت ممكن في أعمال التنظيف، وأشعر أن الناس أيضاً يفضّلون ذلك".
وتشير رو داي إلى أن غالبية الذين ينشرون محتوى خاصاً بأعمال التنظيف المنزلية الروتينية هم من النساء، لكنّ هناك تزايداً في أعداد مَن يقومون بذلك من المؤثرين الرجال أيضاً.
تقول رو داي: "لا أظنّ أنه من التمكين في شيء أن أقوم بكل أعمال التنظيف وحدي... وإذا كنا سنتحدث عن النوع الاجتماعي -من حيث الذكورة أو الأنوثة أو غير ذلك-، فلا ينبغي أن يقتصر الأمر على الإناث فقط فيما يتعلق بمهام التنظيف المنزلية اليومية".
وتشير رو داي إلى أن هناك الكثير من صانعي المحتوى الذكور الآن الذين تشاهدهم: "في الحقيقة، عندما أصادف مقطع فيديو لرجل يقوم بمهام ترتيب المنزل، فإنني أتفرّغ لمشاهدته".
وتستدرك رو داي قائلة: "أحبّ حقيقة أن المجال لا تزال تسيطر عليه النساء، لكن الكثير من الرجال بدأوا يظهرون على الساحة أيضاً".
"مريح للبال"
تقول ستيفاني بيكر، الباحثة في علم الاجتماع بجامعة سانت جورج في لندن، إن أعمال التنظيف طالما كانت من المَهام النسائية.
وترى بيكر أن صناعة محتوى عن مهام التنظيف ونشْره عبر منصات التواصل الاجتماعي هو شيء "يمنح شعورا بالقوة".
وتوضّح الباحثة: "الآن بات في إمكان المرأة التكسُّب مادياً من شيء لطالما كانت تقدّمه بلا مقابل".
وتشير بيكر إلى أن اهتمام الجمهور بمثل هذا المحتوى ليس جديداً، فثمة إقبال جماهيري على الاهتمام بالمحتوى الخاص بأساليب المعيشة المختلفة.
"هذا النوع من المحتوى كان موجوداً قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، لكن ما حدث هو أنّ هذه الوسائل سهّلت الوصول إلى ذلك المحتوى"، وفقاً لبيكر.
وتضيف الباحثة: "ربما تكون الوسائط قد تغيّرت وكذلك الجمهور، لكن الاهتمام بتطوير الذات وتحسين أسلوب المعيشة مستمرٌ منذ أجيال".
وترى سِيري برادشو، الباحثة في علم النفس بجامعة سوانزي البريطانية، أنه من الممكن أن ينخدع الناس عندما يشاهدون مقاطع فيديو لتنظيف المنزل وترتيبه مُدتُها 60 ثانية فقط لمهام يستغرق إنجازُها ساعات.
"هذا فضلاً عن شعور بعض المشاهدين بأنه ينبغي لهم أن يشبهوا أصحاب تلك الفيديوهات"، وفقاً لبرادشو.
وتقول باحثة علم النفس إنها تتفهم ما الذي يجذب الناس إلى مشاهدة محتوى روتين تنظيف المنزل: "إنه ذلك الشعور بأنك تُنجز شيئاً يحتاج إلى الإنجاز.. وهو إنجاز يتمّ بوتيرة سريعة للغاية.. وهذا شيء مريح للبال"، على حدّ تعبيرها.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تعليق مبيعات دمية 'لابوبو' في المتاجر البريطانية بسبب حشود الراغبين في شرائها
تعليق مبيعات دمية 'لابوبو' في المتاجر البريطانية بسبب حشود الراغبين في شرائها

القدس العربي

timeمنذ 4 ساعات

  • القدس العربي

تعليق مبيعات دمية 'لابوبو' في المتاجر البريطانية بسبب حشود الراغبين في شرائها

لندن: مُنِيَ عشاق لابوبو البريطانيون بخيبة أمل وإحباط، إذ أن الحشود التي أحدثتها ظاهرة الإقبال الكثيف على شراء هذه الدمية المحشوة الصغيرة والتي تمثل وحشا يشبه أرنبا، أدت إلى تعليق بيعها في المتاجر حيث تتوافر في المملكة المتحدة. بفضل ألوانها الجذابة، أصبحت هذه الألعاب المحشوة أكسسوارا للأزياء انتشر على نطاق واسع في غضون أسابيع قليلة، واستخدمته نجمات مثل ليسا من فرقة 'بلاك بينك' وريهانا ودوا ليبا. لكن الظاهرة لا تقتصر على المشاهير. فعلى تطبيق 'تيك توك'، شاعت بكثافة مقاطع 'فتح الصناديق' unboxing التي تُظهر أشخاصا عاديين من مختلف الأعمار يفتحون صناديق تحتوي على 'لابوبو'. وهذه الدمى التي يصفها البعض بأنها مخيفة، ابتكرها رسام من هونغ كونغ هو كاسينغ لونغ، مؤلف سلسلة 'ذي مانسترز' (الوحوش). ويصل سعرها إلى أكثر من 30 دولارا، وقد يتجاوز المئة لبعض الموديلات على موقع العلامة التجارية الصينية 'بوب مارت' Pop Mart التي تبيعها. وعلى تطبيق 'تيك توك'، نُشِر أكثر من مليون مقطع فيديو عن هذا الموضوع. وقد وصل الأمر إلى حد أن شركة 'بوب مارت' أعلنت الاثنين قرارها بإزالة هذه المنتجات من متاجرها في المملكة المتحدة، بسبب الطوابير الطويلة التي تتشكل خارج المتاجر، وأحيانا أثناء الليل، وهو ما يثير مشاكل 'أمنية'. إلاّ أن المبيعات عبر الإنترنت مستمرة. وأوضحت الشركة الصينية عبر حسابها على إنستغرام الجمعة انها تعمل 'على نهج جديد (…) من شأنه أن يتيح للجميع الحصول على فرصة أكثر إنصافا' لشراء هذه الدمى. وأعرب محبو 'لابوبو' عن استيائهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وقالت إحدى المستخدمات إنها لم تتمكن من إنجاز طلبيتها بسبب خلل معلوماتي، وأرفقت منشورها بوجه 'سمايلي' يجهش في البكاء. وطلب أحد المستخدمين من الشركة 'تنظيم سحب قرعة' لإتاحة فرصة الحصول على إحدى هذه الدمى. (أ ف ب)

أفول الجماعات الأدبية
أفول الجماعات الأدبية

العربي الجديد

timeمنذ 7 أيام

  • العربي الجديد

أفول الجماعات الأدبية

في أثناء تصفّح صفحات فيسبوك، يمرّ القارئ بظاهرة غريبة تتمثل في وجود صفحات تحمل أسماء أدبية ، يدّعي أصحابها أنها "أكاديميات إبداعية" تحمل تراخيص ما، وتنسج علاقات تمتد من الجامعات الرصينة إلى المراكز البحثية الكبرى. يقوم القائمون عليها بمنح المنتسبين شهادات تعترف بهم أدباءً "لا يُشق لهم غبار"! يسأل القارئ: من هؤلاء؟ ولا أحد يقدّم الجواب سوى الواقع ذاته! فهذه المؤسسات الوهمية، المنشأة في العالم الافتراضي، ليست سوى دكاكين يفتتحها أصحابها إما تعويضًا عن فشلهم في دخول عالم الإبداع التقليدي، فيحاولون إنشاء عالم موازٍ، أو بحثًا عن واجهات للاستعراض والتكسب المعنوي، وتحشيد مئات الأسماء التي تكتب كلامًا مكرّرًا، وتبحث بدورها عن مساحات للنشر. تكرّست هذه الظاهرة خلال عقد ونصف، ومع توفّر المنصات الرقمية المتطوّرة، بات الفاعلون فيها يمتلكون فرصًا متعدّدة للحضور بالصوت والصورة، عبر منصة "تيك توك" وغيرها. لكن هذا كله لم يُساهم في دفع منتجات المشاركين نحو جمهور القرّاء أو نقّاد الأدب، وذلك لسبب رئيس: أن أغلب ما يُحتفى به هنا ليس سوى كلام عادي، تظهر فيه ظلال واضحة لتجارب أدبية مكرّسة. لماذا لا تثير فكرة "الجماعة الأدبية" اهتمام الأدباء الشباب؟ غير أن هذا لم يوقف الساعين إلى ارتقاء درجات الشهرة، بل زاد من إصرارهم على تكرار الفعل ذاته، مع الشكوى الدائمة من أن الصفحات الثقافية مغلقة على "المكرّسين"، وأنها محكومة بـ"الشللية". يرى بعض المراقبين أن أسباب تفاقم هذا النشاط تعود إلى تضخم "الأنا" الأدبية في ظل الفراغ المؤسّساتي، وتلاشي آليات الفلترة الأدبية أو الإبداعية التي كانت تفرضها المجلات والنقّاد، إضافة إلى تركيز "المبدع" على تسويق ذاته، بدلًا من تمثّل دوره كمشروع جمالي أو فكري. وهنا يتقاطع هذا السلوك مع ما سمّاه بيير بورديو بـ"رأس المال الرمزي"، حين يُستبدل الفعل الثقافي الحقيقي بـ"الظهور" و"الاعتراف الخارجي"، حتى وإن كان وهميًا. رصد هذه الظاهرة يعيدنا إلى سؤال الجماعات الأدبية في المنطقة العربية، حيث إن التاريخ يربط ظهورها إما بأسباب جغرافية، مثل "الرابطة القلمية" التي تأسّست في نيويورك عام 1920، و"العصبة الأندلسية" في ساو باولو بالبرازيل، مطلع 1933، أو بأسباب إبداعية تتعلّق بتبنّي مجموعة من الأدباء أسلوبًا محددًا، كما في جماعة "مجلة شعر" التي تأسّست عام 1957، ونبضت بشعارات الحداثة، فصارت واجهتها العربية الأبرز، وكذلك جماعة "كركوك" العراقية التي عملت على تعميق تيار الحداثة في فضاء تجريبي خاص. وفي قراءة أعمق لآليات ظهور هذه الجماعات، فإن التحليل الذي يربط الإبداع بتحولات الواقع يرى أن هذه الظواهر تنشأ على هامش التحولات العميقة التي تشهدها مجتمعاتها. وعلى هذا الأساس، يمكن اعتبار الجماعات الأدبية حاملةً لرؤى تسعى إلى التعبير عن وجهة نظر مختلفة حيال ما يجري في الواقع السياسي والاجتماعي وارتداداتهما في الحيّز الثقافي. وحتى تلك التي نشأت في المهجر، إنما كانت صدى لتحولات مرحلة ما بين الحربين العالميتين. تحوّل النشر إلى مساحة رقمية مفتوحة قلّل من مركزية الجماعات وعبر هذا التأريخ المشبع بروابط واضحة بين التيارات الأدبية والواقع المجتمعي، صار لدى القارئ العربي تاريخ أدبي موازٍ للتاريخ السياسي. ورغم أن مساحة تأويل هذه الظواهر من خلال تحليل نتاجات أصحابها لا تزال حتى اليوم شاغرة، وتطالب النقّاد والدارسين بالمزيد، إلا أن الثابت أن سلسلة طويلة من الجماعات ظهرت خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وكان أغلب الأدباء المكرّسين في وقتنا الحالي أعضاء فيها أو على تماس معها. أُصيبت هذه الجماعات، منذ تسعينيات القرن الماضي وصولًا إلى نهاية العقد الأول من الألفية الجديدة، بانكماشٍ واضح، يُعزى إلى خلل أصاب الواقع ذاته: فبعد اجتياح جيش صدام حسين للكويت، حدث انهيار كبير في الأفكار القومية العربية، كما شكّل انهيار الاتحاد السوفييتي صدمة كبرى لتيار واسع من اليساريين العرب، ما جعل فكرة التجمع وتأسيس التكتلات عرضةً للشك في جدواها. لكن هذا لم يمنع بعض التجارب قصيرة العمر من التشكل، مثل جماعة "مجلة ألف" السورية، التي ظهرت في بداية التسعينيات، وحاول أصحابها التحايل على القمع وتكميم الأفواه، والتصرّف خارج إطار المؤسسات الرسمية كوزارة الثقافة واتحاد الكتّاب العرب، فنشروا نصوصًا مغايرة في 23 عددًا من المجلة، قبل أن تُمنع من التوزيع في أغلب البلدان العربية وتتوقّف. إذا جاز لنا الاعتداد بفكرة طرحها الناقد الفرنسي الشهير رولان بارت، ومفادها أننا لا نكون بحاجة إلى طليعة إلا عندما يكون المجتمع في مأزق، فإن سلسلة المآزق التي تعرّضت لها بلدان "الربيع العربي" منذ عقد ونصف، نتيجة سعي البُنى العميقة المكرّسة لكبح جماح القوى المجتمعية الراغبة في تغيير الواقع السياسي، كان يُفترض أن تفضي إلى ظهور جماعات أدبية تتبنّى شعارات مختلفة عن تلك التي سادت في أزمنة سابقة. لكن الواقع يكشف أن همة المثقفين ورغبتهم في الاجتماع تحت أطر محددة عانت من نكوص كبير، خنق أنفاس الفكرة ذاتها، فلا نعثر على جماعة تحاول الظهور بحمولة فكرية عميقة، تشتبك مع الواقع وتحلّله. ولا يخلو المشهد من اجتهادات شبابية تظهر وتنطفئ سريعًا، رغم ما تحمله من بذور واعدة، كجماعة "مليشيا الثقافة"، التي ظهرت قبل نحو عشر سنوات، واشترك فيها شعراء عراقيون (مازن المعموري، كاظم خنجر، علي ذرب، محمد كريم، أحمد ضياء، علي تاج الدين، وسام علي، أحمد جبور، وخالد الشاطي)، وحاولوا عبر نشاطها تقديم صياغة بصرية تناسب الواقع المستجد في فضاء الشبكة الإلكترونية، احتجاجًا على واقع العراق بما فيه من خراب وقتل وانقسام طائفي. ولكن لماذا لم تعد فكرة "الجماعة الأدبية" تثير اهتمام الأدباء الشباب، وحتى أصحاب التجارب المكرّسة؟ الإجابة تقف عند عدة احتمالات، تنطبق على النشاط الإبداعي في مختلف أنحاء العالم، مثل تفكك الأطر الإيديولوجية الكبرى، وزوال أهمية المنابر الورقية، وتصاعد الفردانية الثقافية، وسيطرة وسائل التواصل التي تعزّز الصوت الفردي على حساب المشاريع الجماعية. كما أن تحوّل النشر إلى مساحة رقمية مفتوحة قلّل من مركزية الجماعات. ويُضاف إلى ما سبق، وضمن خصوصية السياق العربي، أن التفكير في القطيعة الإبداعية مع ما سبق، والتفكير في بنى جديدة، لم يعد حاضرًا في المشهد العام؛ فلا نرى بيانات شعرية أو بيانات جمالية، ولا نسمع أصواتًا تعارض نوعًا إبداعيًا لصالح آخر، بل إن الجميع يعيش حالة "تجاور" لا تستدعي الصخب، ولا تطلب المعارضة. كما أن السلطات القائمة لم تواجه الأشكال الحداثية (قصيدة النثر، الرواية المفتوحة، التعدّد الصوتي...)، بل طَبّعت معها، حتى صارت دراستها جزءًا من النشاط الأكاديمي، ولم تعد ناتئة في نظر العقل التقليدي. وتحولت، بمرور الوقت، إلى مادة مقبولة ضمن شروط السوق (الناشر، الترجمة، الجوائز، المهرجانات). وأُضيف إلى هذا الواقع دعم المؤسسات التمويلية للكتّاب، عبر دعوات التفرغ والإقامات الإبداعية، في سياق يحتفي بالفردية. * شاعر وكاتب سوري موقف التحديثات الحية عواصم الكتاب.. ما الجدوى وراء اللقب؟

سيلينا غوميز... ضجيج موسيقي على "تيك توك"
سيلينا غوميز... ضجيج موسيقي على "تيك توك"

العربي الجديد

time١٤-٠٥-٢٠٢٥

  • العربي الجديد

سيلينا غوميز... ضجيج موسيقي على "تيك توك"

حقّقت حملة "تيك توك" لأغنية I Said I Love You First للمغنية الأميركية سيلينا غوميز (1992) نجاحاً كبيراً في التطبيق، محدثةً ضجةً وسجالات بين الجمهور. الانتشار لم يقتصر على تحقيق مشاهدات هائلة فحسب، بل جذب أيضاً معجبي سيلينا غوميز كثيراً. وأشار موقع "إنفلونسر ماركتنغ هاب" التسويقي إلى أن الحملة تمثّل درساً مُتقناً في تسويق الموسيقى في عصر الفيديوهات القصيرة. بهذا، حققت حملة الأغنية 24.4 مليون مشاهدة وثلاثة ملايين إعجاب على فيديو إعلان الألبوم، و52.9 مليون مشاهدة و5.2 ملايين إعجاب على مقطع فيديو مرح يظهر فيه كاتب الأغاني بيني بلانكو وهو يضع مكياج سيلينا غوميز أثناء عزف أغنية Call Me When You Break Up، إضافةً إلى 31.6 مليون مشاهدة وأربعة ملايين إعجاب لفيديو غوميز وهي تؤدّي الأغنية السابقة، و3.4 ملايين مشاهدة و300 ألف إعجاب على منشور يروّج فيديو أغنية Sunset Blvd، في أقل من أسبوع. @selenagomez Letting my fiancé do my makeup using @Rare Beauty ♥️ @benny blanco ♬ Call Me When You Break Up - Selena Gomez & benny blanco & Gracie Abrams وهدفت استراتيجية سيلينا غوميز على "تيك توك" إلى أكثر من مجرد نشر خبر صدور الألبوم، بل تعدّته إلى إشراك جمهور الجيل زي، تحديداً الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً، وتحويل هذا التفاعل إلى تنزيلات حقيقية. كيف نجحت سيلينا غوميز في تسويق جديدها عبر "تيك توك"؟ نجحت المغنية الأميركية في الاستفادة من قوة "تيك توك" لتحويل إصدار ألبوم إلى حدث واسع الانتشار بحسب "إنفلونسر ماركتنغ هاب"، وذلك من خلال الاستفادة من ميزة "تسليط الضوء على المعجبين" في "تيك توك". دعت سيلينا غوميز معجبيها إلى استخدام وسم #ISaidILoveYouFirst، ونشر نسخهم الإبداعية الخاصة لموسيقاها. أصبح محتوى المعجبين جزءاً لا يتجزّأ من القصة، وحصل أفضل المبتكرين على مكان في قسم "تسليط الضوء على المعجبين"، ليصلوا إلى جمهور أكبر. لزيادة التشويق، تضمنت الحملة محتوىً حصرياً، إذ تمكّن المعجبون من الاطلاع على لمحات سريعة، مثل الأغاني ومقاطع الفيديو الموسيقية غير المنشورة، مقابل المشاركة في التحديات. لم يُؤجّج هذا النهج التفاعلي ترقُّب الألبوم فحسب، بل ارتبط أيضاً بتركيز "تيك توك" المتزايد على التجارة الاجتماعية. تمكّن المعجبون المشاركون أيضاً من ربح إطارات (Frames) خاصة بالألبوم في حساباتهم الشخصية، يضعونها حول صورهم، بل وحتى الوصول إلى المنتجات الرسمية عبر متجر "تيك توك"، ما أضاف طبقة من المكافآت الحصرية إلى الحملة. ثلاث مراحل لم تتردد حسابات غوميز وبيني بلانكو على "تيك توك" في استغلال الصيغ الرائجة واستخدام محتوى أصلي من المنصة للوصول إلى المستخدمين طبيعياً، من فيديوهات تغيير المكياج إلى المقاطع الموسيقية. واعتماداً على مقاطع منخفضة الدقة تناسب قاعدة مستخدمي "تيك توك"، بدا كل فيديو أصلياً للمنصة بدلاً من كونه إعلاناً مصقولاً. هذا ساعد على الاندماج بسلاسة في خلاصات المستخدمين وتعزيز التفاعل. امتدت الحملة على ثلاث مراحل، صُممت كل منها لبناء زخم نحو إصدار الألبوم النهائي، والمراحل كانت كالآتي: 1- إثارة الضجة: ركزت هذه المرحلة على إثارة الضجة وجذب الانتباه. تميز فيديو إعلان الألبوم بنهج جريء وإبداعي، جمع بين اللحظات الشخصية والمحتوى المرح وغير التقليدي، ليحقّق 24.4 مليون مشاهدة وثلاثة ملايين إعجاب. هذا مهّد الطريق لما سيأتي بعده. 2- إثارة الرغبة: استندت المرحلة الثانية إلى قوة ترندات "تيك توك"، إذ ظهرت سيلينا غوميز وبيني بلانكو في مواقف مرحة وواقعية، مثل مقطع فيديو يظهر فيه بلانكو وهو يضع المكياج لغوميز أثناء تشغيل أغنية Call Me When You Break Up. حقق هذا الفيديو 52.9 مليون مشاهدة و5.2 ملايين إعجاب، مجسّداً الطبيعة المرحة والغريبة لمحتوى "تيك توك". 3- تعزيز قابلية الاكتشاف: مع اقتراب موعد إصدار الألبوم، استمر التفاعل في النمو. حقّق فيديو غوميز وهي تؤدّي أغنية Call Me When You Break Up ما ناهز 31.6 مليون مشاهدة. وأثار كليب أغنية Sunset Blvd حماس الجمهور وحقق 3.4 ملايين مشاهدة في أقل من أسبوع، ما يُظهر قدرة "تيك توك" على الحفاظ على زخم الحملة حتى إصدار الألبوم. بحسب تحليل "إنفلونسر ماركتنغ هاب"، نجحت استراتيجية سيلينا غوميز على "تيك توك" لأنها احتضنت ثقافة "تيك توك" الفريدة بدلاً من محاولة إقحام نهج تسويقي تقليدي على المنصة. من خلال الاعتماد على ميزات "تيك توك" الأصلية، مثل "تسليط الضوء على المعجبين"، والتحديات التفاعلية، والمحتوى الذي يُنشئه المستخدمون، ابتكرت غوميز وبلانكو حملة أصيلة وعفوية لاقت صدىً واسعاً لدى جمهورهما من الجيل زي. لا يرغب مستخدمو "تيك توك" في رؤية إعلانات مشغولة بعناية، بل يريدون محتوى يبدو حقيقياً وأصيلاً، وقد حققت هذه الحملة ذلك تماماً. مع توسُّع تأثير "تيك توك" على صناعة الموسيقى في العالم، لا يمثّل التطبيق أداة بيد المشاهير ونخبة الفن فقط، بل ظلّ ولا يزال طوق نجاة لموسيقيين كثيرين في بدايات طريقهم الفنية، إذ ساعد في صعود مغنّين وتحقيق شهرتهم أسوةً بباقي صنّاع المحتوى الآخرين في المنصة. إضافةً إلى ذلك، أثّر التطبيق على شكل الأغاني نفسها التي أصبحت تراعي متطلبات التطبيق التسويقية، مثل جعل المدة الزمنية للأغاني أقصر، وتحمل دعوة إلى الحركة والرقص والتفاعل، وتتضمّن لحظات خاطفة بدلاً من التعامل مع الألبوم بوصفه وحدة متماسكة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store