logo
لماذا الجهر بالدعاء في الأقصى يخيف إسرائيل؟

لماذا الجهر بالدعاء في الأقصى يخيف إسرائيل؟

الجزيرة١١-٠٥-٢٠٢٥

مع عمليات التجويع والقتل المنهجية التي تقوم بها إسرائيل في قطاع غزة أمام نظر العالم، وانشغال الرأي العام العالمي بمتابعتها، يعمل الاحتلال على تمرير تصعيده في ملفات أخرى ساخنة في الساحة الفلسطينية دون أن ينتبه العالم لخطورة ما يجري، حتى إذا انتهت الحرب في غزة فوجئنا بواقع جديد في مواقع أخرى بعيدة عن القطاع.
ولعل أبرز المواقع التي يحدث فيها ذلك الآن هو المسجد الأقصى المبارك.
فالاحتلال يعمل دون كلل يوميًا على إدخال تغييرات جوهرية في الوضع القائم في المسجد الأقصى وصناعة واقع جديد على الأرض؛ استغلالًا للصدمة التي ما زال العالم كله – ناهيك عن الشعب الفلسطيني – يعيشها مع مشاهد المجازر الكارثية في غزة.
وآخر هذه الخطوات التي أقدم عليها الاحتلال نهاية شهر أبريل/ نيسان الماضي منع أي ذكر لاسم (غزة) في المسجد الأقصى سواء في خطب الجمعة أو الدعاء أو غيرها، وهو ما ينبئ بتقدم الاحتلال نحو كارثة قادمة على جميع المستويات في المسجد الأقصى.
يأتي هذا الأمر ضمن خطوات متصاعدة مضى بها الاحتلال بشكل متدرج خلال العشرين عامًا الماضية، وتصاعدت بشكل حاد جدًا خلال العامين الأخيرين، حيث رسخت سلطات الاحتلال نفسَها مع نهاية عام 2023 شريكًا حقيقيًا في إدارة شؤون المسجد الأقصى، بعد أن انتزعت من إدارة الأوقاف الإسلامية، الحصريةَ الإسلاميةَ لإدارة شؤونه، وها هي اليوم تنتقل لمرحلة الهيمنة على إدارة شؤون المسجد الأقصى، وتحقيق سيادة كاملة عليه.
ولكن هناك حقيقة ينبغي الاعتراف بها، وعدم التهرب من مسؤوليتها في هذا الجانب، وهي وجود نهج تنازليّ من قِبَلِ الجهات الرسمية والشعبية أمام إجراءات الاحتلال؛ بحجة عدم الاصطدام معه، وعدم إعطائه "ذرائع" للتدخل بعنف في شؤون المسجد!
ففي عام 2003، وبعد ثلاث سنوات من قرار إدارة الأوقاف الإسلامية منع دخول غير المسلمين إلى المسجد الأقصى عقب اندلاع انتفاضة الأقصى، قرر الاحتلال بشكل منفصل فتح باب المغاربة لإدخال المستوطنين والسياح من غير المسلمين إلى المسجد، دون تنسيق مع دائرة الأوقاف أو موافقة منها. ولم يواجه الاحتلال في ذلك الوقت أكثر من الاحتجاج الشفوي غير العملي.
وبعد عشر سنوات من تطبيع هذا الأمر الذي أصبح واقعًا عمليًا، وجدنا الاحتلال يستحدث حوالي العام 2010 عقوبة المنع من دخول المسجد الأقصى فترات محددة أولًا بحق الناشطين المعروفين في الأقصى، وعندما لم يجد رد فعل حقيقي صعّدَ الأمر ليشمل المسؤولين في دائرة الأوقاف الإسلامية نفسها، بل وازداد الأمر سوءًا حين وصل إلى درجة إبعاد أعلى شخصية رسمية إسلامية في القدس عن المسجد الأقصى عام 2019، وهو الشيخ عبد العظيم سلهب رئيس مجلس الأوقاف الإسلامية.
ومع الزمن أصبح أغلب حراس وسدنة المسجد الأقصى الذين يصدر عنهم أي حركة تصنف على أنها "إزعاج" للمستوطنين، ممنوعين من دخول المسجد.
ومع استمرار الصمت على ذلك، بدأ الاحتلال يتدخل في تعيينات الحراس والموظفين والمديرين في المسجد الأقصى بإعلان رفضه تعيين شخص ما في وظيفة معينة في المسجد الأقصى، والتهديد بمنع دخوله للمسجد.
ولم يكتفِ الاحتلال بالتدخلات في الإدارة فقط، ففي مجال الفضاء العام للمسجد الأقصى، وبعد أن كان دخول المستوطنين إلى المسجد يتم بصفتهم سياحًا وبوجود مراقبين من حرس المسجد الأقصى، مع إبعاد أي شخص يفتح فمه أو يحاول التلفظ بأي صلوات أو أداء أي طقوس دينية داخل المسجد الأقصى، تضاعفت أعداد المستوطنين وطريقة لباسهم وحركاتهم شيئًا فشيئًا دون رد فعل حقيقي، باستثناء هبّة القدس عام 2015، والتي كان يمكن أن ينتج عنها تراجعٌ إسرائيليٌ كاملٌ، لولا تدخل الإدارة الأميركية الذي أدى إلى اعتراف عربي رسمي بتغيير خطير في الوضع القائم في المسجد الأقصى، عندما أعلن وزير الخارجية الأميركية آنذاك جون كيري أن الوضع القائم في الأقصى يتضمن أن "للمسلمين حق الصلاة في المسجد الأقصى، ولليهود حق الزيارة"، فأعطِيَ المستوطنون "حقًا" للزيارة لأول مرة في التاريخ الحديث، بعد أن كانت زياراتهم تعد انتهاكًا وتتم دون وجه حق.
هذا ما أعطى الاحتلال دفعةً معنويةً كبيرةً جعلته يفرض التقسيم الزماني بين المسلمين واليهود الذي بدأ بمحاولة فرضه عام 2015، حتى وصل الأمر خلال عام 2022 إلى منع المسلمين من دخول المسجد الأقصى في غير أوقات الصلاة، وتحديدًا في الأوقات التي يوجد فيها المستوطنون داخل المسجد خلال اقتحاماتهم اليومية.
وكالعادة لم يكن هناك أي رد فعل رسمي على هذا الأمر. ليتطور الأمر وسط عام 2023 ويطرح عضو الكنيست عن الليكود (عميت هاليفي) لأول مرة مقترحًا في الكنيست لتقسيم المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود.
وبالرغم من أن أحداث الحرب الحالية على قطاع غزة كان يفترض بها أن تؤدي لإبطاء التقدم الإسرائيلي في الأقصى بسبب الانشغال بالحرب، وجدنا وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير يتقدم خطوات واسعةً داخل المسجد الأقصى مستغلًا صدمة الترويع التي أحدثتها المجازر الإسرائيلية في قطاع غزة، فأعلن السماح للمستوطنين بإقامة طقوسهم الدينية كافةً بشكل علني داخل المسجد الأقصى، ليتحول الوجود اليهودي داخل المسجد إلى وجود صلوات وعبادة لا زيارة كما كانت تفاهمات كيري عام 2015.
ولم تلقَ هذه الخطوة الخطيرة أي رد فعل رسمي أو شعبي! وأغرى هذا الصمت الحكومة الإسرائيلية فصارت تتدخل حتى في تعريف المسلمين، وبدأت شرطة الاحتلال تستبعد غير الفلسطينيين مثل البريطانيين والكنديين وتمنعهم من الدخول للصلاة بحجة أنهم "سياح" ينبغي أن يدخلوا في غير أوقات صلاة المسلمين!
والآن، ومع الصمت على التدخل في شأن المصلين، بدأ الاحتلال يتدخل في الصلاة نفسها، فيرسل إلى إدارة الأوقاف الإسلامية أمرًا بمنع الدعاء لغزة في المسجد الأقصى أو ذكر اسم "غزة" في خطب الجمعة داخل المسجد، وهذا يعني أن الاحتلال لم يعد شريكًا في إدارة المسجد فقط، بل أصبح صاحب اليد العليا، حيث صار يتدخل في صلب الدين الإسلامي.
والمصيبة هنا هي الاستجابة العملية التي رأيناها بالرغم من الرفض الرسمي لهذه الأوامر، فلم يذكر اسم غزة في خطب الجمعة بالمسجد الأقصى ولا حتى عند الدعاء في ثلاث جُمعات حتى الآن، واكتفى الخطباء بإشارات عامة مبهمة، وذلك بعد أن هدد الاحتلال أي خطيب يذكر اسم غزة بالمنع من دخول المسجد الأقصى، وبغرامة مالية تصل إلى حوالي 1500 دولار أميركي، وكان الأصل الرد بتوجيه الخطباء إلى ضرورة ذكر اسم غزة في الخطب بشكل استثنائي، لا لشيء إلا لأن الاحتلال أمر بعدم ذكر غزة.
هذا النهج في اختيار عدم مواجهة الاحتلال، بحجة عدم تأزيم الموقف في المسجد الأقصى، يكرس مشكلةً كبيرةً تتمثل في التعامل التقليدي مع المسجد الأقصى بمعزل عن وجود الاحتلال نفسه، ومحاولة التعامي عن واقع وجود الاحتلال أولًا، وعن مشروع الاحتلال في الأقصى ثانيًا، وحصرِ الوجود الإسلامي في إقامة الطقوس الدينية بأسلوب تقليدي بعيد عن الواقع.
وهذا خطأ كبير، لأنه يعني عدم وجود مشروع لدى الجهات الرسمية العربية في التعامل مع المسجد الأقصى، في مقابل وجود مشروع يخصّ المسجد لدى الاحتلال.
المسجد الأقصى ليس "جامعَ الحي" حتى نتعامل معه بأسلوب التنازلات خوفًا من منع الخطباء أو عدم إقامة الجمعة، بل هو شقيق الحرمين الشريفين ويخص جميع المسلمين على وجه الأرض، ولذلك فالتعامل معه يختلف عن غيره، وما يمكن أن نقبله في غيره من المساجد لا نقبله فيه.
وهذا ما فهمه الشيخ عبد الحميد السائح عام 1967 عندما رفض تدخل وزارة الأديان الإسرائيلية في شؤون الأقصى، وأعلن شعاره الشهير؛ "لا صلاة تحت الحِراب" حتى نجح ومن معه من المشايخ في إبعاد الاحتلال عن إدارة المسجد.
ولو سكتنا على ما يجري حاليًا فإن الاحتلال سيطور تدخلاته ليتدخل في تحديد الصلوات المسموحة والممنوعة، ويغير شكل الصلاة في الأقصى، ثم سيتشجع لخطوة التقسيم المكاني التي طال انتظارها.
إن منع الدعاء لغزة أو ذكر اسمها في المسجد الأقصى المبارك يهدف لإخراج الأقصى من معادلة الصراع الحالي نهائيًا وفصله عن بقية الأراضي الفلسطينية، وهذا خطير جدًا؛ لأن الحراك الفلسطيني برمته على مدار خمسة وعشرين عامًا كان دائمًا يتمحور حول المسجد الأقصى، بدءًا من انتفاضة الأقصى عام 2000 حتى عملية طوفان الأقصى عام 2023.
كما أن هذا الإجراء يهدف كذلك لفصل غزة تمامًا عن ضمير المجتمع الفلسطيني، وتكريس تقسيم الفلسطينيين إلى كانتونات، والاستفراد بغزة في الوقت الحالي.
إن الحل الوحيد لمعضلة المسجد الأقصى اليوم هو التأزيم، فماذا لو مُنِعَ جميع الخطباء من الدخول للأقصى لصلاة الجمعة وأعلنت دائرة الأوقاف الإسلامية عدم وجود خطباء للمسجد لإقامة صلاة الجمعة؟
إن هذا الأمر سيخلق أزمة في القدس، والتأزيم هو الطريق للحل. بل كان الحل الوحيد في عدة محطات تأزيمية في تاريخ المسجد الأقصى الحديث، كما حدث في هبة باب الأسباط عام 2017 عندما رفض المقدسيون وإدارة الأوقاف دخول المسجد الأقصى من البوابات الإلكترونية وإغلاق باب حطة، وكذلك في هبة باب الرحمة عام 2019 عندما أصر المقدسيون وإدارة الأوقاف على فتح باب الرحمة للصلاة.
ولولا ذلك لبقيت البوابات الإلكترونية، ولكان باب حطة اليوم مغلقًا، ولكان باب الرحمة الآن كنيسًا أو خارج أيدي المسلمين مثل باب المغاربة والخلوة الجنبلاطية (مخفر الشرطة) في ساحة قبة الصخرة.
لا بدّ من رفع الصوت الشعبي وتأزيم القضية، فالدعاء لغزة بالاسم هو أقل الواجب بعد هذا الخذلان الكبير، والقضية ليست بسيطة، ولو تنازلنا اليوم مرةً أخرى فسننكسر في الأقصى في النهاية، وهذه المشكلة ليس لها إلا حل واحد: مناكفةُ الاحتلال بالدعاء لغزة وذكرُها بالاسم مهما كانت الضغوط؛ وإذا كان ثمن الدعاء لغزة أزمةً في القدس فليكن.. فقد تخاذلنا بما فيه الكفاية.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ترحيب فلسطيني واستياء إسرائيلي من بيان قادة بريطانيا وفرنسا وكندا
ترحيب فلسطيني واستياء إسرائيلي من بيان قادة بريطانيا وفرنسا وكندا

الجزيرة

timeمنذ 6 ساعات

  • الجزيرة

ترحيب فلسطيني واستياء إسرائيلي من بيان قادة بريطانيا وفرنسا وكندا

رحبت الرئاسة الفلسطينية وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالبيان المشترك الصادر عن قادة بريطانيا وفرنسا وكندا، والذي دعا إسرائيل إلى وقف حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة ولوح باتخاذ إجراءات ضد تل أبيب إذا لم توقف حرب. في حين انتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو البيان واعتبره جائزة كبرى لهجوم السابع من أكتوبر /تشرين الأول 2023 على حد وصفه. ونقلت وكالة الأنباء الرسمية الفلسطينية (وفا) عن الرئاسة وصفها لبيان القادة بالشجاع وقولها إنه ينسجم مع موقفها الداعي إلى إنقاذ وتنفيذ حل الدولتين، والوقف الفوري للعدوان، وإطلاق سراح المحتجزين والأسرى، وانسحاب قوات الاحتلال من غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية، ومنع التهجير. واعتبرت الموقف بمثابة دعوة من المجتمع الدولي لوقف العدوان المتواصل على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس. وجددت الرئاسة الفلسطينية تأكيدها على ضرورة تولي دولة فلسطين المسؤولية المدنية والأمنية في قطاع غزة. كما رحب حسين الشيخ نائب الرئيس الفلسطيني، على حسابه بمنصة إكس، بالبيان داعيا الدول الثلاث إلى الاعتراف بدولة فلسطين. من جانبها قالت حركة حماس في بيان، إنها ترحب بالبيان المشترك "الذي عبّر عن موقف مبدئي رافض لسياسة الحصار والتجويع التي تنتهجها حكومة الاحتلال الفاشي ضد أهلنا في قطاع غزة، وللمخططات الصهيونية الرامية إلى الإبادة الجماعية والتهجير القسري". واعتبرت الحركة هذا الموقف خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح نحو إعادة الاعتبار لمبادئ القانون الدولي، التي سعت حكومة نتنياهو إلى تقويضها والانقلاب عليها. ودعت حماس إلى ترجمته بشكل عاجل إلى خطوات عملية فاعلة تردع الاحتلال، وتضع حدا للمأساة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة. وناشدت الحركة الدول العربية والإسلامية، والاتحاد الأوروبي، وسائر دول العالم الحر، إلى التحرك العاجل واتخاذ مواقف حازمة وإجراءات ملموسة "لوقف العدوان الصهيوني الهمجي، ولجم جرائم الاحتلال المتواصلة". وطالبت حماس بمحاسبة إسرائيل، ومعاقبة قادتها كمجرمي حرب، بما يضمن حماية المدنيين، ووضع حد للاحتلال وحرب الإبادة والتطهير العرقي التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. في المقابل قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن قادة بريطانيا وكندا وفرنسا يقدمون ما سماه جائزة كبرى لهجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول من خلال مطالبة إسرائيل بإنهاء حربها على غزة على حد زعمه. بيان القادة الغربيين وفي وقت سابق هدد قادة فرنسا وبريطانيا وكندا أمس الاثنين في بيان مشترك باتخاذ إجراءات ضد إسرائيل إذا لم توقف حرب الإبادة الجماعية التي تشنها على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. وقال القادة في بيانهم "سنتخذ إجراءات إذا لم توقف إسرائيل هجومها بغزة وترفع القيود عن المساعدات". وقال القادة "نعارض بشدة توسيع العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، إن مستوى المعاناة الإنسانية في غزة لا يطاق". ونص البيان على أنه "إذا لم توقف إسرائيل هجومها العسكري الجديد وترفع القيود التي تفرضها على المساعدات الإنسانية، فإننا سوف نتخذ خطوات ملموسة أخرى ردا على ذلك". وشدد البيان على رفض توسيع المستوطنات في الضفة الغربية". وأضاف "قد نتخذ إجراءات بينها العقوبات". وأكد أن رفض إسرائيل تقديم المساعدات الأساسية للمدنيين في غزة غير مقبول. وطالب القادة الغربيون إسرائيل بوقف عملياتها العسكرية في غزة والسماح الفوري بدخول المساعدات. وجاء في البيان أن إعلان إسرائيل السماح بدخول كمية ضئيلة من الغذاء إلى غزة غير كاف على الإطلاق. وجاءت هذه التطورات بعدما أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي أول أمس الأحد إطلاق عملية برية في عدة مناطق داخل قطاع غزة في إطار بدء ما سماها عملية عربات جدعون، في تصعيد خطير ضمن حرب الإبادة المتواصلة على القطاع منذ 20 شهرا. ومنذ الثاني من مارس/آذار الماضي، تواصل إسرائيل سياسة تجويع ممنهج لنحو 2.4 مليون فلسطيني بغزة، عبر إغلاق المعابر بوجه المساعدات المتكدسة على الحدود، ما أدخل القطاع مرحلة المجاعة وأودى بحياة كثيرين. وفي وقت سابق أمس الاثنين، توعد وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، بتجويع وتدمير ما تبقى من قطاع غزة، وتهجير الفلسطينيين من جنوبه. وبدعم أميركي ترتكب إسرائيل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 جرائم إبادة جماعية في غزة خلّفت أكثر من 174 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، بجانب مئات آلاف النازحين.

ما دلالة تزايد أعمال المقاومة وفشل عملية الاحتلال؟ الدويري يجيب
ما دلالة تزايد أعمال المقاومة وفشل عملية الاحتلال؟ الدويري يجيب

الجزيرة

timeمنذ 8 ساعات

  • الجزيرة

ما دلالة تزايد أعمال المقاومة وفشل عملية الاحتلال؟ الدويري يجيب

قال الخبير العسكري والإستراتيجي اللواء المتقاعد فايز الدويري إن تزايد عمليات المقاومة الفلسطينية ضد قوات الاحتلال في قطاع غزة أمر متوقع في هذه المرحلة من الحرب، مع بدء جيش الاحتلال الإسرائيلي التوغل بعملية عربات جدعون إلى عمق المناطق المبنية. وأضاف أن طبيعة هذه المرحلة تفرض على فصائل المقاومة اعتماد تكتيكات الكرّ والفرّ، من خلال نصب كمائن مركبة تشمل الاستطلاع، والاستدراج، ثم تفجير العبوات الناسفة والألغام، واستخدام الأسلحة القصيرة مثل "التاندوم" و"الياسين"، يليها الاشتباك المباشر ثم الانسحاب إلى العقد القتالية في الأنفاق أو المباني المدمرة. وشدد في تحليل للمشهد العسكري في قطاع غزة على أن هذه الكمائن لن تكون الأولى ولن تكون الأخيرة، متوقعا تكرارها خلال الأيام المقبلة في مختلف مناطق قطاع غزة، في ظل ما سماه "ديناميكية المقاومة" التي تتطور وفق قدراتها المتاحة. وكانت الأيام الأخيرة قد شهدت تصاعدا لافتا في وتيرة العمليات النوعية التي نفذتها فصائل المقاومة، تزامنا مع إعلان الاحتلال عن توسيع عملياته الميدانية جنوبي القطاع، خاصة في مدينة رفح، حيث يواجه مقاومة عنيفة في محيط معبر كرم أبو سالم ومخيم الشابورة. وقد أقرت مصادر عسكرية إسرائيلية بمقتل وإصابة عدد من الجنود خلال هجمات مباغتة تعرضت لها قواتها. عمليات مستقلة وفي تعليقه على العمليات الثلاث التي وقعت خلال اليومين الأخيرين، أوضح الدويري أن كل واحدة منها جرت في مكان مختلف ومن قبل فصيل مقاوم مختلف، مما يدل على استقلالية التخطيط والتنفيذ وتوزع العمل الميداني. وأشار إلى أن عملية محاولة اختطاف القائد الميداني في ألوية الناصر صلاح الدين، أحمد كامل سرحان، ب خان يونس جنوبي قطاع غزة، نُفذت على الأرجح عبر وحدة إسرائيلية خاصة تتبعت تحركاته بعد عودته إلى منزله، مرجحا تورط وحدات مثل "دوفدوفان" أو "شَلداغ". ويرى الخبير العسكري أن يقظة القائد في ألوية الناصر صلاح الدين ورفضه الوقوع أسيرا أدى إلى فشل العملية، رغم استشهاده، لافتا إلى أن أسره لو تم كان سيكون مكلفا جدا للفصائل الفلسطينية لما يحمله من معلومات حساسة. وقد نشرت ألوية الناصر بيانا نعت فيه قائدها الميداني، وأكدت أن فشل الاحتلال في أسره يمثل "هزيمة استخباراتية وميدانية"، في حين أكدت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) أنها تراقب بدقة أداء القوات المتوغلة ولن تسمح لها بالتمركز في المناطق المدنية. كمين معقد أما العملية الثانية، فكانت كمينا معقدا نفذته كتائب القسام في بيت لاهيا، وذكّر بأساليب عمليات "كسر السيف" و"أبواب الجحيم"، من حيث التخطيط الذي شمل استطلاعا ميدانيا، واستدراجا للقوة المقتحمة، وتفجير حشوات ناسفة، ثم الاشتباك المباشر، وتأخر نشر تفاصيل الكمين حتى عودة المقاومين إلى مواقعهم الآمنة. وبثت كتائب القسام لاحقا مشاهد مصورة للعملية أظهرت تفجير عبوات ناسفة وإطلاق نار كثيف من مسافة قريبة، وهو ما أكده جيش الاحتلال لاحقا معلنا مقتل عدد من جنوده خلال الاشتباك. العملية الثالثة، وفق الدويري، تمثلت في تفجير حقل ألغام زرعته سرايا القدس في أحد المحاور التي تمر منها آليات الاحتلال، وتم تفجيره لحظة عبورها، مما أدى إلى تدمير عدة آليات وإصابة من فيها، بحسب ما نشرته السرايا في بيانها. وتأتي هذه التطورات في وقت تزداد فيه التساؤلات داخل الأوساط الإسرائيلية حول فاعلية العمليات البرية، لا سيما مع اعتراف تقارير أمنية بوجود "محدودية في الإنجاز التكتيكي"، و"ثغرات في التنسيق بين الوحدات"، في مقابل تصاعد أداء الفصائل الفلسطينية على الصعيدين الاستخباراتي والميداني.

محللون: احتلال غزة لن يكون سهلا وواشنطن محبطة وتريد وقف الحرب
محللون: احتلال غزة لن يكون سهلا وواشنطن محبطة وتريد وقف الحرب

الجزيرة

timeمنذ 8 ساعات

  • الجزيرة

محللون: احتلال غزة لن يكون سهلا وواشنطن محبطة وتريد وقف الحرب

فشلت إسرائيل في اعتقال أحد قادة المقاومة الفلسطينية عبر عملية خاصة نفذتها في جنوب غزة، وهو ما اعتبره خبراء دليلا على العقبات التي ستواجهها إذا حاولت استعادة الأسرى أو احتلال القطاع بشكل دائم. وحاولت قوة إسرائيلية خاصة اعتقال أحمد سرحان، وهو قيادي في ألوية صلاح الدين -الجناح العسكري للجان المقاومة الشعبية- والذي استشهد خلال اشتباكات مع هذه القوة وسط مدينة خان يونس جنوبي القطاع. في الوقت نفسه، بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتيناهو مساء الاثنين مشاورات أمنية بالتزامن مع بدء المرحلة الثالثة من عملية " عربات غدعون"، وتوسيع العملية البرية. وقبل الاجتماع، قال نتنياهو إن إسرائيل ستسيطر على قطاع غزة كله، في إطار سعيها للقضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، في حين قال وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش ، إن الجيش بدأ يدمر ما تبقى من القطاع. ووصف سموتريتش ما يجري حاليا بـ"تغيير مسار التاريخ"، مشيرا إلى أن الجيش "لن يبقي حجرا على حجر في غزة، وسيدفع السكان إلى جنوب القطاع، ثم إلى دول ثالثة، وهذا هو هدفنا". لكن هذه الأهداف الإسرائيلية المعلنة في احتلال القطاع وتهجير سكانه تصطدم بواقع ميداني قد لا يساعدها على تغيير مسار التاريخ بالطريقة التي تريد، لأن الأمر لن يخلو من ثمن، كما يقول محللون. وقد انتقد زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد، هذه الخطوة بقوله إن دفع الجيش للغوص في وحل غزة لـ15 عاما قادمة يعتبر "خطأ إستراتيجيا وكارثة اقتصادية وسياسية". وتمثل محاولة اعتقال سرحان جزءا من عملية "عربات غدعون"، برأي الخبير العسكري العميد إلياس حنا، لأنه كان سيمثل كنزا معلوماتيا في حال تم القبض عليه حيا. وخلال مشاركته في برنامج "مسار الأحداث"، قال حنا إن إسرائيل ربما حاولت من خلال اعتقال هذا الرجل الحصول على معلومات عن أماكن الأسرى أو الأنفاق أو قادة المقاومة، مشيرا إلى أنها "كانت تعيش عمى استخباريا في غزة قبل الحرب بسبب السيطرة الأمنية لحماس". ويعتقد الخبير العسكري أن فشل الجيش في اعتقال سرحان يعكس احتمالية فشله في استعادة الأسرى، وهو ما حدث في عمليات سابقة عندما قُتل أسرى في الشجاعية شمالا وخان يونس جنوبا. كما أن أسر أو مقتل جندي إسرائيلي واحد خلال أي محاولة لاستعادة أسرى بالقوة يعني فشل العملية كلها، فضلا عن احتمالية مقتل الأسرى أنفسهم خلال محاولات تخليصهم، مما يعني أن الثمن قد يكون باهظا جدا، برأي حنا. وحتى خطة نتنياهو التي تستهدف احتلال القطاع وتهجير سكانه وليس استعادة الأسرى، لن يسهل تنفيذها لأنها تتطلب وقتا، وستواجه واقعا ميدانيا صعبا، كما يقول الخبير العسكري. رفض واسع داخل إسرائيل واتفق الخبير في الشأن الإسرائيلي مهند مصطفى مع حديث حنا، بقوله إن أي محاولة إسرائيلية لاستعادة الأسرى بالقوة ستنتهي بنفس النتيجة لأن المقاومة ستقاتل حتى آخر نفس لمنع إسرائيل من تحقيق هدا الهدف. ووفقا لمصطفى، فقد حذر عسكريون سابقون كبار في إسرائيل من مغبة المضي قدما في هذه الطريق التي فشلت في الكثير من المرات خلال الحرب ولم يتم الإعلان عنها. أما قرار السيطرة على غزة، فقد أصبح قرارا حكوميا رسميا بعد موافقة المجلس الأمني المصغر (الكابينت) عليه، وحديث نتنياهو وسموتريتش علنا عنه، كما يقول مصطفى، مشيرا إلى أن هذه التصريحات "يمكن اعتبارها دليلا أمام المحاكم الدولية على وجود نية لتطهير غزة عرقيا". وفي حين يرفض اليمين الإسرائيلي إيقاف خطة احتلال القطاع وتفريغه من سكانه لأي سبب، فإن عسكريين وسياسيين يرفضون هذه الخطة لدرجة أن بعضهم تحدث عن أنها توريط لإسرائيل في ارتكاب جرائم حرب لا يمكن إنكارها. وقال الخبير في الشأن الإسرائيلي إن هذه العملية تفتقر للشرعية بشكل لم يحدث مع أي عملية أخرى في تاريخ إسرائيل، مضيفا أن ذوي الأسرى يعتبرونها إنهاء لملف استعادة أبنائهم من القطاع. واشنطن محبطة وحتى الولايات المتحدة التي لا تريد فرض حل بعينه رغم ما تملكه من نفوذ، تبدي رفضا لتوسيع الحرب في غزة وتدفع باتجاه التهدئة ووقف الحرب، كما يقول كبير الباحثين في المجلس الأميركي للسياسة الخارجية جيمس روبنز. ويرى روبنز أن العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل لن تصل إلى الفراق الإستراتيجي، لكنه قال إن على إسرائيل فهم ما تريده واشنطن في الوقت الراهن، وهو عدم توسيع العمليات والتوصل لهدنة. واعتبر المتحدث أن حديث ويتكوف عن إطلاق سراح نصف الأسرى مقابل هدنة شهرين مثل ضغطا على إسرائيل وحماس، وقال إن الولايات المتحدة "تحاول وقف الحرب على ما يبدو، وتدين نوعا ما توسيع العملية". ومع ذلك، يعتقد روبنز أن ما ستفعله واشنطن لمنع توسيع العملية ليس معروفا حتى الآن، لكنه يعتقد أن إدارة ترامب محبطة من سلوك إسرائيل، خصوصا مع وجود حديث عن وقف الدعم العسكري، فضلا عن تهديدات من بريطانيا وفرنسا وكندا باتخاذ خطوات ضد إسرائيل. وقال المتحدث إن الخلاف الرئيسي حاليا هو نفسه الذي أدى لانهيار المفاوضات نهاية العام الماضي، حيث تتمسك إسرائيل بنزع سلاح حماس وتتمسك الأخيرة بإنهاء الحرب. وخلص إلى أن مقترح ويتكوف الحالي الذي ينص على استعادة نصف الأسرى مقابل هدنة مدتها شهرين، هو أفضل ما يمكن الوصول إليه لأن الحصول على ضمانات طويلة الأمد يتطلب وقتا أطول من أجل التوصل لاتفاق.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store