logo
فرص وقف الحرب واللاعبون القادرون على ذلك

فرص وقف الحرب واللاعبون القادرون على ذلك

الجزيرةمنذ 4 ساعات

لا يفترض أن يقابل العدوان المتغطرس من إسرائيل، الدولة التي ثبت ارتكابها جرائم إبادة جماعية بقرار من المحكمة الدولية، على إيران إلا بمزيد من الإدانة والرفض، ولذلك كان مدهشًا أن تتعامل بريطانيا وفرنسا معه وكأنه خطوة "طبيعية"، بدلًا أن تدينا ما جرى.
لقد أعلنتا، شأنهما شأن الولايات المتحدة، وقوفهما إلى جانب "إسرائيل" ضد إيران، بينما كانت هذه الدولة ذاتها تواصل حربها الإبادية في غزّة بلا انقطاع منذ 610 أيام. إن التضامن مع قوة نووية تنتهج الإبادة الجماعية، لمجرد مواجهة مساعي إيران لامتلاك السلاح النووي، من شأنه أن يقوّض تمامًا ما تبقّى من ركائز النموذج الحداثي- العلماني- الإنساني، الذي أصيب أصلًا بزلزال عنيف منذ بدء مجازر غزّة.
إن الرسالة التي خرج بها اجتماع مجموعة السبع G7 – والتي مفادها أن "إيران لن تصبح قوة نووية" – لا يمكن أن يُساء فهمها في العالم الإسلامي، بل ستُفهم تمام الفهم. إذ سيُرى في هذا الإصرار على منع إيران من امتلاك السلاح النووي، رغم مواقفها التي أثارت الجدل داخل الساحة الإسلامية لسنوات، أثرُ انحياز ديني مكشوف. لأنه إذا كان لا بدّ من الحديث عن "خطر حقيقي"، فإن وجود سلاح فردي – مجرد مسدّس – بيد "إسرائيل" يكفي لتهديد الإنسانية جمعاء، فكيف إذا كانت تمتلك ترسانة نووية ضخمة؟!
إنّ "إسرائيل"، بتسلّحها النووي وقوّتها المفرطة، أصبحت خطرًا حقيقيًا على السلام العالمي والبشرية بأسرها. حقيقة هذا الخطر تظهر يوميًا في غزّة، وفي الضفة الغربية، وفي سوريا. إنها قوة عدوانية متغطرسة بطبيعتها، ومع ذلك، وبدلًا من أن تُدان، تُمنح الحقّ في أن تقرر من يحق له امتلاك الأسلحة في المنطقة، ومن لا يحق له ذلك، رغم أنها دولة مدانة بجرائم إبادة جماعية.
هذه واحدة من زوايا الحرب التي نعيشها. أما الزاوية الأخرى المهمّة، فهي أنّ "إسرائيل"، بإقدامها على هذه الحرب، فقدت الامتياز الذي طالما تمسّكت به رغم عدوانيتها: الحصانة، والقدرة على الإفلات من العقاب، والشعور بالعلو المطلق. فمن هذه اللحظة، لم تعد قادرة على مهاجمة أي دولة شاءت من دون أن تدفع الثمن. لقد اصطدمت غطرستها العنيفة بجدار صلب، رغم اعتمادها الكامل على ترسانة سلاح حصلت عليها من الولايات المتحدة وحلفائها المتدينين في أوروبا. واليوم، بدأت مدنها، وفي مقدّمتها تل أبيب، تتعرّض لدمار يشبه ذلك الذي أنزلته بغزّة.
والأدهى، أن هذا الدمار الذي أصاب قلبها جاء من مصدر طالما تجاهلته باستهزاء، بل أنكرت وجوده أساسًا: من بلد محاصر منذ خمسين عامًا، عاش في ظلّ الحصار كل صنوف الحرمان، لكنه استطاع أن يطوّر أسلحته بجهد ذاتي، وسط شحّ الموارد والضغوط.
هذه الحقيقة تطرح تساؤلًا كبيرًا: ما هو ضرر الحصار الأميركي والإسرائيلي؟ وما الذي قدّمته الحماية الغربية لحلفائهم في المنطقة؟ فلننظر إلى إيران، التي عانت على مدار نصف قرن من الحصار والعقوبات الأميركية والغربية، وها هي اليوم قادرة على تأمين ما يقرب من 80% من حاجتها الدفاعية من خلال التصنيع المحلي.
صحيح أنّ منظومة الدفاع الجوي لديها لم تثبت كفاءتها في المرحلة الأولى، إلا أنّها بدأت تدخل الخدمة بشكل أكثر فاعلية، إلى جانب الطائرات المسيّرة، والصواريخ الباليستية، وفرط صوتية، التي زعزعت المكانة الإستراتيجية التي طالما ظنّت "إسرائيل" أنها تحتكرها في المنطقة، وفرضتها على جيرانها.
بل إنّ هذه الزلزلة لم تكن وليدة اليوم. لقد بدأت إرهاصاتها في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، حين فجّر شعب غزّة الباسل، المحاصر منذ 2007، شرارة مقاومة عارمة، زعزعت توازن الردع الإسرائيلي. ويمكن أيضًا إضافة التجربة التركية في الصناعات الدفاعية كحالة بارزة توضح ما يمكن أن تصنعه الإرادة والاعتماد على الذات.
وفي المقابل، هل يمكن تجاهل المفارقة المفجعة؟ مئات المليارات من الدولارات أنفقتها بعض الدول على التسلّح من مصادر أميركية وأوروبية وإسرائيلية – ومع ذلك، ما تزال تعتمد على الحماية الأميركية. أليست هذه المفارقة وحدها كافية لتكون درسًا بليغًا؟
على صعيد آخر، أخطأ نتنياهو في تفسير صبر إيران إزاء اعتداءاته المتكررة، إذ فهمه على أنه علامة ضعف (بل يمكن القول إنّ هذا التفسير لم يأتِ فقط من نتنياهو، بل من الشارع العربي والإسلامي الذي كان ينتظر من إيران ردًا على كل صفاقة إسرائيلية). والحقيقة أنّ إيران لم تكن تسعى إلى حرب شاملة مع "إسرائيل"، وهذا ليس أمرًا يصعب فهمه.
لكن نتنياهو فسّر ذلك الصبر بأنه ضعف من قبل إيران، وقوة مطلقة من طرفه، فاندفع يطلب نصرًا سريعًا، مهللًا لما ظنّه "ضربة مفاجئة" لخصمه، لكنّها لم تكن إلا فخًا ابتلعته فرحته الكبرى مثل كأسٍ مسمومة. واليوم، يبدو أن هذا السُمّ بدأ يسري في جسد "إسرائيل" كلّه. حتى الشارع العربي، بمختلف تياراته، بات يلتف حول إيران؛ لأنها الدولة الوحيدة التي تواجه "إسرائيل" فعليًا في ساحة المعركة. فلينظروا كيف استقبلت الشوارع العربية صور الصواريخ الإيرانية، وهي تضرب تل أبيب بفرحٍ عارم!
ربما آن الأوان للولايات المتحدة، و"إسرائيل"، وأوروبا أن يدركوا هذا الواقع: العالم الإسلامي الذي مزّقوه وأخضعوه عبر إستراتيجيات "فرّق تسد"، يمكن أن يتوحّد تحت وطأة هذا العدوان الصهيوني العنصري المفرط في تطرفه.
فإذا كانت الولايات المتحدة والدول الأوروبية ترغب فعلًا في تجنّب المزيد من النتائج الكارثية لهذا المسار العبثي الذي شرعت فيه، فليس أمامها سوى أن تتخلّى عن دعمها لـ"إسرائيل". لأنها إن لم توقف الحرب التي أشعلتها، فلن تستطيع السيطرة على نهاياتها – كما لم تستطع إنهاء حرب أوكرانيا التي أشعلتها ضد روسيا.
وعند هذه النقطة، لن يكون أمامها خيار سوى اللجوء إلى تركيا، إلى زعيمها رجب طيب أردوغان. وإنّ أردوغان، إلى جانب دبلوماسيته الهاتفية المحمومة التي يقودها منذ أيام، يستطيع – بل ينبغي له – أن يبادر بجمع قادة العالم الإسلامي في إسطنبول، لبلورة موقف مشترك، يمثّل العالم الإسلامي برمّته، في وجه هذه الفوضى. وسيكون هذا بمثابة خطوة تأسيسية فارقة نحو نظام عالمي جديد أكثر عدلًا وتوازنًا.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

انقطاع الكهرباء شبح يطارد المصريين مع استمرار حرب إسرائيل وإيران
انقطاع الكهرباء شبح يطارد المصريين مع استمرار حرب إسرائيل وإيران

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

انقطاع الكهرباء شبح يطارد المصريين مع استمرار حرب إسرائيل وإيران

القاهرة – يأمل محمد الفولي، صاحب سوبر ماركت بالجيزة (ثاني أكبر محافظات مصر سكانًا)، عدم تكرار أزمة انقطاع الكهرباء العام الماضي. ورغم وعود الحكومة، يخشى الفولي عودة تخفيف الأحمال بسبب الحرب بين إسرائيل وإيران. وقال الفولي إن "أكثر ما يثير قلقنا نحن أصحاب المحال الغذائية هو انقطاع التيار الكهربائي، لأن نشاطنا يعتمد بشكل أساسي على حفظ المنتجات المبردة والمجمدة التي تتطلب تبريدا مستمرا من دون انقطاع، وخاصة في فصل الصيف". وأضاف للجزيرة نت أنه وجميع العاملين في هذا القطاع وغيرهم "تكبدوا خسائر فادحة العام الماضي، بعد خروج الأمر عن السيطرة وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة، مما أدى إلى تلف كميات كبيرة من الأغذية". ترشيد الكهرباء لتجنب الانقطاع وفي ظل انخفاض واردات مصر من الغاز الطبيعي من إسرائيل وتراجع الإنتاج المحلي، دقت الحكومة ناقوس الحذر، وبدأت بالتحرك لتفادي العودة إلى سيناريوهات "تخفيف الأحمال" وتكرار أزمة انقطاع الكهرباء العام الماضي. وخلال الاجتماع الأسبوعي للحكومة، حث رئيس الوزراء مصطفى مدبولي المواطنين على ترشيد استهلاك الكهرباء في ظل الظروف الاستثنائية الراهنة، مع تأكيده التزام الحكومة بإمداد محطات الكهرباء بالوقود اللازم لتشغيلها بالكفاءة المطلوبة. لكنه لم يستبعد انقطاع التيار الكهربائي في بعض المناطق؛ نتيجة لمشكلات الصيف التقليدية التي تواجهها شركة الكهرباء، مثل ارتفاع درجات الحرارة وخروج بعض المحولات عن الخدمة أو تضررها، واصفًا إياها "بالعوارض الطارئة". ووجهت الحكومة جميع المحافظين بتنفيذ إجراءات ترشيد استهلاك الكهرباء بدءًا من إنارة الشوارع والمنشآت الحكومية وحتى ساعات العمل، مما يثير تساؤلات حول مدى فاعلية هذه الإجراءات، وهل ستكون كافية لتغطية احتياجات البلاد المتزايدة من الطاقة، أم إن سيناريو انقطاع التيار الكهربائي سيبقى شبحا يطارد المصريين؟ أبرز إجراءات ترشيد الكهرباء التي أقرتها المحافظات: التشدد في مواعيد غلق المحال التجارية عند الساعة 11 مساء. خفض استهلاك الكهرباء في المصالح الحكومية بنسبة 30%. تقليص إنارة الطرق العامة إلى 60% فقط. فصل الكهرباء والأجهزة داخل المباني الحكومية يوميا بدءا من الساعة 8 مساء. منع إضاءة لوحات الإعلانات بالشوارع من الساعة 9 مساء حتى منتصف الليل. خفض الإضاءة العامة ووقف إنارة الميادين خلال ساعات النهار. تقليل إنارة دور المناسبات وبعض المحال في النهار. إلزام الموظفين بفصل أجهزة التكييف قبل مغادرة المكاتب. بالتوازي، قررت السلطات المصرية السبت الماضي تعليق إمدادات زيت الوقود والديزل لبعض الصناعات لمدة أسبوعين، لتوفير ما يصل إلى 9 آلاف طن من الديزل يوميا لمصلحة محطات الكهرباء، في انتظار وصول شحنات الغاز المسال المستوردة. سيناريوهات استدامة الكهرباء وقال الرئيس التنفيذي الأسبق لجهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك حافظ سلماوي "إن استدامة التيار الكهربائي في مصر باتت مرتبطة بتطورات الوضع الإقليمي، واستمرار التصعيد العسكري في المنطقة قد يجعل من الصعب تفادي سيناريو تخفيف الأحمال، رغم الإجراءات الحكومية الحالية لترشيد الاستهلاك". وأوضح سلماوي، في حديث للجزيرة نت، أن ما تقوم به الحكومة في الوقت الراهن هو تقنين للاستخدام وليس تغييرا في أنماط الاستهلاك، مشيرا إلى أن ترشيد الاستهلاك الحقيقي يتطلب تغيير سلوك الأفراد من خلال برامج توعية طويلة الأجل. ولفت إلى أن الإجراءات الحالية توفر من 3% إلى 4% فقط من إجمالي استهلاك الكهرباء. وفي ما يتعلق بوضع الغاز في مصر، أوضح أن الغاز الإسرائيلي يمدّ مصر بنحو 15% من احتياجاتها، بتكلفة تُقدّر بـ 7.5 دولارات لكل مليون وحدة حرارية، في حين يبلغ العجز في الإمدادات المحلية نحو 30%، وتتم تغطيته من خلال استيراد الغاز المسال بتكلفة تقارب الضعف. وتابع المتحدث أن الحكومة تحركت على مسارين متوازيين منذ انقطاع الغاز الإسرائيلي: أولهما برنامج تدريجي لخفض استهلاك الغاز شمل تقليص الإمدادات لبعض الصناعات. أما المسار الثاني فكان تشغيل جزء من المحطات بالمازوت، رغم أن كفاءته أقل بنحو 30% مقارنة بالغاز، وذلك ما يجعله خيارا غير اقتصادي لكنه مقبول مؤقتًا في ظل الأزمة، مؤكدا أن خفض الغاز للصناعات الإنتاجية والمصدّرة يترتب عليه خسائر اقتصادية مباشرة. متى تضطر مصر إلى تخفيف الأحمال؟ وأوضح الرئيس التنفيذي الأسبق لجهاز تنظيم مرفق الكهرباء أن السيناريو الأصعب الذي قد تواجهه مصر هو اضطرارها إلى مضاعفة وارداتها من الغاز المسال الذي تصل تكلفته إلى نحو ضعف تكلفة الغاز المستورد من إسرائيل، وذلك يمثل عبئا ماليا كبيرا، خاصة أن إبرام تعاقدات جديدة لاستيراده يستغرق وقتا طويلا، مشيرا إلى أن هذا السيناريو يمكن أن يحدث إذا تصاعدت الحرب وتوسعت. وأشار إلى أن مصر تمتلك حاليا 3 سفن تغويز: اثنتان في البحر الأحمر وواحدة في البحر المتوسط، لكن الحاجة إلى سفينة رابعة تبدو ملحّة في هذا السيناريو، وهو ما يصطدم بعنصر الزمن. وفي حال تأخر التعاقدات أو عدم كفاية البنية الحالية، فإن العودة إلى سياسة تخفيف الأحمال ستصبح خيارا صعبا لكن شبه حتمي. بدائل طويلة الأجل في إمدادات الطاقة وإذ يشكل الغاز 80% من وقود محطات الكهرباء في مصر، حذر أنور القاسم، المحلل الاقتصادي في صحيفة "فايننشال تايمز"، من أزمة وشيكة في الأفق بسبب الحرب الإقليمية التي ستؤثر تحديدا على كل من مصر والأردن. وأشار القاسم في حديثه إلى الجزيرة نت "إلى ضرورة اللجوء إلى بدائل مبكرة، خاصة أن طرق التوعية بترشيد الاستهلاك لا تحقق نتائج سريعة، داعيا مصر للتوجه فورا إلى شراء سفن الغاز من الأسواق الإقليمية والدولية، خاصة أنها دولة كبيرة وتضم صناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة. القاسم أكد أن انقطاع الغاز مدة طويلة قد يحدث أزمة اقتصادية، نظرا لاعتماد الكهرباء بنسبة 80% على الغاز، وتهديد تعطل إنتاج المصانع والشركات، سواء المحلي أو الموجه للتصدير، عند عدم توفر بدائل كالتحول إلى المازوت في بعض محطات توليد الكهرباء. ويرى المحلل الاقتصادي أن شبح أزمة تخفيف الأحمال لا يزال ماثلًا أمام المصريين بسبب التطور الكبير في البنية التحتية وزيادة الإنتاج. ومن هنا، شدد على ضرورة تنويع مصادر الطاقة وتعزيز الاستثمارات الأجنبية في استخراج الغاز وتحقيق اكتشافات جديدة لضمان استدامة إمدادات الطاقة. ارتفاع فاتورة الطاقة وتضاعفت فاتورة صافي واردات الطاقة المصرية لأكثر من الضعف في عام 2024 لتصل إلى 11.3 مليار دولار، فرفع ذلك عجز الحساب الجاري إلى 6.2% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ3.2% العام السابق. ويُتوقع أن ترتفع فاتورة الطاقة الشهرية هذا الصيف إلى نحو 3 مليارات دولار بدءًا من يوليو/تموز المقبل، مقارنة بملياري دولار فقط العام الماضي، حسب تقديرات سابقة. إنتاج مصر المحلي من الغاز الطبيعي يبلغ 4.2 مليارات قدم مكعب يوميا، بينما يصل الطلب إلى 6.2 مليارات، و7 مليارات في الصيف.

دبلوماسية تحت النار.. جنيف تستضيف مفاوضات أوروبية-إيرانية لاحتواء التصعيد
دبلوماسية تحت النار.. جنيف تستضيف مفاوضات أوروبية-إيرانية لاحتواء التصعيد

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

دبلوماسية تحت النار.. جنيف تستضيف مفاوضات أوروبية-إيرانية لاحتواء التصعيد

طهران- في ذروة التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل، تتكثف التحركات الدبلوماسية الدولية في محاولة لاحتواء التوتر ومنع انزلاق المنطقة نحو مواجهة شاملة. وفي هذا الإطار، تشهد مدينة جنيف، اليوم الجمعة، لقاء مهما بين وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ، ووزراء خارجية الترويكا الأوروبية (ألمانيا، فرنسا، بريطانيا)، في مؤشر على وجود نافذة سياسية لا تزال مفتوحة رغم تصاعد حدة الصراع. وأكد وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، أن الأوروبيين "يتحاورون مع إيران لخفض التصعيد"، مشددا على أن "السبيل الوحيد للمضي قدما هو الحوار". في المقابل، أوضحت طهران على لسان عراقجي، أن المفاوضات مع الدول الأوروبية تقتصر على الملف النووي والملفات الإقليمية، رافضا أي نقاش في قدرات إيران الصاروخية ، التي وصفها بأنها دفاعية ولا تخضع للتفاوض. مبادرة مشتركة من جهته، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن مبادرة أوروبية مشتركة، قائلا، إن فرنسا وألمانيا وبريطانيا "ستقدم عرضا تفاوضيا كاملا لإيران"، لكنه ربط أي تقدم بملفات أخرى تتجاوز البرنامج النووي ؛ داعيا إلى تضمين "مسألة تمويل إيران لحلفائها في الشرق الأوسط" في المفاوضات. كما أكد استمرار دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية لضمان عدم قيام إيران ب تخصيب اليورانيوم لأغراض عسكرية. وشدد ماكرون على أن "لا شيء يبرر استهداف البنى التحتية والمدنيين" في المواجهة الجارية. من جهته، أعلن وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول، انفتاح بلاده على الحوار مع طهران، شريطة تقديم "ضمانات جادة" عن برنامجها النووي. وتأتي هذه التطورات الدبلوماسية في وقت حساس، إذ تتباين الرؤى بين أوروبا التي تفضّل مسار التهدئة، والولايات المتحدة وإسرائيل اللتين تواصلان الضغط على إيران، مما يجعل من هذه المفاوضات اختبارا حقيقيا لجدية الأطراف في تجنب مزيد من التصعيد والانخراط في تسوية محتملة. دبلوماسية موازية من جهته، اعتبر أستاذ العلوم السياسية مصطفى نجفي، أن لقاء وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي مع وزراء خارجية الترويكا الأوروبية في ظل الحرب الجارية بين إيران وإسرائيل، يمثل خطوة "تكتيكية ذكية ومدروسة" من جانب طهران، تهدف إلى استخدام أدوات الدبلوماسية توازيًا مع الحضور العسكري في الميدان. وقال نجفي في مداخلة للجزيرة نت، إن "إيران تدرك تماما أن الحسم في هذه المواجهة لن يكون عسكريا فقط، ولذلك تسعى إلى فتح مسار دبلوماسي موازٍ لاحتواء التصعيد وتحقيق مكاسب سياسية وأمنية". وأضاف أن الاجتماع، الذي تم بناء على طلب الدول الأوروبية الثلاث، يحمل عدة رسائل، من أبرزها تأكيد طهران على حقها في الدفاع المشروع في مواجهة ما تعتبره عدوانا إسرائيليا، وحقها في الرد المتكافئ والرادع، بما يثبت أنها ليست مَن بدأت الحرب، لكنها مستعدة لمواصلتها إذا اقتضى الأمر. وأشار نجفي إلى أن إيران تحاول أيضا من هذا اللقاء "توجيه تحذير مباشر لأوروبا من مغبة التورط في الحرب، أو دعم أي تحرك عسكري ضدها، خصوصا في حال انجرت واشنطن أو حلف الناتو إلى النزاع". ورجّح أن طهران قد تطرح في المحادثات مطالب محددة، منها إدانة العدوان الإسرائيلي ، أو على الأقل تبني موقف محايد من الأوروبيين بدلا من الانحياز لأي طرف. واختتم نجفي، إن "إيران لا تعتبر هذه الخطوة علامة ضعف، بل تراها تعبيرا عن نضج إستراتيجي، حيث تبقي على أدواتها العسكرية فاعلة، لكنها في الوقت نفسه تُبقي الباب مواربا للمبادرات الدبلوماسية، في حال قررت أوروبا الابتعاد ولو جزئيا عن الموقف الأميركي المتشدد". من جهته، يرى المحلل السياسي رضا غبيشاوي أن "المطلب الأهم الذي حمله عباس عراقجي إلى طاولة المفاوضات، يتمثل في وقف الهجمات الإسرائيلية، وهو أولوية مطلقة بالنسبة لطهران تفوق أي ملف آخر". ويضيف للجزيرة نت، أن إيران قد تبدي قدرا من المرونة في الملف النووي مقابل تحرك أوروبي جاد للضغط على إسرائيل لوقف الحرب، وكذلك دفع الولايات المتحدة، وتحديدا إدارة ترامب، نحو القبول بتهدئة مؤقتة مع طهران. ووفقا لغبيشاوي، فإن "طهران تراهن على أن اجتماع جنيف قد يشكل فرصة لإعادة توجيه الموقف الأوروبي بما يفضي إلى تهدئة إقليمية، غير أن العقبة الرئيسية تبقى في إسرائيل والولايات المتحدة، اللتين تروّجان لفكرة، إن الحرب تمنحهما فرصة أفضل لتحقيق أهدافهما". ويختتم، إن "صناع القرار في تل أبيب يعتقدون أن استمرار الحرب ضد إيران سيقودهم إلى مكاسب إستراتيجية لا يمكن تحقيقها إلى طاولة المفاوضات، وهو ما يعقّد فرص الوصول إلى تسوية شاملة في المدى القريب".

مظاهرات حاشدة في العراق تنديدا بالهجمات الإسرائيلية على إيران
مظاهرات حاشدة في العراق تنديدا بالهجمات الإسرائيلية على إيران

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

مظاهرات حاشدة في العراق تنديدا بالهجمات الإسرائيلية على إيران

تظاهر آلاف العراقيين اليوم الجمعة في مدن أبرزها بغداد تلبية لدعوة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر للتنديد بالهجمات الإسرائيلية على إيران. وفي مدينة الصدر بشرق بغداد، أدى متظاهرون أولا صلاة الجمعة ثم هتف الخطيب الشيخ خضير الأنصاري "كلّا كلّا أميركا، كلّا كلّا إسرائيل"، في حين ردّد الحاضرون الشعار حاملين مظلّات للاحتماء من أشعة الشمس الحارقة. وهتف المتظاهرون بشعارات تندد بالعدوان الإسرائيلي وتطالب الحكومة العراقية بعدم السماح باستخدام الأجواء العراقية كممر للاستمرار في توجيه ضربات جوية للمدن الإيرانية. وكان مقتدى الصدر -البعيد عن الساحة السياسية العراقية في المدة الأخيرة- دعا الأربعاء في بيان إلى "مظاهرات سلمية منظمة" بعد صلاة الجمعة "في كل مركز محافظة"، بغية التنديد "بالإرهاب الصهيوني والأميركي (…) والاعتداء على الجارة إيران وفلسطين ولبنان وسوريا واليمن". وتُعدّ هذه الاحتجاجات أول مظاهرات تخرج منذ أشهر بدعوة من الصدر. وقال سائق الأجرة أبو حسين (54 عاما) "إنهم لا يحاربون من أجل النووي" الإيراني، معتبرا أنها "حرب الشيطان" ضد إيران و"حرب باطلة، ولطالما أرادت إسرائيل وأميركا الهيمنة على الشرق الأوسط". وأضاف "لا بد أن يتدخل العراق، بالمال، بالسلاح، بالدعم، بالتظاهر، لدعم إيران". وفي مدينة البصرة بجنوب العراق، تجمّع نحو ألفي متظاهر في شارع رئيسي. واعتبر الشيخ قصي الأسدي (43 عاما) أنه "إن وُجدت حرب عالمية ثالثة فستكون هذه الحرب ضد الإسلام"، منددا بـ"تعدّي الإسرائيليين والأميركيين جوّا (…) على سيادة العراق". وذكّر بأن الصدر "نوّه مرات عديدة بعدم التدخل وانجرار العراق وبألّا يكون ساحة للحرب". وأطلقت إسرائيل في 13 يونيو/حزيران حملة ضربات جوية غير مسبوقة على إيران، مؤكدة امتلاك معلومات استخباراتية تفيد بأن البرنامج النووي الإيراني شارف على "نقطة اللاعودة"، في حين ترد إيران بإطلاق دفعات صواريخ ومسيّرات على إسرائيل. وتنفي طهران أنها تسعى لتطوير أسلحة نووية وتدافع عن حقها في برنامج نووي مدني. وأسفرت الضربات الإسرائيلية عن مقتل 224 شخصا على الأقل في إيران منذ بداية الحرب، وفق حصيلة رسمية. وفي إسرائيل، أسفرت الضربات الإيرانية عن مقتل 25 شخصا، وفقا للمصادر الإسرائيلية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store