
لا ألبس ثوبا أبصره غير ذي محرم
فما أجمل أن يتأمل الواحد والواحدة منا كلام الله تعالى ويتدبره ويقف على جمال الآيات وعمق المعاني البينات بالأمس وأنا أقرأ في قول الله تعالى (فجآءته إحداهما تمشي على استحياء......) سورة القصص - ٢٥.
سبحان الله! آية فيها من البلاغة والعمق في المبنى والمعنى تمشي (وصف لمشيتها وليس اسمها ولا رسمها وقال تعالى (استحياء) ولم يقل (حياء) وحتى لا أشوش على أفكاركم أنقل لكم من كلام ساداتنا أهل العلم والفضل رحمهم الله تعالى
قال عمر رضي الله تعالى عنه :(لأنها ليست بسلفع(سليطة) من النساء خرّاجة ولاجة، وقال الحسن رضي الله تعالى عنه (هذا يدل على كرم عنصرها وخلقها). وذكر الطبري رحمه الله تعالى أنها من حيائها سترت وجهها بيديها. فسبحان من جمل هذه المرأة بالحياء الاستحياء قال ابن عاشور رحمه الله تعالى (والمعنى أنها مستحيية في مشيها، أي تمشي غير متبخترة ولا متثنية ولا مظهرة زينة).
فالحياء إذا أعظم ماتوصف به المرأة من الفضائل وهو سبب كرامتها وعلو منزلتها والحياء يكون في كل شيء في اللباس وفي الكلام وفي المشي، وكذلك البعد عن الاختلاط بالرجال من الحياء ولعله يحضرني الآن قصة عجيبة وقفت عليها في إحدى كتب تراثنا الجميل
وهو أن أحد الخلفاء العباسين قد غضب على أهل بلخ فبعث إليهم من يغرمهم الغرم، فأرسلت إلى الخليفة امرأة غنية بثوب لها مرصع بالجواهر صدقة عن أهل بلخ لضعف حالهم، فذهب به الموفد إلى الخليفة وألقاه بين يديه وقص عليه القصة، فخجل الخليفة وقال: "بلخ، ورد ثوبها عليها، فلما رجع إليها الموفد بثوبها، سألت أوقع بصر الخليفة على هذا الثوب؟
قال: نعم
قالت:( لا ألبس ثوبًا أبصره غير ذي محرم مني) وهنا وجه الشاهد هذه العبارة التي تكتب بماء العين (لا ألبس ثوبا أبصره غير ذي محرم مني) ياالله مجرد أن وقعت عين الخليفة وهو خليفة المسلمين وليس من عوامهم ومع هذا تأملوا ماذا صنعت هذه المرأة الحيية المؤمنة
أمرت ببيع الثوب، فبني المسجد والزاوية ورباط في مقابلته، وزاد ثمن الثوب مقدار ثلثه فأمرت المرأة بدفنه تحت بعض سواري المسجد ليكون هناك متيسرًا إذا احتيج إليه أخرج.
أقول فأين نساء المسلمين في زماننا هذا من تأمل الآية الكريمة والوقوف على مثل هذه المواقف الجميلة ؟
ممن نزعت خلق الحياء تخاصم هذا وترفع صوتها عند هذا وتضاحك بصوت مرتفع بل أظهرت ثوبها وثيابها فأبصره القريب والبعيد والبر والفاجر ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم!
تخرج في مواقع التواصل كلها فيبصرها من يبصرها تجادل وتخاصم وتضاحك في تفاهات واضحة وتضييع للأوقات فاضحة فلا والله لاخير في عيش إذا ذهب الحياء.
صدق أبو تمام رحمه الله تعالى إذ يقول :
يَعِيش المَرْءُ ما استحيَى بِخَيرٍ
ويبقى العودُ ما بقيَ اللحاءُ
فلا واللهِ ما في العيشِ خيرٌ
ولا الدُّنيا إذا ذَهبَ الحَياءُ
إذا لم تخشَ عاقبة َ الليالي
ولمْ تستَحْي فافعَلْ ما تَشاءُ
وكتبه
رائد بن فؤاد باجوري.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صحيفة المواطن
منذ 12 دقائق
- صحيفة المواطن
خطيب المسجد النبوي: مدوا يد العون لمن أنهكهم الجوع في فلسطين عبر القنوات الرسمية الموثوقة
تحدث فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالباري بن عواض الثبيتي، عن سورة قريش وما تحمله من معانٍ عظيمة، وأنها من السور القصيرة في مبناها، العميقة في معناها، والتي تشرق على القلوب بندائها الخالد ووقعها العميق في النفس والروح. وأوضح فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم في المسجد النبوي، أن آيات هذه السورة تلهم القلب، وتفتح بصيرته على معنيين عظيمين، رزق الطعام بعد الجوع، ومنح الأمان بعد الخوف، وهما بلا شك دعامتان أساسيتان للحياة الكريمة، فمن ظفر بهما فقد حاز من الدنيا كنزين لا يُقدّران بثمن. وقال: 'إن نعمة الطعام في زمن الجوع ليست مجرد غذاء، بل هو حياة توهب، ورغيف يقيم صلبًا، وقطرة ماء تنعش روحًا، ودفء يكسو برد الحاجة، وكرامة ترمم كسور الفقر، أما حين يحرم الإنسان من ذلك فلا تجوع معدته، بل تجوع كرامته، وتذبل إنسانيته، قال تعالى: (أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ)'. وأضاف الشيخ الثبيتي: 'إن نعمة الأمن من الخوف هي السكينة التي تغمر الحياة، وطمأنينة الليل التي تهنأ معها النفس، وراحة الأطفال في أحضان الأمهات، والشعور بأن الغد قادم لا يحمل الرعب يبيت المرء فلا خوف يزعجه، ويصحو فلاهم يزعجه، قال تعالي: (وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ)'. وأكّد إمام وخطيب المسجد النبوي أن نعمة الأمان من أعظم النعم التي لا يشعر الإنسان بقيمتها ما دامت حاضرة في حياته، ولا يدرك قدرها إلا إذا افتقدها، أو رأى غيره يعيش في فقدانها، فعندما يعمّ الخوف أرضًا، يُسلب الناس راحة النوم، وتفقد الطمأنينة، ويصبح النهار جحيمًا، والليل كابوسًا مستمرًا، مشيرًا إلى أن سر السعادة الحقيقي، ومصدر الهناء الدائم، وراحة البال، وأجل ما يرزق به الإنسان من النعم لفتة النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله البليغ: (من أصبح منكم آمنا في سربه، مُعافى في جسده عنده قوت يومه، فَكَأَنَّما حيزت له الدنيا) رواه الترمذي وابن ماجه. وأفاد فضيلته أن المراد بقوله تعالى: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ)، هي دعوة رقيقة وحازمة، للتوجه بالعبادة والخضوع لله وحده، الذي لا تأتي النعم إلا من خزائنه، ولا يرفع الخوف إلا برحمته، مبينًا أن الله تعالى، هو وحده من أطعم قريشًا بعد جوع، وساق إليهم الرزق من كل صوب، وهو الذي آمنهم بعد خوف، وهيأ لهم أسباب الأمان والاستقرار، وحصنهم بحرمة البيت الحرام. وأشار الدكتور الثبيتي إلى أن الجزيرة العربية قبل الإسلام كانت تعيش في الفقر الشديد، ويعمّها الخوف الدائم، حيث تقلبت حياتهم بين الحاجة والحرمان، وتحاصرهم الغارات وترهبهم الصراعات، وحين جاء الإسلام، تبدلت أحوالهم من شتات إلى وحدة، ومن جوع إلى وفرة، ومن خوف إلى أمن، ومن جزيرة منسية إلى أمة أقامت حضارةً امتد نورها شرقًا وغربًا، وأن هذا التحول العظيم لم يكن إلا بفضل الله تعالى، وهدايته، ونعمته التي نزلت عليهم من حيث لا يحتسبون، ومن هنا، جاء نداء السورة واضحًا، اعبدوا رب هذا البيت، فهو وحده الذي أطعم، وآمن، وأكرم، وهدى. وأكّد فضيلته، أن من تمام شكر النعمة أن تُطاع لا أن تُنسى، وأن يُصان الفضل لا أن يغفل، فالشكر الحقيقي لا يختزل في كلمات تقال، بل يبدأ من إقرار في القلب، ويتجلى في نطق صادق باللسان، ويُترجم إلى عمل صالح بالجوارح، فهو صاحب الفضل سبحانه. وتابع إمام وخطيب المسجد النبوي قائلًا: 'لايسعنا إلا أن نستحضر بقلوب دامعة حال أهلنا في فلسطين، وحال أمة تختنق بالوجع، شحّ الغذاء، وغاب الأمان، والمشهد ازداد ضيقًا حتى خنق الأنفاس، فالجوع بلغ أقصى مداه، وسلّ سيفه على رقاب وهنت من الألم، وذبلت أجسادها، وجفت حلوقها من الظمأ والحرمان، وفي مقابل هذا الألم، تتحرك القلوب الحية، والنفوس التي لا تزال تعرف معنى العطاء، عبر القنوات الرسمية الموثوقة، فتُمدّ الأيادي الصادقة بالطعام، والدواء، والماء، نصرةً لمن أنهكهم الجوع، ورفقًا بمن سلبوا أدنى مقومات الحياة، فهي لحظة يمتحن فيها الصدق، وتختبر فيها النوايا، فليكن لنا فيها سهم'. وأكّد الشيخ الثبيتي أنه لايخفى على أحد ما تقوم به قيادة هذه البلاد المباركة -أيدها الله- من دور فاعل ومواقف مشرفة، في نصرة القضية الفلسطينية من خلال دعمها وحضورها المؤثر في المحافل الدولية، ومبادرتها المتواصلة، في المؤتمرات الإقليمية والعالمية، دفاعًا عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ودعمًا لصموده، وعدالة قضيته. وختم فضيلته الخطبة موصيًا المسلمين بالإكثار من الدعاء، فإن الدعاء باب لا يغلق، والنية الصادقة عمل لا يضيع، والكلمة الطيبة أثرها واسع، مستشهدًا بقوله تعالى: (إِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ)


صحيفة المواطن
منذ 12 دقائق
- صحيفة المواطن
خطيب المسجد الحرام: من أظهر المعينات للتعاون على البر والتقوى تربية النفس وتعويدها على هذا الخلق
أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور أسامة بن عبدالله خياط، المسلمين بتقوى الله فإن التقوى سبيل الأيقاظ، ونهج أولي النهى، وطريق أولي الأبصار، فيها الأمن من العثار، والفوز بالجنة والنجاة من النار. وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم في المسجد الحرام: 'آية من كتاب الله تعالى اشتملت على جميع مصالح العباد في معاشهم ومعادهم، وفيما بينهم وبين ربهم، فهي جديرة بإدامة النظر في معانيها، وفهم مراميها، وكمال الحرص على العمل بما جاء فيها، إنها قوله -عز اسمه-: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبَرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)'. وأضاف الشيخ أسامة أن من الواجب الذي بين العبد وبين الخلق من المعاشرة والمعاونة والصحبة، أن يكون اجتماعه بهم، وصحبته لهم، تعاونًا على مرضاة الله وطاعته، التي هي غاية سعادة العبد وفلاحه، ولا سعادة له إلا بها، وهي البر والتقوى اللذان هما جماع الدين كله. وأوضح فضيلته أن حقيقة البر هو الكمال المطلوب من الشيء، والمنافع التي فيه والخير، فالبر كلمة جامعة لجميع أنواع الخير والكمال المطلوب من العبد، وفي مقابله الإثم: وهي كلمة جامعة للشرور والعيب الذي يذم العبد عليها. وأكّد فضيلة الشيخ خياط أن الله سبحانه أخبر أن البر هو: الإيمان بالله وبملائكته وكتبه ورسوله واليوم الآخر، وهذه هي أصول الإيمان الخمسة التي لا قيام للإيمان إلا بها، وأنه الشرائع الظاهرة من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والنفقات الواجبة، وأنه الأعمال القلبية التي هي حقائقه من الصبر والوفاء بالعهد، فتناولت هذه الخصال جميع أقسام الدين، ثم أخبر سبحانه أنها هي خصال التقوى بعينها. وبين الشيخ أسامة خياط أن حقيقة التقوى العمل بطاعة الله إيمانًا واحتسابًا، أمرًا ونهيًا، يحمل العبد على أن يفعل ما أمر الله به، إيمانًا بالأمر، وتصديقًا بوعده، ويترك ما نهى الله عنه، إيمانًا بالنهي، وخوفًا من وعيده، كما قال طلق بن حبيب: 'إذا وقعت الفتنة فأطفئوها بالتقوى، قالوا: وما التقوى؟ قال: أن تعمل بالطاعة على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله، تخاف عقاب الله'، وهذا من أحسن ما قيل في تعريف التقوى وبيان حقيقتها. وشدد على أن من أظهر المعينات للتعاون على البر والتقوى تربية النفس وتعويدها على هذا الخلق، لاسيما في مراحل النشأة الأولى داخل الأسرة، بأن ينشأ أفرادها على أساس متين من التعاون على الخير فيما بينهم، ويبين لهم ضرورته ولزومه، وجميل آثاره، وحسن العاقبة فيه، ثم تتسع الدائرة لتعم ذوي القربى والجيران، ببذل الحقوق، وأداء الواجبات المفروضة، من صلة وإحسان، وتآزر وتراحم، تمتد حلقاته فتشمل المجتمع المسلم كله.

سعورس
منذ 10 ساعات
- سعورس
عبدالله الوابل.. العِلم والزُّهد
كنت أسمع عن عبدالله الوابل كثيراً، وسألت الشيخ عبدالله بن محمد القرعاوي عنه فأثنى عليه كثيراً، وكان يعرفه ووالده الداعية الشهير محمد القرعاوي، فهو مدرسة في العلم والتعليم، وكذلك مدرسة في مكارم الأخلاق، وإذا أردت أن ترى عالماً ربانياً صان علمه عن الدنايا وسفائف الأمور وأقبل على الآخرة، فما عليك إلاّ أن تقرأ سيرته. وُلد عبدالله الوابل في البكيرية 1327ه، حفظ القرآن وهو في العاشرة، وكان والده ممن اهتم بتربيته، رباه على التدين والأخلاق الحسنة، لذلك لما كان وصل عمر شخصيتنا 13 عاماً عمر أرسله ليكون إماماً لبعض البادية، وهذا لاشك تدريب عملي، وهذا من السياسة التربوية في تربية الأولاد، وكان هذا أول خطوة في الميدان الذي سوف يمشي في مناكبه، وقد هيئ الله له منبتاً حسناً وبيئة خيّرة؛ لأن الله أراد وكتب له مستقبلاً زاهراً وحياة كلها في ذات الله نحسبه كذلك والله حسيبه والناس شهداء الله في أرضه. مشايخه وأساتذته ويذكر الباحث المؤرخ إبراهيم السيف في كتابه (المبتدأ والخبر لعلماء في القرن الرابع عشر) في ترجمته لعبدالله الوابل -رحمه الله- قائلاً: تلقى العلم في مدينة البكيرية ، وكانت زاخرة بالعلماء، ومن مشايخه حمد البليهد الذي كان قاضياً للبكيرية، والشيخ رميح السليمان الرميح، والشيخ محمد بن مقبل -قاضي البكيرية آنذاك-، والشيخ محمد بن عثمان الشاوي، ولازمه سفراً وحضراً –انتهى كلامه – وأوضح د.عبدالله بن محمد الحميّد في كتابه عن عبدالله الوابل أنه أبان طلبه العلم كان قد درس على هؤلاء العلماء علوم العقيدة والحديث والفقه والتفسير ودرس عليهم عمدة الأحكام لعبدالغني المقدسي ومختصرات الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وقد استفاد من معلمه محمد الشاوي ذاك الرجل الهادئ العاقل الحكيم الرائد التعليمي والقاضي، وكان يعده بمثابة الابن له. نباهة وذكاء وفي عام 1351ه توجه عبدالله الوابل -رحمه الله- إلى الرياض ، وكانت حلقة ومدرسة المفتي محمد بن إبراهيم هي أبرز الحلقات العلمية، والتف حوله التلاميذ والطلبة من نجد، فكان شخصيتنا من هؤلاء التلاميذ النابهين النجباء، وهو حينها انضم إلى هذه الحلقة ولم يكن مبتدئاً في طلب العلم بل قد نقول أنه منتهي قد شرب من العلوم الشرعية الكثير، لكن كما يقال طالب العلم لا يشبع حتى ولو بلغ مرتبة العلماء، وسرعان ما برز شخصيتنا في حلقة المفتي لقوة حفظه ونباهته وذكائه وتفاعله في الدرس واستحضاره لأغلب المتون العلمية، وذكر د.الحميّد أن الملك عبدالعزيز -رحمه الله- سأل المفتي عن النجباء في حلقته، فقال: إثنان مكفوفي البصر وواحد مبصر، فقال المؤسس: من هم؟، فأجاب عبدالعزيز بن باز وعبدالله بن حميد وعبدالله الوابل، طبعاً هذه شهادة من أستاذهم ومعلمهم بحضور الملك المؤسس وشهادة لها مكانتها الكبيرة في حق شخصيتنا وهو وسام شرف من المفتي آنذاك، ومن الثقة بشخصيتنا كان المفتي يكلفه بالتدريس إذا غاب لأمر ما مع زميليه ابن حميد وابن باز، كذلك عبدالله بن بكر، وكتب إبراهيم السيف في كتابه (المبتدأ والخبر) أن شخصيتنا قد درس على الشيخ محمد بن عبداللطيف آل الشيخ وصالح بن عبدالعزيز آل الشيخ قاضي الرياض. الحوطة وأبها ولم يمضِ عامان -تقريباً- على طلب عبدالله الوابل -رحمه الله- للعلم عند المفتي إلاّ وقد صدر أمر ملكي عام 1353ه بتعيينه قاضياً في حوطة بني تميم، ولعله أول تلميذ للمفتي يتولى القضاء؛ لأن الشيخ ابن باز والشيخ عبدالله بن حميد توليا القضاء 1357ه، ولقد تعلق به أهالي الحوطة لأنهم وجدوا فيه القاضي الحصيف النزيه القوي الصارم الحازم في أحكامه لا يميل مع أحد أياًّ كانت منزلته، فالناس عنده سواء أمام الشرع، وثمة أمر آخر كان الناس يحبذونه البت قي القضايا وعدم تأخيرها، وهذا يتصف به شخصيتنا مع الورع والصلاح والتقوى والزهد، وهذه الصفات إذا كانت في القاضي وفقه الله لإصابة الحق في الخصومات، وقد لا يظهر له وجه الصواب فيميل إلى الصلح بين الطرفين. تعين الوابل 1360ه قاضياً في أبها ورئيساً لمحكمتها، وكان كما قلت آية في العدل، وكانت تجربته في القضاء في حوطة بني تميم مفيدة جداً، ويذكر د.عبدالله الحميّد في سيرته لشخصيتنا أنه يجنح إلى الصلح بين الخصوم، وذلك لأجل التثبت في الأحكام والتأني، ولعل ذلك تكون طريقاً إلى وجود مزيد من الوثائق والبيانات، وكما قال أمير المؤمنين الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: ردوا الخصوم حتى يصطلحوا، فإن فصل القضاء يحدث بين القوم الضغائن، وفي لفظ ردوا الخصوم لعلهم يصطلحوا فإنه آثر للصدق وأقل للخيانة. وكان برنامج الوابل منذ أن تعيّن قاضياً في أبها هو القضاء من بعد طلوع الشمس في النهار كله، وكان القاضي آنذاك يقضي في أي وقت في منزله قبل أن تؤسس المحاكم، فيأتي الخصمان إلى منزل القاضي ويحكم بينهما أو يميل إلى الصلح. مخلص وصادق واستقال عبدالله الوابل -رحمه الله- من القضاء 1371ه، لكنه مكث في أبها للتدريس والدعوة حتى أنهكته الأمراض، لكن لم ينقطع عن الجهود الدعوية والعلمية، فهو عالم رباني وداعية مخلص وصادق يعمل بما علم، ومن علم بما علمه الله علمه الله ما لم يعلم، وهذا من تقوى الله عز وجل، وفي ذلك يقول الله عز وجل: "واتقوا الله ويعلمكم الله"، ومن تثبيت العلم وحفظه وعدم نسيانه العمل به ونشره بين الناس والدعوة إليه في كل وقت وحين، تفّرغ شخصيتنا للتدريس والدعوة تفرغاً تاماً، وكان أبان عمله في القضاء قد بدأ التدريس، أمّا حينما استقال من القضاء فكان يومه وليله لنفع التلاميذ، ويأتي د.يوسف بن عبدالله الوابل وهو متحدثاً عن برنامج شخصيتنا اليومي وهو والده، قائلاً: كان نظام الشيخ مستمراً -أي في التدريس- ويستغرق أكثر النهار وجزء من الليل، فهناك حلقة بعد صلاة الفجر في المسجد وحلقة في الضحى في منزله للتفسير والفقه والحديث واللغة، وبعدها يذهب إلى المحكمة حتى صلاة الظهر، وبعد الظهر يدرس في المسجد إلى قبيل العصر، وبعد صلاة العصر يستمر الدرس إلى قبيل المغرب، وبعد الصلاة يستأنف التدريس إلى صلاة العشاء، وبعد أن كبر اقتصر تدريسه على بعض الأوقات، وكان الناس يتوافدون عليه من أنحاء المنطقة للإفتاء، فكان يبذل لهم نفسه في المسجد والمنزل والطريق -انتهى كلامه- من كتاب د.عبدالله الحميّد، ود.يوسف ممن تتلمذ على والده وانتفع به وقد قرأت كتابه عن علامات الساعة، وهو من الكتب المفيدة التي ينبغي لطالب العلم أن يقرأها بل كلم مسلم ومسلمة أن يكون هذا الكتاب في منزله. بشاشة ومحبة وزار الكاتب المؤرخ إسماعيل بن سعد العتيق -رحمه الله- شخصيتنا وجسدّها بهذه الكلمات قائلاً: زرته 1376ه ونزلت ضيفاً عليه قرابة 20 يوماً واستمعت إلى دروسه وتدريسه في التوحيد والفقه وأصول الدين، وكان على جانب كبير من الخلق والبشاشة ومحبة الناس وكان لمجلسه هيبة، إذ هو الشيخ الوقور الذي لا ينطق إلاّ بالحث، ولا يتكلم إلاّ بالحكمة، تفوق في علم الفرائض حتى كان مرجع المنطقة كلها في قسمة تركاتهم ومواريثهم. ومن ميزة كتاب د.عبدالله الحميّد عن عبدالله الوابل -رحمه الله- أنه استكتب أبنائه وتلاميذه وهذا شيء يُشكر له، وهو يستحق دراسة عن حياته العلمية والدعوية وأثره في المنطقة، ولعل أحد طلاب الدراسات العليا يعد رسالة ماجستير أو دكتوراه من جامعة الملك خالد أو جامعة أم القرى أو غيرها من الجامعات. ومن الذين تحدثوا عن شخصيتنا وهم كٌثر حسن بن جعفر العتمي وهو من تلاميذه القدامى ورئيس محكمة التمييز بالمنطقة الغربية وتلميذ من تلامذته، يقول عن شخصيتنا: واستمر الطلاب ينهلون من معين علمه الغزيز في كل فن خاصةً في القرآن الكريم والتفسير والتوحيد وكشف الشبهات والعقيدة الواسطية، ثم قال: كان يولي طلابه حنانه وعطفه وسعة صدره وحسن وده مع حرصه المتناهي على إفادتهم -انتهى كلامه-. جواداً كريماً وعدّد القاضي يحيى الخالدي شمائل عبدالله الوابل -رحمه الله- قائلاً: أما عن صفاته الشخصية فقد كان جواداً كريماً محباً للخير يعطف على المساكين ويبذل من ماله ولا يكون للدنيا عنده ثمن وكان شجاعاً -انتهى كلامه-. وكوّن الوابل في أبها وما حولها طابع طيب، وكانت مجالسه كلها في العلم والتعليم حتى إذا دُعي إلى وليمة أو أي مناسبة يكون معه أحد تلاميذه، فيقرأ في المجلس آيات من القرآن الكريم ويقوم شخصيتنا بتفسيرها أو أي كتاب من كتب الحديث، والرقائق والزهد والوعظ، فهو من أهل الأخرة وليس من أهل الدنيا. وتحدث ابنه المهندس سليمان في جانب المحافظة على الوقت قائلاً: كان حريصاً على الاستفادة من جميع وقته فيما يقرب إلى الله عز وجل عازفاً عن الدنيا معرضاً عنها، وكان الوالد حريصاً في بيته على الاستفادة من الوقت فيما ينفع، فإذا دخل عليه من أحد أولاده أمره بأن يأخذ المصحف أو يأخذ كتب العلم ليقرأ عليه، وكان لا يسمح في مجلسه بذكر شيء من أمور الدنيا أو الغيبة والنميمة أو الكذب أو اللغو. بدر منير وقال د.إسحاق بن عبدالله السعدي عن شخصيتنا: إن الحديث عن الشيخ عبدالله بن يوسف الوابل -رحمه الله- يطول، ويحق للمتحدث عن ذلك العالم الرباني المجدد أن يلمح إلى مآثره وآثاره في منطقة عسير ، وقد زادت على ستة عقود من الزمان ولكن المجال لا يسمح بذلك، ولكنني سوف أكتفي ببعض الانطباعات الشخصية عن تلك الشخصية الإسلامية، وذلك العالم الراسخ في العلم والبدر المنير في سماء الأمة، والذي سوف يستمر بدراً منيراً حتى وإن غاب عنا بجسده؛ فهو لا يزال مضيئاً بآثاره العظيمة. وتحدث د.حمد الدوسري قائلاً: هذا، وقد تعددت الروافد الثقافية للشيخ عبد الله الوابل، فلقد كان عالما في علوم الشريعة من تفسير وفقه ومواريث ومصطلح حديث، عالماً في علوم اللغة العربية من نحو وصرف وبلاغة وأدب وغير ذلك، وعالماً في التاريخ والأنساب وعالماً في الفلك ومنازل النجوم ومواسم نزول الغيث، فكلما جلست إليه واستمعت منه وجدته عالماً في جميع العلوم، يطوف بك بين رياض العلم المختلفة، وينقلك من فنّ إلى فنّ، ويشعرك بأنك أمام عالم كبير، له نظرة شمولية في مختلف مجالات العلم، فبينما أنت تستمع منه إلى حديث في الدعوة إلى الله تجده ينقلك إلى مجال الفلك والعقيدة والتفسير والفرائض والأنساب والتاريخ والقضاء والفتيا والطب النبوي، وغير ذلك من العلوم وكان قدوة حسنة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمحافظة على الوقت، والصبر على البلاء، والرضاء بالقضاء، والإنفاق على الفقراء، ومساعدة المحتاجين والضعفاء -انتهى كلامه-، والكثير تحدثوا عن صفات وأخلاق شخصيتنا في كتاب د.عبدالله الحٌميد، لكننا اكتفينا بالبعض. توفي عبدالله الوابل 23/2/1422، وكان عمره 93 عاماً رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى، أشكر الأخوين د. يوسف الوابل وعبدالوهاب الوابل على تجاوبهما معي. ترك الوابل في أبها وما حولها أثرا طيبا وسمعة جيدة الوابل زامل الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- الشيخ عبدالله بن حميد -رحمه الله- زميل للشيخ عبدالله الوابل د.يوسف بن عبدالله الوابل في القضاء كان الوابل النزيه القوي الصارم الحازم إعداد- صلاح الزامل