logo
"بيتر هارينغتون" تعود إلى أبوظبي بعرض نادر من الكنوز الثقافية

"بيتر هارينغتون" تعود إلى أبوظبي بعرض نادر من الكنوز الثقافية

النهار٢٥-٠٤-٢٠٢٥

حين تتجوّل بين أجنحة معرض أبوظبي الدولي للكتاب هذا العام (26 نيسان/أبريل - 5 أيار/مايو)، ثمة ركنٌ ينقلك مباشرةً إلى عصورٍ بعيدة، حيث تُعرض كتب ووثائق نادرة بمثابة شواهد حية على تحولاتٍ كبرى شكّلت ملامح تاريخ المنطقة. هناك، تعود " بيتر هارينغتون"- دار الكتب النادرة العريقة في لندن- إلى الساحة الثقافية في أبوظبي ، محمّلةً بمجموعة فريدة من الكتب والوثائق التي تُضيء محطاتٍ مفصلية من تاريخ الشرق الأوسط وتراثه الغني وهويته المتعددة.
ليس الأمر مجرد عرضٍ لمخطوطات قديمة أو مجلدات مذهبة، بل هو احتفاءٌ حيّ بذاكرة شعوبٍ وحضارات. من وثائق نادرة توثق محاولات المملكة العربية السعودية بعد الحرب لإحياء سكة حديد الحجاز، إلى كتبٍ لغوية طريفة كانت أدواتٍ لتعلّم الإنكليزية في مصر القرن التاسع عشر، تتشابك المعروضات كقطع فسيفساء تسرد قصة المنطقة بصمتها الأنيق.
"هذه الأعمال تتميز بقيمتها العالية التي تتجاوز ندرتها بكثير، باعتبارها تُجسّد الهوية والذاكرة والانتماء"، يعلّق بوم هارينغتون، مالك الدار، ويشير إلى أنّ الكتب النادرة لم تعد مقتصرة على هواة جمع كبار السن أو المتاحف، بل باتت تستهوي جيلاً شاباً يصنع مجموعاته الخاصة، ويبحث عن إرثه الشخصي المفقود بين صفحاتٍ قديمة.
تضمّ المجموعة هذا العام معروضات لافتة، منها أرشيف فوتوغرافي نادر يوثّق مشروع إحياء سكة الحجاز، ونسخة نادرة من كتاب "الإبريز"- قاموس عربي-إنكليزي مصمم لتعليم اللغة عبر الحروف العربية- بالإضافة إلى رواية أميركية مبكرة تحتوي على ما يُعتقد أنه أول نص عربي مطبوع في الأدب الأميركي، استناداً إلى مخطوطة لشخصية مسلمة مستعبدة.
ومن بين الكنوز أيضاً: كتاب "عامان مجيدان في تاريخ إمارة أبوظبي (Two Glorious Years in the History of the Emirate of Abu Dhabi)، وهو سردٌ غنيٌ بالرسوم التوضيحية عن بدايات قيادة الشيخ زايد، مليء بالتفاؤل والفخر الوطني. بالإضافة إلى أعمال بصرية عن البتراء والبحر الميت تعود للقرن التاسع عشر، ونسخة طبق الأصل نادرة من خرائط الإصطخري، وأول طبعة مطبوعة لأعمال إقليدس، وكتاب وصفات مغاربية يعود إلى منتصف القرن العشرين، فضلاً عن عمل فني أصلي لإدموند دولاك من كتاب "قصصٌ من الليالي العربية".
من جانبه، يشير بن هيوستن، مدير المبيعات في الدار، إلى أنّ الشرق الأوسط يشهد اليوم تحوّلاً ملموساً في علاقة الأفراد بالكتب النادرة، مدفوعاً برغبة جيلية في استعادة التراث واستكشاف الجذور. في الإمارات والسعودية وقطر، تنمو حركة ثقافية واسعة لإحياء المخطوطات والكتب التي طالها النسيان، وتجد ترجمتها في متاحف مثل "بيت الحكمة" في الشارقة و"متحف زايد الوطني" المنتظر، إضافةً إلى مبادرات "معهد مسك للفنون".
ويلاحظ هيوستن "انجذاباً خاصاً لدى الشباب للخط العربي، والفلسفة الإسلامية، والنصوص العلمية التي أسّست للفكر العالمي، وكذلك لكتب تراث الشتات والخرائط القديمة، وحتى للكتب التي وثقت المطبخ واللباس والأسفار اليومية"، قائلاً "إنهم يبحثون عن أشياء تشبههم، حتى وإن كانت من قرون مضت".
هكذا، لم تعد الكتب النادرة تُمثل ترفاً نخبوياً، بل أصبحت نافذة على الذات الجماعية؛ ومعرض "بيتر هارينغتون" في أبوظبي ليس مجرد سوقٍ للورق، بل مسرحٌ للذاكرة، ومتحفٌ حيّ للهوية.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"بيتر هارينغتون" تعود إلى أبوظبي بعرض نادر من الكنوز الثقافية
"بيتر هارينغتون" تعود إلى أبوظبي بعرض نادر من الكنوز الثقافية

النهار

time٢٥-٠٤-٢٠٢٥

  • النهار

"بيتر هارينغتون" تعود إلى أبوظبي بعرض نادر من الكنوز الثقافية

حين تتجوّل بين أجنحة معرض أبوظبي الدولي للكتاب هذا العام (26 نيسان/أبريل - 5 أيار/مايو)، ثمة ركنٌ ينقلك مباشرةً إلى عصورٍ بعيدة، حيث تُعرض كتب ووثائق نادرة بمثابة شواهد حية على تحولاتٍ كبرى شكّلت ملامح تاريخ المنطقة. هناك، تعود " بيتر هارينغتون"- دار الكتب النادرة العريقة في لندن- إلى الساحة الثقافية في أبوظبي ، محمّلةً بمجموعة فريدة من الكتب والوثائق التي تُضيء محطاتٍ مفصلية من تاريخ الشرق الأوسط وتراثه الغني وهويته المتعددة. ليس الأمر مجرد عرضٍ لمخطوطات قديمة أو مجلدات مذهبة، بل هو احتفاءٌ حيّ بذاكرة شعوبٍ وحضارات. من وثائق نادرة توثق محاولات المملكة العربية السعودية بعد الحرب لإحياء سكة حديد الحجاز، إلى كتبٍ لغوية طريفة كانت أدواتٍ لتعلّم الإنكليزية في مصر القرن التاسع عشر، تتشابك المعروضات كقطع فسيفساء تسرد قصة المنطقة بصمتها الأنيق. "هذه الأعمال تتميز بقيمتها العالية التي تتجاوز ندرتها بكثير، باعتبارها تُجسّد الهوية والذاكرة والانتماء"، يعلّق بوم هارينغتون، مالك الدار، ويشير إلى أنّ الكتب النادرة لم تعد مقتصرة على هواة جمع كبار السن أو المتاحف، بل باتت تستهوي جيلاً شاباً يصنع مجموعاته الخاصة، ويبحث عن إرثه الشخصي المفقود بين صفحاتٍ قديمة. تضمّ المجموعة هذا العام معروضات لافتة، منها أرشيف فوتوغرافي نادر يوثّق مشروع إحياء سكة الحجاز، ونسخة نادرة من كتاب "الإبريز"- قاموس عربي-إنكليزي مصمم لتعليم اللغة عبر الحروف العربية- بالإضافة إلى رواية أميركية مبكرة تحتوي على ما يُعتقد أنه أول نص عربي مطبوع في الأدب الأميركي، استناداً إلى مخطوطة لشخصية مسلمة مستعبدة. ومن بين الكنوز أيضاً: كتاب "عامان مجيدان في تاريخ إمارة أبوظبي (Two Glorious Years in the History of the Emirate of Abu Dhabi)، وهو سردٌ غنيٌ بالرسوم التوضيحية عن بدايات قيادة الشيخ زايد، مليء بالتفاؤل والفخر الوطني. بالإضافة إلى أعمال بصرية عن البتراء والبحر الميت تعود للقرن التاسع عشر، ونسخة طبق الأصل نادرة من خرائط الإصطخري، وأول طبعة مطبوعة لأعمال إقليدس، وكتاب وصفات مغاربية يعود إلى منتصف القرن العشرين، فضلاً عن عمل فني أصلي لإدموند دولاك من كتاب "قصصٌ من الليالي العربية". من جانبه، يشير بن هيوستن، مدير المبيعات في الدار، إلى أنّ الشرق الأوسط يشهد اليوم تحوّلاً ملموساً في علاقة الأفراد بالكتب النادرة، مدفوعاً برغبة جيلية في استعادة التراث واستكشاف الجذور. في الإمارات والسعودية وقطر، تنمو حركة ثقافية واسعة لإحياء المخطوطات والكتب التي طالها النسيان، وتجد ترجمتها في متاحف مثل "بيت الحكمة" في الشارقة و"متحف زايد الوطني" المنتظر، إضافةً إلى مبادرات "معهد مسك للفنون". ويلاحظ هيوستن "انجذاباً خاصاً لدى الشباب للخط العربي، والفلسفة الإسلامية، والنصوص العلمية التي أسّست للفكر العالمي، وكذلك لكتب تراث الشتات والخرائط القديمة، وحتى للكتب التي وثقت المطبخ واللباس والأسفار اليومية"، قائلاً "إنهم يبحثون عن أشياء تشبههم، حتى وإن كانت من قرون مضت". هكذا، لم تعد الكتب النادرة تُمثل ترفاً نخبوياً، بل أصبحت نافذة على الذات الجماعية؛ ومعرض "بيتر هارينغتون" في أبوظبي ليس مجرد سوقٍ للورق، بل مسرحٌ للذاكرة، ومتحفٌ حيّ للهوية.

كتاب بيت الحكمة لبدور القاسمي يفوز بجائزة عالمية لأدب الطفل
كتاب بيت الحكمة لبدور القاسمي يفوز بجائزة عالمية لأدب الطفل

النهار

time٢٣-٠٢-٢٠٢٥

  • النهار

كتاب بيت الحكمة لبدور القاسمي يفوز بجائزة عالمية لأدب الطفل

فاز كتاب "بيت الحكمة" الذي أطلقته مجموعة كلمات بجائزة "بولونيا راجازي" المرموقة في أدب الأطفال، التي تُمنح سنويا في معرض بولونيا لكتاب الطفل منذ عام 1966. وتكرِّم جائزة "بولونيا راجازي" الكتب التي تمتاز بجودة المحتوى والتصميم الفني وتعد من أهم الجوائز العالمية التي تُسلط الضوء على الابتكار في أدب الأطفال مما يساهم في نشر القصص الهادفة وتعزيز ثقافة القراءة بين الأجيال الجديدة. واحتفالا بهذا الإنجاز، قادت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي مؤسِّسة مجموعة كلمات جلسة قرائية في "بيت الحكمة" بالشارقة، استعرضت خلالها كتابها 'بيت الحكمة' الذي يستهدف الفئة العمرية (9+) ويأخذ القراء في رحلة معرفية لاستكشاف تاريخ "بيت الحكمة" في بغداد، والمعروف أيضاً باسم "خزائن الحكمة" الذي تأسس في العصر العباسي ليكون مركزاً للعلم والمعرفة منذ إنشائه وازدهاره وحتى سقوطه خلال الغزو المغولي. ويهدف الكتاب إلى إبراز أهمية المعرفة في تشكيل مستقبل المجتمعات وتشجيع الأطفال واليافعين على التفكير النقدي وتقدير العلوم والمبادئ المعرفية التي أسهمت في نهضة الأمم، مقدماً محتواه بأسلوب شيق مدعوم بالرسوم التي تثري التجربة القرائية للأطفال وتجعلها أكثر تفاعلاً ومتعة لهم . كما يهدف الكتاب إلى تعزيز مهارات القراءة وتنمية القدرة على التحليل والاستنتاج وتشجيع القراء الصغار على استكشاف التاريخ والمساهمات القيّمة التي قدّمها العلماء العرب وسيكون متاحًا للشراء باللغتين العربية والإنجليزية في مكتبة بيت الحكمة وموقع مجموعة كلمات. وقالت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي إن كتاب 'بيت الحكمة' يمثل رحلةً إلى أعماق حضارتنا العربية والإسلامية وهو انعكاسٌ لتراثنا المعرفي الذي أسهم في تشكيل النهضة الفكرية والعلمية عالميا. وأضافت ' نحن نسعى من خلال هذا الكتاب ليس فقط إلى توعية الأجيال العربية بإرثها الثقافي ولكن أيضاً لتعريف العالم أجمع على هذا التراث العظيم الذي وضع أسس البحث العلمي والترجمة والاكتشافات في مختلف المجالات، فالمعرفة التي نهضت بها أمتنا لا تزال مصدر إلهام ويجب أن تبقى حية في أذهان الأجيال القادمة، تماماً كما كان (بيت الحكمة) في بغداد رمزاً للفكر والتقدم'. وتابعت ' بالنظر إلى التقدم العالمي في النهايات قد يجعلنا نَغفَل عن البدايات فكلّ ابتكار أو اختراع له أساسه وروّاده الذين زرعوا بذرته ومن هنا فلا بدّ للأجيال أن تعرف جذورها وتستلهم منها العزيمة والإصرار على بناء مستقبلها وإننا نسعى أن يكون (بيت الحكمة) في الشارقة امتدادًا لنظيره البغدادي وليكن هذا الكتاب شرارة تجديد العهد بالعلم والمعرفة وتحفيز أجيالنا على مواصلة مسيرة البناء والتقدم'.

إرث سانت-إكزوبيري في أبوظبي... أسرار "الأمير الصغير" التي لم تُروَ
إرث سانت-إكزوبيري في أبوظبي... أسرار "الأمير الصغير" التي لم تُروَ

النهار

time٢٩-١١-٢٠٢٤

  • النهار

إرث سانت-إكزوبيري في أبوظبي... أسرار "الأمير الصغير" التي لم تُروَ

تُحيط هالةٌ من الترقّب مخطوطةً مطبوعةً بالكربون لرواية "الأمير الصغير"، تتجمهر حولها جماعاتٌ جماعات، يُحملق الواحد تلو الآخر بها، ويتفحّصون أصغر التفاصيل. على ورقة طُبعت بالـ"دكتيلو"، وتحمل المقاطع الأخيرة من الرواية، تصحيحاتٌ مكتوبة بخطّ يد الكاتب أنطوان دو سانت-إكزوبيري، تُشكّل مجتمعةً مع أوراق أخرى، بعضها يحمل "خربشات" ورسوماً أوّلية، واحدةً من ثلاث نسخٍ أصليةٍ فقط معروفة للرواية؛ وهي النسخة الوحيدة المطروحة للبيع العام مقابل 1.25 مليون دولار. من قلب المنفى الحرب العالمية الثانية تستعر، وها هي المواجهة تُعلن ما بين فرنسا وألمانيا النازية. يُستدعى سانت-إكزوبيري إلى الخدمة في سرب جوّي لتنفيذ مهام استطلاع فوتوغرافية. ستة أسابيع من نار ورماد أعقبتها هزيمة فرنسا. العواقب وخيمة؛ الجمعية الوطنية الفرنسية توقّع على قانون منح المارشال فيليب بيتان سلطات استثنائية لتشكيل حكومة. نشأ نظام فيشي، وانتهت الجمهورية الثالثة. بعد الهزيمة، لجأ سانت-إكزوبيري إلى نيويورك ساعياً لإقناع الأميركيين بالانخراط في الحرب. كان أمامه متّسع من الوقت ليُعيد التفكير في التجربة التي عاشها. ممزقاً بين عشيقاته وزوجته التي بقيت في فرنسا، ومحبطاً لمنعه من القتال، إذ رأت فيه القوات الجوية الأميركية رجلاً كبيراً، ومنفصلاً تماماً عن مجتمع المغتربين، الذين "يحلّلون الحرب أثناء شرب الشمبانيا"، عانى سانت-إكزوبيري اكتئاباً شديداً. في تلك الفترة، أبدع من دون أن يدري ما بات يُعرف بـ"وصيّته الأدبية". (بيتر هارينغتون) بعد عامَيْن على الهزيمة والتخبّط النفسي، قَبِل ذلك الذي قيل عنه إنّه "الإنساني الذي بدأ يشكّك بجدّيةٍ في الإنسانية" اقتراح ناشريه الأميركيّين بكتابة قصة للأطفال، تصدر في فترة عيد الميلاد، بعدما رأوه يرسم شخصية بسيطة على طاولة. وضع سانت-إكزوبيري كلّ ما في داخله على صفحات "الأمير الصغير"، الذي يصلح لكلّ زمان وكلّ مكان. صدر الكتاب للمرة الأولى في الولايات المتحدة عام 1943، ولم يُنشر في فرنسا إلا بعد وفاة الكاتب عام 1946. وفي غضون 80 عاماً، بيع أكثر من 150 مليون نسخة منه حول العالم، بحسب "مؤسسة أنطوان دو سانت-إكزوبيري"، مما يجعله الرواية الأكثر قراءة في التاريخ، وواحداً من أكثر الكتب ترجمةً في العالم بعد الكتاب المقدّس. ما يُدرَك بالقلب لا يُرَى بالعين عندما فرغ من كتابة "الأمير الصغير"، قبل فترة وجيزة من مغادرته للانضمام إلى القوات الفرنسية الحرة، خطرت لسانت-إكزوبيري فكرتان دوّنهما بقلم رصاص على إحدى مسوّدات الكتاب: "لا تتسنّى البصيرة لأحدٍ إلّا لمن يرى بقلبه؛ جوهر الأشياء لا تُدركه العين". هل تخيّل أنهما ستصبحان من أشهر العبارات في الأدب العالمي؟ (أ ف ب) تظهر هذه الجملة في الصفحة 57 من النسخة المطبوعة بالآلة للنصّ، والتي تحمل ملاحظات بخطّ يد المؤلف، وعُرضت للبيع هذا الشهر في أبوظبي. في الفصل الحادي والعشرين، وأثناء الحوار مع الأمير الصغير، كتب سانت-إكزوبيري في النسخة الأولى على لسان الثعلب: "الأهم هو ما لا يُرى". غير أنّه شطب العبارة واستبدلها بعبارته الشهيرة التي تحتفي بالبصيرة، والتي تتيح للقارئ أخذ فكرة عن تطوّر عملية تأليف الكتاب وتعطي، إلى جانب النسخة النادرة بشكل عام، لمحةً عن طريقة تفكير سانت-إكزوبيري. أثناء فكّ رموز المخطوطة، قبل عرضها للبيع ضمن فعاليات FAB Paris في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي، اكتشف الخبراء أنّ الكاتب جرّب عبارات مختلفة قبل التوصّل إلى عبارته الأيقونيّة، من ضمنها "ما يهمّ غير مرئي"، و"الأشياء الجوهرية دائماً غير مرئية"، وحتى "لا يرى المرء جيّداً إلا بقلبه". "هذا السطر أتعب سانت-إكزوبيري"، تقول ستايسي شيف في السيرة التي كتبتها عن المؤلف، "فقد كان يقدّم صياغاتٍ منقّحة له على مدى خمس سنوات". ومن بين أبرز التغييرات، التي أجراها على المسوّدة، قيامه بإزالة الإشارات إلى نيويورك، واستبدالها بدلالاتٍ ومصطلحاتٍ أكثر عالمية، ووضع اللمسات الأخيرة على المقاطع الرئيسية للمسوّدة، وفق دار بيع الكتب النادرة الرائدة في لندن "بيتر هارينغتون"، التي عرضت النسخة في "فن أبوظبي". نسخة تُعرض للمرة الأولى لم يُكشَف عن اسم الجامع الذي قرّر التخلّي عن الكنز الأدبي عام 2023. ويُشير بوم هارينغتون، صاحب "بيتر هارينجتون"، الذي التقته "النهار" في أبوظبي، إلى ثلاث نسخ مطبوعة بالآلة وموثّقة من الكتاب: الأولى، أهداها المؤلف لعازفة البيانو، وقائدة الأوركسترا، ناديا بولانجيه، وموجودة في المكتبة الوطنية الفرنسية؛ والثانية، نُقلت إلى صديقه المترجم لويس غالانتير، وانتهى بها الأمر ضمن مقتنيات جامعة تكساس في أوستن. أما النسخة الثالثة، والتي تتضمّن أهم التعديلات وفقرات لم تُنشر، فيروي هارينغتون أنّ "عائلة الكاتب احتفظت بها حتى ثمانينيات القرن الماضي، ثم بيعت في مزاد لندني عام 1989 مع رسومات مائية أخرى، وبقيت ضمن مجموعات خاصة منذ ذلك الحين، إلى أن حصلت عليها "بيتر هارينغتون" قبل بضعة أشهر، وأُحضرت إلى أبوظبي لتُعرض لأول مرة". ففي آخر مرة بيعت، اختار البائع إتمام الصفقة عبر بائع كتب وليس عبر دار مزادات، وفق ما أوردت آنذاك وكالة الصحافة الفرنسية. وتالياً، لم يكن البيع علنيّاً، ولم يُكشف عن أيّ تقديرات أولية أو قيمة الشراء. تحمل هذه النسخة النادرة قيمة عاطفية كبيرة، إذ إنّ سانت-إكزوبيري الذي لم يعُد من مهمته الاستطلاعية الأخيرة في عام 1944، لم يتسنَّ له الاستمتاع بالنجاح الساحق الذي حقّقه عمله. وتحمل ملاحظات على الغلاف الداخلي، منها بعض الحسابات الموجزة (مالية على الأرجح)، ورسوم لمخططاتٍ أرضية. كما أنّ الكاتب رسم ملامح مجهولة الهوية، منها ما يعود لشخصية يبدو أنّها بعنوان "السيد طنجة"، إلى جانب رسمٍ لشخصية غير واضحة، لا تظهر في الرواية، وقد تكون تمثيلاً لمحاكمة الرجل العبثي، أو -ربما- رسماً كاريكاتورياً لشخص آخر. وقد رافق المخطوطة رسمان أصليّان غير مكتملين بقلم رصاص لشخصية الأمير الصغير، أحدهما يُظهره ممسكاً بعصا، وقد يكون تصوراً مبدئيّاً لحراثته أرضه لمنع الاستيلاء على بذور التبلدي. أمّا الرسم الآخر فهو مسوّدة للرسم التوضيحي النهائي للكتاب، الذي يُظهر الأمير الصغير وهو عائدٌ إلى منزله. (أ ف ب) إلى جانب ذلك، يتحدّث هارينغتون لـ"النهار" عن "قطعة أثرية مهمة"، وهي الشيك المصروف بقيمة 100 دولار لشراء زيّ شبيهٍ بزي القوات الجوية الفرنسية الذي طلبه سانت-إكزوبيري، وارتداه في آخر مرة زار فيها شقة سيلفيا رينهارد، في بارك أفينيو، قبل عودته إلى الحرب. وقد ترك حينها لصديقته المخطوطة الأصلية الموجودة اليوم في مكتبة مورغان في نيويورك. عوّلت "بيتر هارينغتون" وسامي جاي، كبير اختصاصيي الأدب فيها، على المخطوطة لاستقطاب اهتمام هواة جمع الأعمال الأدبية حول العالم من القطاع الخاص والمؤسسات الحكومية، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط وآسيا، خاصة مع الأهمية الثقافية الكبيرة التي تستأثر بها الرواية. ويبقى مصير "الأمير الصغير" مجهولاً بعد حلوله في أبوظبي، إذ لم يُعلن إتمام الصفقة، غير أنّ إرث أنطوان دو سانت-إكزوبيري حضر قوياً ليحكي لغة أدبياً عالمية لا تحدّها أيّ حدود.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store