logo
الفساد ومحاربة الكفاءات في المغرب: بين مأزق الدولة الوطنيّة وإرادة الإصلاح والتغيير

الفساد ومحاربة الكفاءات في المغرب: بين مأزق الدولة الوطنيّة وإرادة الإصلاح والتغيير

عبدالله مشنون نشر في 21 يوليو 2025 الساعة 19 و 19 دقيقة
إيطاليا تلغراف
عبد الله مشنون
كاتب صحفي مقيم بايطاليا
يطرح موضوع الفساد في المغرب إشكالية معقدة تتجاوز مجرد كونه اختلالًا إداريًا أو ماليًا، إلى كونه تعبيرًا عن أزمة أعمق في بنية الدولة الوطنية، وفي قدرتها على إنتاج نخب ومسؤوليات تتسم بالكفاءة والنزاهة والمسؤولية. فرغم تراكم النصوص القانونية، ووضوح التوجيهات الملكية المتكررة في الدعوة إلى محاربة الفساد وربط المسؤولية بالمحاسبة، إلا أن الممارسة العملية ما تزال تشهد استمرارًا لظواهر الزبونية، الريع، ونهب المال العام، مصحوبة بإقصاء الكفاءات، واستمرار نفس النخب في إعادة إنتاج الفشل المؤسساتي.
إن متابعة مغاربة العالم لما يجري في الوطن، ليست تعبيرًا عن حنين عاطفي فقط، بل عن إحساس بمسؤولية جماعية تجاه مستقبل بلدهم، ورغبة صادقة في رؤيته قويًا، عادلًا، ومزدهرًا. ولكن هذا الطموح يصطدم بواقع يثير أسئلة جدية عن جدوى السياسات الحالية، وعن حدود الإرادة الإصلاحية، في ظل استمرار عقلية الحصانات غير المعلنة، والتمييز ضد الكفاءات المستقلة.
أولًا: مأزق المحاسبة في الدولة الوطنية
منذ مطلع الألفية، رسخت الدولة المغربية عبر خطب جلالة الملك محمد السادس توجيهًا استراتيجيًا لا لبس فيه: ضرورة القطع مع الريع والفساد، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وتشجيع المواطنين على عدم تزكية المفسدين في الانتخابات، بل والدعوة إلى يقظة المجتمع تجاه من يوظف المال والسلطة لمآرب شخصية. هذه الدعوة المتكررة تعبّر عن إدراك واضح بأن بقاء الدولة الوطنية في موقع الضامن لوحدة المجتمع رهين بتصحيح هذه الاختلالات البنيوية.
غير أن المفارقة الكبرى تكمن في أن نفس الخطاب، حين ينزل إلى مستوى المؤسسات التنفيذية، غالبًا ما يُفرغ من مضمونه الإصلاحي، بفعل تغلغل شبكات مصالح وبنيات تقليدية ما تزال تتعامل مع المحاسبة كخيار سياسي ظرفي، لا كآلية بنيوية دائمة. والنتيجة أن أسماء معروفة بارتباطها بملفات فساد، تستمر في مواقع القرار، أو تعود إليها بأسماء ووجوه جديدة.
هنا يُطرح سؤال جوهري: إلى أي حد يمكن للدولة الوطنية، التي ما تزال أجهزتها الإدارية مأهولة بنفس العقليات التي أسست للفساد، أن تُصلح ذاتها حقًا؟ وهل يمكن تفكيك شبكات الريع دون إحداث قطيعة حقيقية مع منطق الحماية والولاءات؟
ثانيًا: الفساد كأداة إقصاء للكفاءات
بعيدًا عن الخسائر المالية المباشرة، فإن أخطر ما في الفساد تحوله إلى معيار ضمني لاختيار النخب في الإدارة والمؤسسات العمومية. فالمسؤول الفاسد لا يكتفي بنهب المال العام، بل يعمد إلى محاربة الكفاءات المستقلة والشريفة، لأنه يرى فيها تهديدًا لمنظومة مصالحه. وتترسخ بذلك سياسة «الإقصاء الممنهج» التي دفعت العديد من الكفاءات الوطنية، في الداخل والخارج، إلى الانكفاء أو الهجرة أو الاصطدام مع المؤسسة.
إن استمرار هذه الممارسات يهدد مشروع الدولة الوطنية في الصميم، لأنه يقوض ثقة المواطنين في المؤسسات، ويفرغ شعار «المحاسبة» من معناه، ويعيد إنتاج دورة الفشل الإداري.
ثالثًا: المجتمع المدني: بين الدعم والولاء
يمتد منطق الزبونية أيضًا إلى الحقل الجمعوي، إذ يلاحظ أن الدولة تستمر في تمويل جمعيات في الخارج بمبالغ كبيرة، رغم غياب أثر واقعي أو برامج حقيقية تخدم الجالية. بينما يتم إقصاء جمعيات ذات مصداقية ونشاط فعلي، فقط لأنها لا تنخرط في شبكات الولاء أو لا تحسن «التطبيل».
إن تحويل المجتمع المدني إلى واجهة شكلية، بدل أن يكون شريكًا فعليًا في التنمية، يُضيّع فرصة ثمينة لتعزيز الجبهة الوطنية في مواجهة تحديات الهوية والانتماء والتنمية.
رابعًا: أين تكمن المسؤولية؟
في ظل هذا الواقع، تظهر الحاجة إلى مساءلة بنيوية للإرادة الإصلاحية الحقيقية:
• هل نحن أمام أزمة رؤية سياسية شاملة؟
• أم أن الإشكال يكمن في عجز المؤسسات التنفيذية عن تنفيذ التوجيهات الملكية؟
• وهل يكفي خطاب إصلاح من الأعلى لتفكيك منظومات المصالح المتغلغلة إداريًا؟
• أم أن الأمر يتطلب إرادة شجاعة لدى النخب، وقضاء مستقل، ورقابة مجتمعية يقظة؟
خامسًا: توصيات عملية
انطلاقًا من التحليل أعلاه، نقترح جملة من التدابير العملية القابلة للتنفيذ على المدى المتوسط:
1. تعزيز الرقابة والمحاسبة
- تقوية صلاحيات المجلس الأعلى للحسابات مع ضمان إحالة الملفات ذات الطابع الجنائي فورًا على القضاء.
- حماية استقلالية القضاء، وتوفير الحماية القانونية للقضاة المكلفين بملفات الفساد الكبرى.
2. إصلاح التعيين في المناصب العليا
- إلزام الإدارات والمجالس بإعلان معايير التعيين والمباريات لشغل المناصب، مع نشر النتائج للعموم.
- اعتماد تقييم دوري للأداء، وربط بقاء المسؤولين بنتائج ملموسة.
3. إصلاح منظومة الدعم العمومي للجمعيات
- اعتماد دفتر تحملات صارم، وربط الدعم بمؤشرات أثر ميداني، مع إقصاء الجمعيات الصورية وتشجيع الجادة.
4. حماية الكفاءات الوطنية ومغاربة العالم
- إنشاء مرصد وطني للكفاءات يربط بين حاجيات الدولة وقدرات المغاربة في الداخل والخارج.
- إقرار تشريع لحماية المبلغين عن الفساد من الانتقام المهني أو الإداري.
5. تعزيز الوعي المجتمعي
- إطلاق حملات وطنية للتحسيس بمخاطر تزكية المفسدين، وأثر الفساد على التنمية.
- إدماج قيم النزاهة في المناهج التعليمية والبرامج الجامعية.
6. خطة وطنية محددة الأفق الزمني
- إعداد خطة وطنية متعددة السنوات (2025–2030) بأهداف كمية ومؤشرات قياس، مع تقييم دوري علني.
* خاتمة القول:
إن محاربة الفساد ليست خيارًا إداريًا ظرفيًا، بل رهان وجودي للدولة الوطنية المغربية، لضمان كرامة مواطنيها وتعزيز مشروعيتها الرمزية. إن الإصلاح يحتاج إلى قرارات واضحة، وآليات شفافة، وجرأة مؤسساتية لتفكيك شبكات المصالح، مع تثمين الكفاءات الوطنية ومنحها مكانتها المستحقة.
مغاربة الداخل والخارج لن يكفوا عن الحلم بمغرب عادل، نظيف، حر، تسود فيه العدالة الاجتماعية والمحاسبة، وتُرفع فيه كرامة المواطن فوق أي اعتبار. لكن هذا الحلم لن يتحقق بالتمنيات، بل بالقرارات والشجاعة.
إننا في النهاية، ما زلنا نثق أن التوجيهات الملكية الواضحة ستجد طريقها إلى التنفيذ الحقيقي، حين تتحمل المؤسسات التنفيذية مسؤوليتها أمام ضمير المجتمع والتاريخ.
إيطاليا تلغراف
السابق
تقاسم مفضوح للأدوار بين واشنطن وتل أبيب في سوريا
التالي
اتفاق السويداء.. فرصة لسوريا أم فخ؟

هاشتاغز

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

المستشار الرفيع للرئيس الأمريكي: الولايات المتحدة تولي أهمية بالغة لعلاقاتها مع الجزائر – المؤسسة العمومية للتلفزيون الجزائري
المستشار الرفيع للرئيس الأمريكي: الولايات المتحدة تولي أهمية بالغة لعلاقاتها مع الجزائر – المؤسسة العمومية للتلفزيون الجزائري

التلفزيون الجزائري

timeمنذ 21 دقائق

  • التلفزيون الجزائري

المستشار الرفيع للرئيس الأمريكي: الولايات المتحدة تولي أهمية بالغة لعلاقاتها مع الجزائر – المؤسسة العمومية للتلفزيون الجزائري

أكد المستشار الرفيع للرئيس الأمريكي لإفريقيا والشؤون العربية والشرق الأوسط, السيد مسعد بولوس, اليوم الأحد بالجزائر العاصمة, أن الولايات المتحدة الأمريكية تولي 'أهمية بالغة' لعلاقاتها مع الجزائر وتتطلع إلى العمل سويا من أجل تعزيز السلام والاستقرار في إفريقيا. وفي تصريح للصحافة عقب استقباله من قبل رئيس الجمهورية, السيد عبد المجيد تبون , قال السيد بولوس: 'لي الشرف العظيم أن أتواجد في الجزائر نيابة عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ووزير الخارجية ماركو روبيو, لتعزيز الشراكة بين البلدين', مضيفا أن 'الولايات المتحدة الأمريكية تولي أهمية بالغة لعلاقاتهامع الجزائر'. وأوضح أن اللقاء مع رئيس الجمهورية سمح بـ 'تجديد التأكيد على الروابط الراسخة التي تجمع بين الولايات المتحدة والجزائر, واعربنا عن التزامنا القوي بتعزيز علاقاتنا في المجالات التجارية والأمنية وغيرها من القطاعات, كما شاركت مع رئيس الجمهورية رؤية الرئيس دونالد ترامب حول التعاون في سبيل تحقيق المصالح المشتركة وتحقيق السلام وهزم الإرهاب وتأمين الحدود وتعزيز التجارة العادلة التي تعود بالنفع على كل من الأمريكيين والجزائريين, وذلك في إطار الاحترام المتبادل والحوار'. كما أضاف بأنه استمع إلى وجهة نظر رئيس الجمهورية بشأن 'التحديات الحاسمة التي تواجه إفريقيا والمنطقة ككل, بالإضافة إلى الفرص العديدة التي تنتظرنا', معربا عن تطلع بلاده إلى 'بذل المزيد من الجهود المشتركة لمواجهة التحديات في منطقة الساحل والعمل سويا من أجل تعزيز السلام والاستقرار'. وبذات المناسبة, تقدم المسؤول الأمريكي بالشكر لوزير الدولة, وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية, السيد أحمد عطاف الذي استقبله في وقت سابق من اليوم, متابعا بالقول: 'نحن نقدر بشدة حوارنا المستمر, بينما نعمل معا لمواجهة بعض من أصعب المشاكل في العالم, لا سيما خلال فترة عضوية الجزائر في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة'. وبعد أن أبرز بأن الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية 'لديهما مصلحة مشتركة من أجل عالم أكثر سلاما واستقرارا', أشار السيد بولوس إلى أنه تحادث مع رئيس الجمهورية ووزير الشؤون الخارجية حول 'الإمكانات الهائلة لتعزيز التعاون التجاري بين البلدين في قطاع الطاقة ومختلف القطاعات الأخرى'. وخلص إلى التأكيد على أن زيارته إلى الجزائر كانت 'مثمرة للغاية', مسجلا تطلعه إلى 'استكشاف سبل التعاون المشترك, من أجل مستقبل مشرق وسلمي'.

أوبك+: عرقاب يشارك غدا الإثنين في الاجتماع الـ61 للجنة المراقبة الوزارية المشتركة – المؤسسة العمومية للتلفزيون الجزائري
أوبك+: عرقاب يشارك غدا الإثنين في الاجتماع الـ61 للجنة المراقبة الوزارية المشتركة – المؤسسة العمومية للتلفزيون الجزائري

التلفزيون الجزائري

timeمنذ 21 دقائق

  • التلفزيون الجزائري

أوبك+: عرقاب يشارك غدا الإثنين في الاجتماع الـ61 للجنة المراقبة الوزارية المشتركة – المؤسسة العمومية للتلفزيون الجزائري

يشارك وزير الدولة, وزير الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة, محمد عرقاب, غدا الإثنين, في أشغال الاجتماع الـ61 للجنة المراقبة الوزارية المشتركة لتحالف أوبك وخارج أوبك (JMMC), عبر تقنية التحاضر المرئي عن بعد, حسبما أفاد به, اليوم الاحد, بيان للوزارة. وخلال هذا الاجتماع, سيقوم الوزراء بتقييم مدى احترام الالتزامات المتعلقة بالإنتاج لشهري مايو ويونيو 2025, وكذا تحليل الوضع الراهن لسوق النفط وتبادل وجهات النظر حول آفاقه على المدى القصير, يضيف المصدر. وذكر البيان, بأن لجنة المراقبة الوزارية المشتركة تجتمع بصفة دورية كل شهرين, وتكلف بمتابعة تنفيذ التعديلات الطوعية على الإنتاج التي تقررت في إطار إعلان التعاون, وتقديم التوصيات التي من شأنها دعم استقرار وتوازن سوق النفط العالمية. وتتكون هذه اللجنة من وزراء النفط لثماني دول وهي : الجزائر, المملكة العربية السعودية, الإمارات العربية المتحدة, العراق, الكويت, وفنزويلا من الدول الأعضاء في منظمة أوبك, بالإضافة إلى روسيا الاتحادية وكازاخستان من خارج المنظمة.

13 شهيدًا بينهم طفلان جراء استهداف الاحتلال لمنتظري المساعدات في غزة - الدولي : البلاد
13 شهيدًا بينهم طفلان جراء استهداف الاحتلال لمنتظري المساعدات في غزة - الدولي : البلاد

البلاد الجزائرية

timeمنذ 36 دقائق

  • البلاد الجزائرية

13 شهيدًا بينهم طفلان جراء استهداف الاحتلال لمنتظري المساعدات في غزة - الدولي : البلاد

فارس عقاقني_ استشهد 13 فلسطينيا، بينهم طفلان، وأُصيب عدد آخر اليوم الأحد، في سلسلة اعتداءات نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد مدنيين أثناء انتظارهم للمساعدات الإنسانية في مناطق متفرقة من قطاع غزة. وأفادت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، نقلًا عن مصادر طبية، أن 6 مواطنين بينهم طفلان ارتقوا وأُصيب آخرون، إثر إطلاق قوات الاحتلال النار على تجمع للمواطنين قرب مركز توزيع مساعدات في جنوب غرب خان يونس. كما استُشهد 6 آخرون وأصيب عدد من الفلسطينيين في استهداف مماثل في شارع الطينة شمال مدينة رفح، أثناء انتظارهم لتسلّم المساعدات. وفي سياق الاعتداءات المتواصلة، استُشهد فلسطيني وأُصيب آخرون في محور نتساريم وسط القطاع، بعد استهدافهم من قبل قوات الاحتلال، فيما سُجّلت إصابات أخرى في صفوف المواطنين بمحور "زكيم" شمال القطاع نتيجة نيران الاحتلال. يأتي ذلك بعد يوم دامٍ شهد استشهاد 10 مواطنين مساء أمس، برصاص قوات الاحتلال خلال انتظارهم المساعدات شمال غرب مدينة غزة. ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023، ارتفعت حصيلة الشهداء إلى 59,733، غالبيتهم من الأطفال والنساء، فيما بلغ عدد المصابين 144,477، في حصيلة غير نهائية، إذ ما يزال العديد من الضحايا تحت الأنقاض وفي الشوارع، في ظل تعذّر وصول فرق الإسعاف والإنقاذ إليهم بفعل القصف المتواصل.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store