
من أسماء الله الحسنى (الواحد)
إيطاليا تلغراف
د. علي محمد الصلابي
(الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)
اسم 'الواحد' هو اسم من أسماء الله الحسنى التي تدل على تفرده سبحانه وتعالى بالوحدانية، فهو الواحد الذي لا ثاني له، ولا مثيل ولا نظير، وهو الواحد في ألوهيته، فلا معبود بحق سواه، وهو الواحد في ربوبيته، فلا خالق ولا رازق إلا هو، وهو الواحد في صفاته، فلا يشبهه شيء من خلقه، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وقد ورد اسم الله الواحد في أكثر من عشرين موضعاً في القرآن الكريم ومن ذلك:
قوله تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ ]الرعد: 16[، وقوله تعالى: ﴿وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ ]النحل:51[، وقوله تعالى: ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ ]غافر:16[.
ويقول الشيخ السعدي رحمه الله: 'الواحد الأحد' هو الذي توحد بجميع الكمالات، وتفرد بكل كمال، وجلال وجمال، وحمد وحكمة ورحمة وغيرها من صفات الكمال؛ فليس فيها مثيل، ولا نظير ولا مناسب بوجه من الوجوه، فهو الأحد في قيوميته وعلمه وقدرته وعظمته وجلاله وجماله وحمده وحكمته وغيرها من صفاته، موصوفٌ بغاية الكمال، ونهايته من كل صفة من هذه الصفات، فيجب على العبيد توحيده عقلاً وقولاً وعملاً بأن يعترفوا بكماله المطلق وتفرده بالوحدانية، ويفردوه بأنواع العبادة ( قصة بدء الخلق، الصلابي، ص1136).
قال القرطبي: 'اسم الله الواحد جاء في الكتاب والسنة وأجمع عليه علماء الأمة، وهو من أعظم أسماء الله الحسنى وأولاها بالاختصاص به، وعدم المشاركة فيه، فالله تعالى متعال عن أن يشبه شيئًا من الحادثات، أو يمازجه شيء من الكائنات، بل هو بذاته متفرد عن جميع المخلوقات، وأنه ليس بجوهر ولا عرض ولا جسم، خلافًا للنصارى، تعالى الله عن قولهم وتسميتهم، وأنه لا تحلّه الكائنات، ولا تمازجه الحادثات، ولا له مكان يحويه، ولا زمان هو فيه، …. فالله تعالى هو الواحد لا نظير له، وهو الذي يعتمد عليه عباده ويقصدونه' ولا يتَكلون إلا عليه جل وعز. (أسماء الله الحسنى، القرضاوي، ص73).
يقول الشيخ ابن عثيمين: «الواحد هو الفرد الذي لم يزل وحده، ولم يكن معه آخر، وهو الفرد المتفرد في ذاته وصفاته وأفعاله وألوهيته، فهو واحد في ذاته لا يتجزأ أو لا يتفرق، أحد صمد لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد. وهو واحد في صفاته لا شبيه له على الوجه اللائق به من غير أن يماثله أحد فيما يختص به، وهو واحد في أفعاله لا شريك له، واحد في ألوهيته لا معبود حق إلا هو» (تقريب التدميرية، ابن عثيمين، ص138).
وقد ورد اسم الله «الواحد» في اثنتين وعشرين آية من كتاب الله، وورد اسم «الأحد» في سورة الإخلاص، وأصل اشتقاق الاسمين واحد، فكلاهما من جذر واحد من كلمة (وحد)، وهي تدلُّ على وحدانية الذات، فلا إله إلا الله، ووحدانية الصفات، فليس له شبيه ولا سَمِيٌّ: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى:11]، وتدل على انفراده من الأشياء، وانفراد الأشياء منه، قال الخطابي رحمه الله: (الواحد: الفرد الذي لم يَزَلْ وحده). فالقرآن الكريم والسنة أوضحا غاية الإيضاح تَفَرُّد الخالق عن المخلوق.
وفي كتاب الله جل وعز سورة تُسمَّى: «الإخلاص»: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) [الإخلاص:1-4]، وقد سُمِّيت هذه السورة بالإخلاص؛ لأنها اشتملت على إثبات الكمال والحدانية لله سبحانه وتعالى، فأثبتت اسمه العظيم وهو: «اللَّه»، وأثبتت وحدانيته، وأثبتت صَمَدِيَّته، ثم نَفَت عنه ما كانوا يَدَّعونه من وجود الوالد أو الولد، أو أن يكون له كُفُو أو شريك أو مُشابِه، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه السورة في الركعة الثانية من راتبة الفجر، وراتبة المغرب، ويقرؤها في صلاة الوتر، وركعتي الطواف (مع الله، العودة، ص235).
مراجع:
* قصة بدء الخلق، علي محمد الصلابي، طبعة دار ابن رجب.
* أسماء الله الحسنى، يوسف القرضاوي، ط1، الدار الشامية، تركيا، 2017م.
* شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة، سعيد علي القحطاني، السعودية، 1988
* تقريب التدميرية، ابن عثيمين
* مع الله الاسم الأعظم، سلمان العودة، ط5، مؤسسة الإسلام اليوم للنشر، السعودية، 2010م.
إيطاليا تلغراف

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشروق
منذ ساعة واحدة
- الشروق
الامتحان الذي نغفل عنه!
ربّما ينشغل العبد في هذه الدّنيا ببعض الامتحانات العارضة والمتكرّرة، عن أهمّ امتحان يخوضه في حياته؛ امتحان لا يشغل المؤمن عن الامتحانات الأخرى ما دامت لأجل ما أباح الله، لكنّ هذه الامتحانات يمكن أن تشغله عن هذا الامتحان الأهمّ، متى ما ضعف إيمانه وغفلت روحه. إنّه 'امتحان الحياة'، والحياة كلّها من البلوغ إلى الوفاة، امتحان لا مناص من خوضه، يجتازه كلّ عبد أدرك سنّ البلوغ؛ الشابّ والشيخ والرّجل والمرأة، والطّبيب والمعلّم والأستاذ والطالب والمدير، والفلاح والبطّال. هو امتحان إجباريّ، لكنّنا كثيرا ما نغفل عنه وننساه، وإن تذكّرناه فربّما لا نوليه من الاهتمام قدر اهتمامنا بامتحانات أخرى كثيرة.. ولعلّنا ندرك هذا التقصير من أنفسنا لو نظرنا كم منّا يجلس مع نفسه جلسة صدق في ساعة من ليل أو نهار ليسألها: يا ترى هل سأكون من النّاجحين في امتحان الحياة أم من الخاسرين؟ يا ترى ما هي علامتي في امتحان الحياة؟ هل هي فوق الصّفر أم تحته؟ هل حسناتي أكثر أم سيئاتي؟ أتراني أسير في طريق الجنّة أم في طريق النّار؟ أخي المؤمن.. بالله عليك، لو طُلب منك أن تدفع كلّ ما تملك لتعرف ماذا لك عند الله، أ كنت ستتأخّر عن ذلك؟ لا شكّ أنّك لن تتأخّر لحظة واحدة. فماذا لو قلتُ لك إنّك تملك ميزانا لا يكلّفك دينارا ولا درهما يُعرّفك بما لك عند الله. نعم إذا أردت أن تعرف ما لك عند الله، فانظر ما لله عندك؟ انظر ما حظّ الإسلام من حياتك؟ هل الإسلام هو ما يحكم قلبك في حبّك وبغضك ورضاك وسخطك؟ هل الإسلام هو ما يحكم معاملاتك؟ هل هو ما يحكمكِ في لباسكِ أيتها المؤمنة؟ هل الإسلام هو ما يحكم أسرتكَ أخي المؤمن؟ هل يهمّك أن يكون كلّ اختيار في بيتك ممّا يرضي الله جلّ وعلا؟ هل يهمّك أن يكون ما تشاهده زوجتك ويشاهده أبناؤك وبناتك على شاشة التلفاز وشاشات الهواتف ممّا يرضاه الله؟ هل يهمّك أن يرضى الله عن كلّ خروج تخرجه زوجتك؟ هل يهمّك أن يرضى الله عن سلوك وسمت أبنائك وبناتك؟ اجلس مع نفسك جلسة صدق وابحث عن الإسلام في قلبك ونفسك وروحك، هل يهمّك مستقبل هذا الدّين؟ هل يؤلمك ما يحدث لإخوانك المسلمين في فلسطين واليمن والسّودان وكشمير؟ ابحث عن الإسلام في جوارحك، وفي مالك الذي تطعم به عيالك. ابحث عن الإسلام بين جدران منزلك. ابحث عن الإسلام في تلفازك بيتك وفي هاتف جيبك. ابحث عن الإسلام في لباس بناتك وحال أبنائك. إياك أخي المؤمن أن تنسى أنّ الحياة امتحان؛ المراقِب فيه ملكان لا يغادران صغيرة ولا كبيرة إلا أحصياها ((إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))، وفوقهما ربّ جليل لا تخفى عليه خافية. ((يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُور)). القلم في هذا الامتحان هو الجوارح والورقة هي الصّحيفة، فانظر ما عساك تكتب في صحيفتك، فإنّ الموعد أمام ميزان يزن الشعرة والذرّة. وأنت أيها الطّالب، يا من أنت مقبل على امتحان من الامتحانات المهمّة بعد أسابيع قليلة.. استعن بالله والجأ إليه -جلّ في علاه- لجوء صادق مخلص. حافظ على صلواتك في أوقاتها. حافظ على الأذكار وأكثر من الدّعاء والإلحاح فيه. ادع الله أن يثبّتك ويربط على قلبك، ويوفّقك، قل 'اللهمّ لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا'. ليس حراما ولا عيبا أن تلجأ إلى الله كلّما احتجت إليه وإلى توفيقه، ولكنّ الحرام والعيب أن تلجأ إليه وقت الحاجة وتنساه إذا قضيت حاجتك، كما قال سبحانه: ((وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون)). العيب أن تستعين بمولاك في أمور دنياك وتنساه في أمور دينك وآخرتك: ((فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَاب)).. استعن بالدّعاء وقت الأسحار، والمذاكرة في وقت الفجر فإنّها من أنفع ساعات النّهار. تجنّب السّهر إلى ساعات اللّيل المتأخّرة، فإنّ العقل في تلك السّاعات يكون في مرحلة أشبه بالخمول، والاستيعاب في تلك السّاعات قليل ويكاد يكون معدوما. تجنّب الإكثار من المنبّهات كالقهوة والشّاي. لا تجهد نفسك فوق طاقتها، وأعطها حقّها من الرّاحة من حين لآخر، فإنّ الرّاحة للجدّ جدّ. اجتهد في النّجاح أوّل مرّة، ووطّن نفسك على ذلك، لكن لا تنس أنّ الامتحان الذي تخوضه ليس هو النّهاية، فهو امتحان يمكن تعويض خسارته في فرص أخرى إن أمدّ الله في عمرك، على عكس امتحان الحياة فهو فرصة وحيدة لا تتكرّر ولا تتاح مرّة أخرى.. اهتمّ بالامتحان الذي أنت مقبل عليه، لكن لا تعطه فوق ما يستحقّ فتضطرب وينتابك الخوف. أنت مطالب بتقديم الأسباب، والنتائج ليست بيدك، إنّما هي بيد من قسم بين عباده معايشهم وأرزاقهم وحظوظهم. والله الموفّق.


الشروق
منذ يوم واحد
- الشروق
كنوز صلاة الفجر
يُروى عن صحابيّ رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلّم- أنس بن مالك –رضيَ الله عنه- أنّه كان يبكي كلما تذكَّر فتح 'تُسْتر'، المدينة الفارسية الحصينة التي حاصرها المسلمون سنة ونصف السّنة، ثم تحقّق لهم فتحها؛ سبب بكائه ربّما يكون غريبا في موازين أهل زماننا، لكنّه ليس كذلك في موازين عبادٍ لله امتلأت قلوبهم بخشية الله وتعظيمه. لقد فُتح حصن المدينة قبيل ساعة الفجر، واندفع جيش المسلمين إلى الحصن مستغلّين تلك الفرصة، فدارت معركة في منتهى الضراوة، وفي النهاية كتب الله النصر. لقد تحقق النصر، لكن بعد شروق الشمس، وبعد خروج وقت صلاة الصّبح. فرح المسلمون بالنّصر، وحزنوا لفوات صلاة الفجر، على الرّغم من أنّهم كانوا معذورين، في حال التحامٍ كامل مع العدوّ، لم يكن ممكنا معه إقامة الصّلاة، ولكنّ القلوب الحيّة حزنت على فوات صلاةٍ هي أحبّ الصّلوات إلى الله جلّ وعلا، وإلى عباده الصّالحين الذين يدركون أثرها في تزكية الأنفس وإعلاء الهمم وصناعة الرّجال. هكذا انتصر الأوّلون وسادوا الدّنيا حينما كانت قلوبهم عامرة بخشية الله، وأنفسهم لوّامة لا ترضى بالتّقصير في حقّه جلّ في علاه.. وفي زماننا، ضيّع كثير من المسلمين الصّلوات واتّبعوا الشّهوات، فذلّت الأمّة وهانت وأصبحت غرضا للأمم من حولها. نعم أخي المؤمن.. ربّما تكون بتقصيرك في حقّ دينك، وإصرارك على إضاعة صلاة الفجر، سببا في زيادة جراح الأمّة، وإطالة محنتها.. وقبل هذا، ربّما تكون إضاعتك لصلاة الفجر سببا في ضيق نفْسك ووهن بدنك وتعسّر أمورك.. اسأل نفسك: كم سنة وأنت تنام عن صلاة الفجر؟ ماذا جنيت من نومك عن هذه الفريضة التي تشهدها ملائكة اللّيل والنّهار؟ وهَن وفتور وضجر وقلق وحيرة وسوادُ وجهٍ وقسوة قلب.. هذا هو حصادك في كلّ هذه السّنوات التي نمت فيها عن صلاة الفجر. وهذا ما جنيته على نفسك بإصرارك على هذه الكبيرة المنكرة. دعوة للتدبّر أخي المؤمن.. في كلّ ليلة تقبض روحك وتعاد إليك بعد طلوع الشمس سالمة مسلّمة، فتفتح عينيك على ضوء الصّباح وضيائه؛ أما خشيت أن تفتح عينيك في يوم من الأيام ولأوّل مرّة على ظلام حالك ليس ظلام الدّنيا ولكنّه ظلام حفرة القبر، فهل ترى ينفعك النّوم حينها؟ أخي المؤمن.. هل تأمّلت حالك، كم مرّة قمت باكرا لموعد بينك وبين بشر مثلك؟ أنسيت موعدك كلّ صباح مع ربّ الأرباب؟ كم مرّة قمت قبل الفجر لسفر من الأسفار؟ كلّما كان سفرك أطول كان زهدك في النّوم أكثر؛ فهلاّ قمت –أخي- لتتزوّد لسفر طويل لا رجوع بعده. هل سمعت أُخيّ قول نبيّ الهدى -عليه الصّلاة والسّلام-: 'أثقل الصّلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبْوا'؟ أترضى لنفسك أن تحشر يوم القيامة مع المنافقين؟ ربّما تصلّي الظّهر والعصر والمغرب والعشاء لوقتها، وتصوم وتتصدّق، وتحشر مع المنافقين لأنّك لا تصلّي الفجر لوقتها، وتتهاون في أحبّ صلاة إلى عباد الله المؤمنين وأبغضها إلى المنافقين. كنوز صلاة الفجر أخي المؤمن. لا شكّ أنّك سمعت وقرأت مرارا وتكرارا قول ربّك جلّ وعلا: ((أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا))، أ تدري ما المقصود بقرآن الفجر؟ إنّها صلاة الفجر، وهل تدري معنى قوله تعالى ((إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا))؟ معناه أنّ ملائكة الليل وملائكة النّهار تجتمع لصلاة الفجر. إنّه سرّ تلك الرّوحانيّة وذلك الأنس والانشراح والطّمأنينة التي تجدها تلك القلّة المؤمنة التي تصلّي الفجر في بيوت الله، إنّها أسعد ساعة في اليوم كلّه، كيف لا والنّبيّ عليه الصّلاة والسّلام يقول: 'ركعتا الفجر خير من الدّنيا وما فيها'، ومعنى هذا أنّ السّعادة التي يجدها من يصلّي الفجر لوقتها أعظم من سعادة من اجتمعت أمامه نعم الدّنيا بأسرها، ألا تحبّ أخي المؤمن أن تكون أسعد من الملوك؟ ألا تحبّ أن تكون أسعد من أثرياء هذا العالم؟ صلّ الفجر لوقتها تكن كذلك، وتحْظَ بمعية الله وحفظه ورعايته، يقول عليه الصّلاة والسّلام: (من صلّى الفجر فهو في ذمّة الله)، بمعنى أنّه في حفظ الله ورعايته سبحانه، ومَن حفظه الله فمن ذا الذي يضرّه؟ ((فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين)). هذا في الدّنيا، أمّا في الآخرة، فتأمّل معي قول النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام-: 'لن يلج النّار أحد صلّى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها'، معنى هذا أنّك إذا صلّيت الفجر والعصر لوقتهما كُتبت لك براءة ونجاة من النّار. فيا لها من غنيمة ثمنها يسير ويسير جدّا. ليس هذا فقط وإنّما هناك المزيد، اقرأ معي هذا الحديث الذي يقول فيه نبيّنا -عليه الصّلاة والسّلام-: 'من صلّى الصّبح في جماعة فكأنّما قام الليل كلّه'، إذا صلّيت الصّبح في جماعة كُتب لك أجر قيام ليلة بأكملها. فياله من ثواب جزيل لقاء عمل يسير لمن استعان بالله وطلب هداه، ربّما لا زلت تريد المزيد، وفعلا هناك المزيد، يقول عليه الصّلاة والسّلام: 'بشّر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنّور التّامّ يوم القيامة'؛ في عرصات يوم القيامة، يوم يحشر العصاة والمذنبون والكفرة والمنافقون سود الوجوه، تكون أنت ممّن يحظى ويسعد بذلك النّور التّامّ في وجهك وعلى الصّراط مع عباد الله المشّائين في ظلمات اللّيالي إلى بيوت الله عزّ وجلّ.. ثمّ في النّهاية يكون مستقرّك في الجنّة التي وعد الله عباده المحافظين على صلاة الفجر، يقول عليه الصّلاة والسّلام: 'من صلّى البردين دخل الجنّة'، والبردان هما الصّبح والعصر، فإذا داومت على صلاة الفجر وصلاة العصر لوقتهما ولقيت الله على ذلك كنت من أهل الجنّة، نعم من أهل الجنّة. وماذا بعد؟ وبعدُ أخي المسلم، يا من عدت إلى النّوم عن صلاة الفجر بعد رمضان. يا من تصلّي الفجر في بيتك. أرأيت كم ضيّعت على نفسك من الخيرات والبركات والحسنات؟ سعادة ما بعدها سعادة، حِفظ من الله من كلّ مكروه، حسنات تصبّ عليك صبّا، نور يوم القيامة، نجاة من النّار وفوز بدار الأبرار. ألا فتب إلى الله من النّوم عن صلاة الصّبح، واعقد العزم أن تبدأ من الغد بحول الله، وتسعى جاهدا لتكون من أهل الفجر الذين يحبّهم الله ويحبّونه؛ إنّك لن تفشل أبدا إذا توكّلت على الله وسألته بإلحاح أن يعينك على نفسك.. ربّما تنام حين تنام وأنت لم تفكّر في القيام للصّلاة، ربّما تنام وأنت تتمنّى ألاّ تستيقظ حتّى تجد لنفسك الأعذار والمبرّرات، ربّما تنام وأنت جازم وموقن أنّك ستفتح عينيك من الغد على الدّنيا، ربّما تنام على غير طهارة، ربّما تنام وأنت تفكّر في هموم الدّنيا بل ربّما تغمض عينيك على مشاهد وصورٍ لا يرضاها الله على شاشة الهاتف، تزرع شوكا وتريد أن تجني عنبا. محال أخا الإسلام.. إذا أردت طاعة الله في أوّل النّهار فلا تعصه في أوّل اللّيل، إذا أردت الاستيقاظ باكرا فنم باكرا ودع عنك السّهر في القيل والقال.. نَمْ أخي باكرا.. لا تنم إلاّ على طهارة.. اقرأ أذكار النّوم، اقرأ آية الكرسيّ والمعوّذتين، ادع الله أن يبعثك إذا نادى مناديه للصّلاة، استعن بمنبّه واجعله بعيدا عنك حتّى لا توقف رنينه وأنت لا تشعر، أوص من يوقظك ولو عن طريق الهاتف، حاول أن تستحضر أنّ نومتك ربّما تكون آخر نومة لك في هذه الحياة.


أخبار اليوم الجزائرية
منذ 2 أيام
- أخبار اليوم الجزائرية
هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضاحي
وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضاحي الأضحية شعيرة من عامة شعائر الله تعالى التي يجب تعظيمها وأطلق عليها القرآن الكريم هذا اللقب على وجه الخصوص للإشارة إلى كون الأضحية من مناسك الحج وهدي إبراهيم عليه السلام وحرمتها لا تقل أهمية من حرمة بقية الشعائر المشروعة يقول الله تعالى: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ..) الآية وكانت البدن وهي البعير الثمين وما يدخل في هذا المعنى من الأنعام تعتبر من مناسك الحج لذلك نالها حرمة وبركة أعمال الحج والشعيرة هي المعلم الواضح الذي ارتضاه الله لعبادته وللتقرب إليه وكون الأضحية من هذه الشعائر الدينية فلا بد أن يتقيد فيها بما ورد في القرآن الكريم وبينه نبينا – صلى الله عليه وسلم – بسنته وهنا نتطرق لهديه عليه الصلاة والسلام في اختيار الأضحية وأوصافها وشروطها لأنها ليست ممن يتسع المجال للاجتهاد. – كان من هديه صلى الله عليه وسلم في الأضاحي أنه لم يكن يدع الأضحية وكان يضحي بكبشين وكان ينحرهما بعد صلاة العيد وأخبر أن من ذبح قبل الصلاة فليس من النسك في شيء وإنما هو لحم قدمه لأهله. يقول ابن القيم: هذا الذي دلت عليه سنته صلى الله عليه وسلم وهديه لا الاعتبار بوقت الصلاة والخطبة بل بنفس فعلها وهذا هو الذي ندين الله به. – وكان من هديه صلى الله عليه وسلم اختيار الأضحية واستحسانها وسلامتها من العيوب (ونهى أن يضحى بعضباء الأذن والقرن) أي مقطوعة الأذن ومكسورة القرن النصف فما زاد ذكره أبو داود. وأمر أن ينظر إلى سلامتها وأن الا يضحى بعوراء ولا مقابلة ولا مدابرة ولا شرقاء ولا خرقاء. والمقابلة هي التي قطع مقدم أذنها والمدابرة التي قطع مؤخر أذنها والشرقاء التي شقت أذنها والخرقاء التي خرقت أذنها. ونهى أن يضحى بالمريضة البين مرضها. – وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يضحي بالمصلى ذكره أبو داود (عن جابر أنه شهد معه الأضحى بالمصلى فلما قضى خطبته نزل من منبره وأتي بكبش فذبحه بيده وقال: (بسم الله والله أكبر هذا عني وعمن لم يضح من أمتي). وأمر الناس إذا ذبحوا أن يحسنوا وإذا قتلوا أن يحسنوا القتلة. – وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن الشاة تجزئ عن الرجل وعن أهل بيته ولو كثر عددهم كما قال عطاء بن يسار: سألت أبا أيوب الأنصاري: كيف كانت الضحايا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: (إن كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون ). قال الترمذي: حديث حسن صحيح. والحديث دليل على جواز الأكل من الأضحية والتصدق بجزء منها على الجيران والاقارب والأصحاب. *سنن الحبيب – ومن جملة هديه صلى الله عليه وسلم في التذكية مما يجب على المسلم مراعاته: 1- استقبال القبلة بالذبيحة عند الذبح لحديث جابر رضي الله عنه قال: ضحى النبي صلى الله عليه وسلم يوم العيد بكبشين فقال حين وجههما.. الحديث. 2- الرفق بالذبيحة وإراحتها عند الذكاة بأن تكون الذكاة بآلة حادة وأن يمرها على محل الذكاة بقوة وسرعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)) رواه مسلم. 3- الإبل تنحر قائمة معقولة يدها اليسرى لقوله تعالى: (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافّ) (الحج: 36) قال ابن عباس رضي الله عنهما: قياما على ثلاث قوائم معقولة يدها اليسرى. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا ينحرون البدن معقولة اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها. يقول ابن عثيمين رحمه الله: فإن لم يتيسر له نحرها قائمة جاز له نحرها باركة إذا أتى بما يجب في الذكاة لحصول المقصود بذلك. 4- غير الإبل يذبح مضجعة على جنبها ويضع رجله على صفحة عنقها ليتمكن منها لما روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين ـ وفي رواية: أقرنين ـ فرأيته واضعاً قدمه على صفاحهما يسمى ويكبر فذبحهما بيده. 5- أن تبعد الذبيحة عن رؤية السكين يعني يسترها عنها بحيث لا تراها إلا ساعة ذبحها قال الإمام أحمد رحمه الله: تقاد إلى الذبح قوداً رفيقاً وتوارى السكين عنها ولا يظهر السكين إلا عند الذبح أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك أن توارى الشفار. 6- زيادة التكبير بعد التسمية فيقول: بسم الله والله أكبر لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين يسمي ويكبر. متفق عليه. ويفهم من حديث آخر أنه كان من هدي صلى الله عليه وسلم أن دعا بقبول الأضحية منه. حقوق النشر © 2024 أخبار اليوم الجزائرية . ة