
الجامع الأزهر يناقش «حقوق الأبناء» في ملتقاه الفقهي: تكريم الإنسان يبدأ من الطفولة
استهل فضيلة الدكتور رمضان الصاوي الملتقى بالتأكيد على أن تكريم الإنسانية يبدأ بتكريم الأبناء، من خلال ما يقوم به الآباء من غرس قيم الإنسانية النبيلة في وجدان الأبناء، لهذا اهتم الإسلام بحقوق الأبناء على الآباء اهتماما بالغا، وكأن أول هذه الحقوق هي اختيار النسب، لهذا قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه" لانعكاس هذا المعيار في اختيار شريك الحياة على الأبناء في كل شيء في حياتهم، لأنهم تربوا في كنف أبوين يجمعان بين الدين وحسن الخلق، ويؤكد هذا المعنى النبيل حديث آخر لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس"، في إشارة إلى تجنب مواطن الشر البشري التي قد تنعكس على الأطفال نتيجة قربهم من هذه المواطن، وهي عناية غاية في الدقة جاءت بها الشريعة الإسلامية، كضمانة لبيئة سليمة للأبناء.
وذكر فضيلة الدكتور رمضان الصاوي، أن 'سلفنا الصالح، كان يراعي ضوابط اختيار البيئة المثالية للأبناء، وهو ما يظهر من قصة رجل جاء إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يشكو إليه عقوق ابنه فأحضر عمر بن الخطاب رضي الله عنه ابنه وأنَّبَه على عقوقه لأبيه، فقال الابن: يا أمير المؤمنين، أليس للولد حقوق على أبيه؟ قال: بلى، قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال: أن ينتقي أمه، ويُحسن اسمه، ويُعلمه الكتاب (القرآن). فقال الابن: يا أمير المؤمنين إنه لم يفعل شيئاً من ذلك: أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي، وقد سماني جعلاً (جعراناً)، ولم يعلمني من الكتاب حرفاً واحداً، فالتفت أمير المؤمنين إلى الرجل، وقال له: أجئت إليّ تشكو عقوق ابنك، وقد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك، وفي هذه القصة دليل عملي على أن الولد يُحافَظ علبه ويُعتَنى به حتى قبل أن يأتي إلى الدنيا، من خلال حسن اختيار أمه ، واختيار البيئة المناسبة لتربيته'.
وفصل فضيلة الدكتور رمضان الصاوي، بعد ذلك حقوق الأبناء على الآباء، بداية من الفرح والسرور به عند ولادته، ثم بعد ذلك أن يلحقه بنسبه لتكون له هوية وأصول معلومة في المجتمع، حتى لا يعير بنسبه بين بقية أفراد المجتمع، ونجد في هذا التشريع حماية وصيانة للمجتمع من الظاهرة التي باتت تعرف اليوم "بأبناء الشوارع"، والتي حدثت نتيجة عدم التزام فئه من نسبة أبنائهم إليهم، لأنهم أتوا نتيجة علاقات محرمة، فأورثوا أبنائهم الازدراء المجتمعي كنتيجة لنسبهم المجهول، مشيرا إلى أن من حقوق الأبناء على الآباء الحضانة والرعاية في كنف والديه ما دامت الحياة الزوجية قائمة، فإذا لم تكن قائمة فالأم هي الأولى بالحضانة لأنها بأبنائها أرفق، كما ورد أن امرأة قالت : يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وحجري له حواء وثديي له سقاء وزعم أبوه أنه ينزعه مني ، فقال عليه الصلاة والسلام : أنت أحق به ما لم تتزوجي ، لأن الأم أشفق وأقدر على الحضانة فكان الدفع إليها أفضل، وإليه أشار أبو بكر الصديق بقوله : ريقها خير له من شهد وعسل عندك يا عمر، عندما حصلت فرقة بين سيدنا عمر بن الخطاب وزوجته، ومن الحقوق الواجبة للأبناء هي الرضاعة، وما يليها من رعاية في مرحلة الطفولة والتي تتطلب عناية خاصة، وقد أعطانا سيدنا رسول الله صلى الله درسا عمليا في هذا : فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم "قبل الحسن بن علي رضي الله عنهما وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسا، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحدا منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه من لا يرحم لا يرحم".
من جانبه، أكد فضيلة الدكتور علي مهدي، عضو لجنة الفتوى بالجامع الأزهر، أهمية الطفولة في حياة الإنسان، لهذا وضعت الشريعة ضوابط في التعامل مع الأطفال، خاصة أن الدين الإسلامي جاء على مجتمع كان يتسم بالغلظة والقسوة في التعامل مع الأطفال، لدرجة أن هذا المجتمع يرى أن في تقبيل الأطفال ضعف، فكان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يتعامل مع الأطفال برحمة ورقة، لينزع هذه الغلظة من هذا المجتمع ويوضح لهم كيف يتعاملون مع أبنائهم، لأن تربية الأطفال عمادها الحقيقي هو الحنان والرحمة، ولا يغني الأبناء عنها أي شيء آخر في الدنيا وهو ما أكد عليه القرآن الكريم "وقل رب أرحمهما كما ربياني صغيرا"، في إشارة إلى الرحمة والعطف الذي ناله الطفل من أبويه في الصغر.
وبين فضيلة الدكتور علي مهدي، أن من أكبر المشكلات التربوية التي تواجه مجتمعنا المعاصر، هو عدم إدراك بعض الآباء طبيعة مرحلة الطفولة، ويتعامل معها بأساليب لا تناسبها، لهذا يشعرون أنهم فشلوا في تربية أبنائهم أو أن أبنائهم متمردون، والحقيقة عدم إدراكهم لمتطلبات مرحلة الطفولة هو السبب وراء ذلك، مشيرا إلى أن النقد الدائم للأبناء والتوبيخ لا يمكن أن يخرج جيلا سويا، كما أن النظرة الضيقة لبعض الآباء أن ينتظر من أبنائه ألا يخطئوا هي نتيجة سوء فهم لطبيعة مرحلتهم العمرية، وعدم إدراك لدوره في تقويم سلوكهم، وتعليمهم كيف يتعاملون مع المواقف المختلفة.
ودعا فضيلة الدكتور علي مهدي، الآباء والأمهات، إلى قراءة السنة النبوية قراءة جيدة، ليتعلموا منها كيف كان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، يعامل الأبناء على قدر عقولهم وبقدر كل موقف ووفقا لطبيعة المرحلة التي يمرون بها، ولم يكن هذا من سبيل الكلام التنظيري، وإنما لأهمية هذه النعمة العظيمة جاءت مواقفه صلى الله عليه وسلم كلها عملية لتكون منهجا لأمته في التعامل مع أبنائها، من أجل بناء الثقة في نفوسهم، وتنشئتهم على تحمل المسؤولية واحترام حقوق الآخرين.
وفي ختام الملتقى، قال الدكتور مصطفى شيشي إن نعمة الذرية، هي إحدى الأمنيات التي يتمناها العبد في الدنيا، لأنها زينة للحياة، لهذا جاءت الشريعة الإسلامية مبينة حقوق الأبناء على الآباء من أجل صلاح الأسرة وصلاح المجتمع، من خلال تخريج جيل جديد متسلح بالقيم الإنسانية النبيلة التي فيها صلاح المجتمع بأكمله، لهذا بدأت هذه الحقوق مبكرا قبل أن يأتي الأبناء إلى الدنيا مرورا بكل مرحلة من مراحل حياتهم، وما قدمته الشريعة الإسلامية في جانب بر الآباء بالأبناء يعد دستورا تربويا شاملا.
يُذكر أن الملتقى "الفقهي يُعقد الاثنين من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر وبتوجيهات من فضيلة الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، ويهدف الملتقى الفقهي إلى مناقشة المسائل الفقهية المعاصرة التي تواجه المجتمعات الإسلامية، والعمل على إيجاد حلول لها وفقا للشريعة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


المنار
منذ 35 دقائق
- المنار
السيد فضل الله: لحوار داخلي جاد يأخذ بالاعتبار كل الهواجس والمخاطر
قال السيد علي فضل الله إن 'كل الأمور قابلة للنقاش والحوار، لكن الإشكالية تكمن في أن تأتي هذه الإملاءات من الخارج'، وتابع 'نحن بحاجة إلى حوار داخلي جاد يأخذ في الاعتبار كل الهواجس والمخاطر التي تحدق بالوطن'. وأشار السيد فضل الله في حديث له السبت الى أنه 'لا أحد في هذا البلد يريد دفع الأمور نحو حافة الهاوية أو التصادم الداخلي، حتى لا يستفيد العدو الصهيوني من أي خلاف داخلي ويتسلل عبره'. من جهة ثانية، تقدم السيد فضل الله بالتهنئة والتبريك إلى طلاب لبنان، وقال 'لقد بدأتم مرحلة جديدة من حياتكم، ونحن على ثقة بأنكم ستكونون على قدر هذه المسؤولية'، ولفت الى ان 'هذا النجاح ولاسيما ما شهده الجنوب، يعكس روح الإصرار والعزيمة والثبات التي يتمتّع بها هذا الجيل'، مثمّنًا 'هذا العطاء الذي يؤكد أنّ روح الإرادة أقوى من الظروف والمعوقات'. المصدر: الوكالة الوطنية للاعلام


المنار
منذ ساعة واحدة
- المنار
السيد فضل الله: لحوار داخلي جاد يأخذ بالاعتبار كل الهواجس والمخاطر
قال السيد علي فضل الله إن 'كل الأمور قابلة للنقاش والحوار، لكن الإشكالية تكمن في أن تأتي هذه الإملاءات من الخارج'، وتابع 'نحن بحاجة إلى حوار داخلي جاد يأخذ في الاعتبار كل الهواجس والمخاطر التي تحدق بالوطن'. وأشار السيد فضل الله في حديث له السبت الى أنه 'لا أحد في هذا البلد يريد دفع الأمور نحو حافة الهاوية أو التصادم الداخلي، حتى لا يستفيد العدو الصهيوني من أي خلاف داخلي ويتسلل عبره'. من جهة ثانية، تقدم السيد فضل الله بالتهنئة والتبريك إلى طلاب لبنان، وقال 'لقد بدأتم مرحلة جديدة من حياتكم، ونحن على ثقة بأنكم ستكونون على قدر هذه المسؤولية'، ولفت الى ان 'هذا النجاح ولاسيما ما شهده الجنوب، يعكس روح الإصرار والعزيمة والثبات التي يتمتّع بها هذا الجيل'، مثمّنًا 'هذا العطاء الذي يؤكد أنّ روح الإرادة أقوى من الظروف والمعوقات'. المصدر: الوكالة الوطنية للاعلام

القناة الثالثة والعشرون
منذ 3 ساعات
- القناة الثالثة والعشرون
بو عاصي: حزب الله المتهم الأول بانفجار المرفأ والسيادة أولوية
أكد عضو تكتل الجمهورية القوية النائب بيار بو عاصي، عضو تكتل "الجمهورية القوية"، أن "السلم الأهلي لا يتحقق إلا بقيام الدولة بدورها الكامل، لا بالتنازلات عنها". وأضاف: "خير مثال على ذلك هو حرب 1975، حين تلكأت الدولة في أداء دورها منذ اتفاق القاهرة عام 1969، خوفا من الصدام مع الفصائل الفلسطينية، وكانت النتيجة حربا استمرت 15 عاما وأودت بحياة أكثر من 130 ألف لبناني". وقال بو عاصي في مقابلة عبر "بودكاست الجديد" مع الإعلامي ريكاردو الشدياق: "لو كنت رئيسا للجمهورية، لكانت أولويتي تحقيق السيادة وليس تفادي أي صدام. لست في موقع عدائي تجاه أحد، ولكن لا يمكنني التخلي عن دوري وواجبي كدولة. من يعوق قيام الدولة بمهامها هو الخارج عن القانون ويتحمل المسؤولية". وردا على سؤال حول نية الترشح لمقعد شيعي في قضاء بعبدا، أجاب: "بالطبع سأسعى لذلك، وهذا ليس تهمة بل واجب. القرار يعود للناس في صناديق الاقتراع. القول بأن خرق أحد المقاعد الشيعية الـ27 يشكل جريمة هو منطق مرفوض، ويعكس ضعف الثنائي الشيعي وتخبطه". واعتبر بو عاصي أن انفجار مرفأ بيروت هو "جريمة العصر"، تتكون من ثلاث جرائم متتالية: تخزين المواد الخطرة في قلب العاصمة لسنوات، حتى 3 آب، والانفجار الكارثي مساء 4 آب، والإفلات من العقاب، وهو الجريمة الأكبر التي بدأت في 5 آب. وأضاف: "رغم مرور خمس سنوات، لم يصل التحقيق إلى أي نتيجة. كل جريمة كبرى ارتكبت في لبنان خلال الـ25 سنة الأخيرة ولم يكشف مرتكبها، يقف خلفها حزب الله، من اغتيال الرئيس رفيق الحريري، إلى انفجار 4 آب، وصولا إلى اغتيال الياس الحصروني في عين إبل. التهجم على القاضي، واقتحام العدلية، كلها مؤشرات إلى تورط الحزب، وهناك قرار واضح بعدم السماح بوصول التحقيق إلى أي مكان". وشدد على أن "لبنان لم يعد ضمن أولويات المجتمع الدولي. وقد عبر عن ذلك بوضوح الموفد الأميركي السفير توم براك بقوله: "أنتم من طلبتم مساعدتنا، وإذا كنتم تريدونها فعليكم نزع سلاح الحزب. أما إذا لا ترغبون، فهذا حقكم، لكننا لن نبقى ننتظر. هذا أيضا هو موقف السعودية وكل الدول الصديقة". وتابع:"وعن ما إذا كانت الطائفة الشيعية مهددة كما يصرح بعض قادة الحزب، قال: الشيخ نعيم قاسم يقول إن الطائفة الشيعية تشعر بالتهديد. فليقل من يهددها وكيف؟ الحقيقة أن حزب الله هو ذراع إيران السياسية والأمنية في لبنان، ويرفض تسليم سلاحه، ما يهدد العقد الاجتماعي القائم على المساواة بين اللبنانيين. ما يجري اليوم هو تقويض لهذا العقد، وإذا تجاوزنا نقطة اللاعودة، وحده الله يعلم كيف ستنتهي الأمور. لا علاقة لي بالرئيس السوري..رفاقي في القوات فقط. وحول ما إذا كان يعتبر الرئيس السوري أحمد الشرع رفيقا، أجاب: "رفاقي اثنان: من قاتلت إلى جانبه على المتراس، ومن هو في حزب القوات. لا الشرع ولا دونالد ترامب هما رفاقي. لست معنيا بحكم الشرع لسوريا، ما يهمني فقط هو احترام سيادة لبنان، وترسيم وضبط الحدود، وعودة النازحين". وفي ختام الحديث، تطرق بو عاصي إلى خسارة لبنان زياد الرحباني، قائلا: "خسارة زياد كبيرة جدا. كان مرآة لمجتمعنا، وسخر عبقريته ليصور واقعنا بذكاء. في عز الحرب، كنت أستمع إلى أعماله على الكاسيت، لأنه لم يكن متاحا حضورها مباشرة. ضحكنا من وجعنا، وترك فراغا كبيرا في قلوبنا". انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News