بعد ميناء طرطوس.. ماذا بقي لروسيا في سوريا؟
لم يكن موقع "روسيا اليوم" أميناً في العنوان ومقدمة الخبر الذي نشره عن التفاهم الموقّع بين الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية السورية، وبين شركة "موانئ دبي" العالمية، بخصوص استثمار ميناء طرطوس. فقد أشار العنوان إلى أن المذكرة الموقّعة تعنى بتطوير "البنية التحتية للمرافئ"، من دون أن يحدد المرفأ المقصود.
ويمكن تفهّم "الغصّة" الروسية، في الإقرار بخسارة ميناء طرطوس التجاري. ففي مطلع آذار المنصرم، تحدث الرئيس التنفيذي لشركة "ستروي ترانس غاز" الروسية المستثمرة للميناء، بثقة مطلقة، عبر وكالة "رويترز"، ليؤكد أن عملية إلغاء عقد استثمار شركته للميناء، "مجرد كلام". في إشارة إلى إعلان مدير جمارك طرطوس التابع لإدارة الرئيس أحمد الشرع، في 22 كانون الثاني الفائت، إلغاء عقد استثمار الشركة الروسية للميناء. بعد ذلك، بأيام قليلة فقط (في 29 كانون الثاني الفائت)، زار وفد روسي برئاسة نائب وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف، دمشق، والتقى بالشرع. وضم الوفد الروسي ممثلين عن شركة "ستروي ترانس غاز". ووفق تصريحات بوغدانوف حينها، فإن ممثلي الشركة الروسية أكدوا للجانب السوري استعدادهم لمواصلة العمل، مشيرين إلى الصعوبات التي واجهت عملهم سابقاً. وبعدها بأيام جرت أول محادثة هاتفية، بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الشرع.
منذ ذلك المنعطف، اتبعت موسكو دبلوماسية هادئة وإيجابية حيال الإدارة السورية الجديدة. وفيما كان ممثلو الدول الأوروبية منغمسين في جدال مطوّل حول المسار الواجب إتباعه حيال السلطة السورية الجديدة، وحجم ما يمكن رفعه من عقوبات، في حين كانت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا تزال مشغولة في ترتيب ملفات أكثر أولوية بالنسبة لها من الملف السوري، كانت موسكو في ذلك الحين، تقدم البادرة الإيجابية تلو الأخرى، حيال الإدارة الجديدة في دمشق. فالتزمت بالعقد الموقّع بينها وبين حكومة النظام البائد، وزوّدت الحكومة الجديدة بشحنات من العملة السورية المطبوعة لديها، في وقت كانت فيه السوق تعاني من نقص كبير في السيولة من الليرة. ومن ثم، أرسلت موسكو مليون برميل نفط خام إلى الشواطئ السورية. تلاها مليون برميل نفط أخرى. وبات واضحاً أن النفط الروسي سيملأ الفراغ الناجم عن توقف النفط الإيراني الذي بقي لسنوات شريان حياة "سوريا الأسد". ومن ثم، شحنت موسكو حمولة من القمح إلى ميناء اللاذقية.
كان جلياً أن رهان موسكو هو أن تجذب القيادة السورية الجديدة إليها، فيما كان الغرب يبتزها بالعقوبات، خلال الأشهر الثلاثة التي سبقت شهر أيار الجاري. لكن التطورات في هذا الشهر، خيّبت الرهان الروسي تماماً، فقد استُقبل الشرع بحفاوة في باريس، وتلقى وعداً فرنسياً بالدفع نحو رفع العقوبات الأوروبية في شهر حزيران المقبل. ومن ثم جاء اللقاء التاريخي بين الشرع وترامب في الرياض، بعيد إعلان رفع العقوبات الأميركية عن سوريا. لكن لا يعني ذلك، أن العلاقة بين الطرفين، الإدارة الجديدة في دمشق وموسكو، انقلبت بصورة دراماتيكية، في أيار الجاري. فالمراقبة الدقيقة لما كان يحدث على الصعيد الاقتصادي- الاستثماري تحديداً، تكشف أنه فيما كانت موسكو تبادر كانت دمشق تتملص.
ورغم أن إدارة الشرع لم ترد على تصريحات الرئيس التنفيذي لشركة "ستروي ترانس غاز" في مطلع آذار الفائت، والتي قال فيها إن شركته لا تزال تدير ميناء طرطوس، إلا أنه في التوقيت نفسه تقريباً، كانت الحكومة السورية تعلن، بلسان مدير عام الشركة العامة للأسمدة، تخليص الشركة من العقد الروسي، بوصفه بارقة أمل جديدة لدعم القطاع الزراعي في سوريا. وكانت "ستروي ترانس غاز" أيضاً، هي المستثمر لهذه الشركة بمعاملها الثلاثة، بموجب عقدٍ مع نظام الأسد عام 2018 ولـ49 عاماً. بعد ذلك بأسابيع، أي خلال شهر نيسان الفائت، أعلنت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية السورية عن تصدير شحنة فوسفات عبر ميناء طرطوس، لأول مرة منذ سقوط النظام السابق. ولم يرافق ذلك أي إعلان أو تصريح يتعلق بمصير استثمار "ستروي ترانس غاز" لمناجم الفوسفات بتدمر لـ50 عاماً بموجب عقدٍ وقّعته مع نظام الأسد عام 2018. إلا أن إعلان الإدارة السورية الجديدة عن مزايدة لبيع عشرات آلاف الأطنان من الفوسفات الرطب من مناجم الفوسفات بتدمر، ومن ثم الإعلان عن مناقصات لإنتاج الفوسفات، كان مؤشراً يشي بقوة إلى أن عقد الاحتكار الروسي الشهير لفوسفات الشرقية بتدمر، قد ذهب أدراج الرياح هو الآخر.
آخر الخسارات الروسية المؤكدة، هو ميناء طرطوس، الذي منحه نظام الأسد لـ"ستروي ترانس غاز" عام 2019، لـ49 عاماً. فقد أصبح الميناء استثماراً إماراتياً. وتُعتبر استثمارات "ستروي ترانس غاز" أضخم الاستثمارات الروسية في سوريا. إذ تصعب الإشارة إلى استثمارات أخرى ذات شأن مقارنة بها. لكن، رغم ضخامة هذه الاستثمارات، من حيث القيمة المعلنة للتمويل المتفق عليه فيها -نصف مليار دولار في حالة ميناء طرطوس- إلا أن الشركة الروسية لم تلتزم ببنود تطوير البنية التحتية وحجم الإنتاج في معظم هذه المشاريع. وفي حالة ميناء طرطوس، تذرعت الإدارة السورية الجديدة بصورة واضحة بهذه النقطة، في إعلان فسخها لعقد استثمار الشركة الروسية للميناء، في 22 كانون الثاني الفائت. وينطبق ذلك على الشركة العامة للأسمدة بحمص، بمعاملها الثلاثة، التي لم تلتزم الشركة الروسية ببنود صيانتها وزيادة الإنتاج فيها، حتى أدى ذلك إلى ارتفاع أسعار الأسمدة في الأسواق السورية بصورة غير مسبوقة. وبهذا الصدد، يمكن الإشارة إلى أن حكومة نظام الأسد، في كانون الأول 2023 كانت بصدد وقف تزويد "ستروي ترانس غاز" بالغاز الضروري لتشغيل معمل الأسمدة بحمص، على خلفية تفاقم أزمة توافر الأسمدة بالسوق المحلية. وطلب رئيس الوزراء الأسبق، حسين عرنوس، يومها، من وزير الصناعة في حكومته، البحث عن خيارات بديلة، بعد الوصول إلى قناعة بأن العقد مع الشركة الروسية لم يحقق الجدوى الاقتصادية منه. أي أن حكومة النظام السابق كانت تتجه نحو إلغاء العقد، في حينها.
وهكذا، ورغم رسائل "خطب الود" الروسية حيال السلطة الجديدة في دمشق، تجنبت هذه الأخيرة الوقوع في الفخ الذي وقع فيه قبلها نظام الأسد. فروسيا أنقذت بشار الأسد من السقوط عسكرياً، بعيد تدخلها عام 2015، لكنها فشلت في إنقاذه من تداعيات الانهيار الاقتصادي اللاحق لذلك. وكانت تركة استثماراتها مُكلفة على المصلحة الوطنية السورية، وغير مجدية للاقتصاد السوري. ويمكن تذكر تبجح بشار الأسد، مراراً، بعيد العام 2018، بأن كعكة إعمار سوريا ستكون من نصيب الحلفاء (روسيا، إيران، والصين). لكن أياً من هؤلاء الحلفاء لم يسهم في إعمار سوريا، وتركوا كعكتها للخراب، حتى يئست الحاضنة الموالية للنظام منه، وانفضت عنه عشية سقوطه. وهو درس نراهن على أن الحكومة السورية الحالية تدركه جيداً. ومهما كانت أثمان الاتجاه غرباً، سياسياً، فهي ستبقى مجدية أكثر بلغة الاقتصاد، ومفيدة بصورة أكبر لحياة المواطن السوري المرهق.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

القناة الثالثة والعشرون
منذ 10 ساعات
- القناة الثالثة والعشرون
واشنطن تحذّر إسرائيل: سنتخلّى عنكم في هذه الحالة!
أفادت صحيفة "واشنطن بوست" عن مصدر مطلع بأن أعضاء في إدارة ترامب أخبروا إسرائيل بأن واشنطن ستتخلى عن الدولة العبرية إن لم تنه الحرب في قطاع غزة. وقال المصدر إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يستطيع إنها الحرب في غزة ومعه الأغلبية إن أراد ذلك، لكنه يفتقر (نتنياهو) لإرادة السياسية، على حد قوله. وأضاف قائلا أن "نتنياهو روّج لفكرة استئناف المساعدات في اجتماع مجلس الوزراء مساء الأحد على أنها مجرد مسألة شكلية". وتابع المصدر "ضغوط ترامب تزايدت في الأيام الأخيرة مع استدعاء إسرائيل عشرات الآلاف من جنود الاحتياط وتصعيدها قصف غزة واقترابها من نقطة اللاعودة في الحرب". وخلال الأسبوع الماضي، التزمت الحكومة اليمينية في إسرائيل صمتاً دبلوماسياً، في الوقت الذي أطلق فيه ترامب عاصفة من التصريحات التي هزت افتراضات الإسرائيليين إزاء مكانة بلادهم لدى أهم حلفائها، خصوصاً أنه تجاوز الدولة العبرية خلال زيارته الشرق أوسطية التي شملت السعودية وقطر والإمارات. ويواجه نتنياهو ضغوطاً من المتشددين الدينيين القوميين في حكومته الذين يصرون على مواصلة الحرب في غزة حتى إنزال هزيمة ساحقة بحماس، ومن باقي المواطنين الإسرائيليين الذين يتزايد ضيقهم بالصراع الدائر منذ أكثر من 18 شهراً. وانحاز نتنياهو حتى الآن إلى صف المتشددين. ويؤكد مسؤولون في إدارة ترامب على أن العلاقات الأميركية الإسرائيلية ما زالت قوية، لكنهم عبروا أحياناً عن خيبة أملهم تجاه نتنياهو في جلسات خاصة في وقت يسعى فيه ترامب للوفاء بوعد حملته الانتخابية بإنهاء الحروب في غزة وأوكرانيا بسرعة، وفق رويترز. ويريد المسؤولون من نتنياهو أن يعمل بجد أكبر للتوصل إلى وقف لإطلاق النار واتفاق مع حماس للإفراج عن الرهائن. وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جيمس هيويت: إن الإدارة الأميركية تواصل العمل مع إسرائيل لتحرير الرهائن الذين ما زالوا محتجزين في غزة وعددهم 58 وتعزيز الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط. وأضاف "لن تحظى إسرائيل بصديق في تاريخها أفضل من الرئيس ترامب". انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

القناة الثالثة والعشرون
منذ 10 ساعات
- القناة الثالثة والعشرون
سفير أميركي سابق: درّبنا أحمد الشرع لينتقل إلى السياسة (فيديو)
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب... انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب... كشف السفير الأميركي السابق لدى سوريا روبرت فورد عن أن جهّات دولية اختارت "هيئة تحرير الشام" بقيادة أحمد الشرع المعروف سابقاً بـ"الجولاني" كبديل سياسي في سوريا، بعد فشل المفاوضات مع نظام بشار الأسد. وقال خلال محاضرة دعا إليها مجلس العلاقات الخارجية في مدينة بالتيمور في ولاية ميريلاند الأميركية في 5 أيار/مايو إن "الهيئة خضعت لتدريبات مكثّفة على يد خبراء وسفراء وضباط استخبارات بريطانيين وأميركيين". وذكر أنّه التقى الشرع مرتين لتدريبه على هذه المهمة في عامي 2023 و2024 (قبل أشهر من دخوله دمشق). وفي المرة الثالثة، في كانون الثاني/يناير 2025، التقاه لمدة 10 أيام في القصر الرئاسي. وأوضح أن "التدريبات شملت جوانب سياسية واستراتيجية، وجرى تنفيذها عبر سلسلة لقاءات في محافظة إدلب، من دون تحديد تواريخ محدّدة". ولفت إلى أن "اختيار هيئة تحرير الشام يرجع إلى كونها الأكثر تنظيماً بين فصائل المعارضة". انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News


لبنان اليوم
منذ 11 ساعات
- لبنان اليوم
سعر الدولار اليوم في سوريا.. وكل ما يُشاع عن إصدار جديد لا يزال قيد الدراسة!
تنويه مهم: الأسعار المعروضة لسعر صرف الدولار في الجدول يتم تحديثها بشكل لحظي بناءً على أحدث البيانات المتوفرة. سعر صرف الدولار في سوريا آخر تحديث 19/05/2025 6:30 PM الدولار دمشق حلب 10000 10100 10000 10100 ادلب الحسكة 10000 10100 10300 10400 اليورو الليرة التركية 11248 11366 255 260 نشرة الصرف / المركزي السوري الدولار السعر الوسطي 11000 11100 11055 اليورو الليرة التركية 12279.85 12402.65 283.13 285.96 ملاحظة يمكنكم متابعة سعر الدولار و أسعار الذهب في سوريا خلال اليوم لحظة بلحظة عبر هذا الرابط إضغط هنا المركزي السوري ينفي تغيير العملة ويؤكد استمرار الطباعة بالتعاون مع روسيا نفى مصرف سوريا المركزي ما يتم تداوله من شائعات حول تغيير العملة السورية أو إصدار نسخة جديدة بالكامل، مؤكدًا في بيان رسمي أن هذه المسألة ما زالت قيد الدراسة ولم يُتخذ أي قرار بشأنها بعد. وأكد المصرف، في بيان نشرته وكالة الأنباء السورية الرسمية 'سانا'، أن عمليات طباعة العملة مستمرة بالتعاون مع شركة روسية سبق التعاقد معها، مشددًا على أن الطباعة تُجرى وفق أعلى المعايير الفنية والجودة، وضمن اتفاقيات رسمية تضمن سلامة الإجراءات وشفافيتها. كل ما يُشاع عن إصدار جديد لا يزال قيد الدراسة وأوضح المركزي أن ما يُنشر عبر بعض المنصات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي لا يعكس الواقع، وأن أي قرار بتغيير العملة أو إصدار فئة جديدة سيكون مسبوقًا باستكمال التقييمات الاقتصادية والفنية الضرورية، إلى جانب الإجراءات القانونية اللازمة. وجاء في البيان: 'نلتزم بالشفافية الكاملة، ونؤكد أن هذه الخطوة لا تزال في طور الدراسة، ولن يتم اتخاذ أي إجراء دون دراسة شاملة ومتأنية تأخذ بالاعتبار مختلف الأبعاد'. رد على تقارير 'رويترز' حول تغيير وجهة الطباعة تصريحات 'المركزي' جاءت ردًا على تقارير نشرتها وكالة 'رويترز' مؤخرًا، تحدثت عن وجود خطة سورية لطباعة العملة الجديدة في كل من الإمارات وألمانيا بدلاً من روسيا، ما أثار جدلًا واسعًا وتكهنات على مواقع التواصل بشأن مستقبل الليرة السورية. وفي المقابل، أكد المصرف أنه يراقب التطورات الاقتصادية عن كثب، ويتخذ إجراءات تهدف إلى تعزيز استقرار سعر الصرف ورفع مستوى الثقة بالليرة، في ظل الضغوط الاقتصادية والتحديات المتزايدة.