الشاعر المصري أحمد الشهاوي يتساءل في كتابه السيرذاتي " وصايا الكتابة .. كيف نكتب ولماذا ؟"
عمان – الدستور – عمر أبو الهيجاء
كتاب " وصايا الكتابة ..كيف نكتب ولماذا ؟" للشاعر والكاتب أحمد الشهاوي الصادر حديثا عن الدار المصرية اللبنانية في القاهرة 2025 ميلادية ،هو سيرةٌ ذاتيةٌ لعملية الكتابة وطرائقها تحلُّ كثيرًا من المشكلات التي تواجهُ الشَّاعر والكاتب معًا ،وتجيبُ عن أسئلةٍ كثيرةٍ تواجهُ من يحملُ القلم ،للوصول إلى باب البيت من دُون تعثُّرٍ ،أو ذهاب نحو تيه الأخطاء.
يمُدُّ الكتاب قارئه بأدواتٍ عمليةٍ من شأنها أن ترفع النصَّ وتنقذه من الوقوع في مناطق الارتباك . كما تقدم بيانًا لطبيعة الكاتب الذاتية وقدرته على التحدِّي والتصدِّي في مواجهة ما يعترضه من مشكلاتٍ وهو جالسٌ أمام نصِّه سواء أكان يكتب باليد أم يستخدم الكمبيوتر ، داعيًا كل كاتبٍ إلى مراجعة نصِّه يدويًّا إذا كان قد أنجزه على الكمبيوتر الذي كثيرًا بل دائمًا ما يخدع صاحب الناس واهمًا إياه أنَّ نصَّه كامل لا نقصانَ فيه، ولا يحتاجُ إلى مراجعةٍ أو تحريرٍ أو إعادة كتابة من جديدٍ في بعض أجزائه.
هذا الكتاب الذي يُعدُّ سيرةً لحرف الشَّاعر أحمد الشهاوي على مدى تجربته المُمتدة في الكتابة، يأخذ مُتلقِّيه في خطواتٍ نظريةٍ وعمليةٍ علنيةٍ نحو الدخول إلى عالم الكتابة الرَّحب والمُتعدِّد.
يتناول الكتابُ دوافعَ مؤلفه ومبرِّرات مشروعه الذي ارتأى أنَّ الكُتَّاب العرب صاروا يعتمدون بشكلٍ كبيرٍ على الكتب الأجنبية المترجمة إلى العربية التي تتناول نصائح ووصايا وخطوات الكتابة ،وأغلبها ينتمي إلى كتب "التنمية البشرية" أكثر مما ينتمي إلى الأدب ،ولعل نُقصان المكتبة العربية من هذا النوع من الكتابة قد حفز الشَّاعر والكاتب أحمد الشهاوي ودعاه لأن ينجزَ هذا الكتاب ،واصلا تجارب الأسبقين من الأسلاف مثل: أدب الكاتب؛ لابن قُتيبة، وكتاب الصناعتين لأبي هلال العسكري، والمثل السَّائر في أدب الكاتب والشَّاعر لابن الأثير، وكتاب نقد الشعر لقُدامة بن جعفر، والألفاظ الكتابية للهمذاني ،والرسالة العذراء لأبي اليُسر إبراهيم بن محمد الشيباني، والمنسوبة خطأً لابن المدبر، والبيان والتبيين للجاحظ، ورسالة في مدح الكتب والحثِّ على جمعها للجاحظ أيضًا، والعِقْد الفريد لابن عبد ربه ،وصبح الأعشى للقلقشندي ،وكتاب جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب للهاشمي، وغيرها من الكُتب المؤسِّسة والمؤثِّرة في التراث العربي.
كما أنَّ الشَّاعر والكاتب أحمد الشهاوي رأى أن تجارب رُوَّاد الشِّعر العربي القليلة في كتابة سيَرهم الشعرية ووضعها في كتبٍ خلال النصف الثاني من القرن العشرين لم تتواصل تجاربُهم مع الأجيال الجديدة ،بل إن أغلبها لم يُعَدْ طبعُهُ ،ولعل أشهرها «تجربتي الشعرية» لعبد الوهاب البياتي، و«حياتي في الشعر»،و"على مشارف الخمسين" لصلاح عبد الصبور، و«قصتي مع الشعر»، «من أوراقي المجهولة… سيرة ذاتية ثانية»، و"الشعر قنديلٌ أخضر" لنزار قباني،و«ها أنت أيها الوقت» لأدونيس .
ومن خلال التجربة الشخصية في الكتابة يفتح أحمد الشهاوي نوافذ للتعامل مع الكتابة بمفاهيم جديدةٍ لا تنسَى الإرثَ وفي الوقت نفسه تتواصل مع أحدث تقنيات الكتابة في العالم، وتطرح أسئلة الكتابة وطقوسها، وما وراءها.
ويمكنُ اعتبار سيرة الكتابة من جنس السير الذاتية ، التي هي سردٌ مفتوحٌ عابرٌ للنَّوع، تعني القارئ و الناشئ في الرواية والشعر ،وكذا العارف بدروب الكتابة وشعابها بشكل أكبر، حيثُ يتناول الكتاب مراحل التكوين الشعري والثقافي، وأهمية ونوعية الكُتب في حياة الكاتب ،كاشفًا الكثير من أسرار عملية صناعة الكتابة.
هو عملٌ يتجاوز كونه مجرد دليل تعليمي لفن الكتابة، ليتحول إلى نصٍّ مليء بالفكر والتجربة العميقة حول علاقة الكاتب بالكتابة كفعل إنساني ورُوحي وفكري. حيثُ يقدِّم أحمد الشهاوي رؤيته الخاصة للكتابة كعملية إبداعية تحمل في طياتها معاناة وسعيًا دائمًا نحو التجويد والابتكار.
وينطلق الكتاب من قناعة الكاتب بأن الكتابة ليست مجرد عملية ميكانيكية، بل فعل يستدعي الالتزام، والتأمُّل، والشغف. ويرى أن الكاتب، مهما بلغ من مهارةٍ أو خبرةٍ، يحتاج دائمًا إلى الإرشاد والنصح، تمامًا كأي إنسان يطلب المعرفة في طريقه إلى الكمال الإبداعي.
يتناول الكتاب في طياته أسئلةً جوهريةً مثل: لماذا نكتب؟ وكيف نكتب؟ ويعطي إجابات تجمع بين الفلسفة، الأدب، والتجربة الشخصية. وأن الكتابة ليست مجرد نشاطٍ ذهني، بل فعل يترك أثرًا في الروح والجسد. يصف الكتابة بأنها صراع دائم بين الأمل واليأس، وبين الحلم والإحباط، وأنها تمثل في جوهرها سعيًا مستمرًا للتعبير عن الذات وإيصالها إلى العالم.
ويركِّز الكتاب أيضًا على أهمية القيم الأساسية في الكتابة، مثل الصدق، والإخلاص، والالتزام، والإتقان.
ويؤكد الشهاوي أن الكاتب الحقيقي يجب أن يكون أمينًا مع نفسه ومع قارئه، وألا يكتب فقط بحثًا عن الشهرة أو النجاح السريع، بل ليُقدم للعالم نصُوصًا صادقة تعبر عن تجربة إنسانية عميقة.
كما يُظهر الشهاوي في كتابه أهمية القراءة كجزءٍ من عملية الكتابة. فهو يرى أن الكاتب لا يمكن أن يكونَ منعزلًا عن التراث الإنساني والثقافي، وأن القراءة هي الزاد الذي يُغذي خيال الكاتب ويثري تجربته. الكتابة، وفقًا له، ليست فقط فعل إنتاج، بل نتيجة لعملية تفاعل طويلة بين الكاتب وما يقرؤه ويعيشه.
أحد أبرز نقاط قوة الكتاب هو لغته، حيث يجمع الشهاوي بين الأسلوب الشعري والتأمُّل الفلسفي، مما يجعل الكتاب ليس مجرد دليل تقني، بل عملًا أدبيًا قائمًا بذاته. النصوص مليئة بالحكمة والإلهام، وتُحفز القارئ على التفكير في معنى الكتابة ودورها في الحياة.
وكتاب' وصايا الكتابة' ليس فقط كتابًا عن الكتابة كحرفةٍ، بل هو رحلة روحية وفكرية تدعو القارئ إلى إعادة التفكير في علاقته بالكلمة والإبداع. يقدم الكتاب نصائح ثمينةً لكل من يطمح إلى أن يكون كاتبًا، ولكنه في الوقت نفسه يُذكِّرنا بأن الكتابة ليست مجرد مهنة، بل هي التزامٌ مستمرٌ بالسعي نحو الحقيقة والجمال.
يقول أحمد الشهاوي : "لا أحدَ يُولَدُ تامًّا كاملًا ،فهناك دائمًا نقصٌ يحتاجُ إلى إرشادٍ ينيرُ ،أو توجيهٍ يساعدُ أو وصيةٍ تقُودُ ،أو نصيحةٍ تمهِّدُ مِمَّن خبَرَ وعرَفَ واحترفَ ،والنقصُ بطبيعة الحال يستولي على جُملة البشر، لكنَّ الأهمَّ أن يُدْرِكَ الكاتبُ أو الشَّاعرُ ما ينقصُه ،ويعرف أسرارَ "مهنة الكتابة".
وهذا الكتاب يُقدِّم تجربةً مُهِمَّةً اشتغلَ عليها سنواتٍ من حياتهِ مع الحَرْف، وقدَّم كتابًا جديدًا ومختلفًا وضافيًا ضمَّ مئات الوصايا التي تقُود الكاتبَ أو الشَّاعرَ إلى طريقِ الكتابةِ بسهُولةٍ وسلاسةٍ.
هذا الكتاب يوضِّحُ جُزءًا من الطَّريقِ كي يصلَ قارئه إلى ما يبتغِي ، فالمرء يظلُّ حتَّى آخر العُمرِ يذهبُ إلى الكتابةِ كأنَّهُ يكتبُ للمرَّةِ الأولى ،إنَّها رهبةُ الكتابةِ وقداستها.
أحمد الشَّهاوي يؤكِّد في كتابه هذا "وصايا الكتابة .. كيف نكتبُ ولماذا ؟" أنَّ الكتابةَ الجميلةَ الباقيةَ هي كالحُبِّ تطيلُ العُمرَ ،بل وتُنْقِذُ من الإحباطِ والاكتئابِ والموتِ ،وتُبْقِي عقلَكَ سليمًا من دُون أضرارٍ أو تَلَفٍ ،وتَصْرِفُ نظرَ القاتلِ عن استعمالِ مُسدَّسهِ في وجهِ من اختطفهُ في الظَّلام. الكتابةُ تُغيِّرُ وتُشفِي الرُّوحَ والجسدَ معًا".
ولكي يصيرَ المرءُ كاتبًا جيِّدًا ومُتحقِّقًا ،عليه أن ينتظمَ في دفعِ ضرائبِ الكتابةِ ؛التي ليست مَهَمَّةً سهلةً،وتتمثَّلُ تلك الضَّرائبُ اليوميةُ والأسبوعيةُ والشَّهريةُ والسَّنويةُ المُنتظمةُ في القراءةِ ،والإتقانِ ،والزُّهدِ،والسَّخاءِ ،والإخلاصِ ،والالتزامِ ،والانضباط ،والصَّمتِ ، والعُزلةِ ،والوحدةِ ،والتدقيقِ الدَّائمِ في الذَّات ،والترحالِ داخل وخارج بلدِكَ ،وحبُّ الكتاب قبل حُبِّ الكتابةِ ،والتَّرَوِّي ،والتخلِّي عمَّا يُعطِّل المسيرةَ ،وإعادةُ ما تكتبُ مرَّاتٍ مُتتاليةً ،ومن ضمن ضرائب الكتابةِ قراءة هذا الكتاب.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

الدستور
منذ 5 ساعات
- الدستور
الشاعر المصري أحمد الشهاوي يتساءل في كتابه السيرذاتي " وصايا الكتابة .. كيف نكتب ولماذا ؟"
عمان – الدستور – عمر أبو الهيجاء كتاب " وصايا الكتابة ..كيف نكتب ولماذا ؟" للشاعر والكاتب أحمد الشهاوي الصادر حديثا عن الدار المصرية اللبنانية في القاهرة 2025 ميلادية ،هو سيرةٌ ذاتيةٌ لعملية الكتابة وطرائقها تحلُّ كثيرًا من المشكلات التي تواجهُ الشَّاعر والكاتب معًا ،وتجيبُ عن أسئلةٍ كثيرةٍ تواجهُ من يحملُ القلم ،للوصول إلى باب البيت من دُون تعثُّرٍ ،أو ذهاب نحو تيه الأخطاء. يمُدُّ الكتاب قارئه بأدواتٍ عمليةٍ من شأنها أن ترفع النصَّ وتنقذه من الوقوع في مناطق الارتباك . كما تقدم بيانًا لطبيعة الكاتب الذاتية وقدرته على التحدِّي والتصدِّي في مواجهة ما يعترضه من مشكلاتٍ وهو جالسٌ أمام نصِّه سواء أكان يكتب باليد أم يستخدم الكمبيوتر ، داعيًا كل كاتبٍ إلى مراجعة نصِّه يدويًّا إذا كان قد أنجزه على الكمبيوتر الذي كثيرًا بل دائمًا ما يخدع صاحب الناس واهمًا إياه أنَّ نصَّه كامل لا نقصانَ فيه، ولا يحتاجُ إلى مراجعةٍ أو تحريرٍ أو إعادة كتابة من جديدٍ في بعض أجزائه. هذا الكتاب الذي يُعدُّ سيرةً لحرف الشَّاعر أحمد الشهاوي على مدى تجربته المُمتدة في الكتابة، يأخذ مُتلقِّيه في خطواتٍ نظريةٍ وعمليةٍ علنيةٍ نحو الدخول إلى عالم الكتابة الرَّحب والمُتعدِّد. يتناول الكتابُ دوافعَ مؤلفه ومبرِّرات مشروعه الذي ارتأى أنَّ الكُتَّاب العرب صاروا يعتمدون بشكلٍ كبيرٍ على الكتب الأجنبية المترجمة إلى العربية التي تتناول نصائح ووصايا وخطوات الكتابة ،وأغلبها ينتمي إلى كتب "التنمية البشرية" أكثر مما ينتمي إلى الأدب ،ولعل نُقصان المكتبة العربية من هذا النوع من الكتابة قد حفز الشَّاعر والكاتب أحمد الشهاوي ودعاه لأن ينجزَ هذا الكتاب ،واصلا تجارب الأسبقين من الأسلاف مثل: أدب الكاتب؛ لابن قُتيبة، وكتاب الصناعتين لأبي هلال العسكري، والمثل السَّائر في أدب الكاتب والشَّاعر لابن الأثير، وكتاب نقد الشعر لقُدامة بن جعفر، والألفاظ الكتابية للهمذاني ،والرسالة العذراء لأبي اليُسر إبراهيم بن محمد الشيباني، والمنسوبة خطأً لابن المدبر، والبيان والتبيين للجاحظ، ورسالة في مدح الكتب والحثِّ على جمعها للجاحظ أيضًا، والعِقْد الفريد لابن عبد ربه ،وصبح الأعشى للقلقشندي ،وكتاب جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب للهاشمي، وغيرها من الكُتب المؤسِّسة والمؤثِّرة في التراث العربي. كما أنَّ الشَّاعر والكاتب أحمد الشهاوي رأى أن تجارب رُوَّاد الشِّعر العربي القليلة في كتابة سيَرهم الشعرية ووضعها في كتبٍ خلال النصف الثاني من القرن العشرين لم تتواصل تجاربُهم مع الأجيال الجديدة ،بل إن أغلبها لم يُعَدْ طبعُهُ ،ولعل أشهرها «تجربتي الشعرية» لعبد الوهاب البياتي، و«حياتي في الشعر»،و"على مشارف الخمسين" لصلاح عبد الصبور، و«قصتي مع الشعر»، «من أوراقي المجهولة… سيرة ذاتية ثانية»، و"الشعر قنديلٌ أخضر" لنزار قباني،و«ها أنت أيها الوقت» لأدونيس . ومن خلال التجربة الشخصية في الكتابة يفتح أحمد الشهاوي نوافذ للتعامل مع الكتابة بمفاهيم جديدةٍ لا تنسَى الإرثَ وفي الوقت نفسه تتواصل مع أحدث تقنيات الكتابة في العالم، وتطرح أسئلة الكتابة وطقوسها، وما وراءها. ويمكنُ اعتبار سيرة الكتابة من جنس السير الذاتية ، التي هي سردٌ مفتوحٌ عابرٌ للنَّوع، تعني القارئ و الناشئ في الرواية والشعر ،وكذا العارف بدروب الكتابة وشعابها بشكل أكبر، حيثُ يتناول الكتاب مراحل التكوين الشعري والثقافي، وأهمية ونوعية الكُتب في حياة الكاتب ،كاشفًا الكثير من أسرار عملية صناعة الكتابة. هو عملٌ يتجاوز كونه مجرد دليل تعليمي لفن الكتابة، ليتحول إلى نصٍّ مليء بالفكر والتجربة العميقة حول علاقة الكاتب بالكتابة كفعل إنساني ورُوحي وفكري. حيثُ يقدِّم أحمد الشهاوي رؤيته الخاصة للكتابة كعملية إبداعية تحمل في طياتها معاناة وسعيًا دائمًا نحو التجويد والابتكار. وينطلق الكتاب من قناعة الكاتب بأن الكتابة ليست مجرد عملية ميكانيكية، بل فعل يستدعي الالتزام، والتأمُّل، والشغف. ويرى أن الكاتب، مهما بلغ من مهارةٍ أو خبرةٍ، يحتاج دائمًا إلى الإرشاد والنصح، تمامًا كأي إنسان يطلب المعرفة في طريقه إلى الكمال الإبداعي. يتناول الكتاب في طياته أسئلةً جوهريةً مثل: لماذا نكتب؟ وكيف نكتب؟ ويعطي إجابات تجمع بين الفلسفة، الأدب، والتجربة الشخصية. وأن الكتابة ليست مجرد نشاطٍ ذهني، بل فعل يترك أثرًا في الروح والجسد. يصف الكتابة بأنها صراع دائم بين الأمل واليأس، وبين الحلم والإحباط، وأنها تمثل في جوهرها سعيًا مستمرًا للتعبير عن الذات وإيصالها إلى العالم. ويركِّز الكتاب أيضًا على أهمية القيم الأساسية في الكتابة، مثل الصدق، والإخلاص، والالتزام، والإتقان. ويؤكد الشهاوي أن الكاتب الحقيقي يجب أن يكون أمينًا مع نفسه ومع قارئه، وألا يكتب فقط بحثًا عن الشهرة أو النجاح السريع، بل ليُقدم للعالم نصُوصًا صادقة تعبر عن تجربة إنسانية عميقة. كما يُظهر الشهاوي في كتابه أهمية القراءة كجزءٍ من عملية الكتابة. فهو يرى أن الكاتب لا يمكن أن يكونَ منعزلًا عن التراث الإنساني والثقافي، وأن القراءة هي الزاد الذي يُغذي خيال الكاتب ويثري تجربته. الكتابة، وفقًا له، ليست فقط فعل إنتاج، بل نتيجة لعملية تفاعل طويلة بين الكاتب وما يقرؤه ويعيشه. أحد أبرز نقاط قوة الكتاب هو لغته، حيث يجمع الشهاوي بين الأسلوب الشعري والتأمُّل الفلسفي، مما يجعل الكتاب ليس مجرد دليل تقني، بل عملًا أدبيًا قائمًا بذاته. النصوص مليئة بالحكمة والإلهام، وتُحفز القارئ على التفكير في معنى الكتابة ودورها في الحياة. وكتاب' وصايا الكتابة' ليس فقط كتابًا عن الكتابة كحرفةٍ، بل هو رحلة روحية وفكرية تدعو القارئ إلى إعادة التفكير في علاقته بالكلمة والإبداع. يقدم الكتاب نصائح ثمينةً لكل من يطمح إلى أن يكون كاتبًا، ولكنه في الوقت نفسه يُذكِّرنا بأن الكتابة ليست مجرد مهنة، بل هي التزامٌ مستمرٌ بالسعي نحو الحقيقة والجمال. يقول أحمد الشهاوي : "لا أحدَ يُولَدُ تامًّا كاملًا ،فهناك دائمًا نقصٌ يحتاجُ إلى إرشادٍ ينيرُ ،أو توجيهٍ يساعدُ أو وصيةٍ تقُودُ ،أو نصيحةٍ تمهِّدُ مِمَّن خبَرَ وعرَفَ واحترفَ ،والنقصُ بطبيعة الحال يستولي على جُملة البشر، لكنَّ الأهمَّ أن يُدْرِكَ الكاتبُ أو الشَّاعرُ ما ينقصُه ،ويعرف أسرارَ "مهنة الكتابة". وهذا الكتاب يُقدِّم تجربةً مُهِمَّةً اشتغلَ عليها سنواتٍ من حياتهِ مع الحَرْف، وقدَّم كتابًا جديدًا ومختلفًا وضافيًا ضمَّ مئات الوصايا التي تقُود الكاتبَ أو الشَّاعرَ إلى طريقِ الكتابةِ بسهُولةٍ وسلاسةٍ. هذا الكتاب يوضِّحُ جُزءًا من الطَّريقِ كي يصلَ قارئه إلى ما يبتغِي ، فالمرء يظلُّ حتَّى آخر العُمرِ يذهبُ إلى الكتابةِ كأنَّهُ يكتبُ للمرَّةِ الأولى ،إنَّها رهبةُ الكتابةِ وقداستها. أحمد الشَّهاوي يؤكِّد في كتابه هذا "وصايا الكتابة .. كيف نكتبُ ولماذا ؟" أنَّ الكتابةَ الجميلةَ الباقيةَ هي كالحُبِّ تطيلُ العُمرَ ،بل وتُنْقِذُ من الإحباطِ والاكتئابِ والموتِ ،وتُبْقِي عقلَكَ سليمًا من دُون أضرارٍ أو تَلَفٍ ،وتَصْرِفُ نظرَ القاتلِ عن استعمالِ مُسدَّسهِ في وجهِ من اختطفهُ في الظَّلام. الكتابةُ تُغيِّرُ وتُشفِي الرُّوحَ والجسدَ معًا". ولكي يصيرَ المرءُ كاتبًا جيِّدًا ومُتحقِّقًا ،عليه أن ينتظمَ في دفعِ ضرائبِ الكتابةِ ؛التي ليست مَهَمَّةً سهلةً،وتتمثَّلُ تلك الضَّرائبُ اليوميةُ والأسبوعيةُ والشَّهريةُ والسَّنويةُ المُنتظمةُ في القراءةِ ،والإتقانِ ،والزُّهدِ،والسَّخاءِ ،والإخلاصِ ،والالتزامِ ،والانضباط ،والصَّمتِ ، والعُزلةِ ،والوحدةِ ،والتدقيقِ الدَّائمِ في الذَّات ،والترحالِ داخل وخارج بلدِكَ ،وحبُّ الكتاب قبل حُبِّ الكتابةِ ،والتَّرَوِّي ،والتخلِّي عمَّا يُعطِّل المسيرةَ ،وإعادةُ ما تكتبُ مرَّاتٍ مُتتاليةً ،ومن ضمن ضرائب الكتابةِ قراءة هذا الكتاب.

الدستور
منذ 5 ساعات
- الدستور
الشاعرتان بسيسو والرواشدة تنشدان لجنين والحياة والحب والإنسان
المفرق – الدستور – عمر أبو الهيجاء نظم "بيت الشعر" بالمفرق أمسية شعرية مساء أمس، للشاعرتين: رنا بسيسو ونور الرواشدة، أدار مفرداتها الشاعر الدكتور ماجد العبلي الذي اشاد بمبادرات سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي بفتح بيوت للشعر في الوطن العربي وكذلك رعايته للثقافة والمبدع وتكريمهم، ومن قدم د. العبلي ضيفتا الأمسية، بحضور مدير البيت الأستاذ فيصل السرحان وجمع من المثقفين والأدباء والمهتمين. الشاعرة رنا بسيسو استهلت القراءة الأولى قرأت مجموعة من قصائدها، وهي حاصلة على بكالوريوس اللغة العربية وآدابها بتقدير امتياز، وعلى درجة الماجستير في النقد والأدب تقدير امتياز، وانهت مساق الدكتوراه بتقدير امتياز، و أمينة سر دارة الشعراء الأردنيين، وعضو في أكثر من هيئة ثقافية، أصدرت ديوان شعري بعنوان: "مثنويات ..أنت وأنا"، ولها مخطوط شعري بعنوان: "أشواك الحرير" و آخر مخطوط نثري بعنوان" "للحرير لحنٌ لم تسمعه بعد". استحضرت في قصائدها توجعات الجرح الفلسطيني، فكانت جنين حاضرة وعذبات غزة بلغة معبرة عن القضايا الإنسانية والعربية. فمن قصيدتها "جنين" نختار منها: "جنين يا سورة الأمجاد رتلها في كل فرضٍ لَنا وِرْدٌ مِنَ السُّنَنِ جنين يا قصَّةَ العَلْياءِ نَسْرُدُها لكلِّ جيلٍ مِنَ الْأَجْيَالِ فِي المِحَنِ بِحَجْمٍ كَفَّ يَدي عصفورةٌ وثَبَتْ يَهابُها سِربُ غِرْبَانٍ غَزَا وَطَنِي كأَنَّ جُنْدَ السَّمَاءِ مِنْ يُؤَازِرُها جُندِيَّةٌ خطوها ترنيمة الأُذُنِ أشبالُها جُسُرٌ أرواحُهُم دُسُرٌ فِي وَجْهِ مُغْتَصِبٍ قَدْ عَاثَ فِي مُزُني صمودها شَمَمٌ يروي لنا قِمَمًا ما خطَّها قَلَمُ التَّاريخ فِي زَمَنِي نسائم من سَنا الفِردَوسِ نَرشُفُها بشائِرًا أَشْرَقَتْ فِي وَجْهِهَا الْحَسَنِ". فيما قرأت نور الرواشدة مجموعة من قصائد الإنسانية، وهي شاعرة وكاتبة مسرحيّة. عضو رابطة الكتّاب الأردنيين. وعضو اللجنة الثقافية (تقييم الأعمال المسرحية) في مهرجان صيف الزرقاء المسرحي العربي في عدة دورات وعملت مساعد مخرج في ثلاث أعمال مسرحية. - لها ديوان شعر بعنوان "سيرة أمنية" عام 2015 - مجموعة مسرحية بعنوان ضلع أعوج، مونودراما عام 2017 من قصيدتها "من علمك" تقول فيها: "مَن علّمكْ و بغير أسلحة الكلامِ بأن تطاردَ حرقةً في صدر صحراء تَسنبلَ في الوريدِ سرابُها فتفجرت عيناك صمتا كي يوثّق منطقكْ؟ من علمكْ ؟! من علّم النظرات ِ موسقة العناقِ على ارتعاشات القبلْ؟ .. و أذاب فيها قسوةَ الأحداقِ ملحمةَ الصدودِ على امتناعات الخجلْ؟ ... من عَلّمَكْ؟ أنَّ الشِفاهَ قصيدةٌ لَمْ يُغوِهَا بَحرٌ سِواكْ؟ أنّ الملامِحَ في الغروبِ تسلّلتْ شفقاً تفرّد في سمَاكْ؟ ليلٌ طويلٌ في الرؤى قدرٌ يقدُّ الصمتَ يكتبُني إليكَ ويمتطيْ شغفَ النوارسِ حَرفُهُ فاحمل غيابك للبقاءِ أنا هناكْ إن كُنتَ في غارِ الفراغِ أتتْ إليكَ الروحُ عاريةً ألآ فاقرأ ودثّرْ في فؤادكَ ما دعاكْ مطرٌ ودمعٌ واحتمالٌ شـــدَّ قلبيْ للهلاكْ ودمُ الشموع قريحةٌ للحبُّ إذ تغشى الظلامَ فيشتهيكَ الفجرُ مُعتنقاً نداكْ فاكتبْ لقافيةِ الوجودِ صعودَنا واهبطِ فعرشُكَ ناهدٌ في القيدِ يسفرُ لهفةً ويعجُّ شوقًا يهتدي لقطافِ وجدٍ في بعيدكَ لم يعدْ يروي اعتناقْ.. إن سرّكَ المعنى فعدْ للوصلِ قافيـــة تشكِّلُها يداكْ".

الدستور
منذ يوم واحد
- الدستور
"خريطة تحترق" للشاعر السوري جعفر العلوني.. قصائد عن ذات عربية مأزومة
عمان – الدستور – عمر أبو الهيجاء صدر حديثاً عن دار الساقي في بيروت ديوان "خريطة تحترق" للشاعر والمترجم السوري جعفر العلوني، المقيم في إسبانيا، وهو عمل شعري ينتقل بين الأساليب والتقنيات والموضوعات، مقدِّماً صورة بانورامية لذات عربية مأزومة تعيش في عالم يلتهب النص الافتتاحي "صديق الموت"، يضع العلوني قارئه في مواجهة مباشرة مع فكرة العبور من الحياة إلى الحافة، حيث لا مكان للانتماء إلا في القصيدة، ولا زمن إلا ما تصنعه اللغة. يقول: "أعيشُ حياةً لا تستطيع الحياةُ أن تحيا فيها... وحدهُ الشعرُ كشفَ خطواته." القصيدة هنا ليست تعبيراً فحسب، بل وسيلة إنقاذ، ومخرجاً للطوارئ. ويتّخذ العلوني من التنقّل والهجرة رمزاً للتشظّي، ومن الرحلة مجازاً للتعبير عن الذات العربية المشتّتة، التي لا تسكن إلا الخرائط أو القصائد. يقول: "رجل المسافات جاءَ متعباً من كثرة الموت على كتفه / جاء متعباً من ثقل الحياة في صدره / ها أنا، رجل المسافات، أعود من حيث لا عودة / لا وقت له، لا مكان، لا قلب، ولا دم." في القسم الثاني من الديوان، "توقعات الأبراج للإنسان العربي"، يدخل العلوني تجربة هجائية كونية ذات طابع رمزي، حيث يتحوّل كل برج من الأبراج الفلكية إلى استعارة كاشفة عن البنية السياسية والاجتماعية للعالم العربي. هنا لا نجد قراءة في الطالع بقدر ما نقرأ واقعاً مفتّتاً: برج الحمل يتحوّل إلى ذبيحة أبدية على موائد الحكام، والثور يُستدرج إلى حلبة صراع لا تنتهي، بينما تتعطّل أعضاء برج الجوزاء كأن الشلل أصاب الأمة كلها، والعذراء تعيش على هامش جسدها كرمز لأنوثة مكبوتة أو مهدورة. هذه النصوص ليست ساخرة بقدر ما هي مرآة دامية تعكس الواقع العربي المأساوي، وقد اختار الشاعر تقديمها في شكل فني غير مباشر، يستعير فيه لغة التنجيم ليمارس فعلاً نقدياً صارخاً. أما القسم الثالث، "هكذا أروي حياتي لنفسي"، فيقدّم نمطاً مغايراً في البناء والتوجّه. فيه ينكسر الزمن كما يكسره الطاغية، فلا تتبع القصائد ترتيباً كرونولوجياً أو سردياً، بل تتناثر على هيئة شذرات تشبه النصوص اليومية، والاعترافات، والمونولوجات الداخلية. وهذه ليست مجرّد تجزئة شكلية، بل تعبير عميق عن تفكك الذات نفسها، وعن العيش في منفى وجودي دائم، حتى داخل اللغة الأم. يُلفت في نصوص الكتاب حضور أنثوي طيفي، لا يتجسّد في صورة امرأة، بل كصوت داخلي، أو احتمال للحياة. هذا الحضور الأنثوي يتكرّر، يتلوّن، ويتنقّل من دور إلى آخر: تارةً يظهر في صورة هاجس، وتارةً أخرى في شكل سؤال. وفي أحيان كثيرة، يتجسّد في صورة امرأة لا تُمسك، لكنها تفرض نفسها كآخر خفي في رحلة السقوط والصعود معاً. في القسم الأخير، "تحولات آلية"، يبلغ الديوان ذروة التجريب اللغوي والمضموني. هنا نقرأ قصائد ميتاشعرية تمزج بين اللغة الشعرية والمفاهيم التقنية، لتعيد طرح سؤال الإنسان في زمن ما بعد الحداثة. الجسد يتفكك، الحواس تتحوّل إلى إشارات كهربائية، والحب يختبر حدوده في عالم رقمي. تتحول الحبيبة إلى واجهة إلكترونية، ويغدو الشاعر ذاته شيفرة. في هذا السياق، لا يعود السؤال: "من نحن؟" بل: "هل لا نزال بشراً، أم أننا أصبحنا نسخاً رقمية؟" يمثل هذا القسم تأملاً شعرياً فيما يمكن تسميته "مصير الكائن" حين ينفصل عن طبيعته العضوية ويصبح جزءاً من آلة أكبر. ويُذكر أن جعفر العلوني شاعر ومترجم سوري مقيم في إسبانيا. من ترجماته إلى العربية: "الجمالية في الفكر الأندلسي" (2024)، "شاعر من تشيلي" (2022)، و"تجريد الفن من النزعة الإنسانية" (2013). من ترجماته إلى الإسبانية: "ديوان الشاعرات العربيات المعاصرات" (2017)، "أول الجسد آخر البحر" (2021)، "بين الثابت والمتحوّل" (2023)، و"أدونياد" (2023).