
تجارب فضائية أصبحت ممكنة على الأرض ومتاحة للعامة
مع دخولنا عصر السياحة الفضائية التي دشنتها شركات الفضاء الخاصة ذات الطابع التجاري، خاض كثير من الأثرياء حول العالم تجارب السفر إلى الفضاء مقابل كُلف مالية باهظة للغاية.
ولكن الأمر لم يعد مقتصراً على أثرياء العالم لتجربة مغامرات رواد الفضاء في غياهب الكون السحيق أو ما يسمى الوصول إلى حافة المدار الأرضي لكوكبنا، إذ دشنت "ناسا" ووكالات فضائية حكومية أميركية وأوروبية وآسيوية، إضافة إلى وكالات الفضاء الخاصة التجارية مثل "سبيس إكس"، عدداً غير قليل من الأماكن التي يمكن لزوارها الاستمتاع بعشرات التجارب التي تحدث في الفضاء من دون مغادرة سطح الأرض، وذلك عبر متاحف ومعارض خاصة برواد الفضاء ومعداتهم، ينتشر أبرزها في الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا وكازاخستان والصين واليابان.
جولات سياحية
كثير من التجارب التي يمر بها رائد الفضاء أثناء مهماته في الفضاء أصبحت متاحة على الأرض من خلال متاحف وجولات سياحية في مدن عدة حول العالم، وتؤكد مراجع علمية وسياحية أن السياحة الفضائية تبدو أقرب من أي وقت مضى إلى أن تصبح حقيقة واقعة، إذ لا يزال هناك كثير من التجارب التي حدثت في الفضاء خارج هذا العالم ويمكنك الحصول عليها من دون مغادرة الكوكب، فعلى سبيل المثال يعد "مركز كينيدي للفضاء" أحد أفضل مناطق الجذب في أورلاندو بالولايات المتحدة الأميركية، وستتاح للعامة فرصة التجول في تاريخ استكشاف الفضاء وإلقاء نظرة على رواد الفضاء المشهورين في قاعة المشاهير، والتعرف إلى الفريق الذي يقف وراء بعثات "أبولو" الفضائية، ويمكن الاستمتاع بتجربة الانطلاق إلى الفضاء من خلال تجربة إطلاق المكوك ولمس قطعة حقيقية من صخور القمر.
أماكن تحقق أحلام المسافرين في التحول إلى رواد فضاء عبر إنفاق مالي كبير (Shutterstock)
أشهر الوجهات
أوردت الكاتبة الصحافية ميغان إيفز عبر مجلةWanderlust" " السياحية قائمة تضم أشهر الوجهات التي تقدم مجموعة منوعة من التجارب الفضائية الأرضية التي يمكن أن تحقق أحلام المسافرين في التحول إلى رواد فضاء من دون إنفاق مالي هائل، ويتمثل في التوجه إلى حافة المدار.
وذكرت إيفز في مقالتها بعض الطرق التي يمكننا من خلالها عبور الحدود النهائية لهذه التجربة من مدون مغادرة سطح الأرض، وأولى هذه الوجهات هي مراكز الفضاء التابعة لـ "ناسا" في الولايات المتحدة الأميركية، إذ تبدأ الرحلة من حديقة الصواريخ في "مركز كينيدي للفضاء"، وتقول الكاتبة إنه "منذ نحو 50 عاماً نقل 'مركز كينيدي' للزوار تجربة حقيقية للفضاء من خلال الجولات والاختبارات التي لا تستثني أي جانب من جوانب الفضاء، من رؤية صواريخ طبق الأصل إلى المشاركة في تدريب رواد الفضاء، ومن الممكن حتى الاستمتاع بتجربة قاعدة المريخ لمدة يوم واحد، من خلال المساعدة في إدارة قاعدة فضائية وعيش تجربة حصاد الخضراوات خارج كوكب الأرض".
مراكز تابعة لـ "ناسا"
وفي أماكن أخرى من الولايات المتحدة تنتشر مراكز الفضاء التابعة لوكالة "ناسا" في كثير من الأنحاء، ويقدم كل منها نوعاً مختلفاً من الخبرة، إذ يتيح مركز "جونسون" للفضاء في هيوستن استكشاف منشأة تدريب رواد الفضاء، ومشاهدة صاروخ "Saturn-V" الضخم والتوجه داخل " "Mission Control حيث كان رائد فضاء "أبولو-13" جاك سويجيرت يخاطب مركز التحكم عندما نطق العبارة الشهيرة "هيوستن لدينا مشكلة".
وفي باسادينا كاليفورنيا يقدم مختبر الدفع النفاث جولات إرشادية مجانية في مركز الزوار والعرض الجذاب الذي يرسم استكشاف "ناسا" لأقمار وكواكب نظامنا الشمسي، إضافة إلى مرفق تجميع المركبات الفضائية، أما في هانتسفيل ألاباما فيعد مركز الفضاء والصواريخ الأميركي موطناً لواحدة من أكثر مجموعات القطع الأثرية الفضائية شمولاً، والتي يبلغ مجموعها أكثر من 1500 قطعة.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ميناء الفضاء الأوروبي
قد تبدو غيانا الفرنسية في البداية مكاناً غريباً لميناء الفضاء الأوروبي، لكن قربها من خط الاستواء يجعلها موقعاً أكثر كفاءة لإطلاق المركبات الفضائية بفضل دوران الأرض الذي يكون أسرع بكثير هناك، ويقدم هذا المركز الفضائي البعيد أيضاً واحدة من أكثر التجارب شمولاً في العالم، إذ تأخذك جولته المصحوبة بمرشدين وتستغرق ثلاث ساعات في جميع أنحاء المنشأة، مع زيارة منصة الإطلاق الضخمة.
قاعدة "بايكونور" في كازاخستان
إن أردت العودة إلى حيث بدأ كل شيء فعليك الذهاب إلى "قاعدة بايكونور الفضائية" في كازاخستان، فهي المكان الذي قام فيه يوري غاغارين برحلته التاريخية منذ عقود، وتقول ميغان عن ذلك الحدث التاريخي إن "هذه القاعدة في كانت يوم من الأيام بمثابة الجوهرة الساطعة في طموح الفضاء السوفياتي، وكانت محظورة على الزوار لأعوام عدة، ولكنها الآن مفتوحة لجولات مصحوبة بمرشدين"، مضيفة أن "الموقع ضخم وتساعدك الجولات على استيعاب كثير من منصات الإطلاق الـ 14 و34، إضافة إلى مجمع هندسي ومطارين، وستنظر إلى منصة الإطلاق ذاتها التي أقلع منها 'غاغارين' إضافة إلى الكوخ الذي تحصن فيه خلال الأيام التي سبقت إطلاقه التاريخي."
33 تجربة
من خلال موقع دليل الرحلات السياحية الفضائية spacetourismguide.com ، رصدت إحدى المغامرات 33 تجربة فضائية قامت بها مراكز محاكاة على الأرض، وتقول محبة تجارب الفضاء الأرضية هذه في مقالة طويلة شرحت عبرها ملابسات اقتحامها لهذا المجال قبل أعوام عدة، إنه "منذ أن كنت صغيرة كنت من محبي فكرة وضع قوائم التجارب السياحية، وكانت لدي تجارب كثيرة وضعتها على تلك القائمة لأعوام مع أنشطة مختلفة، ومع تقدمي في السن بدأت في فصلها لتجربتها في الحياة، وكانت أهمها إنجازات الحياة والسفر والفضاء، وفي النهاية أخذت كثيراً من أحلامي الفضائية المضحكة والممتعة وحولتها إلى رحلات حقيقية من خلال تنفيذ قائمة السياحة الفضائية".
دور وكالات الفضاء التجاري
وحول دور وكالات الفضاء التجاري وأهمها "سبيس إكس" في إحداث نقلة نوعية في مجال السياحة الفضائية، تقول المجلة "تاريخياً لم تكن مشاهدة الهبوط شيئاً ممكناً لأن حكومات العالم المختلفة فقط هي التي أطلقت الصواريخ إلى الفضاء، ولكن بفضل 'Space-X' والتطور المتزايد لصناعة الفضاء التجارية أصبح لدينا الآن وصول أكبر بكثير لمشاهدة عمليات الإطلاق والهبوط على الأرض أو حتى في الماء".
وأخيراً فمن أهم الأشياء التي تثير الزوار لهذه الأماكن مشاهدة إطلاق صاروخ من قرب، إذ من المذهل حقاً مشاهدة جسم من صنع الإنسان يتحدى الجاذبية التي ظلت لقرون إحدى حقائق الفيزياء التي لا يمكن التغلب عليها.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق السعودية
منذ 18 ساعات
- الشرق السعودية
سامسونج تدخل سباق استكشاف الفضاء
بدأت شركة سامسونج (Samsung C&T Corp)، إجراء بحوث مبكرة ضمن مشروعها "المصنع الفضائي"، بهدف إنشاء منشأة متكاملة لإطلاق الصواريخ، وفق مصادر مطلعة. وبحسب تقرير لموقع KedGlobal الكوري، تجري الشركة الكورية مفاوضات مع قسم هندسة الطيران والفضاء في جامعة سول الوطنية، بهدف تأسيس مركز أبحاث وتطوير متخصص يُعنى ببناء منصة لإطلاق الصواريخ. ويُعد المشروع هو الأول من نوعه ضمن استراتيجية "سامسونج" لتوسيع نطاق أعمالها في قطاع الفضاء، الذي يعتبره الخبراء مجالاً واعداً لا يزال مفتوحاً أمام الشركات الجديدة، ويمنح كوريا الجنوبية فرصة لتحقيق ميزة تنافسية باعتبارها "الداخل الأول" في هذا السوق. وكانت "سامسونج إلكترونيكس" قد استقطبت، في وقت سابق من العام، عدداً من الخبراء في مجال الفضاء، لأول مرة في تاريخها، للعمل ضمن "سامسونج ريسيرش"، الذراع البحثية للمجموعة. ويرى متخصصون في قطاع الفضاء أن البنية التحتية الفضائية، بما في ذلك منصات الإطلاق ومكونات المركبات الفضائية، قد تمثل محرك النمو الجديد للاقتصاد الكوري الجنوبي، في الوقت الذي تسعى فيه البلاد للحاق بالقوى الفضائية الكبرى عالمياً. تعاون مع "ناسا" وفي تطور نوعي، وقّعت "سامسونج إلكترونيكس" في 7 مايو الجاري، اتفاقية تعاون مع "معهد كوريا لعلوم الفلك والفضاء" (KASI)، لتطوير حمولة ثانوية تُعرف باسم "K-Rad Cube"، وهي قمر اصطناعي صغير من طراز "CubeSat"، سيتم حمله ضمن رحلة اختبارية لمهمة "أرتميس 2" التابعة لوكالة الفضاء الأميركية "ناسا". وأوضح المعهد، في بيان، أن الاتفاقية تهدف إلى اختبار الجيل الجديد من أشباه الموصلات التي تطورها "سامسونج" داخلياً، في بيئة فضائية ذات إشعاع عالٍ، ضمن المدار الأرضي المرتفع. وفي السياق نفسه، أعلنت "إدارة برنامج اقتناء الدفاع" في كوريا الجنوبية (DAPA)، أنها ستعمل على توطين إنتاج خمسة أنواع من أشباه الموصلات الدفاعية المخصصة للفضاء، من بينها الدوائر المتكاملة الميكروية الأحادية (MMICs) وأجهزة الاستشعار الجيروسكوبية، لاستخدامها في الأقمار الاصطناعية وجيل جديد من المقاتلات. سوق خدمات الإطلاق الفضائي وتشير تقديرات شركة Precedence Research إلى أن سوق خدمات الإطلاق الفضائي في الولايات المتحدة سيشهد نمواً من 5.1 مليار دولار في عام 2025، ليصل إلى 18.7 مليار دولار بحلول عام 2034، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 13.7%. وبحسب Seraphim Space، وهي شركة استثمار متخصصة في قطاع الفضاء، من المتوقع أن تصل القيمة السوقية لصناعة الفضاء عالمياً إلى تريليون دولار خلال العقد المقبل، مع دخول جهات غير تقليدية من خارج قطاع الفضاء للمساهمة في هذا النمو. ومنذ عام 2019، سجل قطاع خدمات الإطلاق الفضائي نمواً سنوياً بلغ متوسطه 10%، وفقاً لـ"رابطة صناعة الأقمار الاصطناعية" الأميركية. ميزة تنافسية كورية يرى خبراء أن كوريا الجنوبية تملك فرصاً واعدة لتصبح لاعباً رئيسياً في سوق بناء منصات الإطلاق الفضائية، مدفوعة بخبرتها الواسعة في تشييد الأبراج شاهقة الارتفاع، والمنشآت الصناعية المعقدة في البيئات القاسية، مثل القطب الشمالي والمياه العميقة. وفي خطوة تعكس الاهتمام المتزايد بالاستثمار في شركات الفضاء الناشئة، شاركت Samsung Venture Investment Co، يناير الماضي، في جولة تمويلية من الفئة المتأخرة بقيمة 170 مليون دولار لشركة "Loft Orbital"، وهي شركة أميركية ناشئة في مجال الأقمار الاصطناعية مقرها وادي السيليكون، وتضم ضمن عملائها "مايكروسوفت"، و"ناسا"، و"وكالة الفضاء الأوروبية"، و"BAE Systems" أكبر مقاول دفاعي في أوروبا. ومن المقرر أن تطلق "Loft Orbital" خلال العام الجاري عدة مجموعات من الأقمار الاصطناعية لمهام مراقبة الأرض.


الشرق الأوسط
منذ 19 ساعات
- الشرق الأوسط
المريخ كما لم نعرفه... أمطار وثلوج غيَّرت وجه الكوكب الأحمر
تفيد دراسة جديدة بأنَّ كوكب المريخ ربما شهد، في حقبة سحيقة، مناخاً دافئاً ورطباً نسبياً، ساعد على تساقط الأمطار والثلوج وجريان الأنهر، ما أسهم في تشكيل تضاريس تختلف جذرياً عن المشهد القاحل والمتجمّد الذي نعرفه اليوم. وتصوّرت الدراسة، التي نقلتها «الإندبندنت» عن مجلة «البحوث الجيوفيزيائية»، كوكباً أحمر تغذّت فيه مئات البحيرات من أنهر انحدرت عبر الوديان. ورغم الدلائل على وجود الماء على سطح المريخ منذ نحو 4 مليارات سنة، لا يزال مصدره موضع تساؤل. فنظريات تشير إلى أنَّ المريخ كان دائماً بارداً وجافاً، مغطّى بالثلوج، بينما تُرجّح أخرى أنه مرّ بفترات دفء قصيرة ساعدت على ذوبان القمم الجليدية التي غطّت مساحات شاسعة منه حتى خطّ الاستواء، فأنتجت ماءً جارياً لفترات متقطّعة. الدراسة الأخيرة اختبرت فرضيتَي «الدفء والرطوبة» مقابل «البرودة والجفاف»، مُستخدمةً محاكاة حاسوبية لدراسة كيفية تأثير المياه في سطح الكوكب قبل مليارات السنوات. وخلُص الباحثون إلى أنَّ أنماط الوديان ومنابع الأنهر الحالية قد تكون تشكّلت نتيجة لتساقطات مطرية أو ثلجية. فتقول إحدى المُشاركات في البحث من جامعة كولورادو في بولدر، أماندا ستيكل: «يمكنك أن تُطالع صوراً من (غوغل إيرث) لأماكن مثل يوتاه، ثم تقارنها بصور المريخ لتجد تشابهاً لافتاً. يصعب إصدار أحكام قطعية، لكننا نرى هذه الوديان تبدأ من ارتفاعات واسعة النطاق، ويصعب تفسير ذلك بذوبان الجليد وحده». يدعم صور الأقمار الاصطناعية هذا التصوُّر أيضاً، إذ تُظهر شبكات من القنوات تتفرّع من المرتفعات القريبة من خطّ الاستواء، في نمط يُشبه جذور الأشجار، ويُعتقد أنها كانت تصبُّ في بحيرات أو حتى محيطات قديمة. تستكشف مركبة «بيرسيفيرانس» التابعة لوكالة «ناسا» حالياً موقع إحدى هذه البحيرات القديمة داخل فوهة يُرجح أنها استضافت نهراً رئيسياً قبل 4.1 إلى 3.7 مليار سنة، في العصر النوشياني. ويؤكد برايان هاينك، المُشارك في إعداد الدراسة: «لترسيب هذا النوع من الصخور، ثمة حاجة إلى مياه جارية بعمق أمتار». الكوكب الأحمر تغذَّت فيه مئات البحيرات (ناسا) واستخدم الفريق نموذجاً رقمياً لمحاكاة مشهد من سطح الكوكب بالقرب من خطّ الاستواء. أُضيفت إلى هذا النموذج مياه متخيَّلة ناتجة عن أمطار ذائبة أو غطاء جليدي، لتقييم تأثيرها في التضاريس عبر آلاف السنوات. أظهرت هذه المحاكاة تنوّعاً لافتاً: عند افتراض ذوبان القمم الجليدية، ظهرت منابع الوديان على ارتفاعات شاهقة، فيما أدّت سيناريوهات الأمطار إلى توزيع أوسع لتلك المنابع، من ارتفاعات منخفضة إلى ما يفوق 3350 متراً. وبينما بدت القمم الجليدية محدودة التأثير في نطاق ضيّق من الارتفاعات، فإنّ هطول الأمطار أتاح تشكُّل الوديان عبر مساحات أوسع. وعند مقارنة النتائج بالبيانات الحقيقية من مركبات «ناسا»، وجد الباحثون أنّ السيناريوهات التي تضمّنت هطول الأمطار تتطابق بشكل أوثق مع الكوكب الأحمر الحقيقي. ورغم أنّ الدراسة لا تقدّم «كلمة الفصل» في فَهْم مناخ المريخ القديم، فإنها تفتح باباً جديداً لفَهْم تطوّره. يقول هاينك: «بمجرّد توقُّف التآكل بفعل تدفُّق المياه، تجمَّد المريخ تقريباً في تلك اللحظة الزمنية، وربما لا يزال يحتفظ بوجه شبيه بالأرض كما كانت قبل 3.5 مليار سنة».


الشرق الأوسط
منذ 19 ساعات
- الشرق الأوسط
اكتشاف مجرّة أضخم من «درب التبانة» بـ11 مليار سنة
اكتشف علماء الفلك مجرةً ضخمة تُشبه إلى حدّ كبير مجرّتنا، «درب التبانة»، لجهة الشكل، لكنها تفوقها حجماً بكثير، ويعود تاريخها إلى فجر الكون قبل 11.1 مليار سنة. وتُقدّم هذه المجرّة التي أُطلق عليها اسم «J0107a»، لمحة عن زمن لم يكن عمر الكون فيه يتجاوز خُمس عمره الحالي. وكشفت عمليات الرصد التي أجراها مرصد «ألما» في جبال الأنديز بتشيلي، وتلسكوب «جيمس ويب» الفضائي التابع لوكالة «ناسا»، أنّ للمجرة بنيةً حلزونية مدهشة، مع وجود شريط مركزي من النجوم والغاز، وهي سمة تُميّز «درب التبانة». لكن أوجه الشبه تتوقّف عند هذا الحدّ، فمجرّة «J0107a» تتفوّق على مجرّتنا لجهة الحجم، إذ يزيد وزنها بأكثر من 10 أضعاف وزن «درب التبانة»، كما أنّ معدل تكوّن النجوم فيها أعلى بنحو 300 مرّة. ورغم هذا النشاط الكبير والكتلة الضخمة، فإنها أكثر تماسكاً وأصغر حجماً من «درب التبانة». ويُثير اكتشاف مجرّة بهذه الضخامة والنضج في مرحلة مبكرة جداً من عمر الكون تساؤلات مثيرة حول سرعة تكوين المجرّات وطرائقها. وقال عالم الفلك شواو هوانغ، من المرصد الفلكي الوطني في اليابان، المؤلّف الرئيسي للدراسة التي نقلتها «الإندبندنت» عن مجلة «نيتشر»، إنّ هذه المجرّة «عملاقة مثل الوحش، وتتمتّع بمعدّل تكوين نجوم مرتفع جداً وكمية هائلة من الغاز، تفوق بكثير ما نراه في المجرّات الموجودة اليوم». ومن جانبه، قال المؤلّف المُشارك في الدراسة توشيكي سايتو، من جامعة شيزوكا اليابانية: «هذا الاكتشاف يطرح سؤالاً مهماً: كيف تشكّلت مجرّة بهذا الحجم الهائل في كون كان لا يزال في بداياته؟». وبينما ثمة اليوم بعض المجرّات التي تمرّ بمعدلات تكوين نجوم مماثلة لـ«J0107a»، فإنّ معظمها تقريباً في حالة اندماج أو تصادم مجري، وهو ما لم يُلاحظ في حالة هذه المجرّة. وأضاف سايتو: «كلاهما ضخم، ويمتلك بنية شريطية مماثلة، لكنّ مجرّة (درب التبانة) حظيت بوقت كافٍ لتطوير هذه البنية الضخمة، في حين لم تتح هذه الفرصة لـ(J0107a)». وقبل 13.8 مليار سنة، كانت المجرّات كيانات مضطربة وغنية بالغاز أكثر بكثير من المجرّات الحالية؛ وهي عوامل عزَّزت انفجارات شديدة لتكوين النجوم. ورغم أنّ المجرّات ذات البنية شديدة التنظيم، مثل الشكل الحلزوني لمجرّة «درب التبانة»، أصبحت شائعة اليوم، فإنّ هذه لم تكن الحال قبل 11.1 مليار سنة. وأوضح هوانغ: «مقارنة بالمجرّات العملاقة الأخرى في بدايات الكون المُبكرة التي غالباً ما تكون أشكالها مضطربة أو غير منتظمة، من غير المتوقَّع أن تبدو المجرّة (J0107a) مشابهة جداً للمجرّات الحلزونية الموجودة اليوم». وتابع: «قد يتطلّب هذا إعادة النظر في النظريات المتعلّقة بتكوُّن بنى المجرّات الحديثة». وكشف تلسكوب «جيمس ويب»، خلال تحليله المسافات الشاسعة للعودة إلى بدايات الكون، عن أنّ المجرّات ذات الشكل الحلزوني ظهرت في وقت أبكر بكثير مما كان يُعتقد، وتُعدّ المجرّة «J0107a» الآن واحدةً من أقدم الأمثلة المعروفة على المجرّات الحلزونية ذات الشريط. ويُعتَقد أن نحو ثلثَي المجرّات الحلزونية التي نراها اليوم تمتلك شريطاً مركزياً، يعمل «حاضنة نجمية»؛ إذ يجذب الغاز من الأذرع الحلزونية إلى مركز المجرّة، فيتجمع بعض هذا الغاز ليُشكّل سُحباً جزيئية تتقلَّص بفعل الجاذبية، حتى تُكوِّن مراكز صغيرة تسخن وتتحوَّل إلى نجوم جديدة. ويبلغ طول الشريط في «J0107a» نحو 50 ألف سنة ضوئية، وهي مسافة هائلة تُضيء على مدى ضخامة هذه المجرّة. وختم سايتو: «رغم أنّ (جيمس ويب) بات يدرس أشكال المجرّات الضخمة المبكرة بشكل مكثَّف مؤخراً، فإنّ فهمنا لديناميكياتها لا يزال ضعيفاً».