
تينغير تحتفل بالإبداع: اختتام الأيام التكوينية و تعزيز الهوية الثقافية
في إطار تفعيل الأنشطة الثقافية والتكوينية الرامية إلى تعزيز روح المواطنة وتنمية الوعي الوطني، نظمت المنظمة المغربية للصوت الوحدوي، فرع إقليم تينغير، يوم الثلاثاء 10 يونيو 2025، فعالية اختتام الأيام التكوينية التي استمرت لشهرين، بالتعاون مع شركائها المحليين: تعاونية وازيس ارت ، النقابة الوطنية للفنانين المبدعين، وشركة الجنوب الشرقي للانتاج الفني . الحدث، الذي أقيم بمسرح الهواء الطلق بمدينة تينغير، جمع بين الفنون المختلفة واحتفى بالقدرات الإبداعية لدى الناشئة، إضافة إلى إبراز جوانب من التراث المحلي المتميز
افتُتح الحفل بحضور جماهيري غفير، شمل عددًا كبيرًا من الأطفال والشباب المشاركين في الدورة التكوينية، بالإضافة إلى شخصيات بارزة من سلطات محلية وأعضاء المنظمة و الرئيس الوطني للمنظمة المغربية للصوت الوحدوي و مرافقيه . بدأت الأمسية بآيات بينات من الذكر الحكيم تلاها النشيد الوطني، الذي أضفى جوًا من الفخر والانتماء الوطني، مؤكّدًا على أهمية الثقافة والفن في بناء وعي مجتمعي قوي ومستدام.
وتميز الحفل بعروض فنية متنوعة، حيث قدم المشاركون من فئة الناشئة مجموعة من العروض المسرحية والموسيقية، مظهرين براعتهم في التعبير الفني وإبداعهم اللامحدود. إضافة إلى ذلك، أُقيمت زيارة للأروقة التي عرضت مجموعة من الأعمال التشكيلية المميزة التي أنتجها الأطفال والشباب المشاركون. هذه الأعمال الزيتية، التي تعكس في مضامينها موضوعات وطنية، قدّمت دليلاً واضحًا على الإمكانيات الفنية المدهشة التي يمتلكها الناشئة في المنطقة.
في هذا الإطار، لا يمكن إغفال الدور المهم الذي لعبته المرأة التنغيرية، حيث تم تخصيص جزء من الحفل للاطلاع على المنتجات التقليدية التي أبدعتها نساء تعاونية وازيس ارت . وقد تميز المعرض بالمنتجات المحلية من مواد غذائية وأقمشة تقليدية، والتي تعكس في تنوعها مدى التفوق والقدرة على الحفاظ على التراث المحلي، إضافة إلى المساهمة الفاعلة للمرأة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية المحلية.
وقد أُحيي الحفل مجموعة من الفنانين المرموقين الذين أضافوا طابعًا خاصًا للمناسبة بتقديمهم عروضًا فنية تنوعت بين الموسيقى والفن المسرحي، جنبًا إلى جنب مع الشباب المبدعين. كما تم تكريم المشاركين من الأطفال والشباب الذين أبدعوا في مختلف مجالات الفنون، حيث تم توزيع الشهادات التقديرية على الفئات المتميزة تقديرًا لإبداعاتهم وعطاءاتهم الفنية.
وقد شهد الحفل تكريم الرئيس الوطني للمنظمة المغربية للصوت الوحدوي، حيث تم تسليمه صورة زيتية شخصية رسمتها إحدى التلميذات المشاركات في الدورة التكوينية. هذا التكريم جاء تعبيرًا عن تقدير المشاركين لجهود الرئيس في دعم وتطوير الأنشطة الثقافية، واهتمامه الخاص بتشجيع المواهب الشابة.
من جانب آخر، شهد الحفل كلمات شكر وتقدير من الرئيس الوطني للمنظمة الوطنية للصوت الوحدوي وأعضاء اللجنة التنظيمية، حيث تم توجيه الشكر للسيد عامل الإقليم والسلطات المحلية على دعمهم المستمر ورعايتهم للفعاليات الثقافية التي تساهم في إحياء الذاكرة الوطنية وتعزيز الهوية الثقافية في المنطقة.
و قد اختتم الحفل بتلاوة برقية ولاء وإخلاص لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، في لحظة عاطفية تجسد التفاف المواطنين حول قيادتهم الحكيمة.
وفي الختام، يمكن القول إن هذا الحدث الثقافي كان مناسبة مثالية للاحتفاء بالإبداع والفن، ولتعزيز التعاون بين مختلف الفاعلين الثقافيين في مدينة تينغير، مما يعكس حجم التفاعل الكبير بين المجتمع المحلي والأنشطة الثقافية التي تدعم المواطنة والتنمية المستدامة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


طنجة نيوز
منذ 2 ساعات
- طنجة نيوز
السبحة.. هدية الحجاج التي تتجاوز قيمتها المادية إلى رمزية روحية خالدة
ذرع دروبا من سوق 'البوادي' الشعبي النابض بالحياة في قلب مدينة جدة، جيئة وذهابا، قبل أن يتسمر وجما أمام محل لبيع السبح، وقد ارتسمت على ملامحه علامات الحيرة والتردد، تاهت عيناه وتساءل عن أيها يختار إزاء تنوع صنوف الألوان وضروب الأشكال، وجودة المواد والخامات المتباينة بين الباهظ ثمنه والبسيط زهيد السعر. حرص الحاج المغربي عبد الله، وهو في العقد الخامس من عمره، قبل موعد الرحيل عن الديار المقدسة بعد أدائه فريضة الحج لهذا العام 1446 هـ، على اغتنام الفترة بين صلاتي المغرب والعشاء، بعد أن تلطف الحر قليلا، ليقتني بعض الهدايا لأهله وأصدقائه، لكن تردده ذاك جعله يقف صامتا دون أن يبرح المكان، قبل أن ينبري أحد أعوان المتجر ليقدم له بعض الشروحات التي قد تجلي حيرته. هي نجمة تعلو في سماء هدايا الحجيج بدون منازع، تختزل معاني روحية بليغة أكانت باهظة الثمن أم بسيطة، تجد لها مكانا أثيرا في النفوس رغم كونها مجرد حبات يجمع بينها خيط، لكن وقعها لدى المهداة إليهم من الأقارب والأصدقاء يكون كبيرا، إذ يرى فيها الكثيرون بركة ودعاء بأن يمن عليهم المنان أيضا بزيارة مهوى القلوب. ومن الناس من لا تكتمل عندهم أناقة اليد إلا بسبحة تتهاوى في تؤدة لا تخلو من فخامة بين الأصابع على إيقاع ذكر الله، حيث تتداخل طقطقات حباتها مع عبارات التسبيح وتعظيم الله جل وعلا، كأنما تعزف على أوتار القلب حروف عبارات التقوى. ومهما اختلفت أنواعها وتباينت أسعارها والمواد التي تدخل في صنعها، تبقى السبح من أعز الهدايا التي يجلبها حجاج بيت الله الحرام والمعتمرون كتذكار من البقاع المقدسة، وهدية تنطوي على معاني البركة إلى أحبتهم وأصدقائهم. وتظل السبح من الهدايا التي لا تخلو منها حقائب العائدين من الحج، مهما اختلفت قدراتهم المادية، والشعوب والثقافات التي ينتمون إليها. وسواء أكانت من الأحجار الكريمة، كالزمرد واللؤلؤ والمرجان، أو بسيطة، من البلاستيك والخشب أو المواد الزجاجية، تبقى السبح ذات معاني رمزية وقيمة معنوية بالأساس، لما تحيل عليه وتختزله من دلالات روحية ترتبط بالذكر والعبادة والتقوى، فضلا عن كونها تنطوي على معاني كبيرة، لكونها اقتنيت من مكة المكرمة أو المدينة المنورة. وتتكون السبحة عموما من تسعة وتسعين حبة مع فاصلتين صغيرتين، حيث يكون بين كل فاصلة ثلاثة وثلاثون حبة وشاهد، ومنها ما يتكون من ثلاثة وثلاثين حبة مع فاصلتين، تكون بين كل منهما إحدى عشرة حبة وشاهد، ويحرص صناعها على أن تكون حباتها ذات حجم مناسب ويسهل تحريكها بأصابع اليد. وثمة عوامل عديدة تدخل في تحديد أسعار السبح، يكون لها تأثير مباشر على قيمتها في السوق. ويأتي في صدارة هذه العوامل الخامات والمواد المستخدمة في الصنع. ويرتفع سعر السبح كلما كانت خامتها نادرة مثل الكهرمان، والأحجار الكريمة أو من المعادن الثمينة مثل الذهب والفضة. وتؤثر دقة الصنع والتصميم، أيضا، على قيمة السبح، حيث تبقى السبحة المصنوعة بطريقة يدوية أكثر تطلبا من حيث مدة الصنع ومهارة الصانع التقليدي ومدى حرفيته، مقابل السبح التي تصنع بطريقة آلية من مواد بسيطة زهيدة السعر كالبلاستيك مثلا. وهناك من يتولد في نفسه شغف خاص بجمع أنواع عديدة ومختلفة من السبح لاسيما الثمين منها. وبفضل هذا الشغف تصبح لديهم صفات الخبير القادر على التفريق بين أنواع السبح ومعرفة الأصلي منها والمقلد. وغالبا ما تجدهم في بحث متواصل عن النادر منها وعن تلك المصنوعة من مواد باهظة الثمن أو ذات القيمة الثقافية والروحية، خاصة حينما يعتقد أنها مباركة أو كانت مملوكة لشخص عرف بزهده وورعه. وعلى الصعيد الاقتصادي فإن حجم سوق الهدايا التذكارية التي يشتريها الحجاج والمعتمرون خلال موسم الحج والعمرة يبلغ حوالي 30 مليار ريال (8 ملايير دولار)، بحسب ملتقى السفر والاستثمار السياحي السعودي. وتقدر نسبة السبح والسجاد بحوالي 40 بالمائة من إجمالي هدايا الحجاج في موسم الحج. وتتضح الأهمية الاقتصادية لهذه السوق بالنظر إلى التوافد الكثيف للحجاج أو المعتمرين على المحلات التجارية، سواء في أسواق مكة المكرمة أو المدينة والمنورة أو جدة، لاقتناء هدايا تتباين أسعارها وتختلف أنواعها بحسب تفضيلاتهم وقدراتهم المادية. ولئن كان الكثيرون يواصلون تفضيل السبحة التقليدية، المصنوعة بطريقة حرفية من أرقى المواد الطبيعية كالكهرمان أو المرجان أو الفيروز، لما يتميز به ملمسها الطبيعي والأناقة التي تضفيها على اليد، فإن البعض الآخر، تغريهم مزايا التكنلوجيا التي غزت كل شيء في العالم. وكغزوها كل مناحي الحياة، وجدت الثورة التكنولوجية لها موطئ قدم حتى في صناعة السبح، لتنتشر بين أيدي البعض سبح إلكترونية صغيرة يسعى مصنعوها لكسب نصيب من السوق، بالاعتماد على ما توفره من مزايا. والسبحة الإلكترونية جهاز صغير خفيف الوزن يمكن الإمساك به بأصبعين فقط، من مميزاته توفره على شاشة وعداد رقمي لتسجيل عدد التسبيحات، يتيح لمستعمله التقدم في الأذكار ومعرفة عددها ما يحول بينه وبين النسيان، لئلا يعيد التسبيح من جديد. وثمة، أيضا، مسبحة إلكترونية على شكل تطبيقات يمكن تحميلها على الهاتف المحمول، توفر خيارات متنوعة وعديدة على غرار باقي التطبيقات. ويعتقد أنصار هذه المسبحة أنها تتيح التركيز، وأنها مثالية لعد التسبيحات وتحول دون القلق بشأن مدى التقدم في تعداد الأذكار. لكن هذه السبح الإلكترونية مهما تطورت تفتقر إلى القيمة الخاصة التي تختزنها السبح التقليدية وتاريخها على الصعيدين الثقافي أو الروحي، كما أنها تحتاج إلى الشحن أو استبدال البطارية، فضلا عن افتقارها للقيمة المادية الناتجة عن المواد النادرة والفخمة التي تصنع منها السبحة التقليدية. ومن السبح التقليدية ما يعتقد بعضهم أنها 'مباركة' ولا مجال لأي جهاز إلكتروني مهما كان دقيقا أن يحل محلها. وعلاوة على كل ذلك يبقى التقليدي من السبح جسرا بين الماضي والحاضر، إذ تضرب جذوره في عمق التاريخ والثقافة الإسلاميين. وغني عن القول إن هديا الحجاج لا تقتصر على السبح، بل إنها تشمل، كذلك، سجادات الصلاة ومجسمات الحرمين والتمور، فضلا عن الأقمشة بأنواعها والعطور بصنوفها وخاصة الشرقي منها، وكذا التحف التي تحمل صورا للكعبة أو المسجد الحرام. بعد شروحاته تلك حول السبح انساب الحديث تلقائيا بين نسيم عون المتجر اليمني والحاج عبد الله، ليتناول شغفهما المشترك بكرة القدم وما يقدمه حارس المرمى المغربي المتألق ياسين بونو من أداء متميز في الدوري السعودي. بعد حيرته استقر رأي الحاج عبد الله في نهاية المطاف، على مجموعة من السبح، فهي برأيه أخف وزنا من باقي الهدايا وأكبر وقعا وتأثيرا بالنسبة للأقارب. اختار من بعضها عشرات عديدة، فيما كان أكثر حرصا على دقة الانتقاء وجودة الاختيار بالنسبة لأنواع أخرى أجمل وأرقى اعتبارا لمدى قرب من ينوي إهداءها إليهم من قلبه. إعلان


24 طنجة
منذ 2 ساعات
- 24 طنجة
✅ السبحة.. نجمة تعلو في سماء هدايا ضيوف الرحمان بدون منازع
محمد حدادي – و م ع: ذرع دروبا من سوق 'البوادي' الشعبي النابض بالحياة في قلب مدينة جدة، جيئة وذهابا، قبل أن يتسمر وجما أمام محل لبيع السبح، وقد ارتسمت على ملامحه علامات الحيرة والتردد، تاهت عيناه وتساءل عن أيها يختار إزاء تنوع صنوف الألوان وضروب الأشكال، وجودة المواد والخامات المتباينة بين الباهظ ثمنه والبسيط زهيد السعر. حرص الحاج المغربي عبد الله، وهو في العقد الخامس من عمره، قبل موعد الرحيل عن الديار المقدسة بعد أدائه فريضة الحج لهذا العام 1446 هـ، على اغتنام الفترة بين صلاتي المغرب والعشاء، بعد أن تلطف الحر قليلا، ليقتني بعض الهدايا لأهله وأصدقائه، لكن تردده ذاك جعله يقف صامتا دون أن يبرح المكان، قبل أن ينبري أحد أعوان المتجر ليقدم له بعض الشروحات التي قد تجلي حيرته. هي نجمة تعلو في سماء هدايا الحجيج بدون منازع، تختزل معاني روحية بليغة أكانت باهظة الثمن أم بسيطة، تجد لها مكانا أثيرا في النفوس رغم كونها مجرد حبات يجمع بينها خيط، لكن وقعها لدى المهداة إليهم من الأقارب والأصدقاء يكون كبيرا، إذ يرى فيها الكثيرون بركة ودعاء بأن يمن عليهم المنان أيضا بزيارة مهوى القلوب. ومن الناس من لا تكتمل عندهم أناقة اليد إلا بسبحة تتهاوى في تؤدة لا تخلو من فخامة بين الأصابع على إيقاع ذكر الله، حيث تتداخل طقطقات حباتها مع عبارات التسبيح وتعظيم الله جل وعلا، كأنما تعزف على أوتار القلب حروف عبارات التقوى. ومهما اختلفت أنواعها وتباينت أسعارها والمواد التي تدخل في صنعها، تبقى السبح من أعز الهدايا التي يجلبها حجاج بيت الله الحرام والمعتمرون كتذكار من البقاع المقدسة، وهدية تنطوي على معاني البركة إلى أحبتهم وأصدقائهم. وتظل السبح من الهدايا التي لا تخلو منها حقائب العائدين من الحج، مهما اختلفت قدراتهم المادية، والشعوب والثقافات التي ينتمون إليها. وسواء أكانت من الأحجار الكريمة، كالزمرد واللؤلؤ والمرجان، أو بسيطة، من البلاستيك والخشب أو المواد الزجاجية، تبقى السبح ذات معاني رمزية وقيمة معنوية بالأساس، لما تحيل عليه وتختزله من دلالات روحية ترتبط بالذكر والعبادة والتقوى، فضلا عن كونها تنطوي على معاني كبيرة، لكونها اقتنيت من مكة المكرمة أو المدينة المنورة. وتتكون السبحة عموما من تسعة وتسعين حبة مع فاصلتين صغيرتين، حيث يكون بين كل فاصلة ثلاثة وثلاثون حبة وشاهد، ومنها ما يتكون من ثلاثة وثلاثين حبة مع فاصلتين، تكون بين كل منهما إحدى عشرة حبة وشاهد، ويحرص صناعها على أن تكون حباتها ذات حجم مناسب ويسهل تحريكها بأصابع اليد. وثمة عوامل عديدة تدخل في تحديد أسعار السبح، يكون لها تأثير مباشر على قيمتها في السوق. ويأتي في صدارة هذه العوامل الخامات والمواد المستخدمة في الصنع. ويرتفع سعر السبح كلما كانت خامتها نادرة مثل الكهرمان، والأحجار الكريمة أو من المعادن الثمينة مثل الذهب والفضة. وتؤثر دقة الصنع والتصميم، أيضا، على قيمة السبح، حيث تبقى السبحة المصنوعة بطريقة يدوية أكثر تطلبا من حيث مدة الصنع ومهارة الصانع التقليدي ومدى حرفيته، مقابل السبح التي تصنع بطريقة آلية من مواد بسيطة زهيدة السعر كالبلاستيك مثلا. وهناك من يتولد في نفسه شغف خاص بجمع أنواع عديدة ومختلفة من السبح لاسيما الثمين منها. وبفضل هذا الشغف تصبح لديهم صفات الخبير القادر على التفريق بين أنواع السبح ومعرفة الأصلي منها والمقلد. وغالبا ما تجدهم في بحث متواصل عن النادر منها وعن تلك المصنوعة من مواد باهظة الثمن أو ذات القيمة الثقافية والروحية، خاصة حينما يعتقد أنها مباركة أو كانت مملوكة لشخص عرف بزهده وورعه. وعلى الصعيد الاقتصادي فإن حجم سوق الهدايا التذكارية التي يشتريها الحجاج والمعتمرون خلال موسم الحج والعمرة يبلغ حوالي 30 مليار ريال (8 ملايير دولار)، بحسب ملتقى السفر والاستثمار السياحي السعودي. وتقدر نسبة السبح والسجاد بحوالي 40 بالمائة من إجمالي هدايا الحجاج في موسم الحج. وتتضح الأهمية الاقتصادية لهذه السوق بالنظر إلى التوافد الكثيف للحجاج أو المعتمرين على المحلات التجارية، سواء في أسواق مكة المكرمة أو المدينة والمنورة أو جدة، لاقتناء هدايا تتباين أسعارها وتختلف أنواعها بحسب تفضيلاتهم وقدراتهم المادية. ولئن كان الكثيرون يواصلون تفضيل السبحة التقليدية، المصنوعة بطريقة حرفية من أرقى المواد الطبيعية كالكهرمان أو المرجان أو الفيروز، لما يتميز به ملمسها الطبيعي والأناقة التي تضفيها على اليد، فإن البعض الآخر، تغريهم مزايا التكنلوجيا التي غزت كل شيء في العالم. وكغزوها كل مناحي الحياة، وجدت الثورة التكنولوجية لها موطئ قدم حتى في صناعة السبح، لتنتشر بين أيدي البعض سبح إلكترونية صغيرة يسعى مصنعوها لكسب نصيب من السوق، بالاعتماد على ما توفره من مزايا. والسبحة الإلكترونية جهاز صغير خفيف الوزن يمكن الإمساك به بأصبعين فقط، من مميزاته توفره على شاشة وعداد رقمي لتسجيل عدد التسبيحات، يتيح لمستعمله التقدم في الأذكار ومعرفة عددها ما يحول بينه وبين النسيان، لئلا يعيد التسبيح من جديد. وثمة، أيضا، مسبحة إلكترونية على شكل تطبيقات يمكن تحميلها على الهاتف المحمول، توفر خيارات متنوعة وعديدة على غرار باقي التطبيقات. ويعتقد أنصار هذه المسبحة أنها تتيح التركيز، وأنها مثالية لعد التسبيحات وتحول دون القلق بشأن مدى التقدم في تعداد الأذكار. لكن هذه السبح الإلكترونية مهما تطورت تفتقر إلى القيمة الخاصة التي تختزنها السبح التقليدية وتاريخها على الصعيدين الثقافي أو الروحي، كما أنها تحتاج إلى الشحن أو استبدال البطارية، فضلا عن افتقارها للقيمة المادية الناتجة عن المواد النادرة والفخمة التي تصنع منها السبحة التقليدية. ومن السبح التقليدية ما يعتقد بعضهم أنها 'مباركة' ولا مجال لأي جهاز إلكتروني مهما كان دقيقا أن يحل محلها. وعلاوة على كل ذلك يبقى التقليدي من السبح جسرا بين الماضي والحاضر، إذ تضرب جذوره في عمق التاريخ والثقافة الإسلاميين. وغني عن القول إن هديا الحجاج لا تقتصر على السبح، بل إنها تشمل، كذلك، سجادات الصلاة ومجسمات الحرمين والتمور، فضلا عن الأقمشة بأنواعها والعطور بصنوفها وخاصة الشرقي منها، وكذا التحف التي تحمل صورا للكعبة أو المسجد الحرام. بعد شروحاته تلك حول السبح انساب الحديث تلقائيا بين نسيم عون المتجر اليمني والحاج عبد الله، ليتناول شغفهما المشترك بكرة القدم وما يقدمه حارس المرمى المغربي المتألق ياسين بونو من أداء متميز في الدوري السعودي. بعد حيرته استقر رأي الحاج عبد الله في نهاية المطاف، على مجموعة من السبح، فهي برأيه أخف وزنا من باقي الهدايا وأكبر وقعا وتأثيرا بالنسبة للأقارب. اختار من بعضها عشرات عديدة، فيما كان أكثر حرصا على دقة الانتقاء وجودة الاختيار بالنسبة لأنواع أخرى أجمل وأرقى اعتبارا لمدى قرب من ينوي إهداءها إليهم من قلبه.


لكم
منذ 5 ساعات
- لكم
مُحَمَّدُ الشُّوبِي... ظِلُّكَ الْبَاقِي فِينَا
لا نحتاج اليوم إلى استعراض السيرة الفنية الطويلة للراحل محمد الشوبي، ولا إلى الدفاع عن آرائه أو توضيح مواقفه، فقد عاش حياته وفنّه بصدق وجرأة، وهو ما يجعلنا نلتقي اليوم لا لنرثيه، بل لنحتفل بآثاره، ونحيي ما زرعه فينا من حب للفن والمعرفة والحرية. لقد شكل محمد الشوبي، منذ بداياته في مسرح الهواة بمراكش، حضورا فنيا استثنائيا. موهبته الفطرية التي صقلها عبر التكوين الأكاديمي بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، جعلت منه أحد أبرز الوجوه في المسرح والسينما والتلفزيون بالمغرب. لكن فنه لم يكن مجرد مهنة، بل كان موقفا ومسؤولية، ينبع من إحساس عميق بالانتماء إلى الناس، إلى قضاياهم، وإلى أسئلتهم الوجودية والاجتماعية. امتلك الشوبي ثقافة واسعة وقلقا فكريا خلاقا، قل نظيره بين الفنانين. كان قارئا نهما، ناقدا لا يرضى بالمسلمات، ومبدعا ينحت بالكلمة كما بالشخصية التي يؤديها. كتب القصة والشعر، وترك لنا من خلالهما أثرا وجدانيا رفيعا يُعبر عن إنسان يرى في الفن ساحة للمساءلة لا للراحة. في مسيرته، اشتغل مع كبار المخرجين المغاربة والعرب، وشارك في أعمال شكلت ذاكرة أجيال، لكنه ظل دائما وفيا لاختياره الأصعب: أن يكون صادقا. أن يختار الأدوار التي تشبهه وتشبه أسئلته، أن يقف من الفن موقف المجتهد لا المستهلك، موقف الفنان–المواطن الذي يكتب ويُصور ويُشخص، لكنه أيضا يُسائل، يُناقش، ويُقاوم السطحية والتسطيح. رحل محمد الشوبي جسدا، لكنه باق فينا ما بقي الفن موقفا، والكلمة مسؤولة، والمسرح بحثا عن الإنسان. رحمك الله يا محمد، أيها العزيز، الصادق، القلق الجميل… سنشتاق إلى دفء حضورك، لكننا سنظل نستحضرك كلما ضاقت بنا السبل، وكلما احتجنا إلى المعنى.