فرحة خضراء بجنيف.. هكذا أبدع السعوديون في سويسرا
لم تكن الإنجازات السعودية في معرض جنيف الدولي للاختراعات 2025 مجرد لحظة احتفاء عابرة، ولا سردًا رقميًا لعدد الجوائز والميداليات التي حصدها المبتكرون السعوديون، بل هي مشهد وطني كثيف الدلالة، يكشف بوضوح إلى أين وصلت المملكة حين قررت أن تضع "العقل" في صدارة أولوياتها، وأن تجعل من الابتكار ركيزة وطنية لا غنى عنها في رحلتها الطموحة نحو المستقبل.
لقد تصدرت المملكة فعاليات المعرض –أحد أعرق محافل الابتكار العالمية– من حيث عدد الجوائز والمشاركات، بفوزها بالجائزة الكبرى، و124 ميدالية عالمية، و6 جوائز خاصة، وبتقديم 134 اختراعًا علميًا من إنتاج 161 مبتكرًا ومبتكرة سعوديين، في مشهد تجاوز فكرة التنافس، إلى ترسيخ صورة ذهنية جديدة عن السعودية، القادرة على الابتكار، والمستثمرة في عقول أبنائها، والحاضرة في المعارض الدولية بأدوات الريادة لا بأزياء الحضور فقط.
في عمق هذا الإنجاز، تبرز رؤية السعودية 2030 بوصفها السياق الأكبر لما تحقق، فالرؤية التي أعلنها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان –حفظه الله– لم تكن إطارًا اقتصاديًا أو اجتماعيًا مُجردًا، بل جاءت لتؤسس لتحول ثقافي شامل، يعيد تعريف العلاقة بين المواطن والوطن، ويضع الموهبة والإبداع والاختراع في قلب النموذج التنموي الجديد.
إن الاستراتيجية الوطنية لتنمية القدرات البشرية، التي تم إطلاقها في إطار الرؤية، تهدف إلى تمكين المواطن السعودي من المنافسة عالميًا، عبر التعليم النوعي، والتدريب المتقدم، وخلق بيئات حاضنة للإبداع. وما شهدناه في جنيف لم يكن إلا ثمرة من ثمار هذا التحول النوعي في الاستثمار بالعقول، ودليلًا حيًا على أن المملكة حين تقرر، تنجح.
لعل أكثر ما يميز ما حدث في جنيف ، أن السعودية لم تشارك فقط في مجالات استهلاكية أو تطبيقية تقليدية، بل نافست وفازت في مجالات معرفية نوعية مثل: الهندسة، والطب، والكيمياء، والطاقة، إضافة إلى نظم البرمجيات، وعلوم البيئة، والنبات، وهو ما يعني أنها انتقلت من موقع "المستفيد" من التقنية العالمية إلى موقع "المولد" للمعرفة والابتكار.
فمن ابتكار الدكتور سعد العنزي في جراحة العيون، والذي نال به الجائزة الكبرى، إلى مشاريع مثل كيس نقل الدم المزود بجيوب للفحوصات المخبرية، ومحفز ضوئي نانوي لمعالجة مياه الصرف الصناعي، وابتكارات "سبوت جارد" و"كاشف الالتماسات الكهربائية" من الشركة السعودية للكهرباء، نجد أن السعودية تقدم نموذجًا شاملًا في الابتكار، يشمل الجامعات، والمدارس، والتدريب التقني، وحتى القطاع الخاص، تحت مظلة واحدة من التكامل الوطني.
من أبرز ما يُلاحظ أن حضور المملكة في المعرض لم يكن تقنيًا فحسب، بل كان أيضًا صورة ذهنية قوية ترسخت في أذهان الوفود الدولية، فقد حظي رفع العلم السعودي على منصة التتويج بتفاعل عالمي لافت، وتصفيق حار، وتهنئات واسعة، عكست الاحترام الكبير لما حققته المملكة من منجزات غير مسبوقة، وسرعان ما تصدر وسم #المملكة_تبتكر المنصات الرقمية، وتحول إلى لحظة وطنية مشرفة، وثّقتها وسائل الإعلام العالمية والمحلية، مؤكدين أن السعودية اليوم لا تنتظر من يروي قصتها، بل تكتبها بنفسها، وتعرضها على مسارح العالم بكل ثقة واحتراف.
من المهم الإشارة إلى أن ما تحقق في جنيف ليس إنجازًا فرديًا أو عابرًا، بل هو نتيجة استثمار منظم تقوده الدولة، من خلال كيانات وطنية متخصصة مثل: هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار، ووزارة التعليم، والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، وجامعات كبرى مثل: الملك سعود، والملك عبدالعزيز، والمجمعة، وأم القرى وغيرها، التي شاركت بقوة في المعرض.
هذه الجهات لا تعمل بمعزل عن بعضها البعض، بل ضمن إطار استراتيجي موحّد يهدف إلى خلق بيئة وطنية مزدهرة للابتكار، تبدأ من مقاعد الدراسة، ولا تنتهي عند حدود براءات الاختراع، بل تتوسع نحو التجسيد الصناعي والاستثماري للتقنيات، ما يحوّل الابتكار من فكرة إلى منتج، ومن موهبة إلى قيمة اقتصادية.
في ظل هذه المؤشرات والنتائج، يمكن القول بثقة إن السعودية دخلت نادي الدول الرائدة في الابتكار، ليس فقط من حيث المشاركة، بل من حيث التأثير والنتائج، وهذا المسار لا يقتصر على المعارض والمؤتمرات، بل يمتد إلى برامج الابتكار في الشركات الكبرى، ومسرّعات الأعمال، ومراكز الأبحاث، والتحولات التعليمية التي تشجع على التفكير النقدي والإبداعي، وتمنح الطلاب مساحات للتجريب والمبادرة.
الفرحة التي عمّت السعوديين، وهم يرون أبناءهم وبناتهم يرفعون العلم في جنيف ، هي شهادة على أن رأس المال البشري هو أعظم أصول المملكة؛ لأنها تعي أن من يراهن على العقول، هو من يحدد المستقبل.
لقد أبدع السعوديون في سويسرا ، كما أبدعوا في الداخل، وتركوا في جنيف أثرًا لا يُمحى، وكتبوا فصلاً جديدًا من فصول التفوق الوطني، يتجاوز الحدود الجغرافية ليصل إلى آفاق المستقبل، وصنعوا "فرحة خضراء"، عنوانها: "السعودية تبتكر.. وتلهم العالم".. دمتم بخير.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الوطن
منذ 3 أيام
- الوطن
محمد بن سلمان والسنوات الذهبية
نعيش اليوم السنوات الذهبية في الإمكانات والفرص والخيارات والتطلعات والوفرة، لنجعل من هذا الجيل والأجيال القادمة أفضل الأجيال في العالم، والآن تجاوزنا الواقع وبدأنا نركز على ما يحدث بعده، فليس هناك - كما يقول كورلس وباربوسنز - أعظم شيء في الحياة من أن تكون حاضرًا لصناعة حياة الناس وبناء مستقبلهم، وهذا ما فعله الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله -. فعندما نستعيد السنوات نجد أن كل الإنجازات التي كانت في مستوى الأحلام في أمسٍ قريب أصبحت اليوم في متناول اليد، لقد تجاوزنا حجم الإنجاز إلى حجم الطموح، وتخطينا الواقع المأمول إلى المستقبل المشهود، فنحن اليوم نمتلك المقدرات البشرية والتقنية، ومعطيات العلم الحديث، وتكنولوجيا التغيير، لا نلتفت إلى الوراء إلا لنرى أين كانت البدايات، وتلك هي قصتنا اليوم مع القرن الـواحد والعشرين، الذي ننهل اليوم من تقنياته ونظرياته وأفكاره، دواعي التنوع لدينا كثيرة وقوية، وما علينا فعله مجاراة التطور، ليس من أجل أن نكون شيئًا، وإنما من أجل أن نصنع شيئًا فعالاً. واليوم تدخل بلادنا طورًا حضاريًا جديدًا، ليس اليوم بل إنها قد دخلته من قبل وهي رؤية 2030، كأكبر قصة نجاح حدثت في القرن الحادي والعشرين، لنقدم أنفسنا للعالم الحديث كدولة حديثة متطورة ومزدهرة، ذات نهضة جبارة، وبمواصفات غير مسبوقة. يقول الدكتور مجيد خدوري - أحد المفكرين البارزين في الأوساط الأكاديمية الأمريكية: إنه على مدى سنوات طويلة لم يحدث تطور لدولةٍ في العالم كالذي حدث للمملكة العربية السعودية. فالأمير محمد بن سلمان قائد حكيم، وملهم، وشخصية عالمية قوية ومؤثرة، يقدم مفهومًا جديدًا للإنسان المتطور والمفكر والفعال. لقد لاحظ - حفظه الله - أننا نعيش في عالم متغير، ولا بد أن تختلف وسائلنا لمواجهة التحدي الكبير لهذا العالم المتغير، فأطلق مشروعه الكبير رؤية 2030، واختزل في أعوام قصيرة ما استغرق الدول التي سبقتنا بأعوام طويلة، فنقلنا من الدولة التي تسعى إلى التطور إلى الدولة التي تصنع التطور. لقد جاءت الرؤية في أوانها، لتضعنا على طريق التفوق النوعي، لقد كانت الرؤية قرارًا واعيًا وحكيماً وفكرة نوعية خلاقة لنعيش الحياة طبقاً لقناعاتنا وتطلعاتنا، ونحن على ثقة بنتائج أفعالنا. لقد أتاحت الرؤية للحياة أن تتدفق من حولنا، وأتاحت لكل حدث أن يأخذ مداه في التطلع لما هو أحدث منه، وندخل حضارة العصر، ونمارس فعل العصر، ونفعل النظريات والتقنيات الحديثة، في جذر التطوير، نضيف كل يوم جديدًا من العلم والتقنية، إنها الإرادة الخلاقة التي وضعتنا على الطريق الصحيح، وعلى أحسن في العالم. تبنت الرؤية كل القيم المعبرة عن روح العصر، والتي تخضع لمنطلق التطور، حيث أثرت تأثيرًا عميقًا في الوعي المجتمعي، وبالذات في الجيل الجديد، والذي تفاعل معا بإيجابية تامة، فكانت نقلة نوعية في الزمن الحديث. فالأمير محمد بن سلمان شاب عملي وواقعي، وملهم، يتمتع بقدرات استثنائية، ومهارات متفردة، في رفع المعنويات، والفاعلية، والدافعية، ومحاربة التوقف. تتملكه الأفكار الخلاقة، والقدرات الإبداعية، والحلول المبتكرة، هذا الشاب الفذ المميز، مهندس النهضة الحديثة، من أفضل العقول العالمية المفكرة، استطاع في أعوام قصيرة أن ينهض ببلد قارة، ويضعها في واجهة العالم الحديث، حيث أطلق المبادرات المبدعة والخلاقة، وأحال المملكة إلى ورشة إبداع كبرى. كانت إستراتيجية الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - مؤسسة على تبني أفضل العقول والكفاءات، وصناع التحولات الكبرى، مستهدياً بأمل شجاع، متوجهًا نحو المستقبل، لقيادة بلاده إلى المكان اللائق بها عالمياً. يقول الدكتور ميلتون فريدمان، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد: إن المقياس الحقيقي لأي نظرية أو فكرة جديدة، تتمثل في قدرة المرء على توقع نتائجها المستقبلية بمنتهى الدقة، وهذا ما حدث بالفعل مع رؤية 2030.


Independent عربية
منذ 5 أيام
- Independent عربية
الرياض تتقدم رقميا... طموح تقني يواجه حرارة الصحراء وقيود اللغة
شهدت العاصمة السعودية الرياض الثلاثاء الماضي محطة محورية في مسار التحولات الرقمية، وذلك خلال زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، حيث عقد منتدى الاستثمار السعودي – الأميركي بمشاركة رفيعة من قادة شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى، من بينها "إنفيديا" و"أمازون" و"تسلا" و"أوبن أي آي" إلى جانب ممثلين عن شركات ناشئة وشركات الذكاء الاصطناعي المتقدمة. أسفرت لقاءات الشركات التقنية الأميركية مع القيادة السعودية عن اتفاقات استراتيجية استثمارية وتقنية، أرست شراكة رقمية طويلة الأمد، وشكلت نقطة تحول في تموضع السعودية جيواستراتيجياً ضمن خريطة الذكاء الاصطناعي العالمية. وتقوم النهضة الرقمية التي تشهدها السعودية على أربعة مرتكزات رئيسة: وفرة الطاقة، وتطوير رأس المال البشري، وبيئة تنظيمية مرنة، إضافة إلى الوصول لأحدث التقنيات وتوطينها. وقد استطاعت السعودية أن توفر هذه العوامل مجتمعة في توقيت استراتيجي، مما يعزز من قدرتها على أن تكون مركزاً عالمياً لصناعة الذكاء الاصطناعي في المستقبل القريب، ويؤهلها لقيادة مشهد رقمي متجدد من قلب المنطقة. ويجمع الخبراء على أن وتيرة تطور الذكاء الاصطناعي تجاوزت التوقعات التقليدية، مما يفرض على الدول سرعة التبني والمشاركة في هذه التحولات، أما من يتأخر فسيواجه عزلة متزايدة وتحديات اقتصادية ومالية قد تهدد استقراره ومكانته. دعم غير مسبوق وفي السياق ذاته، تبرز السعودية كحال فريدة من نوعها في العالم العربي، حيث اجتمعت فيها مقومات النجاح لهذه الصناعة الحيوية، فالدعم السياسي والقيادي غير المسبوق، بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أسهم في إطلاق استثمارات استراتيجية في البنية التحتية والتقنيات المتقدمة، ترافقت مع شراكات دولية مرنة وداعمة، وتوجه متسارع نحو تمكين الكفاءات السعودية وتعزيز التعليم المتخصص في هذا المجال. وتضاف إلى هذه المعادلة المتميزة الميزة الجغرافية للمملكة، التي تتوسط ثلاث قارات كبرى، مما يجعل منها محوراً مثالياً لسلاسل الإمداد والبنية التحتية الرقمية العابرة للقارات. كل ذلك ضمن بيئة تنظيمية تضع في اعتبارها الخصوصية الثقافية والقيم الدينية والمعايير الأخلاقية. وفي هذا السياق، يوضح الشريك في شركة "آرثر دي ليتل"، رياض المراكشي، أن "السعودية تمتلك قدرة مالية كبيرة، مدعومة بصناديق ثروة سيادية مثل صندوق الاستثمارات العامة، تمكنها من الاستثمار الواسع في منظومة الذكاء الاصطناعي بما يتماشى مع رؤيتها الوطنية في هذا المجال"، ويضيف أن "موقع السعودية الجغرافي، الذي يتوسط آسيا وأفريقيا وأوروبا، يعزز من قدرتها على أداء دور محوري في مستقبل الاقتصاد الرقمي". صعود مدروس المشهد الحالي لصعود السعودية في قطاع الذكاء الاصطناعي يستند إلى مسار مدروس بدأ قبل أعوام، مع تأسيس الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) عام 2019 لتقود جهود الدولة في هذا المجال، وتشرف على المركز الوطني للذكاء الاصطناعي، وعام 2020 أطلقت الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي، مستهدفة تدريب 20 ألف مختص، وتمكين 300 شركة ناشئة، واستقطاب استثمارات تقدر بـ20 مليار دولار بحلول 2030. وتظهر بيانات وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، بالتعاون مع جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، أن نحو 50 في المئة من الشركات الناشئة في مجال التقنية العميقة في السعودية تركز على الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، بدعم حكومي بلغ نحو 987 مليون دولار. عام 2024 عززت السعودية حضورها الدولي في هذا المجال باستضافة النسخة الثالثة من القمة العالمية للذكاء الاصطناعي (GAIN)، التي جذبت أكثر من 48 ألف زائر، وشهدت نقاشات معيارية ذات طابع حضاري متعدد الثقافات. ومن المبادرات البارزة أيضاً تطوير نموذج "علام"، أول نموذج لغوي عربي بالتعاون بين "سدايا" و"IBM"، بهدف تحسين قدرات الذكاء الاصطناعي في اللغة العربية وتطبيقاته المتقدمة في الرؤية الحاسوبية وتعلم الآلة. توجت هذه الجهود بإطلاق شركة "HUMAIN" بدعم من صندوق الاستثمارات العامة، لتكون الذراع الاستثمارية الرئيسة للمملكة في قطاع الذكاء الاصطناعي، وذلك عبر شراكات استراتيجية مع كبرى الشركات العالمية مثل Nvidia وAMD وAWS، واستثمارات تتجاوز 100 مليار دولار. ويعلق رياض المراكشي بأن هذه الخطوة تعكس النهج الاستباقي للسعودية في بناء بيئة تنظيمية متقدمة، وإقامة شراكات نوعية مع عمالقة التقنية مثل Google، بما يسهم في تطوير منظومة متكاملة لاحتضان المواهب وتنمية المهارات المتخصصة في الذكاء الاصطناعي. الذكاء الاصطناعي... محرك رؤية 2030 منذ إطلاق رؤية السعودية 2030 بات الذكاء الاصطناعي أحد أعمدتها الرئيسة، إذ تظهر الأرقام أن 66 هدفاً من أصل 96 في الرؤية ترتبط مباشرة بالبيانات والذكاء الاصطناعي، مما يعكس مركزية هذه التقنيات في مسار التحول الوطني. ويؤكد رياض المراكشي أن الاستراتيجية الوطنية للتحول تولي أولوية للتقنيات الناشئة، على رأسها الذكاء الاصطناعي، إلى جانب البنى التحتية مثل مراكز البيانات والحوسبة السحابية. اقتصادياً، تشير تقديرات "أونكتاد" إلى أن السوق العالمية للذكاء الاصطناعي قد تبلغ 4.8 تريليون دولار بحلول 2033، أي ما يعادل حجم اقتصاد ألمانيا اليوم. وتتوزع العوائد إلى غير مباشرة تظهر سريعاً في فرص التوظيف والتشغيل، ومباشرة تأتي لاحقاً من تحسين كفاءة قطاعات مثل التعليم والصحة والبنوك والصناعة، من خلال خفض الكلف وتعزيز تجربة العملاء وابتكار آليات جديدة للإنتاج والإدارة. تسليع الذكاء الاصطناعي على حساب الإنسانية يتجه العالم اليوم نحو تسليع الذكاء الاصطناعي، في ظل تصاعد الضغوط لتحقيق عوائد مالية فورية، مما قد يحرم هذه التقنية من فرصة النضوج الكامل والوصول إلى مستويات متقدمة من الأداء والابتكار. هذا التوجه السائد يهدد بتقويض إمكانات الذكاء الاصطناعي على المدى الطويل، إلا أن الرياض تسلك مساراً مغايراً، يستند إلى استثمار بعيد المدى يتيح للتقنية النمو العضوي في بيئة مستقرة ومحفزة، بعيدة من اعتبارات الربح السريع، مما يؤسس لمنظومة أكثر نضجاً واستدامة. ويشير المراكشي إلى أن "تخصيص موارد ضخمة للبحث والتطوير، إلى جانب إنشاء ما يعرف بـ'مصانع الذكاء الاصطناعي'، يمنح السعودية قدرة على تسريع الابتكار وتوسيع التطبيقات، لا سيما في القطاعات المحورية ضمن رؤية 2030 مثل النقل والمدن الذكية". ويضيف، "بفضل موقعها الجغرافي الاستراتيجي والبنية التحتية الرقمية المتطورة، باتت البلاد مؤهلة لتكون مركزاً إقليمياً لقيادة تطبيقات الذكاء الاصطناعي، مع إمكان نقل الأثر الإيجابي إلى دول الجوار والأسواق المجاورة، كذلك فإن البرامج الوطنية الهادفة إلى تطوير المهارات تستقطب كفاءات محلية وعالمية، مما يعزز وفرة الكفاءات المؤهلة". ويرى المراكشي أن الرياض تمتلك بيئة مثالية لتكون حاضنة لحلول الذكاء الاصطناعي الواسعة النطاق، خصوصاً في مشروعات نوعية مثل "نيوم" والمدن الذكية الأخرى، إذ تتيح هذه المشاريع بيئة اختبار وتطبيق فعلي تسهم في تسريع وتيرة التبني وتحقيق الأثر بصورة ملموسة. ريادة محفوفة بالتحديات في ظل طموح الرياض نحو الريادة في الذكاء الاصطناعي، يشير المراكشي إلى أن تطوير الكفاءات المحلية واحتضان البحث والابتكار يمثلان عنصرين محوريين يتطلبان حذراً وتخطيطاً طويل الأمد، ويشدد على ضرورة إعطاء النظام التعليمي أولوية لمجالات STEM، واستقطاب مؤسسات أكاديمية وشركات تقنية عالمية، ويضيف أن "تحقيق العائد من الاستثمار لا يتم عبر مبادرات وقتية أو إعلانات قصيرة النظر، بل عبر التزام طويل الأمد يدار باحترافية، فبناء بنية تحتية تقنية متكاملة يتطلب أعواماً". في سياق موازٍ، يبرز الخطر المتنامي لاستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في الهجمات السيبرانية، ويؤكد خبير الأمن السيبراني، مؤسس شركة Deeptempo، إيفان باول، أن "المهاجمين باتوا قادرين على تجاوز أنظمة الدفاع التقليدية، مما يفرض سباقاً مستمراً لتحديث القواعد والأنظمة". لكن باول يرى في استثمارات السعودية فرصة لبناء نماذج دفاعية متقدمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي التنبئي، قادرة على مراقبة وتحييد التهديدات قبل وقوعها، بل وحتى تنفيذ دفاعات هجومية لتعطيل المهاجمين، على رغم القيود القانونية في بعض الدول. حرارة وصحراء ولغة تمثل البيئة الصحراوية ودرجات الحرارة المرتفعة تحدياً لتشغيل الروبوتات التي لا تحتمل عادة حرارة تتجاوز 50 درجة مئوية، لكن السعودية، بحسب المراكشي، قادرة على تحويل هذا التحدي إلى فرصة لتطوير مكونات إلكترونية أو حلول تبريد مبتكرة تمكن من استخدام الروبوتات في أقسى البيئات، مما يفتح الباب لتطبيقات صناعية ولوجيستية غير مسبوقة. كما توفر المناطق غير المأهولة فرصة لاستخدام تقنيات مثل الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية (ستارلينك)، لتفعيل مشاريع زراعية وخدمية متقدمة من دون الحاجة إلى بنى تحتية تقليدية، وهو ما قد يعيد رسم الخريطة الاقتصادية. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) أما على المستوى الثقافي فإن ضعف المحتوى العربي الرقمي يمثل عائقاً أمام تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، لكنه في الوقت ذاته فرصة لدفع رقمنة التراث والمحتوى العربي، بما يحمله من منظومة أخلاقية ومعرفية قد تسهم في تشكيل الإطار القيمي لاستخدامات الذكاء الاصطناعي مستقبلاً، وسط غياب عالمي لتشريعات أخلاقية واضحة. إطار أخلاقي وقانوني لتحقيق الريادة وفي هذا السياق، يؤكد رياض المراكشي أن تحقيق التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي لا يكتمل من دون منظومة قانونية وأخلاقية واضحة، مشدداً على ضرورة ضمان خصوصية الأفراد وتوفير بيانات عالية الجودة تستخدم ضمن أطر مسؤولة، بما يحقق التوازن بين التطوير التقني وصون الحقوق الأساسية. وتسعى السعودية، التي تتصدر دول المنطقة في هذا المجال، إلى ترسيخ موقعها كقوة عظمى في الذكاء الاصطناعي، بحسب ما ذكرته صحيفة "نيويورك تايمز"، مشيرة إلى أن الرياض أسست في فبراير (شباط) 2024 شركة "آلات" المتخصصة في التكنولوجيا المتقدمة، والمملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة، بهدف دعم البنية التحتية التقنية وتطوير حلول رائدة على المستوى العالمي. وتضيف الصحيفة الأميركية أن السعوديين يعتزمون استثمار ما يقارب من 100 مليار دولار في قطاع التكنولوجيا المتقدمة بحلول عام 2030، مع التركيز على التقنيات الأكثر حداثة مثل الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات والحد من الانبعاثات والروبوتات والمدن الذكية. وتأكيداً لوجهة نظر الصحيفة الأميركية، أعلنت شركة "وايدبوت" للذكاء الاصطناعي الرائدة في مجال تطوير حلول ومنتجات ونماذج الذكاء الاصطناعي المبتكرة، عن إنجاز غير مسبوق في المنطقة العربية، بعد استضافة نموذجها المتطور للذكاء الاصطناعي "عقل" على خوادم سحابية محلية داخل السعودية. وستكون هناك حاجة إلى سياسات واضحة لحوكمة البيانات، نظراً إلى أن الريادة في الذكاء الاصطناعي تتطلب حوكمة بيانات موثوقة وحماية الخصوصية وأطراً أخلاقية تتماشى مع المعايير الدولية، يجب على السعودية تمهيد الطريق نحو منظومة تركز على الخصوصية وتضمن الوصول إلى البيانات وجودتها من أجل تطوير الذكاء الاصطناعي ضمن أطر قانونية وأخلاقية.

سعورس
١٣-٠٥-٢٠٢٥
- سعورس
نهضة وطن تُسطّرها رؤية وقيادة
فمن التعليم والصحة إلى الطاقة والاتصالات، شهدنا تطورًا ملموسًا لم يكن وليد اللحظة، بل ثمرة جهود مخلصة ورؤية طموحة تقودها القيادة الرشيدة، وعلى رأسها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - عبر رؤية 2030 التي تهدف إلى بناء وطن مزدهر، قائم على المعرفة والتكنولوجيا، وشعب طموح يسهم بفاعلية في نهضة بلاده. ويبرز «المثلث الذهبي» للنهضة - العلم، والتكنولوجيا، والمجتمع - في مشاريع كبرى مثل جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) ومدينة نيوم ، التي تعكس الرغبة الجادة في توطين التقنية ودعم الابتكار، مع السعي للحاق بركب الدول المتقدمة في مجالات حيوية كعلوم النانو، والتكنولوجيا الحيوية، والذكاء الاصطناعي. لقد بات من الضروري أن يقوم التعليم على التكامل بين المعرفة والتربية، وأن يُستثمر في البحث العلمي وتشجيع التخصص والابتكار، بعيدًا عن الجمود في العلوم التقليدية، لمواكبة الثورة المعرفية التي يشهدها العالم. ومع مرور تسعة أعوام على رؤية المملكة 2030 نجدد الفخر والانتماء، ونؤكد أن العلم والتعليم هما حجر الأساس لبناء مستقبل مشرق لأجيالنا القادمة، وأن وطننا يسير بخطى ثابتة نحو الريادة والتقدم.