
«حكايات من ذاكرة المكان»... قرية أردنية تختزن الوطن والهوية
والكتاب عمل سردي يستعيد من خلاله الكاتب تفاصيل قريته الواقعة في شمال محافظة إربد، حيث يعيد تشكيل صورة الطفولة، والأسرة، والمجتمع، والطبيعة. وهو يضم 158 فصلاً قصيراً بعناوين مختلفة.
المكان في هذا العمل ليس مجرد مسرح للأحداث، بل هو، كما يقول الناشر، «الروح التي تسري في النصوص، تفتح للقارئ أبواب الحنين، وتدعوه إلى اكتشاف القرية باعتبار أنها كيان نابض بالأصالة، عامر بالتفاصيل الحية التي تُعطي للمكان طعمه، ورائحته، ونبضه الخاص. يستحضر العزام شوارع قريته، وحقولها، وسهولها، ومجالسها الشعبية، وأصوات المؤذنين، ووقع الخطى على تراب الأزقة، وصوت المطر وهو يلامس سقوف البيوت الطينية القديمة».
ما يميّز هذا العمل كذلك هو استخدام الكاتب للألفاظ العامية، والاصطلاحات المحلية المرتبطة بالمجتمع القروي والزراعي، لا سيّما تلك المتعلقة بالزراعة وتربية المواشي (الغنم والبقر)، فقد استخدم مصطلحاتٍ مثل «البيادر» و«المزاطين» و«الدّوّاج» و«الطفخة» و«يبجبج» و«التَّصميخ»، وغيرها من المفردات التي قد تبدو غريبة على الجيل المعاصر، غير أن الكاتب حرص على تفسيرها، وشرحها ضمن سياقها السردي.
كما يركز الكتاب على التفاصيل الحياتية الصغيرة: فطور الأسرة، ركض الأطفال في الحارات، سوق إربد، مواسم الحصاد، طقوس الأفراح، وحكايات الجدّات، والعمل في الحقول، وبسطات الباعة، والعلاقات بين الجيران، وتربية الأولاد، والعقوبات، والأفراح والأحزان التي تتشاركها القرية على أنها جسد واحد، وباعتبارها تشكل «ذاكرة جمعية عابرة للفرد تُجسّد هوية جماعية يُحتفى بها». ورغم الطابع الذاتي للتجربة، فإن الكاتب ينجح في تقديم قريته على أنها نموذج لمجتمعات عربية كثيرة تتشارك في القيم والعادات والروح.
وبذلك، منح الكاتب لمكانه الأول «القرية» خصوصية رمزية، فجعل منه الحاضن القيمي والثقافي والتاريخي للإنسان، وفي الوقت ذاته حرص على إبراز بعده الواقعي اليومي. إنه يستحضر المكان «لا بوصفه جماداً، بل ككائن حيّ، ينبض بالمحبة والكرم والبساطة. إنه يؤنسن الأمكنة، ويجعل من شجرة التين، وبئر الماء، والبرندة، والبيت القديم، شخصيات فاعلة في الحكاية.
المكان هنا ليس مشهداً خلفيّاً، بل هو الحاضر الأكبر، هو البيت الأول والملجأ الأخير، وهو الكنز الذي نحمله في الذاكرة كلما ابتعدنا عن الجذور، في زمن تتآكل فيه الهويّات أمام طوفان التكنولوجيا والمدن الأسمنتية، فكل بيت صغير، وكل طريق ترابي، وكل حكاية عائلية تشكّل جزءاً من كينونتنا».
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


عكاظ
منذ 14 ساعات
- عكاظ
كريم العدل: «220 يوم» ثمرة عامين من التحضير.. وأطمح لعمل عن القضية الفلسطينية
كشف المخرج المصري كريم العدل، في تصريح خاص لـ«عكاظ»، كواليس التحضير لمسلسل «220 يوم» الذي يجمعه بالفنان كريم فهمي والفنانة الأردنية صبا مبارك، موضحًا أن العمل استغرق عامين من التحضيرات المكثفة. وأشار إلى أن أبرز التحديات تمثلت في صعوبة اختيار مواقع التصوير التي تتطلب مواصفات خاصة تتناسب مع أحداث المسلسل، إضافة إلى تجهيز المؤثرات الخاصة بالمكياج وتعدد المراحل العمرية للشخصيات، مؤكدًا حرصه على متابعة أدق التفاصيل منذ اختيار اللوكيشن وحتى تدريب الفنانين لضمان تقديم عمل متكامل. وعن تعاونه الثاني مع كريم فهمي، أكد العدل أن هناك «كيمياء فنية» تجمعهما، ما يسهل عملية العمل المشترك، إذ تتشابه وجهات نظرهما في تناول الدراما والسيناريو وأبعاد الشخصيات. وكشف أنه اصطحب كريم فهمي لزيارة أطباء أورام، لفهم الحالة النفسية لمرضى السرطان عن قرب، وهو ما ساعد في رسم الشخصيات بدقة، مشيرًا إلى أن هذه النماذج موجودة في كل بيت، ما يمنح العمل واقعية أكبر. وفي ما يخص طموحاته المستقبلية، أعرب العدل عن رغبته في تقديم عمل فني عن القضية الفلسطينية بزاوية جديدة غير مطروحة من قبل، بعيدًا عن الأغراض التجارية أو المكاسب المادية، مؤكدًا أن نجاح مثل هذا المشروع يتطلب سيناريو مدروسًا بعناية يلمس وجدان الجمهور ويقدّم رؤية إنسانية وفنية أعمق من الأعمال التقليدية التي تناولت القضية سابقًا. أخبار ذات صلة


العربية
منذ يوم واحد
- العربية
هكذا ظلت "قرية المسقي التراثية" 1700 عام من العراقة في قلب عسير
انطلقت أمس فعاليات "قرية المسقي التراثية" في مركز الشعف، بتنظيم اللجنة الأهلية لتطوير القرية، ضمن برنامج موسم صيف عسير 2025، وسط حضور جماهيري لافت ومشاركة واسعة من الحرفيين والأسر المنتجة. وشهدت الفعاليات عروضًا مبهرة للفنون الشعبية، وافتتاح المقهى التراثي ومقاهٍ عصرية بطابع عسيري يعكس هوية القرية وموروثها العريق. إحياء الماضي بروح الحاضر تهدف الفعاليات إلى إحياء الثقافة والتراث بأسلوب عصري يربط الماضي بالحاضر، حيث تُعد قرية المسقي من أقدم قرى منطقة عسير، وتحتضن مباني أثرية ومواقع كانت مركزًا للحياة التجارية والاجتماعية في الماضي. وأوضح المستشار الإعلامي د. أحمد آل شرهان، بإشراف رئيس لجنة تطوير القرية عبدالعزيز الذيب، أن قرية المسقي التي يزيد عمرها عن 1700 عام، تقع جنوب مدينة أبها بنحو 27 كيلومترًا على الطريق السياحي المؤدي إلى الشعف ومنتزهات دلغان والأمير سلطان والمسقي والجرة والحبلة. وتتميز القرية بطراز عمراني فريد وتاريخ عريق، حيث ورد ذكرها في القرآن الكريم كمحطة لعبور المسافرين إلى الديار المقدسة وبلاد الشام، كما وثقها المؤرخ الحسن بن أحمد الهمداني في كتابه صفة جزيرة العرب. طبيعة ساحرة ومعالم أثرية سُمّيت "المسقي" لوفرة مياهها وريّها الطبيعي بأمطار أغلب العام، وتحيط بها المزارع والحقول الخضراء، فيما تحاصرها الجبال من جهات عدة مثل جبلي جريان وجريبة غربًا، وجبل لدن شرقًا. ويعبرها وادي عتود الممتد حتى وادي بيشة، إلى جانب أودية فرعية مثل جريان والعيلان والعطفة وطريفانه والعين. وتضم القرية ساحات شعبية تُعرف بـ"البسطات" التي كانت مسرحًا للتجمعات التجارية والاجتماعية، إضافة إلى مخازن حبوب ومعالم أثرية أخرى. وجهة سياحية واعدة تجسد قرية المسقي جانبًا مهمًا من تراث منطقة عسير وحضارتها العريقة، وتشكل نموذجًا حيًا للثقافة السعودية، ما يؤهلها لتكون ضمن استراتيجية منطقة عسير كإحدى أهم الوجهات التاريخية والثقافية والسياحية في المملكة.


الرياض
منذ يوم واحد
- الرياض
حكايات الأجداد تُلهم الحِرفيين الشباب
في زمنٍ لم تكن فيه معاهد أو كراسات، تولّت الذاكرة الشفهية دور المعلم الأول، وسارت الحكاية جنباً إلى جنب مع المطرقة والخيط والنول، لم تكن الحرف اليدوية مجرّد مهارات تتناقلها الأيدي، بل كانت حكايات تُروى، وتجارب تُستعاد، وموروثاً يتشكّل من دفء المجالس، وجلسات المساء تحت ضوء القمر، أو على وهج نار الشتاء. في عام الحِرف اليدوية 2025، تجدّد الاهتمام بما تختزنه الذاكرة الشعبية من سردٍ غير مكتوب، يشكّل جزءاً أصيلاً من عملية نقل الحِرف عبر الأجيال، فتأثير القصص في ترسيخ المهارة لم يكن أقل من الممارسة ذاتها، بل ربما كان بوابة التعلّم الأولى، فحين يستمع الصغار لتفاصيل صناعة السدو، أو كيف يتم اختيار الخشب المناسب لصناعة المباخر، أو قصة أول سكين طُعّمت بالنحاس في القرية، وما جرى بعدها من مواقف تتفتح أمامهم آفاق جديدة لا تقتصر على المهارة اليدوية فقط، بل تمتد إلى فهم عميق للجذور، وربط الحِرفة بحياة الناس، وظروفهم، وبيئتهم، لتصبح تلك المهارة في أعينهم ليست مجرد صنعة، بل حكاية ذات مغزى، ومصدر إلهام يدفعهم لاكتشاف هويتهم، وصياغة دورهم في حفظها وتطويرها. ومن هذا الإدراك المتجذر، تبدأ رحلتهم نحو الإبداع المعاصر؛ إذ يمكن لهؤلاء الصغار، وهم يحملون في ذاكرتهم حكايات الأجداد، أن يواكبوا العصر بأدواته وتقنياته، ويعيدوا تقديم تلك الحِرف برؤية مستقبلية تحفظ أصالتها، وتُلبسها ثوباً جديداً. هكذا، تتحول الحرفة من ماضٍ يُروى إلى مستقبل يُبتكر، حيث يخرج من بين أيديهم إنتاج عصري يجمع بين التراث والابتكار، ويخاطب ذائقة الجيل، من دون أن يفقد أصالة هويته. وقد أدركت وزارة الثقافة أهمية هذا الرصيد الشفهي بوصفه مكوّناً حيوياً في فهم الحِرفة وتاريخها وروحها؛ فأطلقت عدة مبادرات منها ما يستهدف توثيق المرويات الشعبية المرتبطة بالحرف، ودمجها في مشاريع المعارض، والورش، والبرامج التعليمية، كجزء من استراتيجية وطنية لإحياء التراث الحِرفي ليس كمنتج فقط، بل كحكاية وهوية. كما تعمل الوزارة على تمكين الحِرفيين المخضرمين من مشاركة تجاربهم مع الأجيال الجديدة، من خلال تنظيم لقاءات وندوات، وفتح مسارات للتعلّم المباشر لتُعيد للمجالس دورها القديم، ولكن بلغة الحاضر، وفي ذات السياق، يشكّل دعم الشباب الراغبين في تعلّم مهارات صناعة المشغولات التراثية أحد محاور عام الحِرف اليدوية 2025، حيث تُفتح الأبواب أمامهم لاكتساب المهارة عبر قصص الأجداد، وتفكيكها إلى دروس تطبيقية تُمارس وتُطوّر. بهذه الجهود، لا تكتفي الوزارة بالحفاظ على الحِرف كمنتج اقتصادي أو جمالي، بل تضعها في إطارها الأوسع كجزء من الذاكرة الثقافية الوطنية، وتحفّز المجتمع على إعادة قراءة تاريخه بأيدي الحِرفيين، وصوت الحكايات. فالذاكرة الشفهية لم تكن وسيلة نقل فقط، بل كانت روح الحِرفة، وملهمتها الأولى، واليوم، تُستعاد هذه الروح، لا لتُعرض في المتاحف فحسب، بل لتتجدد في يد كل شابٍ يعيد تشكيل مهارات أجداده بلغة المستقبل، هكذا، لا تعود الحِرفة مجرّد منتج يُباع، بل قصة تُروى، ومشهد من تاريخ طويل ظل حياً في الذاكرة قبل أن يُكتب على الورق.