في طوفان الذكاء الاصطناعي.. نصائح لحجز "تذكرة النجاة"
يربط الكثيرون سرعة اعتماد الذكاء الاصطناعي بصعوبة المهام، معتبرين أن الوظائف المعقدة ستكون الأصعب على الذكاء الاصطناعي، والعكس صحيح، لكن هذه الفرضية، رغم شيوعها، لكنها خاطئة في جوهرها.
كيف يتعلم الذكاء الاصطناعي؟
يشبه الذكاء الاصطناعي الإنسان من حيث قدرته على التعلم، لكن آلية التعلم تختلف، فبينما يتعلم الإنسان من التجربة والخطأ، يتعلم الذكاء الاصطناعي من البيانات.
فالنموذج الذي يملك القليل من البيانات يشبه طفلا صغيرا، أما الذي يتغذى على كم هائل من البيانات، فيقارب في خبرته شخصا مخضرما.
عند مقارنة مهمتين كقيادة السيارة وكتابة الشيفرة البرمجية، قد يبدو أن البرمجة أصعب، لكن الواقع في مجال الذكاء الاصطناعي يقول العكس.
تعود بدايات السيارات ذاتية القيادة إلى ثمانينيات القرن الماضي، بينما لم تبدأ نماذج اللغة الكبيرة (LLMs) مثل ChatGPT في الظهور إلا بعد 2013.
ورغم هذا السبق الزمني، لا تزال السيارات الذاتية تعاني من التذبذب في الأداء، بينما تحقق نماذج اللغة تطورًا مذهلًا.
السبب يعود لوفرة البيانات. النماذج اللغوية تتدرب على محتوى الإنترنت بالكامل. أما السيارات، فتعتمد على تسجيل آلاف ساعات القيادة، في بيئات وظروف نادرة ومتنوعة يصعب التنبؤ بها أو تكرارها.
من سيتأثر أولا؟
وفقاً لتقرير الوظائف لعام 2025 لمنتدى الاقتصاد العالمي، القطاعات الغنية بالبيانات ستكون أول من يتعرض للاضطراب. على رأس القائمة:
البرمجة
يُعد مجال البرمجة من أكثر المجالات التي تأثرت بسرعة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، وذلك ليس لأن البرمجة سهلة، بل لأن هناك كما هائلا من البيانات المتاحة لتدريب النماذج الذكية.
منصة GitHub، وهي أكبر مستودع عالمي لتخزين وتبادل الشيفرات البرمجية، تحتوي على أكثر من 420 مليون مشروع (مستودع)، منها 28 مليون مشروع مفتوح المصدر يمكن لأي شخص – أو أي خوارزمية ذكاء اصطناعي – الاطلاع عليه وتعلمه منه.
خدمة العملاء
تمتلك الشركات سجلات هائلة من المكالمات والرسائل والتذاكر الإلكترونية، مما يسهل على الذكاء الاصطناعي تقديم دعم فوري وتوفير يصل إلى 23.5 بالمئة في التكاليف.
التمويل
تستخدم أسواق المال الذكاء الاصطناعي في التداول الخوارزمي، ويُقدر أن 70 بالمئة من تداولات الأسهم الأميركية تتم حاليا عبر أنظمة ذكية تستند إلى بيانات لحظية هائلة.
القطاعات المحصنة.. مؤقتا
في المقابل، هناك قطاعات تواجه تباطؤًا في اعتماد الذكاء الاصطناعي بسبب نقص البيانات:
الصحة
أقل من 10 بالمئة من بيانات العمليات الجراحية متاحة بشكل عام، ويحول قانون الخصوصية الأميركي (HIPAA) دون مشاركة البيانات بحرية. كما أن المعلومات الطبية موزعة بين المستشفيات وشركات التأمين والعيادات بشكل يعيق التعلم الآلي.
الإنشاءات
يُنظر إلى قطاع الإنشاءات على أنه من أكثر القطاعات مقاومة لتبني الذكاء الاصطناعي، ليس لأنه معقد تقنيًا بشكل يفوق قدرة الآلات، بل لأن البيئة التي يعمل فيها تفتقر إلى الأساسيات التي يحتاجها الذكاء الاصطناعي لكي يتعلم ويعمل بفعالية.
التعليم
قوانين الخصوصية تحد من جمع بيانات الطلبة، مما يعيق تطوير أدوات تعليمية تعتمد على الذكاء الاصطناعي.
ومن المفارقات أن هذه الفجوة دفعت بعض القطاعات إلى اتباع وسائل مراقبة، مثل تركيب كاميرات في غرف العمليات أو مراقبة حركة أعين الطلبة خلال الامتحانات، ما يثير مخاوف من انتهاك الخصوصية وتجاوزات تقنية لا يمكن التنبؤ بتداعياتها.
لكن عندما تكون هذه البيانات محمية وممنوع مشاركتها أو تحليلها بسهولة، يصعب على أدوات الذكاء الاصطناعي أن تتطور أو تُخصص المحتوى بناءً على احتياجات الطلاب الحقيقية.
التأثير الاقتصادي: ليس فقط أرقاماً
التحول نحو الذكاء الاصطناعي لا يحدث بوتيرة واحدة في كل القطاعات. في الصناعات الغنية بالبيانات، تتسارع ما يُعرف بـ"الدمار الخلّاق"، حيث تختفي وظائف قديمة ويُخلق بديل لها، لكن غالبًا بمهارات جديدة وفي مناطق مختلفة. فقد يتحول مركز خدمة عملاء كان يوظف 500 موظف إلى 50 متخصصًا في مراقبة الأنظمة الذكية عن بُعد.
أما القطاعات الفقيرة بالبيانات، فتواجه صعوبات في التكيف، إذ تُضطر للرقمنة أولًا قبل تبني الذكاء الاصطناعي، ما يؤدي إلى احتكاكات يومية مع البيروقراطية والبنية التحتية التقليدية. وقد تكون النتائج أعمق، بإعادة تشكيل الأقسام بأكملها بدلًا من استبدال وظائف منفردة.
وفقًا للتقديرات، من المتوقع أن تختفي نحو 92 مليون وظيفة بحلول عام 2030، مقابل 170 مليون وظيفة جديدة. لكن هذه ليست عمليات إحلال مباشرة، بل تحولات هيكلية جغرافية ومهارية، تستدعي إعادة تأهيل القوى العاملة بشكل واسع.
كيف تستعد لهذا التحول؟
في مواجهة هذا الواقع المتغير، يجب على الباحثين عن عمل التركيز على المرونة والتقاطع بين المجالات، وليس فقط التخصص الضيق.
ابحث عن الأدوار "الهجينة"
الوظائف التي تربط بين التكنولوجيا والعمل البشري التقليدي، كإدارة الأنظمة، الترجمة بين الفرق التقنية والإدارية، أو الإشراف على عمليات الذكاء الاصطناعي.
أعد تعريف مهاراتك
لا تقتصر على ما تعرفه، بل كيف تتعلم، تحل المشكلات، وتتكيف مع الأنظمة الجديدة.
ابحث عن فرص "الميل الأخير" في مجالك
قد لا تحتاج إلى تغيير قطاعك بالكامل، بل فهم كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُوظف في موقعك الحالي. فالمعرفة العميقة بمجال الصحة أو الصناعة، إذا ما اقترنت بحد أدنى من فهم الذكاء الاصطناعي، قد تخلق فرصًا مميزة يصعب منافستها.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


ليبانون 24
منذ 15 ساعات
- ليبانون 24
أدوات ذكاء اصطناعي تجعل دراسة الطلاب أكثر تفاعلية وفعالية… تعرّف عليها
فمن التدوين الفوري للملاحظات إلى إعداد بطاقات تعليمية مخصصة، أصبحت هذه الأدوات شريكًا داعمًا للطلاب بدلًا من أن تحل محل العملية التعليمية، وفق خبراء التكنولوجيا، بحسب Tom's Guide. ChatGPT أطلقت شركة OpenAI وضعًا مخصصًا للدراسة يحوّل ChatGPT إلى معلم شخصي، قادر على إنشاء بطاقات تعليمية وإعداد أسئلة واختبارات تفاعلية بمجرد تحديد المادة ومستوى المعرفة وأسلوب التعلم المفضل. Grammarly تجاوز Grammarly مرحلة التصحيح اللغوي التقليدي، ليقدم اقتراحات ذكية لصياغة الجمل وضبط النبرة وتحسين الوضوح، بالإضافة إلى خاصية فحص الانتحال لضمان جودة الأبحاث. تتيح أداة تسجيل المحاضرات وتحويلها إلى نصوص قابلة للبحث، مع تمييز النقاط المهمة وتوليد ملخصات فورية، ما يساعد الطلاب على تنظيم المعلومات واسترجاعها بسهولة. ويشير الخبراء إلى أن التحدي أمام الطلاب اليوم لا يكمن في تجنب هذه الأدوات، بل في استخدامها بذكاء لتعزيز الفهم، وصقل مهارات التعبير، مع الحفاظ على النزاهة الأكاديمية. تتيح منصة "NotebookLM" من غوغل تحميل ملفات المحاضرات ومواد الدراسة، ثم طرح الأسئلة عليها مباشرة، مع إمكانية توليد خرائط ذهنية وملخصات، وحتى تحويل المحتوى إلى بودكاست للاستماع أثناء التنقل. Canva Pro مع Veo 3 بالتكامل مع تقنية "Veo 3" من "Google DeepMind"، توفر "Canva" أدوات متقدمة لإعداد العروض التقديمية ومقاطع الفيديو والرسوم البيانية، ما يجعلها خياراً مثالياً للمشاريع الجماعية والمتعلمين البصريين.

القناة الثالثة والعشرون
منذ يوم واحد
- القناة الثالثة والعشرون
في طوفان الذكاء الاصطناعي.. نصائح لحجز "تذكرة النجاة"
يتردد كثيراً في الأوساط العامة أن الذكاء الاصطناعي قادم لسلب البشر وظائفهم، وهو أمر فيه قدر من الصحة، لكن الواقع أكثر تعقيدا، فالقلق من هيمنة الذكاء الاصطناعي على الوظائف بات حاضرا، دون أن نمتلك تصورا دقيقا لكيفية حدوث هذا التحول، أو متى سيقع، أو كم من الوقت تبقى لدينا للاستعداد. يربط الكثيرون سرعة اعتماد الذكاء الاصطناعي بصعوبة المهام، معتبرين أن الوظائف المعقدة ستكون الأصعب على الذكاء الاصطناعي، والعكس صحيح، لكن هذه الفرضية، رغم شيوعها، لكنها خاطئة في جوهرها. كيف يتعلم الذكاء الاصطناعي؟ يشبه الذكاء الاصطناعي الإنسان من حيث قدرته على التعلم، لكن آلية التعلم تختلف، فبينما يتعلم الإنسان من التجربة والخطأ، يتعلم الذكاء الاصطناعي من البيانات. فالنموذج الذي يملك القليل من البيانات يشبه طفلا صغيرا، أما الذي يتغذى على كم هائل من البيانات، فيقارب في خبرته شخصا مخضرما. عند مقارنة مهمتين كقيادة السيارة وكتابة الشيفرة البرمجية، قد يبدو أن البرمجة أصعب، لكن الواقع في مجال الذكاء الاصطناعي يقول العكس. تعود بدايات السيارات ذاتية القيادة إلى ثمانينيات القرن الماضي، بينما لم تبدأ نماذج اللغة الكبيرة (LLMs) مثل ChatGPT في الظهور إلا بعد 2013. ورغم هذا السبق الزمني، لا تزال السيارات الذاتية تعاني من التذبذب في الأداء، بينما تحقق نماذج اللغة تطورًا مذهلًا. السبب يعود لوفرة البيانات. النماذج اللغوية تتدرب على محتوى الإنترنت بالكامل. أما السيارات، فتعتمد على تسجيل آلاف ساعات القيادة، في بيئات وظروف نادرة ومتنوعة يصعب التنبؤ بها أو تكرارها. من سيتأثر أولا؟ وفقاً لتقرير الوظائف لعام 2025 لمنتدى الاقتصاد العالمي، القطاعات الغنية بالبيانات ستكون أول من يتعرض للاضطراب. على رأس القائمة: البرمجة يُعد مجال البرمجة من أكثر المجالات التي تأثرت بسرعة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، وذلك ليس لأن البرمجة سهلة، بل لأن هناك كما هائلا من البيانات المتاحة لتدريب النماذج الذكية. منصة GitHub، وهي أكبر مستودع عالمي لتخزين وتبادل الشيفرات البرمجية، تحتوي على أكثر من 420 مليون مشروع (مستودع)، منها 28 مليون مشروع مفتوح المصدر يمكن لأي شخص – أو أي خوارزمية ذكاء اصطناعي – الاطلاع عليه وتعلمه منه. خدمة العملاء تمتلك الشركات سجلات هائلة من المكالمات والرسائل والتذاكر الإلكترونية، مما يسهل على الذكاء الاصطناعي تقديم دعم فوري وتوفير يصل إلى 23.5 بالمئة في التكاليف. التمويل تستخدم أسواق المال الذكاء الاصطناعي في التداول الخوارزمي، ويُقدر أن 70 بالمئة من تداولات الأسهم الأميركية تتم حاليا عبر أنظمة ذكية تستند إلى بيانات لحظية هائلة. القطاعات المحصنة.. مؤقتا في المقابل، هناك قطاعات تواجه تباطؤًا في اعتماد الذكاء الاصطناعي بسبب نقص البيانات: الصحة أقل من 10 بالمئة من بيانات العمليات الجراحية متاحة بشكل عام، ويحول قانون الخصوصية الأميركي (HIPAA) دون مشاركة البيانات بحرية. كما أن المعلومات الطبية موزعة بين المستشفيات وشركات التأمين والعيادات بشكل يعيق التعلم الآلي. الإنشاءات يُنظر إلى قطاع الإنشاءات على أنه من أكثر القطاعات مقاومة لتبني الذكاء الاصطناعي، ليس لأنه معقد تقنيًا بشكل يفوق قدرة الآلات، بل لأن البيئة التي يعمل فيها تفتقر إلى الأساسيات التي يحتاجها الذكاء الاصطناعي لكي يتعلم ويعمل بفعالية. التعليم قوانين الخصوصية تحد من جمع بيانات الطلبة، مما يعيق تطوير أدوات تعليمية تعتمد على الذكاء الاصطناعي. ومن المفارقات أن هذه الفجوة دفعت بعض القطاعات إلى اتباع وسائل مراقبة، مثل تركيب كاميرات في غرف العمليات أو مراقبة حركة أعين الطلبة خلال الامتحانات، ما يثير مخاوف من انتهاك الخصوصية وتجاوزات تقنية لا يمكن التنبؤ بتداعياتها. لكن عندما تكون هذه البيانات محمية وممنوع مشاركتها أو تحليلها بسهولة، يصعب على أدوات الذكاء الاصطناعي أن تتطور أو تُخصص المحتوى بناءً على احتياجات الطلاب الحقيقية. التأثير الاقتصادي: ليس فقط أرقاماً التحول نحو الذكاء الاصطناعي لا يحدث بوتيرة واحدة في كل القطاعات. في الصناعات الغنية بالبيانات، تتسارع ما يُعرف بـ"الدمار الخلّاق"، حيث تختفي وظائف قديمة ويُخلق بديل لها، لكن غالبًا بمهارات جديدة وفي مناطق مختلفة. فقد يتحول مركز خدمة عملاء كان يوظف 500 موظف إلى 50 متخصصًا في مراقبة الأنظمة الذكية عن بُعد. أما القطاعات الفقيرة بالبيانات، فتواجه صعوبات في التكيف، إذ تُضطر للرقمنة أولًا قبل تبني الذكاء الاصطناعي، ما يؤدي إلى احتكاكات يومية مع البيروقراطية والبنية التحتية التقليدية. وقد تكون النتائج أعمق، بإعادة تشكيل الأقسام بأكملها بدلًا من استبدال وظائف منفردة. وفقًا للتقديرات، من المتوقع أن تختفي نحو 92 مليون وظيفة بحلول عام 2030، مقابل 170 مليون وظيفة جديدة. لكن هذه ليست عمليات إحلال مباشرة، بل تحولات هيكلية جغرافية ومهارية، تستدعي إعادة تأهيل القوى العاملة بشكل واسع. كيف تستعد لهذا التحول؟ في مواجهة هذا الواقع المتغير، يجب على الباحثين عن عمل التركيز على المرونة والتقاطع بين المجالات، وليس فقط التخصص الضيق. ابحث عن الأدوار "الهجينة" الوظائف التي تربط بين التكنولوجيا والعمل البشري التقليدي، كإدارة الأنظمة، الترجمة بين الفرق التقنية والإدارية، أو الإشراف على عمليات الذكاء الاصطناعي. أعد تعريف مهاراتك لا تقتصر على ما تعرفه، بل كيف تتعلم، تحل المشكلات، وتتكيف مع الأنظمة الجديدة. ابحث عن فرص "الميل الأخير" في مجالك قد لا تحتاج إلى تغيير قطاعك بالكامل، بل فهم كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُوظف في موقعك الحالي. فالمعرفة العميقة بمجال الصحة أو الصناعة، إذا ما اقترنت بحد أدنى من فهم الذكاء الاصطناعي، قد تخلق فرصًا مميزة يصعب منافستها. انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News


شبكة النبأ
منذ 2 أيام
- شبكة النبأ
أوبن إيه آي تطلق نموذج ذكاء اصطناعي جديدًا يتيح للمستخدمين تنزيله وتعديله
أطلقت شركة «أوبن أي آي» نموذجًا جديدًا من النماذج اللغوية الكبيرة (LLMs) يجعل الشركة اسمًا على مسمَّى على اعتبار أن اسم الشركة "OpenAI" يعني في العربية: الذكاء الاصطناعي المفتوح. وهذا النموذج، المسمَّى جي بي تي – أوه إس إس GPT-OSS، هو أول نموذج تفكير منطقي مفتوح الوزن تطرحه الشركة... أطلقت شركة «أوبن أي آي» نموذجًا جديدًا من النماذج اللغوية الكبيرة (LLMs) يجعل الشركة اسمًا على مسمَّى (على اعتبار أن اسم الشركة "OpenAI" يعني في العربية: الذكاء الاصطناعي المفتوح). وهذا النموذج، المسمَّى «جي بي تي – أوه إس إس» GPT-OSS، هو أول نموذج تفكير منطقي مفتوح الوزن تطرحه الشركة، أي أنه يتيح للباحثين تنزيله وتعديله على النحو الذي يناسبهم. عرضت الشركة، التي يقع مقرها في مدينة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا الأمريكية، تفاصيل هذا النظام في تدوينة شارحة ووصف تقني في الخامس من أغسطس الجاري. وقد تبيَّن أن النموذج الجديد يؤدي بعض المهام أداءً يقترب من أداء نماذج الشركة الأكثر تقدمًا. ويتوفر النموذج في إصدارين، يمكن تثبيتهما على الحاسب وتشغيلهما بدون اتصال بالإنترنت (والإصدار الأصغر يمكن تثبيته على حاسوب شخصي واحد) بدلًا من الاعتماد على الحوسبة السحابية أو الواجهات الإلكترونية. وهذا يعني أنه يمكن تدريب النموذج على البيانات الحساسة التي لا ينبغي مشاركتها مع عموم المستخدمين. يقول سايمون فريدر، وهو باحث في الرياضيات والحاسب الآلي بجامعة أكسفورد في المملكة المتحدة: "أنا متحمس جدًّا، فالمنافسة بين النماذج اللغوية الكبيرة مفتوحة المصدر قوية بالفعل، وهذه المنافسة سترفع مستواها، بما يعود بالنفع على مجتمع البحث العلمي بأسره". يأتي هذا الإصدار الجديد من «أوبن إيه آي» في وقت تَلقَى فيه النماذج ذات الوزن المفتوح من شركات صينية، مثل شركة «ديبسيك» Deepseek في هانجتشو، وشركة «مونشوت إيه آي» Moonshot AI في بكين، إقبالًا متزايدًا من الباحثين. والحق أن النماذج الصينية المفتوحة تؤدي أداءً أفضل بالفعل من نظيراتها الأمريكية، مثل «لاما» Llama من شركة «ميتا»، ومقرها مينلو بارك بولاية كاليفورنيا، وهي في طريقها لتجاوزها من حيث عدد التنزيلات، وفقًا لتحليل أجراه ناثان لامبرت، الذي يدرس تعلُّم الآلة بمعهد آلِن للذكاء الاصطناعي في سياتل بولاية واشنطن، وذلك قبل إطلاق «أوبن إيه آي» إصدارها الأخيرة. خلال الشهر الماضي، أكدت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن نماذج الذكاء الاصطناعي ذات الوزن المفتوح "ضرورية للبحث الأكاديمي"، في إطار "خطة عمل لدعم الذكاء الاصطناعي". وفي تصريحات للصحفيين قبل إصدار «جي بي تي – أوه إس إس»، أوضح جريج بروكمان أن قرار الشركة بإطلاق نموذج مفتوح جاء بعد فترة طويلة من التحضير، وليس ردًّا على نجاح النماذج الصينية، مضيفًا: "ليس هذا بالأمر الذي كنا نتحاشى الإقدام عليه". وذكر فريدر أن جميع النماذج لها تحيزاتها، لذا فإن تنوع مطوريها يصب في مصلحة المستخدمين، مضيفًا: "وجود نموذج متفوق جديد من شركة غربية يُعد خطوة على الطريق نحو تكافؤ الفرص فيما يتعلق بالشركات المهيمنة على مجال النماذج مفتوحة الوزن". نبغة في الرياضيات قبل هذا النموذج الأخير، كانت جميع نماذج «أوبن إيه آي» غير مفتوحة، عدا نموذج «جي بي تي 2» GPT-2 الذي صدر عام 2019، أي قبل ثلاث سنوات من إطلاق روبوت الدردشة الشهير «تشات جي بي تي». أما النماذج المفتوحة الجديدة فهي نماذج "تفكير مدرَّبة" مدرّبة على إنتاج المخرجات عبر عملية متدرجة الخطوات تحاكي التفكير البشري. وقد أظهرت النماذج المشابهة السابقة، مثل نموذج «أوه 3» o3 من «أوبن إيه آي»، تميزًا في حل المسائل العلمية والرياضية. وإلى جانب استخدامها في كتابة الشفرات البرمجية ومراجعة الأدبيات الأكاديمية، يجرّب العلماء أن يتخذوا من النماذج اللغوية الكبيرة "مساعدًا علميًا" على أمل تسريع وتيرة البحث. من حيث الأداء، تبدو النماذج المفتوحة من «أوبن إيه آي» قريبة من نماذجها المدفوعة الأكثر تقدمًا، والفرق الأساسي هو أن النماذج المفتوحة أصغر حجمًا، ونصية فقط (لا تتعامل مع الصور أو مقاطع الفيديو). ويمكن للنموذج الجديد تصفح الويب، وكتابة الشفرات البرمجية، وتشغيل البرمجيات، بل إنه يتفوق على النماذج المفتوحة المماثلة في مهام الاستدلال المنطقي، بحسب الشركة. وعلى مقياس «إيمي 2025» AIME 2025، الذي يختبر قدرة النماذج على حل مسائل رياضية معقدة، حقق النموذج الجديد نتائج تتفوق على أفضل النماذج المفتوحة الحالية، مثل «آر 1» R1 من «ديب سيك». انفتاح (شبه) كامل في مايو الماضي، قال كبير العلماء في «أوبن أي آي»، جاكوب باتشوكي، في تصريحات أدلى بها لمجلة Nature، إنه من غير المرجح أن تصدر الشركة نماذجها الأكثر تقدمًا بوزن مفتوح لأسباب تتعلق بالسلامة، إذ إن ذلك يعني التخلي عن التحكم في طريقة استخدام الذكاء الاصطناعي وتطويره. وفي اختبارات السلامة، الواردة في ورقة بحثية مرافقة نُشرت في الخامس من أغسطس الجاري، ذكر باحثو الشركة أنه عند إعادة تدريب النموذج الجديد على تنفيذ مهام غير مشروعة، لم يزد خطره كثيرًا مقارنة بالنماذج المطروحة حاليًا، المفتوح منها وغير المفتوح على السواء، في مجالات مثل الأمن البيولوجي والأمن السيبراني. وعلى الرغم من أن النموذج الجديد مفتوح الوزن، فإنه ليس مفتوح المصدر بالكامل، إذ لا يتضمن مثلًا تفاصيل بيانات التدريب؛ ما يعني أن الباحثين لا يستطيعون إعادة إنشائها من الصفر. ترى كاري رايت، الباحثة المتخصصة في دراسة البيانات بمركز فريد هاتشينسون للسرطان في سياتل، أن النماذج ذات الوزن المفتوح "أكثر قابلية للتخصيص". لكنها تشير إلى أن الباحثين استخدموا منذ وقتٍ غير قصير العديد من الأدوات غير نماذج «جي بي تي» من «أوبن إيه آي». وتضيف أن تحليلًا أجْرَتْه الشركة يشير إلى أن أحدث نماذجها يقع أحيانًا في فخ «الهلوسة» — أي اختلاق المعلومات — أكثر من الإصدارات السابقة. وتقول إليزابيث همفريز، وهي عالمة بيانات أيضًا في مركز فريد هاتشينسون: "لا بد من التحقق من المخرجات دائمًا. واستخدام هذه الأدوات لدعمنا في العمل – لا لتؤدي عنا هذا العمل – سيكون في الغالب الخيار الأفضل".