
أولاف شولتس مستشار ألماني أنهى 16 عاما من حكم أنجيلا ميركل
سياسي ألماني نشأ في هامبورغ وبدأ حياته السياسية في الحزب الاشتراكي الديمقراطي ، كان عمدة مدينته في الفترة بين عامي 2011 و2018، ثم أصبح نائبا للمستشارة أنجيلا ميركل ووزيرا للمالية والشؤون الاجتماعية، وُصف بأنه صاحب الوجه البارد، لدرجة أنه أُطلق عليه بـ"شولزومات"، أي مختصر اسمه مضافا إليه كلمة "آلي".
المولد والنشأة
ولد أولاف شولتس يوم 14 يونيو/حزيران 1958 في مدينة أوسنابروك شمال ألمانيا، انتقلت عائلته إلى هامبورغ، التي تعتبر العاصمة التجارية للبلاد.
والده غيرهارد شولتس ووالدته كريستل شولتس، كانا يعملان في صناعة النسيج.
الدراسة والتكوين العلمي
درس شولتس القانون وتخرج في جامعة هامبورغ عام 1985، وبعد تخرجه أسس مكتبه الخاص في هامبورغ وتخصص في قانون العمل.
التجربة السياسية
بدأ شولتس توجهه السياسي بانضمامه للحزب الاشتراكي الديمقراطي عام 1975، وكان لا يزال طالبا في المرحلة الثانوية، وفي عام 1982 أصبح نائب رئيس منظمة الشباب الاشتراكي التابعة للحزب.
ثم انتقل من العمل في مجال القانون إلى العمل السياسي عام 1989، بعد انهيار النظام الشيوعي في ألمانيا الشرقية وإعادة توحيد ألمانيا، الأمر الذي أحدث تغييرا جذريا في سوق العمل الألماني.
وفي عام 1998 خاض أول انتخابات برلمانية له في البوندستاغ (البرلمان الألماني) ممثلا عن دائرة هامبورغ-ألتونا، ضمن انتخابات عامة استغل فيها الحزب الاشتراكي الديمقراطي التباطؤ الاقتصادي واستياء الناخبين للإطاحة بحكومة المستشار هلموت كول ، والتي استمرت 16 عاما.
وأثناء فترة وجوده في البوندستاغ نشأت علاقة قوية بينه وبين المستشار غيرهارد شرودر، مما ساعده على تسريع صعوده في المناصب داخل الحزب.
إعلان
وفي عام 2001 علّق شولتس عضويته في البوندستاغ وتولى منصب وزير الداخلية في حكومة هامبورغ، ثم عاد مجددا إلى البرلمان عام 2002 وأصبح أمينا عاما للحزب الاشتراكي الديمقراطي حتى عام 2004.
وفي عام 2007، أصبح وزيرا للعمل والشؤون الاجتماعية في حكومة أنجيلا ميركل، حينها قاد جهودا ناجحة ساعدت في تخفيف تداعيات الأزمة المالية العالمية على ألمانيا، منها برنامج العمل الجزئي الذي خفّض ساعات العمل بدلا من تسريح العمال.
ترك شولتس البوندستاغ وعاد إلى هامبورغ عام 2011 وخاض انتخابات لمنصب العمدة وحقق فوزا كاسحا في برلمان الولاية، وأثناء فترة ولايته أشرف على مشاريع بنية تحتية كبرى، من بينها استكمال قاعة الحفلات الموسيقية "إلب فيلهارموني"، وتوسيع شبكة النقل العام، وتعميق نهر إلبه لتمكينه من استقبال السفن الكبيرة.
كما ألغى رسوم الجامعات، وزاد الإنفاق على خدمات رعاية الأطفال، مع تعزيز الوضع المالي للمدينة، الأمر الذي سهّل إعادة انتخابه وحزبه عام 2015 لولاية أخرى.
ورغم ذلك لم يسلم شولتس من التحديات، فقد واجه انتكاسات عدة أثناء توليه منصب العمدة، أبرزها رفض استفتاء شعبي لمقترحه باستضافة أولمبياد 2024، ما شكّل خيبة أمل كبيرة.
كما شهدت المدينة أعمال عنف أثناء استضافتها قمة العشرين عام 2017، فقد اندلعت اشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين، مما أثر بشكل سيئ على صورة الحدث، إذ سلطت وسائل الإعلام الضوء على الفوضى والاضطرابات بدلا من التركيز على نتائج القمة السياسية والاقتصادية.
في سبتمبر/أيلول 2017 لم تحسم نتيجة الانتخابات الفدرالية التي أُجريت بألمانيا، وحصل الحزبان الرئيسيان (الحزب الاشتراكي الديمقراطي و الحزب الديمقراطي المسيحي) معا على نصف أصوات الناخبين فقط، مما يعني أن لا أحد منهما حصل على أغلبية كبيرة.
وعقب هذه النتيجة غير الحاسمة استمرت المفاوضات بين الأحزاب شهورا دون التوصل إلى اتفاق لتشكيل حكومة مستقرة.
اقترح الحزب الاشتراكي الديمقراطي فكرة تشكيل تحالف كبير جديد مع حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، بديلا عن إعادة الانتخابات، وبهدف إيجاد حكومة قادرة على العمل وتحقيق استقرار سياسي في البلاد.
وعلى إثر ذلك حصلت ميركل في مارس/آذار 2018 على منصب المستشارية في ولايتها الرابعة، بينما أصبح شولتس نائبا لها ووزيرا للمالية، ومن أبرز إنجازاته قيادة خطة إنقاذ ضخمة لدعم الاقتصاد المحلي أثناء جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19)، وتقديمه دعما ماليا لمن تأثروا من الجائحة.
ورغم نجاحه في إدارة الأزمة الصحية والاقتصادية، إلا أنه تعرض لانتقادات بسبب فضائح مالية كبيرة حدثت في ألمانيا أثناء فترة ولايته، منها انهيار شركة وايركارد، والتداول الضريبي في الأسواق المالية، لكن تلك التحديات لم تؤثر بشكل كبير على شعبيته.
صوّت البرلمان الألماني يوم 8 ديسمبر/كانون الأول 2021 على اختيار أولاف شولتز مستشارا لألمانيا، خلفا لأنجيلا ميركل،بعد حصوله على تأييد 395 صوتا من إجمالي 707 أصوات -في الاقتراع السري-، متخطيا الحد الأدنى من التأييد، وهو 369 صوتا.
وبفوزه أعاد اليسار الوسط إلى الحكم، وطوى عهد ميركل الذي استمر 16 عاما، بفارق 9 أيام فقط من تحطيمها الرقم القياسي لأطول مدة في الحكم سجلها هيلموت كول (1981-1998).
وتولى شولتس المستشارية عبر ائتلاف من 3 أحزاب هي الحزب الاشتراكي الديمقراطي بزعامته، و الحزب الديمقراطي الحر بزعامة كريستيان ليندنر ، و حزب الخضر.
لكن الائتلاف انهار بعد خلاف على مدى شهور بشأن سياسة الميزانية وسبل إنعاش اقتصاد البلاد المتعثر، وتوجه ألمانيا الاقتصادي، مع انخفاض شعبية الحكومة وصعود القوى المتشددة من تياري اليمين واليسار.
وفي 16 ديسمبر/كانون الأول 2024 خسر شولتس تصويتا على الثقة في البرلمان، وهي نتيجة أفسحت المجال لإجراء انتخابات تشريعية مبكرة في فبراير/شباط 2025.
وصوّت 394 نائبا برفض منح الثقة للمستشار الألماني، مقابل 207 نواب أيدوا منحها، في وقت امتنع فيه 116 نائبا عن التصويت، وفقا لما أعلنته رئيسة البوندستاغ بربل باس.
قرارات حاسمة
اتخذ شولتس بعد الحرب الروسية على أوكرانيا عام 2022 قرارات حاسمة في السياسة الخارجية والدفاعية، بما في ذلك تعليق مشروع " نورد ستريم 2″ وإنشاء صندوق بقيمة 100 مليار يورو لتحديث القوات المسلحة الألمانية.
الوظائف والمسؤوليات
نائب رئيس منظمة الشباب الاشتراكي في الفترة بين 1982-1988.
عضو في البوندستاغ في الفترة بين 1998-2001.
وزير الداخلية في حكومة هامبورغ عام 2001.
الأمين العام للحزب الاشتراكي الديمقراطي من 2002 إلى 2004.
وزير العمل والشؤون الاجتماعية من 2007 إلى 2009.
عمدة هامبورغ من 2011 إلى 2018.
نائب المستشارة أنجيلا ميركل ووزير المالية عام 2018.
مستشار ألمانيا عام 2021.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
٠٦-٠٥-٢٠٢٥
- الجزيرة
انتخاب فريدريش ميرتس مستشارا لألمانيا
انتُخب الزعيم الألماني المحافظ فريدريش ميرتس مستشارا لألمانيا اليوم الثلاثاء في جولة ثانية من التصويت بعد أن مُني تحالفه الجديد مع الحزب الديمقراطي الاجتماعي المنتمي إلى يسار الوسط بخسارة مفاجئة في الجولة الأولى. وأدى ميرتس اليمين مستشارا جديدا لألمانيا أمام رئيس البلاد فرانك فالتر شتاينماير. وأصبح رسميا المستشار العاشر لألمانيا، وذلك بعد أن سلمه شتاينماير في قصر بيليفو الرئاسي وثيقة تعيينه في هذا المنصب خلفا للمستشار المنتهية ولايته أولاف شولتس. يأتي ذلك بعد أن انتخب البرلمان الألماني في جولة تصويت ثانية ميرتس مستشارا للبلاد حيث حصل على تأييد 325 صوتا بزيادة بمقدار 9 أصوات عن العدد المطلوب (316 صوتا) لتحقيق الأغلبية المطلوبة. وكان ميرتس فشل في جولة التصويت الأولى بعدما عجز عن الحصول على الأغلبية المطلوبة بفارق 6 أصوات فقط إذ حصل على 310 أصوات. ويعد عدم حصول ميرتس على دعم البرلمان في الجولة الأولى سابقة في ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية ومصدر إحراج لسياسي وعد بإنعاش النمو الاقتصادي في ظل اضطرابات عالمية. وفاز تحالف ميرتس المكون من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي في الانتخابات الاتحادية التي أجريت في فبراير/شباط الماضي، وتوصل إلى اتفاق لتشكيل ائتلاف مع الحزب الديمقراطي الاجتماعي. يذكر أن طرفي الائتلاف الحاكم الذي سيقوده ميرتس يملكان معا 328 صوتا في البرلمان. وتوصل الائتلاف إلى خطة لإنعاش النمو تشمل خفض الضريبة على الشركات وأسعار الطاقة. كما وعد بدعم قوي لأوكرانيا وزيادة الإنفاق العسكري.


الجزيرة
٠٦-٠٥-٢٠٢٥
- الجزيرة
البرلمان الألماني يفشل في اختيار مستشار جديد
فشل البرلمان الألماني الاتحادي (بوندستاغ)، الثلاثاء، في اختيار مستشار جديد لألمانيا خلفا للمنتهية ولايته المنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، أولاف شولتس. وخسر الزعيم المحافظ الألماني فريدريش ميرتس الجولة الأولى من التصويت البرلماني لانتخابه مستشارا، في انتكاسة غير متوقعة للائتلاف الجديد بين المحافظين و الحزب الديمقراطي الاجتماعي الذي ينتمي إلى يسار الوسط. وتصدرت كتلة المحافظين، والتي تضم الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي، في انتخابات فبراير/شباط الماضي ولكنها حصلت فقط على 28.5% من الأصوات مما جعلها بحاجة إلى شريك واحد على الأقل لتشكيل ائتلاف. ووافق ميرتس على تشكيل ائتلاف مع الحزب الديمقراطي الاجتماعي، الذي حصل على 16.4% فقط من الأصوات في أسوأ نتيجة له في تاريخ ألمانيا ما بعد الحرب. وتنص المادة 63 من الدستور على أنه إذا لم يُنتخب أي مرشح يمكن للبرلمان الألماني الاتحادي إجراء انتخابات جديدة في غضون 14 يوما من التصويت. وتقول مصادر من الحزب المسيحي الديمقراطي إنه من الممكن أن يتم ترشيح ميرتس مرة أخرى إذا بدا أنه قادر على الفوز في الجولة الثانية المتوقع إجراؤها الجمعة المقبل. إعلان والاثنين، صرح ميرتس بأنه يتوقع أن يتم انتخابه مستشارا جديدا لألمانيا من الجولة الأولى في البرلمان الألماني. وفاز في الانتخابات العامة الأخيرة كتلة ميرتس المحافظة (التحالف المسيحي)، المكونة من حزبه والحزب المسيحي الاجتماعي البافاري، ومن المقرر أن يشكل التحالف حكومة ائتلافية مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذي حل في المركز الثالث في الانتخابات. وتتولى الحكومة الجديدة مهامها بعد 6 أشهر من انهيار الائتلاف الثلاثي الذي قاده المستشار المنتهية ولايته المنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي شولتس مع حزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر، مما أدى إلى إجراء انتخابات مبكرة في فبراير/شباط الماضي.


الجزيرة
٠١-٠٣-٢٠٢٥
- الجزيرة
هل قُرِعت أجراس الخطر في أوروبا؟
شهدت ألمانيا يوم الأحد 23 فبراير/ شباط الجاري انتخابات سابقة لأوانها، عقب حجب الثقة عن حكومة شولتس منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إثر خلاف حاد داخل الأغلبية الحكومية بشأن تدبير الأزمة الاقتصادية التي تفاقمت عقب جائحة كوفيد، والحرب الروسية الأوكرانية. وقد أسفرت نتائج الانتخابات عن تراجع حزب المستشار الألماني "الحزب الاشتراكي الديمقراطي" إلى المرتبة الثالثة بنسبة 16.41 بالمائة، بينما تقدّم غريمه التاريخي "التحالف المسيحي" إلى المرتبة الأولى بنسبة 28,52 بالمائة، وحلّ الحزب اليميني البديل من أجل ألمانيا في المرتبة الثانية بنسبة 20.80 بالمائة، وبنفس المفاجأة حصل الحزب اليساري على 8.77 بالمائة. أما الحزب الذي كان سببًا في انهيار الائتلاف الحكومي، وهو حزب (FDP)، فإنه لم يجتز العتبة التي تخوّله دخول البرلمان. وقد بلغت نسبة المشاركة في عموم ألمانيا، حوالي، 82.5 بالمائة، مما يعكس حرارة المناخ السياسي في برلين، والتنافس الحاد، ومن ثم الانتظارات إلى الانتخابات الراهنة. اليمين الشعبوي لم يربح الانتخابات ولم يخسر يبدو في الظاهر، أن الانتخابات الراهنة قد أنقذت ألمانيا من الوقوع في قبضة اليمين الشعبوي، لكن حقيقة الأمر وديناميات المشهد السياسي، تبرز أن حزب "البديل من أجل ألمانيا"، قد أحرز تقدمًا ملحوظًا، وحقق مكاسب سياسية جديدة هامة، تتمثل في مضاعفة مقاعده البرلمانية واتساع قاعدته السياسية والاجتماعية، والتي تجلّت في حصوله على حوالي 20.80 بالمائة من أصوات الناخبين، أي أن حوالي خُمس الألمان قد صوّتوا لحزب البديل (AFD) واختياراته السياسية. وهذا شيء لافت للنظر، إذ إنَّ حزبًا ناشئًا تأسس سنة 2013، لم يحصل في آخر انتخابات -جرت سنة- 2021 إلا على 10.3 بالمائة من الأصوات، يتسع حضوره وتتقوى تمثيليته السياسية والانتخابية بهذا الشكل. إن نتائج الانتخابات الألمانية الراهنة، قد أعاقت مرحليًا وصول اليمين الشعبوي إلى السلطة والحكم، لكنها قد عبّدت طريقه، ورسمت مساره نحو السلطة في أقرب انتخابات، وأن حصول ذلك هو مسألة وقت فقط. وبالأرقام فإن AFD (يمين شعبوي) قد كسب أزيد من عشر نقاط عن آخر انتخابات نظمت سنة 2021. لذلك نقول، إنه لم يربح الانتخابات، لكنه لم يخسر، بل جنى مكاسب سياسية تاريخية في مساره السياسي، جعلته القوة السياسية الثانية في البلاد، فصعوده متنامٍ بشكل مطرد. وفي الواقع، إن الحزب الديمقراطي المسيحي مع "ميرتس" قبل الانتخابات، وفي سياق تجاذبات حكمت أوجهًا من الصراع الحزبي والسياسي، قد تبنّى جانبًا من خطاب اليمين الشعبوي، حصل ذلك على مراحل، بلغت خرق العرف السياسي السائد في المشهد، والذي يقضي بعدم إمكانية التوافق مع اليمين الشعبويّ أو التخندق في نفس الاتجاه، إذ وجد هذا الأخير نفسه، حينما تقدّم بقانون للبرلمان، يروم من خلاله إصلاح سياسة الهجرة، في نفس الخندق، وفي تطابق تامّ في الموقع مع حزب البديل من أجل ألمانيا (AFD). خلَّف ذلك ردّ فعل سلبي لدى الطبقة السياسية من مختلف الأحزاب، بما فيها أنجيلا ميركل التي انتقدت علانية هذا التوجه السياسي، وكان لانتقادها أثر على حزب الاتحاد الديمقراطي الذي صوَّت بعض برلمانيِّيه مع الكتلة الرافضة والمشكّلة من اليسار وحزب الخضر. هذا الحدث السياسي الذي مثّل جسرًا لإمكانية التطبيع والتوافق مع اليمين الشعبوي، والذي لقي رفضًا، دفع فريدريش ميرتس إلى التأكيد على أن التوافق مع حزب البديل غير ممكن، وهو النهج الذي سيستمرّ في المرحلة السياسية المقبلة. تراجع الأحزاب التقليدية والتحالفات الممكنة عرفت أحزاب الائتلاف الحكومي الذي قاده الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD)، ويحمل اسم إشارة المرور في ألمانيا، خسارة كبرى، فقد على إثرها الحزب الديمقراطي الحر (FDP) الذي كان سببًا في انهيار الائتلاف الحكومي، حوالي 7.1 من النقاط، ولم يصل إلى العتبة التي تخوّله دخوله البرلمان. بينما خسر حزب الخضر (Grüne) الذي تنتمي إليه وزيرة الخارجية الإلمانية حوالي 3 نقاط، بينما خسر حزب المستشار أولاف شولتس، حوالي 9,3 نقاط، وتراجعت حصيلته لأكبر خسارة مني بها في تاريخه السياسي والانتخابي. أما الحزب الديمقراطي المسيحي (CDU) [وشقيقه الأصغر "المسيحي الاجتماعي" البفاري (CSU)]، الذي تصدر الانتخابات، فإن تقدمه لم يكن إلا بأربع نقاط عن آخر انتخابات، لكن بالنظر إلى منحنى التقدم والتراجع السياسي، فإن الحزب المحافظ الذي سيقود ألمانيا خلال المرحلة المقبلة، والذي ظل مع غريمه الحزب الاشتراكي الديمقراطي، يتناوبان على حكم ألمانيا منذ 1949، لم يعوض خسارته السياسية السابقة، ولم يصل إلى الثلاثين بالمائة التي كان يتطلع إليها زعيمه والمستشار المستقبلي فريدريش ميرتس، لكن 28.52 بالمائة بالنظر لتاريخه السياسي وللتحديات السياسية والاقتصادية التي تتطلب استقرارًا سياسيًا راسخًا، تعتبر نصرًا انتخابيًا لكنه ليس نصرًا سياسيًا. وهو ما سيجعل الائتلاف الحكومي المقبل، أكثر حذرًا، وفي الآن نفسه أكثر إلحاحًا في خلق ديناميات فاعلة تعالج المشكلات الاقتصادية أساسًا، إذ بدون ذلك ستضعف القوى التقليدية بشكل أكبر، ويرتفع منسوب الارتدادات السلبية للمشكلات الاقتصادية على المجتمع، مما سيعني حتمًا حدة في التنافس السياسي الذي قد يفضي إلى تسليم السلطة فعليًا لليمين. مما رسخته الانتخابات الحالية من مؤشرات الحزبان التاريخيان في ألمانيا، قد ودعا تصدر الانتخابات بما يفوق 30 و40 بالمائة منذ سنة 2017، وهو موعد الانتخابات الثانية التي شارك فيها اليمين الشعبوي (AFD)، والتي حصل فيها على 12 بالمائة، فالتوترات والاضطرابات التي تمر بها أوروبا، والأزمة الاقتصادية، أنهكت القوى التقليدية، سواء كانت في السلطة أو المعارضة. نزعة اليمين الشعبوي تقوض الأحزاب الديمقراطية الأخرى من خلفيات يسارية أو محافظة، كما أن الاضطرابات واللاستقرار التي تمر بها أوروبا سياسيًا واقتصاديًا، تغذي النزوع المجتمعي لاختيار أقصى اليمين، بالإضافة إلى المناخ السياسي الأوروبي والغربي الذي يشهد هذا الصعود المتنامي للأحزاب الشعبوية، وليس آخرها حالة ترامب وإرادة خلق مد يميني يتقاسم هواجس التخويف من المهاجرين، وإغلاق الحدود، والاتجاه للانغلاق، وأوروبيًا، يشكل ذلك تهديدًا للاتحاد كتكتل سياسي واقتصادي، ولهذا سيجد المستشار الحالي نفسه أمام تحدي تمرير تصوره لموضوع الهجرة؛ الذي لا يختلف كثيرًا عن المواقف اليمينية، والتي تخلق حالة توتر مع دول الاتحاد الأوروبي نفسه. ترسيخ معطى أضحى ثابتًا في المشهد السياسي الألماني- وربما الأوروبي بمجمله- وهو الحاجة إلى تشكيل ائتلاف حكومي من أكثر من حزب، والنتائج المحصلة من طرف الأحزاب، تجعل الحزبين: الديمقراطي المسيحي، والاشتراكي الديمقراطي، الأقرب والأقدر على تشكيل حكومة موحدة لحصولهما على الأغلبية، مع إمكانية ضئيلة لفتح منفذ المشاركة أمام حزب الخضر، لكن كما سبقت الإشارة ستعترضها تحديات. الرهانات السياسية والتحديات المنتظرة إن ما أسفرت عنه الانتخابات الراهنة، وبحكم المناخ السياسي الأوروبي والدولي المتوتر الذي نظمت فيه، يعد اختبارًا حقيقيًا لاستقرار النموذج الألماني واختياراته السياسية، ومدى نجاعته في الحفاظ على نسق يضمن التعددية والاختلاف داخل ألمانيا في المدى المتوسط؛ ذلك أن مضاعفة حزب البديل من أجل ألمانيا تمثيلَه في البرلمان وموقعه كقوة سياسية ثانية في البلاد، يعتبر أهم تحدٍّ أمام النموذج السياسي الألماني منذ توحيد الألمانيتين، وأعرافه التي تحكمه، بفعل الاستثمار الحاد لهذا الحزب في موضوعات ذات طابع هوياتي تخلق صدامًا مجتمعيًا، كما أنه يعيد في بعض الأحيان شبحًا مخيفًا في الذاكرة الألمانية، حول بعض الخطابات الشمولية، مما يشكل تهديدًا للديمقراطية والتعددية. إن الائتلاف الحكومي المقبل، سيكون في الواقع مطالبًا بحجب حالة التوتر التي تزرع الخوف في المجتمع، والخوف دافع لاختيارات لاعقلانية في السياسة، إذ تصبح المشكلات الاقتصادية والسياسية، بالصدفة وبفعل الاستغلال السياسيّ الضيق، موضوع هجرة ومهاجرين، أو الآخر في المجمل. هنا نحن في الواقع أمام حالة يشتبك فيها الثقافي بالسياسي بالاقتصادي، سيكون اتساعها خطرًا على مستقبل النموذج إذ لم تتم عقلنة النقاش العمومي، وهذا يفرض بناء حالة وعي لدى الأطراف المتضررة من صعود اليمين الشعبوي، ومن التهديدات التي يمكن أن تنعكس على النسق التعددي برمته. هنا نشير إلى المكوِّن المسلم – والمهاجرين عمومًا-، الذي يفتقر في واقع الأمر إلى بناء خطاب يفكّك الحالة السائدة، ويخلق أفقًا خطابيًا لا يقتصر على المواقف وردود الفعل، وإنما يخلق حالة ثقافية مُسهمةً في الفضاء العمومي، ثم من جانب ثانٍ، التخلي عن سيكولوجيا وعقلية الهجرة ذات الصلة المرتبطة بالشغل وحسب، والانتقال، إلى الفعل المؤثر من خلال ما تتيحه الديناميات السياسية والثقافية والمجتمعية، أي خلق حالة وعي وإدراك ثقافي عميق للبنى التي يتشكل منها المجتمع واختياراته، والمسارات والديناميات التي يمر بها المشهد برمته، والنسق التعددي يتيح ذلك. أما الجانب الآخر من الاختبار، فيرتبط بمدى القدرة والنجاعة في تجاوز الركود الاقتصادي وتبعاته على المجتمع والدولة معًا، في سياق محكوم بنزعة تنافس حادّ أضحت تبديه الصين من ناحية الشرق، وما يمكن أن يطرحه ترامب على شركائه الأوروبيين، ومشكلة المشكلات التي يتغذى منها الاستقطاب السياسي والاجتماعي وغيره، كامنة في الاقتصاد. البعد الثالث، يتعلق مرة أخرى بالرئيس الأميركي، فترامب في واجهة الخلاف في نقاط رئيسية ثلاث: التجارة، الأمن الأوروبي، والوضع الجيوسياسي بأوروبا، والذي يتحدد على أرضية أوكرانيا، نكتفي بذكرها مجملة للإيجاز، وقد تكون موضوع مقالة مستقلة، عن حالة التناقض العميق الذي خلفه الرئيس الأميركي مع حلفائه، مما يحمل تحولًا عميقًا في النظام الدولي برمته. ختامًا: تلك المسارات مجتمعة، ستكون موضوع انشغال سياسي معمق في ألمانيا خلال المرحلة المقبلة، وسيقع مركز الثقل عليها، لأنها واسطة العقد في أوروبا، وواحدة من الأطراف المؤثرة في سياسات الاتحاد الأوروبي. لذلك، فإن الانتخابات الراهنة، وما أفرزته، يعي الساسة الألمان أهميتها في إعادة سكة الاقتصاد إلى قاطرة النمو السريع، من أجل الحفاظ على قوة الاقتصاد الألماني أولًا، ثم استقرار النموذج بصبغته وطبيعته، والحيلولة دون الهيمنة الفعلية لليمين الشعبوي في حالة الإخفاق.