logo
آسيا عظيمة أيضاً

آسيا عظيمة أيضاً

الشرق الأوسط٣٠-٠٤-٢٠٢٥

نصف قرن من الرفاه الغربي، قام على أكتاف فقراء الآسيويين، من بينهم من يسميهم نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس «الفلاحين الصينيين». هؤلاء دفعوا من دمائهم، وروابطهم الأسرية، باهظ الأثمان، وقضوا أعمارهم، في أقبية مصانع الشركات العابرة للقارات.
لا تزال حادثة انهيار مبنى «رانا بلازا» الشهيرة في بنغلاديش التي ضجّت بها الصحف العالمية عالقة في البال، رغم مرور الأعوام. يومها ثلاثة آلاف عامل بين قتيل وجريح، معظمهم من النساء، أصيبوا دفعة واحدة، بسبب إهمال شركات كبرى، نتباهى ونحن نرتدي ملابسها من دون أن نتذكر، أولئك الذين اضطروا للعمل في مبنى مشقق آيل للانهيار. ورغم أن طوابقه السفلية أخليت بسبب الخطر، شركات ملابس عالمية قررت أن على العاملات أن يبقين، فمتن ومنهن من بترت أطرافهن. الفقراء يرحلون بصمت، والأغنياء لهم الميكروفونات ومكبرات الصوت. حوادث العمالة، من تسمم، وسرطانات، وشلل، واختناقات، أصبحت مألوفةً في مصانع تدفع للعامل ملاليم، وتبيع منتجاتها «الراقية» بآلاف الدولارات.
انتقال المصانع الغربية إلى دول آسيوية مثل الصين والهند وفيتنام وبنغلاديش في ثمانينات القرن الماضي، الذي تعدّه أميركا إجحافاً بحقها، هو خيارها الذي عاش بفضله الغرب ترفاً استثنائياً بأرخص الأسعار، دافعاً بمهمة التصنيع القذرة إلى بؤساء ارتضوا المهمة تحت وطأة الحاجة، وجنت الشركات الغربية تريليونات الدولارات من الأرباح الخالصة.
بدأت المصانع بالانتقال مع الإصلاحات الصينية عام 1978، تلتها فيتنام مع إصلاحات «دوي موي» الاقتصادية عام 1986، أما بنغلاديش والهند فقد انضمتا إلى الموجة في تسعينات القرن الماضي. نعمة للمستثمر أن يتقاضى العامل البنغلاديشي 3 دولارات في اليوم، ويعمل 12 ساعة، مع تسهيلات ضرائبية وبنى تحتية. عززت أميركا هذا الوضع المربح باتفاقيات التجارة الحرة، وعدّتها من ملامح العولمة والانفتاح اللذين أثمرتهما حضارتها الليبرالية. فلا أولوية تفوق الربح الوفير والأكلاف المنخفضة، ولا قيمة تعلو على الحرية. أو ليس «العالم قرية صغيرة» حسب المفكر الكندي هربرت مارشال ماكلوهان، الذي ربما كان غيّر رأيه لو بقي حياً بيننا.
حققت «أبل» إيرادات بلغت 394 مليار دولار عام 2023 وحده، بفضل جهد عمال صينيين، يكدحون بمقابل هزيل من دون استراحة. أما أطفال الكونغو فيعملون في مناجم «الكوبالت» لتلبية الطلب على بطاريات السيارات الكهربائية. ويعيش كثيرون في الهند، صاحبة رابع اقتصاد عالمي، على أقل من 4 دولارات في اليوم. في الصين ثمة نمو اقتصادي هائل لكن الفجوة الاجتماعية متسعة، والفروق ظالمة بين الريف والمدينة، ومعاناة جماعية بسبب النزوح إلى المراكز الصناعية.
لم يكن كدح الآسيويين في مصانع أغنياء الكوكب بلا تضحيات امتدت لأجيال. أصبحت نيودلهي بعدها من أكثر المدن تلوثاً بسبب كثافة المصانع. وحكي كثيراً عن الصين وهوائها القاتل، ولا يزال عمالها يعانون من أخطار المناجم على أنواعها، وبينها المعادن النادرة التي تتسبب بأزمات بيئية قاتلة، ويروج لها وكأنها تقطف كالتفاح من الشجر. متوسط دخل الفرد في الصين لا يزال دونه كثيراً في أميركا، وهو ما يفسر، بقاء تصنيفها، رغم عظم حجمها الاقتصادي والإنتاجي، ضمن الدول النامية، وهو ما تعترض عليه أميركا. حتى الأطفال السوريون اللاجئون في تركيا لم يسلموا من استغلال مصانع الشركات الكبرى.
نمت صادرات الصين من 20 مليار دولار عام 1980 إلى 2.5 تريليون دولار عام 2020. أدت الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة بعد 2018 إلى تحويل الاستثمارات إلى فيتنام وبنغلاديش، مما وسع نطاق الظاهرة. لكن الفائض التجاري الفيتنامي ارتفع من 39 مليار دولار عام 1918 إلى 123 ملياراً عام 2024، مما جعلها صاحبة ثالث أكبر فائض تجاري مع أميركا، بعد أن اعتمدتها الشركات الأميركية الكبرى مثل «نايكي» و«أديداس» و«أبل» لتصنيع منتجاتها.
فيتنام لم تخرج بعد من فقرها. الشعب الكادح تعبه المضني يستحق التأمل والتقدير. النساء، كما الأطفال قبل الرجال، ينبشون الأرض بأيديهم، يصنّعون قطع الحلوى واحدةً واحدةً، يغلفونها بصبر وسرعة شديدين، يلصقونها بعناية كما نفعل مع هدايانا الموسمية. مع ذلك استحق هذا الشعب ضرائب جمركية وصلت إلى 46 في المائة من أميركا في تعريفاتها الجديدة.
علماً بأن الحد الأدنى للأجور في مصانع الشركات الكبرى في العاصمة الفيتنامية لا يتعدى المائتي دولار في الشهر، وينخفض إلى النصف خارج العاصمة.
تقول رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني إنها تريد أن تعود أوروبا عظيمةً من جديد، ويجب أن تعود أميركا عظيمة أيضاً. ونحن نريد أن تكون كل الأمم سعيدة، ومكتفية، وخارج دائرة الاستغلال. وهذا يستحق إعادة نظر شاملة، في دورة تجارية يعيش فيها جزءٌ من العالم على دماء وجهد جزء آخر، وكأنما سخّر البعض للبعض بشبه المجّان، وهذا ما تحاول دول آسيوية أن تتمرد عليه.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ترمب يتوعد أوروبا و«أبل» برسوم جديدة
ترمب يتوعد أوروبا و«أبل» برسوم جديدة

الشرق الأوسط

timeمنذ 2 ساعات

  • الشرق الأوسط

ترمب يتوعد أوروبا و«أبل» برسوم جديدة

صعّد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أمس، تهديداته التجارية، مستهدفًا شركة «أبل» العملاقة للهواتف الذكية، بالإضافة إلى الواردات القادمة من الاتحاد الأوروبي بأكمله، في خطوة أحدثت اضطراباً واسعاً في الأسواق العالمية بعد أسابيع من التهدئة التي كانت قد منحت المستثمرين بعض الاطمئنان. وأعلن ترمب عزمه على فرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المائة على أجهزة «آيفون» المبيعة في الولايات المتحدة إذا لم تُصنّع داخل أراضيها، كما كشف عن توصية بفرض رسوم جمركية بنسبة 50 في المائة على واردات الاتحاد الأوروبي ابتداء من الأول من يونيو (حزيران)، وفق «رويترز». وتفاعلت الأسواق سلباً مع هذه التصريحات؛ إذ انخفضت العقود الآجلة لمؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 1.5 في المائة وهبط مؤشر «يورو ستوكس 600» الأوروبي بنسبة 2 في المائة، كما تراجعت أسهم «أبل» بنسبة 3.5 في المائة.

ترمب يوقع أوامر تنفيذية لتعزيز الطاقة النووية الأميركية
ترمب يوقع أوامر تنفيذية لتعزيز الطاقة النووية الأميركية

الشرق الأوسط

timeمنذ 2 ساعات

  • الشرق الأوسط

ترمب يوقع أوامر تنفيذية لتعزيز الطاقة النووية الأميركية

وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الجمعة، أربعةَ أوامر تنفيذية تهدف، حسب مستشاره، إلى إطلاق «نهضة» الطاقة النووية المدنية في الولايات المتحدة، مع طموح بزيادة إنتاج الطاقة النووية أربع مرات خلال السنوات الـ25 المقبلة. ويريد الرئيس الأميركي الذي وعد بإجراءات «سريعة للغاية وآمنة للغاية» ألا تتجاوز مدة دراسة طلب بناء مفاعل نووي جديد 18 شهراً، ويعتزم إصلاح هيئة التنظيم النووي، مع تعزيز استخراج اليورانيوم وتخصيبه. وصرح ترمب للصحافيين في المكتب البيضاوي: «الآن هو وقت الطاقة النووية»، فيما قال وزير الداخلية دوغ بورغوم إن التحدي هو «إنتاج ما يكفي من الكهرباء للفوز في مبارزة الذكاء الاصطناعي مع الصين». وقال مسؤول كبير في البيت الأبيض، طلب عدم الكشف عن هويته للصحافيين: «نريد أن نكون قادرين على اختبار ونشر المفاعلات النووية» بحلول يناير (كانون الثاني) 2029. وتظل الولايات المتحدة أول قوة نووية مدنية في العالم، إذ تمتلك 94 مفاعلاً نووياً عاملاً، لكن متوسط أعمار هذه المفاعلات ازداد حتى بلغ 42 عاماً. ومع ازدياد الاحتياجات على صعيد الكهرباء، التي يحركها خصوصاً تنامي الذكاء الاصطناعي، ورغبة بعض البلدان في الاستغناء عن الكربون في اقتصاداتها، يزداد الاهتمام بالطاقة النووية في جميع أنحاء العالم. وفي وقت سابق اليوم، هدد الرئيس الأميركي بتصعيد حربه التجارية مجدداً بعد دعوته إلى فرض رسوم جمركية بنسبة 50 في المائة على الاتحاد الأوروبي بدايةً من الأول من يونيو (حزيران)، وتحذيره شركة «أبل» من أنه قد يفرض رسوماً بنسبة 25 في المائة على جميع أجهزة «آيفون» المصنعة خارج الولايات المتحدة. وأثارت التهديدات اضطراباً في الأسواق العالمية بعد أسابيع شهدت بعض الهدوء بسبب تراجع حدة التصعيد في الحرب التجارية. وانخفضت المؤشرات الأميركية الرئيسية وتراجعت الأسهم الأوروبية وهبط الدولار، بينما ارتفع سعر الذهب، الملاذ الآمن للمستثمرين. وانخفضت عوائد سندات الخزانة الأميركية بسبب المخاوف من تأثير الرسوم الجمركية على النمو. وكان هجوم ترمب على الاتحاد الأوروبي مدفوعاً باعتقاد البيت الأبيض أن المفاوضات مع التكتل لا تتقدم بالسرعة الكافية. إلا أن تهديداته تمثل عودة إلى حرب واشنطن التجارية التي هزت ثقة الأسواق والشركات والمستهلكين وأثارت مخاوف من تباطؤ اقتصادي عالمي. وقال وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت لقناة «فوكس نيوز»، الجمعة، إن تهديدات ترمب قد تؤدي إلى «تحفيز الاتحاد الأوروبي»، مضيفاً أن دولاً أخرى تتفاوض مع واشنطن بحسن نية. وكتب ترمب على موقعه «تروث سوشيال»: «الاتحاد الأوروبي، الذي تأسس في الأصل لاستغلال الولايات المتحدة في التجارة، من الصعب جداً التعامل معه. مناقشاتنا معهم لا تسفر عن أي نتيجة!». وقد يؤدي فرض ضريبة بنسبة 50 في المائة على سلع الاتحاد الأوروبي إلى رفع أسعار المستهلكين على جميع السلع، من السيارات الألمانية إلى زيت الزيتون الإيطالي. ويعد هجوم الرئيس الأميركي على «أبل» أحدث محاولاته للضغط على شركة بعينها لنقل إنتاجها إلى الولايات المتحدة، بعد ضغوط على شركات صناعة السيارات وشركات الأدوية ومصنعي الرقائق. ولا تنتج الولايات المتحدة أي هواتف ذكية، على الرغم من أن المستهلكين الأميركيين يشترون أكثر من 60 مليون هاتف سنوياً، ومن المرجح أن يؤدي نقل الإنتاج إلى زيادة تكلفة أجهزة «آيفون» بمئات الدولارات. ولم ترد شركة «أبل» على طلب وكالة «رويترز» للتعليق بعد. وانخفضت أسهم الشركة 2.4 في المائة في تداولات الجمعة. وقال ترمب في منشور على «تروث سوشيال»: «أبلغت تيم كوك، رئيس شركة أبل، منذ فترة طويلة أنني أتوقع تصنيع أجهزة (آيفون) التي ستباع في الولايات المتحدة بداخل الولايات المتحدة، وليس في الهند أو أي مكان آخر». وقالت مصادر لـ«رويترز» إن «أبل» تهدف إلى تصنيع معظم هواتف «آيفون» المباعة في الولايات المتحدة في مصانع بالهند بحلول نهاية 2026، وتعمل على تسريع تلك الخطط لتفادي الرسوم الجمركية المرتفعة المحتمل تطبيقها على الصين، قاعدة التصنيع الرئيسية للشركة. وفي وقت لاحق، قال ترمب إن الرسوم الجمركية بنسبة 25 في المائة التي هدد بفرضها على «أبل» ستطبق أيضاً على «سامسونغ» وغيرها من شركات صناعة الهواتف الذكية. ولفت إلى أن القرار سيدخل حيز التنفيذ «في نهاية يونيو/حزيران»، مؤكداً أن عدم تطبيقه «لن يكون أمراً منصفاً».

فانس: استخدام القوة العسكرية في عهد ترمب سيكون حذرا وحاسما
فانس: استخدام القوة العسكرية في عهد ترمب سيكون حذرا وحاسما

Independent عربية

timeمنذ 6 ساعات

  • Independent عربية

فانس: استخدام القوة العسكرية في عهد ترمب سيكون حذرا وحاسما

قال نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس أمس الجمعة إن الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترمب ستختار بحرص متى تلجأ للقوة العسكرية وستتجنب الدخول في صراعات مفتوحة، فيما وصفها باستراحة من السياسات الأميركية السابقة. وقال فانس إن الولايات المتحدة تواجه تهديدات خطيرة من الصين وروسيا ودول أخرى وسيتعين عليها الحفاظ على تفوقها التكنولوجي. وأدلى بتعليقاته خلال كلمة في الأكاديمية البحرية الأميركية في أنابوليس بولاية ماريلاند. وأضاف متحدثاً إلى خريجين سيصبحون ضباطاً في البحرية وسلاح مشاة البحرية أن الأمر الذي أصدره ترمب باستخدام القوة ضد الحوثيين في اليمن أدى في نهاية المطاف إلى وقف لإطلاق النار في إطار اتفاق وافقت فيه الجماعة على وقف الهجمات على السفن الأميركية. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وأشار إلى أنه "يجب أن نكون حذرين عندما نقرر توجيه لكمة، لكن عندما نوجه لكمة، نوجه لكمة قوية وقاضية". وأوضح فانس أن بعض الرؤساء السابقين أقحموا الولايات المتحدة في صراعات لم تكن ضرورية للأمن القومي الأميركي. ولم يحدد فانس هؤلاء الرؤساء، لكن تعليقاته أشارت إلى أنه يقصد بحديثه الرئيس السابق جورج دبليو بوش، وهو جمهوري شن حروبا بقيادة الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان، وخلفه باراك أوباما، وهو ديمقراطي واصل الحرب في أفغانستان. ولا يزال الانسحاب الأميركي الفوضوي في 2021 في عهد جو بايدن محط انتقادات حادة من ترمب. وأضاف "لا مزيد من المهام غير المحددة، ولا مزيد من النزاعات المفتوحة". وقال فانس إن الولايات المتحدة تمتعت بفترة من الهيمنة بعد سقوط الإمبراطورية السوفياتية بقيادة روسيا، وإن السياسات الأميركية الرامية إلى التكامل الاقتصادي لمنافسي الولايات المتحدة أتت بنتائج عكسية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store