
قضاء ألمانيا يحكم بعدم قانونية إعادة طالبي اللجوء عند الحدود
قضت محكمة الاثنين بأن سياسة الحكومة الألمانية الجديدة القائمة على إعادة طالبي اللجوء عند حدودها مخالفة للقانون، في ضربة لأحد أبرز إجراءات المستشار المحافظ فريدريش ميرتس.
وقالت محكمة برلين الإدارية -في بيان- إنه "لا يمكن إعادة الأشخاص الذين يعربون عن رغبتهم في طلب اللجوء وهم عند نقطة تفتيش حدودية في الأراضي الألمانية" قبل أن يتم تحديد الدولة المسؤولة عن معالجة الطلب بناء على نظام "دبلن".
ويأتي قرار الاثنين بعد طعن تقدّم به 3 صوماليين مروا بتدقيق للهجرة عند محطة قطارات عند الحدود البولندية، وعبّروا عن رغبتهم في طلب اللجوء، لكنهم أُعيدوا إلى بولندا في اليوم ذاته.
وأُدخلت السياسة الجديدة القائمة على إعادة جميع المهاجرين غير الموثّقين تقريبا عند الحدود الألمانية، منهم طالبو اللجوء، بعد مدة قصيرة على تولي حكومة ميرتس السلطة مطلع الشهر الماضي.
وشكّلت مسألة الحد من الهجرة غير النظامية جزءا أساسيا من حملة ميرتس في انتخابات فبراير/شباط العامة.
وشهدت الانتخابات تحقيق حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتشدد أفضل نتيجة له على الإطلاق بلغت أكثر بقليل من 20%، في حين يصر ميرتس على أن التحرّك بشأن الهجرة هو السبيل الوحيد لوضع حد لصعوده.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 5 ساعات
- الجزيرة
محكمة ألمانية تقضي بالسجن مدى الحياة لقائد مليشيا تابع للأسد
أصدرت محكمة ألمانية حكما بالسجن مدى الحياة بحق قائد سابق لمليشيا سورية تدعم الرئيس المخلوع بشار الأسد لارتكابه "جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية" خلال الحرب السورية. ودانت محكمة مدينة شتوتغارت في جنوب غرب البلاد أمس الثلاثاء المقاتل السابق البالغ 33 عاما بارتكاب جرائم من بينها القتل والتعذيب والخطف بين عامي 2012 و2014. وأفادت المحكمة في بيان بأن جلسات الاستماع التي بدأت في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2024 تخللتها إفادات لحوالي 30 شاهدا، معظمهم يتحدرون من سوريا وأتوا من أنحاء مختلفة من العالم، بعضهم من البرازيل وبلجيكا وهولندا، وحضر الجلسات أيضا ضحايا لهذه الجرائم. وأتاح سقوط بشار الأسد الذي أُطيح في ديسمبر/كانون الأول 2024، وبات لاجئا في روسيا، للشهود خلال المحاكمة تقديم أدلة جديدة ضده، منها صور ومقاطع فيديو لمراكز احتجاز ومنازل محروقة. هجمات ليلية ووصفت المحكمة المتهم بأنه زعيم فصيل شيعي كان نشطا في مدينة بصرى الشام بجنوب سوريا ومدعوما من حزب الله اللبناني. ووفقا للمحكمة، تعاونت هذه المجموعة بشكل فاعل مع نظام الأسد المخلوع "عبر تنفيذ هجمات عديدة، وترهيب السكان المدنيين السنّة المحليين الذين يُعتبرون معارضين للنظام"، بهدف دفعهم إلى الفرار من المدينة. وأشارت محكمة شتوتغارت إلى أن مسلحي الفصيل المذكور "كانوا يقتحمون منازل المدنيين السنّة في الليل ويسحبونهم من غرفهم، ثم يجمعونهم في الفناء أو في الشارع". وخلال هجوم في أغسطس/آب 2012 نفذه أكثر من 20 عنصرا من عناصر المليشيا مسلحين ببنادق كلاشنيكوف، قُتل طالب يبلغ 21 عاما بالرصاص، ونُهب منزله وأُضرمت فيه النيران، وفقا للمحكمة. وكانت والدة الضحية وشقيقه طرفين مدنيين في المحاكمة، كما أدين المتهم باعتقال مدنيين سُنة وإساءة معاملتهم طوال العامين التاليين، وتسليمهم للمخابرات العسكرية السورية التابعة للنظام المخلوع التي مارست التعذيب بحقهم لاحقا. وذكرت المحكمة أن هؤلاء احتُجزوا في ظروف مروعة في مراكز احتجاز مختلفة. ولم يتسنّ معرفة ما إذا كان الحكم الصادر ضد قائد المليشيا السابق التابع للأسد قطعيا أم يخضع لدرجات تقاض أخرى. ولاحقت السلطات الألمانية قضائيا عددا من المشتبه بارتكابهم جرائم خلال الصراع في سوريا بناء على مبدأ الاختصاص القضائي العالمي، حتى بعد إطاحة الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي. ووصل بعضهم إلى ألمانيا خلال أزمة الهجرة الكبرى في عامي 2015 و2016، عندما لجأ أكثر من مليون سوري وأفغاني وعراقي إلى البلاد. قضايا جارية وفي محاكمة شتوتغارت، أُلقي القبض على المتهم في جنوب ألمانيا في ديسمبر/كانون الأول 2023. وفي أول محاكمة دولية تُعقد في ألمانيا بشأن انتهاكات نظام بشار الأسد، حُكم على أنور رسلان ، الضابط الكبير السابق في أجهزة المخابرات السورية، في يناير/كانون الثاني 2022 بالسجن مدى الحياة بتهمة قتل 27 سجينا وتعذيب ما لا يقل عن 4 آلاف آخرين في فرع الخطيب السيئ الصيت بدمشق في عامي 2011 و2012. ولا تزال محاكمات أخرى جارية في البلاد؛ ففي فرانكفورت يُحاكم طبيب سوري سابق منذ عام 2022 بتهمة تعذيب مدنيين وقتلهم أثناء عمله في مستشفيات عسكرية تابعة للنظام المخلوع. كذلك تجري محاكمات على خلفية جرائم ارتُكبت في سوريا في أماكن أخرى من أوروبا، لا سيما في فرنسا والسويد. وفي حين أن كثيرا من السوريين بألمانيا قد أبلغوا المحاكم في السنوات الأخيرة عن مشتبه بهم في ارتكاب انتهاكات في وطنهم، فإن سقوط بشار الأسد هدّأ مخاوف بعض ممّن كانوا يخشون تعريض أحبائهم في سوريا للخطر، وفق منظمات حقوقية. وأدى النزاع في سوريا، الذي اندلعت شرارته باحتجاجات سلمية قُمعت بعنف من قبل النظام المخلوع عام 2011، إلى مقتل أكثر من نصف مليون شخص، ونزوح الملايين، وتدمير اقتصاد البلاد وبنيتها التحتية.


الجزيرة
منذ 6 ساعات
- الجزيرة
الأقل من نوعه.. تدن في مستوى تأييد الأوروبيين لإسرائيل منذ حرب غزة
لندن- في الوقت الذي يسعى فيه الساسة الأوروبيون لتوحيد مواقفهم المنقسمة منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة للضغط على تل أبيب لإنهائها، يبدو أن التحولات في الرأي العام الأوروبي أيضا لا تهدأ وتتجه بثبات نحو مزيد من الرفض لسياسات الاحتلال التي لم تعد ترق لشرائح واسعة منهم. وكشف استطلاع للرأي أجرته مؤسسة يوغوف البريطانية، وهي مؤسسة أبحاث مستقلة، عن تدن غير مسبوق في مستوى تأييد الأوروبيين لإسرائيل، هو الأقل من نوعه منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة قبل 20 شهرا. وأشارت الدراسة إلى أن نحو ربع المستطلعين فقط في فرنسا وألمانيا والدانمارك ما زالوا يبدون دعمهم لإسرائيل، في حين لم تتجاوز تلك النسبة 18% في بريطانيا، وتقلصت إلى 9% في إيطاليا. واعتمدت الدراسة في تحليل خلاصاتها على استطلاعات رأي سابقة، قالت إن تأييد إسرائيل فيها كان يشير لنسب أكبر عن تلك التي سجلها الاستطلاع الحالي، في حين شمل البحث آراء الشارع في كل من بريطانيا وفرنسا وإسبانيا وألمانيا وإيطاليا والدانمارك. تغيير جذري وتظهر النتائج أن ما بين 13% و21% فقط من المستطلعين في كل دولة أوروبية كانت لديهم ردود إيجابيه بشأن إسرائيل وسياساتها ضد الفلسطينيين في غزة، وهي أدنى نسب مسجلة في استطلاعات الرأي منذ "أحداث 7 أكتوبر"، في حين تراوحت نسب الغاضبين من السياسات الإسرائيلية بين 63% و70% في كل بلد أوروبي. وتراوحت نسب المؤيدين للفلسطينيين بين 18% و33%، في تعاطف واضح وتأييد للسردية الفلسطينية للأحداث الجارية في غزة منذ عامين، في حين تراجعت نسب المتعاطفين مع الإسرائيليين إلى ما بين 7 و18% مقارنة مع ما كانت تشير إليه الاستطلاعات خلال الأشهر الأولى لبداية الحرب. هذا التراجع غير مسبوق في مستوى التأييد لإسرائيل في الدول الأوروبية، يأتي في سياق تطور لافت أيضا لمواقف النخب السياسية في هذه البلدان إزاء تفاقم المأساة الإنسانية في القطاع، وتبنيها لإجراءات عقابية في محاولة لردع إسرائيل عن مواصلة حربها ضد غزة. ويقول رئيس مجلس التفاهم العربي البريطاني، كريس دويل، للجزيرة نت، إن سياسات التجويع الإسرائيلية والاستهداف المتعمد للمدنيين في غزة دفعت قطاعا واسعا من الرأي العام الأوروبي لتغيير موقفه جذريا من الحرب على القطاع ومحاولة الضغط على الحكومات لوقف تلك الانتهاكات. وأضاف دويل، أن هذه الاستطلاعات مازالت تؤكد أن الهوة شاسعة بين مواقف الشارع الأوروبي والقرارات التي تتخذها الحكومات ضد إسرائيل والمدفوعة أحيانا كثيرة بأسباب انتخابية، حيث أصبحت القضية الفلسطينية عاملا لا يمكن تجاوزه في صناعة السياسات العامة في عدد من البلدان الأوروبية. تحول بمواقف النُخب وفي بعض الدول الأوروبية كألمانيا التي حافظت على موقف صلب داعم بشكل مطلق لإسرائيل طوال الأشهر الماضية، يبدو أن تغيرا طفيفا في موقف الحكومة الألمانية الذي بدأ يجاهر بدعوة إسرائيل لوقف العمليات العسكرية في غزة، يعكس أيضا تحولا في الرأي العام الألماني بشأن القضية الفلسطينية. حيث تقاربت حسب الاستطلاع نسب التأييد للفلسطينيين بنحو 18% ودعم الإسرائيليين بنسبة 17%، فيما يبدو أنه خفوت واضح لحدة الدعم الألماني لإسرائيل وعدم ممانعة ساستها في ارتكاب تل أبيب لجرائم ضد الفلسطينيين. وكان المستشار الألماني الجديد فريديريش ميرس قد انتقد بشكل غير مألوف السلوك العسكري الإسرائيلي، وقال إنه غير قادر على استيعاب الهدف من العمليات العسكرية التي لم يعد هدف محاربة الإرهاب و حماس مسوغا لها. وفي إيطاليا التي يقودها تيار اليمين الشعبوي المعادي للأجانب، صرَّح 24% من الإيطاليين أن إسرائيل أخطأت بدخولها غزة وشنها حربا عليها، وانخفضت نسبة التأييد لسياساتها إلى 52%. ويعقد الاستطلاع المقارنة بين النسب التي رصدتها نتائج استطلاعات سابقة في تلك الدول مع بداية الحرب الإسرائيلية ضد غزة، والقناعات التي انتهى إليها الرأي العام في هذه الدول بعد 20 شهرا على مرورها، حيث يرى عدد أقل من الأوروبيين أن استمرار العمليات العسكرية في غزة مازال له ما يبرره. ففي بريطانيا، قال 15% من المستجوبين إن إسرائيل أخطأت بدخولها قطاع غزة، فيما يرى 38% أن قواتها كانت تملك حق التدخل ولكنها بالغت في عملياتها وألحقت أضرارا غير مسبوقة ضد المدنيين، في حين أيد فقط 12% استمرار تلك العمليات إلى الآن. وكان رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر ، خلال عرضه لمراجعة خطط بلاده للدفاع، قد عبر مجددا عن غضبه من انزلاق الوضع الإنساني في غزة للأسوأ يوما عن آخر، داعيا الإسرائيليين لوقف العمليات العسكرية وإدخال المساعدات الإنسانية بالقدر والسرعة الكافية لوقف معاناة الفلسطينيين هناك. وزادت حدة لهجة نقد حكومة حزب العمال البريطاني للحليف الإسرائيلي، حيث أعلن وزير الخارجية ديفيد لامي قبل أيام تعليق محادثات التجارة الحرة مع إسرائيل وفرض حظر على بعض الأسلحة وعقوبات على مستوطنين. لكن نوابا مستقلين وآخرين محسوبين على تيار أقصى اليسار من حزب العمال، انتقدوا بشدة تأخر رد فعل صناع القرار السياسي في بريطانيا، في مجاراة إيقاع الشارع الغاضب من استمرار حرب الإبادة الجماعية في غزة، والذي لم يتوقف منذ 18 شهرا عن التظاهر للمطالبة بوقف الحرب وإنهاء التورط البريطاني في دعمها. ولم يفصح المسؤولون البريطانيون عن نواياهم بخصوص الاعتراف بدولة فلسطينية، فيما تكثف الدول الأوروبية جهودها لتنسيق مؤتمر دولي مرتقب في غضون أسابيع بقيادة فرنسية سعودية في نيويورك لدعم حل الدولتين. وفي فرنسا أيد 16% فقط، قرار إسرائيل شن حرب على غزة، بينما يرى فقط 29% أنه يمكن تحقيق سلام في المنطقة خلال السنوات العشر المقبلة، في الوقت الذي لم يستبعد فيه الرئيس الفرنسي الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة، وتخشى إسرائيل من اقتفاء دول أوروبية أخرى أثره. في السياق، يرى المحلل السياسي الفلسطيني، أكرم عطا الله، أن السلوك الإسرائيلي العدواني دفع المزاج الشعبي في أوروبا إلى رفض صريح للسياسات الإسرائيلية، والتبرؤ من حملة الإبادة الجماعية التي ستحفظ الذاكرة الإنسانية تفاصيلها وبشاعتها. ويقول إن الرأي العام الأوروبي تقدم بخطوات شاسعة على مواقف النخب السياسية الأوروبية المنددة أخيرا بحرب الإبادة في غزة بعد مرور أشهر عليها. ويشير عطا الله إلى أن هناك صداما ثقافيا واضحا بين الجيل الجديد من الأوروبيين، الذي لم يعد ملزما بقرارات حكوماته المنخرطة في دعم إسرائيل ودعاياتها المحرضة على الفلسطينيين، والجرائم المروعة التي ترتكبها وتصطدم مع الثقافة الأوروبية الناشئة بعد الحرب العالمية الثانية والمدافعة عن حقوق الإنسان والرافضة بشدة لتكرار فظاعات الاستعمار الغربي من جديد في مناطق أخرى من العالم.


الجزيرة
منذ 7 ساعات
- الجزيرة
"خلية النازيين".. كيف قتلت 9 مهاجرين مسلمين في 7 أعوام ؟
تعددت الأسباب التي ساقتها المخابرات الألمانية الداخلية (هيئة حماية الدستور) عندما قررت قبل أيام اعتبار حزب البديل"كيانا يمينيا متطرفا". الهيئة عنونت هذه الأسباب بتهمة لا يمكن ردّها لأنها تضرب في أساس المادة الأولى من القانون الأساسي الألماني (الدستور): "لا مساس بكرامة الإنسان". ولم يكتف القرار بتفنيد أيديولوجية هذا الحزب وتحديدا ما وصفه بـ"الفهم السائد في الحزب الذي يقوم على أساس عرقي ولا يتوافق مع النظام الديمقراطي الحر"، بل خص المسلمين تحديدا بالقول إن هذا الفهم "يهدف إلى إقصاء فئات معينة من المشاركة المتكافئة في المجتمع وتحديدا المهاجرين من بلدان مسلمة وإلى التعامل معهم على أنهم ليسوا مواطنين متساوين" مع "الألمان بالدم". واعتمدت المخابرات الألمانية في اتخاذ القرار على قراءة برامج الحزب وعلى تسجيلات لمسؤولين كبار فيه يحرضون على الخروج من خانة التصريحات والبدء في العمل الفعلي على "تنقية" المجتمع الألماني من "الغرباء". فمنذ تأسيس هذا الحزب في بداية 2013 وإفراز الوحدة الألمانية قبل أكثر من ثلاثة عقود أحزابا نازية حُلّ بعضها وحُظر بعض آخر دون رجعة، منذ ذلك الحين تعوّد الرأي العام في ألمانيا على خطاب لا يكتفي بالتحريض على فئات "غير نقية" في المجتمع الألماني، بل يدعو جهارا إلى استخدام العنف ضدها وفي بعض الأحيان صراحة إلى القتل. "على الأقل، لدينا الآن عدد كافٍ من الأجانب من أجل القول إن استنساخ الهولوكوست أصبح أمرا مجديا". (مارسيل غراوف، موظف وعضو في حزب البديل) "إطلاق اسم عبد على ذوي البشرة السوداء أمر صحيح". (توماس زايتس، نائب في البرلمان الألماني عن حزب البديل). "المشكلة الكبيرة هي اعتبار أن أدولف هتلر يجسد الشر المطلق". (بيورن هوكه، أحد أبرز قادة حزب البديل) 219 ضحية منذ 1990 هذه الدعوات شكلت منذ بدء الحكومة الألمانية عام 1990 إحصاء ما أصبح يعرف لاحقا بـ"جرائم الكراهية" أساسا نظريا ومرجعية لجميع الجرائم التي نفذها نازيون جدد ضد "الغرباء". وبينما تقول السلطات الألمانية إن عدد ضحايا الجرائم التي ارتكبها نازيون جدد على أساس العرق يبلغ منذ البدء عام 1990 في إحصاء هذه الجرائم 113 شخصا تؤكد منظمات متخصصة أبرزها مؤسسة "أماديو أنطونيو" أن العدد أكبر بكثير ويبلغ منذ العام المذكور 219 شخصا. ولأن السلطات الألمانية لم تكن قبل إعادة توحيد الألمانيتين تحصي أعداد "جرائم الكراهية"، فسيكتفي هذا التحقيق بذكر الجرائم التي تمت أرشفتها وسيفصل بشكل خاص في سلسلة ارتكبتها الخلية النازية المعروفة باسم "NSU" في غضون سبعة أعوام وراح ضحيتها تسعة مهاجرين مسلمين وشرطية. وبينما ينتاب المتابع شعور بالاشمئزاز عند المرور على الغالبية العظمى من الجرائم المذكورة، يتوقف حتميا عند قصة خلية "NSU"، وذلك ليس بسبب بشاعتها، بل لعدم قدرته على الإجابة عن أسئلة ما زالت تحيّر ألمانيا. فمنذ اكتشاف الخلية صدفةً عندما وجدت الشرطة اثنين من أعضائها مقتوليْن وزعْم الرواية الرسمية أنهما انتحرا، منذ ذلك الحين ما زالت ألمانيا تبحث عن إجابات عن أسئلة مفتوحة: كيف صال وجال نازيون جدد من أقصى جنوب ألمانيا إلى أقصى شمالها وقتلوا عشرة أشخاص بلا حسيب أو رقيب؟ وكيف بدأ وانتهى مسلسل القتل الذي استمر قرابة 7 أعوام؟ ولماذا سقط الإعلام الألماني لدرجة أن صحفا رزينة وكبيرة اخترعت المصطلح العنصري "جرائم الشاورما التركية" (Döner-Morde) من أجل توصيف هذه الجرائم؟ وما علاقة أجهزة المخابرات الألمانية بما حدث وهل تكونت الخلية من 3 أشخاص فقط أم أنها أكبر بكثير؟ ولأن هذه السلسلة تنطبق عليها جميع شروط القصة البوليسية المُبهمة، فسنبدؤها من حلقتها الأخيرة. الخطة (ب) "العقل المدبر" للخلية النازية "NSU"، بياته تشيبه (Beate Zschäpe) تصول وتجول في شقتها الواقعة في شارع "Frühlingsstr" بمدينة تسفيكاو في شرق ألمانيا وتحرص على البقاء بالقرب من جهاز راديو وضعته في المطبخ. بعد انقضاء المدة المتفق عليها لتفعيل الخطة (ب)، جاءها الخبر اليقين: "إضرام النار في منزل متنقل بعد فشل عملية سطو على أحد البنوك والعثور على جثتي المتهميْن بتنفيذ العملية بعد انتحارهما". تشيبه عرفت أن الحديث يدور عن رفيقيها في الخلية أوفي بونهارت وأوفي موندلوس اللذين أوكلت لهما مهمة السطو على أحد البنوك بمدينة آيزناخ المجاورة وعرفت فورا ما العمل. بدأت -كما قالت في التحقيقات التي أفرجت عنها المخابرات الألمانية الداخليةـ كرجل آلي بتطبيق الخطة المتفق عليها مع بونهارت وموندلوس: إخراج ظروف الأقراص المدْمجة من المخزن وتحضيرها للإرسال. البحث في الشقة عن أية مبالغ نقدية. وأهم شيء إخراج غالون البنزين المخصص لفرضية فشل عملية السطو ودلقه في الشقة تحضيرا لإضرام النار فيها. بعد تطبيق الخطة (ب) عن ظهر قلب وخطوة بخطوة، توجهت تشيبه إلى أقرب صندوق بريد وعبّأته بـ12 مظروفا احتوت على الأقراص المدّمجة وأرسلتها إلى القنصلية التركية في ميونِخ ولأحد المساجد في هامبورغ ولمجموعة من وسائل الإعلام الألمانية المختارة ولدار نشر تحسب على اليمين المتطرف. بهذا ضمنت تشيبه انتشار محتوى هذه الأقراص على نطاق واسع. في هذه الأقراص، وثّق "الثلاثي الإرهابي النازي" قتل 9 مهاجرين 8 منهم أتراك وواحد يوناني وشرطية في غضون 7 أعوام متتالية، و43 محاولة قتل وتفجيرين استهدفا في مدينة كولونيا بغرب ألمانيا مناطق مهاجرين، مما أدى إلى إصابة 23 شخصا بجروح خطيرة، و15 عملية سطو وكل ذلك تم توثيقه بأسلوب تهكمي على الضحايا وصلت فيه درجة السخرية إلى التقديم لجميع هذه الجرائم على لسان بطل الفيلم الكوميدي الأميركي النمر الوردي (The Pink Panther). بعد أربعة أيام وتحديدا في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 ظهرت تشيبه برفقة محاميها في قسم للشرطة بمدينة يينا، حيث سلمت نفسها. الخبر انتشر كالنار في الهشيم خاصة بعد بدء السلطات والإعلام الربط بين تسليم شابة في ربيع عمرها نفسها للشرطة وتسريبات حول ضلوعها في ارتكاب عشر جرائم قتل لأسباب عنصرية. كل ذلك أثار ضجة كان لها ما بعدها: بدء التحقيقات فيما عرف لاحقا في ألمانيا بـ"محاكمة القرن" التي انطلقت في مايو/أيار 2013 واستمرت حتى يونيو 2018 وكلفت 30 مليون يورو وشهدت 438 جلسة شارك فيها 60 محاميا و600 شاهد و95 مدعيا عاما و40 مخبرا سريا وأطنان من الأوراق والصور وفي خضمّ كل ذلك، متهمة بقيت حتى آخر جلسة "غير مبالية بآلام أسر الضحايا ومجرمة عن اقتناع" على حد وصف أنور أوزاتا، أحد محامي الضحايا في حديث مع الجزيرة نت. أوزاتا يقول إن دور تشيبه في الخلية كان "مركزيا تحديدا على صعيد التنظيم لأنها كانت مع أوفي بونهارت وأوفي موندلوس جزءًا من نواة الثلاثي الإرهابي الذي كان مندمجا في خلية أكبر تتحمل مسؤولية ارتكاب جميع هذه الجرائم". وعن مراقباته للمتهمة أثناء جلسات المحكمة، يقول أوزاتا إنه "راقب متهمة صمتت طوال جلسات المحكمة ـوهذا حقهاـ وعندما كانت تكسر صمتها، كنا نسمع كلاما لا يحظى بالثقة ولا يمكن تصديقه (...) لم نسمع شهادة ندم مثلا ولم نلمس اهتماما بإيضاح ملابسات الجرائم. تشيبه كانت مجرمة عن اقتناع بقيت حتى النهاية مخلصة لجرائمها". في جلسة النطق بالحكم، تحول محيط محكمة ولاية بافاريا العليا إلى غابة من الكاميرات. من ألمانيا وخارجها جاء آلاف الصحفيين الذين كانوا شاهدين على إصدار حُكم بالسجن مدى الحياة على تشيبه بتهم الانتماء للخلية الإرهابية "NSU" (Nationalsozialistischer Untergrund) والضلوع في ارتكاب عشر جرائم قتل والمشاركة في تنفيذ هجومين بالقنابل، وعلى أربعة آخرين بالسجن مدة تتراوح بين عامين ونصف و10 أعوام.المحامي الشاب أنور أوزاتا الذي ينحدر من أصول تركية وصف الحكم على الشكل التالي: "الحكم في بعض جزئياته كان إيجابيا وفي البعض الآخر كان سلبيا. الإيجابي هو الحكم على تشيبه بالسجن مدى الحياة. أما السلبي فهو عدم قدرة المحكمة على إيضاح ما حدث لذوي الضحايا الذين أرادوا معرفة من قتل ذويهم وما هو الحجم الحقيقي لهذه الخلية ولماذا تم اختيار آبائهم وأولادهم بالذات". كيف بدأ مسلسل القتل؟ في التاسع من سبتمبر/أيلول 2000، ناب تاجر الورود أنور شِمشِك عن أحد موظفيه في كشك لبيع الورود بالقرب من مدينة نورنبرغ بولاية بافاريا. أثناء ترتيب شِمشِك بضاعته، فاجأه رجلان وأصابوه من الخلف بعدة طلقات في الرأس، مما أدى إلى موته بعد يومين متأثرا بجراحه. بهذا يكون أول ضحية للخلية النازية تاجر ورود. قبل قرابة عام، زار معد التحقيق مسرح الجريمة، حيث قابل عبد الكريم شِمشِك بن أنور شِمشِك. عبد الكريم الذي أصبح شابا مكتمل الأوصاف بدا متماسكا لغاية سؤاله عن الشيء الذي يربطه بهذا المكان. حينها، رد بصوت مرتجف: "طفولتي (...) في هذه الساحة كنت ألعب وأقضي وقتا جميلا بجانب والدي واليوم أتيت إلى هنا شابا للمشاركة في تدشين هذه الساحة باسم أبي". بعد هذه الجريمة، توقف القتل لمدة قرابة 10 أشهر لغاية يونيو/حزيران من عام 2001 الشهر الذي قتل فيه الثنائي أوفي بونهارت وأوفي موندلوس الخياط عبد الرحيم أزودورو في معمله للخياطة بمدينة نورنبرغ، وفي الشهر ذاته قتل في هامبورغ في الشمال تاجر الخضار سليمان تاش كوبرو. وفي أغسطس/آب من العام ذاته قتلت الخلية ذاتها في ميونخ بالجنوب تاجر الخضار هابل قيلِش.بعدها أوقفت الخلية القتل مدة عامين ونصف تقريبا حتى قتل محمد تورغوت في أحد أكشاك بيع الشاورما التركية بمدينة روستوك في أقصى شمال ألمانيا. في يونيو من عام 2004 نفذت الخلية هجوما بالقنابل المسمارية على محلات لأتراك في مدينة كولونيا في الغرب، مما أدى إلى إصابة 23 شخصا بجروح خطيرة.في يونيو من عام 2005 عُثر على إسماعيل ياشار مقتولا في كشكه بمدينة نورنبرغ وبعد ستة أيام قتلت الخلية اليوناني تيودروس بولغاريدس في محله المتخصص في صناعة الأقفال. وفي أبريل/نيسان من عام 2006 قتل محمد كوباشك في كشكه الواقع بمدينة دورتموند في الغرب وخالد يوزغات في مقهى إنترنت بمدينة كاسل في الغرب أيضا. وفي أبريل/نيسان من عام 2007 أنهى بونهارت وأوفي موندلوس مسلسل القتل باغتيال الشرطية ميشيل كيزِفيتر وأصابوا ثلاثة زملاء لها بجروح خطيرة. مجرد أتراك بالنسبة لأسر الضحايا، شكلت هذه الجرائم مصيبتين. فمن ناحية، كان عليهم تحمل وقع قتل أولادهم وآبائهم بدم بارد ومن ناحية أخرى، خضعوا مدة أكثر من عشرة أعوام لتحقيقات استبعدت منذ البداية فرضية وقوف يمينيين متطرفين خلف الجرائم علما بأن دلائل كثيرة كانت تشير إلى ارتكابها وفق معادلة تلقائية معروفة وهي إذا كان الضحية مهاجرا فعلى الأغلب المنفذ يميني متطرف. بدلا من ذلك رجحت السلطات الألمانية فرضية ارتكاب هذه الجرائم على خلفية شبهات تتعلق بتجارة المخدرات والجريمة المنظمة والإدمان وحتى بالخيانة الزوجية. كل ذلك كان سببا في "قتل" أسر الضحايا اجتماعيا وعزلهم في محيطهم أو كما تقول سمية شِمشِك ابنة الضحية تاجر الورود أنور شِمشِك في كتاب نشرته في عام 2013: "قتلونا مرتين". تقول ابنة أول ضحية في كتاب "وطن مؤلم" إنها كانت في الـ14 من عمرها عندما عرفت عائلتها بقتل أبيها وبدلا من بدء السلطات الأمنية التحقيق في الاتجاه الصحيح، "اتهمتنا بارتباطنا بالمافيا وضايقتنا وتجسست علينا مدة 11 عاما ولم يسمح لنا بأن نكون ضحايا بضمائر نقية". ومما زاد الطين بلة قصر نظر الإعلام الألماني الذي اخترع المصطلح العنصري "" أو "جرائم الشاورما التركية" لتوصيف الجرائم علما بأن اثنين فقط من الضحايا كانا يعملان في أكشاك لبيع هذه الوجبة السريعة. صحيفة نورنبرغر تسايتونغ الصادرة في مدينة نورنبرغ التي كانت مسرحا للجرائم الأولى والثانية والسادسة ذهبت إلى أبعد من ذلك عندما تساءلت: "هل يدور الحديث هنا عن كشف مستودعات للمخدرات؟ بعض الإشارات تدلل على هذه النظرية. فخط الهيروين الذي يربط أوروبا الشرقية بهولندا ـتضيف الصحيفةـ يمر عبر نورنبرغ وخط الكوكايين الذي يربط هولندا بإيطاليا يمر أيضا عبر نورنبرغ". هذه الصحيفة وصحف أخرى عنونت افتتاحياتها بجميع الفرضيات الممكنة إلا فرضية واحدة وهي وقوف يمينيين متطرفين خلف هذه الجرائم. فبينما تحدثت الصحيفة الصفراء الكبيرة (بيلد) عن سلسلة جرائم على خلفية تجارة المخدرات، ربطت المجلة المحسوبة على اليسار الليبرالي (دير شبيغل) بين الجرائم ومافيا الرهانات. أحمد كولاشي، رئيس تحرير النسخة الألمانية من صحيفة حرييت التركية لا يريد الطعن في زملاء له يعملون في صحف ألمانية واكتفى بمعاتبتهم بأدب. يقول كولاشي في حديث مع الجزيرة نت إن "الخبر (الانتحار المزعوم للنازييْن واعتقال العقل المدبر للخلية) فاجأنا لأن السلطات والإعلام لم ينطلقا ولو للحظة واحدة من احتمال أن تكون خلفية هذه الجرائم يمينية متطرفة بل مما وصف حينها ولسنوات طويلة بـجرائم الشاورما التركية. بعدها قيل إن الأمر ربما يتعلق بخلافات بين أتراك وأكراد وربما بجرائم غسيل الأموال". يضيف كولاشي "منذ ارتكاب الجريمة الأولى في عام 2000 توقعنا ـلم نكن نعرف- وإنما توقعنا أن نازيين يقفون وراء الجريمة ونشرنا ذلك ولكن لم يأخذنا ويأخذ تقاريرنا حينها أحد على محمل الجد". ولم تكن الصحافة التركية في ألمانيا الجهة الوحيدة التي امتعضت من هذه الأحكام المسبقة ومن إعادة تدوير الحقائق. فبعد بدء الإعلام والسلطات التحقيق في أوساط عائلات الضحايا بدلا من تعزيز فرضية وقوف يمينيين متطرفين خلفها، تجمعت عائلات الضحايا وبدأت تنظيم المظاهرات والفعاليات من أجل لفت الانتباه لاحتمال وقوف نازيين خلف الجرائم وللمطالبة بإيضاح جميع ملابساتها. من الأمثلة التي يحتذى بها على صعيد إحقاق الحق قصة إسماعيل يوزغات الذي فقد ابنه خالد في أبريل/نيسان 2006 بمدينة كاسل ويناضل منذ أعوام من أجل تغيير اسم شارع في هذه المدينة إلى شارع خالد يوزغات. فما قصة هذا الرجل الذي بقي على قيد الحياة لأنه غاب لفترة وجيزة عن مقهى إنترنت كان يملكه في كاسل؟ وما قصة المخبر السري الذي كان في المقهى الذي قتل فيه الابن خالد وادعى أمام المحكمة أنه لم يسمع ولم ير شيئا؟ المخبر "الأطرش الأعمى" قصة قتل خالد يوزغات في مقهى والده بمدينة كاسل تقدم دلائل واضحة على المعرفة المسبقة للمخابرات الألمانية بهذه الجرائم. فما دور السلطات الألمانية في عمليات القتل؟ عندما أدلى إسماعيل يوزغات بشهادته في ميونِخ، وصلت المحكمة إلى درجة من العاطفية لم تشهدها في جلسات سابقة. بدأ بالحديث عن محاولته إنقاذ ابنه بعد العثور عليه في المقهى مضرجا بالدماء. وصف ابنه بأنه شهيد. انفعل. ثم قفز من منصة الشهود وصاح في وجه بياته تشيبه: "لماذا قتلت حمْلي؟". تشيبه شبّكت ذراعيها وحدقت غير مبالية في فراغ. ولكن السجال وصل إلى ذروته عندما كذّب الأب يوزغات المخبر السري أندرياس تِمه (Andreas Temme) الذي كان في المقهى عندما أجهز النازيان على ابنه برصاصتين في الرأس. تِمه الذي عمل لجهاز المخابرات الداخلي في ولاية هِسن بقي في ست جلسات وأمام عدة لجان تحقيق برلمانية متمسكا برأيه حتى آخر لحظة: لم أر ولم أسمع شيئا ولم أشم حتى رائحة البارود، فهل كانت هذه أول كذبة يحاول المخبر تمريرها في المحكمة؟ لاحقا، وصف المخبر السري مشاهداته في مسرح الجريمة بالقول إنه أغلق الكمبيوتر وهمّ بالخروج وعندما لم ير يوزغات الابن وراء طاولته، وضع على الطاولة خمسين سنتا وغادر المقهى علما بأن جثة خالد كانت ملقاة على الأرض وراء الطاولة مباشرة. الكذبة رقم 2؟. ورغم ذلك، برر القاضي مانفرِد غوتسل إعفاء المخبر من المسؤولية بالقول إن شهادته كانت "معقولة ومفهومة وتحظى بالمصداقية". جهات كثيرة لم تقتنع بهذه الرواية أبرزها المجموعة البحثية البريطانية المرموقة " Forensic Architecture" التي أعادت تصميم المقهى بجميع تفاصيله وحجمه الحقيقي (77 مترا مربعا) وأعادت تمثيل الدقائق التسع والنصف التي حدثت الجريمة في غضونها. ووفق تقرير المجموعة فإن النتائج التي تم التوصل إليها تؤكد أن المخبر رأى جثة خالد خلف الطاولة. وحول قوله إنه لم يسمع إطلاق النار، يقول التقرير إن خبراء السمعيات في المجموعة يؤكدون أن صوت الطلقتين "كفيل بإحياء الأموات" متسائلين "فما بالك إذا كان هذا المخبر يجلس على بعد أمتار؟". جميع هذه التناقضات تضعنا أمام أسئلة محيرة: هل وُجد المخبر السري صدفة في المقهى؟ وإن لم يكن الأمر كذلك، فماذا فعل هناك؟ لماذا كذب أمام المحكمة ولجان التحقيق؟ هل كان ضالعا بشكل أو بآخر في الجريمة؟ هذا كله وجميع الأسئلة المتعلقة بدور المخابرات الألمانية في سلسلة الجرائم بقيت حتى النهاية بدون إجابات. الانتحار المزعوم دليل دامغ آخر على ضلوع أو معرفة جهاز المخابرات الألماني الداخلي (BKA) بتفاصيل هذه الجرائم وقدرته على إحباطها وهو الشكوك المنطقية في صحة الرواية الرسمية التي ساقتها المخابرات أمام لجان التحقيق والمحكمة بخصوص انتحار النازيين. تقول السلطات الألمانية حول "الانتحار المزعوم" للإرهابيين موندلوس وبونهارت إنهما أنهيا هذه السلسلة بانتحارهما عام 2011، وذلك على الشكل التالي: موندلوس أطلق النار على بونهارت وقتله ثم أضرم النار في المنزل المتحرك وبعدها، أطلق النار على نفسه. للوهلة الأولى تبدو هذه الرواية منطقية وحدثت في المنزل المتحرك دون تدخل خارجي. ولكن مربط الفرس في غموض هذه الرواية هو السلاح المستخدم لتنفيذ خطة الانتحار وهو ما يعرف بـ"البندقية المضخية" أو بندقية الصيد (Pumpgun). هذه البندقية سلاح تكراري يبلغ طوله 70 سنتمترا ويتطلب بعد إطلاق الرصاصة الأولى تقديم وتأخير المقبض يدويا من أجل إسقاط الفارغ. عملية إسقاط الفارغ لا مناص منها من أجل إطلاق الرصاصة الثانية. والآن لنعد تمثيل عملية الانتحار بحسب الرواية الرسمية: موندلوس أطلق النار على صدغ بونهارت وأرداه قتيلا. ثم أخّر وقدّم المقبض يدويا لإسقاط الفارغ. بعدها أضرم النار في المنزل وأطلق النار على نفسه، لتنتهي عملية الانتحار المزدوج بنجاح. في هذه الحال، كم عدد الفوارغ التي يجب على الشرطة أن تعثر عليها ملقاة على الأرض؟ المنطق يقول فارغ واحد فقط لأن الموتى -حتى لو كانوا نازيين- لا يستطيعون تأخير وتقديم المقبض من أجل إسقاط الفوارغ. ولكن الشرطة تقول إنها وجدت فارغين. من هنا يحق للمراقب أن يسأل من أين أتى الفارغ الثاني ومن أخّر وقدّم المقبض لإسقاطه؟ وهل انتحر موندلوس وبونهارت أم اغتيلا؟ وإذا صحت الفرضية الأخيرة، فمن اغتالهما أو من له مصلحة في اغتيالهما؟ ولكن محاولات أجهزة المخابرات الألمانية إخفاء ما يمكن إخفاؤه وحماية عناصرها المتورطين بشكل أو بآخر في هذه الجرائم شملت كذلك إتلاف جبال من الوثائق وإخفاء الدلائل وتقديم شهادات كاذبة أمام المحكمة، وذلك كله رغم جميع الطمأنات التي كانت تصدر على لسان أرفع المسؤولين الألمان. "سنفعل كل شيء من أجل إيضاح ملابسات الجرائم وكشف المتواطئين والداعمين والفاعلين وإصدار العقوبات العادلة ضد جميع المتورطين". فهل أوفت رئيسة الحكومة الألمانية حينها بهذا التعهد وتحديدا بالجزئية المتعلقة بملاحقة جميع المتورطين؟ الأحكام التي صدرت في نهاية سجال قضائي استمر خمسة أعوام اقتصرت على محاكمة العقل المدبر للخلية تشيبه وأربعة آخرين، علما بأن نتائج عدة تحقيقات برلمانية خلصت إلى أن خلية "NSU" أكبر بكثير من ثلاثة أشخاص. علاوة على ذلك، يؤكد محامو الضحايا وعائلاتهم أن العدد بالفعل أكبر بكثير، ومحاولات المخابرات الألمانية والنيابة العامة عرقلة التحقيقات وإبعاد الشبهات عن دور عشرات المخبرين السريين الذين نشطوا في أوساط الخلية الأمر الذي يستحق وصف ما حدث بأنه "فضيحة" و"صفعة في وجوه الضحايا" حسب المحامي أنور أوزاتا. عائشة يوزغات، والدة الشاب خالد يوزغات عاتبتهم جميعا بعفّة وأدب قائلة في اليوم الأخير للمحكمة: "عملتم بنشاط كخلية نحل ولكنكم لم تنتجوا العسل".