
فتح باب التوظيف الحكومي من جديد يثير الجدل في تونس
تتجه تونس إلى إعادة فتح باب التوظيف في القطاع العام، بعد توقفه لمدة ثمانية أعوام، بدعوة من الرئيس التونسي قيس سعيد، في إطار تعزيز وتنفيذ سياسة جديدة لإدارة الموارد البشرية تتماشى مع المصلحة العامة، التي وصفها بمرحلة ترنو إلى إصلاح الإدارة التونسية.
هذا الإجراء كان متوقعاً من منظور إعادة هيكلة الإدارة التونسية، ويمثل تغييراً في النهج مقارنة بسياسات تجميد التوظيف في الأعوام الأخيرة سعياً إلى تشغيل العاطلين عن العمل.
وكانت تونس قد أوقفت التوظيف في القطاع العام مع عدم تعويض المحالين إلى التقاعد منذ عام 2017، إذ كانت تسعى آنذاك إلى تقليص موظفي القطاع العام لتقليل النفقات في الأعوام التي تلت هذا القرار، إلى جانب برنامج الإحالة إلى التقاعد قبل بلوغ السن القانونية وبرنامج المغادرة الاختيارية.
وبررت الحكومة آنذاك قرارها بارتفاع كتلة الأجور وقيمتها وعدم مواءمة ذلك مع تطور الناتج المحلي الخام، إذ أكدت على تقليلها والتحكم في نسبتها من الناتج تدرجاً من 16 في المئة إلى نحو 12.5 في المئة، بينما المعدل العالمي يتراوح ما بين 10 و12 في المئة.
وواصلت الحكومات المتعاقبة تنفيذ سياسة التحكم في كتلة الأجور التي بلغت 22.7 مليار دينار (7.5 مليار دولار) عام 2023 وفي حدود 23.7 مليار دينار (7.9 مليار دولار) في 2024، قبل أن تتراجع إلى 13.5 في المئة من الناتج المحلي، مقارنة بـ16.1 في المئة في 2020، في حين دعا صندوق النقد الدولي إلى ألا تتجاوز تلك النسبة حدود الـ12 في المئة.
ويضم قطاع الوظيفة العامة في تونس 663757 موظفاً، وتبلغ كتلة الأجور 24.4 مليار دينار (8.1 مليار دولار) في العام الحالي، تمثل 40.8 في المئة من نفقات الدولة، و31 في المئة من الموازنة و13.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما اعتبرته الحكومة نجاحاً في الضغط على كتلة الأجور والتخلص من عبء ثقيل على المالية العامة طالما مثل أحد أهم المراجعات التي نادى بها المانحون.
وقوبلت هذه الإجراءات بانتقادات جمة على خلفية انعكاساتها السلبية على أداء المؤسسات العمومية وعدم اعتماد موازنات خاصة للبرامج المرافقة لها مثل التقاعد المبكر والتخلي الاختياري.
وبالإعلان عن إعادة فتح التوظيف بقرار من رئيس الجمهورية اختلف المحللون حول الدوافع ما بين مجابهة نسبة البطالة المتفشية التي استقرت عند 16 في المئة في الأعوام الأخيرة مع انخفاض طفيف إلى 15.7 في المئة، حيث بلغ عدد العاطلين عن العمل الـ667 ألف و200 عاطل، فيما بلغت نسبة البطالة بين الإطارات العليا (وظائف الدرجات العليا) نسبة 25 في المئة، أو بهدف تغطية النقص الواضح في القطاع العام وخصوصاً في مؤسسات التعليم والصحة.
21 ألف توظيف
وكانت وزارة المالية قد أعلنت خلال عرضها موازنة العام الحالي 2025 برمجة 21 ألفاً و376 توظيفاً بالكثير من القطاعات أهمها 9207 توظيفات بوزارة التربية و2778 توظيفاً بوزارة الدفاع و1529 توظيفاً بوزارة الداخلية، و1080 توظيفاً بوزارة العدل، و863 توظيفاً بوزارة المالية، و3500 توظيف بوزارة الصحة وتتوزع البقية على قطاعات مختلفة.
وبالنظر إلى موازنة الدولة للعام الحالي 2025 المقدرة بـ78.2 مليار دينار (26.06 مليار دولار)، فإن نفقات التأجير ستكون في مستوى 24.4 مليار دينار (8.1 مليار دولار) بزيادة تمثل نسبة 2.8 في المئة مقارنة بالعام الماضي.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن التزمت وزارة المالية بالتوازي مع التوظيف الجديد بالقطاع العام بتنفيذ الإصلاحات وبذل الجهد للتحكم في كتلة الأجور، ومواصلة العمل بالبرنامج الخاص للإحالة على التقاعد قبل بلوغ السن القانونية.
ووصل عدد الأعوان (الموظفين) في الوظيفة العامة بعد عام 2011 إلى ما يزيد على 670 ألف موظف وزاد عدد الموظفين من 450 ألف موظف في 2010 إلى 663.7 ألف موظف حالياً وفق الهيئة العامة للوظيفة العمومية التابعة لرئاسة الحكومة، وهو ما اعتبر عبئاً كبيراً على موازنة الدولة، علاوة على توزيعهم بطريقة مختلة وغير مدروسة، إذ لم يوجه التوظيف إلى القطاعات الحيوية كالصحة والتعليم.
غياب الموازنة الخاصة
واعتبر المتخصص في الشأن الاقتصادي حسين الرحيلي أن الإدارة التونسية عانت نتيجة عملية إفراغ الكفاءات التي تعرضت لها تحت طائل برامج المغادرة الطوعية والتقاعد المبكر، مما عاد بالنفع على القطاع الخاص الذي استفاد من هذه الكفاءات، في حين لم يتحقق الهدف وهو النزول بكتلة الأجور.
متسائلاً عن مدى تناغم واقع المالية العامة مع فتح باب التوظيف في الوظيفة العامة وإمكانية وضع موازنة خاصة لذلك لدى وزارة المالية لزيادة كتلة الأجور.
داعياً إلى القيام بجرد لعدد الموظفين والشغورات، إذ تقتضي التوازنات النظر في عدم التوازن بتوزيع الموظفين ضمن القطاعات بحسب أهميتها من دون استعادة نسق التوظيف، بعدما أدى برنامج التقاعد المبكر إلى إفراغ بعض القطاعات من الموظفين وبخاصة قطاع التعليم.
واستبعد الرحيلي تحقيق التوازنات الضرورية لاستعادة أداء القطاع العمومي من دون إعادة هيكلة الإدارة وطرحها في إطار تصور عام في الأعوام المقبلة.
من جهته، فسر عضو المكتب التنفيذي للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة مستقلة) منير بن حسين، عدم النجاح في الضغط على العجز بتحويل كلفة برنامج التقاعد الاستثنائي أو المبكر على موازنة التنمية، نتيجة عدم خصخصة اعتمادات مالية لإحالة الموظفين إلى برامج التقاعد الطوعي، مما نتج منه خفض عدد الموظفين من دون خفض كلفة الأجور التي حولت بمقتضى ذلك إلى صندوق التقاعد.
وأضاف "اعتمدت هذه البرامج عام 2015 ثم عام 2022 وتمت برمجة إحالة 18 ألف موظف عام 2022 لكن الأمر اقتصر على 12800 موظف وحسب"، مشيراً إلى أن البرنامج عمق من أزمة عدد من القطاعات التي أصبحت تعاني تدني مستوى الجودة، خصوصاً قطاع التعليم، إذ مثل موظفو التعليم 80 في المئة من مجموع المتقاعدين، وهو ما نتج منه نقص في صفوف المربين بلغ 13 ألفاً بالقطاع العام، إضافة إلى القطاع الصحي الذي اجتمعت عوامل عدة لإفراغه من طاقاته وكفاءاته من أهمها هجرة الإطارات وتجميد التوظيف والإحالة إلى التقاعد المبكر، مما يفسر الاتجاه إلى استعادة نسق التوظيف الذي تساءل عن مصير الالتزامات مع الجهات المانحة ومدى اعتبار هذه المراجعات بمثابة القطيعة مع صندوق النقد الدولي الذي طالما طالب بخفض عدد الموظفين بالقطاع العام للضغط على كتلة الأجور وفق منير بن حسين.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

سعورس
منذ ساعة واحدة
- سعورس
5.5% نموا بالقروض المقدمة من البنوك السعودية
واصل إجمالي الإقراض من قبل البنوك المدرجة في البورصات الخليجية تسجيل معدلات نمو على أساس ربع سنوي خلال الربع الأول من العام 2025، بدعم من نمو كل أسواق المنطقة، باستثناء الكويت التي سجلت انخفاضًا هامشيًا خلال هذا الربع. ووصل إجمالي قيمة القروض في الدول الخليجية إلى مستوى قياسي جديد حسب تقرير لمركز البحوث والإستراتيجيات الاستثمارية KAMCO بلغ 2.25 تريليون دولار أمريكي، مسجلًا أعلى معدل نمو ربع سنوي خلال 15 فترة ربع سنوية بنسبة 3.6% في الربع الأول من العام 2025، مقابل نسبة 2.4% في الربع السابق. واستمر النمو السنوي مستقرًا في نطاق ثنائي الرقم عند 12.5%. وسجلت البنوك السعودية أكبر معدل نمو على أساس ربع سنوي في إجمالي القروض على مستوى الدول الخليجية خلال الربع الأول من العام 2025 على خلفية تحسن مستويات الإقراض في معظم القطاعات.


الأمناء
منذ ساعة واحدة
- الأمناء
محمود عباس: على حماس تسليم الرهائن والتخلي عن حكم غزة
دعا الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، الأحد، حركة حماس للتخلي عن حكم غزة، وتسليم الرهائن المحتجزين لديها لوقف "هدر الدماء" في القطاع. وقال عباس، في اتصال مرئي مع اللجنة الوزارية العربية الإسلامية: "على حماس التخلي عن حكم قطاع غزة، الذي استولت عليه بالقوة من خلال انقلابها على الشرعية الفلسطينية في عام 2007، فهذا الانقلاب يجب أن ينتهي، وأن تنتهي معه آثاره السلبية التي أضرت بالقضية الفلسطينية". وأضاف الرئيس الفلسطيني: "لا بد من تسليم الرهائن لوقف هدر الدم الفلسطيني والإفراج عن الأسرى، يجب وقف إطلاق النار بأي ثمن، وتوفير إدخال المساعدات الإغاثية والإنسانية وتولي فلسطين مسؤولياتها المدنية والأمنية في قطاع غزة". كما جدد عباس مطالبة حركة حماس "بضرورة الالتزام بالتزامات منظمة التحرير الفلسطينية وسياساتها، وفق مفهوم دولة واحدة وقانون واحد وسلاح شرعي واحد، إذا أرادت أن تصبح عضوا كفصيل سياسي في منظمة التحرير الفلسطينية، وبدون هذا فإننا لا يمكن أبدا أن نقبل بعضويتها". وتابع عباس: "نحن مستعدون لأن نستلم مسؤولياتنا مباشرة، بالتعاون مع الأشقاء العرب والأطراف الدولية ذات العلاقة، لأنه يهمنا أن يعم السلام والأمن في قطاع غزة، وهو شيء مهم جدا ونتمنى النجاح الكامل لجهودكم". كما أكد على ضرورة "الضغط على حكومة الاحتلال للإفراج عن الأموال الفلسطينية المحتجزة، والتي تبلغ حوالي ملياري دولار، وكذلك بذل الجهود الفلسطينية والعربية والدولية لتوفير الدعم المالي والاقتصادي وفق برنامج الحكومة الذي قدمته". كما قال إن السلطة أجرت "إصلاحات حكومية ودستورية واسعة، مؤكدين أن سياستنا قائمة على نبذ الإرهاب والعنف، ورفض استهداف المدنيين بغض النظر عن جنسيتهم أو انتمائهم".


Independent عربية
منذ ساعة واحدة
- Independent عربية
مكتب التحقيقات الفيدرالي يحقق بـ"هجوم إرهابي" محتمل في كولورادو
أصيب عدة أشخاص الأحد في ما وصفه مكتب التحقيقات الفيدرالي "أف بي آي" بأنه "هجوم إرهابي مستهدف" في ولاية كولورادو الأميركية، وذلك خلال احتجاج للمطالبة بإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة. وقال كاش باتيل عبر منصة إكس "نحن على علم بهجوم إرهابي مستهدف في بولدر بولاية كولورادو ونحقق فيه بشكل كامل". وأضاف "عناصرنا وقوات إنفاذ القانون المحلية موجودة في الموقع، وسوف نشارك التحديثات مع توفر المزيد من المعلومات". ونقلت وسائل إعلام محلية عن شهود عيان قولهم إن رجلاً ألقى شيئاً يشبه زجاجة حارقة بدائية الصنع على مجموعة من المتظاهرين المؤيدين لإسرائيل. وعندما سُئل ما إذا كان الهجوم إرهابياً، اعتبر قائد شرطة بولدر ستيف ريدفيرن أنه "من المبكر للغاية التكهن بالدوافع" وراء الحادث الذي وقع قبيل الساعة 1:30 ظهراً (19:30 توقيت غرينتش). وأظهر مقطع فيديو للاعتداء رجلاً عاري الصدر يحمل في يديه زجاجات رذاذ وهو يقول "أنهوا الصهاينة" و"فلسطين حرة" و"أنهم قتلة". وأظهرت لقطات أخرى تصاعد دخان أسود من إحدى الحدائق. وقال ريدفيرن للصحافيين إن "المتصلين الأوائل أشاروا إلى وجود رجل يحمل سلاحاً والنار أُضرمت بأشخاص"، مضيفاً أن الشرطة وصلت "بسرعة كبيرة". وتابع "عندما وصلنا، واجهنا العديد من الضحايا الذين أصيبوا بجروح"، مشيراً إلى حروق وإصابات أخرى. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) في الأثناء، قالت شرطة بولدر على منصة إكس إن عناصرها "يستجيبون لتقرير عن هجوم في شارعي الثالث عشر وبيرل" في قلب المدينة "مع تقارير عن عدة الضحايا". وأضافت "يرجى تجنب المنطقة". من جهتها، قالت "رابطة مكافحة التشهير"، وهي مجموعة ناشطة يهودية، على منصة إكس إنها "على علم بتقارير عن هجوم في فعالية" في بولدر. وأضافت أن هذه الفعالية هي "لقاء أسبوعي لأعضاء الجالية اليهودية للركض/المشي دعماً للرهائن" الذين احتجزوا خلال الهجوم غير المسبوق الذي شنته "حماس" على إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وأعرب السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة في نيويورك عن غضبه إزاء الهجوم. وقال في بيان "الإرهاب ضد اليهود لا يتوقف عند حدود غزة (...) بل بدأ يحرق شوارع أميركا". أضاف "اليوم، في بولدر في كولورادو، تظاهر يهود حاملين مطلباً أخلاقياً وإنسانياً: إعادة الرهائن. ورداً على ذلك، تعرض المتظاهرون اليهود لهجوم وحشي، حيث ألقى مهاجم عليهم زجاجة حارقة". وتابع "هذا ليس احتجاجاً سياسياً، هذا إرهاب". ويأتي الهجوم بعد أسابيع من اعتقال رجل من مواليد شيكاغو في حادث إطلاق نار على اثنين من موظفي السفارة الإسرائيلية في العاصمة الأميركية واشنطن مما تسبب في مقتلهما. وأثارت الواقعة حالة من الاستقطاب في الولايات المتحدة بشأن الحرب في غزة بين مؤيدي إسرائيل ومتظاهرين مناصرين للفلسطينيين.