logo
أمن المنشآت الذكية: "الذكي" لا يعني "الآمن" فكيف نمنع الاختراق من الداخل؟

أمن المنشآت الذكية: "الذكي" لا يعني "الآمن" فكيف نمنع الاختراق من الداخل؟

الأنباط -
حسام الحوراني خبير الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي
في عصر تتحدث فيه الجدران، وتفكر فيه الكاميرات، وتفهم فيه الأبواب لغة البصمة والرموز الحيوية، تحوّلت المنشآت الذكية من مجرد مبانٍ صامتة إلى كيانات تتنفس التقنية. لكن خلف هذا التطور الهائل، يكمن سؤالٌ مخيف لا يكاد يُطرح بما يكفي: من يحمي هذه المنشآت من التهديد الأخطر؟ ذلك الذي لا يأتي من الخارج، بل ينمو داخلها… بين موظفيها، في أجهزتها، أو حتى من دون وعي ساكنيها؟
لم تعد التهديدات الأمنية كما كانت في الماضي؛ لا جدرانٌ عالية، ولا أقفالٌ متينة تكفي. فالهجمات اليوم لا تُشنّ دائمًا من مجرم يرتدي قناعًا، بل قد تُطلق من موظف يحمل بطاقة دخول رسمية، أو من مهندس يُجري تحديثًا للنظام، أو من جهاز ذكي يُستخدم بشكل غير مدرك لثغراته. الاختراق من الداخل لا يعلن نفسه، بل يندسّ في التفاصيل، ويتسلّل بهدوء عبر الشبكات، ويحوّل المنشأة الذكية إلى فريسة من الداخل قبل أن تُمس من الخارج.
في العالم الرقمي، كل شيء متصل بكل شيء: الأبواب، الكاميرات، نظم الإنذار، المصاعد، أنظمة الطاقة، وكل ذلك يتحكم به من خلال خوارزميات ذكية وأنظمة تحكم مركزية. ومن هنا تبدأ المعركة الأخطر. فإذا لم يكن هناك وعي مؤسسي عميق بأن "الذكي" لا يعني "الآمن"، فإن الذكاء قد يُصبح نقمة. فالخطر الأكبر ليس دومًا في التشفير الضعيف، بل في العنصر البشري غير المدرّب، وفي غياب ثقافة الأمان الرقمي داخل المنشأة.
السؤال إذن: كيف نمنع الاختراق من الداخل؟ كيف نزرع داخل كل موظف، وكل مهندس، وكل متعاقد، شعورًا بأن الأمان ليس مهمة الإدارة فقط، بل هو سلوك جماعي؟ الأمر لا يتعلق بتكنولوجيا متطورة فقط، بل بعقلية مؤسسية تُدرك أن الأمن لا يُركب فقط على الجدران، بل يُبنى في العقول.
أولًا، يجب أن يبدأ الأمان من مرحلة التصميم. فكما تُخطط أنظمة الإضاءة والتكييف والمصاعد، يجب أن تُدمج سياسات الحماية ضمن البنية التحتية التقنية للمبنى. لا ينبغي أن يُنظر للأمن كـ"إضافة لاحقة"، بل كركيزة في قلب أي مشروع ذكي. كما أن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي للكشف عن الأنماط غير الطبيعية في سلوك المستخدمين أصبح ضرورة. ليس لمراقبة الأفراد بقدر ما هو لرصد أي محاولة غير معتادة قد تشير إلى خطر داخلي وشيك.
ثانيًا، لا بد من استثمار حقيقي في بناء الوعي الأمني لدى الموظفين. كثير من الاختراقات تبدأ من كلمة مرور ضعيفة، أو من وصلة USB مجهولة، أو من رابط بريد إلكتروني ملغوم. الأمان لا يأتي من أنظمة وحدها، بل من أشخاص يعرفون كيف يتصرفون عند كل موقف. التدريب المستمر، والمحاكاة، وورش العمل ليست رفاهية، بل واجبًا مثلها مثل إجراءات السلامة من الحريق.
ثالثًا، ينبغي تبني فلسفة "أقل قدر من الامتيازات". لا حاجة لأن يتمكن كل موظف من الوصول إلى كل شيء. التحكم في الصلاحيات، وتحديد مستويات النفاذ، والتتبع الدقيق لكل عملية دخول أو تعديل، تصنع شبكة حماية صلبة. فكما لا نترك مفاتيح كل الأبواب في يد واحدة، لا ينبغي أن نمنح المفاتيح الرقمية بلا حدود.
رابعًا، لا يجب أن نغفل البعد الأخلاقي. كثير من المخاطر الداخلية لا تأتي من خيانة متعمدة، بل من فقدان الانتماء، أو الإحساس بالتهميش، أو ضعف في القيم المؤسسية. حين يشعر الموظف أنه مجرد رقم، فإن احتمال تحوّله إلى تهديد يزداد. لذلك، فبناء ثقافة احترام، واعتراف، وتمكين داخل بيئة العمل، هو خط الدفاع الأول ضد أي اختراق داخلي.
خامسًا، يُمكن للذكاء الاصطناعي ذاته أن يلعب دورًا محوريًا في تحليل سلوك الموظفين داخل المنشأة الذكية، ليس فقط من باب تحسين الأداء، بل لرصد المؤشرات المبكرة على أي سلوك غير معتاد أو مريب. فمع تطور تقنيات التعلّم الآلي، أصبحت الأنظمة قادرة على مراقبة التفاعلات الرقمية، وتحليل أنماط استخدام الأنظمة، وكشف محاولات الوصول غير المصرّح بها، بل وحتى تتبّع التصفّح إلى مواقع إلكترونية مشبوهة قد تشكل خطرًا على أمن الشبكة الداخلية. كما يمكن دمج تقنيات الحوسبة الكمومية مستقبلاً لتحليل كميات هائلة من البيانات السلوكية في زمن قياسي، ما يعزز القدرة على الاستجابة الاستباقية للتهديدات. غير أن هذه الإمكانات التقنية يجب أن تُدار بحكمة، وبإطار قانوني وأخلاقي صارم، يوازن بين متطلبات الأمان واحترام خصوصية الموظفين، حتى لا يتحول الأمان ذاته إلى تهديد من نوع آخر.
أمن المنشآت الذكية لا يتحقق بجدار ناري فقط، بل بجدار من الثقة، والمعرفة، والمسؤولية المشتركة. المنشأة التي لا تبني نظامًا يراقب الداخل والخارج، وتغفل عن العامل الإنساني، ستُخترق عاجلًا أم آجلًا. والسؤال ليس هل ستُخترق؟ بل متى؟ وهل سنكون مستعدين؟
المستقبل لا ينتظر من يتأخر في التفكير، ولا يرحم من يستهين بالخطر. وفي زمن باتت فيه الأبواب تُفتح بالصوت، والأنظمة تُدار بالذكاء، فإن الأمن لم يعد خيارًا... بل واجبًا نعيشه كل يوم فيجب ان نحمي ذكاءنا من أنفسنا.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ما هي الحوسبة الكمومية بكل بساطة
ما هي الحوسبة الكمومية بكل بساطة

جهينة نيوز

timeمنذ 10 ساعات

  • جهينة نيوز

ما هي الحوسبة الكمومية بكل بساطة

تاريخ النشر : 2025-07-07 - 12:13 pm ما هي الحوسبة الكمومية بكل بساطة حسام الحوراني خبير الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي تخيل أنك تعيش في عالم حيث يمكن للعملة أن تكون وجهًا وظهرًا في الوقت نفسه، أو أن شيء معين يستطيع أن يكون في عدة احتمالات في آنٍ واحد!. هذا ليس خيالًا علميًا، بل هو قلب الحوسبة الكمومية ، عالمٌ يخرق منطقنا اليومي، ويعيد تعريف كل ما نعرفه عن الحوسبة والمعالجة والتفكير. الحوسبة الكمومية ليست مجرد تطوّر في الحواسيب، بل هي ثورة تشبه ما حدث عندما استُبدلت الشموع بالكهرباء، أو الخيول بالسيارات. إنها قفزة عقلية قبل أن تكون قفزة تقنية. في الحاسوب العادي الذي نستخدمه الآن، يتم تمثيل المعلومات عبر "بتات" تأخذ إما القيمة 0 أو 1. كل عملية حسابية، كل صورة تراها على هاتفك، كل أغنية تستمع إليها، تتم معالجتها عبر مليارات من هذه البتات الثنائية. أما في الحوسبة الكمومية، فهناك كائن جديد اسمه "الكيوبت" (Qubit). الكيوبت يمكن أن يكون 0 أو 1 أو كلاهما معًا في حالة تُسمى "التراكب الكمومي'. هذا يعني أن الحاسوب الكمومي يمكنه استكشاف مسارات متعددة في الوقت ذاته، في حين أن الحاسوب التقليدي يسلك مسارًا واحدًا في كل مرة. لكن هذا ليس كل شيء. هناك ظاهرة أخرى تُسمى "التشابك الكمومي"، حيث يصبح الكيوبتان مرتبطين بطريقة تجعل تغيير أحدهما يؤثر في الآخر فورًا، مهما كانت المسافة بينهما. هذه الظاهرة، التي حيّرت حتى أينشتاين، تُعتبر إحدى الركائز التي تمنح الحوسبة الكمومية قوّتها الخارقة في معالجة المعلومات. فما النتيجة؟ ببساطة: حواسيب قادرة على حل مشكلات كان يُعتقد أنها ستأخذ ملايين السنين، في ثوان. مثلًا، في تطوير الأدوية، يمكن لحاسوب كمومي أن يُحاكي جزيئات معقّدة بشكل لم يكن ممكنًا من قبل، ما يُسرّع اكتشاف علاجات لأمراض مستعصية. في الأمن السيبراني، يمكن له كسر شيفرات التشفير التقليدية، لكنه أيضًا يمكنه تأسيس شبكات اتصالات لا يمكن اختراقها. في الذكاء الاصطناعي، يمكن أن يُحدث طفرة في فهم الأنماط، وتدريب النماذج بسرعة لا تُصدق. لكن قبل أن نخاف أو نفرط في الحماس، علينا أن نفهم أن هذه التقنية ما زالت في مراحلها الاولى وتحت الاختبار. حواسيب كمومية حقيقية موجودة اليوم، لكنها تحتاج إلى تبريد لدرجات قريبة من الصفر المطلق، في ظروف معقّدة وغالية الثمن. هناك تحديات هائلة في استقرار الكيوبتات، في تصحيح الأخطاء، في تحجيم الأنظمة. إنها كما كانت الحواسيب في خمسينات القرن الماضي: ضخمة، مكلفة، وبحاجة إلى عقود لتصبح شائعة. لكن اللحظة التاريخية تقترب. كل شركات التكنولوجيا الكبرى مثل غوغل، آي بي إم، مايكروسوفت، أمازون وشركات صينية تتسابق لتطوير حواسيب كمومية أكثر استقرارًا وأقل تكلفة. دول مثل الصين والولايات المتحدة تستثمر مليارات الدولارات. ونحن، في الوطن العربي، لا يجب أن نبقى متفرجين. فهذه ليست مجرد تقنية، بل لغة المستقبل، وأداة ستغيّر كل القطاعات: من الاقتصاد إلى الطاقة، من البيئة إلى الدفاع، من الطب إلى الذكاء الاصطناعي. السؤال الآن ليس فقط ما هي الحوسبة الكمومية، بل: هل نحن مستعدون لها؟ هل نجهّز أبناءنا لفهمها؟ هل نستثمر في تعليم الفيزياء وعلوم الحاسوب ورياضيات الكم؟ هل نُشعل فضول شبابنا، ليقرأوا عنها، ويتعلموها، ويصبحوا جزءًا من هذه الثورة؟ الحوسبة الكمومية ليست حكرًا على العلماء في مختبرات الغرب. إنها فكرة تبدأ من كتاب، من فيديو، من فضول في عقل شاب عربي قرر أن يفهم، أن يسأل، أن لا يكتفي بما هو موجود. إنها فرصة لنا لنكون جزءًا من المستقبل، لا مجرد مستهلكين له. وإذا كنا نبحث عن المعجزة التي تنهض بأوطاننا، فقد تكون كيوبتًا... صغيرًا، غير مرئي، لكنه يحمل بداخله قفزة هائلة في الزمن والإمكانات. لذا، إن كنت تسمع بهذه التقنية للمرة الأولى، فابدأ من هنا. اقرأ، تعلّم، اسأل. فالذين سيقودون الغد، هم من قرروا أن يفهموا اليوم. تابعو جهينة نيوز على

ما هي الحوسبة الكمومية بكل بساطة
ما هي الحوسبة الكمومية بكل بساطة

الانباط اليومية

timeمنذ 14 ساعات

  • الانباط اليومية

ما هي الحوسبة الكمومية بكل بساطة

الأنباط - ما هي الحوسبة الكمومية بكل بساطة حسام الحوراني خبير الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي تخيل أنك تعيش في عالم حيث يمكن للعملة أن تكون وجهًا وظهرًا في الوقت نفسه، أو أن شيء معين يستطيع أن يكون في عدة احتمالات في آنٍ واحد!. هذا ليس خيالًا علميًا، بل هو قلب الحوسبة الكمومية ، عالمٌ يخرق منطقنا اليومي، ويعيد تعريف كل ما نعرفه عن الحوسبة والمعالجة والتفكير. الحوسبة الكمومية ليست مجرد تطوّر في الحواسيب، بل هي ثورة تشبه ما حدث عندما استُبدلت الشموع بالكهرباء، أو الخيول بالسيارات. إنها قفزة عقلية قبل أن تكون قفزة تقنية. في الحاسوب العادي الذي نستخدمه الآن، يتم تمثيل المعلومات عبر "بتات" تأخذ إما القيمة 0 أو 1. كل عملية حسابية، كل صورة تراها على هاتفك، كل أغنية تستمع إليها، تتم معالجتها عبر مليارات من هذه البتات الثنائية. أما في الحوسبة الكمومية، فهناك كائن جديد اسمه "الكيوبت" (Qubit). الكيوبت يمكن أن يكون 0 أو 1 أو كلاهما معًا في حالة تُسمى "التراكب الكمومي'. هذا يعني أن الحاسوب الكمومي يمكنه استكشاف مسارات متعددة في الوقت ذاته، في حين أن الحاسوب التقليدي يسلك مسارًا واحدًا في كل مرة. لكن هذا ليس كل شيء. هناك ظاهرة أخرى تُسمى "التشابك الكمومي"، حيث يصبح الكيوبتان مرتبطين بطريقة تجعل تغيير أحدهما يؤثر في الآخر فورًا، مهما كانت المسافة بينهما. هذه الظاهرة، التي حيّرت حتى أينشتاين، تُعتبر إحدى الركائز التي تمنح الحوسبة الكمومية قوّتها الخارقة في معالجة المعلومات. فما النتيجة؟ ببساطة: حواسيب قادرة على حل مشكلات كان يُعتقد أنها ستأخذ ملايين السنين، في ثوان. مثلًا، في تطوير الأدوية، يمكن لحاسوب كمومي أن يُحاكي جزيئات معقّدة بشكل لم يكن ممكنًا من قبل، ما يُسرّع اكتشاف علاجات لأمراض مستعصية. في الأمن السيبراني، يمكن له كسر شيفرات التشفير التقليدية، لكنه أيضًا يمكنه تأسيس شبكات اتصالات لا يمكن اختراقها. في الذكاء الاصطناعي، يمكن أن يُحدث طفرة في فهم الأنماط، وتدريب النماذج بسرعة لا تُصدق. لكن قبل أن نخاف أو نفرط في الحماس، علينا أن نفهم أن هذه التقنية ما زالت في مراحلها الاولى وتحت الاختبار. حواسيب كمومية حقيقية موجودة اليوم، لكنها تحتاج إلى تبريد لدرجات قريبة من الصفر المطلق، في ظروف معقّدة وغالية الثمن. هناك تحديات هائلة في استقرار الكيوبتات، في تصحيح الأخطاء، في تحجيم الأنظمة. إنها كما كانت الحواسيب في خمسينات القرن الماضي: ضخمة، مكلفة، وبحاجة إلى عقود لتصبح شائعة. لكن اللحظة التاريخية تقترب. كل شركات التكنولوجيا الكبرى مثل غوغل، آي بي إم، مايكروسوفت، أمازون وشركات صينية تتسابق لتطوير حواسيب كمومية أكثر استقرارًا وأقل تكلفة. دول مثل الصين والولايات المتحدة تستثمر مليارات الدولارات. ونحن، في الوطن العربي، لا يجب أن نبقى متفرجين. فهذه ليست مجرد تقنية، بل لغة المستقبل، وأداة ستغيّر كل القطاعات: من الاقتصاد إلى الطاقة، من البيئة إلى الدفاع، من الطب إلى الذكاء الاصطناعي. السؤال الآن ليس فقط ما هي الحوسبة الكمومية، بل: هل نحن مستعدون لها؟ هل نجهّز أبناءنا لفهمها؟ هل نستثمر في تعليم الفيزياء وعلوم الحاسوب ورياضيات الكم؟ هل نُشعل فضول شبابنا، ليقرأوا عنها، ويتعلموها، ويصبحوا جزءًا من هذه الثورة؟ الحوسبة الكمومية ليست حكرًا على العلماء في مختبرات الغرب. إنها فكرة تبدأ من كتاب، من فيديو، من فضول في عقل شاب عربي قرر أن يفهم، أن يسأل، أن لا يكتفي بما هو موجود. إنها فرصة لنا لنكون جزءًا من المستقبل، لا مجرد مستهلكين له. وإذا كنا نبحث عن المعجزة التي تنهض بأوطاننا، فقد تكون كيوبتًا... صغيرًا، غير مرئي، لكنه يحمل بداخله قفزة هائلة في الزمن والإمكانات. لذا، إن كنت تسمع بهذه التقنية للمرة الأولى، فابدأ من هنا. اقرأ، تعلّم، اسأل. فالذين سيقودون الغد، هم من قرروا أن يفهموا اليوم.

أمن المنشآت الذكية: "الذكي" لا يعني "الآمن" فكيف نمنع الاختراق من الداخل؟
أمن المنشآت الذكية: "الذكي" لا يعني "الآمن" فكيف نمنع الاختراق من الداخل؟

جهينة نيوز

timeمنذ 2 أيام

  • جهينة نيوز

أمن المنشآت الذكية: "الذكي" لا يعني "الآمن" فكيف نمنع الاختراق من الداخل؟

تاريخ النشر : 2025-07-05 - 12:18 pm حسام الحوراني خبير الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي في عصر تتحدث فيه الجدران، وتفكر فيه الكاميرات، وتفهم فيه الأبواب لغة البصمة والرموز الحيوية، تحوّلت المنشآت الذكية من مجرد مبانٍ صامتة إلى كيانات تتنفس التقنية. لكن خلف هذا التطور الهائل، يكمن سؤالٌ مخيف لا يكاد يُطرح بما يكفي: من يحمي هذه المنشآت من التهديد الأخطر؟ ذلك الذي لا يأتي من الخارج، بل ينمو داخلها… بين موظفيها، في أجهزتها، أو حتى من دون وعي ساكنيها؟ لم تعد التهديدات الأمنية كما كانت في الماضي؛ لا جدرانٌ عالية، ولا أقفالٌ متينة تكفي. فالهجمات اليوم لا تُشنّ دائمًا من مجرم يرتدي قناعًا، بل قد تُطلق من موظف يحمل بطاقة دخول رسمية، أو من مهندس يُجري تحديثًا للنظام، أو من جهاز ذكي يُستخدم بشكل غير مدرك لثغراته. الاختراق من الداخل لا يعلن نفسه، بل يندسّ في التفاصيل، ويتسلّل بهدوء عبر الشبكات، ويحوّل المنشأة الذكية إلى فريسة من الداخل قبل أن تُمس من الخارج. في العالم الرقمي، كل شيء متصل بكل شيء: الأبواب، الكاميرات، نظم الإنذار، المصاعد، أنظمة الطاقة، وكل ذلك يتحكم به من خلال خوارزميات ذكية وأنظمة تحكم مركزية. ومن هنا تبدأ المعركة الأخطر. فإذا لم يكن هناك وعي مؤسسي عميق بأن "الذكي" لا يعني "الآمن"، فإن الذكاء قد يُصبح نقمة. فالخطر الأكبر ليس دومًا في التشفير الضعيف، بل في العنصر البشري غير المدرّب، وفي غياب ثقافة الأمان الرقمي داخل المنشأة. السؤال إذن: كيف نمنع الاختراق من الداخل؟ كيف نزرع داخل كل موظف، وكل مهندس، وكل متعاقد، شعورًا بأن الأمان ليس مهمة الإدارة فقط، بل هو سلوك جماعي؟ الأمر لا يتعلق بتكنولوجيا متطورة فقط، بل بعقلية مؤسسية تُدرك أن الأمن لا يُركب فقط على الجدران، بل يُبنى في العقول. أولًا، يجب أن يبدأ الأمان من مرحلة التصميم. فكما تُخطط أنظمة الإضاءة والتكييف والمصاعد، يجب أن تُدمج سياسات الحماية ضمن البنية التحتية التقنية للمبنى. لا ينبغي أن يُنظر للأمن كـ"إضافة لاحقة"، بل كركيزة في قلب أي مشروع ذكي. كما أن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي للكشف عن الأنماط غير الطبيعية في سلوك المستخدمين أصبح ضرورة. ليس لمراقبة الأفراد بقدر ما هو لرصد أي محاولة غير معتادة قد تشير إلى خطر داخلي وشيك. ثانيًا، لا بد من استثمار حقيقي في بناء الوعي الأمني لدى الموظفين. كثير من الاختراقات تبدأ من كلمة مرور ضعيفة، أو من وصلة USB مجهولة، أو من رابط بريد إلكتروني ملغوم. الأمان لا يأتي من أنظمة وحدها، بل من أشخاص يعرفون كيف يتصرفون عند كل موقف. التدريب المستمر، والمحاكاة، وورش العمل ليست رفاهية، بل واجبًا مثلها مثل إجراءات السلامة من الحريق. ثالثًا، ينبغي تبني فلسفة "أقل قدر من الامتيازات". لا حاجة لأن يتمكن كل موظف من الوصول إلى كل شيء. التحكم في الصلاحيات، وتحديد مستويات النفاذ، والتتبع الدقيق لكل عملية دخول أو تعديل، تصنع شبكة حماية صلبة. فكما لا نترك مفاتيح كل الأبواب في يد واحدة، لا ينبغي أن نمنح المفاتيح الرقمية بلا حدود. رابعًا، لا يجب أن نغفل البعد الأخلاقي. كثير من المخاطر الداخلية لا تأتي من خيانة متعمدة، بل من فقدان الانتماء، أو الإحساس بالتهميش، أو ضعف في القيم المؤسسية. حين يشعر الموظف أنه مجرد رقم، فإن احتمال تحوّله إلى تهديد يزداد. لذلك، فبناء ثقافة احترام، واعتراف، وتمكين داخل بيئة العمل، هو خط الدفاع الأول ضد أي اختراق داخلي. خامسًا، يُمكن للذكاء الاصطناعي ذاته أن يلعب دورًا محوريًا في تحليل سلوك الموظفين داخل المنشأة الذكية، ليس فقط من باب تحسين الأداء، بل لرصد المؤشرات المبكرة على أي سلوك غير معتاد أو مريب. فمع تطور تقنيات التعلّم الآلي، أصبحت الأنظمة قادرة على مراقبة التفاعلات الرقمية، وتحليل أنماط استخدام الأنظمة، وكشف محاولات الوصول غير المصرّح بها، بل وحتى تتبّع التصفّح إلى مواقع إلكترونية مشبوهة قد تشكل خطرًا على أمن الشبكة الداخلية. كما يمكن دمج تقنيات الحوسبة الكمومية مستقبلاً لتحليل كميات هائلة من البيانات السلوكية في زمن قياسي، ما يعزز القدرة على الاستجابة الاستباقية للتهديدات. غير أن هذه الإمكانات التقنية يجب أن تُدار بحكمة، وبإطار قانوني وأخلاقي صارم، يوازن بين متطلبات الأمان واحترام خصوصية الموظفين، حتى لا يتحول الأمان ذاته إلى تهديد من نوع آخر. أمن المنشآت الذكية لا يتحقق بجدار ناري فقط، بل بجدار من الثقة، والمعرفة، والمسؤولية المشتركة. المنشأة التي لا تبني نظامًا يراقب الداخل والخارج، وتغفل عن العامل الإنساني، ستُخترق عاجلًا أم آجلًا. والسؤال ليس هل ستُخترق؟ بل متى؟ وهل سنكون مستعدين؟ المستقبل لا ينتظر من يتأخر في التفكير، ولا يرحم من يستهين بالخطر. وفي زمن باتت فيه الأبواب تُفتح بالصوت، والأنظمة تُدار بالذكاء، فإن الأمن لم يعد خيارًا... بل واجبًا نعيشه كل يوم فيجب ان نحمي ذكاءنا من أنفسنا. تابعو جهينة نيوز على

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store