لماذا نحتاج إلى حوكمة وطنية للمخاطر؟
من أبرز مزايا اتخاذ القرار في أوقات الاستقرار أن البيئة العامة تكون مهيأة لصنع قرارات واعية واستشرافية ومدروسة. ففي مثل هذه الأوقات، يتمتع صانعو القرار برفاهية الوقت وتوفر الخدمات، مما يمنحهم مساحة كافية لاستعراض الخيارات وتقييمها بعناية والتخطيط على المدى البعيد والتركيز على الابتكار وتخصيص الموارد بكفاءة وتقليل المخاطر المحتملة. كما تتيح هذه الظروف إمكانية الاستعانة بالخبراء والجهات الاستشارية، ما يُعزز من جودة القرار ويزيد من فرص نجاحه.ومع ذلك، وعلى الرغم من توافر هذه المقومات، فإن بعض القرارات – وعلى مختلف المستويات – قد لا تحقق الأهداف المرجوة أو النجاح المتوقع. وهنا يبرز تساؤل جوهري: إذا كانت بعض القرارات، حتى في ظل الاستقرار المؤسسي، لا تحقق النتائج المرجوة، فكيف يمكن تصور جودة القرارات المتخذة في ظل الصدمات المفاجئة التي تعقب الأزمات؟قد يبدو هذا السؤال مشوبًا بشيء من التشاؤم، لكن شواهد الواقع لا تدعو إلى الاطمئنان؛ إذ إن الأزمات والكوارث التي عصفت بعدد من دول العالم في السنوات الأخيرة – من زلازل وفيضانات إلى أزمات سياسية وأمنية – ما تزال ماثلة أمامنا كدروس قاسية تعكس مدى تعقيد المشهد، وصعوبة اتخاذ قرارات فاعلة في بيئات يغلب عليها الارتباك وضيق الوقت ونقص المعلومات وتزايد الضغوط السياسية والاجتماعية.وحتى عند تجاوز الصدمة الأولية، تبقى تداعيات الأزمات ممتدة فترة من الزمن، ومولّدة لأزمات ثانوية نتيجة ما يَظهر من اختلالات بنيوية داخل المؤسسات. ويُعد تعطل قنوات الاتصال وغياب التنسيق الفعّال بين الجهات المعنية من أبرز العوامل التي تُفاقم الأزمة وتُضعف الاستجابة. فعندما تتعذر عملية إيصال الرسائل الإرشادية في الوقت المناسب، وتغيب الجهود المنظمة لبث الطمأنينة وشرح الإجراءات، يُترك المواطن في حالة من الغموض والقلق، ما يُربك التدخلات الرسمية ويحد من فعاليتها في احتواء آثار الأزمة.وهذا كان محور حديث جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، أثناء ترؤسه اجتماعًا في المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات، حيث اطّلع خلاله على جاهزية المركز ومختلف مؤسسات الدولة في التعامل مع تبعات التصعيد الإقليمي الناجم عن الهجمات المتبادلة بين إيران وإسرائيل. وقد شدّد على أهمية الحفاظ على أعلى درجات التنسيق والجاهزية بين جميع مؤسسات الدولة، بما يُعزّز القدرة على الاستجابة السريعة والفعّالة لأي تطورات محتملة.يعتمد المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات في نهجه على مبدأَي الاستباق والاستجابة، وذلك من خلال إعداد سيناريوهات متكاملة للتعامل مع طيف واسع من المخاطر المحتملة. وتتضمن هذه السيناريوهات تحديد الجهات المنفّذة والإجراءات المطلوبة والتوقيت الأمثل للتحرّك، بما يُسهم في توجيه الاستجابة بشكل فعّال ومدروس. ويعكس هذا النهج مستوى متقدمًا من الجاهزية المؤسسية والتطور التقني والكفاءة البشرية والفنية التي يتمتع بها المركز.ومع ذلك، تُبيّن التجارب أن أي جهة توجيهية أو تنسيقية – مهما بلغت جهوزيتها – لا يمكنها بمفردها إدارة الاستجابة الوطنية في ظلّ تعدّد الجهات وتنوّع الأدوار. فنجاح التعامل مع الأزمات يتطلّب أن تكون كل مؤسسة قد أعدّت خططها الداخلية وطوّرت جاهزيتها الذاتية ودرّبت كوادرها وقياداتها على اتخاذ القرار تحت الضغط. هذا التكامل بين الجاهزية المؤسسية الفردية والمنظومة التنسيقية الشاملة هو ما يُمكّن الدولة من الاستجابة بمرونة وفعالية عند وقوع الأزمات.ومن هنا تبرز أهمية ترسيخ مفهوم حوكمة المخاطر بوصفه الإطار الناظم لهذا التحدي. فالحوكمة لا تقتصر على وجود خطط مكتوبة للطوارئ، بل تتطلب بناء منظومة مؤسسية متكاملة تتضح فيها الأدوار والمسؤوليات وتُربط بمؤشرات أداء ومعايير للمساءلة والتقييم وتُدار بآليات شفافة. كما تقتضي حوكمة المخاطر إشاعة ثقافة مؤسسية تستبق التهديدات وتعزّز من قدرة المؤسسة على التنبّه للمخاطر قبل وقوعها، وتوفير بيئة داعمة لصنع القرار وتشجيع التنسيق الفعّال بين الجهات المدنية والعسكرية والخدمية.إن حوكمة المخاطر لم تعد خيارًا إداريًا أو ترفًا تنظيميًا، بل أصبحت ضرورة استراتيجية لضمان جاهزية الدولة ومؤسساتها في مواجهة التحديات المتزايدة والمعقّدة. فبناء منظومة حوكمة فعّالة هو ما يضمن الانتقال من ردّ الفعل إلى الفعل الاستباقي، ومن التنسيق الطارئ إلى التكامل المؤسسي، بما يُعزز صلابة الدولة، ويُمكّنها من الصمود والتعافي والتطوّر في مواجهة أي أزمة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الانباط اليومية
منذ ساعة واحدة
- الانباط اليومية
ترامب يتصل بنتنياهو عقب اجتماع مجلس الأمن
الأنباط - أفاد موقع "أكسيوس" الأميركي نقلا عن مسؤول إسرائيلي لم يكشف عن هويته بأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب تحدث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الثلاثاء. ويأتي الاتصال بعد عقد ترامب اجتماعا لمجلس الأمن القومي لمناقشة المواجهة بين إيران و"إسرائيل"، في وقت يدرس فيه الرئيس الأميركي احتمال الانضمام إلى "إسرائيل" في ضرباتها ضد إيران. وقال مسؤول في البيت الأبيض مشترطا عدم كشف هويته إن الاجتماع في "غرفة العمليات" استمر ساعة و20 دقيقة، من دون الخوض في أي تفاصيل. وكان زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأميركي جون ثون قال إن الرئيس دونالد ترامب يمارس سلطاته بالكامل في إجراءاته ضد إيران. كما نقلت شبكة "سي إن إن" عن مسؤول إسرائيلي رفيع قوله إن "إسرائيل" تنتظر قرار الرئيس دونالد ترامب بشأن المشاركة العسكرية المباشرة ضد إيران. (وكالات)

السوسنة
منذ ساعة واحدة
- السوسنة
انذارات واسعة في إسرائيل .. وانباء عن رشقة ضخمة جديدة الآن
السوسنة - دوت صفارات الإنذار في مناطق واسعة وسط إسرائيل إثر رصد إطلاق رشقة صاروخية جديدة من إيران نحو إسرائيل.وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن نحو 10 صواريخ أطلقت من إيران على إسرائيل.كما أشارت وسائل الإعلام إلى سماع دوي عدة انفجارات ضخمة في منطقتي القدس وتل أبيب وسط إسرائيل.وأضافت أنه تم تسجيل إصابتين مباشرتين في الرشقة الصاروخية إحداها في الشمال والثانية في وسط تل أبيب.وكان قد نشر المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، تدوينة فجر الأربعاء، أعلن فيها بداية المعركة.وقال المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي على منصة "X": "باسم حيدر الجبار تبدأ المعركة".وأضاف: "علي يعود إلى خيبر مع ذو الفقار".والاثنين، نشر خامنئي تدوينة على منصة "X" أكد من خلالها أن النصر على إسرائيل قريب.وقال علي خامنئي في التدوينة: "نصر من الله وفتح قريب".وأضاف: "ستنتصر الجمهورية الإسلامية بإذن الله على الكيان الصهيوني".وفي وقت سابق، صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال مقابلة مع شبكة "إيه بي سي نيوز" الأمريكية، بأنه لا يستبعد إمكانية اغتيال المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي.وأشار نتنياهو إلى أن استهداف المرشد الأعلى الإيراني سينهي الصراع المستمر بين إسرائيل وإيران الذي اندلع أواخر الأسبوع الماضي ولن يؤدي إلى تصعيده.وردا على سؤال من شبكة "إيه بي سي نيوز" حول تقارير تفيد بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رفض خطة إسرائيلية لاغتيال المرشد الإيراني خشية تصعيد الصراع، قال نتنياهو: "هذا لن يصعد الصراع، بل سينهيه".كما حذر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، المرشد الإيراني علي خامنئي، قائلا: "من الأفضل أن يتذكر مصير الديكتاتور في الدولة المجاورة لإيران"، في إشارة إلى الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.من جهته، صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن واشنطن تعرف بالتحديد مكان المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، مؤكدا أنه هدف سهل.وكتب ترامب في حسابه على منصة "تروث سوشيال": "نعرف تماما مكان اختباء ما يُسمى المرشد الأعلى. إنه هدف سهل، ولكنه آمن هناك - لن نقضي عليه، على الأقل ليس في الوقت الحالي".وأضاف: "لكننا لا نريد إطلاق صواريخ على المدنيين أو الجنود الأمريكيين. صبرنا ينفد.. شكرا لاهتمامكم بهذا الأمر!".وفي منشور منفصل قال ترامب: "الاستسلام غير المشروط".

السوسنة
منذ ساعة واحدة
- السوسنة
فورين بوليسي تتساءل : هل تكسب إسرائيل حربًا بلا جنود ؟
ترجمة - السوسنة - في تحليل حديث نشرته مجلة فورين أفيرز، يرى روبرت أ. بابي، أستاذ العلوم السياسية ومدير مشروع الأمن والتهديدات في جامعة شيكاغو، أن إسرائيل تخوض تجربة فريدة وغير مسبوقة في التاريخ العسكري المعاصر: محاولة إضعاف نظام سياسي وعسكري متماسك من الجو وحده، دون اللجوء إلى تدخل بري مباشر.منذ الهجوم الذي نفذه مقاتلو حماس في 7 أكتوبر 2023، شرعت إسرائيل في حملة جوية موسعة استهدفت إيران ومجموعاتها الحليفة في المنطقة، محققة بعض النجاحات التكتيكية مثل اغتيال قيادات في حزب الله وتدمير منشآت اتصالات وأهداف اقتصادية ونووية. غير أن هذه الإنجازات، بحسب بابي، تخفي وراءها مأزقًا استراتيجيًا أعمق أطلق عليه "فخ القنبلة الذكية"؛ أي الاعتماد الزائد على الضربات الدقيقة والاستخبارات المتقدمة، كبدائل للحلول السياسية أو العمليات البرية.قيود الواقع العسكرييشير التحليل إلى أن البرنامج النووي الإيراني يتمتع بتحصينات طبيعية وهندسية تعيق فعالية الهجمات الجوية، حيث تقع منشآت رئيسية مثل "فوردو" و"نطنز" في أعماق الأرض، بعيدًا عن متناول معظم الذخائر الإسرائيلية. كما أن القنابل الأميركية الخارقة للتحصينات، التي قد تتيح توجيه ضربة حاسمة، لا تبدو متاحة في ترسانة إسرائيل. ويُضاف إلى ذلك المخاطر الجسيمة لأي هجوم محتمل على مفاعل بوشهر النووي، الذي قد يؤدي إلى كارثة بيئية تجرّ ردًا صاروخيًا إيرانيًا مباشرًا على منشآت إسرائيلية.حتى في حال حصول تدخل عسكري أميركي، يشكك بابي في إمكانية القضاء الكامل على القدرات النووية الإيرانية. فإيران، اليوم، تملك بالفعل ما يكفي من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% لتصنيع عدة قنابل نووية، كما أن قدرتها على إخفاء أجهزة الطرد المركزي وبناء منشآت سرية تمنحها مرونة كبيرة في إعادة تشغيل برنامجها النووي سريعًا، حتى بعد الضربات.رهان على التغيير... بلا أدواتأمام تعقيد السيناريو العسكري، يبدو أن الرهان الإسرائيلي يتجه نحو هدف أكثر طموحًا: تغيير النظام في طهران. إلا أن هذا الطموح، كما يؤكد بابي، غير واقعي، إذ لم تنجح أي قوة جوية في التاريخ الحديث في إسقاط نظام معادٍ دون قوات برية أو دعم داخلي منظم. فالتجارب في فيتنام والعراق وليبيا تقدم أدلة صارخة على فشل هذا النمط من التدخل.التاريخ يُظهر أن القصف الجوي، مهما كان دقيقًا وواسعًا، لا يؤدي إلى انتفاضات شعبية ضد الأنظمة القائمة، بل غالبًا ما يعزز الحس القومي ويُقوّي شرعية الأنظمة المستهدفة. وفي حالة إيران، التي تملك جهازًا أمنيًا وعسكريًا متماسكًا وقاعدة اجتماعية ممتدة، فإن غياب بدائل داخلية موثوقة يجعل من سيناريو "التغيير الجوي" محض خيال سياسي.عزلة استراتيجية تتفاقميختم بابي تحليله بالتأكيد على أن إسرائيل باتت عالقة في مأزق استراتيجي حاد: لا الضربات الجوية قادرة على تحقيق الأهداف الكبرى، ولا الحلفاء - وفي مقدمتهم الولايات المتحدة - مستعدون لخوض مواجهة مفتوحة مع إيران. وإذا ما قررت واشنطن عدم الانخراط في التصعيد، فقد تجد إسرائيل نفسها في مواجهة منفردة مع إيران على أعتاب مرحلة نووية.وبالتالي، فإن المراهنة على القوة الجوية كأداة لحسم معضلات بحجم البرنامج النووي الإيراني أو تغيير النظام في طهران، تُعد أقرب إلى "وهم استراتيجي" لا يستند إلى حقائق ميدانية أو سوابق تاريخية ناجحة.