
د. منذر الحوارات يكتب : فرنسا تصفع "إسرائيل"
بات واضحاً أن الولايات المتحدة وإسرائيل تخططان لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، ويستندان إلى أن اتفاقية سايكس بيكو أصبحت من إرث الماضي الذي يجب تجاوزه، والتأسيس لمسار جيوسياسي جديد يمنح إسرائيل الهيمنة على الإقليم، من خلال إعادة هندسة الخرائط والكيانات السياسية على أسس تفتيتية، ذات طابع طائفي وأثني، هذا التوجه الأميركي استفزّ باريس ولندن معاً، ودفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إلى عقد لقاء في لندن، في خطوة أولية لتنسيق مواقف البلدين حيال ما اعتُبر إقصاءً مقصوداً عن ملف الشرق الأوسط، لوضع رؤية مشتركة لمواجهة مشروع تهميش دورهما التاريخي في الإقليم.
الخطة الفرنسية–البريطانية انطلقت من رفض أي محاولة لإعادة ترسيم حدود سايكس بيكو أو تغيير الكيانات التي نشأت عنها، إذ تُدرك العاصمتان أن تفكيك هذا الإرث، وإن بدا مغرياً لبعض القوى الإقليمية، فإنه يهدد مصالحهما الإستراتيجية طويلة الأمد، أو ربما لاستبصارهما العميق للنتائج الكارثية لمثل هكذا خطوة، وأول تلك النتائج موجات لا تنتهي من اللاجئين هرباً من الموت والبؤس، وبخطوة سياسية ذات رمزية عالية، وجّه ماكرون صفعة مباشرة لنتنياهو، حين أعلن عزمه التوجّه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية، في ذات المكان الذي شهد ميلاد إسرائيل عام 1947، وكأن فرنسا تقول: من ذات المنبر الذي ساهم في نشوء إسرائيل، آن الأوان لتصحيح المسار والاعتراف بفلسطين.
ورغم أن لندن أبدت تأييداً مشروطًا لهذا المسعى، حيث أشار كير ستارمر إلى أن الاعتراف يجب أن يكون جزءاً من عملية سلام شاملة، فإن التلاقي بين العاصمتين، ولو ضمن الحد الأدنى، يعيد ترسيم دورهما كقوتين طامحتين للحفاظ على حضورهما في المعادلة الدولية.
الأهمية التوقيتية للموقف الفرنسي لا تنفصل عن تصويت الكنيست الإسرائيلي مؤخراً لصالح ضم الضفة الغربية، وهو ما يجعل من إعلان ماكرون ردّاً مباشراً ورسالة اعتراض دبلوماسي متقدّمة، في السياق ذاته، تنقل باريس أقوالها إلى أفعال، من خلال تنسيق مباشر مع الرياض بكل ثقلها، لعقد مؤتمر دولي للاعتراف بالدولة الفلسطينية، في خطوة قد تفتح الباب أمام اعترافات دولية أوسع، ما يشكّل ضربة قاصمة للمشروع الإسرائيلي الساعي لدفن فكرة الدولة الفلسطينية عبر سياسة فرض الأمر الواقع، ولم يقتصر التحرك الفرنسي على الملف الفلسطيني، فباريس، وبدرجة أقل لندن، تسعى لإفشال المخطط الإسرائيلي لتقسيم سورية على أسس طائفية، وتأتي التطورات الأخيرة في السويداء لتؤكّد المخاوف من وجود مساعٍ إسرائيلية لإشعال جبهات داخلية في سوريا الجديدة، عبر تأجيج التوترات بين المكونات الدينية والعرقية.
وبهدف احتواء هذا المخطط، تحاول فرنسا ترتيب لقاء مباشر بين الحكومة المركزية السورية والمكوّن الكردي، لتقريب وجهات النظر وضمان وحدة البلاد، هذه الخطوة، التي تحظى بدعم بريطاني، تعبّر عن رغبة الدولتين في تثبيت موطئ قدم استراتيجي لهما في مرحلة ما بعد الأسد، حفاظا على دورهما في الإقليم، ويبقى السؤال مطروحاً؛ هل تنجح باريس ولندن، في العودة إلى طاولة التأثير في الشرق الأوسط؟
الإجابة ليست سهلة، صحيح أن البلدين ما زالا يحسبان ضمن القوى الكبرى، لكن نفوذهما تراجع كثيراً خلال العقود الماضية، وبات مرتهناً إلى حد بعيد للموقف الأميركي، باستثناء بعض التمايز الفرنسي، ولا شك أن إسرائيل، باعتبارها «قضية أميركية»، تظل بمنأى عن أي ضغط أوروبي فعلي، ما يجعل المواقف الأوروبية في أحسن الأحوال رمزية، ومع ذلك، فإن إعلان فرنسا – وربما لاحقاً بريطانيا – الاعتراف بالدولة الفلسطينية، يشكّل خطوة متقدمة نحو تكريس الحق القانوني والتاريخي للشعب الفلسطيني، ولو في الإطار الرمزي، لكنه يبقى ناقصاً ما لم يترافق مع اعتذار تاريخي صريح: أولًا من بريطانيا عن وعد بلفور، وثانيًا من الدولتين معاً عن تواطئهما في إقامة كيان استيطاني على أرض الفلسطينيين.
وهنا يمكن القول أن المجتمع الدولي بدأ يستعيد توازنه الأخلاقي حيال قضية القرنين، لكن ما لم تترافق الاعترافات بخطة دبلوماسية فعلية تضغط على الاحتلال، فإن الحقوق ستبقى حبيسة الخطب، فيما تستمر إسرائيل في توسيع هيمنتها على الأرض، وتحرم الشعب الفلسطيني من أرضه وحقه التاريخي، والذي كان لبريطانيا وفرنسا اليد الأولى في حرمانهم منه. ــ الغد

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

سرايا الإخبارية
منذ 14 ساعات
- سرايا الإخبارية
"أونروا": يجب اتخاذ قرار سياسي بفتح المعابر دون شروط
سرايا - قالت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" الأربعاء، إنّه لا يمكن استمرار قتل إسرائيل للفلسطينيين أثناء محاولتهم إيجاد طعام لعائلاتهم. جاء ذلك في منشور عبر منصة "إكس" تعليقا على تفاقم الكارثة الإنسانية الناجمة عن التجويع الإسرائيلي الممنهج. وقالت "أونروا" إنّ الأمم المتحدة تحذر منذ شهور من العواقب التي تتكشف في قطاع غزة، واليوم، يتضور الفلسطينيون جوعا، ويتعرضون لإطلاق النار أثناء محاولتهم إيجاد طعام لعائلاتهم. وشددت على أنه "لا يمكن لهذا الوضع أن يستمر، ويجب اتخاذ قرار سياسي بفتح المعابر دون شروط". وأكّدت "أونروا" ضرورة السماح للأمم المتحدة وشركائها بالقيام بعملهم. وفا


خبرني
منذ 15 ساعات
- خبرني
أونروا: يجب اتخاذ قرار سياسي بفتح المعابر دون شروط
خبرني - قالت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، الأربعاء، إنّه لا يمكن استمرار قتل إسرائيل للفلسطينيين أثناء محاولتهم إيجاد طعام لعائلاتهم. جاء ذلك في منشور عبر منصة "إكس" تعليقا على تفاقم الكارثة الإنسانية الناجمة عن التجويع الإسرائيلي الممنهج. وقالت "أونروا" إنّ الأمم المتحدة تحذر منذ شهور من العواقب التي تتكشف في قطاع غزة، واليوم، يتضور الفلسطينيون جوعا، ويتعرضون لإطلاق النار أثناء محاولتهم إيجاد طعام لعائلاتهم. وشددت على أنه "لا يمكن لهذا الوضع أن يستمر، ويجب اتخاذ قرار سياسي بفتح المعابر دون شروط". وأكّدت "أونروا" ضرورة السماح للأمم المتحدة وشركائها بالقيام بعملهم.


الغد
منذ 18 ساعات
- الغد
بريطانيا ترفض الانتقادات بأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية مكافأة لحماس
رفضت بريطانيا، يوم الأربعاء، الانتقادات التي تقول إنها تكافئ حركة حماس المسلحة من خلال إعلانها خططًا للاعتراف بدولة فلسطينية، ما لم تتخذ إسرائيل خطوات لتحسين الوضع في غزة والتوصل إلى السلام. اضافة اعلان وكانت مشاهد الأطفال الهزال في غزة قد صدمت العالم في الأيام الأخيرة، وفي يوم الثلاثاء، حذر مراقب الجوع من أن السيناريو الأسوأ – المجاعة – آخذ في التحقق، داعيًا إلى تحرك فوري لتجنّب وفاة جماعية. وأدى إنذار رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، الذي حدد مهلة حتى سبتمبر أمام إسرائيل، إلى توبيخ فوري من نظيره في القدس، الذي قال إن هذا القرار يكافئ حماس عقب أحداث أكتوبر 2023. من جهته، قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إنه لا يعتقد أن "حماس يجب أن تُكافأ" من خلال الاعتراف باستقلال فلسطين. الرد البريطاني: الأمر لا يتعلق بحماس ورداً على هذه الانتقادات، قالت وزيرة النقل البريطانية هايدي ألكسندر – التي كلفتها الحكومة بالرد على استفسارات الإعلام يوم الأربعاء – إن هذا التصوير غير دقيق لما تخطط له بريطانيا. وقالت لإذاعة LBC:"هذا ليس مكافأة لحماس. حماس تنظيم إرهابي بغيض ارتكب فظائع مروعة. الأمر يتعلق بالشعب الفلسطيني، بالأطفال الذين نراهم في غزة يموتون جوعًا". وأضافت:"علينا أن نزيد الضغط على الحكومة الإسرائيلية لرفع القيود والسماح بدخول المساعدات إلى غزة". فرنسا تتخذ خطوة مماثلة كانت فرنسا قد أعلنت الأسبوع الماضي نيتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية في سبتمبر.وقد أعلنت حكومات بريطانية متعاقبة أنها ستعترف بدولة فلسطين عندما يكون ذلك أكثر فعالية. وفي خطاب تلفزيوني يوم الثلاثاء، قال ستارمر إن هذه اللحظة قد حانت، مشيرًا إلى معاناة سكان غزة، محذرًا من أن احتمال قيام حل الدولتين – دولة فلسطينية تعيش بسلام إلى جانب إسرائيل – بات مهددًا. وأوضح أن بريطانيا ستُقدم على هذه الخطوة خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر، ما لم تتخذ إسرائيل خطوات فعلية، وتشمل السماح بدخول مزيد من المساعدات إلى غزة، والإعلان بوضوح عن رفض ضم الضفة الغربية، والالتزام بعملية سلام طويلة الأمد تفضي إلى حل الدولتين، نقلا عن رويترز.