
ريستارت للحياة... حين نربي بنسخة غير محدثة
في «ريستارت للحياة»، نأخذ كل أسبوع لحظة تأمل نراجع فيها عادة، فكرة، أو علاقة،
ثم نسأل: هل نستمر بها؟ أم نضغط زر «ريستارت» ونبدأ من جديد؟
في عالم سريع التغيُّر، أصبح من الضروري أن نُعيد التفكير في الأساليب التربوية التي نشأنا عليها، ونكررها أحياناً من دون وعي.
من أكثر الأساليب رسوخاً ما يُعرف بـ «التربية بالأوامر»، نظام بدا فعَّالاً في زمن مضى، لكنه اليوم يُمثل نموذجاً قديماً يحتاج إلى إعادة تشغيل، ليتماشى مع واقعنا المتغيِّر.
يُنتج هذا الأسلوب التربوي أطفالاً يطيعون من دون اختيار، وينفذون من دون تفكير، ويخشون المواجهة، لأنهم لم يتعلَّموا اتخاذ القرار. وهذا يُضعف من قدرتهم على التفاعل بفاعلية مع المجتمع.
في المقابل، يدعو الفكر التربوي الحديث إلى منهج أكثر مرونة، قائم على الحوار والتواصل، يُنمي التفكير النقدي، ويشجع الطفل على التعبير عن رأيه.
لقد نشأنا نحن في بيئات اعتبرت فيها الطاعة غاية بحد ذاتها، وارتبط السلوك الجيد بالامتثال. كانت تلك البيئات مُحاطة بمعتقدات وأعراف عميقة الجذور، حيث كان ينظر إلى الطاعة كقيمة أساسية. لكننا اليوم أمام فجوة واسعة بين الأجيال، فالنشء الجديد يتربَّى في بيئات تتسم بالتكنولوجيا والانفتاح على العالم، مما يجعل لُغتها وأسلوب تفكيرها يبدو وكأنه خوارزميات معقدة بالنسبة لنا تحتاج إلى قواميس حديثة لفك شفرتها.
يجب أن نعي أننا لا نتعامل اليوم مع نسخ مكرَّرة منا، بل مع جيلٍ وُلد في بيئة رقمية، وتكوَّن وعيه وسط تدفق هائل من المعلومات والانفتاح والتنوُّع. جيل لا يعيش كما عِشنا، ولا يفكِّر كما فكَّرنا. وإذا تجاهلنا هذه الحقيقة، فسنظل نصرخ أو نأمر... من دون أن يُسمع لنا صوت.
هذا الجيل لا يستقبل الأوامر بنفس السلاسة التي اعتدناها، لأنه لا يرى في السُّلطة قيمة.
فالفجوة لم تعد مجرَّد اختلاف في الأسلوب، بل باتت اختلافاً في فهم الحياة ذاتها. جيل اليوم يتعامل مع المعلومة بطريقة مختلفة، ويستخدم وسائل التواصل للتعبير، ويتبنَّى مفاهيم لم تكن جزءاً من قاموسنا القديم. بينما نجد أنفسنا، نحن الجيل السابق، نحاول فهم هذه التغيُّرات، لكننا نواجه صعوبة في مواكبة سرعة تطوُّر هذه اللغة الجديدة.
لذلك، فإن إعادة النظر في أساليب التربية التي نتبعها هي ضرورة مُلحَّة.
يجب أن نفهم أن التغيير لا يعني التخلي عن القيم، بل إعادة صياغتها بطريقة تتناسب مع احتياجات العصر الحديث. يجب أن نكون مستعدين للضغط على زر «ريستارت»، وبدء رحلة جديدة نحو تربية مختلفة نبني فيها فكراً تربوياً أكثر وعياً وعُمقاً.
في الختام، آن الأوان أن نُعيد التفكير في التربية لا كسُلطة، بل كعلاقة تنمو مع الزمن.
لنحول «ريستارت للحياة» من شعار إلى نقطة بداية وممارسة يومية، صادقة، مرنة، ومتجددة.
فلنبدأ من جديد، ونتعلَّم من هذا الجيل كما نعلمه.
ونسأل الله أن يكون في عوننا، نحن جيل الآباء، نحاول أن نوازن بين ما نشأنا عليه، وما يتطلبه هذا الزمن المتسارع.
لعلنا نغلق الفجوة، ونصنع تربية تليق بالحياة كما أصبحت... لا كما كانت.
* كاتبة بحرينية

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الأنباء
منذ 20 ساعات
- الأنباء
العقوق والجحود
العقوق كمعنى هو عصيان الوالدين ونكران جميلهما، أما الجحود فهو إنكار الحق مع العلم به، والعقوق أشد إيلاما من الجحود، وكلاهما نهى الله عنهما نهيا قاطعا، وقد يصل الأمر بالعاق إلى إيذاء والديه قولا وفعلا، وهذه أم الكبائر لأنه قطع صلة الرحم وجحد عظيم فضلهما وعصى الله تعالى، فخصم هذا العاق والجاحد ليس والديه فحسب وإنما المولى عز وجل القائل في محكم تنزيله: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا) (الإسراء: 23، 24). فقرن الله توحيده بالإحسان إلى الوالدين، وحتى «أُف» التذمر نهى الله الابن أن يقولها لوالديه بل أمره بالصبر واحتساب الأجر، وقد أوصى الإسلام دين المحبة والوفاء والبر بالأمهات والآباء خيرا ونهى أشد النهي عن قطيعتهم وإيذائهم أو إدخال الحزن عليهم، وليس أدل على ذلك الحديث النبوي عن أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله ﷺ: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثا، يعني قالها ثلاث مرات، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئا فجلس، فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور، فمازال يكررها حتى قلنا: ليته سكت (صحيح البخاري)، وسبحان الله ففي الماضي لم نكن نسمع بقصص العقوق والجحود إلا بالكاد، أما في وقتنا هذا فصرنا نسمع قصصا تحكي تفننا في إيذاء الوالدين والعياذ بالله، ويا لها من قصص نستحي من الله أن نذكرها، وللأسف تعددت أشكال العقوق وألوانه، وهذا دليل على الانحراف الخطير في الأخلاق وضعف الوازع الديني. وربما دعا الوالد على ابنه في فورة غضــبه ودعــوته لا ترد وقد ورد في الحديث الشريف ما نصه «ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده». يقول أمية بن أبي الصلت وقد عقه ابنه وجحد فضله عليه: غذوتك مولودا وعلتك يافعا تعل بما أحنى عليك وتنهل إذا ليلة نابتك بالشكو لم أبت لشكواك إلا ساهرا أتململ ثم يقول بعد ذلك: جعلت جزائي غلظة وفظاظة كأنك أنت المنعم المتفضل ودمتم سالمين.


الرأي
منذ 21 ساعات
- الرأي
وداعاً ماما هيا... يا نور اللواوين
ذهبت جدتي برفقة والدي إلى باحات الحرم، وتركاني عند أختي الكبرى. فلما عادا، عاتبتُهما عتاب الطفل لوالديه، فهمس والدي في أذني أنهما ذهبا للتصدّق على فقراء مكة، وأن «ماما هيا» تحب أن تخفي هذا الأمر طمعاً في بشارة رسول الله ﷺ الذي قال: «سبعة يُظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله...»، وذكر منهم: «ورجلٌ تصدّق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه». كانت «ماما هيا» مصدر الدفء في حياتنا. أحبتنا، وأكرمتنا، وأمطرتنا بدعائها الدائم. وكل مرة أسألها الدعاء، كانت تقول لي: «أدعو لك كدعاء أمي لطيفة لأخي عبدالعزيز: ربي يجعلك بركة عشرة أولاد». جدتي هي ابنة الحاج علي عبدالوهاب المطوع، الرجل الذي تعلّق بباب الملتزم ودعا ربه متضرعاً أن يرزقه سبعاً من البنات لينال بشارة النبي ﷺ لوالد البنات. وقد أُجيبت دعوته، فآتاه الله بدرية، ونجيبة، وهيا، ونعيمة، وشفيقة، ووسمية. أما السابعة، فقد توفيت في مهدها. بيد أن والدها خصّها بمزيتين: أولاهما أنه سمّاها باسم أمه هيا الياسين، وثانيهما أنه اصطفاها من بين عياله ليشدّ معها الرحال إلى الحرمين والمسجد الأقصى. وكان ينشد لطفلته في الطريق: «هياوين نور اللواوين»، واللِّيوان في اللهجة الكويتية هو مكان مسقوف ومفتوح من الأمام، يطل على الحوش، ينفذ منه النور، كما يلجأ إليه أهل البيت للوقاية من الشمس والمطر، وهي كناية أنكِ يا ابنتي نور البيت. روت لي جدتي أنها نشأت في بيت فسيح ومضياف في فريج الجناعات، يقصده الناس من كل نواحي الكويت. الرجال يملأون ديوان والدها حتى أذان العشاء، والنساء يجلبن الأقمشة ليخطنها في المكائن الميكانيكية التي كانت نادرة في تلك الأيام. سألتها متعجباً: ألا تشترون الملابس من السوق؟ فأجابت بالنفي: «نحن نشتري الأقمشة فقط، ونخيطها بأيدينا»! تعلّمت رحمها الله تعليماً نظامياً في المدرسة القبلية، وكانت فخورة بتحصيلها العلمي، تروي أيامها هناك بفخر، وتعدّد أسماء معلماتها وزميلاتها، اللواتي ظلّت وفية بوصلهن حتى أقعدها المرض. عشقت العلم، وبثّت هذا الحب في بنيها وحفدتها؛ دفعت والدي د. صلاح العبدالجادر لنيل الدكتوراه، حين كان أبناء جيله يندفعون إلى التجارة أو الوظائف المرموقة. وشجعت أعمامي وائل وعبدالحميد، وعمّاتي أفراح وإصلاح، على العلم والإيمان. غرست فيهم تقوى الله، واتباع أوامره وحث الناس على المعروف الأقربين منهم والأبعدين، كما تأمر دوماً بأداء النوافل من صيامٍ وصدقةٍ وصلاة، وحسن الخُلق، والإتقان في عمل الدنيا، والإحسان في أعمال الآخرة. وأشهد أنها تأمر بالمعروف وتفعله. ومما عزز لدي قناعة حبها للعلم أنني قبل بضع سنوات لما ودّعتها قبل سفري للبعثة، لمعت عيناها وامتلأت غبطةً ارتسمت على محياها، فكان الوجه الطلق والدعوات التي تبعته دفقةً من التشجيع استعنت بها على مشقة الطريق طوال سنواتي الخمس في أميركا. ومما اشتهر عنها في البلاد أنها كانت تفيض كرماً وعطاءً، فقد كان المال في يدها كالماء، يجري إلى منافذ الصدقة حيث وُجدت فكما رأت عيني وسمعت أذني، كان باب بيتها مقصداً لأهل الفاقة؛ تخرج إليهم، تسأل عن حالهم، وتعطيهم ما تيسّر. رافقها في رحلة الحياة زوجها، جدي عبدالقادر ابن النوخذة عبدالحميد العبدالجادر، الذي وقاه والده من ركوب البحر خوفاً عليه، فاستحال إلى تاجر أقمشة يملك دكاناً صغيراً في المباركية. وكانت «ماما هيا» خير ما تكون المرأة من سندٍ لزوجها؛ وكان يجد فيها سَنَده الأقرب، كلما اشتدت عليه منعطفات الحياة، حتى توفّي عنها وهو راضٍ. رحمه الله. يطول الحديث عن «ماما هيا»، ولكني أردت من هذا المقال أن أرثيها، وأن أنقل للقارئ الكريم قبساً من سيرة امرأة حزن لفقدها خلقٌ كثير، مثل حزننا وزيادة. وهذا الفضل لا يُتأتى إلا لمن عاش حياة ملأى بحب الله، والسعي لرضاه، والإحسان إلى خلقه. ولعمري، قلّ من اجتمعت فيه خصال جدتي. الملتقى في الجنة، يا نور حياتنا، ويا نور اللواوين.


الرأي
منذ 21 ساعات
- الرأي
بالشكر تدوم النعم
مفردة جميلة تضفي على النفس بهجة، وعلى الروح إشراقاً، وتملأ الذهن أملاً. فإذا توجهت بالشكر إلى الكريم فإنه يعطيك نعماً كثيرة. نعم إذا كان شكري نعمة الله نعمةً علي لهُ في مثلها يجب الشكرُ فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله وإن طالت الأيام واتصل العمرُ فشكر الله الكريم هو نعمة، ولا تتحقق هذه النعمة إلا بفضل الكريم. فإنك إذا أرت من أحد شيئاً فإنك تطلب موعداً، ولا يتحقق هذا الموعد إلا بعد فترة قد تطول أو تقصر، وقد لا يتحقق طلبك أو يتحقق. وإذا أردت أن تطلب من الرحمن شيئاً فلا تحتاج إلى وقت، ما عليك إلا أن ترفع يدك وتطلب ما شئت؛ فإن طلبك يتحقق بأسرع من البرق؛ لأنك لجأت إلى أرحم الراحمين الذي يهب كل الخير؛ فيستحق الشكر على مواهبهِ السّنية. الحمد لله بجميع محامده كلها على جميع نعمه كلها الحمد لله الفاشي في الخلق أمره وحمدهُ الظاهر في الكرم مجدهُ والباسط في الجود يدهُ الذي لا تنقص خزائنه ولا تزيده كثرة العطاء إلا جوداً وكرماً إنه هو العزيز الوهاب. عزيزي القارئ الكريم! أليس جديراً بنا أن نرفع أيدينا بالشكر إلى العزيز الحكيم على ما وهبنا من خير عميم، ونعمة واسعة، في بلدٍ يسودهُ الأمن والاطمئنان، ونرغد فيه بصنوف النعم وألوان الخير؟! ونحن في هذه النعمة الشاملة نرفع أكف الضراعة إلى المولى القدير بأن يجعل الأمن يسود في أنحاء الدنيا، وأن يفرج عن إخواننا المهمومين في فلسطين وسوريا ولبنان، وجميع بقاع العالم، حتى يسود الاستقرار في أنحاء المعمورة، ولا يحس طفل بالتوجع أو أم بالألم أو والد بالخوف على أسرته وأولاده. وإذا تأملنا أنواع الشكر وصنوفه فإنها تتمثل في شكر الإنسان عندما تحل به ضائقة وهو يحمل مفتاح الفرج وهو الصبر، في هذا الموقع يشعر بمزيد من الراحة عندما يشكر الله على نعمته، وعندما تتوعك صحة الإنسان فإنه يلجأ إلى الله، ثم يتناول العلاج، فعندما تشفى صحتهُ، وتتبدد علتهُ، يشعر بالسعادة شاكراً الكريم على معافاته من المرض. ما أجمل سعادة الشكر! إذا مرض أحد من أسرتك -لا سمح الله- فإنك تبتهل إلى المولى القدير، وتطلب منهُ الشفاء، ثم تأخذ العلاج اللازم، فإذا تحقق الشفاء فإنك تشعر بالسعادة عندما تشكر الله على هذه النعمة. أنواع الشكر كثيرة، وأصنافها متعددة، وأشكالها متباينة، فأينما يممت وجهك لاحت لك نعم كثيرة من نعم الرحمن، ألا تستحق هذه النعم الشكر للبارئ المصور الوهاب؟! ألا يرعوي الذين يجعلون بين نعم الله وبينهم حاجباً، ولا يتذكرون هذه النعم المرسلة إليهم من رب كريم؟! تأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليكُ عيون من لجين شاخصات بأبصار هي الذهب السبيكُ على قضب الزبرجد شاهدات بأن الله ليس لهُ شريكُ الحمد لواهب النعم على نعمه الكثيرة، وآلائه العظيمة، التي لا تعد ولا تحصى، اللهم يا واهب النعم، ويا مرسل الخير إلى الأمم، نسألك بأن تنشر رحمتك على جميع المظلومين والمنكوبين والبؤساء في جميع أنحاء المعمورة، حتى لا تتوجع أم، ولا يئن طفل، ولا يتوجس والد على أولاده، إنك سميع مجيب الدعاء، وحتى يحيا الجميع في بحبوحة من العيش في أوطانهم، وحتى يكف بأس وشر وطغيان الصهاينة عن أرض فلسطين وسوريا ولبنان. ما أجمل الصابرين على الشدائد! المبتهلين إلى ربهم، طالبين منه العون حتى يتحقق لهم النصر، ولا يكون ذلك إلا بالعمل والجهاد والشكر المتدفق لواهب النعم. سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبري سأصبر حتى ينظر الرحمن في أمري سأصبر حتى يعلم الصبر أنني صبرت على شيء أمر من الصبرِ وما أجمل الصبر الجميل مع التقى! وما قدَّر المولى على عبده يجري هنيئا لحاملي مفاتيح الصبر.