
مِن رَوَائِعِ أَبِي الطَّيِّب (50)
مِن رَوَائِعِ أَبِي الطَّيِّب (50)
وَمَا زِلْنَا نَعْرِضُ أَعْجَازَ أَبْيَاتِ شِعْرٍ لِأَبِي الطَّيِّبِ الْمُتَنَبِّي، سَارَتْ أَمْثَالاً، فَقَدْ أَقَرَّ الْمُحِبُّ وَالْمُبْغِضُ بِأَنَّ مِنْ مَزَايَا شِعْرِ أَبِي الطَّيِّبِ، إِرْسَالُ الْمَثَلِ فِي أَنْصَافِ الْأَبْيَاتِ...
(141) وَشَرُّ مَا يَكْسِبُ الْإِنْسَانُ مَا يَصِمُ
يُمَهِّدُ أَبُو الطَّيِّبِ فِي هَذَا الشَّطْرِ لِصِيَاغَةِ مَفْهُومٍ جَلِيٍّ لِمَا يُسَمَّى فِي الْيَوْمِ بِصِيَانَةِ السُّمْعَةِ.
فِي عَالَمِ الْعِلَاقَاتِ الْعَامَّةِ، لَا يَكْفِي بِنَاءُ السُّمْعَةِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ صِيَانَتِهَا، تَمَاماً كَمَا تُصَانُ السُّمْعَةُ الشَّخْصِيَّةُ مِنَ الزَّلَلِ وَالخَلَلِ وَ الدَرَنِ.
وَبِالْعَكْسِ، يَجِبُ الْفِرَارُ مِنْ كُلِّ مَا يُلَطِّخُ هَذِهِ السُّمْعَةَ وَيَشُوبُهَا مِنَ الشَّوَائِبِ، وَالْعُيُوبِ. وَفِي هَذَا الْعَجُزِ يَتَحَدَّثُ الْمُتَنَبِّي مُحَذِّراً مِنْ خَدْشِ السُّمْعَةِ، فَمَا بَالُكَ بِجَرْحِهَا؟!
الشَّرُّ: مَرَّ مَعَنَا فِي حَلْقَةٍ سَابِقَةٍ، أَنَّ الشَّرَّ عَكْسُ الْخَيْرِ، وَهُوَ سُوءٌوفسادٌ، وقيلَ: هوَ اسمٌ جامعٌ للرَّذَائِلِ والخَطَايَا، وفي التنزيل: ﴿وَأَنَّا لاَ نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً﴾: كفر- ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾: شدّة من فقر أو مرض.
أما شَرُّ في بيت القصيد، فاسم تفضيل مِنْ شَرّ: أصلها (أَشَرُّ)، حُذِفَت مِنهُ الهمزة: والمعنى أكثر سوءاً وفساداً. مثاله، قولهم: «الدَّيْنُ شَرُّ أنواع الفقر».
وقوله تعالى: ﴿قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾». يَصِمُ: أَيْ يَعِيبُ. وَفُلَانٌ وُسِمَ بِوَصْمَةِ عَارٍ، أَيْ حُكِمَ عَلَيْهِ حُكْماً اجتماعياً، بِاعْتِبَارِهِ مُرْتَكِباً فَضِيحَةً مُسِيئَةً جَالِبَةً لِلْعَارِ، وَالْوَسْمُ هُوَ الْعَلَامَةُ الثَّابِتَةُ، وَنَوْعِيَّةُ الْعَلَامَةِ تُشِيرُ بِوُضُوحٍ إِلَى جُرْمِهِ.
«و ص م: وصَمَ يصِم، صِمْ، وَصْماً وصِمَةً، فهو واصِم، والمفعول مَوْصوم •وصَم فلاناً: عابَهُ، لطَّخه بقبيح، تنقَّص من قدره «وصَمهُ بالجُبن- وصَم شرفَ العائلة- وصَم حَسَبَ فلان: ألحق به العار- شرُّ البلادِ مكانٌ لا صديقَ به * وشرُّ ما يكسِبُ الإنسانُ ما يَصِمِ» . صِمة [مفرد] : مصدر وصَمَ. وَصْم [مفرد] : ج وُصوم (لغير المصدر) : 1 - مصدر وصَمَ. 2 - عيب وعار «كان موقف النَّذالة الذي اتَّخذه وصْماً عليه».. وَصْمَة [مفرد] : ج وَصَمات و وَصْمات: 1 - اسم مرَّة من وصَمَ. 2 - وَصْم؛ عَيْبٌ وعار «وَصْمة عار- إنه يرى وصمة غيره ولا يرى وصمته: ما يعيب وينال من الشَّرف». سُمْعة: صِيت، ما يُسمَع عن شخص من ذِكر حسن أو سيّئ. «السُّمْعة الحسنة خيرٌ من الذهب». [مثل أجنبيّ].
صِيت: سُمعة، ذِكرٌ حَسَنٌ ينتشر في الناس. «ذهب صِيتُه بين النّاس»، صِيتُه يطبّق الآفاق: يملؤها- فلانٌ حَسَنُ الصِّيت: له ذكر في الناس حَسَنٌ- فلانٌ ذائعُ الصِّيت: له شهرة واسعة. • انظر: (معجم اللغة العربية المعاصرة)، أحمد عمر مختار . وَشَرُّ مَا يَكْسِبُ الْإِنْسَانُ: أَيْ أَسْوَأُ مَا يَكْسِبُهُ. وَالْكَسْبُ هُنَا لَا يَعْنِي الرِّبْحَ، بَلْ يَعْنِي الْحِيَازَةَ، فَأَبُو الطَّيِّبِ يَعْتَبِرُ أَكْثَرَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يَحُوزُهَا الْإِنْسَانُ شَرّاً، هِيَ مَا يَصِمُ: أَيْ مَا يَكُونُ وَصْمَةَ عَيْبٍ فِيهِ وَعِنْدَهُ.
وَحِيَازَةُ الْأَشْيَاءِ لَا تَقْتَصِرُ عَلَى الْأُمُورِ الْحِسِّيَّةِ، بَلْ تَتَجَاوَزُهَا لِتَشْمَلَ الْمَعْنَوِيَّاتِ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يُوَصَمَ الْمَرْءُ بِسُوءِ الْخُلُقِ، أَوْ بِالْجَفَاءِ، أَوْ بِالتَّلَوُّنِ، أَوْ بِالْوَقَاحَةِ، أَوْ نَحْوَ هَذِهِ الْمَعَايِبِ عَيَاذاً بِاللَّهِ.
فَمَنْ ذُكِرَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَسَبَ مَا يَصِمُ، وَبِئْسَ الْوَصْمُ.
(142) وَلَكِنَّ طَبْعَ النَّفْسِ لِلنَّفْسِ قَائِدُ
هَذَا الشَّطْرُ ذَكَرَ بَيْتَهُ الصَّاحِبُ بْنُ عَبَّادٍ فِي: (الْأَمْثَالُ السَّائِرَةُ مِنْ شِعْرِ الْمُتَنَبِّي)، وَذَكَرَهُ أَبُو مَنْصُورٍ الثَّعَالِبِيُّ فِي كتابه: (يَتِيمَةُ الدَّهْرِ)، بَاب مَحَاسِنِ شِعْرِ الْمُتَنَبِّي، بِقَوْلِهِ: وَمِنْهَا إِرْسَالُ الْمَثَلِ فِي أَنْصَافِ الْأَبْيَاتِ. لِأَنَّهُ مَطْبُوعٌ عَلَى سَجِيَّتِكَ بِطَبْعِ نَفْسِكَ، وَطَبْعُ نَفْسِكَ يَقُودُ نَفْسَكَ إِلَى سُلُوكِ مَا اعْتَدْتَ عَلَيْهِ وَطُبِعْتَ عَلَيْهِ جِبِلَّتُكَ.
وَمَنْ تَعَوَّدَ عَلَى سُلُوكٍ وَشِيمَةٍ فَإِنَّهُ مُلَازِمُهَا، وَلَو ادَّعَى غَيْرَهَا. وَفِي ذَلِكَ قَوْلُ الْأَعْوَرِ الشَّنِّيِّ:
وَمَنْ يَقْتَرِفْ خُلْقاً سِوَى خُلْقِ نَفْسِهِ * يَدَعْهُ وَتَغْلِبُهُ عَلَيْهِ الطَّبَائِعُ
وَأَدْوَمُ أَخْلَاقِ الْفَتَى مَا نَشَأَ بِهِ * وَأَقْصَرُ أَفْعَالِ الرِّجَالِ الْبَدَائِعُ
وَمِثْلُهُ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ الْمَهْدِيِّ:
مَنْ تَحَلَّى شِيمَةً لَيْسَتْ لَهُ * فَارَقَتْهُ وَأَقَامَتْ شِيمَتُهْ
وَقَوْلُ سَالِمِ بْنِ وَابِصَةَ الْأَسَدِيِّ:
يَا أَيُّهَا الْمُتَحَلِّي غَيْرَ شِيمَتِهِ * إِنَّ التَّخَلُّقَ يَأْتِي دُونَهُ الْخُلُقُ
قَالَ ذُو الْإِصْبَعِ الْعَدْوَانِيُّ:
كُلُّ امْرِئٍ رَاجِعٌ يَوْماً لِشِيْمَتِهِ * وَإِنْ تَخَلَّقَ أَخْلَاقاً إِلَى حِيْنِ
وَقَالَ أَيْضاً: لِكُلِّ فَتًى مِنْ نَفْسِهِ أَرْيَحِيَّةٌ * وَتُرَبَّى عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ الضَّرَائِبُ
وَقَالَ أَيْضاً:
اعْمَدْ إِلَى الْحَقِّ فِيمَا كُنْتَ فَاعِلَهُ * إِنَّ التَّخَلُّقَ يَأْتِي دُونَهُ الْخُلُقُ
وقَالَ حَاتِم الطَائي:
وَمَنْ يَبْتَدِعْ مَا لَيْسَ مِنْ خِيمِ نَفْسِهِ * يَدَعْهُ وَيَغْلِبْهُ عَلَى النَّفْسِ خِيمُهَا
الْخِيمُ: السِّجِيَّةُ وَالطَّبِيعَةُ وَالْأَصْلُ.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الاتحاد
منذ 8 ساعات
- الاتحاد
مِن رَوَائِعِ أَبِي الطَّيِّب (50)
مِن رَوَائِعِ أَبِي الطَّيِّب (50) وَمَا زِلْنَا نَعْرِضُ أَعْجَازَ أَبْيَاتِ شِعْرٍ لِأَبِي الطَّيِّبِ الْمُتَنَبِّي، سَارَتْ أَمْثَالاً، فَقَدْ أَقَرَّ الْمُحِبُّ وَالْمُبْغِضُ بِأَنَّ مِنْ مَزَايَا شِعْرِ أَبِي الطَّيِّبِ، إِرْسَالُ الْمَثَلِ فِي أَنْصَافِ الْأَبْيَاتِ... (141) وَشَرُّ مَا يَكْسِبُ الْإِنْسَانُ مَا يَصِمُ يُمَهِّدُ أَبُو الطَّيِّبِ فِي هَذَا الشَّطْرِ لِصِيَاغَةِ مَفْهُومٍ جَلِيٍّ لِمَا يُسَمَّى فِي الْيَوْمِ بِصِيَانَةِ السُّمْعَةِ. فِي عَالَمِ الْعِلَاقَاتِ الْعَامَّةِ، لَا يَكْفِي بِنَاءُ السُّمْعَةِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ صِيَانَتِهَا، تَمَاماً كَمَا تُصَانُ السُّمْعَةُ الشَّخْصِيَّةُ مِنَ الزَّلَلِ وَالخَلَلِ وَ الدَرَنِ. وَبِالْعَكْسِ، يَجِبُ الْفِرَارُ مِنْ كُلِّ مَا يُلَطِّخُ هَذِهِ السُّمْعَةَ وَيَشُوبُهَا مِنَ الشَّوَائِبِ، وَالْعُيُوبِ. وَفِي هَذَا الْعَجُزِ يَتَحَدَّثُ الْمُتَنَبِّي مُحَذِّراً مِنْ خَدْشِ السُّمْعَةِ، فَمَا بَالُكَ بِجَرْحِهَا؟! الشَّرُّ: مَرَّ مَعَنَا فِي حَلْقَةٍ سَابِقَةٍ، أَنَّ الشَّرَّ عَكْسُ الْخَيْرِ، وَهُوَ سُوءٌوفسادٌ، وقيلَ: هوَ اسمٌ جامعٌ للرَّذَائِلِ والخَطَايَا، وفي التنزيل: ﴿وَأَنَّا لاَ نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً﴾: كفر- ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾: شدّة من فقر أو مرض. أما شَرُّ في بيت القصيد، فاسم تفضيل مِنْ شَرّ: أصلها (أَشَرُّ)، حُذِفَت مِنهُ الهمزة: والمعنى أكثر سوءاً وفساداً. مثاله، قولهم: «الدَّيْنُ شَرُّ أنواع الفقر». وقوله تعالى: ﴿قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾». يَصِمُ: أَيْ يَعِيبُ. وَفُلَانٌ وُسِمَ بِوَصْمَةِ عَارٍ، أَيْ حُكِمَ عَلَيْهِ حُكْماً اجتماعياً، بِاعْتِبَارِهِ مُرْتَكِباً فَضِيحَةً مُسِيئَةً جَالِبَةً لِلْعَارِ، وَالْوَسْمُ هُوَ الْعَلَامَةُ الثَّابِتَةُ، وَنَوْعِيَّةُ الْعَلَامَةِ تُشِيرُ بِوُضُوحٍ إِلَى جُرْمِهِ. «و ص م: وصَمَ يصِم، صِمْ، وَصْماً وصِمَةً، فهو واصِم، والمفعول مَوْصوم •وصَم فلاناً: عابَهُ، لطَّخه بقبيح، تنقَّص من قدره «وصَمهُ بالجُبن- وصَم شرفَ العائلة- وصَم حَسَبَ فلان: ألحق به العار- شرُّ البلادِ مكانٌ لا صديقَ به * وشرُّ ما يكسِبُ الإنسانُ ما يَصِمِ» . صِمة [مفرد] : مصدر وصَمَ. وَصْم [مفرد] : ج وُصوم (لغير المصدر) : 1 - مصدر وصَمَ. 2 - عيب وعار «كان موقف النَّذالة الذي اتَّخذه وصْماً عليه».. وَصْمَة [مفرد] : ج وَصَمات و وَصْمات: 1 - اسم مرَّة من وصَمَ. 2 - وَصْم؛ عَيْبٌ وعار «وَصْمة عار- إنه يرى وصمة غيره ولا يرى وصمته: ما يعيب وينال من الشَّرف». سُمْعة: صِيت، ما يُسمَع عن شخص من ذِكر حسن أو سيّئ. «السُّمْعة الحسنة خيرٌ من الذهب». [مثل أجنبيّ]. صِيت: سُمعة، ذِكرٌ حَسَنٌ ينتشر في الناس. «ذهب صِيتُه بين النّاس»، صِيتُه يطبّق الآفاق: يملؤها- فلانٌ حَسَنُ الصِّيت: له ذكر في الناس حَسَنٌ- فلانٌ ذائعُ الصِّيت: له شهرة واسعة. • انظر: (معجم اللغة العربية المعاصرة)، أحمد عمر مختار . وَشَرُّ مَا يَكْسِبُ الْإِنْسَانُ: أَيْ أَسْوَأُ مَا يَكْسِبُهُ. وَالْكَسْبُ هُنَا لَا يَعْنِي الرِّبْحَ، بَلْ يَعْنِي الْحِيَازَةَ، فَأَبُو الطَّيِّبِ يَعْتَبِرُ أَكْثَرَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يَحُوزُهَا الْإِنْسَانُ شَرّاً، هِيَ مَا يَصِمُ: أَيْ مَا يَكُونُ وَصْمَةَ عَيْبٍ فِيهِ وَعِنْدَهُ. وَحِيَازَةُ الْأَشْيَاءِ لَا تَقْتَصِرُ عَلَى الْأُمُورِ الْحِسِّيَّةِ، بَلْ تَتَجَاوَزُهَا لِتَشْمَلَ الْمَعْنَوِيَّاتِ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يُوَصَمَ الْمَرْءُ بِسُوءِ الْخُلُقِ، أَوْ بِالْجَفَاءِ، أَوْ بِالتَّلَوُّنِ، أَوْ بِالْوَقَاحَةِ، أَوْ نَحْوَ هَذِهِ الْمَعَايِبِ عَيَاذاً بِاللَّهِ. فَمَنْ ذُكِرَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَسَبَ مَا يَصِمُ، وَبِئْسَ الْوَصْمُ. (142) وَلَكِنَّ طَبْعَ النَّفْسِ لِلنَّفْسِ قَائِدُ هَذَا الشَّطْرُ ذَكَرَ بَيْتَهُ الصَّاحِبُ بْنُ عَبَّادٍ فِي: (الْأَمْثَالُ السَّائِرَةُ مِنْ شِعْرِ الْمُتَنَبِّي)، وَذَكَرَهُ أَبُو مَنْصُورٍ الثَّعَالِبِيُّ فِي كتابه: (يَتِيمَةُ الدَّهْرِ)، بَاب مَحَاسِنِ شِعْرِ الْمُتَنَبِّي، بِقَوْلِهِ: وَمِنْهَا إِرْسَالُ الْمَثَلِ فِي أَنْصَافِ الْأَبْيَاتِ. لِأَنَّهُ مَطْبُوعٌ عَلَى سَجِيَّتِكَ بِطَبْعِ نَفْسِكَ، وَطَبْعُ نَفْسِكَ يَقُودُ نَفْسَكَ إِلَى سُلُوكِ مَا اعْتَدْتَ عَلَيْهِ وَطُبِعْتَ عَلَيْهِ جِبِلَّتُكَ. وَمَنْ تَعَوَّدَ عَلَى سُلُوكٍ وَشِيمَةٍ فَإِنَّهُ مُلَازِمُهَا، وَلَو ادَّعَى غَيْرَهَا. وَفِي ذَلِكَ قَوْلُ الْأَعْوَرِ الشَّنِّيِّ: وَمَنْ يَقْتَرِفْ خُلْقاً سِوَى خُلْقِ نَفْسِهِ * يَدَعْهُ وَتَغْلِبُهُ عَلَيْهِ الطَّبَائِعُ وَأَدْوَمُ أَخْلَاقِ الْفَتَى مَا نَشَأَ بِهِ * وَأَقْصَرُ أَفْعَالِ الرِّجَالِ الْبَدَائِعُ وَمِثْلُهُ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ الْمَهْدِيِّ: مَنْ تَحَلَّى شِيمَةً لَيْسَتْ لَهُ * فَارَقَتْهُ وَأَقَامَتْ شِيمَتُهْ وَقَوْلُ سَالِمِ بْنِ وَابِصَةَ الْأَسَدِيِّ: يَا أَيُّهَا الْمُتَحَلِّي غَيْرَ شِيمَتِهِ * إِنَّ التَّخَلُّقَ يَأْتِي دُونَهُ الْخُلُقُ قَالَ ذُو الْإِصْبَعِ الْعَدْوَانِيُّ: كُلُّ امْرِئٍ رَاجِعٌ يَوْماً لِشِيْمَتِهِ * وَإِنْ تَخَلَّقَ أَخْلَاقاً إِلَى حِيْنِ وَقَالَ أَيْضاً: لِكُلِّ فَتًى مِنْ نَفْسِهِ أَرْيَحِيَّةٌ * وَتُرَبَّى عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ الضَّرَائِبُ وَقَالَ أَيْضاً: اعْمَدْ إِلَى الْحَقِّ فِيمَا كُنْتَ فَاعِلَهُ * إِنَّ التَّخَلُّقَ يَأْتِي دُونَهُ الْخُلُقُ وقَالَ حَاتِم الطَائي: وَمَنْ يَبْتَدِعْ مَا لَيْسَ مِنْ خِيمِ نَفْسِهِ * يَدَعْهُ وَيَغْلِبْهُ عَلَى النَّفْسِ خِيمُهَا الْخِيمُ: السِّجِيَّةُ وَالطَّبِيعَةُ وَالْأَصْلُ.


البوابة
منذ 5 أيام
- البوابة
أذكار الصباح والمساء
حث الشرع الحنيف على المداومة والإكثار من الذكروقراءة القرأن الكريم وذلك من طليعة شمس كل يوم جديد حتي وقت الغروب ، فى كل الأوقاتِ وأنواع الذكر؛ فقال سبحانه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 41]. أذكار الصباح والمساء من الآيات والذكر اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ. بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ، ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدٌۢ. من قالها حين يصبح وحين يمسى كفته من كل شىء (الإخلاص والمعوذتين). بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ، مِن شَرِّ مَا خَلَقَ، وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ، وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّٰثَٰتِ فِى ٱلْعُقَدِ، وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ. بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ، مَلِكِ ٱلنَّاسِ، إِلَٰهِ ٱلنَّاسِ، مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ، ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِى صُدُورِ ٱلنَّاسِ، مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ. أَصْـبَحْنا وَأَصْـبَحَ المُـلْكُ لله وَالحَمدُ لله ، لا إلهَ إلاّ اللّهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لهُ، لهُ المُـلكُ ولهُ الحَمْـد، وهُوَ على كلّ شَيءٍ قدير ، رَبِّ أسْـأَلُـكَ خَـيرَ ما في هـذا اليوم وَخَـيرَ ما بَعْـدَه ، وَأَعـوذُ بِكَ مِنْ شَـرِّ ما في هـذا اليوم وَشَرِّ ما بَعْـدَه، رَبِّ أَعـوذُبِكَ مِنَ الْكَسَـلِ وَسـوءِ الْكِـبَر ، رَبِّ أَعـوذُ بِكَ مِنْ عَـذابٍ في النّـارِ وَعَـذابٍ في القَـبْر. اللّهـمَّ أَنْتَ رَبِّـي لا إلهَ إلاّ أَنْتَ ، خَلَقْتَنـي وَأَنا عَبْـدُك ، وَأَنا عَلـى عَهْـدِكَ وَوَعْـدِكَ ما اسْتَـطَعْـت ، أَعـوذُبِكَ مِنْ شَـرِّ ما صَنَـعْت ، أَبـوءُ لَـكَ بِنِعْـمَتِـكَ عَلَـيَّ وَأَبـوءُ بِذَنْـبي فَاغْفـِرْ لي فَإِنَّـهُ لا يَغْـفِرُ الذُّنـوبَ إِلاّ أَنْتَ . من قالها موقنا بها حين يمسى ومات من ليلته دخل الجنة وكذلك حين يصبح. رَضيـتُ بِاللهِ رَبَّـاً وَبِالإسْلامِ ديـناً وَبِمُحَـمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّـاً. من قالها حين يصبح وحين يمسى كان حقا على الله أن يرضيه يوم القيامة. اللّهُـمَّ إِنِّـي أَصْبَـحْتُ أُشْـهِدُك ، وَأُشْـهِدُ حَمَلَـةَ عَـرْشِـك ، وَمَلَائِكَتَكَ ، وَجَمـيعَ خَلْـقِك ، أَنَّـكَ أَنْـتَ اللهُ لا إلهَ إلاّ أَنْـتَ وَحْـدَكَ لا شَريكَ لَـك ، وَأَنَّ ُ مُحَمّـداً عَبْـدُكَ وَرَسـولُـك. من قالها أعتقه الله من النار. اللّهُـمَّ ما أَصْبَـَحَ بي مِـنْ نِعْـمَةٍ أَو بِأَحَـدٍ مِـنْ خَلْـقِك ، فَمِـنْكَ وَحْـدَكَ لا شريكَ لَـك ، فَلَـكَ الْحَمْـدُ وَلَـكَ الشُّكْـر. من قالها حين يصبح أدى شكر يومه. حَسْبِـيَ اللّهُ لا إلهَ إلاّ هُوَ عَلَـيهِ تَوَكَّـلتُ وَهُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظـيم. من قالها كفاه الله ما أهمه من أمر الدنيا والأخرة. بِسـمِ اللهِ الذي لا يَضُـرُّ مَعَ اسمِـهِ شَيءٌ في الأرْضِ وَلا في السّمـاءِ وَهـوَ السّمـيعُ العَلـيم. لم يضره من الله شيء. اللّهُـمَّ بِكَ أَصْـبَحْنا وَبِكَ أَمْسَـينا ، وَبِكَ نَحْـيا وَبِكَ نَمُـوتُ وَإِلَـيْكَ النُّـشُور. أَصْبَـحْـنا عَلَى فِطْرَةِ الإسْلاَمِ، وَعَلَى كَلِمَةِ الإِخْلاَصِ، وَعَلَى دِينِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى مِلَّةِ أَبِينَا إبْرَاهِيمَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ. سُبْحـانَ اللهِ وَبِحَمْـدِهِ عَدَدَ خَلْـقِه ، وَرِضـا نَفْسِـه ، وَزِنَـةَ عَـرْشِـه ، وَمِـدادَ كَلِمـاتِـه. اللّهُـمَّ عافِـني في بَدَنـي ، اللّهُـمَّ عافِـني في سَمْـعي ، اللّهُـمَّ عافِـني في بَصَـري ، لا إلهَ إلاّ أَنْـتَ. اللّهُـمَّ إِنّـي أَعـوذُ بِكَ مِنَ الْكُـفر ، وَالفَـقْر ، وَأَعـوذُ بِكَ مِنْ عَذابِ القَـبْر ، لا إلهَ إلاّ أَنْـتَ. اللّهُـمَّ إِنِّـي أسْـأَلُـكَ العَـفْوَ وَالعـافِـيةَ في الدُّنْـيا وَالآخِـرَة ، اللّهُـمَّ إِنِّـي أسْـأَلُـكَ العَـفْوَ وَالعـافِـيةَ في ديني وَدُنْـيايَ وَأهْـلي وَمالـي ، اللّهُـمَّ اسْتُـرْ عـوْراتي وَآمِـنْ رَوْعاتـي ، اللّهُـمَّ احْفَظْـني مِن بَـينِ يَدَيَّ وَمِن خَلْفـي وَعَن يَمـيني وَعَن شِمـالي ، وَمِن فَوْقـي ، وَأَعـوذُ بِعَظَمَـتِكَ أَن أُغْـتالَ مِن تَحْتـي. يَا حَيُّ يَا قيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أسْتَغِيثُ أصْلِحْ لِي شَأنِي كُلَّهُ وَلاَ تَكِلْنِي إلَى نَفْسِي طَـرْفَةَ عَيْنٍ. أَصْبَـحْـنا وَأَصْبَـحْ المُـلكُ للهِ رَبِّ العـالَمـين ، اللّهُـمَّ إِنِّـي أسْـأَلُـكَ خَـيْرَ هـذا الـيَوْم ، فَـتْحَهُ ، وَنَصْـرَهُ ، وَنـورَهُ وَبَـرَكَتَـهُ ، وَهُـداهُ ، وَأَعـوذُ بِـكَ مِـنْ شَـرِّ ما فـيهِ وَشَـرِّ ما بَعْـدَه. اللّهُـمَّ عالِـمَ الغَـيْبِ وَالشّـهادَةِ فاطِـرَ السّماواتِ وَالأرْضِ رَبَّ كـلِّ شَـيءٍ وَمَليـكَه ، أَشْهَـدُ أَنْ لا إِلـهَ إِلاّ أَنْت ، أَعـوذُ بِكَ مِن شَـرِّ نَفْسـي وَمِن شَـرِّ الشَّيْـطانِ وَشِرْكِهِ ، وَأَنْ أَقْتَـرِفَ عَلـى نَفْسـي سوءاً أَوْ أَجُـرَّهُ إِلـى مُسْـلِم. أَعـوذُ بِكَلِمـاتِ اللّهِ التّـامّـاتِ مِنْ شَـرِّ ما خَلَـق. اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ على نَبِيِّنَا مُحمَّد. من صلى على حين يصبح وحين يمسى ادركته شفاعتى يوم القيامة. اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نُشْرِكَ بِكَ شَيْئًا نَعْلَمُهُ ، وَنَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا نَعْلَمُهُ. اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ، وَقَهْرِ الرِّجَالِ. أسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الَّذِي لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ، الحَيُّ القَيُّومُ، وَأتُوبُ إلَيهِ. يَا رَبِّ , لَكَ الْحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِكَ , وَلِعَظِيمِ سُلْطَانِكَ. اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا، وَرِزْقًا طَيِّبًا، وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا. اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ ، عَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ ، وَأَنْتَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ , مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ , أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا , اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ دَابَّةٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ، إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. لَا إلَه إلّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءِ قَدِيرِ. كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مئة حسنة، ومحيت عنه مئة سيئة، وكانت له حرزا من الشيطان. سُبْحـانَ اللهِ وَبِحَمْـدِهِ. حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ. لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا أَحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ. أسْتَغْفِرُ اللهَ وَأتُوبُ إلَيْهِ مائة حسنة، ومُحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان حتى يمسى.


الاتحاد
٢٩-٠٤-٢٠٢٥
- الاتحاد
مِن رَوَائِعِ أَبِي الطَّيِّب (45)
مِن رَوَائِعِ أَبِي الطَّيِّب (45) وَمَا زِلنَا نَعرِضُ أَعجَازَ أَبيَات شِعْرٍ لِأَبِي الطَّيِّبِ المُتَنَبِّي، سَارَتْ أَمْثَالًا، فقد أَقَرَّ المُحِبُّ والمُبغِضُ بِأَنَّ مِنْ مَزَايَا شِعْرِ أَبِي الطَّيِّبِ، إِرْسَالُ الْمَثَلِ فِي أَنْصَافِ الْأَبْيَاتِ... (129) أَشَدُّ مِنَ السُّقمِ الَّذِي أَذْهَبَ السُّقْمَا السُّقْمُ: السَّقَامُ وَالسُّقْمُ وَالسَّقَمُ، هِيَ الْمَرَضُ. لَا يُوجَدُ أَشَدُّ مِنَ الْمَرَضِ وَيُذْهِبُ الْمَرَضَ، إِلَّا الْمَوْتُ. وَالْمَوْتُ، أَشَدُّ مِنَ السُّقْمِ؛ لِأَنَّ السُّقْمَ يُزِيلُ الصِّحَّةَ، وَالْمَوْتَ يُزِيلُ الْحَيَاةَ وَيُبْطِلُهَا. وَشَطْرُ بَيْتِ الْمُتَنَبِّي هَذَا، هُوَ جُزْءٌ مِنْ قَوْلِهِ فِي بَيْتٍ آخَرَ، يَشْرَحُ شَطْرَهُ: وَشَكِيَّتِي فَقْدُ السَّقَامِ لِأَنَّهُ * قَدْ كَانَ لَمَّا كَانَ لِي أَعْضَاءُ يَقُولُ: أَصْبَحْتُ الْآنَ أَفْتَقِدُ الْمَرَضَ، وَشَكْوَايَ هِيَ فَقْدِي الْمَرَضَ، إِذْ كَانَ الْمَرَضُ بِي يَوْمَ كَانَ لَدَيَّ أَعْضَاءٌ أَشْعُرُ بِهَا، أَمَّا بَعْدَ أَنْ فَقَدْتُ الإِحْسَاسَ بِأَعْضَائِي، فَإِنَّ ذَلِكَ أَفْقَدَنِي الْمَرَضَ. يَقْصِدُ أَنَّ مَنْ يَتَمَنَّى الْمَرَضَ، إِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَرَضَ يَعْنِي إِحْسَاسَهُ بِالْأَعْضَاءِ، وَهَذَا أَخَفُّ مِنْ فَقْدِ الْمَرَضِ بِسَبَبِ عَدَمِ الإِحْسَاسِ بِالْأَعْضَاءِ وَانْعِدَامِ الشُّعُورِ بِهَا، الَّذِي هُوَ أَشَدُّ مِنَ السَّقَامِ! وَمِثْلُ قَوْلِهِ: وَكُنْتُ قُبَيْلَ الْمَوْتِ أَسْتَعْظِمُ النَّوَى * فَقَدْ صَارَتِ الصُّغْرَى الَّتِي كَانَتِ الْعُظْمَى وَقَوْلُهُ: وَإِنِّي لِمَنْ قَوْمٍ كَأَنَّ نُفُوسَنَا * بِهَا أَنَفٌ أَنْ تَسْكُنَ اللَّحْمَ وَالْعَظْمَا وَنَحْوُهُ قَوْلُ أَبِي تَمَّامٍ: أَقُولُ وَقَدْ قَالُوا اسْتَرَاحَتْ بِمَوْتِهَا * مِنَ الْكَرْبِ رُوحُ الْمَوْتِ شَرٌّ مِنَ الْكَرْبِ (130) فَإِنَّ الرِّفْقَ بِالجَانِي عِتَابُ هَذَا شَطْرٌ مِنْ بَيْتٍ لِأَبِي الطَّيِّبِ، ذَكَرَهُ الصَّاحِبُ بْنُ عَبَّادٍ فِي مُنْتَقَيَاتِهِ الَّتِي اخْتَارَهَا مِنْ شِعْرِ الْمُتَنَبِّي، وَجَمَعَهَا فِي كِتَابٍ وَضَعَهُ لِسَيِّدِهِ فَخْرِ الدَّوْلَةِ بْنِ بُوَيْهٍ، وَأَسْمَاهُ: (الْأَمْثَالُ السَّائِرَةُ مِنْ شِعْرِ الْمُتَنَبِّي). كَمَا ذَكَرَ أَبُو مَنْصُورٍ الثَّعَالِبِيُّ شَطْرَ الْبَيْتِ، فِي كِتَابِهِ: (التَّمْثِيلُ وَالْمُحَاضَرَةُ)، ضِمْنَ فَصْلٍ (الْأَمْثَالُ الصَّادِرَةُ عَنِ الْأَبْيَاتِ السَّائِرَةِ)، وَبَعْدَمَا أَوْرَدَهُ فِي (يَتِيمَةِ الدَّهْرِ)، عَلَّقَ عَلَيْهِ قَائِلًا: «هَذَا كَلَامٌ مَا لِحُسْنِهِ غَايَةٌ». لَقَدْ ثَبَتَتِ الْجِنَايَةُ، وَأَقَرَّ الْجَانِي بِجِنَايَتِهِ، وَحَانَ وَقْتُ إِنْفَاذِ الْعُقُوبَةِ، حِينَهَا يُنْدَبُ إِلَى الْعَفْوِ، وَالصَّفْحُ مِنْ شِيَمِ الْأَحْرَارِ، وَالرِّفْقُ بِالْجَانِي مِنَ الإِحْسَانِ، وَالإِحْسَانُ قَيْدٌ يُقَيِّدُ الْمُحْسَنَ إِلَيْهِ، كَمَا قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ، فِي بَيْتِهِ الْبَدِيعِ: وَقَيَّدْتُ نَفْسِي فِي ذَرَاكَ مَحَبَّةً * وَمَنْ وَجَدَ الإِحْسَانَ قَيْدًا تَقَيَّدَا فَهَذَا الْقَيْدُ الَّذِي يُقَيِّدُ الْجَانِي نَفْسَهُ بِهِ، ثَمَرَةٌ مِنْ ثِمَارِ عِتَابِ الْجَانِي، بِالرِّفْقِ بِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَقَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: «إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ»، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. (131) المَوتُ أَعذَرُ لِي ، والصَّبْرُ أَجَمل بِي يَقُولُ: إِنَّ الْمَوْتَ أَعْذَرُ مِنْ عَيْشِ الذَّلِيلِ، فَأَنَا أُفَضِّلُ الْمَوْتَ عَلَى الذُّلِّ. فَإِذَا قُتِلْتُ وَأَنَا مُقْبِلٌ طَالِبٌ لِلْعَلْيَاءِ فَإِنَّ الْمَوْتَ سَيَعْذُرُنِي، وَسَيَكُونُ عُذْرًا لِي، بِأَنِّي قَدَّمْتُ حَيَاتِي مِنْ أَجْلِ غَايَاتٍ سَامِيَةٍ، وَأَهْدَافٍ نَبِيلَةٍ، وَمَعَالِي الْأُمُورِ، وَهُوَ مِمَّا يُجَمِّلُ السِّيرَةَ، وَيَنْقِي السَّرِيرَةَ، وَيَرْفَعُ الْقَدْرَ، وَيُعْلِي الذِّكْرَ. وَالصَّبْرُ عَلَى الْمَصَائِبِ، وَالتَّجَلُّدُ فِي النَّوَائِبِ، أَجْمَلُ بِي مِنَ الْجَزَعِ، فَالصَّبْرُ يُؤَدِّي إِلَى الْفَوْزِ بِالنِّهَايَةِ، كَمَا وَعَدَ اللَّهُ الصَّابِرِينَ وَبَشَّرَهُمْ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ فِي كِتَابِهِ: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}. كَمَا إِنَّ الصَّبْرَ يَمْنَعُ شَمَاتَةَ الْأَعْدَاءِ. وَفِي ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيِّ، فِي رِثَاءِ أَوْلَادِهِ الْخَمْسَةِ، الَّذِينَ قَتَلَهُمُ الطَّاعُونُ: وَتَجَلُّدِي لِلشَّامِتِينَ أُرِيهِمُ * أَنِّي لِرَيْبِ الدَّهْرِ لَا أَتَضَعْضَعُ يُرِيدُ أَنَّهُ يَتَصَبَّرُ، لِيُرِيَ الشَّامِتِينَ صَلَابَتَهُ، وَثَبَاتَهُ، وَعَدَمَ انْكِسَارِهِ أَمَامَ مَصَائِبِ الْحَيَاةِ، وَفَوَاجِعِ الدُّنْيَا. (132) والبَرُّ أَوسَعُ والدُّنيَا لِمَنْ غَلَبَا يَقُولُ: إِنَّ السَّعْيَ فِي الْأَرْضِ وَالْخُرُوجَ إِلَى الْبَرِّ، أَوْسَعُ مِنْ ضِيقِ بَيْتٍ أَرْتَهِنُ بِالْإِقَامَةِ بَيْنَ جُدْرَانِهِ، أَوِ الْبَقَاءَ فِي بَلَدٍ ضَاقَ بِي وَضَيَّقَ عَلَيَّ سُبُلَ رِزْقِي، لِذَا سَأَجِدُّ سَاعِياً فِي مَنَاكِبِ الْأَرْضِ، مُبْتَغِياً مِنْ فَضْلِ اللَّهِ، بَاحِثًا عَنِ الرِّزْقِ. فَلَا يَلِيقُ بِمَنْ يَجِدُ السَّعَةَ أَنْ يَقْبَلَ بِالضِّيقِ، وَلَا يَسْتَوِي ضِيقٌ وَسَعَةٌ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً}. وَفِي الْبَابِ يَقُولُ الطُّغْرَائِيُّ: إِنَّ الْعُلَى حَدَّثَتْنِي وَهْيَ صَادِقَةٌ * فِي مَا تُحَدِّثُ إِنَّ الْعِزَّ فِي النُّقَلِ يَعْنِي أَنَّ الْمَرَاتِبَ الْعَالِيَةَ وَالدَّرَجَاتِ الرَّفِيعَةَ، قَالَتْ لَهُ، وَصَدَقَتْ فِي قَوْلِهَا، إِنَّ تَحْقِيقَ الْعِزِّ وَمُفَارَقَةَ الذُّلِّ يَكُونُ فِي الِانْتِقَالِ مِنْ مَكَانٍ إِلَى آخَرَ، وَمِنْ بَلَدٍ إِلَى غَيْرِهِ، فَكُلَّمَا أُوْصِدَتْ أَبْوَابُ الرِّزْقِ بِوَجْهِكَ فِي مَكَانٍ، فَانْتَقِلْ مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ عِزُّكَ. وَقَوْلُهُ (وَالدُّنْيَا لِمَنْ غَلَبَا): أَيْ أَنَّ الدُّنْيَا تَؤُولُ الْغَلَبَةُ فِيهَا لِمَنْ يُزَاحِمُ النَّاسَ بِالْمَنَاكِبِ، وَيَجْتَهِدُ فِي تَحْصِيلِ رِزْقِهِ، وَلَا يَغْلِبُ فِيهَا الَّذِي آثَرَ الدَّعَةَ، وَاسْتَحَبَّ الرَّاحَةَ، وَلَمْ يَبْذُلِ الْأَسْبَابَ فِي السَّعْيِ فِي الطَّلَبِ، وَالِاجْتِهَادِ فِي الْعَمَلِ. وَفِي ذَلِكَ لِأَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ قَوْلُهُ: وَمَا طَلَبُ الْمَعِيشَةِ بِالتَّمَنِّي * وَلَكِنْ أَلْقِ دَلْوَكَ فِي الدِّلَاءِ تَجِئْكَ بِمَلْئِهَا طَوْرا وَطَوْراً * تَجِئْكَ بِحَمْأَةٍ وَقَلِيلِ مَاءِ وَلَا تَقْعُدْ عَلَى كَسَلٍ تَمَنَّى * تُحِيلُ عَلَى الْمَقَادِرِ وَالْقَضَاءِ فَإِنَّ مَقَادِرَ الرَّحْمَنِ تَجْرِي * بِأَرْزَاقِ الرِّجَالِ مِنَ السَّمَاءِ مُقَدَّرَةٌ بِقَبْضٍ أَوْ بِبَسْطٍ * وَعَجْزُ الْمَرْءِ أَسْبَابُ الْبَلَاءِ