
الشعب الألماني'.. قتل على الهوية يعيدنا إلى عصر النازية
في 19 فبراير/ شباط لعام 2020، قتل متطرف ألماني يميني 10 أشخاص رميا بالرصاص في مدينة هاناو الألمانية، وقالت جهات التحقيق إن الجريمة ذات دافع عنصري، فقد ظن القاتل أن الضحايا أجانب أو ألمان من أصول مهاجرة.
بعد مرور خمس سنوات على الحادث الإرهابي، ومع زيادة شعبية اليمين المتطرف الكاره للأجانب في أوروبا عموما وألمانيا خصوصا، يكتسب فيلم 'الشعب الألماني' (Das deutsche Volk) أهمية استثنائية.
حظي الفيلم بعرضه الأول ضمن العروض الخاصة لمهرجان برلين السينمائي الدولي في دورته الـ75، التي جرت في فبراير/ شباط 2025، قبيل الانتخابات البرلمانية الألمانية التي حصد فيها حزب 'البديل من أجل ألمانيا' اليميني المتطرف نحو 20% من أصوات الناخبين، وهي النسبة التي وضعته في المركز الثاني في نتيجة الانتخابات.
يتتبع فيلم 'الشعب الألماني' شهادات الناجين من الحادث، ورحلة أهالي الضحايا لكشف تفاصيل الحادث والضالعين فيه. ويطرح الفيلم سؤالا مهما؛ هل كان الحادث عملا فرديا من إنسان متطرف كما أعلنت جهات التحقيق الألمانية، أم أن أجهزة الشرطة الألمانية والساسة الألمان متورطون أيضا؟
الناجون يعيدون معايشة الحكاية
تدور أحداث الفيلم بالكامل بالأبيض والأسود، ويعتمد على تتبع لقاءات الناجين وأهالي الضحايا واجتماعاتهم.
في البداية يعيد الناجون سرد تفاصيل يوم الحادث الإرهابي، حين وصل القاتل لحانة يجتمع فيها عادة ذوو الأصول العربية والتركية، ثم بدأ بإطلاق الرصاص، وقد حاول بعضهم الهرب، لكن باب الحانة الخلفي كان مغلقا.
في البداية يعيد الناجون سرد تفاصيل يوم الحادث الإرهابي، حين وصل القاتل لحانة يجتمع فيها عادة ذوو الأصول العربية والتركية، ثم بدأ بإطلاق الرصاص، وقد حاول بعضهم الهرب، لكن باب الحانة الخلفي كان مغلقا.
استمر القاتل في قتل ضحاياه، ثم مضى وقاد سيارته، فتتبعه أحد شهود العيان، وهو الروماني 'فيلي باوين'، وحين توقف القاتل في مكان آخر حاول 'فيلي' الاتصال بالشرطة، لكن القاتل أطلق الرصاص عليه وقتله أيضا، ثم دخل محلا صغيرا يبيع المشروبات والتسالي، ويجتمع فيه عادة ذوو الأصول المهاجرة أيضا، فأطلق الرصاص وقتل معظم من كان فيه.
ننتقل بعد ذلك للقاءات الأهالي، فيسرد كل منهم تفاصيل ليلة الحادث، وكيف ومتى علم كل منهم أن ذويه قد قتلوا.
يبدأ الفيلم هكذا بشكل عاطفي للغاية، لكن يتحول بعد ذلك لما يشبه فيلم غموض وتشويق.
الأهالي يجرون التحقيقات لا الشرطة
يعرض الفيلم شعور أهالي الضحايا بعنصرية الشرطة منذ اللحظة الأولى، فلم تخبرهم بمصير أبنائهم طوال الليلة الأولى للحادث، وقد عرف بعضهم بالحادثة صدفة، ثم أغلقت الشرطة تحقيقها في الحادث مبكرا جدا، بمجرد العثور على القاتل، بعد أن قتل نفسه داخل المبنى الذي يقيم فيه.
يضفي السرد البصري بالأبيض والأسود طابعا سوداويا على الفيلم، وكأننا في رثاء مستمر، ويتحول الفيلم أيضا -باستخدام الظلال السوداء والأضواء القليلة البيضاء والموسيقى التي تضيف طبقة من التوتر- إلى ما يشبه بمزيج بين الطابع الوثائقي وأسلوب النوار، ويتطلب النوار بطبيعة الحال وجود محقق، والأهالي هنا هم من يقوم بهذا الدور.
يتتبع الأهالي تفاصيل ليلة الحادث، ثم يجمعون الشهادات، ويعرضون النتائج على الكاميرا، لنشاركهم مسار التحقيق، ثم يكوّنون ما يكفي لصنع طراز مكتمل بفيديوهات توضيحية لكل ما حدث في ليلة الحادث.
مع الضغط وظهور بعض الأدلة، يصبح جليا أن المجرم في هذه الليلة لم يكن وحيدا.
تفسير الشرطة المتهافت
يكشف الفيلم حقيقة يصعب تصديق أنها صدفة، فالحانة التي اقتحمها القاتل وقتل ضحاياه فيها لها باب خلفي للطوارئ، وكانت قد أغلقته الشرطة قبل بضعة أيام من الحادث.
وقد فسرت ذلك بأنها كانت تحاول اعتقال مروجي المخدرات الذين يترددون على الحانة، وفي كل مرة تذهب إليها يهرب هؤلاء المشتبه بهم من الباب الخلفي، لذا أغلقت الشرطة الباب هكذا، وحين أتى القاتل بعدها بأيام قليلة لم يجد ضحاياه منفذا للهرب من رصاصه.
فكيف عرف القاتل أن هذه الحانة قد أُغلق بابها الخلفي؟ هل نصدق أنه اختار هذه الحانة عشوائيا؟!
بعد جهد كبير من الأهالي، تُدفع وزارة الداخلية لبدء تحقيقات جديدة، تنتهي بإثبات أن عددا من رجال الشرطة الألمان الذين كانوا يعملون في تلك الليلة، هم ذوو ميول نازية ويمينية متطرفة.
'الشعب الألماني'.. مصطلح غامض من عصر النازية
يحمل الفيلم اسم 'الشعب الألماني' وهو مصطلح يطلقه القوميون الألمان المتطرفون منذ عصر 'هتلر'، وهم يرون أن الجنس الآري هو الوحيد الذي يصلح ليكون الشعب الألماني، وهكذا برروا قتل ملايين البشر في عصر النازية وخلال الحرب العالمية الثانية.
يطرح الفيلم السؤال مرة أخرى في عصرنا الحالي، من هو الشعب الألماني؟
نرى في الفيلم ضحايا من الألمان، لكنهم ذوو أصول مهاجرة، منهم مسلمون ومسيحيون أرثوذكس، بعضهم من أصول تركية وبعضهم من أصول رومانية، لكن هل يراهم الشعب الألماني جزءا منه، أم يظل التعريف النازي حاضرا؟
هل تنقذنا السينما من الكارثة القادمة؟
عُرض الفيلم قبيل الانتخابات البرلمانية التي حصد حزب 'البديل من أجل ألمانيا' فيها أعلى نسبة تصويت له أو لأي حزب يميني داخل ألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية، وهو حزب يعرض في برنامجه الانتخابي بلا مواربة خططه لإعادة تهجير المهاجرين المقيمين داخل ألمانيا.
كما يصرح بعض قياداته بفخر أن إعادة التهجير هذه ستشمل أيضا من يحملون الجنسية الألمانية، لكنهم مزدوجو الجنسية، أو لا يتماشون مع قيم الهوية الألمانية.
يشكل الفيلم بهذا ناقوس خطر، يذكر الألمان أن القتل على الهوية الذي حدث في هاناو ليس ببعيد عن خطايا ألمانيا في القتل على الهوية أثناء عصر النازية، يراهن الفيلم هكذا على محاولة تغيير الحاضر من خلال جعل الماضي القريب حيا، لا سيما أن الجرائم التي تقع من اليمين المتطرف في حق المهاجرين وأصحاب الأصول المهاجرة يُتكتم عليها داخل ألمانيا، في حين يركز الإعلام الألماني بشكل شبه يومي على أي جريمة قد يتورط فيها أجنبي أو مهاجر.
تحاول السينما بأفلام مثل 'الشعب الألماني'، أن تعمل على موازنة كفة التحريض على الأجانب والمهاجرين داخل الإعلام والمجتمع الألماني، فذلك تحريض قد تكون نتيجته تكرار أبشع لمأساة هاناو.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
٠٣-٠٥-٢٠٢٥
- الجزيرة
الاستخبارات الألمانية تصنف حزب "البديل من أجل ألمانيا" يمينيا متطرفا
أعلن جهاز الاستخبارات الداخلية الألماني -أمس الجمعة- تصنيف حزب "البديل من أجل ألمانيا" حزبا يمينيا متطرفا، في خطوة تصعّد من المواجهة بين السلطات الألمانية وأحد أبرز أحزاب المعارضة. ويتيح هذا التصنيف لأجهزة الاستخبارات تقليص القيود القانونية التي كانت تمنعها من استخدام أدوات لمراقبة الحزب، مثل التنصت على المكالمات الهاتفية وتجنيد عملاء سريين داخل الحزب. وقالت الهيئة إن القرار اتُّخذ بناء على ما وصفته بمحاولات الحزب "تقويض النظام الديمقراطي الحر" في ألمانيا، مشيرة إلى سلسلة من التصريحات المعادية للأجانب والأقليات، خصوصا المسلمين، من قبل قيادات بارزة في الحزب. وسارعت قيادة "البديل من أجل ألمانيا" إلى التنديد بالقرار، واصفة إياه بأنه "ضربة موجعة للديمقراطية"، وتعهدت بالطعن عليه قضائيا. وأصدر رئيسا الحزب، أليس فايديل وتينو كروبالا، بيانا اعتبرا فيه أن الحزب "يتعرض لتشويه منظم وتجريم علني بدوافع سياسية واضحة". وأكد جهاز الاستخبارات -في معرض تفسيره للقرار- أن الحزب "يهدف إلى استبعاد فئات سكانية معينة من المشاركة المتساوية في المجتمع"، مشيرا إلى أن "البديل من أجل ألمانيا لا يعتبر الألمان من أصول مهاجرة من دول ذات أغلبية مسلمة أعضاء متساوين في الشعب الألماني". ويأتي هذا التصنيف بعد أشهر من تحقيق الحزب نتائج قوية في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي أجريت في فبراير/شباط الماضي، حيث حل ثانيا بنسبة تجاوزت 20%، خلف التحالف المحافظ الذي يقوده فريدريش ميرتس ، زعيم الاتحاد المسيحي الديمقراطي. وتشير استطلاعات الرأي الحديثة إلى تقارب شديد في الشعبية بين الحزبين، بل وتفوق "البديل" في بعضها. ورغم تعهد الأحزاب التقليدية تاريخيا بعدم التعاون مع حزب "البديل"، فإن ميرتس نقض هذا الالتزام خلال الحملة الانتخابية عندما دعم مقترحا برلمانيا قدمه الحزب لتشديد سياسات الهجرة. وأثار هذا التعاون المؤقت موجة احتجاجات في أنحاء البلاد. وبعد الانتخابات، عاد ميرتس وأكد رفضه للتحالف مع الحزب، وشكّل حكومة ائتلافية مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي بزعامة المستشار المنتهية ولايته أولاف شولتس. انتقاد أميركي من جهته، صف وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو الخطوة بأنها "طغيان مقنّع"، معتبرا أنها لا تمت بصلة إلى الديمقراطية. وردت وزارة الخارجية الألمانية مباشرة -عبر منصة إكس- قائلة: "هذه هي الديمقراطية. لقد تعلمنا من تاريخنا أن التطرف اليميني يجب أن يُوقف". كما هاجم جيه دي فانس ، نائب الرئيس الأميركي، السلطات الألمانية قائلا إن "جدار برلين قد أعيد بناؤه، ليس من قبل الروس هذه المرة، بل من قبل المؤسسة السياسية الألمانية". وأضاف في منشور على منصة إكس: "الغرب هدم الجدار معا، لكنه الآن يُبنى من جديد". يذكر أن حزب "البديل" حظي خلال الحملة الانتخابية بدعم لافت من رجل الأعمال الأميركي إيلون ماسك ، الذي وصف الحزب بأنه الوحيد القادر على "إنقاذ ألمانيا". وظهر ماسك في لقاء عبر الفيديو خلال أحد التجمعات الانتخابية للحزب، وأجرى عبر منصته إكس مقابلة مع فايديل. ولطالما واجه الحزب اتهامات مثيرة للجدل، ومنها استخدام عدد من قياداته شعارات نازية محظورة والتقليل من فظائع الحقبة النازية، إلى جانب تقارير تحدثت عن اتصالات مع روسيا، واتهام مساعد سابق لنائب في البرلمان الأوروبي عن الحزب -هذا الأسبوع- بالتجسس لصالح الصين. وفي هذا السياق، صرح النائب عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي رالف شتيغنر لمجلة "دير شبيغل" بأنه تنبغي "محاربة أعداء الديمقراطية بكل الوسائل السياسية والقانونية".


الجزيرة
٠٣-٠٥-٢٠٢٥
- الجزيرة
الاستخبارات الألمانية تصنف حزب "البديل من أجل ألمانيا" يمينيا متطرف
أعلن جهاز الاستخبارات الداخلية الألماني -أمس الجمعة- تصنيف حزب "البديل من أجل ألمانيا" حزبا يمينيا متطرفا، في خطوة تصعّد من المواجهة بين السلطات الألمانية وأحد أبرز أحزاب المعارضة. ويتيح هذا التصنيف لأجهزة الاستخبارات تقليص القيود القانونية التي كانت تمنعها من استخدام أدوات لمراقبة الحزب، مثل التنصت على المكالمات الهاتفية وتجنيد عملاء سريين داخل الحزب. وقالت الهيئة إن القرار اتُّخذ بناء على ما وصفته بمحاولات الحزب "تقويض النظام الديمقراطي الحر" في ألمانيا، مشيرة إلى سلسلة من التصريحات المعادية للأجانب والأقليات، خصوصا المسلمين، من قبل قيادات بارزة في الحزب. وسارعت قيادة "البديل من أجل ألمانيا" إلى التنديد بالقرار، واصفة إياه بأنه "ضربة موجعة للديمقراطية"، وتعهدت بالطعن عليه قضائيا. وأصدر رئيسا الحزب، أليس فايديل وتينو كروبالا، بيانا اعتبرا فيه أن الحزب "يتعرض لتشويه منظم وتجريم علني بدوافع سياسية واضحة". وأكد جهاز الاستخبارات -في معرض تفسيره للقرار- أن الحزب "يهدف إلى استبعاد فئات سكانية معينة من المشاركة المتساوية في المجتمع"، مشيرا إلى أن "البديل من أجل ألمانيا لا يعتبر الألمان من أصول مهاجرة من دول ذات أغلبية مسلمة أعضاء متساوين في الشعب الألماني". إعلان ويأتي هذا التصنيف بعد أشهر من تحقيق الحزب نتائج قوية في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي أجريت في فبراير/شباط الماضي، حيث حل ثانيا بنسبة تجاوزت 20%، خلف التحالف المحافظ الذي يقوده فريدريش ميرتس ، زعيم الاتحاد المسيحي الديمقراطي. وتشير استطلاعات الرأي الحديثة إلى تقارب شديد في الشعبية بين الحزبين، بل وتفوق "البديل" في بعضها. ورغم تعهد الأحزاب التقليدية تاريخيا بعدم التعاون مع حزب "البديل"، فإن ميرتس نقض هذا الالتزام خلال الحملة الانتخابية عندما دعم مقترحا برلمانيا قدمه الحزب لتشديد سياسات الهجرة. وأثار هذا التعاون المؤقت موجة احتجاجات في أنحاء البلاد. وبعد الانتخابات، عاد ميرتس وأكد رفضه للتحالف مع الحزب، وشكّل حكومة ائتلافية مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي بزعامة المستشار المنتهية ولايته أولاف شولتس. انتقاد أميركي من جهته، صف وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو الخطوة بأنها "طغيان مقنّع"، معتبرا أنها لا تمت بصلة إلى الديمقراطية. وردت وزارة الخارجية الألمانية مباشرة -عبر منصة إكس- قائلة: "هذه هي الديمقراطية. لقد تعلمنا من تاريخنا أن التطرف اليميني يجب أن يُوقف". كما هاجم جيه دي فانس ، نائب الرئيس الأميركي، السلطات الألمانية قائلا إن "جدار برلين قد أعيد بناؤه، ليس من قبل الروس هذه المرة، بل من قبل المؤسسة السياسية الألمانية". وأضاف في منشور على منصة إكس: "الغرب هدم الجدار معا، لكنه الآن يُبنى من جديد". يذكر أن حزب "البديل" حظي خلال الحملة الانتخابية بدعم لافت من رجل الأعمال الأميركي إيلون ماسك ، الذي وصف الحزب بأنه الوحيد القادر على "إنقاذ ألمانيا". وظهر ماسك في لقاء عبر الفيديو خلال أحد التجمعات الانتخابية للحزب، وأجرى عبر منصته إكس مقابلة مع فايديل. ولطالما واجه الحزب اتهامات مثيرة للجدل، ومنها استخدام عدد من قياداته شعارات نازية محظورة والتقليل من فظائع الحقبة النازية، إلى جانب تقارير تحدثت عن اتصالات مع روسيا، واتهام مساعد سابق لنائب في البرلمان الأوروبي عن الحزب -هذا الأسبوع- بالتجسس لصالح الصين. وفي هذا السياق، صرح النائب عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي رالف شتيغنر لمجلة "دير شبيغل" بأنه تنبغي "محاربة أعداء الديمقراطية بكل الوسائل السياسية والقانونية".


الجزيرة
٢٣-٠٣-٢٠٢٥
- الجزيرة
الشعب الألماني'.. قتل على الهوية يعيدنا إلى عصر النازية
في 19 فبراير/ شباط لعام 2020، قتل متطرف ألماني يميني 10 أشخاص رميا بالرصاص في مدينة هاناو الألمانية، وقالت جهات التحقيق إن الجريمة ذات دافع عنصري، فقد ظن القاتل أن الضحايا أجانب أو ألمان من أصول مهاجرة. بعد مرور خمس سنوات على الحادث الإرهابي، ومع زيادة شعبية اليمين المتطرف الكاره للأجانب في أوروبا عموما وألمانيا خصوصا، يكتسب فيلم 'الشعب الألماني' (Das deutsche Volk) أهمية استثنائية. حظي الفيلم بعرضه الأول ضمن العروض الخاصة لمهرجان برلين السينمائي الدولي في دورته الـ75، التي جرت في فبراير/ شباط 2025، قبيل الانتخابات البرلمانية الألمانية التي حصد فيها حزب 'البديل من أجل ألمانيا' اليميني المتطرف نحو 20% من أصوات الناخبين، وهي النسبة التي وضعته في المركز الثاني في نتيجة الانتخابات. يتتبع فيلم 'الشعب الألماني' شهادات الناجين من الحادث، ورحلة أهالي الضحايا لكشف تفاصيل الحادث والضالعين فيه. ويطرح الفيلم سؤالا مهما؛ هل كان الحادث عملا فرديا من إنسان متطرف كما أعلنت جهات التحقيق الألمانية، أم أن أجهزة الشرطة الألمانية والساسة الألمان متورطون أيضا؟ الناجون يعيدون معايشة الحكاية تدور أحداث الفيلم بالكامل بالأبيض والأسود، ويعتمد على تتبع لقاءات الناجين وأهالي الضحايا واجتماعاتهم. في البداية يعيد الناجون سرد تفاصيل يوم الحادث الإرهابي، حين وصل القاتل لحانة يجتمع فيها عادة ذوو الأصول العربية والتركية، ثم بدأ بإطلاق الرصاص، وقد حاول بعضهم الهرب، لكن باب الحانة الخلفي كان مغلقا. في البداية يعيد الناجون سرد تفاصيل يوم الحادث الإرهابي، حين وصل القاتل لحانة يجتمع فيها عادة ذوو الأصول العربية والتركية، ثم بدأ بإطلاق الرصاص، وقد حاول بعضهم الهرب، لكن باب الحانة الخلفي كان مغلقا. استمر القاتل في قتل ضحاياه، ثم مضى وقاد سيارته، فتتبعه أحد شهود العيان، وهو الروماني 'فيلي باوين'، وحين توقف القاتل في مكان آخر حاول 'فيلي' الاتصال بالشرطة، لكن القاتل أطلق الرصاص عليه وقتله أيضا، ثم دخل محلا صغيرا يبيع المشروبات والتسالي، ويجتمع فيه عادة ذوو الأصول المهاجرة أيضا، فأطلق الرصاص وقتل معظم من كان فيه. ننتقل بعد ذلك للقاءات الأهالي، فيسرد كل منهم تفاصيل ليلة الحادث، وكيف ومتى علم كل منهم أن ذويه قد قتلوا. يبدأ الفيلم هكذا بشكل عاطفي للغاية، لكن يتحول بعد ذلك لما يشبه فيلم غموض وتشويق. الأهالي يجرون التحقيقات لا الشرطة يعرض الفيلم شعور أهالي الضحايا بعنصرية الشرطة منذ اللحظة الأولى، فلم تخبرهم بمصير أبنائهم طوال الليلة الأولى للحادث، وقد عرف بعضهم بالحادثة صدفة، ثم أغلقت الشرطة تحقيقها في الحادث مبكرا جدا، بمجرد العثور على القاتل، بعد أن قتل نفسه داخل المبنى الذي يقيم فيه. يضفي السرد البصري بالأبيض والأسود طابعا سوداويا على الفيلم، وكأننا في رثاء مستمر، ويتحول الفيلم أيضا -باستخدام الظلال السوداء والأضواء القليلة البيضاء والموسيقى التي تضيف طبقة من التوتر- إلى ما يشبه بمزيج بين الطابع الوثائقي وأسلوب النوار، ويتطلب النوار بطبيعة الحال وجود محقق، والأهالي هنا هم من يقوم بهذا الدور. يتتبع الأهالي تفاصيل ليلة الحادث، ثم يجمعون الشهادات، ويعرضون النتائج على الكاميرا، لنشاركهم مسار التحقيق، ثم يكوّنون ما يكفي لصنع طراز مكتمل بفيديوهات توضيحية لكل ما حدث في ليلة الحادث. مع الضغط وظهور بعض الأدلة، يصبح جليا أن المجرم في هذه الليلة لم يكن وحيدا. تفسير الشرطة المتهافت يكشف الفيلم حقيقة يصعب تصديق أنها صدفة، فالحانة التي اقتحمها القاتل وقتل ضحاياه فيها لها باب خلفي للطوارئ، وكانت قد أغلقته الشرطة قبل بضعة أيام من الحادث. وقد فسرت ذلك بأنها كانت تحاول اعتقال مروجي المخدرات الذين يترددون على الحانة، وفي كل مرة تذهب إليها يهرب هؤلاء المشتبه بهم من الباب الخلفي، لذا أغلقت الشرطة الباب هكذا، وحين أتى القاتل بعدها بأيام قليلة لم يجد ضحاياه منفذا للهرب من رصاصه. فكيف عرف القاتل أن هذه الحانة قد أُغلق بابها الخلفي؟ هل نصدق أنه اختار هذه الحانة عشوائيا؟! بعد جهد كبير من الأهالي، تُدفع وزارة الداخلية لبدء تحقيقات جديدة، تنتهي بإثبات أن عددا من رجال الشرطة الألمان الذين كانوا يعملون في تلك الليلة، هم ذوو ميول نازية ويمينية متطرفة. 'الشعب الألماني'.. مصطلح غامض من عصر النازية يحمل الفيلم اسم 'الشعب الألماني' وهو مصطلح يطلقه القوميون الألمان المتطرفون منذ عصر 'هتلر'، وهم يرون أن الجنس الآري هو الوحيد الذي يصلح ليكون الشعب الألماني، وهكذا برروا قتل ملايين البشر في عصر النازية وخلال الحرب العالمية الثانية. يطرح الفيلم السؤال مرة أخرى في عصرنا الحالي، من هو الشعب الألماني؟ نرى في الفيلم ضحايا من الألمان، لكنهم ذوو أصول مهاجرة، منهم مسلمون ومسيحيون أرثوذكس، بعضهم من أصول تركية وبعضهم من أصول رومانية، لكن هل يراهم الشعب الألماني جزءا منه، أم يظل التعريف النازي حاضرا؟ هل تنقذنا السينما من الكارثة القادمة؟ عُرض الفيلم قبيل الانتخابات البرلمانية التي حصد حزب 'البديل من أجل ألمانيا' فيها أعلى نسبة تصويت له أو لأي حزب يميني داخل ألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية، وهو حزب يعرض في برنامجه الانتخابي بلا مواربة خططه لإعادة تهجير المهاجرين المقيمين داخل ألمانيا. كما يصرح بعض قياداته بفخر أن إعادة التهجير هذه ستشمل أيضا من يحملون الجنسية الألمانية، لكنهم مزدوجو الجنسية، أو لا يتماشون مع قيم الهوية الألمانية. يشكل الفيلم بهذا ناقوس خطر، يذكر الألمان أن القتل على الهوية الذي حدث في هاناو ليس ببعيد عن خطايا ألمانيا في القتل على الهوية أثناء عصر النازية، يراهن الفيلم هكذا على محاولة تغيير الحاضر من خلال جعل الماضي القريب حيا، لا سيما أن الجرائم التي تقع من اليمين المتطرف في حق المهاجرين وأصحاب الأصول المهاجرة يُتكتم عليها داخل ألمانيا، في حين يركز الإعلام الألماني بشكل شبه يومي على أي جريمة قد يتورط فيها أجنبي أو مهاجر. تحاول السينما بأفلام مثل 'الشعب الألماني'، أن تعمل على موازنة كفة التحريض على الأجانب والمهاجرين داخل الإعلام والمجتمع الألماني، فذلك تحريض قد تكون نتيجته تكرار أبشع لمأساة هاناو.