
ما وراء الهدنة "الإنسانيَّة" ودخول المساعدات لغزَّة: قراءة في الأبعاد السِّياسيَّة والاستراتيجيَّة
في صباح الأحد، أعلنت السلطات الإسرائيلية عن السماح بدخول مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة عبر عمليات إسقاط جوي وممرات إنسانية مؤقتة، بعد شهور من حصار عسكري خانق تسبب في أزمة إنسانية خطيرة.
ورغم أن الخطوة تبدو إنسانية على السطح، إلا أن خلفياتها السياسية والاستراتيجية تشير إلى أن هذا القرار جاء مدفوعاً بمناورات إقليمية ودولية معقدة، في ظل صراع متشابك على عدة جبهات.
يرى مراقبون أن الضغوط الدولية المتزايدة كانت المحرك الأساسي وراء قرار إسرائيل بفتح الممرات. حيث حذرت الأمم المتحدة ومنظمات دولية مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمة الصحة العالمية، إضافة إلى أكثر من 200 منظمة محلية ودولية، من تفاقم أزمة الغذاء والماء في غزة بشكل يهدد بوقوع مجاعة جماعية.
ونقل تقرير نشرته شبكة "دويتشه فيله" عن مسؤول في برنامج الغذاء العالمي، قوله إن "غزة تواجه كارثة إنسانية مركبة، ومعدلات سوء التغذية بين الأطفال ارتفعت بنسبة 300% منذ يونيو/حزيران، وهناك مناطق لم تصلها أي مساعدات منذ أسابيع."
وطالبت 25 دولة إسرائيل بشكل مباشر برفع القيود المفروضة على دخول المساعدات، مؤكدين في الوقت ذاته رفضهم لأي إجراء يغير التركيبة الديمغرافية للأراضي الفلسطينية. هذا الضغط الدولي المتضافر دفع حكومات أوروبية، من بينها فرنسا وألمانيا، إلى تهديد إسرائيل بإعادة النظر في اتفاقياتها العسكرية والتجارية إذا لم تُتخذ خطوات عاجلة لتحسين الوضع الإنساني في القطاع.
أعربت مصادر أمنية وإعلامية عبر صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن أن قرار السماح بدخول المساعدات جاء كجزء من جهود لإعادة تشكيل صورة الجيش الإسرائيلي على المستوى الدولي.
حيث قال مسؤول أمني بارز إنّ: "مناطق إسقاط المساعدات تم اختيارها بعناية لتكون بعيدة عن خطوط الاشتباك، وذلك لمنع تفسير ذلك على أنه تفاهم سياسي مع حماس."
وأشار موقع "أكسيوس" الأميركي إلى أن مستشاري مجلس الأمن القومي الإسرائيلي نصحوا الحكومة بـ"خطوات فورية لإظهار استجابة إنسانية"، محذرين من أن استمرار الحصار الكامل يعقد الدعم الغربي ويعزز الخطاب المعارض لإسرائيل داخل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
مناورة سياسية تكتيكية لكسب الوقت
من جهته، أكد القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) علي بركة، أن الاحتلال الإسرائيلي يستخدم "الهدنة الإنسانية" كغطاء لارتكاب مزيد من الجرائم بحق المدنيين في قطاع غزة، معتبراً أن ما يجري على الأرض هو "استمرار لحرب الإبادة والتجويع بحق أكثر من مليوني إنسان محاصر".
وقال بركة في بيان صحفي، اليوم الأحد، "ما يُسمى هدنة إنسانية هو محض تضليل لخداع الرأي العام الدولي"، داعياً الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية إلى التحرك العاجل لوقف ما وصفها بـ"المجازر المتواصلة"، و"كسر الحصار الظالم"، و"فتح المعابر البرية لإدخال المساعدات دون قيد أو شرط".
يرى المحلل السياسي المتخصص في الشأن الإسرائيلي نظير مجلي أن خطوة فتح الممرات تأتي ضمن "مناورة أميركية-إسرائيلية مدروسة تهدف إلى كسب الوقت وفرض وقائع ميدانية جديدة قبل العودة إلى المفاوضات
وقال إن "إسرائيل تسعى إلى إفشال أي اتفاق تهدئة، وتضغط على الوسطاء مثل مصر وقطر لفرض شروط تخدم مصالحها، وليس حقوق الفلسطينيين."
وأوضح أن هناك اعترافاً داخل إسرائيل بإمكانية التوصل لاتفاق، لكنه يرى أن غياب الإرادة السياسية لدى نتنياهو هو العائق الحقيقي. ويقول:"نتنياهو يماطل لأنه يخشى خسارة الانتخابات، لذلك يلعب على ورقة استمرار الأزمة لتحقيق مكاسب سياسية."
بدورها، الناشطة والأكاديمية الفلسطينية رباب عبد الهادي، تحدثت عن دور الإدارة الأميركية في هذه الأزمة، مؤكدة أن واشنطن لا تسعى إلى حل عادل، بل تسعى للحفاظ على الهيمنة الإسرائيلية.
وقالت إن "الاتفاقات الحالية ليست إلا غلافًا سياسيًا لاتفاقات عسكرية تحفظ السيطرة الإسرائيلية، وتستمر في فرض سياسة التجويع والتهجير."
وربطت عبد الهادي بين استمرار الحصار والسياسات الأميركية الإسرائيلية، معتبرة أن ما يُسمى بالمساعدات الأمريكية تحولت إلى "مصائد موت جماعية".
ومن جانب أخر، يؤكد المحلل السياسي أحمد الطناني أن الخطوات التي أعلنها جيش الاحتلال الإسرائيلي بشأن الإنزالات الجوية والمساعدات الإنسانية ليست سوى "محاولة دعائية لامتصاص الضغط الدولي المتزايد جراء الأزمة في قطاع غزة".
ويضيف الطناني: "هذه الإجراءات شكلية ولا تلبي الحد الأدنى من الاحتياجات الإنسانية الحقيقية، بل تُستخدم كغطاء لتمديد العمليات العسكرية وتوسيع الحصار".
ويشدد الطناني على أن "الحل الفعلي يكمن في وقف فوري وشامل للعدوان، ورفع الحصار بشكل كامل عن قطاع غزة، وليس في هذه الحلول الترقيعية التي تزيد من معاناة المدنيين".
ويؤكد أن "المجتمع الدولي يمتلك الآليات والخطط لتنفيذ عمليات إغاثة فعالة، لكن ذلك يتطلب إرادة سياسية حقيقية من الاحتلال لإنهاء الحصار وفتح المعابر بشكل دائم".
في نهاية تحليله، يشدد الطناني على أن "استمرار هذه السياسات يعمق الأزمة ويُبعد أي فرصة لتحقيق السلام أو التهدئة المستدامة في المنطقة".
دور المنظمات الدولية والوسطاء: بين الاستقلالية والتبعية
في الوقت الذي تحاول فيه إسرائيل فرض شروطها على دخول المساعدات بعيداً عن الوساطة التقليدية لمصر وقطر، تبرز تساؤلات حول قدرة الأمم المتحدة والوكالات الدولية على ضمان وصول المساعدات لمستحقيها. فقد نقلت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" عن مسؤول في الهيئة العسكرية الإسرائيلية قوله:
"لم نمنع أي شاحنة من الدخول، لكن الأمم المتحدة فشلت في التوزيع داخل القطاع، ونحن نعيد تعريف من هو الشريك المسؤول في عمليات الإغاثة."
ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تعني تقويض دور الوسطاء العرب وتقليص نفوذهم، ما يعكس رغبة إسرائيل في إدارة الأزمة وفق قواعدها الخاصة.
رغم السماح بدخول المساعدات، أكدت القيادة العسكرية الإسرائيلية في بيان رسمي أن العمليات ضد "البنى التحتية للإرهاب" ستستمر، وأن السماح بالمساعدات لا يعني تغيير قواعد الاشتباك.
ويشرح الخبير العسكري الإسرائيلي السابق يعقوب كيدمي، في مقابلة خاصة، أن:"إسرائيل تستخدم الحصار والتجويع كسلاح استراتيجي، فتح الممرات المؤقتة هو مناورات تكتيكية لإدارة الضغوط، وليس تحوّلًا استراتيجياً في السياسات."
وأضاف:"الهدف هو الحفاظ على الضغط العسكري والسياسي، مع تقديم تنازلات إنسانية محدودة تهدئ السخط الدولي، دون التخلي عن الأهداف العسكرية".
رغم إعلان جيش الاحتلال الإسرائيلي تعليقًا "تكتيكيًّا" للعمليات العسكرية في بعض مناطق قطاع غزة لأسباب إنسانية، تواصلت الغارات وعمليات الاستهداف، مخلفة عشرات الشهداء والجرحى.
من جهتها، أعلنت وزارة الصحة في غزة أن إجمالي عدد الشهداء منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 بلغ 59,733 شهيدًا، غالبيتهم من الأطفال والنساء، إلى جانب 144,477 جريحًا، مع استمرار وجود ضحايا تحت الأنقاض لا تستطيع فرق الإنقاذ الوصول إليهم بسبب العدوان المتواصل.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


فلسطين اليوم
منذ 6 دقائق
- فلسطين اليوم
الإعلام الحكومي: تصريحات نتنياهو تضليل ممنهج وتبرير لجرائم الإبادة
ردّ المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، مساء اليوم الأحد، على التصريحات التي أدلى بها رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو خلال مؤتمر صحفي عقده في مدينة القدس المحتلة، واصفاً إياها بأنها محاولة مكشوفة لتضليل الرأي العام وتبرير الجرائم المستمرة بحق الشعب الفلسطيني. اعتبر المكتب الإعلامي أن تصريح نتنياهو حول تحرير غزة لا يعكس الحقيقة، بل يتناقض مع تصريحات وزراء في حكومته الذين أعلنوا صراحة نيتهم إعادة احتلال القطاع والاستيطان فيه، مثل سموتريتش، بن غفير، ستروك، وإيلياهو. وعليه، فإن الواقع الميداني من تدمير وتهجير وسيطرة ممنهجة يؤكد زيف هذا الادعاء. وبالانتقال إلى مزاعم نزع السلاح، شدد المكتب على أن أهداف الاحتلال الحقيقية تتمثل في الإبادة الجماعية، التدمير الشامل، والتهجير القسري. إذ تشير الإحصاءات إلى أكثر من 61,000 شهيد، ودمار تجاوز 88% من البنية التحتية، فضلاً عن تهجير نحو 1.9 مليون مدني. ومن ناحية أخرى، يرى المكتب أن الحديث عن إدارة مدنية مسالمة ما هو إلا محاولة لفرض نظام عميل يشرعن الاحتلال، ويتناقض مع حق تقرير المصير، مؤكداً أن الاحتلال يسعى لتكريس الاستعمار والاستيطان. أما فيما يتعلق بالمساعدات، فقد نفى المكتب هذه المزاعم، موضحاً أن الاحتلال أغلق المعابر لأكثر من 500 يوم، ولم يسمح إلا بجزء ضئيل منها، لا يتجاوز 14% من الاحتياج الفعلي، وسط فوضى ونهب متعمد، ووفاة أكثر من 200 شخص بسبب الجوع. أكد المكتب أن جميع التقارير الدولية تنفي الادعاءات المتعلقة بسرقة حماس المساعدات، مشيراً إلى أن الإشراف على المساعدات كان بيد مؤسسات أممية، بينما الاحتلال هو من يعرقل وصولها ويستغل التجويع كأداة حرب. وبخصوص اتهام الأمم المتحدة، أوضح المكتب أن الاحتلال هو من يمنع دخول المساعدات ويغلق المعابر، بينما تطالب الأمم المتحدة مراراً بفتحها دون قيود. وفيما يتعلق بالصور، أشار المكتب إلى أن الاحتلال نفسه متورط في استخدام صور مفبركة عبر الذكاء الاصطناعي، بينما صور المجازر تُبث مباشرة من أرض الواقع، ولا يمكن إنكارها. وبناءً على ذلك، اعتبر المكتب أن تصريحات نتنياهو حول قرب انتهاء العمليات تهدف إلى تضليل الرأي العام، في حين أن الاحتلال يطيل أمد الحرب بهدف فرض السيطرة الكاملة على غزة. وفيما يخص الإعلام، نفى المكتب هذه المزاعم، مؤكداً أن الاحتلال يفرض حظراً شاملاً على دخول الصحفيين الأجانب، رغم دعوات فلسطينية متكررة لفتح القطاع أمام الإعلام الدولي. وعلى صعيد الممرات الآمنة، كشف المكتب أنها تحولت إلى مصائد موت، حيث قُتل عشرات المدنيين بدم بارد، ومنعت الطواقم الإنسانية من الوصول إلى الجثامين. واختتاماً، أكد المكتب أن الشعب الفلسطيني يرفض أي وصاية أجنبية، ويتمسك بحقه في اختيار قيادته بإرادته الحرة، وأن المقاومة حق مشروع للشعوب الواقعة تحت الاحتلال.


فلسطين أون لاين
منذ 6 دقائق
- فلسطين أون لاين
أبو تريكة يطالب "الفيفا" بتجميد الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم
غزة/ مؤمن الكحلوت: طالب اللاعب الدولي المصري السابق، ومحلل قنوات بي إن سبورت، محمد أبو تريكة الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" بتجميد الاتحاد الإسرائيلي، ومنع فرقه من المشاركة في المسابقات الدولية. وقال أبو تريكة خلال الاستديو العربي الذي يبث عبر القناة:" إلى السيد جيانو انفانتينو رئيس "الفيفا"، اتخذتم قرار بايقاف روسيا، متى سيتم إيقاف الكيان الصهيوني؟ سنتين من الحرب على غزة، متى سيتم إيقاف الفرق الرياضية؟ متى سيتم إيقاف الرياضيين الإسرائيليين؟ لو راجل اسحب تنظيم كأس العالم من أمريكا، لأنها مشاركة معهم بالسلاح". واستغرب أبو تريكة من عدم تطبيق اللوائح على الاتحاد الإسرائيلي، والفرق الرياضية لحتى اللحظة، رغم أن الأمور كلها باتت واضحة للعيان، ولا تحتاج لمبررات. وأشار أبو تريكة خلال حديثه، إلى أنه لا مبرر لفصل السياسة عن الرياضة في الأمور الإنسانية، مؤكدا أن ما فعلته المقاومة في السابع من أكتوبر 2023، هو من حقها ضد احتلال غاشم يستولي على أرض فلسطين. ويحظى أبو تريكة بشهرة كبيرة سواء في الوطن العربي أو في العالم، وله محبة كبيرة من أهل غزة لوقوفه الدائم بجانبهم، كما أعلن عن وجود محبة خاصة لهم في قلبه. ويحاول أبو تريكة باستمرار الحديث والتذكير بما يحصل في غزة من مجازر دموية يرتكبها جيش الاحتلال "الإسرائيلي"، سواء بالكتابة عبر مواقع التواصل الإجتماعي، أو عبر الشاشة أو أي موقف أو مكان يتاح له فيه الحديث.


معا الاخبارية
منذ 36 دقائق
- معا الاخبارية
نتنياهو وافق على بحث صفقة شاملة وترامب يناقش احتلال غزة
قالت هيئة البث الإسرائيلية إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أعطى الضوء الأخضر للمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف للتفاوض على صفقة شاملة. من جهته، قال مكتب نتنياهو إن رئيس الوزراء بحث في اتصال مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطط إسرائيل للسيطرة على معاقل حماس المتبقية في غزة.